سفر يشوع | 10 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر يشوع
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْعَاشِرُ
الانتصار على أحلاف كنعان الجنوبيين
١ «فَلَمَّا سَمِعَ أَدُونِي صَادَقَ مَلِكُ أُورُشَلِيمَ أَنَّ يَشُوعَ قَدْ أَخَذَ عَايَ وَحَرَّمَهَا. كَمَا فَعَلَ بِأَرِيحَا وَمَلِكِهَا فَعَلَ بِعَايٍ وَمَلِكِهَا، وَأَنَّ سُكَّانَ جِبْعُونَ قَدْ صَالَحُوا إِسْرَائِيلَ وَكَانُوا فِي وَسَطِهِمْ».
ص ٦: ٢١ ص ٨: ٢٢ و٢٦ و٢٨ ص ٩: ١٥
أَدُونِي صَادَقَ مَلِكُ أُورُشَلِيمَ معنى «أدوني صادق» رب البرّ وقد مرّ ذكر ملكي صادق (أي ملك البرّ) في سفر التكوين (تكوين ١٤: ١٨) فلنا من الاسمين أن ساليم المذكورة في ذلك السفر هي أورشليم (انظر التفسير) وإن ملك البر كان لقباً لكل من ملوك أورشليم في تلك العصور. على أن لفظ أورشليم ومعناه «أساس السلام» مركّب من يرو (أي أساس) وشليم أو شاليم أو ساليم (اي سلام) فساليم على ذلك جزءُ أورشليم لفظاً. وهذا أول ذكر لأورشليم في الكتاب المقدس.
أَنَّ يَشُوعَ قَدْ أَخَذَ عَايَ وَحَرَّمَهَا الخ (انظر ص ٦: ٢١ و٨: ٢٢ و٢٦ و٢٨ والتفسير).
٢ «خَافَ جِدّاً، لأَنَّ جِبْعُونَ مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ كَإِحْدَى ٱلْمُدُنِ ٱلْمَلَكِيَّةِ، وَهِيَ أَعْظَمُ مِنْ عَايٍ، وَكُلُّ رِجَالِهَا جَبَابِرَةٌ».
خروج ١٥: ١٤ و١٥ و١٦ وتثنية ١١: ٢٥
خَافَ أي خاف سكان أورشليم فاقتصر على ذكر الملك لأنه رأسهم وخوفه خوف شعبه لأن قوّته بالشعب.
لأَنَّ جِبْعُونَ مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ (انظر تفسير ص ٩: ٣ و١٦).
كَإِحْدَى ٱلْمُدُنِ ٱلْمَلَكِيَّةِ أي كإحدى عواصم الممالك وبذا تُرجمت في الكلدانية. إن جبعون صارت بعد هذا مدينة أول ملوك إسرائيل وهو شاول (١أيام ٨: ٢٩ و٣٠ و٣٣). ومن قدر على أخذ جبعون قدر على أخذ أورشليم. ولم يقل جبعون عاصمة مملكة لأنها على ما ذكرنا كانت واحدة من مدن أربع متحالفة كان حكمها جمهورياً وحكامها الشيوخ (انظر ص ٩: ١١) ولم نقف على شيء يدل على أنها كان لها ملك.
٣ «فَأَرْسَلَ أَدُونِي صَادَقَ مَلِكُ أُورُشَلِيمَ إِلَى هُوهَامَ مَلِكِ حَبْرُونَ، وَفِرْآمَ مَلِكِ يَرْمُوتَ، وَيَافِيعَ مَلِكِ لَخِيشَ، وَدَبِيرَ مَلِكِ عَجْلُونَ يَقُولُ».
فَأَرْسَلَ أَدُونِي لأنه كان عرضة للخطر إذ لم تكن أورشليم على غاية أكثر من ستة أميال من جبعون.
إِلَى هُوهَامَ مَلِكِ حَبْرُونَ معنى هوهام «من يدعوه يهوه» (قاموس الكتاب المقدس). وحبرون هي المعروفة اليوم بالخليل. وهذا يدّل على أن هذا الملك والمذكورين على أثره كانوا من أحلاف أدوني صادق.
وَفِرْآمَ مَلِكِ يَرْمُوتَ لعل معنى اسمه «سريع كالفرا». ويرموت مدينة في سهل يهوذا كانت عامرة بعد رجوع الإسرائيليين من السبي والمرجّح أنها يرموك على غاية ١٦ ميلاً من أورشليم غرباً.
وَيَافِيعَ مَلِكِ لَخِيشَ معنى يافيع «بهيج» ولخيش (ميخا ١: ١٣) معناها «منيع» مدينة في أرض يهوذا حصنها يربعام بعد هذا (٢أيام ١١: ٩) وقُتل فيها أمصيا (٢ملوك ١٤: ١٩) وحاصرها سنحاريب (٢ملوك ١٨: ١٣ و١٤ وإشعياء ٣٦: ١ و٢) وكانت مدينة منيعة على قنة تلّ. ظن بعضهم أنها ما يُعرف اليوم بأمّ الكيس ورجّحت الاكتشافات الحديثة أنها كانت على تل الحصَى.
وَدَبِيرَ مَلِكِ عَجْلُونَ معنى دبير «مَقَدس» وعجلون مدينة في يهوذا تسمى اليوم عجلان وهي على أكمة في الشمال الشرقي من غزة وعلى غاية عشرة أميال منها.
٤ «ٱصْعَدُوا إِلَيَّ وَأَعِينُونِي، فَنَضْرِبَ جِبْعُونَ لأَنَّهَا صَالَحَتْ يَشُوعَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ».
ص ٩: ١٥ وع ١
فَنَضْرِبَ جِبْعُونَ لأَنَّهَا صَالَحَتْ يَشُوعَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ معنى قوله «فنضرب جبعون» نقتل أهل جبعون بضربهم بالسيوف (على سنن المجاز الكثير في هذا السفر). والعلة التي ذكرها هنا مصالحة الجبعونيين للإسرائيليين فكانوا بذلك خانة للبلاد ولكن العاقل المتأمل يرى أنه كان غير هذه العلة معها فإن أدوني صادق وأحلافه الملوك المذكورون كانوا يبغضون الجبعونيين لأن حكمهم جمهوري دستوري فكانوا بذلك كآلة تحرّك رعايا أولئك الملوك على طلب الدستور والحكم الجمهوري فتتلاشى قوّتهم وسيادتهم. وإن جبعون وحلفاؤها من المدن كانت حصينة جداً فإذا استولوا عليها قدروا على مقاومة الإسرائيليين.
قال أحد المفسرين «مما يستحق النظر أنّا لم نقرأ في حرب من الحروب اليشوعية أن جيشاً كنعانياً زحف رأساً على يشوع وجيشه فالكنعانيون على ما ظهر اعتمدوا الحرب الدفاعية. وكان يشوع هو الزاحف على العدو أولاً أي قبل أن يتجاسروا على عزم الهجوم عليه. وهذا مؤيد للقول في أن الرهبة شملت سكان كنعان والجبن أذاب قلوبهم على أثر عبور الإسرائيليين الأردن. وكان أولئك الملوك في شديد الحاجة إلى ضرب جبعون لا لمجرد إنشاء مثال للسكان بل لشيء فوق ذلك وهي أن جبعون تكون حصناً حصيناً للإسرائيليين إذا فات الملوك الاستيلاء عليها. وإن مدن الحويين الأربع كانت لحصانتها تقدر ان تسود سائر بلاد كنعان. والواقع أن رجلاً من الجبعونيين اختير بعد ذلك حاكماً على إسرائيل وكانت جبعون مثل عاصمة المملكة في الجزء الأخير من ملك شاول».
٥ «فَٱجْتَمَعَ مُلُوكُ ٱلأَمُورِيِّينَ ٱلْخَمْسَةُ: مَلِكُ أُورُشَلِيمَ وَمَلِكُ حَبْرُونَ وَمَلِكُ يَرْمُوتَ وَمَلِكُ لَخِيشَ وَمَلِكُ عَجْلُونَ، وَصَعِدُوا هُمْ وَكُلُّ جُيُوشِهِمْ وَنَزَلُوا عَلَى جِبْعُونَ وَحَارَبُوهَا».
ص ٩: ٢
مُلُوكُ ٱلأَمُورِيِّينَ ٱلْخَمْسَةُ (انظر الكلام على الأموريين في ص ٩: ١ والتفسير). إن الأموريين أطلقوا على سكان حبرون حثيّون (تكوين ٢٣: ١ الخ) وسكان أورشليم يبوسيّون (ص ١٥: ٦٣ الخ) وسكان جبعون حوّيون (ص ٩: ٧). وقيل في سفر صموئيل الثاني أنهم من بقايا الأموريين كانوا كثيرين وأمة قوية في بلاد موآب وأن كثيرين منهم هاجروا إلى تلك المدن.
