سفر يشوع | 11 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر يشوع
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي عَشَرَ
حرب يشوع في الشمال
١ «فَلَمَّا سَمِعَ يَابِينُ مَلِكُ حَاصُورَ، أَرْسَلَ إِلَى يُوبَابَ مَلِكِ مَادُونَ وَإِلَى مَلِكِ شِمْرُونَ وَإِلَى مَلِكِ أَكْشَافَ».
ص ١٠: ٣ ص ١٩: ١٥
يَابِينُ مَلِكُ حَاصُورَ المرجّح أن يابين كان اسماً لكل ملك من ملوك حاصور كما كان فرعون لكل ملك من ملوك مصر. وكان هذا الملك في شمالي كنعان كما كان أدوني صادق ملك أورشليم في جنوبيها فإن ملك أورشليم جمع الملوك المجاورين له في الجنوب ليحاربوا معه وملك حاصور جمع الملوك المجاورين له في الشمال لذلك. وحاصور مدينة عظيمة كما يظهر مما في (إرميا ٤٩: ٢٨ – ٣٣). ولم يعرف موقعها على التحقيق لكن بعض العلماء ظنها تل خريبة وبعضهم ظنها الحضيرة وغيره ظنها الحزّارة قرب بيت جبرين ورأى بعض المفسرين أنها جبل الحضيرة قرب قادس في الجليل العليا.
مَادُونَ قال العلّامة جورج بوش «موقع هذه المدينة مجهول ولا ريب أنها كانت في جوار المدن المذكورة هنا». وقال العلّامة جورج بوست «يرجح أنها مادون قرب حطين». وقال العلّامة والر «لعلها مادِن غربي بحر الجليل».
شِمْرُونَ قال والر «هي اليوم سيمونية غربي الناصرة على غاية نحو خمسة أميال منها فهي في مرج ابن عامر». وقال بوش «وقعت هذه المدينة بعد ذلك في سهم زبولون وكانت على غاية أحد عشر ميلاً من الناصرة في الجنوب الشرقي منها». وقال جورج بوست «ربما هي قرية السميريّة على بُعد ساعة ونصف من عكا على طريق صور». قلنا وهو أقرب إلى لفظ شمرون إذ كثيراً ما تُلفظ الشين العبرانية سيناً في العربية.
أَكْشَافَ كانت في سبط أشير قرب حدّ زبولون ثم صارت قرية صغيرة اسمها خاسالوس في عصر جيروم في آخر القرن الرابع وهي اليوم خربة. ورأى بعضهم أنها حيفا وآخر أنها عين كساف أو خربة كساف وهذا أقرب إلى لفظها ولعله هو الحق.
٢ «وَإِلَى ٱلْمُلُوكِ ٱلَّذِينَ إِلَى ٱلشِّمَالِ فِي ٱلْجَبَلِ، وَفِي ٱلْعَرَبَةِ جَنُوبِيَّ كِنَّرُوتَ وَفِي ٱلسَّهْلِ وَفِي مُرْتَفَعَاتِ دُورَ غَرْباً».
عدد ٣٤: ١١ ص ١٧: ١١ وقضاة ١: ٢٧ و١ملوك ٤: ١١
إِلَى ٱلشِّمَالِ فِي ٱلْجَبَلِ أي إلى الأرض الجبلية في الشمال.
وَفِي ٱلْعَرَبَةِ جَنُوبِيَّ كِنَّرُوتَ العربة هنا السهل وكنّروت هي كنّارة (يشوع ١٩: ٣٥). وسُمّيت في العهد الجديد «جنيسارت» وهي مدينة قديمة كانت في سهم نفتالي ويظن أنها هي طبرية الحديثة أو كانت في موقعها. وقيل أن موقعها على غاية ثلاثة أميال من طبرية وإلى الشمال الغربي منها. ومنها سُمي بحر طبرية بحر كنّروت وبحر جنيسارت.
ٱلسَّهْلِ أي بلاد السهل وهو الوادي هناك أو الأرض الغور أي المنخفضة.
