سفر التثنية

سفر التثنية | 17 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر التثنية

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ عَشَرَ

١ «لاَ تَذْبَحْ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ ثَوْراً أَوْ شَاةً فِيهِ عَيْبٌ شَيْءٌ مَا رَدِيءٌ، لأَنَّ ذٰلِكَ رِجْسٌ لَدَى ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ».

ص ١٥: ٢١ وملاخي ١: ٨ و١٣ و١٤

لاَ تَذْبَحْ وجوب طهارة الذبيحة ذُكر بالتفصيل في (لاويين ٢٢: ١٧ – ٢٥) وتُكلم عليه هناك بين شرائع الطهارة الخاصة. وهذا المبدأ نفسه اقترن بعدة مواضيع في سفر التثنية كالأيام المقدسة وخدمة البر واعتزال الآجام والتماثيل في العبادة وخلو بهائم القرابين من العيب وكون قداسة إله إسرائيل توجب عليهم أن يكونوا مقدسين وكون الحق والبر والنقاوة واجبة على كل من يدنو منه وكل ما يقرب إليه. ومن جملة ما ذُكر هنا اعتبار عظمة ملكوت الله.

شَاةً (انظر ص ١٤: ٤ والتفسير). (الشاة العربية والعبرانية الواحدة من الغنم للذكر والأنثى وقد مرّ أن الغنم يُطلق على الضأن والمعزى فيصح أن يكون المقصود بالشاة هنا الخروف أو الجدي).

إن الوقت الوحيد في تاريخ الكتاب المقدس الذي اشتُكي فيه تقديم الحيوانات المعيبة كثيراً هو عصر ملاخي النبي (انظر ملاخي ١: ٧ – ١٤). ففساد الكهة يومئذ حمل النبي على توبيخهم وبيان أنه يجب أن يقدم لاسم الرب بخور وتقدمة طاهرة.

رجم من يعبد الوثن (ع ٢ إلى ٧).

٢ «إِذَا وُجِدَ فِي وَسَطِكَ فِي أَحَدِ أَبْوَابِكَ ٱلَّتِي يُعْطِيكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ رَجُلٌ أَوِ ٱمْرَأَةٌ يَفْعَلُ شَرّاً فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ بِتَجَاوُزِ عَهْدِهِ».

ص ١٣: ٦ يشوع ٧: ١١ و١٥ و٢٣: ١٦ وقضاة ٢: ٢٠ و٢ملوك ١٨: ١٢ وهوشع ٨: ١

إِذَا وُجِدَ… رَجُلٌ أَوِ ٱمْرَأَةٌ هذا الفصل يختلف قليلاً عن الفصل الثالث من (ص ١٣) فالجزاء هناك على المُغري بالعبادة الوثنية نبياً أو غير نبي أو جماعة. وهنا بيان أن الموت جزاء من يعبد الصنم أو يعبد غير الله. وقد رأينا أثر هذه السُنة في ملك آسا (٢أيام ١٥: ١٣) وقد قيل يومئذ «كل من لا يطلب الرب إله إسرائيل يُقتل من الصغير إلى الكبير من الرجال والنساء».

٣ – ٥ «٣ وَيَذْهَبُ وَيَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى وَيَسْجُدُ لَهَا، أَوْ لِلشَّمْسِ أَوْ لِلْقَمَرِ أَوْ لِكُلٍّ مِنْ جُنْدِ ٱلسَّمَاءِ ٱلشَّيْءَ ٱلَّذِي لَمْ أُوصِ بِهِ، ٤ وَأُخْبِرْتَ وَسَمِعْتَ وَفَحَصْتَ جَيِّداً وَإِذَا ٱلأَمْرُ صَحِيحٌ أَكِيدٌ. قَدْ عُمِلَ ذٰلِكَ ٱلرِّجْسُ فِي إِسْرَائِيلَ، ٥ فَأَخْرِجْ ذٰلِكَ ٱلرَّجُلَ أَوْ تِلْكَ ٱلْمَرْأَةَ ٱلَّذِي فَعَلَ ذٰلِكَ ٱلأَمْرَ ٱلشِّرِّيرَ إِلَى أَبْوَابِكَ، ٱلرَّجُلَ أَوِ ٱلْمَرْأَةَ، وَٱرْجُمْهُ بِٱلْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ».

ص ٤: ١٩ وأيوب ٣١: ٢٦ إرميا ٧: ٢٢ و٢٣ و٣١ و١٩: ٥ و٣٢: ٣٥ ص ١٣: ١٢ و١٤ لاويين ٢٤: ١٤ و١٦ وص ١٣: ١٠ ويشوع ٧: ٢٥

لِلشَّمْسِ أَوْ لِلْقَمَرِ أَوْ لِكُلٍّ مِنْ جُنْدِ ٱلسَّمَاءِ الخ هذا أبسط وأقدم ما أتاه الوثنيون فإن كان يوجب الموت فغيره أحرى بأن يوجبه وأيوب الذي لم يعرف من الوثنية غير عبادة الأجرام نص على أن تلك محرمة بقوله ما يفيد البهائم وجحد الله من فوق (انظر أيوب ٣١: ٢٦ – ٢٨).

٦ «عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ يُقْتَلُ ٱلَّذِي يُقْتَلُ. لاَ يُقْتَلْ عَلَى فَمِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ».

عدد ٣٥: ٢٠ وص ١٩: ١٥ ومتّى ١٨: ١٦ ويوحنا ٨: ١٧ و٢كورنثوس ١٣: ١ و١تيموثاوس ٥: ١٩ وعبرانيين ١٠: ٢٨

ٱلَّذِي يُقْتَلُ أي الذي يحكم عليه بالقتل للعبادة الوثنية.

٧ «أَيْدِي ٱلشُّهُودِ تَكُونُ عَلَيْهِ أَوَّلاً لِقَتْلِهِ، ثُمَّ أَيْدِي جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ أَخِيراً، فَتَنْزِعُ ٱلشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ».

ص ١٣: ٩ وأعمال ٧: ٥٨ ع ١٢ وص ١٣: ٥ و١٩: ١٩

أَيْدِي ٱلشُّهُودِ تَكُونُ عَلَيْهِ أَوَّلاً ليكون ذلك دليلاً قاطعاً على صحة الشهادة (وإلا فالشاهد خطئ خطيئتين من وصايا الله العشر وقد ارتكبهما الشهود على استفانوس أول الشهداء ولم يخشوا الله).

فَتَنْزِعُ ٱلشَّرَّ وفي الترجمة اليونانية الرجل الشرير (فسمي الوثني بالشر مبالغة وهذا كثير في العبرانية والعربية كقولهم لكثير الحدو حداء ولكثير الرذائل رذيلة). وجاء مثل هذا الحكم صورة في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس وهو قول الرسول «فَٱعْزِلُوا ٱلْخَبِيثَ مِنْ بَيْنِكُمْ» (١كورنثوس ٥: ١٣). وكثرت هذه العبارة في سفر التثنية. والشر ليس بمادة قائمة بنفسها ليُعزل أو ينزع فيكون التخلص منه بعزل الشرير أو نزعه لأنه قائم به.

شريعة الله المكتوبة ذات السلطان الأعظم في إسرائيل (ع ٨ إلى ٢٠)

٨ «إِذَا عَسِرَ عَلَيْكَ أَمْرٌ فِي ٱلْقَضَاءِ بَيْنَ دَمٍ وَدَمٍ، أَوْ بَيْنَ دَعْوَى وَدَعْوَى، أَوْ بَيْنَ ضَرْبَةٍ وَضَرْبَةٍ مِنْ أُمُورِ ٱلْخُصُومَاتِ فِي أَبْوَابِكَ، فَقُمْ وَٱصْعَدْ إِلَى ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي يَخْتَارُهُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ».

٢أيام ١٩: ١٠ وحجي ٢: ١١ وملاخي ٢: ٧ خروج ٢١: ١٣ و٢٠ و٢٢ و ٢٨ و٢٢: ٢ وعدد ٣٥: ١١ و١٦ و١٩ وص ١٩: ٤ و١٠ و١١ ص ١٢: ٥ و١٩: ١٧ ومزمور ١٢٢: ٥

إِذَا عَسِرَ عَلَيْكَ أي أشكل حتى صعب عليك دفع الإشكال.