٦ «فَأَرْسَلَ أَهْلُ جِبْعُونَ إِلَى يَشُوعَ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ فِي ٱلْجِلْجَالِ يَقُولُونَ: لاَ تُرْخِ يَدَيْكَ عَنْ عَبِيدِكَ. ٱصْعَدْ إِلَيْنَا عَاجِلاً وَخَلِّصْنَا وَأَعِنَّا، لأَنَّهُ قَدِ ٱجْتَمَعَ عَلَيْنَا جَمِيعُ مُلُوكِ ٱلأَمُورِيِّينَ ٱلسَّاكِنِينَ فِي ٱلْجَبَلِ».
ص ٥: ١٠ و٩: ٦
فَأَرْسَلَ أَهْلُ جِبْعُونَ إِلَى يَشُوعَ لثقتهم بشفقته وشرفه وإحسانه إن لم يكن لاعتمادهم على عهده وحلفه لهم. ولا ريب في أنهم كانوا شديدي الثقة بأنه يدفع عنهم ولو لم يكن بينه وبينهم محالفة لمجرد استغاثتهم به كما هو شأن أهل الحميّة والإباء. وبناء على ذلك حمل الإسرائيليون على أعدائهم.
ٱلسَّاكِنِينَ فِي ٱلْجَبَلِ أي الجبال أو الأرض الجبلية وهي الكورة الواقعة في الجنوب الغربي من أورشليم وتُسمى الجبال (لوقا ١: ٣٩ و٦٥) وفيها المدن الأربع المذكورة في (ع ٣).
٧ «فَصَعِدَ يَشُوعُ مِنَ ٱلْجِلْجَالِ هُوَ وَجَمِيعُ رِجَالِ ٱلْحَرْبِ مَعَهُ وَكُلُّ جَبَابِرَةِ ٱلْبَأْسِ».
ص ٨: ١
جَمِيعُ رِجَالِ ٱلْحَرْبِ… وَكُلُّ جَبَابِرَةِ ٱلْبَأْسِ المختارين لا لكل الأبطال في الإسرائيليين (وقد سبق لذلك نظائر) إذ لا بد من أن يبقى من الأبطال ومن فيها من النساء والأولاد والشيوخ.
٨ «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ: لاَ تَخَفْهُمْ، لأَنِّي بِيَدِكَ قَدْ أَسْلَمْتُهُمْ. لاَ يَقِفُ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِوَجْهِكَ».
ص ١١: ٦ وقضاة ٤: ١٤ ص ١: ٥
فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ: لاَ تَخَفْهُمْ لا ريب في أن يشوع سأل الرب قبل أن يصعد للحرب وإنه كان خائفاً من اتحاد أولئك الملوك على إسرائيل (ع ١ – ٥) فكان في شديد الحاجة إلى التشجيع وإن كان قد علم أن الرب الذي وعده بالنصر لا يخلف الميعاد لأن يشوع لم يكن إلا بشراً وكل بشر ضعيف فقال له «لا تخفهم» أي لا تخف أولئك الملوك وجنودهم.
لأَنِّي بِيَدِكَ قَدْ أَسْلَمْتُهُمْ أي لأني أسلمهم إليك أي أذللهم لك وأكسرهم وأنصرك عليهم. وعبّر عن المستقبل بصورة الماضي لزيادة تحقيق الوقوع حتى كأن النصر قد وقع. وقد مرّ لهذا نظائر وأمثاله في الكتاب المقدس كثيرة. وهو مما كثر في اللغات الشرقية وألفته الأسماع وعُرف الغرض منه. وأكثر ما يكون ذلك في كلام النبوءة مثل «سقطت سقطت بابل».
٩ «فَأَتَى إِلَيْهِمْ يَشُوعُ بَغْتَةً. صَعِدَ ٱللَّيْلَ كُلَّهُ مِنَ ٱلْجِلْجَالِ».
صَعِدَ ٱللَّيْلَ كُلَّهُ مِنَ ٱلْجِلْجَالِ أي شغل الليل كله بقيادة الجيوش حتى يحمل على الأعداء بغتة (انظر صدر الآية) أو معنى الآية كلها فحمل يشوع على الأعداء بغتة إذ كان أمامهم على غير علم منهم لأنه شغل الليل كله بالصعود برجاله بدون أن يشعروا بذلك. وقال «صعد» لأنه كان في الجلجال والأرض بينه وبين الأعداء على ارتفاع متوالٍ. وكانت المسافة بين الجلجال وجبعون ٢٦ ميلاً فكان لا بد من شغل الليل كله بقطعها على أنه لا يلزم من النصّ أنه لم يشغل مع الليل بعض اليوم السابق بذلك وبعض اليوم التالي ليستريحوا قليلاً في أثناء السفر ليقووا على الحرب على أثر الوصول إلى جبعون. على أن الأمر كله لا يخلو من عناية خاصة ومساعدة الله للإسرائيليين على السير وعلى الحرب فتأمل.
١٠ «فَأَزْعَجَهُمُ ٱلرَّبُّ أَمَامَ إِسْرَائِيلَ، وَضَرَبَهُمْ ضَرْبَةً عَظِيمَةً فِي جِبْعُونَ، وَطَرَدَهُمْ فِي طَرِيقِ عَقَبَةِ بَيْتِ حُورُونَ، وَضَرَبَهُمْ إِلَى عَزِيقَةَ وَإِلَى مَقِّيدَةَ».
خروج ٢٣: ٢٧ وقضاة ٤: ١٥ و١صموئيل ٧: ١٠ و١٢ ومزمور ١٨: ١٤ وإشعياء ٢٨: ٢١ ص ١٦: ٣ و٥ ص ١٥: ٣٥
فَأَزْعَجَهُمُ ٱلرَّبُّ أي أقلق الرب الأعدء فاضطربوا وخافوا وتعربسوا. ونسبة إزعاجهم إلى الرب بيان لأن الفضل لله في الانتصار لا ليشوع ولا لجيش إسرائيل.
وَضَرَبَهُمْ ضَرْبَةً عَظِيمَةً أي ضربهم شعبه إسرائيل وأسند الفعل إلى الله لأنه هو الذي قدّر شعبه على ذلك. والضرب هنا القتل بالسيف وقد مرّ له أمثال.
فِي جِبْعُونَ أي أرض جبعون أو ضاحيتها.
عَقَبَةِ بَيْتِ حُورُونَ كان في حدود سهم أفرايم قريتان اسم إحداهما بيت حورون العليا واسم الأخرى بيت حورون السفلى إذ كان الواحدة منها في غور والأخرى على نجدٍ وهنالك اليوم قريتان يسمي العامة إحداهما بيت حور أو «بيت عور الفوقه» والأخرى بيت حور أو «بيت عور التحته». قال بعض المفسرين والمرجّح أن السفلى هي المرادة هنا (انظر ع ١١) وهي في الشمال الغربي من أورشليم وعلى غاية ١٢ ميلاً منها. والعقبة المرقى الصعب من الجبال فإن كانت بيت حورون هنا هي العليا فتكون العقبة هنا المرتقى إلى الجبل أو النجد منها.
عَزِيقَةَ كانت عزيقة مدينة في سهم سبط يهوذا غربي أورشليم وعلى أمد ١٢ ميلاً منها. وقد جاء في كلام أوسابيوس وجيروم أنه كان في عصرهما بلدة هناك تسمى عزيقة. قيل في قاموس الكتاب أنها مدينة في يهوذا قرب شوكوه ظنها بعضهم تل زكرية وغير دير السوشك وهي على غاية ٨ أميال في شمالي شوكوه.
مَقِّيدَةَ مقِيده مدينة في غور من سهم يهوذا في الشمال الغربي من أورشليم وعلى غاية ١٥ ميلاً منها. والمعنى أن الإسرائيليين أعملوا السيف في الكنعانين من جبعون إلى ما بعدها على التوالي.
١١ «وَبَيْنَمَا هُمْ هَارِبُونَ مِنْ أَمَامِ إِسْرَائِيلَ وَهُمْ فِي مُنْحَدَرِ بَيْتِ حُورُونَ، رَمَاهُمُ ٱلرَّبُّ بِحِجَارَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ ٱلسَّمَاءِ إِلَى عَزِيقَةَ فَمَاتُوا. وَٱلَّذِينَ مَاتُوا بِحِجَارَةِ ٱلْبَرَدِ هُمْ أَكْثَرُ مِنَ ٱلَّذِينَ قَتَلَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِٱلسَّيْفِ».