مُرْتَفَعَاتِ دُورَ المرتفعات الأنجاد ورؤوس الجبال كان الوثنيون يعبدون عليها أصنامهم. وكانت تُفرز أحياناً لعبادة الله وأُضيفت إلى دور لأنها مجاورة لها. وفي أرض دور اليوم قرية صغيرة على شاطئ بحر الروم تُسمى طنطورة فقيل أنها هي دور فصارت كذا بعد أن كانت عاصمة مملكة. وهي على غاية تسعة أميال من قيصرية فلسطين وعلى مسافة قصيرة من جبل الكرمل وبيوتها بين الأربعين والخمسين. وقيل أن في جوار طنطورة أطلال تلك المدينة العظيمة ورسومها.
٣ «ٱلْكَنْعَانِيِّينَ فِي ٱلشَّرْقِ وَٱلْغَرْبِ، وَٱلأَمُورِيِّينَ وَٱلْحِثِّيِّينَ وَٱلْفِرِزِّيِّينَ وَٱلْيَبُوسِيِّينَ فِي ٱلْجَبَلِ، وَٱلْحِوِّيِّينَ تَحْتَ حَرْمُونَ فِي أَرْضِ ٱلْمِصْفَاةِ».
قضاة ٣: ٣ تثنية ٣: ٨ و٩ وص ١٣: ١١ تكوين ٣١: ٤٩ وقضاة ١١: ١٩
ٱلْكَنْعَانِيِّينَ فِي ٱلشَّرْقِ وَٱلْغَرْبِ أي وأرسل إلى الكنعانيين. والكنعانيون كل قبائل أرض كنعان ولكنهم هنا القوم أو الأمة التي قسم منها في الشرق قرب الأردن والقسم الآخر في الغرب قرب البحر.
ٱلْحِوِّيِّينَ تَحْتَ حَرْمُونَ أي عند حضيض جبل حرمون وهو المعروف اليوم بجبل الشيخ. وقد تقدّم الكلام على الحويين وغيرهم من الأمم الكنعانية في تفسير (تكوين ١٠: ١٥ – ١٨ وتفسير يشوع ٩: ١ فارجع إليهما).
فِي أَرْضِ ٱلْمِصْفَاةِ يُظن أن هذه الأرض البقاع بين لبنان والجبل الشرقي أي هي غربي حرمون.
٤ «فَخَرَجُوا هُمْ وَكُلُّ جُيُوشِهِمْ مَعَهُمْ، شَعْباً غَفِيراً كَٱلرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ فِي ٱلْكَثْرَةِ، بِخَيْلٍ وَمَرْكَبَاتٍ كَثِيرَةٍ جِدّاً».
تكوين ٢٢: ١٧ و٣٢: ١٢ وقضاة ٧: ١٢ و١صموئيل ١٣: ٥
فَخَرَجُوا على الإسرائيليين أي برزوا لقتالهم. والخروج في العربية إذا كان معناه البروز للقتال تعدّى بعلى وقد تُحذَف هي ومجرورها لدلالة القرينة. وقد كثر استعماله لهذا المعنى في الكتاب المقدس ومن ذلك ما في (عدد ١٢: ٢٣ و٢صموئيل ١١: ١ وأيوب ٣٩: ٢١).
غَفِيراً أي كثيراً يحجب ما وراءه أو يغطي الأرض ويسترها فهو مأخوذ من الغفر وهو الستر أو التغطية.
كَٱلرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ فِي ٱلْكَثْرَةِ أي يتعذر عدهم وهو مبالغة مألوفة ومثله كثير في العبرانية والعربية. قال يوسيفوس ولم يسند قوله إلى دليل أنهم كانوا ٣٠٠٠٠٠ راجل و١٠٠٠٠ فارس و٢٠٠٠٠ مركبة أي محارب على المركبات ذوات البكر (أو الدواليب وهي ما يُعرف اليوم بالعربات).
بِخَيْلٍ وَمَرْكَبَاتٍ أي بفوارس ومركبيّين. قال بعضهم «المرجّح أنهم جلبوا الخيل من مصر أو أرمينيا لأن أرض كنعان لم تكن مناسبة لتوفيرها» (تثنية ١٧: ١٦ و١ملوك ١٠: ٢٨ و٢٩). والمظنون أن مركبات الكنعانيين كانت مدرعة أي مغطاة بالحديد كالدروع (قضاة ٤: ٣) فكانت إذا جرت كان لها وقع هائل في قلوب المشاة كجنود إسرائيل خوفاً من أن تحصدهم كما تحصد المناجل الزرع ولكن يشوع والإسرائيليين لم يخافوا مثل هذا الخوف لأن الله شجعهم ووعدهم بالنصر. وهذه الجنود العظيمة للممالك الشمالية فقط ومن عناية الرب كان الكنعانيون انقسموا وحارب يشوع أولاً الممالك الجنوبية وكسرها ثم الشمالية فلم يكن فرصة لاتحاد الكنعانيين على إسرائيل.
