سفر العدد

سفر العدد | 24 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر العدد

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ

١ «فَلَمَّا رَأَى بَلْعَامُ أَنَّهُ يَحْسُنُ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ أَنْ يُبَارِكَ إِسْرَائِيلَ، لَمْ يَنْطَلِقْ كَٱلْمَرَّةِ ٱلأُولَى وَٱلثَّانِيَةِ لِيُوافِيَ فَأْلاً، بَلْ جَعَلَ نَحْوَ ٱلْبَرِّيَّةِ وَجْهَهُ».

ص ٣٢: ٣ و١٥

جَعَلَ نَحْوَ ٱلْبَرِّيَّةِ وَجْهَهُ أي جهة المكان الذي فيه محلة الإسرائيليين وهو صحاري موآب.

٢ «وَرَفَعَ بَلْعَامُ عَيْنَيْهِ وَرَأَى إِسْرَائِيلَ حَالاًّ حَسَبَ أَسْبَاطِهِ، فَكَانَ عَلَيْهِ رُوحُ ٱللّٰه».

ص ٢: ٢ الخ ص ١١: ٢٥ و١صموئيل ١٠: ١٠ و١٩: ٢٠ و٢٣ و٢أيام ١٥: ١

حَالاًّ حَسَبَ أَسْبَاطِهِ أي على ترتيب أسباطه المعهود.

فَكَانَ عَلَيْهِ رُوحُ ٱللّٰهِ على رغمه لا بإرادته فكانت نبوءته كنبوءة شاول وقيافا الشريرين (١صموئيل ١٩: ٢٠ و٢٣ ويوحنا ١١: ١٥). (ولا عجب من ذلك فإنه تعالى كثيراً ما ينطق الأشرار بالخير ويستخدمهم في إجراء مقاصده فقد أنطق الشيطان عدو كل حق بأحسن شهادات الحق وهو أن المسيح ابن الله العلي يوحنا ٨: ٢٨).

٣ «فَنَطَقَ بِمَثَلِهِ وَقَالَ: وَحْيُ بَلْعَامَ بْنِ بَعُورَ. وَحْيُ ٱلرَّجُلِ ٱلْمَفْتُوحِ ٱلْعَيْنَيْنِ».

ص ٢٣: ٧ و١٨

وَحْيُ بَلْعَامَ بْنِ بَعُورَ إنه تكلم بوحي الله لا محالة وأنطقه الله بلفظة الوحي دلالة على ذلك وأُضيف الوحي إلى بلعام لأنه تكلم به.

ٱلْمَفْتُوحِ ٱلْعَيْنَيْنِ حصل جدال في معنى هذه العبارة باعتبار الأصل العبراني فإن المفتوح هنا ترجمة «شتم» في العبرانية فبعضهم قال أن معناها المفتوح وبعضهم قال أن معناها المغمض بناء على أنها ولفظة «ستم» العبرانية مترادفتان ومعنى «ستم» المغمض. وفسّر بعضهم العبارة على الوجهين بأن بلعام كان في حال الذهول حينئذ كما كان شاول عند تنبئه وكما كان كثيرون من قدماء الأنبياء حين يتنبأون فكانت عيناه مغمضتين وعينا قلبه مفتوحتين. (والذي أراه أنه أراد الذي أعلن له الله ما لم يكن يعرفه إعلاناً تاماً حتى كأنه كان يراه بعينين مفتوحتين).

٤ «وَحْيُ ٱلَّذِي يَسْمَعُ أَقْوَالَ ٱللّٰهِ. ٱلَّذِي يَرَى رُؤْيَا ٱلْقَدِيرِ، مَطْرُوحاً وَهُوَ مَكْشُوفُ ٱلْعَيْنَيْنِ».