مزمور ١٨: ١٣ و١٤ و٧٧: ١٧ وإشعياء ٣٠: ٣ ورؤيا ١٦: ٢١
مُنْحَدَرِ بَيْتِ حُورُونَ أي وهم هاربون على منحدر بيت حورون. والمنحدر المهبط وهو المكان ينحدر منه السائر أي يهبط أو ينزل وهذ يدل على أن المراد ببيت حورون في الآية بيت حورون السفلى.
رَمَاهُمُ ٱلرَّبُّ بِحِجَارَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ ٱلسَّمَاءِ أي برَد كبير كما يُفهم من سائر الآية. وقد وقع في عصرنا مثل هذا البرَد وقتل بعض الناس والبهائم في إحدى قرى لبنان. وفي الآية ما يفيد أنه كان صلباً كالحجارة. وقد فعل الله مثل هذا فعلاً ففي سفر الخروج «هَا أَنَا غَداً مِثْلَ ٱلآنَ أُمْطِرُ بَرَداً عَظِيماً جِدّاً لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي مِصْرَ مُنْذُ يَوْمِ تَأْسِيسِهَا إِلَى ٱلآنَ. فَٱلآنَ أَرْسِلِ ٱحْمِ مَوَاشِيَكَ وَكُلَّ مَا لَكَ فِي ٱلْحَقْلِ. جَمِيعُ ٱلنَّاسِ وَٱلْبَهَائِمِ ٱلَّذِينَ يُوجَدُونَ فِي ٱلْحَقْلِ وَلاَ يُجْمَعُونَ إِلَى ٱلْبُيُوتِ، يَنْزِلُ عَلَيْهِمِ ٱلْبَرَدُ فَيَمُوتُونَ… فَضَرَبَ ٱلْبَرَدُ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ جَمِيعَ مَا فِي ٱلْحَقْلِ مِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلْبَهَائِمِ» (خروج ٩: ١٨ – ٢٦). وقد اعتاد الله أن يؤدب بالبرَد وينذر به فقال بفم حزقيال في جوج «أُمْطِرُ عَلَيْهِ وَعَلَى جَيْشِهِ وَعَلَى ٱلشُّعُوبِ ٱلْكَثِيرَةِ ٱلَّذِينَ مَعَهُ مَطَراً جَارِفاً وَحِجَارَةَ بَرَدٍ عَظِيمَةً» (حزقيال ٣٨: ٢٢). وقال لأيوب «أَدَخَلْتَ إِلَى خَزَائِنِ ٱلثَّلْجِ، أَمْ أَبْصَرْتَ مَخَازِنَ ٱلْبَرَدِ ٱلَّتِي أَبْقَيْتَهَا لِوَقْتِ ٱلضُّرِّ، لِيَوْمِ ٱلْقِتَالِ وَٱلْحَرْبِ» (أيوب ٣٨: ٢٢ و٢٣). وهذا البرَد وإن كان وقوعه طبيعياً فيمكن أن يكون هنا على سبيل المعجزة فيكون الله أوقعه حينئذ لقصد قتل الأعداء فلم يقتلهم اتفاقاً. ولعل كبره كان غير معتاد. ويدلّك على إمكان أنه معجزة كونه قتل الأعداء ولم يضرَ بأحد من بني إسرائيل وهم على أثرهم يعملون السيوف فيهم.
قال أحد المفسرين في القرن التاسع عشر وقد وقع مثل هذا في عصرنا. قال أحد أهل الوطن في كتاب أرسله من القسطنطينية في آب السنة ١٨٣١ «إنا رأينا وقد قطعنا من الطريق نحو ميل أو ميل ونصف ميل سحابة ترتفع في الغرب فتنبئ باقتراب وقوع المطر وفي بضع دقائق رأينا شيئاً يقع من السماء وله وجبة ولونه إلى البياض فلم أستطع أن أتصور ما هو لكن توهمت أنه طيور من زمج الماء يهوي على السمك ولكن بعد قليل رأيت أنه كُرات كبيرة من الجمد تقع ولها طقطقة كالحجارة وعلى أثر ذلك سمعت مثل هزيم الرعد أو وقع عشرة آلاف مركبة على البلاط وأزبد البوصفور وكانت السماء كأنها تطلق كرات مدافع على الأرض فخشينا الهلاك ونشرنا عالاتنا للوقاية فمزّقها البرَد. ولحسن الحظ كان في القارب جلد بقر فاختبأنا تحته وأنقذنا أنفسنا من الضرر الأعظم. وكان المجذفون في القارب ثلاثة كسر البرَد يد أحدهم ورضّ كتف آخر وبعضنا رُضّت ساقه ورضّت يدي اليمنى. وجرح البرَد خادمين لي كانا في قارب صغير ولم يزالا في الفراش يعالجان. وكان ذلك المشهد أهول ما شاهدت في حياتي. ووقعت على القارب كرات من البردَ تعدل الواحدة منها مضاعف جُمع يدي لو أصابت أحداً منا لقتلته أو كَسرت عظامه ووقعت واحدة منها على المجذاف فكسرته. لما انقطع وقوع البرَد رأيته على البرّ ركاماً ورأيت الأشجار عارية من الأوراق مكسرة الأغصان… وبعض الأبنية كُسرت سقوفها الخ».
١٢ «حِينَئِذٍ قَالَ يَشُوعُ لِلرَّبَّ، يَوْمَ أَسْلَمَ ٱلرَّبُّ ٱلأَمُورِيِّينَ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَمَامَ عُيُونِ إِسْرَائِيلَ: يَا شَمْسُ دُومِي عَلَى جِبْعُونَ، وَيَا قَمَرُ عَلَى وَادِي أَيَّلُونَ».
إشعياء ٢٨: ٢١ وحبقوق ٣: ١ قضاة ١٢: ١٢
حِينَئِذٍ قَالَ يَشُوعُ لِلرَّبَّ أي صلّى له واستشاره.
يَوْمَ بدل من حينئذ.
وقَالَ أي يشوع.
يَا شَمْسُ دُومِي عَلَى جِبْعُونَ وفي الأصل العبراني يا شمس بجبعون دومي أي أبقي مضيئة في جبعون لا غيرها كما يفيد تقديمها على الفعل.
لهذه الحادثة تفاسير كثيرة ولا واحد منها يحلّ جميع المشاكل تماماً فنذكر بعضها:
- إن الله أوقف الشمس والقمر حقيقة والاعتراض على هذا التفسير هو أن إيقاف الشمس لا يؤثر في مكان وجود الإسرائيليين فقط بل في كل المسكونة وفي كل الكون الفلكي أيضاً لأن جميع الأجرام السماوية متعلقة بعضها ببعض بقوة الجاذبية ومتفقة في سيرها فإذا وقف واحد وقف الكل. ونسلّم بأن الله قادر على كل شيء ولكنه لا يعمل معجزة بلا داع كاف وعظمة المعجزة بالنسبة إلى عظمة الفعل المطلوب (انظر المقدمة الفصل السادس والاعتراض السابع).
- إن الإشارة إلى يوم وليل طبيعيين لكونهما كانا كافيين لإتمام المقصود وهي كناية عن فوز الشعب على الأعداء الفوز التام إذ دوام النهار للقادرين الفائزين يستلزم تمام الفوز والكاتب الملهم بموجب هذا التفسير لا يثبت هنا قول ياشر الذي فيه مبالغة شعرية (انظر قاموس الكتاب المقدس المجلد الثاني وجه ١١٥).
- إن الله أبقى ضوء الشمس على جبعون وأبقى نور القمر على وادي أيّلون ولم يوقف الجرمين والله قادر على أن يعكس ضوء كل من النيّرين إلى ما يشاء. على أن ذلك في طاقة الإنسان فإن أحد العلماء اخترع منظاراً تُرى به الشمس وهي تحت الأفق (انظر كتاب حكم الأنصاف في رجال التلغراف).
- إن الله رمى الكنعانيين بحجارة كبيرة من السماء أي حبّات البرَد (ع ١١) ولعل يشوع رأى الغيوم الطالعة من المغرب وخاف من أنها تغطي وجه الشمس فيصير ظلام كالليل فلا يقدر أن يرى أعداءه ولا يستطيع أن يتبعهم ويهلكهم فطلب من الرب أن الشمس تدوم كما هي ولا تظلم من الغيوم والرب استجاب لصلاته ودام ضوء الشمس على الإسرائيليين ودام على أعدائهم الظلام وكرات البرَد نازلة.
وكل من هذه التفاسير يسلّم بوقوع معجزة لأن الرب حارب عن إسرائيل (ع ١٤) إما بوقوف الشمس حقيقة أو بدوام ضوئها حتى انتقم الشعب من أعدائه.
ومن المحتمل أن القمر يُرى بالنهار وفي الربع الأول يُرى بعد الظهر في الشرق وفي الربع الرابع يُرى قبل الظهر في الغرب وإذا كان يشوع قال هذا قبل الظهر تكون الشمس إذ ذاك بالشرق أي على جبعون وربما يكون القمر بالغرب أي على وادي أيّلون.
ومعنى وادي «أيلون» مكان الأيائل وهي مدينة صارت للاويين (ص ١٩: ٤٢). وهي اليوم قرية غربي أورشليم وعلى غاية ١٤ ميلاً منها اسمها يالو. والوادي المذكور في المتن قريب منها ويُسمى اليوم «مرج ابن عُمير» وهو قريب من جبعون.
١٣ «فَدَامَتِ ٱلشَّمْسُ وَوَقَفَ ٱلْقَمَرُ حَتَّى ٱنْتَقَمَ ٱلشَّعْبُ مِنْ أَعْدَائِهِ. أَلَيْسَ هٰذَا مَكْتُوباً فِي سِفْرِ يَاشَرَ؟ فَوَقَفَتِ ٱلشَّمْسُ فِي كَبِدِ ٱلسَّمَاءِ وَلَمْ تَعْجَلْ لِلْغُرُوبِ نَحْوَ يَوْمٍ كَامِلٍ».
٢صموئيل ١: ١٨
فَدَامَتِ ٱلشَّمْسُ وَوَقَفَ ٱلْقَمَرُ ظاهر هذا يدل على أن الحادث معجزة.
أَلَيْسَ هٰذَا مَكْتُوباً فِي سِفْرِ يَاشَرَ وفي الأصل العبراني «سفر الياشر» أي البار أو المستقيم أو البرّ أو الاستقامة. وهو مجموع أشعار وأقوال في الأمور ذات الشأن في إسرائيل. قال بعضهم ومن هذا السفر أخذ داود نشيد القوس وهو ما رثي به شاول ويوناثان (٢صموئيل ١: ١٨ – ٢٧). وفي هذا السفر كُتب نشيد القوس لداود فالظاهر أن الياشر يُراد به الأتقياء أهل الاستقامة وإنهم كانوا يكتبون فيه أشعار الحوادث ذات الشأن أو أنباءها على توالي العصور فهو غير سفر ياشر المشهور في هذه الأيام فإنه محدث بالنسبة إلى ذلك وليس فيه نشيد القوس لأنه لم يتجاوز إلا تقرير الحوادث في التوراة وما بعدها قليلاً حسب النسخة التي طالعناها. وفيه مبالغة كبيرة في إنباء أبناء يعقوب في مصر وهو من الكتب غير القانونية وليس هو بمجموع أشعار أو عبارات شعرية والخلاصة أن هذا السفر المذكور في الآية مفقود. وبقي في ذلك كثير من الأقوال التي لا دليل على صحتها. وليس كل ما استشهد به الكتاب يُثبت السفر الذي أُخذت منه الشهادة فإن بولس استشهد أحد الشعراء اليونانين ولم يثبت أحد صحة كل أشعار ذلك الشاعر. وفي الكتاب عدة شهادات مثل هذه.
فَوَقَفَتِ ٱلشَّمْسُ فِي كَبِدِ ٱلسَّمَاءِ أي في أعلى ما تبلغه من السماء بحسب الحركة الظاهرة بالنظر إلى المشاهد فتكون على خط الهاجرة أو في الأفق لأنه خط قسمة السماء إلى نصفين. والكبد في العربية وسط السماء.
وَلَمْ تَعْجَلْ لِلْغُرُوبِ نَحْوَ يَوْمٍ كَامِلٍ أي نحو نهار كامل أي نحو ١٢ ساعة. قال أحد المفسرين المعنى أن الشمس بقيت في موضعها إلى أن صار أوان غروبها وهذا لا يمنع أنها بقيت موضعها بعد ذلك ولا نعرف كم بقيت كذلك إلا إنّا نعلم أنها بقيت إلى أن كمل النصر للإسرائيليين.
١٤ «وَلَمْ يَكُنْ مِثْلُ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ سَمِعَ فِيهِ ٱلرَّبُّ صَوْتَ إِنْسَانٍ. لأَنَّ ٱلرَّبَّ حَارَبَ عَنْ إِسْرَائِيلَ».
إشعياء ٣٨: ٨ تثنية ١: ٣٠ وع ٤٢ وص ٢٣: ٣
وَلَمْ يَكُنْ مِثْلُ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أي يوم مثل ذلك اليوم الخ. قال العلامة وولبر «لا معنى لهذه الكلمات إن لم يكن قصد الكاتب تبليغ الأذهان أن الحادثة كانت معجزة عظيمة حقيقية». ولنا هنا أن نقابل بهذا النبوءة في (إشعياء ٣٠: ٢٦) وهي قوله «وَيَكُونُ نُورُ ٱلْقَمَرِ كَنُورِ ٱلشَّمْسِ، وَنُورُ ٱلشَّمْسِ يَكُونُ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ كَنُورِ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، فِي يَوْمٍ يَجْبُرُ ٱلرَّبُّ كَسْرَ شَعْبِهِ وَيَشْفِي رَضَّ ضَرْبِهِ».
سَمِعَ فِيهِ ٱلرَّبُّ صَوْتَ إِنْسَانٍ هذه الجملة نعت ثان ليوم المحذوف المكتفى بصفته عنه في قوله السابق «لكي يكن مثل ذلك اليوم» (ارجع إلى التفسير) والمعنى أنه لم يسبق يوم كذلك اليوم سمع فيه الرب صلاة إنسان فأراد «بالصوت» هنا الصلاة. وعلاقة المجاز ظاهرة. وليس المعنى أن الله لم يسمع صلاة إنسان قبل هذا اليوم فإن الله سمع صلوات ألوف وربوات كثيرة ومنه إيليا فإنه «كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَاناً تَحْتَ ٱلآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى ٱلأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ الخ» (يعقوب ٥: ١٧ و١٨). فالمعنى هنا أن الله سمع صلاة يشوع سمعاً كان تأثيره أعظم من تأثير كل ما سبقه وما سيكون بعده فإنه أوقف الشمس والقمر سُلطانَي النهار والليل والمرجّح أنهما كانا من آلهة الأموريين فرأوا إلهيهما مُسخَّرين لإسرائيل. ويحسن هنا أن نذكر أن للصلاة قوة وأن الله يسمع الداعين إليه إذا دعوا بإيمان وقلب سليم فالصلاة حصن قوّة من الله.
لأَنَّ ٱلرَّبَّ حَارَبَ عَنْ إِسْرَائِيلَ وفي الترجمة الكلدانية «لأن الرب حارب بكلمته» الخ فلعل المترجم زاد هذا كأنه يريد حارب بإجابته الصلاة. ومعنى الأصل إن سمع الرب لتلك الصلاة في ذلك اليوم ذلك السمع العجيب ميّزه عن سائر الأيام الماضية والمستقبلة بدليل أن الرب حارب عن إسرائيل بتقوية شعبه وصنع المعجزة التي لا نظير لها وخزيه للوثنيين بمعجزاته وبيّناته وكسره إياهم إتماماً لوعده.
١٥ «ثُمَّ رَجَعَ يَشُوعُ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ فِي ٱلْجِلْجَالِ».
ع ٤٣
ثُمَّ رَجَعَ… إِلَى ٱلْجِلْجَالِ أي بعد أن انتهى من حرب الأموريين وأخذه مدنهم وقتله ملوكهم فهو كلام مجمل فصّله في ما بعد. وكان رجوعه إلى الجلجال لأن مخيم الإسرائيليين هنالك فلم يبق موضع لارتباك المفسرين في هذه الآية ومثل هذا كثير في اللغات الشرقية وكلام مؤرخيها يجملون ثم يفصلون. وترك هذه الآية في بعض النسخ ليس بديل على زيادتها في أكثرها وأصحها (انظر ع ٤٣).
١٦ «فَهَرَبَ أُولَئِكَ ٱلْخَمْسَةُ ٱلْمُلُوكِ وَٱخْتَبَأُوا فِي مَغَارَةٍ فِي مَقِّيدَةَ».
فَهَرَبَ أُولَئِكَ ٱلْخَمْسَةُ ٱلْمُلُوكِ الفاء هنا تُعرف بالفصيحة وهي ما أفصحت عن جواب شرط مقدّر والتقدير هنا إن أردت أن تعرف تفصيل ما أجملته فهو أنه هرب الخ.
وَٱخْتَبَأُوا فِي مَغَارَةٍ فِي مَقِّيدَةَ (انظر ع ١٠ والتفسير) أي في جوار مقيدة لا في المدينة نفسها (انظر تفسير ع ١٠ عند ذكر جبعون وتفسير ص ٥: ١٣ عن ذكر أريحا) فإن الحدود قد تُحسب من المحدود مجازاً للاتصال. قابل عبارة الأصل بما في عاموس ٩: ٢ – ٤) تعرف علة خيبتهم في ذلك الاختباء.
١٧ «فَأُخْبِرَ يَشُوعُ: قَدْ وُجِدَ ٱلْمُلُوكُ ٱلْخَمْسَةُ مُخْتَبِئِينَ فِي مَغَارَةٍ فِي مَقِّيدَةَ».
فَأُخْبِرَ يَشُوعُ… وُجِدَ ٱلْمُلُوكُ ٱلْخَمْسَةُ إن الأشرار إن توراوا عن أعين الناس لا يقدروا أن يتواروا عن عيني الله ولا يستطيعون أن يهربوا منه (عاموس ٩: ٢ – ٤).
١٨ «فَقَالَ يَشُوعُ: دَحْرِجُوا حِجَارَةً عَظِيمَةً عَلَى فَمِ ٱلْمَغَارَةِ، وَأَقِيمُوا عَلَيْهَا رِجَالاً لأَجْلِ حِفْظِهِمْ».
دَحْرِجُوا حِجَارَةً عَظِيمَةً عَلَى فَمِ ٱلْمَغَارَةِ أي ضعوا على مدخل المغارة صخوراً كبيرة بالدحرجة لأنهم لا يقدرون أن يحملوها لكبرها ووفرة ثقلها وذلك لئلا يخرجوا منها على حين غفلة.
وَأَقِيمُوا عَلَيْهَا رِجَالاً لأَجْلِ حِفْظِهِمْ أي أقيموا عليها حراساً ليمنعوهم من مزاولة رفع تلك الحجارة إن كانوا ممن يقوون على دفع مثلها.
١٩ «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تَقِفُوا، بَلِ ٱسْعُوا وَرَاءَ أَعْدَائِكُمْ وَٱضْرِبُوا مُؤَخَّرَهُمْ. لاَ تَدَعُوهُمْ يَدْخُلُونَ مُدُنَهُمْ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ قَدْ أَسْلَمَهُمْ بِيَدِكُمْ».
تثنية ٢٥: ١٨
وَأَمَّا أَنْتُمْ الخطاب لرجال الحرب كما يدلّ عليه ما اتصل به من الكلام.
وَٱضْرِبُوا مُؤَخَّرَهُمْ وفي العبرانية واقطعوا أذنابهم والمعنى واحد إلا أن ما في الترجمة حقيقة وما في الأصل مجاز.
لاَ تَدَعُوهُمْ يَدْخُلُونَ مُدُنَهُمْ لئلا يجددوا قواهم ويستأنفوا الحرب. نعم إن بعضهم دخل المدن ولكن الإسرائيليين أدركوهم وقتلوهم (انظر ع ٢٠).
٢٠ «وَلَمَّا ٱنْتَهَى يَشُوعُ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ ضَرْبِهِمْ ضَرْبَةً عَظِيمَةً جِدّاً حَتَّى فَنُوا، وَٱلشَّرَدُ ٱلَّذِينَ شَرَدُوا مِنْهُمْ دَخَلُوا ٱلْمُدُنَ ٱلْمُحَصَّنَةَ».
وَلَمَّا ٱنْتَهَى يَشُوعُ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ الخ أي ولما انتهى يشوع من ضرب الأعداء بواسطة جنوده الذين أرسلهم إليهم فإنه على ما يظهر من ع ٢١ لم يكن يشوع معهم بل كان ينتظرهم في مقّيدة فإسناد الفعل إلى يشوع من باب المجاز لأنه الآمر بذلك.
وَٱلشَّرَدُ أي الشاردون والمراد الهاربون أو المطرودون.
٢١ «رَجَعَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ إِلَى يَشُوعَ فِي مَقِّيدَةَ بِسَلاَمٍ. لَمْ يَسُنَّ أَحَدٌ لِسَانَهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ».
خروج ١١: ٧
رَجَعَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ إِلَى يَشُوعَ فِي مَقِّيدَةَ أراد بجميع الشعب هنا كل الجماعة التي أرسلها يشوع لتستولي على البلاد وتضرب باقي الأعداء. والمرجّح أن النزول في المحلة كان وقتاً قصيراً لإراحة الجيش وإصلاح شأنه بعد انتصاره وإعداد من يحتاج إليه منهم لقتل الملوك المسجونين في المغارة وما بعد ذلك من الوقائع.
بِسَلاَمٍ أي بسلامة وصحّة.
لَمْ يَسُنَّ أَحَدٌ لِسَانَهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ هذا مثل قديم يُضرب في عجز العدو عن إضرار معاديه والطامع عن نيل المطموع فيه ولم يزل لهذا المثَل أثر بين العامة وهو قولهم «سنّ فلان أسنانه لكذا» أي نوى على نيله وطمع فيه والمعنى أنه استعدّ لذلك وأعدّ آلته كمن يسن سيفه للضرب وسكينه للذبح. وهنا جاء منفياً فمعناه أنه لم يستطع أحد أن يخسر الإسرائيليين شيئاً (انظر تفسير خروج ١١: ٧). وجاء في هذا المثل في سفر الخروج «كلب» بدل «أحد» هنا. فجرى هذا المثل على وجهين وجاء مثله في العربية «الصيف ضيّعت اللبن» و«في الصيف ضيّعت اللبن» والمعنى واحد. وهو من المجاز المركب أو الاستعارة التمثيلية. ورأى بعضهم أن المعنى لم يُلم بأحد بني إسرائيل أو يعيبهم بشيء بناء على أن اللسان آلة الكلام وهو مقبول لكن الأول أولى بالمقام ومقتضى الحال. واللسان من أدوات الأكل كما أنه من أدوات اللفظ.
٢٢ «فَقَالَ يَشُوعُ: ٱفْتَحُوا فَمَ ٱلْمَغَارَةِ وَأَخْرِجُوا إِلَيَّ هٰؤُلاَءِ ٱلْخَمْسَةَ ٱلْمُلُوكِ مِنَ ٱلْمَغَارَةِ».
فَقَالَ يَشُوعُ هل قال ذلك في يوم الانتصار عليه أو في غده. رأى بعضهم أنه قاله في الغد إذ حربهم الطويل في ذلك اليوم ورجوعهم إلى يشوع واستراحتهم وإعداد ما يحتاج إليه لا يكفيه يوم واحد. فالظاهر أن هذا القائل نسي أن طول ذلك اليوم كان من المعجزات ولهذا رجّح الكثيرون أنه قال ذلك في يوم الانتصار عينه.
ٱفْتَحُوا فَمَ ٱلْمَغَارَةِ أي باب المغارة.
وَأَخْرِجُوا… مِنَ ٱلْمَغَارَةِ كان الظاهر يقتضي أن يقول أخرجوا… منها فوضع الظاهر مكان المضمر لزيادة البيان ورفع كلفة النظر إلى مرجع الضمير.
٢٣ «فَفَعَلُوا كَذٰلِكَ، وَأَخْرَجُوا إِلَيْهِ أُولَئِكَ ٱلْمُلُوكَ ٱلْخَمْسَةَ مِنَ ٱلْمَغَارَةِ: مَلِكَ أُورُشَلِيمَ وَمَلِكَ حَبْرُونَ وَمَلِكَ يَرْمُوتَ وَمَلِكَ لَخِيشَ وَمَلِكَ عَجْلُونَ».
مَلِكَ أُورُشَلِيمَ الخ (انظر تفسير ع ٣).
٢٤ «وَكَانَ لَمَّا أَخْرَجُوا أُولَئِكَ ٱلْمُلُوكَ إِلَى يَشُوعَ أَنَّ يَشُوعَ دَعَا كُلَّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ وَقَالَ لِقُوَّادِ رِجَالِ ٱلْحَرْبِ ٱلَّذِينَ سَارُوا مَعَهُ: تَقَدَّمُوا وَضَعُوا أَرْجُلَكُمْ عَلَى أَعْنَاقِ هٰؤُلاَءِ ٱلْمُلُوكِ. فَتَقَدَّمُوا وَوَضَعُوا أَرْجُلَهُمْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ».
مزمور ١٠٧: ٤٠ و١١٠: ١٥ و١٤٩: ٨ و٩ وإشعياء ٢٦: ٥ و٦ وملاخي ٤: ٣
كُلَّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ أي كل رجال الحرب المختارين من بني إسرائيل. وقد مرّ مثل ذلك مراراً (انظر تفسير ص ٨: ١ و٩: ٦).
وَضَعُوا أَرْجُلَكُمْ عَلَى أَعْنَاقِ هٰؤُلاَءِ ٱلْمُلُوكِ هذا من أشد أنواع الاحتقار للأعداء مع ما فيه من الإيلام وأظهر آيات الفوز والانتصار (قابل بهذا ما في ٢صموئيل ٢٢: ٣٩). ولم يزل هذا من أعظم آيات احتقار العدوّ وأعظم انتصار محاربه فيقول الواحد لعدوه «سأدوس عنقك وأدعس رقبتك» وكان الوعد لإسرائيل بإذلال سائر الأعداء مثل هذا الإذلال عل ما صرّح في الآية الآتية.
٢٥ «فَقَالَ لَهُمْ يَشُوعُ: لاَ تَخَافُوا وَلاَ تَرْتَعِبُوا. تَشَدَّدُوا وَتَشَجَّعُوا. لأَنَّهُ هٰكَذَا يَفْعَلُ ٱلرَّبُّ بِجَمِيعِ أَعْدَائِكُمُ ٱلَّذِينَ تُحَارِبُونَهُمْ».
تثنية ٣١: ٦ و٨ وس ١: ٩ تثنية ٣: ٢١ و٧: ١٩
لاَ تَخَافُوا قال لهم يشوع مثلما قال الله له (ص ١: ٩) تشجيعاً.
٢٦ «وَضَرَبَهُمْ يَشُوعُ بَعْدَ ذٰلِكَ وَقَتَلَهُمْ وَعَلَّقَهُمْ عَلَى خَمْسِ خَشَبٍ، وَبَقُوا مُعَلَّقِينَ عَلَى ٱلْخَشَبِ حَتَّى ٱلْمَسَاءِ».
ص ٨: ٢٩
وَعَلَّقَهُمْ عَلَى خَمْسِ خَشَبٍ أو شجرات وفي الترجمة الكلدانية «صلبان» (انظر تفسير ص ٨: ٢٩) وعلّقهم بعد أن قتلهم لزيادة الإهانة والتنكيل ليجعلهم عبرة وإنذاراً لسائر ملوك الأعداء حتى لا يقدموا على مقاومته فيكون نصيبهم نصيب هؤلاء.
٢٧ «وَكَانَ عِنْدَ غُرُوبِ ٱلشَّمْسِ أَنَّ يَشُوعَ أَمَرَ فَأَنْزَلُوهُمْ عَنِ ٱلْخَشَبِ وَطَرَحُوهُمْ فِي ٱلْمَغَارَةِ ٱلَّتِي ٱخْتَبَأُوا فِيهَا، وَوَضَعُوا حِجَارَةً كَبِيرَةً عَلَى فَمِ ٱلْمَغَارَةِ حَتَّى إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ عَيْنِهِ».
تثنية ٢١: ٢٣ وص ٨: ٢٩
وَكَانَ عِنْدَ غُرُوبِ ٱلشَّمْسِ تردّد المفسرون بين أن يكون هذا غروب اليوم الذي طال بالمعجزة وأن يكون غروب غده وذهب الأكثرون إلى أنه غروب الغد. ولكن إن كان طول ذلك اليوم من الأمور الخارقة العادة فلا يصعب التسليم بأن هذا الغروب غروبه.
طَرَحُوهُمْ فِي ٱلْمَغَارَةِ كانت هذه المغارة مخبأ لهم بغية النجاة ثم صارت لهم سجناً منيعاً ثم صارت لهم مدفناً. وهذا نصيب من يهرب من الله.
وَوَضَعُوا حِجَارَةً كَبِيرَةً عَلَى فَمِ ٱلْمَغَارَةِ فسجنوهم أحياء وأمواتاً. ونرجّح أنّه كان فوقها جُثوة حجارة عبرة وتذكاراً كما كان على قبر عخان (ص ٧: ٢٦).
حَتَّى إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ عَيْنِهِ أي إلى اليوم الذي كان يشوع يكتب هذا النبأ وهذا لا يمنع من أن تلك الحجارة بقيت زماناً طويلاً بعد يشوع. قال ماسيوس إن الذين زاروا تلك الأرض قالوا إن تلك المغارة باقية إلى هذا اليوم في أكمة قرب مقّيدة وبابها مسدود بالحجارة كآثار التذكار.
نتعلم من حادثة الملوك الخمسة ما يأتي:
- خدع الخطيئة فإنهم دخلوا المغارة قصد أن يختبئوا فيها ولكن المغارة صارت أولاً سجنهم ثم قبرهم. وهكذا كل من يهرب من وجه الرب ويلتجئ إلى الأكاذيب.
- مجازاة الأشرار فإن هؤلاء الملوك كانوا تكبروا وترفهوا وظلموا المساكين فكان ذُلهم بمقدار ارتفاعهم السابق.
- مجازاة خدَمة الله فإنهم إذا ثبتوا ينتصرون والله سيسحق الشيطان تحت أرجلهم.
٢٨ «وَأَخَذَ يَشُوعُ مَقِّيدَةَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ وَضَرَبَهَا بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ، وَحَرَّمَ مَلِكَهَا هُوَ وَكُلَّ نَفْسٍ بِهَا. لَمْ يُبْقِ شَارِداً. وَفَعَلَ بِمَلِكِ مَقِّيدَةَ كَمَا فَعَلَ بِمَلِكِ أَرِيحَا».
ص ٦: ٢١
أَخَذَ يَشُوعُ مَقِّيدَةَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ الذي علّق الملوك فيه وهو على قول الأكثرين غد يوم الانتصار الطويل كما ذُكر في تفسير (ع ٢٧) ورأى بعضهم أن ذلك كان قبل أن علّق الملوك بدليل ما في بقية الآية فالعطف بالواو ليس للترتيب بل لمجرّد المشاركة في الحدوث.
ضَرَبَهَا بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ أي ضرب أهلها.
وَحَرَّمَ مَلِكَهَا هُوَ وَكُلَّ نَفْسٍ بِهَا أي لعنهم وقتلهم رجالاً ونساءً كباراً وصغاراً.
لَمْ يُبْقِ شَارِداً أي أمسك الهاربين وقتلهم كالباقين فلم ينج أحد من أهلها.
فَعَلَ بِمَلِكِ مَقِّيدَةَ كَمَا فَعَلَ بِمَلِكِ أَرِيحَا أي قتله وعلّقه تذليلاً للأعداء وتنكيلاً كما فعل بملك عاي والملوك الخمسة (انظر تفسير ص ٦: ٢١ و٨: ٢٩).
٢٩ «ثُمَّ ٱجْتَازَ يَشُوعُ مِنْ مَقِّيدَةَ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ إِلَى لِبْنَةَ، وَحَارَبَ لِبْنَةَ».
ثُمَّ ٱجْتَازَ يَشُوعُ هذه الغزوة كانت مقدمة لغزوات جديدة.
وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ أي كل رجال إسرائيل المختارين لهذه الغزوة وكانوا معه في محاربة مقيدة (ع ٢٨).
إِلَى لِبْنَةَ معنى «لبنة» بياض وهي هنا مدينة في سهم يهوذا قرب تخمه الغربي ليست بعيدة عن مقيدة. وهي غربي أورشليم أو في الجنوب الغربي منها وتبعد اثني عشر ميلاً عنها صارت بعد ذلك مدينة للكهنة (ص ١٥: ٤٢ و٢١: ١٣ و١أيام ٦: ٥٧) وهي اليوم خراب لا طلل لها ولا رسم. وظنها بعضهم عراق المنشيّ وبعضهم تلّ الصافية.
٣٠ «فَدَفَعَهَا ٱلرَّبُّ هِيَ أَيْضاً بِيَدِ إِسْرَائِيلَ مَعَ مَلِكِهَا، فَضَرَبَهَا بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ وَكُلَّ نَفْسٍ بِهَا. لَمْ يُبْقِ بِهَا شَارِداً، وَفَعَلَ بِمَلِكِهَا كَمَا فَعَلَ بِمَلِكِ أَرِيحَا».
ضَرَبَهَا بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ أي ضرب أهلها صغاراً وكباراً.
وَكُلَّ نَفْسٍ بِهَا العطف هنا عطف تفسير لقوله ضربها.
٣١ «ثُمَّ ٱجْتَازَ يَشُوعُ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ مِنْ لِبْنَةَ إِلَى لَخِيشَ وَنَزَلَ عَلَيْهَا وَحَارَبَهَا».
وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ (انظر تفسير ع ٢٩).
إِلَى لَخِيشَ على غاية بضعة أميال جنوبي لبنة قرب تخم يهوذا الغربي. والمرجّح أنها كانت حصينة لأن يشوع لم يستطع أن يأخذها إلا في اليوم الثاني. واضطر سنحاريب بعد ذلك أن يحاصرها (٢ملوك ١٩: ٨ وإشعياء ٣٧: ٨ و٣٧) ورُسم نبأ هذا الحصار على حجارة اكتُشفت في قصر كوينجك فقرأها كيرد «سنحاريب الملك العظيم ملك أشور الجالس على عرش القضاء تجاه مدينة لخيش أنا آذن في قتلها». واختلفت الأقوال في موقعها فقيل إنه موقع أم كيس وقيل إنه تل الحصى قرب عجلون وقيل غير ذلك. ولم يُذكر ملك لخيش هنا لأنه من الملوك الخمسة الذين لعنهم يشوع وقتلهم وعلّقهم (انظر ع ٢٢ – ٢٧ والتفسير).
٣٢ «فَدَفَعَ ٱلرَّبُّ لَخِيشَ بِيَدِ إِسْرَائِيلَ، فَأَخَذَهَا فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّانِي وَضَرَبَهَا بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ وَكُلَّ نَفْسٍ بِهَا حَسَبَ كُلِّ مَا فَعَلَ بِلِبْنَةَ».
فَدَفَعَ ٱلرَّبُّ لَخِيشَ بِيَدِ إِسْرَائِيلَ، فَأَخَذَهَا فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّانِي أخذها في اليوم الثاني لأنها كانت حصينة ويؤيد ذلك أن سنحاريب ملك أشور لما «صَعِدَ… عَلَى جَمِيعِ مُدُنِ يَهُوذَا ٱلْحَصِينَةِ وَأَخَذَهَا» (٢ملوك ١٨: ١٣) كان «عَلَى لَخِيشَ وَكُلُّ سَلْطَنَتِهِ مَعَهُ» (٢أيام ٣٢: ٩) أي كان يحاصرها بكل قوته. ومع ذلك ترك الحصار (٢ملوك ١٩: ٨). وإن نبوخذ نصّر غزا مملكة يهوذا في ملك صدقيا فحارب «أورشليم مدن يهوذا» ولم يستطع أن يأخذ لجيش وعزيقة «لأَنَّ هَاتَيْنِ بَقِيَتَا فِي مُدُنِ يَهُوذَا مَدِينَتَيْنِ حَصِينَتَيْنِ» (إرميا ٣٤: ٧).
٣٣ «حِينَئِذٍ صَعِدَ هُورَامُ مَلِكُ جَازَرَ لإِعَانَةِ لَخِيشَ، وَضَرَبَهُ يَشُوعُ مَعَ شَعْبِهِ حَتَّى لَمْ يُبْقِ لَهُ شَارِداً».
جَازَرَ كانت مدينة اسمها جازر في سبط أفرايم في الجنوب الغربي من أورشليم وعلى غاية عشرين ميلاً منها (ص ١٦: ٣ و١٠ وقضاة ١: ٢٩). وملكها هورام إما حليف لملك لخيش أو أنه ساعد ملك لخيش دفعاً للإسرائيليين عن بلاده. وكانت جازر هذه من أقدم مدن كنعان صارت بعد ذلك لبني قهات اللاويين (ص ٢١: ٢١ و١أيام ٦: ٦٧). واشتهرت في حروب داود (٢صموئيل ٥: ٢٥ و١أيام ٢٠: ٤) وأخذها فرعون ملك مصر وأعطاها مهراً لابنته امرأة سليمان (١ملوك ٩: ١٥ – ١٧). رأى بعضهم أنها هي المعروفة اليوم بتل الجزر وهي على غاية أربعة أميال من نيكوبوليس. وقد اكتُشفت هناك خُرب كثيرة تدل على أنها كانت مدينة ذات شأن وكتابات يونانية وعبرانية تدل على اسمها وحدودها.
٣٤ «ثُمَّ ٱجْتَازَ يَشُوعُ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ مِنْ لَخِيشَ إِلَى عَجْلُونَ فَنَزَلُوا عَلَيْهَا وَحَارَبُوهَا».
عَجْلُونَ قيل في قاموس الكتاب «عجلون مدينة أمورية في يهوذا تسمى الآن عجلان وهي على تلّ على بُعد ١٠ أميال إلى الشمال الشرقي من غزة».
٣٥ «وَأَخَذُوهَا فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ وَضَرَبُوهَا بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ، وَحَرَّمَ كُلَّ نَفْسٍ بِهَا فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ حَسَبَ كُلِّ مَا فَعَلَ بِلَخِيشَ».
وَأَخَذُوهَا فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ الذي نزلوا عليها فيه.
وَحَرَّمَ كُلَّ نَفْسٍ بِهَا أي قتل كل إنسان فيها من الرجال والنساء والأحداث.
٣٦ «ثُمَّ صَعِدَ يَشُوعُ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ مِنْ عَجْلُونَ إِلَى حَبْرُونَ وَحَارَبُوهَا».
ص ١٤: ١٣ و١٥: ١٣ وقضاة ١: ١٠
حَبْرُونَ مدينة من أقدم المدن اليهودية سُميّت باسم حبرون أحد أولاد كالب وكانت تُعرف بقرية أربع أو مدينة أربع وأربع اسم بطل أُضيفت إليه لأنها كانت وطنه. ومن أسمائها ممرا وموقعها نجدٌ في جنوبي أورشليم وعلى غاية عشرين ميلاً منها وتُعرف اليوم بالخليل.
٣٧ «وَأَخَذُوهَا وَضَرَبُوهَا بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ مَعَ مَلِكِهَا وَكُلِّ مُدُنِهَا وَكُلِّ نَفْسٍ بِهَا. لَمْ يُبْقِ شَارِداً حَسَبَ كُلِّ مَا فَعَلَ بِعَجْلُونَ، فَحَرَّمَهَا وَكُلَّ نَفْسٍ بِهَا».
مَلِكِهَا المرجّح أنه خليفة الملك الذي قُتل وعُلّق قبلاً (ع ٢٣ و٢٦).
مُدُنِهَا أي المدن التي هي عاصمتها أو المحالفة لها.
٣٨ «ثُمَّ رَجَعَ يَشُوعُ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ إِلَى دَبِيرَ وَحَارَبَهَا».
ص ١٥: ١٥ وقضاة ١: ١١
رَجَعَ يَشُوعُ أي تحوّل إلى جهة أُخرى.
دَبِيرَ مدينة قرب حبرون كان اسمها قرية سِفر (قضاة ١: ١١) وقرية سِفر أي مدينة الكتب (ص ١٥: ١٥) ومعنى دبير مقدس فيدل ذلك على أنها كانت مدينة العالم الديني عند الكنعانيين وإنه كان للكنعانيين إيمة دين وأسفار دينية يعلّمونها الأحداث والبالغين. وكانت هذه المدينة حصناً لبني عناق. وكانت من سهم يهوذا. ثم استولى عليها الكنعانيون ثم أخذها الإسرائيليون (ص ١٥: ١٥ – ١٧). ثم صارت للاويين (ص ٢١: ١٥). ظن بعضهم أنها «دويربان» المعروفة اليوم وهي على غاية أميال من حبرون في الجنوب الغربي منها. وظن فريق أنها ما يُعرف اليوم «بالدلبة» على غاية ستة أميال من حبرون في الجهة المذكورة. وفريق آخر أنها «الظهرية» وإنها موضع الينابيع العليا والينابيع السفلى (قضاة ١: ١٥) ورأى بعضهم أنها «دبين» على غاية عشرين ميلاً من جنوبي السلط وهي أقرب إلى دبير من غيرها لفظاً.
٣٩ «وَأَخَذَهَا مَعَ مَلِكِهَا وَكُلِّ مُدُنِهَا، وَضَرَبُوهَا بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ وَحَرَّمُوا كُلَّ نَفْسٍ بِهَا. لَمْ يُبْقِ شَارِداً. كَمَا فَعَلَ بِحَبْرُونَ كَذٰلِكَ فَعَلَ بِدَبِيرَ وَمَلِكِهَا، وَكَمَا فَعَلَ بِلِبْنَةَ وَمَلِكِهَا».
وَأَخَذَهَا الخ فعل يشوع بأهل أريحا وما بعدها من المدن فعلاً واحداً من قتل جميع الأنفس والتنكيل.
٤٠ «فَضَرَبَ يَشُوعُ كُلَّ أَرْضِ ٱلْجَبَلِ وَٱلْجَنُوبِ وَٱلسَّهْلِ وَٱلسُّفُوحِ وَكُلَّ مُلُوكِهَا. لَمْ يُبْقِ شَارِداً، بَلْ حَرَّمَ كُلَّ نَسَمَةٍ كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ».
تثنية ٢٠: ١٦ و١٧
كُلَّ أَرْضِ ٱلْجَبَلِ أو الأرض الجبلية أي ذات الجبال وهي جبال يهوذا وأفرايم.
ٱلْجَنُوبِ أي القسم الجنوبي من أرض كنعان وذلك الجزء الجنوبي من سهم يهوذا وأدومية.
ٱلسَّهْلِ وهو الأرض المنخفضة الممتدة من يافا إلى حدود مصر (تثنية ١: ٧ وقضاة ١: ٩ وإرميا ١٧: ٢٦).
ٱلسُّفُوحِ جمع سفح ومعناه هنا أسفل الجبل حيث يسفح فيه الماء. والكلمة في العبرانية تحتمل معنى السيول فتكون تلك المواضع من الترَب الخصبة.
كُلَّ نَسَمَةٍ أي كل إنسان لا كل حي من الناس والبهائم كما يسبق إلى الفهم لأنهم كانوا يأخذون البهائم غنيمة.
٤١ «فَضَرَبَهُمْ يَشُوعُ مِنْ قَادِشِ بَرْنِيعَ إِلَى غَزَّةَ وَجَمِيعَ أَرْضِ جُوشِنَ إِلَى جِبْعُونَ».
تكوين ١٠: ١٩ ص ١١: ١٦ و١٥: ٥١
قَادِشِ بَرْنِيعَ (انظر تفسير تثنية ١: ٢) وهي على تخم كنعان الجنوبي على غاية إحدى عشرة مرحلة من حوريب وعلى تخم أدوم. ظن بعضهم موقعها عندما يُعرف اليوم بعين الوببة وأكثرهم على أنه عين قاس وهي في أرض تحيط بها التلال وتربتها حسنة.
غَزَّةَ مدينة لا يزال هذا اسمها وهي على غاية ثلاثة أميال من شاطئ البحر.
جُوشِنَ هي ليست بلاد جوش في مصر التي أقام بها العبرانيون بل هي قطيعة في سهم يهوذا في جنوبي حبرون أي الخليل وعلى غاية أربعة عشر ميلاً منها (ص ١١: ١٦ و١٥: ٥١) وهي على ما في الآية بين غزة وجبعون.
٤٢ «وَأَخَذَ يَشُوعُ جَمِيعَ أُولَئِكَ ٱلْمُلُوكِ وَأَرْضِهِمْ دُفْعَةً وَاحِدَةً، لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ حَارَبَ عَنْ إِسْرَائِيلَ».
ع ١٤
دُفْعَةً وَاحِدَةً أي بغزوة واحدة من غزوات بني إسرائيل في أرض كنعان لا في واقعة واحدة إذ كانت الوقائع متعددة أو المعنى بمحاربة واحدة متصلة الوقائع.
لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ حَارَبَ عَنْ إِسْرَائِيلَ فالقوّة لله لا للإسرائيليين فإنه هو أعطاهم القوّة وشدد قلوبهم وأرشدهم. وهذا دليل واضح أن الله يحارب عن شعبه. وتمّ هذا كله تصديقاً لوعده ووفاء به (انظر ع ٨ و١٤).
غُلب الكنعانيون لأن الرب حارب عن إسرائيل ونرى أيضاً أسباباً طبيعية لغلبهم منها إن أعماله القبيحة كانت أفسدت طباعهم ففقدوا الشجاعة والقوّة والفطنة وجميع صفات الرجولية. ومن أسباب كسرهم أيضاً أنهم غلطوا بسياستهم الحربية فإن مدنهم كانت حصينة فلو بقوا فيها كان الإسرائيليون اضطروا أن يحاصروها ويأخذوها واحدة فواحدة بعد خسارة عظيمة ومدة طويلة.
٤٣ «ثُمَّ رَجَعَ يَشُوعُ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ إِلَى ٱلْجِلْجَالِ».
ثُمَّ رَجَعَ يَشُوعُ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ أي رجع القائد يشوع وجميع الجنود الذين اختارهم من إسرائيل لتلك الحرب. وقد تكرّر هذا المجاز في هذا السفر كثيراً.
إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ إِلَى ٱلْجِلْجَالِ الجلجال بدل من المحلة بإعادة حرف الجر أو عطف بيان كذلك وهو الأرجح والمحلة مكان النزول. والجلجال مدينة تقدَّم الكلام عليها (انظر تفسير ص ٤: ١٩) وكان علة الرجوع إلى الجلجال لافتقاد منزلة الإسرائيليين وإراحة الجنود وتدبير شؤون الشعب وجنود الحرب والاستعداد لما سيحدث بعد ذلك.
فوائد
- إن أورشليم كانت منذ الأزمنة البعيدة مقدس الرب وكان ملكها كاهنها كما نعلم من أمر ملكي صادق أي ملك البر كاهن الله العليّ أو بأدوني صادق أي رب البر أو سيد البر وملك ساليم أي ملك السلام كما كان يلقب ملك مصر بفرعون وملك جت بإبيمالك وملك دمشق ببنهدد. ولكن أهل تلك الأرض المقدسة ملوكها ورعاياهم تقهقروا وضلوا ضلالاً بعيداً فسلّط الله عليهم شعبه إسرائيل نقمة منهم وتطهيراً لأرضهم من أثار الغيّ وأدناس الوثنية إذ كان لم يبقَ من مجدها سوى الأسماء والألقاب والله ينزع نعمته ممن لا يرعونها. قال الشاعر وأجاد:
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيـل النعم وداوم عليها بتقوى الإله فإن الإلـه شديـد النِّقـم - إن مجرد الاسم واللقب لا يتكفل ببقاء ما يشيران إليه فقد صار ملك البر والسلام وملك الإثم والهلاك. فلا ينفعنا مجرد أننا نسمى مسيحيين أو تلاميذ المسيح فإن أحد رسله المعروف بيهوذا الاسخريوطي ضلّ وهلك «من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط» (ع ١).
وجذب الجبعونيون على نفوسهم مقاومة ملوك كنعان لما اتحدوا بالإسرائيليين. وكل من يتحد بشعب الله يصير عرضة لمقاومة العالم. ولكن الجبعونيين نالوا المساعدة من الإسرائيليين وصاروا شركاءهم في نصرتهم ومن يتألم مع شعب الله يتمجد معهم أيضاً. بواسطة مقاومة العالم يُمتحن الداخلون إلى الكنيسة (ع ٤).
- إن عون الله لا يُعفي الإنسان من القيام بما عليه. إن الله ساعد يشوع وجنوده ولكن يشوع وجنوده بذلوا الجهد في العمل (ع ٩) «صعد الليل كله من الجلجال». فلا يلزم أن نهتم كأن الله لا يعمل ويجب أن لا نتكاسل كأنه لا يُطلب عمل منا.
- إن الله مدير الكون وليس فقط خالقه والأرياح والأمطار والبرَد والرعود وكل ما يحدث بيده فلا نخف منها بل نؤمن بأنها مُرسلة من الله لإجراء مقاصده الصالحة. والله محبة (ع ١١).
- إن الصلاة أقوى من العمل والفائدة العظمى من هذه المعجزة (ع ١٢ – ١٥) إن الله صنعها إجابة للصلاة.
-
إن الله لا يمنع النور عن الذين يطلبونه منه بالصلاة. فإن الشمس يُمثل بها تعليم الكتب المقدسة والقمر يُمثل به تعليم الوعاظ لأن نوره انعكاس نور الشمس. فنطلب من الله أن شمس تعليمه لا تغيب عنّا وأن وُعاظ الكنيسة لا ينقطعون أبداً (ع ١٢ – ١٤).
السابق |
التالي |