٥ «فَٱجْتَمَعَ جَمِيعُ هٰؤُلاَءِ ٱلْمُلُوكِ بِمِيعَادٍ وَجَاءُوا وَنَزَلُوا مَعاً عَلَى مِيَاهِ مَيْرُومَ لِيُحَارِبُوا إِسْرَائِيلَ».
فَٱجْتَمَعَ… ٱلْمُلُوكِ بِمِيعَادٍ أي بمقتضى اتفاق سابق على وقت معيّن ولهذا جاء في الترجمة الكلدانية «فاجتمع… في وقت متفق عليه».
مِيَاهِ مَيْرُومَ قال بعضهم هي أبعد البرَك الثلاث التي تنشأ في مجرى الأردن. ولذا ظن الأكثرون أنها بحيرة سماخونيتس أو سيماخون بين ينبوع الأردن وبحيرة جنيسارت وهي سمكة في العربية وإنها هي بحيرة الحولة أي بحيرة الوادي وهي على غاية ١١ ميلاً من بحر طبرية شمالاً طولها ستة أميال ومعدّل عرضها ثلاثة أميال ونصف ميل وعمقها إحدى عشرة قدماً وهي تنخفض عن سطح البحر المتوسط ٢٧٠ قدماً. والوادي الذي فيه هذه البحيرة بين شعبتين من جبل حرمون الذي هو جبل الشيخ يجف جانب كبير منها في الصيف ويغطيه الأنجم والأعشاب فيختبئ تحتها الوحوش المفترسة.
٦ «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ: لاَ تَخَفْهُمْ لأَنِّي غَداً فِي مِثْلِ هٰذَا ٱلْوَقْتِ أَدْفَعُهُمْ جَمِيعاً قَتْلَى أَمَامَ إِسْرَائِيلَ، فَتُعَرْقِبُ خَيْلَهُمْ وَتُحْرِقُ مَرْكَبَاتِهِمْ بِٱلنَّارِ».
ص ١٠: ٨ و٢صموئيل ٨: ٤
فَتُعَرْقِبُ خَيْلَهُمْ وَتُحْرِقُ مَرْكَبَاتِهِمْ أي تقطع عراقيب خيلهم وهي في الدواب أعصاب غليظة في أرجلها بين الوظيف والساق والوظيف الجزء المستدق فوق الرجل واليد. ولعل الحكمة في ذلك بيان أن الاتكال على الخيل والمركبات باطل لأنها إذا كانت لا تقدر أن تقي أنفسها لا تستطيع أن تقي فرسانها فإن أولئك الوثنيين كانوا يتكلون على الخيل والمركبات كثيراً حتى كادوا ينزلون الخيل أو أنزلوها منزلة الآلهة فإنهم ما كانوا يحاربون على الخيل ولا على المركبات لأغراض لم نعلمها لبُعد عهدها. وربما كان منها بزيادة للنكاية في الأعداء وحرمانهم. وقد فعل داود مثل ذلك (٢صموئيل ٨: ٤).
٧ «فَجَاءَ يَشُوعُ وَجَمِيعُ رِجَالِ ٱلْحَرْبِ مَعَهُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ مِيَاهِ مَيْرُومَ بَغْتَةً وَسَقَطُوا عَلَيْهِمْ».
بَغْتَةً كما فعلوا مع أهل جبعون فإن البغتة تعربس الأعداء وترهبهم قبل أن يستعدوا تمام الاستعداد. والسرعة التي أتوها حيّرت النازلين على مياه ميروم وصوّرت لهم نشاط الإسرائيليين وقدرتهم والظاهر أن الكنعانيين لم يقفوا مطلقاً أمام إسرائيل بل هربوا منهم قبل المقابلة.
سَقَطُوا عَلَيْهِمْ أي نزلوا إليهم مسرعين كأنهم حجارة ساقطة عليهم.
٨ «فَدَفَعَهُمُ ٱلرَّبُّ بِيَدِ إِسْرَائِيلَ، فَضَرَبُوهُمْ وَطَرَدُوهُمْ إِلَى صَيْدُونَ ٱلْعَظِيمَةِ وَإِلَى مِسْرَفُوتَ مَايِمَ وَإِلَى بُقْعَةِ مِصْفَاةَ شَرْقاً. فَضَرَبُوهُمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُمْ شَارِدٌ».