بَيْنَ دَمٍ وَدَمٍ، أَوْ بَيْنَ دَعْوَى وَدَعْوَى، أَوْ بَيْنَ ضَرْبَةٍ وَضَرْبَةٍ يُراد بالدم والدعوى هنا ما يتعلق بالجرائم والأحوال المدنية. وأما الضربة فكثيراً ما جاءت في الأسفار الخمسة وغيرها بمعنى الوباء. ويمكن أن يكون المقصود بها هنا حال من أحوال الطهارة والنجاسة في الرسوم ولا سيما الأمراض. ولنا إرشادات واضحة إلى العمل بهذه السنة في تاريخ الملك يهوشافاط (٢أيام ١٩: ٨ – ١٠). ففي كلامه هذه الكلمات «بين دم ودم بين شريعة ووصية من جهة فرائض وأحكام». وفي الآية مسئلتان (١) بين فريقين متخاصمين. و(٢) بين الشريعة بالنظر إلى كونها قانوناً عاماً واستعمالها للواجبات الخاصة الفرائض والأحكام. وهذا إعادة ما في (ص ١٦: ١٨ – ٢٠) بلفظ آخر.

أُمُورِ ٱلْخُصُومَاتِ فِي أَبْوَابِكَ اي المحاكم المحلية في المدن المختلفة. وكان الباب عندهم محل القضاء. وفُسّرت هذه العبارة أحسن تفسير في سفر الأيام الثاني في قول يهوشافاط «فِي كُلِّ دَعْوَى تَأْتِي إِلَيْكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمُ ٱلسَّاكِنِينَ فِي مُدُنِهِمْ» (٢أيام ١٩: ١٠).

إِلَى ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي يَخْتَارُهُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ هذا يتضمن ما رُتب قبل موت موسى ليعمل به في أرض كنعان وكان موسى قد كتب الشريعة وحفظها في جانب تابوت العهد في الموضع المقدس (ص ٣١: ٢٦).

٩ «وَٱذْهَبْ إِلَى ٱلْكَهَنَةِ ٱللاَّوِيِّينَ وَإِلَى ٱلْقَاضِي ٱلَّذِي يَكُونُ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ، وَٱسْأَلْ فَيُخْبِرُوكَ بِأَمْرِ ٱلْقَضَاءِ».

إرميا ١٨: ١٨ ص ١٩: ١٧ حزقيال ٤٤: ٢٤

ٱذْهَبْ إِلَى ٱلْكَهَنَةِ ٱللاَّوِيِّينَ أي الكهنة الذين هم من سبط لاوي (راشي). وقال بعض المنتقدين المحدثين «إن كاتب سفر التثنية لا يعرف الفرق بين الكهنة واللاويين» ودُفع قوله في تفسير (ص ١١: ٦ و٣١: ٩ و٢٥). ورأى بعضهم أن اللاويين معطوف على الكهنة بإسقاط العاطف وهو جائز في العربية والعبرانية فيكون ترتيب الكلام هكذا «اذهب إلى الكهنة وإلى اللاويين وإلى القاضي» وهذا كان ترتيب موسى (انظر عدد ٢٧: ٢١ – ٣٥). فكان على يشوع أن يقف أمام العازار الكاهن وعلى العازار أن يسأل مشورة الرب. وبكلمته كان يشوع بن نون وكل الشعب يدخل ويخرج. فالعازار كاهن ويشوع بن نون ليس بكاهن. والكهنة حفظة الشريعة والقضاة منفذوها (قابل بهذا ملاخي ٢: ٧ و٨). والمبدأ لا يغير بإقامة الملك بدلاً من القاضي أو بزيادة نبيٍ.

ٱلَّذِي يَكُونُ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ اتفق راشي والعهد الجديد في أمر هذه الوصية اتفاقاً عجيباً فقال ربنا يسوع المسيح في الفريسيين قضاة أيامه «عَلَى كُرْسِيِّ مُوسَى جَلَسَ ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ، فَكُلُّ مَا قَالُوا لَكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ فَٱحْفَظُوهُ وَٱفْعَلُوهُ» (متّى ٢٣: ٢ و٣). وقال راشي «مع أنه لم يكن كسائر القضاة الذين قبله يجب أن تسمعوا له إذ لا قاضي لك إلا القاضي الذي في أيامك».

١٠، ١١ «١٠ فَتَعْمَلُ حَسَبَ ٱلأَمْرِ ٱلَّذِي يُخْبِرُونَكَ بِهِ مِنْ ذٰلِكَ ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي يَخْتَارُهُ ٱلرَّبُّ، وَتَحْرِصُ أَنْ تَعْمَلَ حَسَبَ كُلِّ مَا يُعَلِّمُونَكَ. ١١ حَسَبَ ٱلشَّرِيعَةِ ٱلَّتِي يُعَلِّمُونَكَ وَٱلْقَضَاءِ ٱلَّذِي يَقُولُونَهُ لَكَ تَعْمَلُ. لاَ تَحِدْ عَنِ ٱلأَمْرِ ٱلَّذِي يُخْبِرُونَكَ بِهِ يَمِيناً أَوْ شِمَالاً».

حَسَبَ ٱلأَمْرِ ٱلَّذِي يُخْبِرُونَكَ بِهِ … حَسَبَ ٱلشَّرِيعَةِ ٱلَّتِي يُعَلِّمُونَكَ وَٱلْقَضَاءِ… تَعْمَلُ يجب أن نلتفت إلى هذا الكلام حسناً ففيه إن من شأن الكاهن والقاضي الإعلان والإخبار والتعليم وبيان أحكام الشريعة المكتوبة. وهذه العلاقة كانت بين الكتاب المقدس والكنيسة منذ إعطاء الشريعة. ولم تزل كذلك إلى هذا اليوم فلا حل للكنيسة الموسوية والكنيسة المسيحية ولا ربط ولا سلطان إلا بمقتضى شريعة الله. وسلطان حل الربانيين (أي تحليلهم) وربطهم (أي تحريمهم) أعطاه المسيح كنيسته وهو التحليل والتحريم بمقتضى كلمته المكتوبة لا سوى ذلك. واتفق علماء اليهود على ذلك من أول التلمود إلى آخره نعم إنهم أخطأوا مراراً بأحكامهم لكنهم لم يغيروا المبدأ وهو وجوب الحل والربط بمقتضى الكلمة المكتوبة. ولم يغيروا شيئاً من أحكام كلام الله المكتوب. فكانت شريعة الرب شريعة الأرض «القتل جزاء المعصية» أو «الموت أجرة الخطيئة». وكانت الكنيسة شهود الكتب المقدسة وحفظتها ولم تزل كذلك إلى هذه الساعة. فلم تخترع شرعاً من نفسها إنما جرت على سنن شريعة الله. (ويمكنك أن تأتي بتاريخ متصل لمراعاتها الشريعة الإلهية وسقوط من حادوا عنها. ولا يعترض بضلال بعض الكنائس لأنها مع ضلالها كانت تنسب أحكامها إلى أقوال الله وإن حسبت أقوال المخلوق أقوال الخالق جل وعلا وصارت إلى شر الأحوال).

١٢، ١٣ «١٢ وَٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي يَعْمَلُ بِطُغْيَانٍ، فَلاَ يَسْمَعُ لِلْكَاهِنِ ٱلْوَاقِفِ هُنَاكَ لِيَخْدِمَ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ، أَوْ لِلْقَاضِي، يُقْتَلُ ذٰلِكَ ٱلرَّجُلُ، فَتَنْزِعُ ٱلشَّرَّ مِنْ إِسْرَائِيلَ. ١٣ فَيَسْمَعُ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ وَيَخَافُونَ وَلاَ يَطْغُونَ بَعْدُ».

عدد ١٥: ٣٠ وعزرا ١٠: ٨ وهوشع ٤: ٤ ص ١٨: ٥ و٧ ص ١٣: ٥ ص ١٣: ١١ و١٩: ٢٠

وَٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي يَعْمَلُ بِطُغْيَانٍ… يُقْتَلُ هذه الآية أول موضع ذُكر فيه الطغيان (انظر أيضاً ص ١٨: ٢٢) وهو مما يقترن بالكبرياء ومعاندة الشريعة. والقضاء بالموت كان بالضرورة ناشئاً عن كون الحاكم الله لأنه هو ملك إسرائيل يومئذ وإذا كان الملك الله كان عصيان شريعته خيانة ولا تتوقع للكبرياء والطغيان والخيانة سوى الموت. وإذا لم تبق شريعة الله شريعة الأرض تغيرت الحال لا محالة. ومما يستحق الاعتبار هنا أن في رسالة عزرا من ارتكسركسيس قرن شريعة الرب بشريعة المملكة الفارسية وهو جلي في قوله «وَكُلُّ مَنْ لاَ يَعْمَلُ شَرِيعَةَ إِلٰهِكَ وَشَرِيعَةَ ٱلْمَلِكِ، فَلْيُقْضَ عَلَيْهِ عَاجِلاً إِمَّا بِٱلْمَوْتِ أَوْ بِٱلنَّفْيِ أَوْ بِغَرَامَةِ ٱلْمَالِ أَوْ بِٱلْحَبْسِ» (عزرا ٧: ٢٦).

شريعة المملكة (ع ١٤ إلى ٢٠).

١٤ «مَتَى أَتَيْتَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي يُعْطِيكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ، وَٱمْتَلَكْتَهَا وَسَكَنْتَ فِيهَا، فَإِنْ قُلْتَ: أَجْعَلُ عَلَيَّ مَلِكاً كَجَمِيعِ ٱلأُمَمِ ٱلَّذِينَ حَوْلِي».

١صموئيل ٨: ٥ و١٩ و٢٠

مَتَى أَتَيْتَ إِلَى ٱلأَرْضِ هذه ليست كلمات مشترع دخل الأرض فالذين يقولون إن كاتب هذا السفر كان بعد عصر موسى فليتأملوا في هذه العبارة ولو قليلاً.

وَٱمْتَلَكْتَهَا وَسَكَنْتَ فِيهَا أي انتصرت على أهلها وأكملت النصر واستوليت عليها تمام الاستيلاء وسكنت فيها آمناً.

فَإِنْ قُلْتَ: أَجْعَلُ عَلَيَّ مَلِكاً كَجَمِيعِ ٱلأُمَمِ قد تم ذلك فعلاً وأُشير إلى هذه العبارة في سفر صموئيل الأول بقول الشعب «يَكُونُ عَلَيْنَا مَلِكٌ، فَنَكُونُ نَحْنُ أَيْضاً مِثْلَ سَائِرِ ٱلشُّعُوبِ» (١صموئيل ٨: ١٩ و٢٠). ومما يستحق الاعتبار هنا أن موسى لم يبن في هذا الموضع شيئاً من استهجان قصدهم. ولعل هذه الكلمات كانت مستند الشعب حين طلب ملكاً في عصر صموئيل فقال مثلاً إن موسى قال إننا نحتاج إلى الملك فلماذا لا يكون علينا ملك كغيرنا من الشعوب. وكان الاستناد على كلام هذا السفر في عصر صموئيل مما يرشد إليه الطبع فطلب الشعب ملكاً يمثل الكلام الذي تكلم به موسى. فإن قلنا (كما قال بعض الكتبة المتأخرين) إن هذه العبارة أُخذت من سفر صموئيل الأول وأُدخلت هنا وقعنا في عدة مشاكل نذكر منها اثنين:

(١) لماذا لم يُستهجن هنا المقصد الذي استهجن في سفر صموئيل شديد الاستهجان.

(٢) لماذا أعرض كاتب سفر التثنية كل الإعراض عن السبط الملكي أو العشيرة الملكية كما أعرض عن تعيين المكان الذي يختاره الرب في فلسطين. ولو ان الكاتب غير موسى ممن هم في زمان صموئيل لقال إن الملك يجب أن يكون من سبط يهوذا مثلاً وإنه داود وإن الله لا يحب أن يتخذ الإسرائيليين ملكاً غير الرب ولكن كاتب سفر التثنية لم يذكر شيئاً من ذلك وقد تقدم أنه لم يكن ممن دخلوا أرض الميعاد.

١٥ «فَإِنَّكَ تَجْعَلُ عَلَيْكَ مَلِكاً ٱلَّذِي يَخْتَارُهُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ. مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِكَ تَجْعَلُ عَلَيْكَ مَلِكاً. لاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْكَ رَجُلاً أَجْنَبِيّاً لَيْسَ هُوَ أَخَاكَ».

١صموئيل ٩: ١٥ و١٠: ٢٤ و١٦: ١٢ و١أيام ٢٢: ١٠ إرميا ٣٠: ٢١

ٱلَّذِي يَخْتَارُهُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ. مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِكَ لا حاجة إلى مثل هذه العبارة لو كان كاتب هذا السفر من المتأخرين فإن الإسرائيليين المتأخرين كانوا يأبون أن يملك عليهم غريب (انظر تفسير ص ٣١: ١١). لكن موسى لم ينس أن الإسرائيليين سألوا مرة إن يقوم عليهم رئيس يرجع بهم إلى مصر ولم نعلم من عنوا بذلك الرئيس والمرجّح أنه رجل مصري. إنما نعلم إن الأمر المخيف الذي ألجأ موسى إلى هذا القول رجوع الإسرائيليين إلى مصر كما يظهر من الآية التالية.

١٦، ١٧ «١٦ وَلٰكِنْ لاَ يُكَثِّرْ لَهُ ٱلْخَيْلَ، وَلاَ يَرُدُّ ٱلشَّعْبَ إِلَى مِصْرَ لِكَيْ يُكَثِّرَ ٱلْخَيْلَ، وَٱلرَّبُّ قَدْ قَالَ لَكُمْ: لاَ تَعُودُوا تَرْجِعُونَ فِي هٰذِهِ ٱلطَّرِيقِ أَيْضاً. ١٧ وَلاَ يُكَثِّرْ لَهُ نِسَاءً لِئَلاَّ يَزِيغَ قَلْبُهُ. وَفِضَّةً وَذَهَباً لاَ يُكَثِّرْ لَهُ كَثِيراً».

١ملوك ٤: ٢٦ و١٠: ٢٦ و٢٨ ومزمور ٢٠: ٧ إشعياء ٣١: ١ وحزقيال ١٧: ١٥ خروج ١٣: ١٧ وعدد ١٤: ٣ و٤ ص ٢٨: ٦٨ وإرميا ٤٢: ١٥ وهوشع ١١: ٥ و١ملوك ١١: ٣ و٤

لاَ يُكَثِّرْ لَهُ ٱلْخَيْلَ، وَلاَ… نِسَاءً… وَفِضَّةً وَذَهَباً مما يستحق الالتفات إليه هنا أن سليمان كثّر من كل منهي عنه في هاتين الآيتين لكن النبوءة انتقمت لنفسها بتمامها فإنه «وَكَانَ فِي زَمَانِ شَيْخُوخَةِ سُلَيْمَانَ أَنَّ نِسَاءَهُ أَمَلْنَ قَلْبَهُ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى» (١ملوك ١١: ٤). ويهون أن نتخذ الكلمات نبوءة أكثر مما يهون أن نتخذها تاريخاً متأخراً. وأي إسرائيلي يكتب هذا بعد عصر سليمان من دون أن يشير إلى مجد ملكه. قابل بهذا ما جاء في سفر نحميا من قوله «أَلَيْسَ مِنْ أَجْلِ هٰؤُلاَءِ أَخْطَأَ سُلَيْمَانُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَلَمْ يَكُنْ فِي ٱلأُمَمِ ٱلْكَثِيرَةِ مَلِكٌ مِثْلُهُ وَكَانَ مَحْبُوباً إِلَى إِلٰهِهِ فَجَعَلَهُ ٱللّٰهُ مَلِكاً عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ. هُوَ أَيْضاً جَعَلَتْهُ ٱلنِّسَاءُ ٱلأَجْنَبِيَّاتُ يُخْطِئُ» (نحميا ١٣: ٢٦).

وإن قيل تعدى سليمان هذه الشريعة وهي من شرائع التوراة قلنا هذا يجاوب عليه بمثله وهو كيف جُرّب داود بنقل تابوت الله على عجلة. والغنى الذي حصل عليه سليمان يُعلن نعمة الله الخاصة. وانظر هنا أنه لم يكن له مع كثرة أزواجه سوى ابن واحد على ما يرجح لأن الكتاب لم يذكر له ابناً سواه ووُلد له قبل أن صار هو ملكاً. والقول في الولد «من يعلم أيكون حكيماً أم يكون جاهلاً». كان ابن سليمان من أحسن المثل الموضحة له. وفي مزمور نُسب عنوانه إلى سليمان ما يستدعي الفكر إلى مثل ذلك (مزمور ١٢٧).

والنهي عن إكثار الخيل يدل على حكمة الكاتب فإن المشاة الإسرائيليين كانوا قوة إسرائيل وتم لهم النصر واستظهروا على الكنعانيين مشاة وليس في كنعان من حومات الحرب ما يصلح للمركبات والفوارس إلا القليل.

١٨ «وَعِنْدَمَا يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَمْلَكَتِهِ، يَكْتُبُ لِنَفْسِهِ نُسْخَةً مِنْ هٰذِهِ ٱلشَّرِيعَةِ فِي كِتَابٍ مِنْ عِنْدِ ٱلْكَهَنَةِ ٱللاَّوِيِّينَ».

٢ملوك ١١: ١٢ ص ٣١: ٩ و٢٦ و٢ملوك ٢٢: ٨

يَكْتُبُ لِنَفْسِهِ نُسْخَةً مِنْ هٰذِهِ ٱلشَّرِيعَةِ هذه العبارة أصل تسمية هذا السفر في اليونانية بسفر التثنية وورد مثل هذه العبارة في سفر يشوع (يشوع ٨: ٣٢).وسمى العبرانيون بعد ذلك بالمشنة (أي التثنية أو تكرار الشريعة) ما يُعرف عدهم بكتاب التلمود لأنهم تصوروا أنه تكرار للشريعة. وآثار هذه الوصية:

  1. في تتويج يوآش ففي سفر الأيام الثاني أنهم «وَضَعُوا عَلَيْهِ ٱلتَّاجَ وَأَعْطُوهُ ٱلشَّهَادَةَ» (٢أيام ٢٣: ١١).
  2. في ملك يهوشافاط. ففي ذلك السفر عينه أنهم علموا في يهوذا ومعهم سفر شريعة الرب وجالوا في جميع مدن يهوذا وعلموا الشعب.
  3. في دفع سفر الشريعة الذي اكتشف في الهيكل إلى يوشيا (٢أيام ٣٤: ١٤ – ١٨). ومن الغريب إنّا لم نقف على ما يبين أن هذا السفر أُعطي لداود وسليمان. ومن المحتمل أن داود لما كان نبياً لا مجرد ملك رأى الكاتب أن لا حاجة إلى أن يذكر درسه الشريعة وهو قد جرى في أكثر الأمور على وفق الشريعة.

ويجب أن لا ننسى أنه من شأن ملك إسرائيل الحقيقي كان أن يكمل الشريعة والأنبياء «هأنذا أجيء في درج الكتاب مكتوب عني لأفعل مشيئتك يا الله».

١٩، ٢٠ «١٩ فَتَكُونُ مَعَهُ، وَيَقْرَأُ فِيهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ، لِيَتَعَلَّمَ أَنْ يَتَّقِيَ ٱلرَّبَّ إِلٰهَهُ وَيَحْفَظَ جَمِيعَ كَلِمَاتِ هٰذِهِ ٱلشَّرِيعَةِ وَهٰذِهِ ٱلْفَرَائِضَ لِيَعْمَلَ بِهَا، ٢٠ لِئَلاَّ يَرْتَفِعَ قَلْبُهُ عَلَى إِخْوَتِهِ، وَلِئَلاَّ يَحِيدَ عَنِ ٱلْوَصِيَّةِ يَمِيناً أَوْ شِمَالاً. لِكَيْ يُطِيلَ ٱلأَيَّامَ عَلَى مَمْلَكَتِهِ هُوَ وَبَنُوهُ فِي وَسَطِ إِسْرَائِيلَ».

يشوع ١: ٨ ومزمور ١١٩: ٩٧ و٩٨ ص ٥: ٣٢ و١ملوك ١٥: ٥

وَيَقْرَأُ فِيهَا… لِكَيْ يُطِيلَ ٱلأَيَّامَ عَلَى مَمْلَكَتِهِ هُوَ وَبَنُوهُ هذا يدل على أن المُلك في إسرائيل كان يرثه الأبناء عن الآباء لأن الله أراد ذلك. ونقول هنا إنه لم تبق دولة في بني إسرائيل أكثر من خمسة أجيال إلا الدولة الداودية فإن هذه الدولة بقيت أجيالاً كثيرة على وفق وعد الله. ولا يقرأ أحد هذا النبأ ولم يخطر في باله أن ذلك أُعلن لكاتب هذا السفر.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى