سفر التثنية | 31 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر التثنية
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلثَّلاَثُونَ
تنازل موسى ليشوع عن كونه قائداً (ع ١ – ٨)
١ «فَذَهَبَ مُوسَى وَكَلَّمَ بِهٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ».
فَذَهَبَ مُوسَى وَكَلَّمَ قوله «ذهب» في مثل هذا المقام نادر والمرجح أن معناه أخذ يكلم أو شرع. وفي الترجوم الفلسطيني ما يفيد الذهاب حقيقة إذ قيل فيه «فذهب موسى إلى بيت التعليم وكلم». وفي ترجمة السبعين «وختم موسى كلامه بهذه الكلمات» (وهذا يشبه قوله في ص ٣٢: ٤٥).
٢ «وَقَالَ لَهُمْ: أَنَا ٱلْيَوْمَ ٱبْنُ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. لاَ أَسْتَطِيعُ ٱلْخُرُوجَ وَٱلدُّخُولَ بَعْدُ، وَٱلرَّبُّ قَدْ قَالَ لِي: لاَ تَعْبُرُ هٰذَا ٱلأُرْدُنَّ».
خروج ٧: ٧ وص ٣٤: ٧ عدد ٢٧: ١٧ و١ملوك ٣: ٧ عدد ٢٠: ١٢ و٢٧: ١٣ وص ٣: ٢٧
أَنَا ٱلْيَوْمَ ٱبْنُ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. لاَ أَسْتَطِيعُ ٱلْخُرُوجَ وَٱلدُّخُولَ ووصف موسى عند موته في هذا السن بأنه «لَمْ تَكِلَّ عَيْنُهُ وَلاَ ذَهَبَتْ نَضَارَتُهُ» (ص ٣٤: ٧). والظاهر أنه وجد من نفسه أن عمله قد انتهى فكان مضمون عبارته قد أُخذ مني السلطان الراعوي وأعطيته يشوع بن نون. وهذا مناسب لقوله «والرب قد قال لي لا تعبر هذا الأردن».
٣ «ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ هُوَ عَابِرٌ قُدَّامَكَ. هُوَ يُبِيدُ هٰؤُلاَءِ ٱلأُمَمَ مِنْ قُدَّامِكَ فَتَرِثُهُمْ. يَشُوعُ عَابِرٌ قُدَّامَكَ كَمَا قَالَ ٱلرَّبُّ».
ص ٩: ٣ عدد ٢٧: ٢١ الخ وص ٣: ٢٨
ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ هُوَ عَابِرٌ قُدَّامَكَ… يَشُوعُ عَابِرٌ قُدَّامَكَ لم يفرق هنا بين الرب ويشوع. وهذا يشبه قول يعقوب «ٱللّٰهُ ٱلَّذِي رَعَانِي مُنْذُ وُجُودِي إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ ٱلْمَلاَكُ ٱلَّذِي خَلَّصَنِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ» (تكوين ٤٨: ١٥ و١٦) فلم يفرّق بين الله والملاك. والخلاصة أن يشوع كان رمزاً إلى يسوع المسيح فيجب الانتباه لهذا الأمر وحفظه أحسن حفظ.
٤ «وَيَفْعَلُ ٱلرَّبُّ بِهِمْ كَمَا فَعَلَ بِسِيحُونَ وَعُوجَ مَلِكَيِ ٱلأَمُورِيِّينَ ٱللَّذَيْنِ أَهْلَكَهُمَا وَبِأَرْضِهِمَا».
عدد ٢١: ٢٤ و٢٣ وص ٣: ٢١
كَمَا فَعَلَ بِسِيحُونَ وَعُوجَ كان هذان الانتصاران اللذان فاز بهما الإسرائيليون قبل عبور الأردن من أحسن المشجعات لهم على الاستيلاء على أرض الميعاد ولهذا كثر ذكرهما عندهم.
٥ «فَمَتَى دَفَعَهُمُ ٱلرَّبُّ أَمَامَكُمْ تَفْعَلُونَ بِهِمْ حَسَبَ كُلِّ ٱلْوَصَايَا ٱلَّتِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهَا».
ص ٧: ٢
حَسَبَ كُلِّ ٱلْوَصَايَا وفي الأصل العبراني حسب كل الوصية وهي مبدأ العمل.
٦ «تَشَدَّدُوا وَتَشَجَّعُوا. لاَ تَخَافُوا وَلاَ تَرْهَبُوا وُجُوهَهُمْ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ سَائِرٌ مَعَكَ. لاَ يُهْمِلُكَ وَلاَ يَتْرُكُكَ».
يشوع ١٠: ٢٥ و١أيام ٢٢: ١٣ ص ١: ٢٩ و٧: ١٨ ص ٢٠: ٤ يشوع ١: ٥ وعبرانيين ١٣: ٥
تَشَدَّدُوا وَتَشَجَّعُوا. لاَ تَخَافُوا ما قيل لكل الإسرائيليين هنا قيل ليشوع وحده في الآية الآتية.
٧، ٨ «٧ فَدَعَا مُوسَى يَشُوعَ، وَقَالَ لَهُ أَمَامَ أَعْيُنِ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ: تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ لأَنَّكَ أَنْتَ تَدْخُلُ مَعَ هٰذَا ٱلشَّعْبِ ٱلأَرْضَ ٱلَّتِي أَقْسَمَ ٱلرَّبُّ لآبَائِهِمْ أَنْ يُعْطِيَهُمْ إِيَّاهَا. وَأَنْتَ تَقْسِمُهَا لَهُمْ. ٨ وَٱلرَّبُّ سَائِرٌ أَمَامَكَ. هُوَ يَكُونُ مَعَكَ. لاَ يُهْمِلُكَ وَلاَ يَتْرُكُكَ. لاَ تَخَفْ وَلاَ تَرْتَعِبْ».
خروج ١٣: ٢١ و٢٢ و٣٢: ١٤ وص ٩: ٣ يشوع ١: ٥ و٩ و١أيام ٢٨: ٢٠
فَدَعَا مُوسَى يَشُوعَ ليوليه أن يقود بني إسرائيل بعد عبور الأردن كما أشار إلى ذلك في (ع ٣).
لاَ يُهْمِلُكَ وَلاَ يَتْرُكُكَ كرر هذا الكلام للتقرير والتوكيد وقاله الرب نفسه (يشوع ١: ٥) تقوية لثقة يشوع وتشجيعاً له أحسن تشجيع.
تولية موسى الكهنة العناية بالشريعة باعتبار أنه الشارع (ع ٩ – ١٣)
٩ – ١١ «٩ وَكَتَبَ مُوسَى هٰذِهِ ٱلتَّوْرَاةَ وَسَلَّمَهَا لِلْكَهَنَةِ بَنِي لاَوِي حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ ٱلرَّبِّ، وَلِجَمِيعِ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ. ١٠ وَأَمَرَهُمْ مُوسَى: فِي نِهَايَةِ ٱلسَّبْعِ ٱلسِّنِينَ، فِي مِيعَادِ سَنَةِ ٱلإِبْرَاءِ، فِي عِيدِ ٱلْمَظَالِّ، ١١ حِينَمَا يَجِيءُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ لِيَظْهَرُوا أَمَامَ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ فِي ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي يَخْتَارُهُ، تَقْرَأُ هٰذِهِ ٱلتَّوْرَاةَ أَمَامَ كُلِّ إِسْرَائِيلَ فِي مَسَامِعِهِمْ».
ص ١٧: ١٨ وع ٢٥ عدد ٤: ١٥ ويشوع ٣: ٣ و١أيام ١٥: ١٢ و١٥ ص ١٥: ١ لاويين ٢٣: ٣٤ ص ١٦: ١٦ يشوع ٨: ٣٤ و٣٥ و٢ملوك ٢٣: ٢ ونحميا ٨: ١ إلى ٣ الخ
وَكَتَبَ مُوسَى هٰذِهِ ٱلتَّوْرَاةَ وَسَلَّمَهَا لِلْكَهَنَةِ… وَأَمَرَهُمْ… تَقْرَأُ هٰذِهِ ٱلتَّوْرَاةَ يجب أن يميز بين تسليم الكتاب للاويين في ع ٢٥ و٢٦ وتسليمه هنا. فيجب أن يُفهم من تسليمه هنا وكل موسى العناية بالشريعة إلى الكهنة فكلفهم بقراءة الشريعة وتعليم الشعب. وهذا كان عمل الكهنة الخاص. وقيل هنا أنهم «حاملوا تابوت العهد» لا لأنهم كانوا يحملونه دائماً بل لأنهم كانوا مكلفين به (وإن كانوا يحملونه أحياناً يشوع ص ٣) كما كانوا مكلفين بإعلان الشريعة وإيضاحها (ص ١٧: ٩). وهذا تمييز آخر بين الكهنة واللاويين في سفر التثنية.
وأما قوله «في نهاية السبع السنين في ميعاد سنة الإبراء في عيد المظال… تقرأ هذه التوراة» فقد ذكر إتمامه في يشوع ٨: ٣٤ و٣٥ بقراءة التوراة وفي عيد المظال أيضاً (نحميا ص ٨). والذي كان يقرأ خصوصاً سفر التثنية كما يظهر من التآليف التلمودية وكان يقرأه الملك زمن صار لهم ملوك وكانوا يبتدئون يقرأونه من الآية الأولى من الأصحاح الأول وأوله «هذا هو الكلام». وعلى هذا قيل في تاريخ اليهود أن أغريبا بكى حين وصل بقراءته إلى ص ١٧: ١٥ وهو قوله لا يحل لك أن تجعل عليك رجلاً أجنبيا لكن اليهود قالوا له لا تخف يا أغريبا أنت أخونا وحينئذ أكمل القراءة. وكان يقرأ على منبر أمام الهيكل. ومن هذا يتبين جلياً إن الذي كان يقرأه سفر التثنية.
١٢، ١٣ «١٢ اِجْمَعِ ٱلشَّعْبَ، ٱلرِّجَالَ وَٱلنِّسَاءَ وَٱلأَطْفَالَ وَٱلْغَرِيبَ ٱلَّذِي فِي أَبْوَابِكَ، لِيَسْمَعُوا وَيَتَعَلَّمُوا أَنْ يَتَّقُوا ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ وَيَحْرَصُوا أَنْ يَعْمَلُوا بِجَمِيعِ كَلِمَاتِ هٰذِهِ ٱلتَّوْرَاةِ. ١٣ وَأَوْلاَدُهُمُ ٱلَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا يَسْمَعُونَ وَيَتَعَلَّمُونَ أَنْ يَتَّقُوا ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ ٱلَّتِي تَحْيَونَ فِيهَا عَلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أَنْتُمْ عَابِرُونَ ٱلأُرْدُنَّ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكُوهَا».
ص ٤: ١٠ ص ١١: ٢ مزمور ٧٨: ٦ و٧
وَأَوْلاَدُهُمُ … يَسْمَعُونَ يفهم من هذا أنه لم يكن عند اليهود نسخ كثيرة من التوراة يومئذ ولهذا وجب عليهم أن يحفظوا التوراة وأن يضعوها في قلوبهم ليعلّموها أطفالهم وسائر أولادهم.
تعيين الله يشوع مكان موسى (ع ١٤ – ٢٣)
١٤، ١٥ «١٤ وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: هُوَذَا أَيَّامُكَ قَدْ قَرُبَتْ لِتَمُوتَ. اُدْعُ يَشُوعَ، وَقِفَا فِي خَيْمَةِ ٱلاجْتِمَاعِ لِكَيْ أُوصِيَهُ. فَٱنْطَلَقَ مُوسَى وَيَشُوعُ وَوَقَفَا فِي خَيْمَةِ ٱلاجْتِمَاعِ، ١٥ فَتَرَاءَى ٱلرَّبُّ فِي ٱلْخَيْمَةِ فِي عَمُودِ سَحَابٍ، وَوَقَفَ عَمُودُ ٱلسَّحَابِ عَلَى بَابِ ٱلْخَيْمَةِ».
عدد ٢٧: ١٣ وص ٣٤: ٥ عدد ٢٧: ١٩ وع ٢٣ خروج ٣٣: ٩
أَيَّامُكَ قَدْ قَرُبَتْ لِتَمُوتَ. اُدْعُ يَشُوعَ الذي قاله موسى أمام الشعب (ع ١ – ٨) صدقه الرب ليشوع وموسى.
فَٱنْطَلَقَ مُوسَى وَيَشُوعُ لنا أن نقابل بهذا ما ذُكر في سفر العدد من أن هارون والعازار صعدا إلى جبل هور لنقل الكهنوت من أحدهما إلى الآخر (عدد ٢٠: ٢٥ – ٢٨). وما ذُكر في سفر الملوك الثاني من أن إيليا وأليشع ذهبا إلى الأردن على قرب عروج إيليا إلى السماء لإقامة أليشع خليفة له (٢ملوك ص ٢). وفي هذه الآية ذكر آخر مقابلة الرب لموسى وجهاً لوجه في الخيمة والمقابلة الثانية كانت على جبل نبو والتي تليها وراء الحجاب.
١٦ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: هَا أَنْتَ تَرْقُدُ مَعَ آبَائِكَ، فَيَقُومُ هٰذَا ٱلشَّعْبُ وَيَفْجُرُ وَرَاءَ آلِهَةِ ٱلأَجْنَبِيِّينَ فِي ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي هُوَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا فِي مَا بَيْنَهُمْ، وَيَتْرُكُنِي وَيَنْكُثُ عَهْدِي ٱلَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَهُ».
٢صموئيل ٧: ١٢ خروج ٣٢: ٦ خروج ٣٤: ١٥ وقضاة ٢: ١٧ ص ٣٢: ١٥ وقضاة ٢: ١٢ و١٠: ٦ و١٣ قضاة ٢: ٢٠
هَا أَنْتَ تَرْقُدُ مَعَ آبَائِكَ، فَيَقُومُ هٰذَا ٱلشَّعْبُ وَيَفْجُرُ النبوءة بأن بني إسرائيل يتركون الرب وينقضون ميثاقه مما يستحق كل التأمل بالنظر إلى عناية الله بهم باعتبار كونهم أمة. فإن هذا من جملة براهين الكتاب المقدس على أن خالقنا ليس كمن ذكر في مثل الرب وهو قوله «مَنْ مِنْكُمْ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بُرْجاً لاَ يَجْلِسُ أَوَّلاً وَيَحْسِبُ ٱلنَّفَقَةَ، هَلْ عِنْدَهُ مَا يَلْزَمُ لِكَمَالِهِ» (لوقا ١٤: ٢٨). فإنه تبارك وتعالى لما أراد أن يختار إسرائيل شعباً علم أنهم يضلون وأعد الهدى لهم قبل الضلال كما أنه لما قال «نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا» أعد قبلاً كل ما يحفظ ذلك الشبه فينا وهو كل ما عمله يسوع المسيح من أجلنا. فالسقوط أُنبئ به في الأصحاح الثالث من سفر التكوين والفداء أُنبئ به بالرمز في الأصحاح الثاني من ذلك السفر. والله أدخل الإسرائيليين أرض كنعان وهو عالم كل العلم بما يصيرون إليه في تلك الأرض.
١٧ «فَيَشْتَعِلُ غَضَبِي عَلَيْهِ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ، وَأَتْرُكُهُ وَأَحْجُبُ وَجْهِي عَنْهُ، فَيَكُونُ مَأْكُلَةً، وَتُصِيبُهُ شُرُورٌ كَثِيرَةٌ وَشَدَائِدُ حَتَّى يَقُولَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ: أَمَا لأَنَّ إِلٰهِي لَيْسَ فِي وَسَطِي أَصَابَتْنِي هٰذِهِ ٱلشُّرُورُ!».
٢أيام ١٥: ٢ ص ٣٢: ٢٠ ومزمور ١٠٤: ٢٩ وإشعياء ٨: ١٧ و٦٤: ٧ وحزقيال ٣٩: ٢٣ عدد ١٤: ٩ ونحميا ٩: ٣٢ عدد ١٤: ٤٢ قضاة ٦: ١٣
أَمَا لأَنَّ إِلٰهِي لَيْسَ فِي وَسَطِي أَصَابَتْنِي هٰذِهِ ٱلشُّرُورُ إن الإسرائيليين يعترفون بهذا بكل إخلاص في هذه الأيام.
١٨ «وَأَنَا أَحْجُبُ وَجْهِي فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ لأَجْلِ جَمِيعِ ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي عَمِلَهُ، إِذِ ٱلْتَفَتَ إِلَى آلِهَةٍ أُخْرَى».
ع ١٧
أَحْجُبُ وَجْهِي «حتى كأني لا أراهم في ضيقهم» (راشي).
١٩ «فَٱلآنَ ٱكْتُبُوا لأَنْفُسِكُمْ هٰذَا ٱلنَّشِيدَ، وَعَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِيَّاهُ. ضَعْهُ فِي أَفْوَاهِهِمْ لِيَكُونَ لِي هٰذَا ٱلنَّشِيدُ شَاهِداً عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ».
ع ٢٦
ضَعْهُ فِي أَفْوَاهِهِمْ لِيَكُونَ لِي هٰذَا ٱلنَّشِيدُ شَاهِداً كان هذا من وسائل إدامة الحق في تلك العصور وكان في ذلك خيراً من الكتاب المكتوب لكثرة دوران الأغاني على الألسنة بالنظر إلى أحوال الإسرائيليين في الحقب الخالية فإنه كان يتعذر يومئذ أن يكون لكل واحد منهم نسخة من التوراة وأن يكون كل منهم يحسن القراءة ولكنه كان من السهل على كل واحد أن يحفظ ذلك النشيد فيكون ذكراً للجميع. ولنا سبب كاف للحكم بأن صموئيل أول من رتب قوانين التعليم الديني في إسرائيل واتخذ لذلك ما اتخذه موسى بأنه أمر بحفظ المزامير والأغاني الروحية. وكان جماعات من الأنبياء منشدين ومرنمين (انظر ١صموئيل ١٠: ٥ و٦ و١٩: ٢٠ – ٢٤). وكانت الأغاني وتوقيع الألحان من أشد المؤثرات في نفس شاول. ولا ريب في أن ما تعلّمه اليهود في زمن صموئيل وداود من الأغاني الروحية والمزامير ولا سيما المزامير التاريخية كالمزمور الثامن والسبعين والمئة والخامس والمئة والسادس كان من أحسن وسائل نشر معرفة الله في أرض إسرائيل.
٢٠ «لأَنِّي أُدْخِلُهُمُ ٱلأَرْضَ ٱلَّتِي أَقْسَمْتُ لآبَائِهِمِ، ٱلْفَائِضَةَ لَبَناً وَعَسَلاً، فَيَأْكُلُونَ وَيَشْبَعُونَ وَيَسْمَنُونَ، ثُمَّ يَلْتَفِتُونَ إِلَى آلِهَةٍ أُخْرَى وَيَعْبُدُونَهَا وَيَزْدَرُونَ بِي وَيَنْكُثُونَ عَهْدِي».
ص ٣٢: ١٥ ونحميا ٩: ٢٥ و٢٦ وهوشع ١٣: ٦ ع ١٦
فَيَأْكُلُونَ وَيَشْبَعُونَ وَيَسْمَنُونَ، ثُمَّ يَلْتَفِتُونَ إِلَى آلِهَةٍ أُخْرَى نظم موسى ذلك فقال «فَسَمِنَ يَشُورُونَ وَرَفَسَ. سَمِنْتَ وَغَلُظْتَ وَٱكْتَسَيْتَ شَحْماً! فَرَفَضَ ٱلإِلٰهَ ٱلَّذِي عَمِلَهُ، وَغَبِيَ عَنْ صَخْرَةِ خَلاَصِهِ» (ص ٣٢: ١٥).
٢١ «فَمَتَى أَصَابَتْهُ شُرُورٌ كَثِيرَةٌ وَشَدَائِدُ، يُجَاوِبُ هٰذَا ٱلنَّشِيدُ أَمَامَهُ شَاهِداً، لأَنَّهُ لاَ يُنْسَى مِنْ أَفْوَاهِ نَسْلِهِ. إِنِّي عَرَفْتُ فِكْرَهُ ٱلَّذِي يُفَكِّرُ بِهِ ٱلْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ أُدْخِلَهُ إِلَى ٱلأَرْضِ كَمَا أَقْسَمْتُ».
ع ١٧ هوشع ٥: ٣ و١٣: ٥ و٦ عاموس ٥: ٢٥ و٢٦
هٰذَا ٱلنَّشِيدُ… لاَ يُنْسَى مِنْ أَفْوَاهِ نَسْلِهِ ولم يُنس إلى هذا اليوم. ولا يزال هذا النشيد من أحب الأغاني إلى العبرانيين إلى هذه الساعة ومن أحسن ما يُعتبر من الشعر العبراني عند جميع من يعلمون. ورأى راشي المفسر المشهور أن ذلك وعد لإسرائيل بأن نسله لا ينسى الشريعة كل النسيان.
إِنِّي عَرَفْتُ فِكْرَهُ عرف هنا ترجمة «يصر» في العبرانية وهو فعل يستعمل لمعرفة الأخلاق الطبية والأخلاق الخبيثة عند رباني اليهود. واستُعمل في (تكوين ٦: ٥ و٨: ٢١) ومع هذا حمل الله بلعام على أن يقول «لَمْ يُبْصِرْ إِثْماً فِي يَعْقُوبَ، وَلاَ رَأَى سُوءاً فِي إِسْرَائِيلَ» (عدد ٢٣: ٢١). (وكان ذلك حقاً لأن الله أحب إسرائيل والحب يغطي العيوب ولا يجعل المحب يشعر بتعب في العناية بالمحبوب ولا ريب في أن الله كان يرى شعبه باراً بناء على أن المسيح يحمل خطايا العالم ويطهّر مختاريه من الإثم). قابل بهذا قوله «لأَنَّ ٱلرَّبَّ يَفْحَصُ جَمِيعَ ٱلْقُلُوبِ وَيَفْهَمُ كُلَّ تَصَوُّرَاتِ ٱلأَفْكَارِ» (١أيام ٢٨: ٩). وقوله «لأَنَّهُ (أي الرب) يَعْرِفُ جِبْلَتَنَا. يَذْكُرُ أَنَّنَا تُرَابٌ» (مزمور ١٠٣: ١٤).
٢٢ «فَكَتَبَ مُوسَى هٰذَا ٱلنَّشِيدَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ وَعَلَّمَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِيَّاهُ».
فَكَتَبَ مُوسَى هٰذَا ٱلنَّشِيدَ… وَعَلَّمَ نظم النشيد بوحي الله وكتبه ولم يقتصر على ذلك بل علّمه.
٢٣ «وَأَوْصَى يَشُوعَ بْنَ نُونَ وَقَالَ: تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ لأَنَّكَ أَنْتَ تَدْخُلُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱلأَرْضَ ٱلَّتِي أَقْسَمْتُ لَهُمْ عَنْهَا، وَأَنَا أَكُونُ مَعَكَ».
ع ١٤ ع ٧ ويشوع ١: ٦
وَأَوْصَى يَشُوعَ أي الرب أوصاه لا موسى. وهذا أول نبإ بمخاطبة الله ليشوع بن نون. وكان يشوع مع موسى على الجبل مدة الأربعين يوماً الأولى ولم يخرج من الخيمة بعد أن نزلا من الجبل (خروج ٢٤: ١٣ و٣٣: ١١). ولكن لم نعلم إن الله خاطب يشوع منفرداً عن موسى قبل ما هنا. وقد أثبت أن يشوع قائد إسرائيل.
تَشَدَّدْ أي كن شديداً أي قوياً (قابل بهذا يشوع ١: ٢ و٦).
إعطاء موسى كتاب التوراة للاويين (ع ٢٤ – ٢٨)
٢٤ «فَعِنْدَمَا كَمَّلَ مُوسَى كِتَابَةَ كَلِمَاتِ هٰذِهِ ٱلتَّوْرَاةِ فِي كِتَابٍ إِلَى تَمَامِهَا».
ع ٩
فَعِنْدَمَا كَمَّلَ مُوسَى كِتَابَةَ أي عندما فرغ من كتابة كل الأسفار الخمسة التي هي التوراة لا سفر التثنية وحده ومن جملة ذلك النشيد المذكور في (ع ٢٢) والمرجّح أن النشيد هو آخر التوراة وآخر سفر التثنية الذي كتبه موسى وإن ما بقي كتبه يشوع.
فِي كِتَابٍ أي سفر مدروج كالأسطوانة وعُرف ذلك بالدرج ولم تزل التوراة كذلك عند بني إسرائيل إلى هذا اليوم.
٢٥ «أَمَرَ مُوسَى ٱللاَّوِيِّينَ حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ ٱلرَّبِّ».
ٱللاَّوِيِّينَ حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ ٱلرَّبِّ تأمل في هذا وقابل به (ع ٩).
٢٦، ٢٧ «٢٦ خُذُوا كِتَابَ ٱلتَّوْرَاةِ هٰذَا وَضَعُوهُ بِجَانِبِ تَابُوتِ عَهْدِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمْ، لِيَكُونَ هُنَاكَ شَاهِداً عَلَيْكُمْ. ٢٧ لأَنِّي أَنَا عَارِفٌ تَمَرُّدَكُمْ وَرِقَابَكُمُ ٱلصُّلْبَةَ. هُوَذَا وَأَنَا بَعْدُ حَيٌّ مَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ قَدْ صِرْتُمْ تُقَاوِمُونَ ٱلرَّبَّ، فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ بَعْدَ مَوْتِي!».
٢ملوك ٢٢: ٨ ع ١٩ ص ٩: ٢٤ و٣٢: ٢٠ خروج ٣٢: ٩ وص ٩: ٦
بِجَانِبِ تَابُوتِ الخ قال راشي «اختلف حكماء إسرائيل في مقالة (من مقالات التلمود) في موضع هذه التوراة فذهب بعضهم إلى أنه صفيحة أو لوح ناتئ من جانب التابوت وذهب آخرون إلى أنه موضع حذاء لوحي العهد في التابوت نفسه».
٢٨ «اِجْمَعُوا إِلَيَّ كُلَّ شُيُوخِ أَسْبَاطِكُمْ وَعُرَفَاءَكُمْ لأَنْطِقَ فِي مَسَامِعِهِمْ بِهٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ، وَأُشْهِدَ عَلَيْهِمِ ٱلسَّمَاءَ وَٱلأَرْضَ».
ص ٣٠: ١٩ و٣٢: ١
اِجْمَعُوا إِلَيَّ كُلَّ شُيُوخِ كذا أوصى يشوع الشيوخ في آخر أيامه (يشوع ص ٢٣).
٢٩ «لأَنِّي عَارِفٌ أَنَّكُمْ بَعْدَ مَوْتِي تَفْسِدُونَ وَتَزِيغُونَ عَنِ ٱلطَّرِيقِ ٱلَّذِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ، وَيُصِيبُكُمُ ٱلشَّرُّ فِي آخِرِ ٱلأَيَّامِ لأَنَّكُمْ تَعْمَلُونَ ٱلشَّرَّ أَمَامَ ٱلرَّبِّ حَتَّى تُغِيظُوهُ بِأَعْمَالِ أَيْدِيكُمْ».
ص ٣٢: ٥ وقضاة ٢: ١٩ وهوشع ٩: ٩ ص ٢٨: ١٥ تكوين ٤٩: ١ وص ٤: ٣٠
آخِرِ ٱلأَيَّامِ كثيراً ما جاء مثل هذه العبارة النبوية في الكتاب وأول ما ذُكرت في (تكوين ٤٩: ١ انظر أيضاً عدد ٢٤: ١٤ وص ٤: ٣٠). ورأى بعضهم أن المقصود بآخر الأيام هنا عصر المسيح واتخذها عبارة اصطلاح لذلك. ولكن من يمعن النظر من مقابلتها بأمثالها في الكتاب يرى أنها غير مقيدة بوقت مخصوص.
٣٠ «فَنَطَقَ مُوسَى فِي مَسَامِعِ كُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ بِكَلِمَاتِ هٰذَا ٱلنَّشِيدِ إِلَى تَمَامِهِ».
فَنَطَقَ مُوسَى… بِكَلِمَاتِ هٰذَا ٱلنَّشِيدِ إن خروج بني إسرائيل من مصر إلى أرض الميعاد ابتدأ بنشيد موسى وانتهى بنشيده. ونشيد الخروج (خروج ص ١٥) عُرف بنشيد موسى أو ترنيمة موسى وظُنّ أنه هو المقصود بترنيمة موسى في سفر الرؤيا (رؤيا ١٥: ٣ و٤). ولكن الشبه قويٌ بين الترنيمة في (رؤيا ١٥: ٣) والنشيد في (تثنية ٣٢: ٣ و٤) كما سترى.
السابق |
التالي |