ص ١٣: ٦
صَيْدُونَ ٱلْعَظِيمَةِ هي المعروفة بصيداء اليوم وهي مدينة فينيقية قديمة، موقعها على شاطئ البحر المتوسط المجاور لبنان وهي على غاية نحو ٢٥ ميلاً من بيروت ومثل ذلك عن صور أي هي جنوبي بيروت وشمالي صور على ما يقرب من منتصف البعد بينهما. ونُعتت «بالعظيمة» لأنها كانت حينئذ أمّ مدن فينيقية. ولم يأخذها الإسرائيليون وكان أهلها يظلمونهم (قضاة ١٠: ١٢) وهم مطمئنون لا يخافون أحداً (قضاة ١٨: ٧ و٢٧ و٢٨).
وَإِلَى مِسْرَفُوتَ مَايِمَ أي محرقات الماء وهي اسم موضع في شمالي فلسطين لم تتحقق علة تسميتها بذلك فهل كانت ذات حمّات أي ينابيع ماء حار يومئذ ثم انقطعت. وهي قريبة من لفظة صرفة وهي المعروفة بصرفند اليوم قرب شاطئ البحر جنوبي صيداء على غاية ثلاثة أميال منها.
بُقْعَةِ مِصْفَاةَ شَرْقاً المظنون أنها البقاع.
لَمْ يَبْقَ لَهُمْ شَارِدٌ وصلت أيديهم إليه وإلا فقد هرب بعضهم إلى صور وبعضهم إلى صيداء وغيرهما لأنهم كانوا كثيرين جداً (ع ٤).
٩ «فَفَعَلَ يَشُوعُ بِهِمْ كَمَا قَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ. عَرْقَبَ خَيْلَهُمْ وَأَحْرَقَ مَرْكَبَاتِهِمْ بِٱلنَّار».
ع ٦
فَفَعَلَ يَشُوعُ بِهِمْ كَمَا قَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ الخ أي كل ما أتاه كان بمقتضى أمر الرب إيّاه فقتله إيّاهم لم يكن عن تعصُّب ديني ولا عن قسوة وحب انتقام.
١٠ «ثُمَّ رَجَعَ يَشُوعُ فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ وَأَخَذَ حَاصُورَ وَضَرَبَ مَلِكَهَا بِٱلسَّيْفِ، لأَنَّ حَاصُورَ كَانَتْ قَبْلاً رَأْسَ جَمِيعِ تِلْكَ ٱلْمَمَالِكِ».
حَاصُورَ (انظر تفسير ع ١).
كَانَتْ قَبْلاً رَأْسَ جَمِيعِ تِلْكَ ٱلْمَمَالِكِ أي إن مدينة حاصور عاصمة مملكة يابين كانت سيدة الممالك المذكورة في (ع ١) وهي مادون وشمرون واكشاف ومدن الأرض الجبلية والعربة والسهل لا كل ممالك كنعان. وهذه المدينة استردها الكنعانيون بعد ذلك وعذّبت الإسرائيليين وأذلّتهم كثيراً (قضاة ٤: ٢).
١١ «وَضَرَبُوا كُلَّ نَفْسٍ بِهَا بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ. حَرَّمُوهُمْ. وَلَمْ تَبْقَ نَسَمَةٌ. وَأَحْرَقَ حَاصُورَ بِٱلنَّار».
وَلَمْ تَبْقَ نَسَمَةٌ أي لم يبقَ إنسان لأن البهائم لم يقتلوها بل غنموها (ع ١٤).
وَأَحْرَقَ حَاصُورَ بِٱلنَّارِ بأمر الله ولم يحرق الإسرائيليون غيرهما من المدن (ع ١٣).
١٢ «فَأَخَذَ يَشُوعُ كُلَّ مُدُنِ أُولَئِكَ ٱلْمُلُوكِ وَجَمِيعَ مُلُوكِهَا وَضَرَبَهُمْ بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ. حَرَّمَهُمْ كَمَا أَمَرَ مُوسَى عَبْدُ ٱلرَّبِّ».
عدد ٣٣: ٥٢ وتثنية ٧: ٢ و٢٠: ١٦ و١٧
حَرَّمَهُمْ لعنهم وقتلهم.
كَمَا أَمَرَ مُوسَى (انظر عدد ٣٣: ٥٢ وتثنية ٧: ٢ و٢٠: ١٦ و١٧).
١٣ «غَيْرَ أَنَّ ٱلْمُدُنَ ٱلْقَائِمَةَ عَلَى تِلاَلِهَا لَمْ يُحْرِقْهَا إِسْرَائِيلُ، مَا عَدَا حَاصُورَ وَحْدَهَا أَحْرَقَهَا يَشُوعُ».
إرميا ٣٠: ١٨
غَيْرَ أَنَّ ٱلْمُدُنَ ٱلْقَائِمَةَ عَلَى تِلاَلِهَا لَمْ يُحْرِقْهَا إِسْرَائِيلُ لأنها كانت كمعاقل حصينة فأُبقيت لينتفعوا بها ويقووا على من يحاصرهم.
١٤ «وَكُلُّ غَنِيمَةِ تِلْكَ ٱلْمُدُنِ وَٱلْبَهَائِمَ نَهَبَهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لأَنْفُسِهِمْ. وَأَمَّا ٱلرِّجَالُ فَضَرَبُوهُمْ جَمِيعاً بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ حَتَّى أَبَادُوهُمْ. لَمْ يُبْقُوا نَسَمَةً».
كُلُّ غَنِيمَةِ تِلْكَ ٱلْمُدُنِ وَٱلْبَهَائِمَ نَهَبَهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لأَنْفُسِهِمْ ما عدا ما تنّجس بالوثنية من مزينات الأصنام (تثنية ٧: ٢٥).
لَمْ يُبْقُوا نَسَمَةً أي إنساناً فإنهم لم يقتلوا البهائم إذ غنموها كما في صدر الآية.
١٥ «كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى عَبْدَهُ هٰكَذَا أَمَرَ مُوسَى يَشُوعَ، وَهٰكَذَا فَعَلَ يَشُوعُ. لَمْ يُهْمِلْ شَيْئاً مِنْ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ ٱلرَّبُّ مُوسَى».
خروج ٣٤: ١١ و١٢ تثنية ٧: ٢ ص ١: ٧
كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى الخ إن أمر الرب هو الذي حمل الإسرائيليين على قتل أولئك الوثنيين لا القساوة ولا حبّ الانتقام. والله ما جار في ذلك عن سنّة العدل.
١٦ «فَأَخَذَ يَشُوعُ كُلَّ تِلْكَ ٱلأَرْضِ: ٱلْجَبَلَ وَكُلَّ ٱلْجَنُوبِ وَكُلَّ أَرْضِ جُوشِنَ وَٱلسَّهْلَ وَٱلْعَرَبَةَ وَجَبَلَ إِسْرَائِيلَ وَسَهْلَهُ».
ص ١٢: ٨ ص ١٠: ٤١
كُلَّ تِلْكَ ٱلأَرْضِ أرض الكنعانيين.
ٱلْجَبَلَ الأرض الجبلية.
جُوشِنَ انظر الكلام على جوش في تفسير (ص ١٠: ٤١).
ٱلْعَرَبَةَ سهل الأردن وقد مرّ الكلام عليها (انظر تفسير تثنية ١: ١ وتفسير يشوع ٣: ١٦).
جَبَلَ إِسْرَائِيلَ وَسَهْلَهُ أي جبال الأرض التي وُعد بها الإسرائيليون وسهولها.
١٧ «مِنَ ٱلْجَبَلِ ٱلأَقْرَعِ ٱلصَّاعِدِ إِلَى سَعِيرَ إِلَى بَعْلِ جَادَ فِي بُقْعَةِ لُبْنَانَ تَحْتَ جَبَلِ حَرْمُونَ. وَأَخَذَ جَمِيعَ مُلُوكِهَا وَضَرَبَهُمْ وَقَتَلَهُمْ».
تكوين ١٤: ٦ و٣٢: ٣ وتثنية ٢: ٤ الخ وص ١٢: ٧ ص ١٣: ٥ وقضاة ٣: ٣ و١أيام ٥: ٢٣ تثنية ٧: ٢٤ وص ١٢: ٧
ٱلْجَبَلِ ٱلأَقْرَعِ الخ هذا الجبل حدّ فتوح يشوع الجنوبي ظنه بعضهم سلسلة التلال قرب بئر سبع على غاية عشرين ميلاً من جنوبي حبرون المعروفة اليوم بالخليل وسُمي بالجبل الأقرع لخلوه من الأشجار. ورآه آخر سلسلة التلال البيضاء جنوبي بحر لوط وعلى غاية ثمانية أميال منه. وهي التلال الفاصلة بين الغور والعربة. قال العلامة بوش «الظاهر أن قصد الكاتب أن يبيّن حدّي طول أرض الميعاد الشمالي والجنوبي. فالجنوبي الجبل الأقرع قرب بئر سبع والشمالي بعل جاد (وهي المعروفة اليوم على ما يرجّح بعضهم ببانياس أو قيصرية فيلبس على ما في متّى ١٦: ١٣) في حضيض حرمون المعروف بجبل الشيخ. وسعير الأرض بين بحر لوط وخليج العقبة حدّ الشرقي الصحراء العربية والغربي وادي العربة جبالها رملية أعلاها جبل هور المعروف في هذه الأيام بجبل النبي هارون» علوّه ٤٨٠٠ قدم فوق سطح البحر.
١٨ «فَعَمِلَ يَشُوعُ حَرْباً مَعَ أُولَئِكَ ٱلْمُلُوكِ أَيَّاماً كَثِيرَةً».
ع ٢٣
فَعَمِلَ يَشُوعُ حَرْباً… أَيَّاماً كَثِيرَةً أي زماناً طويلاً وهو على ما يظهر من (ص ١٤: ٧ – ١٠) نحو سبع سنين شُغلت سنة واحدة منه بالاستيلاء على الجزء الجنوبي من الأرض والست الباقية بالاستيلاء على الجزء الشمالي منها. وعلة طول هذه الحرب في قوله تعالى «ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ يَطْرُدُ هٰؤُلاَءِ ٱلشُّعُوبَ مِنْ أَمَامِكَ قَلِيلاً قَلِيلاً. لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُفْنِيَهُمْ سَرِيعاً، لِئَلاَّ تَكْثُرَ عَلَيْكَ وُحُوشُ ٱلْبَرِّيَّةِ» (تثنية ٧: ٢٢). وامتحانه إيمان شعبه وصبرهم بتوالي الوقائع والمشقات الحربية. نعم إن الله ساعدهم في بعض المعارك بقوة خارقة العادة لكنه تركهم في أكثرها لبذل اجتهادهم وما لهم من القوة والوسائل.
١٩ «لَمْ تَكُنْ مَدِينَةٌ صَالَحَتْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ ٱلْحِوِّيِّينَ سُكَّانَ جِبْعُونَ، بَلْ أَخَذُوا ٱلْجَمِيعَ بِٱلْحَرْب».
ص ٩: ٣ و٧
لَمْ تَكُنْ مَدِينَةٌ أي سكان مدينة.
صَالَحَتْ أي سلّم سكانها بلا حرب.
إِلاَّ ٱلْحِوِّيِّينَ سُكَّانَ جِبْعُونَ سكان جبعون بيان للحّويين لكنهم صالحوا بخداع ولولا ذلك لأفناهم السيف. وشفعت لهم التوبة ولو تاب سكان كنعان كلهم ما أُفنوا.
٢٠ «لأَنَّهُ كَانَ مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ أَنْ يُشَدِّدَ قُلُوبَهُمْ حَتَّى يُلاَقُوا إِسْرَائِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ فَيُحَرَّمُوا، فَلاَ تَكُونُ عَلَيْهِمْ رَأْفَةٌ، بَلْ يُبَادُونَ كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى».
تثنية ٢: ٣٠ وقضاة ١٤: ٤ و١صموئيل ٢: ٢٥ و١ملوك ١٢: ١٥ ورومية ٩: ١٨ تثنية ٢٠: ١٦ و١٧
مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ الخ إن الله أمهلهم زماناً طويلاً ليرجعوا إليه بما وهب لهم من العقول وبيّنات قدرته ورحمته وعنايته في عالم الطبيعة فلم يلتفتوا إليه تعالى وظلّوا في ظلمات الجهل والعبادة الوثنية واتكلوا على قوّتهم فقست قلوبهم ولم يبقَ من رجاء لإصلاحهم فتركهم الله في ذلك لتتمّ نقمته العادلة فكان أمرهم كما كان أمر فرعون إذ تركه الرب بعد البينات والوعظ والإنذار لقساوة قلبه فأهلكه عدلاً (انظر تفسير خروج ٤: ٢١).
٢١ «وَجَاءَ يَشُوعُ فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ وَقَرَضَ ٱلْعَنَاقِيِّينَ مِنَ ٱلْجَبَلِ، مِنْ حَبْرُونَ وَمِنْ دَبِيرَ وَمِنْ عَنَابَ وَمِنْ جَمِيعِ جَبَلِ يَهُوذَا وَمِنْ كُلِّ جَبَلِ إِسْرَائِيلَ. حَرَّمَهُمْ يَشُوعُ مَعَ مُدُنِهِمْ».
عدد ١٣: ٢٢ و٣٣ وتثنية ١: ٢٨ وص ١٥: ١٣ و١٤
ٱلْعَنَاقِيِّينَ بني عناق أبي أربع الذي نُسبت إليه حبرون فسُميّت قرية أربع كان له ثلاثة بنين من الأبطال الأقوياء أخيمان وشيشاي وتلماي (عدد ١٣: ٢٢) وكانوا من رؤساء العناقيين (قضاة ١: ١٠). وكان العناقيون جبابرة طوال القامة شديدي البأس خافهم جواسيس بني إسرائيل (عدد ١٣: ٢٨).
من له يُعطى. كان ليشوع وكالب شجاعة وإيمان فإنهما لما خاف الشعب من بني عناق (عدد ١٣: ٢٨) قالا لموسى «إِنَّنَا نَصْعَدُ وَنَمْتَلِكُهَا لأَنَّنَا قَادِرُونَ عَلَيْهَا» (عدد ١٣: ٣٠) والله أعطاهما حسب قولهما فصعدا وامتلكا الأرض ويشوع مذكور هنا وكالب مذكور في (ص ١٥: ١٤) وكلاهما حاربا وغلبا العناقيين.
حَبْرُونَ هي المدينة المعروفة اليوم بالخليل.
دَبِيرَ (انظر تفسير ص ١٠: ٣٨).
عَنَابَ هي في الجنوب الغربي من حبرون وعلى غاية عشرة أميال منها واسمها اليوم عَنَب.
٢٢ «فَلَمْ يَتَبَقَّ عَنَاقِيُّونَ فِي أَرْضِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لٰكِنْ بَقُوا فِي غَزَّةَ وَجَتَّ وَأَشْدُودَ».
١صموئيل ١٧: ٤ ص ١٥: ٤٦
غَزَّةَ وَجَتَّ وَأَشْدُودَ غزة لا تزال تُعرف بهذا الاسم وهي على غاية ثلاثة أميال من بحر الروم. وجتّ هي المدينة التي وُلد فيها جليات الجبار وهي شرقي أشدود وعلى غاية ١٦ ميلاً منها. ظنّ بعضهم أن موقعها يُعرف اليوم «بتل الصافية» وشكّ بعضهم في وجود هذا الاسم. وأشدود بين غزة ويافا على غاية ثلاثة أميال من البحر المتوسط وهي اليوم قرية حقيرة اسمها أسدود في جوارها خِرَب كثيرة.
٢٣ «فَأَخَذَ يَشُوعُ كُلَّ ٱلأَرْضِ حَسَبَ كُلِّ مَا كَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ مُوسَى، وَأَعْطَاهَا يَشُوعُ مُلْكاً لإِسْرَائِيلَ حَسَبَ فِرَقِهِمْ وَأَسْبَاطِهِمْ. وَٱسْتَرَاحَتِ ٱلأَرْضُ مِنَ ٱلْحَرْبِ».
عدد ٣٤: ٢ الخ عدد ٢٦: ٥٣ وص ١٤: ١٥ و١٦ و١٧ و١٨ و١٩ ص ١٤: ١٥ و٢١: ٤٤ و٢٣: ١
كُلَّ ٱلأَرْضِ ما عدا ما ذُكر في (ع ٢٢). (انظر تثنية ٧: ٢٧) حيث قيل «إن الرب يطرد الشعود قليلاً قليلاً لئلا تكثر وحوش البرية». وانظر أيضاً ما قيل في (قضاة ٣: ١ – ٨) إن بعض الكنعانيين بقوا في الأرض. ومعنى ما قيل هنا هو أن الإسرائيليين في زمان يشوع تسلطوا على الأرض كلها ولم يبقَ من الكنعانيين من يقاومهم.
حَسَبَ كُلِّ مَا كَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ مُوسَى من الاستيلاء على الأرض وحدودها وغير ذلك (انظر تثنية ٣٤: ١ – ٣).
أَعْطَاهَا يَشُوعُ مُلْكاً لإِسْرَائِيلَ هذا كلام إجمالي فُصِّل في ما يأتي فوُزّعت على الإسرائيليين على وفق ما ذُكر في (عدد ٢٦: ٥٣ – ٥٦).
فِرَقِهِمْ وَأَسْبَاطِهِمْ الأسباط تفسير للفرق على ما يظهر ولو كان أراد بالفرَق العشائر لقال أسباطهم وفرَقهم.
وَٱسْتَرَاحَتِ ٱلأَرْضُ مِنَ ٱلْحَرْبِ أي واستراح سكان أرض كنعان من مشقات الحروب بعد أن قاسوها سنين. وهذا إجمال أيضاً لم يُفصل في الكلام الآتي من بيان أحوال هذه الاستراحة وأسبابها. والمتأمل قليلاً يعرف أن الأسباب قتل الأعداء حتى لم يبقَ منهم يومئذ من يستطيع محاربة إسرائيل.
كان طول الحرب من أولها إلى آخرها نحو سبع سنين والكتاب يذكر أولها والمعجزات والأمور ذات الشأن فيها والأرجح أن الأمور غير المذكورة هي بعناية الرب العادية التي ليس فيها معجزات وإعلانات خصوصية.
إذا نظرنا إلى عظمة هذه الحرب وما فيها من الصعوبات والأخطار من كثرة الكنعانيين وأسوار مدنهم وطول قاماتهم نرى أن يد الرب كانت مع الإسرائيليين وإن النصرة منه.
إن المشقات الوهمية أعظم من الحقيقية. قابل ما حدث بما انتظره الشعب في الأول عند رجوع الجواسيس (عدد ١٣: ٢٦ – ٣٣).
نرى عدل الله بنقمته المخيفة من الكنعانيين الساكنين في الجليل في زمان يشوع ونرى رحمته نحو الجليليين في يسوع المرموز إليه بيشوع الذي طاف في كل الجليل يعلّم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب (متّى ٤: ٢٣).
فوائد
- إن لنا هنا حرباً بين الشرّ والخير تحالف فيها ملوك الطلاح وجنودهم على قائد الصلاح وجنوده فكان النصر للخير والصلاح والانكسار للشرّ والطلاح واستئصالهما. إن الحق لا بدّ أن يغلب الباطل ولو بعد حين (ع ١ – ٢٣).
- إن يشوع مع انتصاراته الماضية ظلّ محتاجاً إلى التشجيع فشجعه الرب.
- إن ملوك الأعداء تحالفوا على شعب الله وكذا أعداء الديانة المسيحية يتحالفون عليها في كل عصر والله ينصرها ويؤيد حُماتها.
- إن يشوع ما برح يحارب حتى استراحت الأرض. فعلى المسيحي أن لا ينفكّ يجاهد الجهاد الروحي إلى أن يصير العالم لربنا ومسيحه ويستريح من محاربة الشيطان.
- إن النجاح كله متوقف على أمرين شريعة الله وأمانة الإنسان وإن الأمانة مراعاة تلك الشريعة وحفظها.
- إن الله يقسّي قلب الشرير بالنظر إلى طبيعته الشريرة فإنه يرسل إليه وسائل الخير فتصير بحسب طبيعته وسائل الشر كضوء الشمس يُلين الشمع ويُقسّي الطين حتى يصير كالحجر.
- إن النقمة معدّة للأشرار في الدنيا والآخرة ما لم يتوبوا فلا ينجو مستمرّ على المعصية من عذاب الدنيا والآخرة.
- إن الله إله سِلم لا إله حرب فعلة الحرب فساد الإنسان وشر قلبه فلو اتّقى الكنعانيون الله ما حاربوا الإسرائيليين وما حاربهم الإسرائيليون وعلى الجملة فالخير من الله والشرّ من الناس.
-
التمدّن بلا دين كتمدّن الكنعانيين شرّ عظيم من شرور هذا التمدّن الترفّه والتنعّم وفساد الأخلاق والتكبّر لأن هذا التمدّن يقوّي ما في الإنسان خيراً كان أم شراً.
السابق |
التالي |