١صموئيل ١٩: ٢٤ وحزقيال ١: ٢٨ ودانيال ٨: ١٨ و١٠: ١٥ و١٦ و٢كورنثوس ١٢: ٢ و٣ و٤ ورؤيا ١: ١٠ و١٧

مَطْرُوحاً وَهُوَ مَكْشُوفُ ٱلْعَيْنَيْنِ يظهر أن الحال التي صار إليها بلعام كالحال التي صار إليها شاول (١صموئيل ١٩: ٢٤) وحزقيال (حزقيال ١: ٢٩) ودانيال (دانيال ٨: ١٧ و١٨) ويوحنا (رؤيا ١: ١٧). ومعنى أنه مكشوف العينين معلن له (انظر ص ٢٢: ٣١

٥ «مَا أَحْسَنَ خِيَامَكَ يَا يَعْقُوبُ، مَسَاكِنَكَ يَا إِسْرَائِيلُ!».

(الشطر الثاني من هذه الآية بمعنى الشطر الأول وهو كثير في الشعر العبراني).

٦ «كَأَوْدِيَةٍ مُمْتَدَّةٍ. كَجَنَّاتٍ عَلَى نَهْرٍ. كَشَجَرَاتِ عُودٍ غَرَسَهَا ٱلرَّبُّ. كَأَرْزَاتٍ عَلَى مِيَاهٍ».

مزمور ١: ٣ وإرميا ١٧: ٨ مزمور ١٠٤: ١٦

كَجَنَّاتٍ عَلَى نَهْرٍ لا يبعد أن المقصود هنا بالجنات هي التي على شواطئ نهر الفرات (قابل بهذا إشعياء ٧: ٢٠) وإن لم يقترن النهر بأداة التعريف.

كَأَرْزَاتٍ عَلَى مِيَاهٍ الفرق بين الأرز على جانب المياه وبين غيره يظهر من كلام حزقيال حيث شبه الأشوريين المتكبرين بالأرز الذي فرعه بين الغيوم وعظمته المياه (حزقيال ٣١: ٣ و٤ قابل به مزمور ١: ٣ و٩٢: ١٢).

٧ «يَجْرِي مَاءٌ مِنْ دِلاَئِهِ، وَيَكُونُ زَرْعُهُ عَلَى مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ، وَيَتَسَامَى مَلِكُهُ عَلَى أَجَاجَ وَتَرْتَفِعُ مَمْلَكَتُهُ».

إرميا ٥١: ١٣ ورؤيا ١٧: ١ و١٥ و١صموئيل ١٥: ٩ و٢صموئيل ٥: ١٢ و١أيام ١٤: ٢

يَجْرِي مَاءٌ مِنْ دِلاَئِهِ تمثل الأمة برجل حامل دلوين كناية عن البركة والنجاح. وهو تصوُّر جميل جداً. وقد مثل بعض الأفاضل إسرائيل «بساكب مياه الخلاص المحيية ومجاري الروح الصافية الجاعلة قفر العالم فرحاً وابتهاجاً».

زَرْعُهُ عَلَى مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ أي زرع إسرائيل أو نسله يسكن أرض كنعان ذات المياه الوافرة (تثنية ٨: ٧ و١١: ١١) أو إن إسرائيل كالزرع على مجاري المياه الوافرة فهو ينمو كثيراً (إشعياء ٣٢: ٢٠ و٤٤: ٤ و٦٥: ٢٢ و٢٣) فالإٍسرائيليون يرثون وافر البركات.

وَيَتَسَامَى مَلِكُهُ عَلَى أَجَاجَ (قُرئ في ترجمة السبعين جوج). الظاهر أن أجاج لقب شرف كان يُلقب به ملوك العمالقة كما كان فرعون لقباً لكل من ملوك مصر وأبيمالك لقباً لكل من ملوك فلسطين. والمرجّح بل المتيقّن أن بلعام لم يرد بقوله «ملكه» ملكاً معيناً بل أراد من كان ملكاً له أياً كان ممن يكون من نسل إبراهيم (تكوين ١٧: ٦ و٣٥: ١١).

٨ «اَللّٰهُ أَخْرَجَهُ مِنْ مِصْرَ. لَهُ مِثْلُ سُرْعَةِ ٱلرِّئْمِ. يَأْكُلُ أُمَماً، مُضَايِقِيهِ. وَيَقْضِمُ عِظَامَهُمْ وَيُحَطِّمُ سِهَامَهُ».

ص ٢٣: ٢٢ ص ١٤: ٩ و٢٣: ٢٤ مزمور ٢: ٩ وإشعياء ٣٨: ١٣ وإرميا ٥٠: ١٧ مزمور ٤٥: ٥ وإرميا ٥٠: ٩

اَللّٰهُ أَخْرَجَهُ مِنْ مِصْرَ (انظر تفسير ص ٢٣: ٢٢).

٩ «جَثَمَ كَأَسَدٍ. رَبَضَ كَلَبْوَةٍ. مَنْ يُقِيمُهُ! مُبَارِكُكَ مُبَارَكٌ وَلاَعِنُكَ مَلْعُونٌ».

تكوين ٤٩: ٩ تكوين ١٢: ٣ و٢٧: ٢٩

جَثَمَ كَأَسَدٍ رَبَضَ كَلَبْوَةٍ (اللبوءة أنثى الأسد) فهو يفترس الأمم (انظر ص ٢٣: ٢٤).

مُبَارِكُكَ مُبَارَكٌ وَلاَعِنُكَ مَلْعُونٌ قوله مباركك مبارك كبركة الرب لإبراهيم (تكوين ١٢: ٣) وبركة إسحاق ليعقوب (تكوين ٢٧: ٢٩). (وبقوله ولاعنك ملعون لعن بالاق الذي سأله أن يلعن إسرائيل فوقع في الهاوية التي حفرها.

١٠ «فَٱشْتَعَلَ غَضَبُ بَالاَقَ عَلَى بَلْعَامَ، وَصَفَّقَ بِيَدَيْهِ وَقَالَ بَالاَقُ لِبَلْعَامَ: لِتَشْتِمَ أَعْدَائِي دَعَوْتُكَ وَهُوَذَا أَنْتَ قَدْ بَارَكْتَهُمُ ٱلآنَ ثَلاَثَ دَفَعَاتٍ».

حزقيال ٢١: ١٤ و١٧ و٢٢: ١٣ ص ٢٣: ١١ وتثنية ٢٣: ٤ و٥ ويشوع ٢٤: ٩ و١٠ ونحميا ١٣: ٢

وَصَفَّقَ بِيَدَيْهِ كان هذا التصفيق آية شدة الانفعال سواء كان تصفيق هزء أم كان تصفيق غضب أو يأس (قابل بهذا أيوب ٢٧: ٢٣ ومراثي إرميا ٢: ١٥).

١١ «فَٱلآنَ ٱهْرُبْ إِلَى مَكَانِكَ. قُلْتُ أُكْرِمُكَ إِكْرَاماً، وَهُوَذَا ٱلرَّبُّ قَدْ مَنَعَكَ عَنِ ٱلْكَرَامَةِ».

ص ٢٢: ١٧ و٣٧

ٱلرَّبُّ قَدْ مَنَعَكَ عَنِ ٱلْكَرَامَةِ قال بالاق هذا إما على سبيل التهكم وإما على أنه رأى أن كلام بلعام من الرب لما فيه من شدة التأثير (انظر ص ٢٣: ٢٧ والتفسير).

١٢، ١٣ «١٢ فَقَالَ بَلْعَامُ لِبَالاَقَ: أَلَمْ أُكَلِّمْ أَيْضاً رُسُلَكَ ٱلَّذِينَ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ قَائِلاً: ١٣ وَلَوْ أَعْطَانِي بَالاَقُ مِلْءَ بَيْتِهِ فِضَّةً وَذَهَباً لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَتَجَاوَزَ قَوْلَ ٱلرَّبِّ لأَعْمَلَ خَيْراً أَوْ شَرّاً مِنْ نَفْسِي. ٱلَّذِي يَتَكَلَّمُهُ ٱلرَّبُّ إِيَّاهُ أَتَكَلَّمُ».

ص ٢٢: ١٨

لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَتَجَاوَزَ قَوْلَ ٱلرَّبِّ (ص ٢٢: ١٨). (لا ريب في أن بلعام لم يقدر أن يتجازو قول الرب إما لخوفه وإما لإجبار الرب له على ذلك لا لحبه للرب وطاعته الاختيارية له).

١٤ «وَٱلآنَ هُوَذَا أَنَا مُنْطَلِقٌ إِلَى شَعْبِي. هَلُمَّ أُنْبِئْكَ بِمَا يَفْعَلُهُ هٰذَا ٱلشَّعْبُ بِشَعْبِكَ فِي آخِرِ ٱلأَيَّامِ».

ميخا ٦: ٥ ورؤيا ٢: ١٤ تكوين ٤٩: ١ ودانيال ٢: ٢٨ و١٠: ١٤

وَٱلآنَ هُوَذَا أَنَا مُنْطَلِقٌ إِلَى شَعْبِي أي إلى موآب لا إلى موتى شعبه فإنه عاش طويلاً بين الموآبيين على ما يظهر.

هَلُمَّ أُنْبِئْكَ أتى بالنبوءة على سبيل النصح لبالاق لا على سبيل الإنذار وأنبأه بسيادة إسرائيل على أعدائه وانتصاره على محاربيه لكي لا ينقاد لجهله ويعادي إسرائيل. ولا نعلم في أي وقت علّم بلعام بالاق أن يضع عثرة أمام بني إسرائيل أن يأكلوا ما ذُبح للأوثان ويزنوا (رؤيا ٢: ١٤).

آخِرِ ٱلأَيَّامِ (انظر تفسير تكوين ٤٩: ١). هذا مقدمة نبوءة تقسم إلى أربعة أقسام صُدر كل قسم منها بقول الكاتب «نطق بمثله» (ع ١٥ – ٢٣) .

١٥، ١٦ «١٥ ثُمَّ نَطَقَ بِمَثَلِهِ وَقَالَ: وَحْيُ بَلْعَامَ بْنِ بَعُورَ. وَحْيُ ٱلرَّجُلِ ٱلْمَفْتُوحِ ٱلْعَيْنَيْنِ. ١٦ وَحْيُ ٱلَّذِي يَسْمَعُ أَقْوَالَ ٱللّٰهِ وَيَعْرِفُ مَعْرِفَةَ ٱلْعَلِيِّ. ٱلَّذِي يَرَى رُؤْيَا ٱلْقَدِيرِ سَاقِطاً وَهُوَ مَكْشُوفُ ٱلْعَيْنَيْنِ».

ع ٣ و٤

وَحْيُ ٱلرَّجُلِ الخ (انظر تفسير ع ٣ و٤).

١٧ «أَرَاهُ وَلٰكِنْ لَيْسَ ٱلآنَ. أُبْصِرُهُ وَلٰكِنْ لَيْسَ قَرِيباً. يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ، وَيَقُومُ قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيلَ، فَيُحَطِّمُ طَرَفَيْ مُوآبَ، وَيُهْلِكُ كُلَّ بَنِي ٱلْوَغَى».

رؤيا ١: ٧ متّى ٢: ٢ ورؤيا ٢٢: ١٦ تكوين ٤٩: ١٠ ومزمور ١١٠: ٢ و٢صموئيل ٨: ٢ وإرميا ٤٨: ٤٥

أَرَاهُ وَلٰكِنْ لَيْسَ ٱلآنَ لا يمكن أن يكون الذي يراه ولكن ليس الآن إسرائيل لأنه كان يرى إسرائيل حينئذ في محلته أمام عينيه فلزم من ذلك أنه كان يرى بعين الذهن من سيأتي لا من هو في الحضرة. والظاهر أنه كان يتصور كوكباً بارزاً من يعقوب على ما في العبارة التالية.

يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ هذا الكوكب رجل ذو سلطان بدليل قوله على الأثر «قضيب من إسرائيل». على أن الإضافة إلى يعقوب كافية للدلالة على أن الكوكب المذكور شخص من نسل يعقوب كالكوكب في الهداية. إلا أن قوله «ويقوم قضيب من إسرائيل» أي صاحب قضيب أو صولجان أعني متسلطاً يدل فوق ذلك على أنه ذو سلطان. وقيل إن الكوكب كناية عن الملك. وفي هذه النبوءة مماثلة لنبوءة يعقوب (انظر تكوين ٤٩: ١٠). وفي ترجوم أنكيلوس ما مترجمه «يقوم ملك من يعقوب والمسيح يمسح من إسرائيل». قال ابن عزرا «إن النبوءة في داود ولكن كثيرين من المفسرين قالوا إنها في المسيح». والظاهر إن الذي ادعى أنه المسيح في زمان أدريان الملك ولقب نفسه ببار كوكب (أي ابن الكوكب) أشار إلى هذه النبوءة. ولعل المجوس أشاروا إلى هذه النبوءة بقولهم «رأينا نجمه في المشرق» (متّى ٢: ٢).

فَيُحَطِّمُ طَرَفَيْ مُوآبَ تمّت هذه النبوءة جزئياً أو رمزياً في عصر داود (٢صموئيل ٨: ٢). وموآب وأدوم رمزان إلى أعداء المسيح وأعداء كنيسته وإخضاعهما رمز إلى إخضاع ملك الملوك كل أعدائه (قابل بهذا مزمور ٦٠: ٨).

وَيُهْلِكُ كُلَّ بَنِي ٱلْوَغَى أي بني الحرب وترجم بعضهم العبارة بقوله «ويكلل كل بني شيث» والكلام مشترك في العبرانية فيصح أن يترجم أيضاً ويكلل هام كل بني الوغى.

١٨ «وَيَكُونُ أَدُومُ مِيرَاثاً، وَيَكُونُ سَعِيرُ أَعْدَاؤُهُ مِيرَاثاً. وَيَصْنَعُ إِسْرَائِيلُ بِبَأْسٍ».

٢صموئيل ٨: ١٤ ومزمور ٦٠: ٨ و٩ و١٢

يَكُونُ أَدُومُ مِيرَاثاً، وَيَكُونُ سَعِيرُ أَعْدَاؤُهُ مِيرَاثاً أي أعداء إسرائيل أو أعداء المتسلط الذي يقوم من إسرائيل. وأدوم اسم شعب وسعير اسم بلاد (انظر تكوين ٣٢: ٣). وهذه النبوءة تمت أولاً في أيام داود (٢صموئيل ٨: ١٤) لكن أُكمل تمامها بشخص المسيح وعمله (إشعياء ٦٣: ١ – ٤).

يَصْنَعُ إِسْرَائِيلُ بِبَأْسٍ أي بقوة (قابل بهذا تثنية ٨: ١٧ و١٨ وراعوث ٤: ١١).

١٩ «وَيَتَسَلَّطُ ٱلَّذِي مِنْ يَعْقُوبَ وَيَهْلِكُ ٱلشَّارِدُ مِنْ مَدِينَةٍ».

تكوين ٤٩: ١٠

وَيَتَسَلَّطُ إيضاح هذا التسلط في قول المرنم «يَمْلِكُ مِنَ ٱلْبَحْرِ إِلَى ٱلْبَحْرِ، وَمِنَ ٱلنَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي ٱلأَرْضِ» (مزمور ٧٢: ٨).

وَيَهْلِكُ ٱلشَّارِدُ مِنْ مَدِينَةٍ (أو ويخرب الباقي من المدن). المدينة وإن كانت مفردة قد يراد بها الجميع لكن بعضهم فهم من المدينة هنا أنها مدينة أورشليم والظاهر من القرينة هنا أنها أم مدن أدوم أو مدن أدوم كلها.

٢٠ «ثُمَّ رَأَى عَمَالِيقَ فَنَطَقَ بِمَثَلِهِ وَقَالَ: عَمَالِيقُ أَوَّلُ ٱلشُّعُوبِ، وَأَمَّا آخِرَتُهُ فَإِلَى ٱلْهَلاَكِ».

خروج ١٧: ٨ خروج ١٧: ١٤ و١صموئيل ١٥: ٣ و٨

ثُمَّ رَأَى عَمَالِيقَ رأى من جبل فغور الذي كان واقفاً عليه (ص ٢٣: ٢٨) بلاد عماليق وهي جنوبي أرض كنعان (ص ٢٣: ٢٩ وتكوين ٣٦: ١٢). المظنون أن قبيلة عماليق انفردت عن أدوم منذ زمن قديم.

عَمَالِيقُ أَوَّلُ ٱلشُّعُوبِ كان جد عماليق أليفاز بن عيسو (تكوين ٣٦: ١٢). وإذا صحّ الظن أن عماليق انفرد منذ القديم عن سائر أهل أدوم يكون أول الشعوب في زمان الاستقلال ولكن الإشارة إلى ملوك عماليق تحمل على القول بأنه كان أول الشعوب في المقام. وذهب بعضهم إلى أن المقصود أن عماليق أول الشعوب الذين التصقوا ببني إسرائيل حين خرجوا من مصر (خروج ١٧: ٨). ويحتمل أن عماليق كان أول الشعوب في الزمان والمقام (قابل بهذا عاموس ٦: ١).

وَأَمَّا آخِرَتُهُ فَإِلَى ٱلْهَلاَكِ أي فهو يصير بمنزلة الهالكين. وابتدأ عماليق يسير في سنن الهلاك في أيام مُلك شاول (١صموئيل ١٤: ٤٨ و١٥: ٧) وبقي كذلك إلى أيام داود (١صموئيل ٢٧: ٨ و٣٠: ١٧ و٢صموئيل ٨: ١٢) وتمّ هلاكهم في عصر حزقيا (١أيام ٤: ٤٢ و٤٣).

٢١، ٢٢ «٢١ ثُمَّ رَأَى ٱلْقِينِيَّ فَنَطَقَ بِمَثَلِهِ وَقَالَ: لِيَكُنْ مَسْكَنُكَ مَتِيناً وَعُشُّكَ مَوْضُوعاً فِي صَخْرَةٍ. ٢٢ لٰكِنْ يَكُونُ قَايِنُ لِلدَّمَارِ. حَتَّى مَتَى يَسْتَأْسِرُكَ أَشُّورُ؟».

عوبديا ٤ تكوين ١٥: ١٩

ثُمَّ رَأَى ٱلْقِينِيَّ (ع ٢١) على ما في هذه الآية والتي بعدها أن هلاك القيني يتم عند أسر الأشوريين للإسرائيليين. والقينيون حُسبوا من القبائل التي يملك نسل إبراهيم بلادهم (تكوين ١٥: ١٩). على أن قسماً منهم التصقوا بالإسرائيليين وسكنوا تخم يهوذا الجنوبي (قضاة ١: ١٦). وكان القينيون من أعداء الإسرائيليين الذين هلكوا كما هلك غيرهم ممن ذُكروا في هذه النبوءة من أعداء شعب الله على ما في بعض التراجم لكن ينشأ من ذلك اعتراضان (١) إن قوله متى يستأسرك أشور للقيني لا لإسرائيل. (٢) إنه ذكر القينيين الذين التقصوا بالإسرائيليين وكان بمقتضى العهد الذي كان لحوباب (ص ١٩: ٢٩) إن يمتاز القينيون عن أعداء إسرائيل ويستثنوا من الهلاك الذي حكم به على أولئك الأعداء. ولكن المعنى في ترجمتنا العربية هو الموافق للأصل ومعناه أن القيني لا يهلك حتى يستأسر الأشوريون الإسرائيليين وإن كان في التركيب شيء من الإبهام. (وعلته على ما أرى الالفتات غير المألوف في العبرية وهو توجيه الكلام من مخاطب إلى مخاطب أكثر. فكان بلعام يخاطب القيني ثم وجه الخطاب إلى إسرائيل. ولو عدلنا عن هذا التركيب إلى غيره لقلنا لكنك أيها القيني لا تصير إلى الدمار إلا متى استأسر إسرائيل أشور).

نعم إن الكتاب لم يذكر تمام هذه النبوءة لكن العقل يدل عليها فإنه يحكم بالبداهة أن الأشوريين لم يتركوا القينيين الساكنين بين إسرائيل بعد أن حاربوا الجميع وسبوهم. ونعلم من نبوءة إرميا أن الركابيين الذين هم شعبة من القينيين (١أيام ٢: ٥٥) أتوا إلى أورشليم خوفاً من جيش الكلدانيين والأشوريين على أثر غزو نبوخذنصر (إرميا ٣٥: ١١). وإن كان المقصود بأشور هنا الأشوريين وجب أن نذكر أن فرقة من القينيين أقامت مع نفتالي قرب قادش (قضاة ٤: ١١) والظاهر أن المقصود بأشور كل نسل أشور أي كل القبائل التي خرجت منه (انظر ع ٢٤) فإن ملك الفرس نفسه دُعي ملك أشور (عزرا ٦: ٢٢).

٢٣ «ثُمَّ نَطَقَ بِمَثَلِهِ وَقَالَ: آهِ! مَنْ يَعِيشُ حِينَ يَفْعَلُ ذٰلِكَ».

حِينَ يَفْعَلُ ذٰلِكَ في العبرانية «حين يفعل الله ذلك».

٢٤ «وَتَأْتِي سُفُنٌ مِنْ نَاحِيَةِ كِتِّيمَ وَتُخْضِعُ أَشُّورَ، وَتُخْضِعُ عَابِرَ، فَهُوَ أَيْضاً إِلَى ٱلْهَلاَكِ».

تكوين ١٠: ٤ ودانيال ١١: ٣٠ تكوين ١٠: ٢١ و٢٥

تَأْتِي سُفُنٌ مِنْ نَاحِيَةِ كِتِّيمَ قيل أن قوماً من الفينقيين هاجروا إلى قبرس وبنوا مدينة كتيم أو كتيوم وهي كتي الحديثة. قال ذلك يوسيفوس المؤرخ. والمرجّح أن المقصود بكتيم هنا شطوط البحر المتوسط بالإجمال وفي الفلغاتا أن كتيم إيطاليا.

وَتُخْضِعُ أَشُّورَ وَتُخْضِعُ عَابِرَ قال بعضهم أن المقصود بعابر العبرانيون فقط والمرجّح أن المقصود بعابر كل نسل عابر (تكوين ١٠: ٢). أو أن المقصود بأشور الشاميون الشرقيون وبعابر الساميون الغربيون.

فَهُوَ أَيْضاً إِلَى ٱلْهَلاَكِ هو راجع إلى من يُخضع أشور ويخضع عابر أي مخضع الساميين في الشرق والغرب مصيره إلى الهلاك. وهو آخر ما يهلك من قوى العالم. وكان دانيال النبي ممن أخبر بما يكون في آخر الأيام الذي فيه يشرق كوكب من يعقوب على بني إسرائيل. وهو كوكب الصبح المنير (رؤيا ٢٢: ١٦). ولا نعلم بأي وسيلة وصلت نبوءة بلعام إلى إسرائيل ولعله هو أعطاها موسى آملاً أن يحصل بذلك على شيء من الأجرة التي فاتته من بالاق أو إنه أسره بنو إسرائيل ففدى نفسه بها.

٢٥ «ثُمَّ قَامَ بَلْعَامُ وَٱنْطَلَقَ وَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ. وَبَالاَقُ أَيْضاً ذَهَبَ فِي طَرِيقِهِ».

ص ٣١: ٨

وَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ الظاهر أنه قصد أن يرجع إلى وطنه فتوجه إلى مكانه فإن المرجّح أنه بقي بين المديانين وهلك معهم.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى