سفر اللاويين

سفر اللاويين | 26 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر اللاويين

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلْعِشْرُونَ

١ «لاَ تَصْنَعُوا لَكُمْ أَوْثَاناً، وَلاَ تُقِيمُوا لَكُمْ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً أَوْ نَصَباً، وَلاَ تَجْعَلُوا فِي أَرْضِكُمْ حَجَراً مُصَوَّراً لِتَسْجُدُوا لَهُ. لأَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ».

خروج ٢٠: ٤ و٥ وتثنية ٥: ٨ و١٦: ٢٢ و٢٧: ١٥ ومزمور ٩٧: ٧

لاَ تَصْنَعُوا لَكُمْ أَوْثَاناً الآية الأولى والآية الثانية من هذا الأصحاح قسم من الفصل السابق من الأصحاح الخامس والعشرين. وعلاقتهما بالأصحاح السابق أن الإسرائيليين الذين ألجأهم الفقر أن بيبعوا أنفسهم للوثنيين عبيداً كانوا عرضة للسقوط في العبادة الوثنية لمشاهدتهم عبادتها وهم عند سادتهم فنهاهم عن صنع الأوثان وأمرهم بحفظ السبت لأن الوثنيين كانوا يدنسونه ولأن حفظه واقٍ من عبادة الأوثان. والأمران جوهريان لأنهما من مواضيع وصايا الله العشر. وقد جُمعا في (ص ١٩: ٣ و٤) فارجع إلى التفسير.

وَلاَ تُقِيمُوا لَكُمْ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً أَوْ نَصَباً التمثال الشخص المنحوت من حجر أو غيره ليمثل إلهاً وثنياً أو يشخّص له إسرائيل عزّ وجلّ ونُزّه عن ذلك وعلا علواً كبيراً (خروج ٢٠: ١٩ و٢٠ وتثنية ٤: ١٥ و١٦). و «النّصَب» حجر أو عمود يُنصب ليُذبح عليه لغير الله عند الوثنيين ويُعبد. (جمعه أنصاب وقد ذُكرت في أقوال بعض شعراء العرب الجاهلية قال عديّ الملقب بالمهلهل:

كلاَّ وأنصاب لنا عاديّة معبودة قد قُطّعت تقطيعا

 

وكانت الأنصاب من معبودات الفينيقيين ومذابحهم). وكان الآباء الأولون يقيمون مثل تلك الأنصاب للإله الحق (تكوين ٢٨: ١٨ و٢٢) ولكنهم يعبدون الله لا إياها. وقد أتت في الكتاب المقدس بمعنى الأصنام فتمثال البعل في سفر الملوك الثاني هو نصب البعل في العبراني (٢ملوك ٣: ٢). (وجاءت بهذا المعنى في العربية أيضاً فالصنم كل ما يُعبد سوى الله من صورة وتمثال وحجر وخشب وغير ذلك من المواد). وقال المفسرون إن المقصود بالنصب في الأصل عمود أو حجر منصوب (تكوين ٢٨: ١٨ و٢٢ و٣١: ١٣ الخ) وإنه كان حجراً بسيطاً بلا صورة ولم يندر أنه ينصب لله نفسه لكن لما زاغ كثير من الناس عن طريق الحق أخذ بعضهم ينصبه لغير الله (قابل ما في تكوين ٢٨: ١٨ و٢٢ و٣١: ١٣ و٣٥: ١٤ بما في خروج ٢٣: ٢٤ و٣٤: ١٣ الخ).

وَلاَ تَجْعَلُوا فِي أَرْضِكُمْ حَجَراً مُصَوَّراً الخ فّسر ذلك رؤساء الدين اليهودي في عصر الهيكل الثاني بقولهم لا تتخذوا في أرضكم صوراً من الحجر فتعبدوا الحجارة أي الحجارة المنصوبة على أرض مكان العبادة التي يطرح عليها العابدون أنفسهم ويتذللون لها ليظهروا عبادتهم لها. فكان الحجر نوع من العلاقات التي تستلفت الساجد إلى ذاتها حتى يطرح نفسه عليها بالتذلل الديني. قال رؤساء الدين اليهودي إن بلاط الهيكل كان من تلك الحجارة فكان من الجائز أن يبلط بها القدس ولكن لم يجز أن تستخدم في العبادة خارج الهيكل. وعلى هذا جاء في الترجمة الكلدانية «لا تصنعوا في أرضكم حجراً مصوراً لتطرحوا أنفسكم عليه لكن المبلط المصور عليه الهيئات أو الصور للزينة لكم أن تضعوه في أرض مقدسكم لكن لا تنحنوا عليه» أي كما ينحني الوثنيون. وكان من القانون اليهودي القديم «لا تطرحوا أنفسكم على الحجارة إلا حجارة القدس». (والحق الواضح الذي تفيده العبارة النهي عن عبادة الحجارة التي عليها الصور فإذا جمعنا القول السابق في الأوثان والأنصاب إلى هذا كان المعنى لا تعبدوا الأوثان ولا شيئاً من الحجارة التي بلا صور أو الحجارة التي عليها صور).

٢ «سُبُوتِي تَحْفَظُونَ وَمَقْدِسِي تَهَابُونَ. أَنَا ٱلرَّبُّ».

ص ١٩: ٣٠

سُبُوتِي تَحْفَظُونَ هذه الوصية عينها ذُكرت في (ص ١٩: ٣٠) وكُررت هنا لخطر أن يدنّس السبت الإسرائيليون الذين باعوا أنفسهم للأمم. وكان الإسرائيليون يوقون من عبادة الأصنام بتقديسهم السبت واحترامهم قدس الله.

٣ «إِذَا سَلَكْتُمْ فِي فَرَائِضِي وَحَفِظْتُمْ وَصَايَايَ وَعَمِلْتُمْ بِهَا».

تثنية ١١: ١٣ و١٤ و١٥ و٢٨: ١ إلى ١٤

إِذَا سَلَكْتُمْ فِي فَرَائِضِي هذه الآية أول آيات الأصحاح السادس والعشرين في العبرانية وكان يجب أن تكون كذلك في العربية. بعد أن أوضح الشارع للإسرائيليين ما يجب من الرسوم والأوامر والنواهي الأدبية الضرورية للقداسة والسعادة والصحة أخذ يبيّن لهم ما ينتج من السعادة من إطاعتهم للشرائع ومراعاتها بالأمانة وما يترتب على تعديّها من العقاب.

٤ «أُعْطِي مَطَرَكُمْ فِي حِينِهِ، وَتُعْطِي ٱلأَرْضُ غَلَّتَهَا، وَتُعْطِي أَشْجَارُ ٱلْحَقْلِ أَثْمَارَهَا».

تثنية ١١: ١٣ و١٤ و١٥ و٢٨: ١ إلى ١٤ إشعياء ٣٠: ٢٣ وحزقيال ٣٤: ٢٦ ويوئيل ٢: ٢٣ و٢٤ مزمور ٦٧: ٦ و٨٥: ١٢ وحزقيال ٣٤: ٢٧ و٣٦: ٣٠ وزكريا ٨: ١٢

أُعْطِي مَطَرَكُمْ فِي حِينِهِ أي المطر المبكر والمطر المتأخر (تثنية ١١: ١٤). ووقت المطر المبكر في فلسطين من منتصف تشرين الأول إلى كانون الأول. وهذا المطر يُعد الأرض لقبول البذار. والمطر المتأخر ما يقع في شهري آذار ونيسان قبل الحصاد بقليل. وقد وعد الله شعبه بمثل هذا الوعد بقوله «أُنْزِلُ عَلَيْهِمِ ٱلْمَطَرَ فِي وَقْتِهِ فَتَكُونُ أَمْطَارَ بَرَكَةٍ» (حزقيال ٣٤: ٢٦).

٥ «وَيَلْحَقُ دِرَاسُكُمْ بِٱلْقِطَافِ، وَيَلْحَقُ ٱلْقِطَافُ بِٱلزَّرْعِ، فَتَأْكُلُونَ خُبْزَكُمْ لِلشَّبَعِ وَتَسْكُنُونَ فِي أَرْضِكُمْ آمِنِينَ».

عاموس ٩: ١٣ ص ٢٥: ١٩ وتثنية ١١: ١٥ ويوحنا ٢: ١٩ و٢٦ ص ٢٥: ١٨ وأيوب ١١: ١٨ وحزقيال ٣٤: ٢٥ و٢٧ و٢٨

يَلْحَقُ دِرَاسُكُمْ بِٱلْقِطَافِ أي لكثرة غلال الحبوب لا تفرغون من درسها وذلك في أيار حتى يدرككم وقت قطاف العنب وهو يكون في نحو تموز (أو آب).

وَيَلْحَقُ ٱلْقِطَافُ بِٱلزَّرْعِ أي يكثر العنب كثيراً حتى أنكم لا تفرغون من قطافه قبل أن يأتي وقت الزرع وذلك في نحو شهر تشرين الأول. وهذا الوعد يشبه الوعد في نبوءة عاموس وهو قوله تعالى «يُدْرِكُ ٱلْحَارِثُ ٱلْحَاصِدَ، وَدَائِسُ ٱلْعِنَبِ بَاذِرَ ٱلزَّرْعِ» (عاموس ٩: ١٣).

٦ «وَأَجْعَلُ سَلاَماً فِي ٱلأَرْضِ، فَتَنَامُونَ وَلَيْسَ مَنْ يُزْعِجُكُمْ. وَأُبِيدُ ٱلْوُحُوشَ ٱلرَّدِيئَةَ مِنَ ٱلأَرْضِ وَلاَ يَعْبُرُ سَيْفٌ فِي أَرْضِكُمْ».

١أيام ٢٢: ٩ ومزمور ٢٩: ١١ و١٤٧: ١٣ وإشعياء ٤٥: ٧ وحجي ٢: ٩ أيوب ١١: ١٩ ومزمور ٣: ٥ و٤: ٨ وإشعياء ٣٥: ٩ وإرميا ٣٠: ١٠ وحزقيال ٣٤: ٢٥ وهوشع ٢: ١٨ وصفنيا ٣: ١٣ و٢ملوك ١٧: ٢٥ وحزقيال ٥: ١٧ و١٤: ١٥ حزقيال ١٤: ١٧

وَأَجْعَلُ سَلاَماً فِي ٱلأَرْضِ علاوة على كثرة الغلال فيأمنون نهاراً من الناهبين وليلاً من السارقين (مزمور ٣: ٥ و٤: ٨).

وَأُبِيدُ ٱلْوُحُوشَ ٱلرَّدِيئَةَ مِنَ ٱلأَرْضِ الوعد بإبادة الوحوش الضارية التي كانت كثيرة في فلسطين ذُكر أيضاً في نبوءة حزقيال بما يقرب من هذا الكلام كثيراً وهو قوله تعالى «وَأَنْزِعُ ٱلْوُحُوشَ ٱلرَّدِيئَةَ مِنَ ٱلأَرْضِ» (حزقيال ٣٤: ٢٥) وهما بلفظ واحد في الأصل العبراني على ما في النسخة السائدة في العبرانية.

٧ «وَتَطْرُدُونَ أَعْدَاءَكُمْ فَيَسْقُطُونَ أَمَامَكُمْ بِٱلسَّيْفِ».

تَطْرُدُونَ أَعْدَاءَكُمْ إذا حسدكم الأعداء على نجاحكم وأرادوا غزوكم أيّدكم الله ووهب لكم الشجاعة العجيبة فتطردونهم ولا تكتفون بذلك حتى تطرحوهم قتلى السيف.

٨ «يَطْرُدُ خَمْسَةٌ مِنْكُمْ مِئَةً، وَمِئَةٌ مِنْكُمْ يَطْرُدُونَ رَبْوَةً، وَيَسْقُطُ أَعْدَاؤُكُمْ أَمَامَكُمْ بِٱلسَّيْفِ».

تثنية ٣٢: ٣ ويشوع ٢٣: ١٠

يَطْرُدُ خَمْسَةٌ مِنْكُمْ مِئَةً هذا قول جرى يومئذ مجرى المثل. وجاء مثل هذه العبارة غير هذا الموضع من الكتاب المقدس (تثنية ٣٢: ٣٠ ويشوع ٢٣: ١٠ وإشعياء ٣٠: ١٧).

٩ «وَأَلْتَفِتُ إِلَيْكُمْ وَأُثْمِرُكُمْ وَأُكَثِّرُكُمْ وَأَفِي مِيثَاقِي مَعَكُمْ».

خروج ٢: ٢٥ و٢ملوك ١٣: ٢٣ تكوين ١٧: ٦ و٧ ونحميا ٩: ٢٣ ومزمور ١٠٧: ٣٨

أَلْتَفِتُ إِلَيْكُمْ بالرحمة والبركة (قابل بهذا ٢ملوك ١٣: ٢٣ ومزمور ٢٥: ١٦ و٦٩: ١٧ الخ).

وَأُكَثِّرُكُمْ وَأَفِي مِيثَاقِي مَعَكُمْ أي أجعلكم في الكثرة كنجوم السماء ورمل البحر وأنجز لكم ما وعدت به آباءكم (تكوين ١٢: ٢ و١٣: ١٦ و١٥: ٥ و٢٢: ١٧ وخروج ٢٣: ٢٦).

١٠ «فَتَأْكُلُونَ ٱلْعَتِيقَ ٱلْمُعَتَّقَ وَتُخْرِجُونَ ٱلْعَتِيقَ مِنْ وَجْهِ ٱلْجَدِيدِ».

ص ٢٥: ٢٢

فَتَأْكُلُونَ ٱلْعَتِيقَ ٱلْمُعَتَّقَ أي تكثر غلالكم كثيراً حتى أنكم تأكلون المعتّق والجديد كثير لديكم.

وَتُخْرِجُونَ ٱلْعَتِيقَ مِنْ وَجْهِ ٱلْجَدِيدِ هذه العبارة إيضاح لما قبلها (ومثل هذا ما يسمى في العربية بالتذليل) والمعنى أنكم لوفرة الغلال تضطرون أن تفرّغوا الأهراء من الغلال العتيقة لتذخروا فيها الغلال الجديدة.

١١ «وَأَجْعَلُ مَسْكَنِي فِي وَسَطِكُمْ، وَلاَ تَرْذُلُكُمْ نَفْسِي».

خروج ٢٥: ٨ و٩: ٤٥ ويشوع ٢٢: ١٩ ومزمور ٧٦: ٢ وحزقيال ٣٧: ٢٦ و٢٧ و٢٨ ورؤيا ٢١: ٣ ص ٢٠: ٢٣ وتثنية ٣٢: ١٩

وَأَجْعَلُ مَسْكَنِي فِي وَسَطِكُمْ (انظر ص ١٥: ٣١) أي إنه تعالى يزيد على تكثيره غلالهم أن يقيم معهم بالقدس الذي يقام في وسطهم.

وَلاَ تَرْذُلُكُمْ نَفْسِي أي لا يرجع عن رضاه عليهم ولا يندم على سكناه بينهم وإظهار إكرامه لهم.

١٢ «وَأَسِيرُ بَيْنَكُمْ وَأَكُونُ لَكُمْ إِلٰهاً وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي شَعْباً».

٢كورنثوس ٦: ١٦ خروج ٦: ٧ وإرميا ٧: ٢٣ و١١: ٤ و٣٠: ٢٢ وحزقيال ١١: ٢٠ و٣٦: ٢٨

وَأَسِيرُ بَيْنَكُمْ هذا الوعد اقتبسه القديس بولس (١كورنثوس ٦: ١٦).

١٣ «أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمُ ٱلَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ كَوْنِكُمْ لَهُمْ عَبِيداً وَقَطَّعَ قُيُودَ نِيرِكُمْ وَسَيَّرَكُمْ قِيَاماً».

ص ٢٥: ٣٨ و٤٢: ٥٥ إرميا ٢: ٢٠ وحزقيال ٣٤: ٢٧

قَطَّعَ قُيُودَ نِيرِكُمْ المواعيد التي وُعد بها الإسرائيليون بزيادة خصب أرضهم وتوطيد الأمن والسلام فيها وحضور الرب وإقامته بها بينهم شرطها أن يحفظوا وصاياه لأنه هو الله الذي نجاهم واتخذهم عبيداً لنفسه وذكرهم مراحمه السابقة برهاناً على ما هو المعروف في الشرق خشبة معترضة على عنقي الثورين في الفلاحة ليكونا ثابتي الرأسين ماشيين على السواء لا يتقدم أحدهما على الآخر وتلك الخشبة تمنعهما من المقاومة إذا قسا الحارث عليهما. فكانت عبودية الإسرائيليين في مصر مثل النير فإنهم كانوا يُظلمون ويُقهرون ويُقسى عليهم ولا يستطيعون المقاومة حتى أنقذهم الله منها. وقد استُعير النير للاهتضام والظلم (تثنية ٢٨: ٤٨ وإشعياء ٩: ٣ و١٠: ٢٧ و١٤: ٢٥ الخ) ولم يأت بمعناه هنا إلا في (حزقيال ٣٤: ٢٧).

١٤ «لٰكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي وَلَمْ تَعْمَلُوا كُلَّ هٰذِهِ ٱلْوَصَايَا».

تثنية ٢٨: ١٥ ومراثي إرميا ٢: ١٧ وملاخي ٢: ٢

لٰكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي شفع الوعد بالبركات على الطاعة بالوعيد بالضربات واللعنات على المعصية والكلام على الدرجة الأولى من العقاب هذه الآية وما بعدها إلى الآية السابعة عشرة.

١٥ «وَإِنْ رَفَضْتُمْ فَرَائِضِي وَكَرِهَتْ أَنْفُسُكُمْ أَحْكَامِي، فَمَا عَمِلْتُمْ كُلَّ وَصَايَايَ بَلْ نَكَثْتُمْ مِيثَاقِي».

ع ٤٣ و٢ملوك ١٧: ١٥

وَإِنْ رَفَضْتُمْ فَرَائِضِي قال في الآية السابقة «إن لم تسمعوا» وقال في هذه «وإن رفضتم» وذلك ما يقتضيه الترتيب الطبيعي فإن الرفض يترتب على عدم السمع.

وَكَرِهَتْ أَنْفُسُكُمْ أَحْكَامِي هذا لازم الرفض لأن من يرفض شيئاً يدل برفضه على أنه يكرهه.

نَكَثْتُمْ مِيثَاقِي أي نقضتم عهدي (انظر تكوين ٧: ١٤). (فهذه الاستعارة قديمة جداً لورودها في سفر التكوين. وجاءت في أقدم ما وقفنا عليه من الاستعارات العربية. وتُعرف عند علماء البيان بالاستعارة المكنية لأن المتكلم شبه في نفسه العهد بالحبل ودل على ذلك بأن أثبت له النكث أي النقض الذي هو من لوازم الحبل فدل على الحبل بالكناية والمعنى أخلفتم بما قبلتموه على أنفسكم من العهد أو الوعد).

١٦ «فَإِنِّي أَعْمَلُ هٰذِهِ بِكُمْ: أُسَلِّطُ عَلَيْكُمْ رُعْباً وَسِلاً وَحُمَّى تُفْنِي ٱلْعَيْنَيْنِ وَتُتْلِفُ ٱلنَّفْسَ. وَتَزْرَعُونَ بَاطِلاً زَرْعَكُمْ فَيَأْكُلُهُ أَعْدَاؤُكُمْ».

تثنية ٢٨: ٦٥ و٦٦ و٦٧ و٣٢: ٢٥ وإرميا ١٥: ٨ تثنية ٢٨: ٢٢ و١صموئيل ٢: ٣٣ تثنية ٢٨: ٣٣ و٥١ وأيوب ٣١: ٨ وإرميا ٥: ١٧ و١٢: ١٣ وميخا ١: ١٥

فَإِنِّي أَعْمَلُ هٰذِهِ بِكُمْ أي أجازيكم بالمثل فأكرهكم.

أُسَلِّطُ عَلَيْكُمْ رُعْباً هذا وما بعده من لوازم مجازاته لهم بالمثل أي كرهه إياهم.

سِلاً (السل في اللغة الهزال وعند الأطباء مرض معروف سمي به لأن البدن يهزل به ويذوب).

حمى الحمى لا تنفك عن المرض السابق وهو السل (تثنية ٢٨: ٢٢).

تُفنِي ٱلْعَيْنَيْنِ وَتُتْلِفُ ٱلنَّفْسَ المقصود بالنفس هنا الشخص وإذ كان السل من شأنه أن يُضعف الجسم ويذيبه لزم بالضرورة أن يفني العينين أيضاً (وعطف النفس على العينين من عطف الكل على الجزء فيكون فناء العينين كالمذكور مرتين للتأكيد واختارهما من الأجزاء الظاهرة دون غيرهما لأن المصاب بهما أعظم). وقد ذُكر أن ذلك من شر مصائب الأشرار (انظر أيوب ١١: ٢٠ و١٧: ٥ و٣١: ١٦ الخ) وجاء مثل العبارة كلها في غير هذا الموضع من كتاب الله (انظر تثنية ٢٨: ٦٥ و١صموئيل ٢: ٢٣).

تَزْرَعُونَ بَاطِلاً زَرْعَكُمْ فَيَأْكُلُهُ أَعْدَاؤُكُمْ هذا فوق ضربات المرض الشديد وهو نقيض الوعد المترتب على الطاعة من كثرة الغلال ووقايتهم من الأعداء (انظر ع ٤ – ٦). وجاء مثل هذا الإنذار على المعصية في الأسفار الخمسة (تثنية ٢٨: ٣٣ و٥١) والأنبياء (إرميا ٥: ١٧). ومن أشد أمثاله تأثيراً قول الرب بلسان ميخا «أَنْتَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ. أَنْتَ تَدُوسُ زَيْتُوناً وَلاَ تَدَّهِنُ بِزَيْتٍ» (ميخا ٦: ١٥). وجاء ضد ذلك في (إشعياء ٦٢: ٨ و٦٥: ٢٢ و٢٣).

١٧ «وَأَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّكُمْ فَتَنْهَزِمُونَ أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ، وَيَتَسَلَّطُ عَلَيْكُمْ مُبْغِضُوكُمْ، وَتَهْرُبُونَ وَلَيْسَ مَنْ يَطْرُدُكُمْ».

ص ١٧: ١٠ تثنية ٢٨: ٢٥ وقضاة ٢: ١٤ وإرميا ١٩: ٧ مزمور ١٠٦: ٤١ ع ٣٦ ومزمور ٥٣: ٥ وأمثال ٢٨: ١

أَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّكُمْ أي أريكم علامات غضبي فتشعرون به (انظر تفسير ص ١٧: ١٠).

فَتَنْهَزِمُونَ أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ لأني لا أكون معكم (انظر عدد ١٤: ٤٢ وتثنية ١: ٤٢ و٢٨: ٢٥).

وَيَتَسَلَّطُ عَلَيْكُمْ مُبْغِضُوكُمْ (انظر إشعياء ١٤: ٢ وحزقيال ٢٩: ١٥ و٣٤: ٤ الخ).

١٨ «وَإِنْ كُنْتُمْ مَعَ ذٰلِكَ لاَ تَسْمَعُونَ لِي، أَزِيدُ عَلَى تَأْدِيبِكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ».

١صموئيل ٢: ٥ ومزمور ١١٩: ١٦٤ وأمثال ٢٤: ١٦

وَإِنْ كُنْتُمْ مَعَ ذٰلِكَ لاَ تَسْمَعُونَ لِي أي إن بقيتم في المعصية بعد ضربات العقاب المذكورة (انظر ع ١٦ و١٧). فهذه الآية بداءة عقاب جديد أشد من الأول وهو ما في الكلام في هذه الآية إلى نهاية الآية العشرين.

أَزِيدُ عَلَى تَأْدِيبِكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ أي أكثر من العقاب السابق كثيراً أو عقاباً كاملاً واختار السبعة لأنها عندهم عدد كامل كما هي في مصطلح العرب (انظر تفسير ص ٤: ٦) والمقصود به هنا عدداً كبيراً أو بلا نهاية. وعلى هذا جاء في سفر أيوب «فِي سِتِّ شَدَائِدَ يُنَجِّيكَ وَفِي سَبْعٍ لاَ يَمَسُّكَ سُوءٌ» (أيوب ٥: ١٩). وفي إنجيل لوقا «وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي ٱلْيَوْمِ» (لوقا ١٧: ٤) أي مراراً لا تحصى (قابل بهذا مزمور ١١٩: ٦٤ وأمثال ٢٤: ١٦ الخ).

١٩ «فَأُحَطِّمُ فَخَارَ عِزِّكُمْ، وَأُصَيِّرُ سَمَاءَكُمْ كَٱلْحَدِيدِ وَأَرْضَكُمْ كَٱلنُّحَاسِ».

إشعياء ٢٥: ١١ و٢٦: ٥ وحزقيال ٧: ٢٤ و٣٠: ٦ تثنية ٢٨: ٢٣

فَأُحَطِّمُ فَخَارَ عِزِّكُمْ (التحطيم مبالغة في التكسير. والفخار الافتخار بالخصال والمباهاة بالأفعال الممدوحة والمكارم من حسب ونسب. والعز خلاف الذل. وتُرجمت العبارة بالإنكليزية بما معناه «واكسر كبرياء قوتكم». إن عزّ الإسرائيليين كان قائماً بما كانوا يفتخرون به من الخصب والبركات المذكورة في الآية الرابعة والخامسة وكان العقاب مشتملاً على نزعها وعاقبة ذلك أنه يزيل عزهم قابل هذا بما في (حزقيال ٣٠: ٦ و٣٣: ٢٨). وفسّر رؤساء الدين اليهودي مدة الهيكل الثاني «فخار عزكم» بالقدس لأنه سُمي به (انظر حزقيال ٢٤: ٢١). وعلى هذا جاء في الترجمة الكلدانية «أحطم مجد قوة قدسكم».

وَأُصَيِّرُ سَمَاءَكُمْ كَٱلْحَدِيدِ أي أقطع الأمطار عنكم. وجاء مثل هذا في سفر التثنية وهو ما نصه «وَتَكُونُ سَمَاؤُكَ ٱلَّتِي فَوْقَ رَأْسِكَ نُحَاساً، وَٱلأَرْضُ ٱلَّتِي تَحْتَكَ حَدِيداً» (تثنية ٢٨: ٢٣).

٢٠ «فَتُفْرَغُ بَاطِلاً قُوَّتُكُمْ، وَأَرْضُكُمْ لاَ تُعْطِي غَلَّتَهَا، وَأَشْجَارُ ٱلأَرْضِ لاَ تُعْطِي أَثْمَارَهَا».

مزمور ١٢٧: ١ وإشعياء ٤٩: ٤ تثنية ١١: ١٧ و٢٨: ١٨ وحجي ١: ١٠

فَتُفْرَغُ بَاطِلاً قُوَّتُكُمْ إذا كانت السماء كالحديد ذهب إفراغ المجهود في حرث الأرض والزرع وغيرهما عبثاً أي بلا نفع.

وَأَرْضُكُمْ لاَ تُعْطِي غَلَّتَهَا إذ لا غلة بلا مطر وقد أنذرهم بقطعه. ومثل هذا قوله تعالى «يُغْلِقُ ٱلسَّمَاءَ فَلاَ يَكُونُ مَطَرٌ وَلاَ تُعْطِي ٱلأَرْضُ غَلَّتَهَا» (تثنية ١١: ١٧).

٢١ «وَإِنْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِٱلْخِلاَفِ، وَلَمْ تَشَاءُوا أَنْ تَسْمَعُوا لِي، أَزِيدُ عَلَيْكُمْ ضَرَبَاتٍ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ».

وَإِنْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِٱلْخِلاَفِ أي إن بقيتم تخالفون شريعتي أي تتعدونها وتعصون سلطاني. وهنا إنذار ثالث نهايته الآية الثانية والعشرون وهو أن يتركهم فرائس للوحوش الضاربة.

ضَرَبَاتٍ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ أي كثيرة أو لا نهاية لها (انظر تفسير ع ١٨).

حَسَبَ خَطَايَاكُمْ أي زيادة العقاب على قدر زيادة الخطايا في الفظاعة لأن الخطية المرتكبة بعد ما ذُكر من الضربات أفظع مما قبلها كثيراً.

٢٢ «أُطْلِقُ عَلَيْكُمْ وُحُوشَ ٱلْبَرِّيَّةِ فَتُعْدِمُكُمُ ٱلأَوْلاَدَ، وَتَقْرِضُ بَهَائِمَكُمْ وَتُقَلِّلُكُمْ فَتُوحَشُ طُرُقُكُمْ».

تثنية ٣٢: ٢٤ و٢ملوك ١٧: ٢٥ وحزقيال ٥: ١٧ و١٤: ١٥ قضاة ٥: ٦ و٢أيام ١٥: ٥ وإشعياء ٣٣: ٨ ومراثي إرميا ١: ٤ وزكريا ٧: ١٤

أُطْلِقُ عَلَيْكُمْ وُحُوشَ ٱلْبَرِّيَّةِ كانت الوحوش الضارية يومئذ كثيرة في فلسطين (خروج ٢٣: ٢٩) وكانت تُرسل عقاباً على الآثام (تثنية ٣٢: ٢٤ و٢ملوك ١٧: ٢٥ وإشعياء ١٣: ٢١ و٢٢ وحزقيال ١٤: ١٥ الخ).

٢٣ «وَإِنْ لَمْ تَتَأَدَّبُوا مِنِّي بِذَلِكَ بَلْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِٱلْخِلاَفِ».

إرميا ٢: ٣٠ و٥: ٣ وعاموس ٤: ٦ الخ

وَإِنْ لَمْ تَتَأَدَّبُوا أي تتهذبوا وتُصلحوا بما أديتكم به من الضربات. وهذا إنذار رابع (ع ٢٣ – ٢٦) بأشد العقاب للعصاة الإسرائيليين وهو تشديد العقاب الذي ذُكر جزئياً في الإنذار الأول (ع ١٧).

٢٤ «فَإِنِّي أَنَا أَسْلُكُ مَعَكُمْ بِٱلْخِلاَفِ، وَأَضْرِبُكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ».

٢صموئيل ٢٢: ٢٧ ومزمور ١٨: ٢٦

فَإِنِّي أَنَا أَسْلُكُ مَعَكُمْ بِٱلْخِلاَفِ الجزاء من جنس العمل إن الله يسلك بالخلاف لمن يسلكون معه بالخلاف. إنهم بزيادة عصيانهم وعداوتهم لله يزيدون إثمهم فظاعة فيزيدهم الله ويلاً بدلاً من أن يزيدهم بركة لو أطاعوه وصادقوه.

وَأَضْرِبُكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ (انظر ع ١٨ و٢١).

٢٥ «أَجْلِبُ عَلَيْكُمْ سَيْفاً يَنْتَقِمُ نَقْمَةَ ٱلْمِيثَاقِ، فَتَجْتَمِعُونَ إِلَى مُدُنِكُمْ وَأُرْسِلُ فِي وَسَطِكُمُ ٱلْوَبَأَ فَتُدْفَعُونَ بِيَدِ ٱلْعَدُوِّ».

حزقيال ٥: ١٧ و٦: ٣ و١٤: ١٧ و٢٩: ٨ و٣٣: ٢ عدد ١٤: ١٢ وتثنية ٢٨: ٢١ وإرميا ١٤: ١٢ و٢٤: ١٠ و٢٩: ١٧ و١٨ وعاموس ٤: ١٠

سَيْفاً يَنْتَقِمُ نَقْمَةَ ٱلْمِيثَاقِ أراد «بالسيف» هنا الحرب لأنه كان أعظم أدوات الحرب يومئذ والمعنى إني أسلط عليكم من يحاربونكم ويغلبونكم انتقاماً لميثاقي أي على تعديكم شرائعي التي جعلت حفظكم إياها ميثاقاً بيني وبينكم. وعلى هذا جاء في الترجمة الكلدانية ما مترجمه «ينتقم النقمة على تعديكم كلمات الشريعة».

فَتَجْتَمِعُونَ إِلَى مُدُنِكُمْ الخ إنه يغلبكم الأعداء فتهربون من أمام سيوفهم وتتحصنون بمعاقل المدن فلا تقيكم من النقمة إذ أرسل عليكم الوباء فيقتلكم وأنتم في الحصون فيفضّل الباقون منكم أن يتركوا حصونهم ويسلموا أنفسهم إلى أعدائهم (قابل هذا بما في إرميا ٢١: ٦ – ٩ وحزقيال ٥: ١٢ و٧: ١٥).

٢٦ «بِكَسْرِي لَكُمْ عَصَا ٱلْخُبْزِ. تَخْبِزُ عَشَرُ نِسَاءٍ خُبْزَكُمْ فِي تَنُّورٍ وَاحِدٍ، وَيَرْدُدْنَ خُبْزَكُمْ بِٱلْوَزْنِ، فَتَأْكُلُونَ وَلاَ تَشْبَعُونَ».

مزمور ١٠٥: ١٦ وإشعياء ٣: ١ وحزقيال ٤: ١٦ و٥: ١٦ و١٤: ١٣ إشعياء ٩: ٢٠ وميخا ٦: ١٤ وحجي ١: ٦

بِكَسْرِي لَكُمْ عَصَا ٱلْخُبْزِ أي بقطعي عنكم الخبز الذي هو عصا الحياة أي متوكأها ومعتمدها بتقدير الله وقد جاء هذا التشبيه في عدة مواضع من الكتاب المقدس (إشعياء ٣: ١٠ وحزقيال ٤: ١٦ و٥: ١٦ و١٤: ١٣ ومزمور ١٠٥: ٦١). هذا فوق الوباء الذي يلجئهم إلى تسليم أنفسهم إلى الأعداء.

تَخْبِزُ عَشَرُ نِسَاءٍ خُبْزَكُمْ فِي تَنُّورٍ وَاحِدٍ أي ستكون المجاعة عظيمة ويقل الخبز حتى أن تنوراً واحداً يكفي أن يخبز فيه عشر نساء أي يعددن خبز عشرة بيوت مع أنه قبل المجاعة كان البيت الواحد يشغل التنور الواحد دائماً.

وَيَرْدُدْنَ خُبْزَكُمْ بِٱلْوَزْنِ فلا يجوز لأحد أن يأكل شيئاً يكفيه من الخبز لقلته فيُقسم بالوزن. وقد ذُكر في نبوءة حزقيال ما يشابه هذا المصاب وهو قوله تعالى «هَئَنَذَا أُكَسِّرُ قِوَامَ ٱلْخُبْزِ فِي أُورُشَلِيمَ، فَيَأْكُلُونَ ٱلْخُبْزَ بِٱلْوَزْنِ وَبِالْغَمِّ، وَيَشْرَبُونَ ٱلْمَاءَ بِٱلْكَيْلِ وَبِالْحَيْرَةِ لِكَيْ يُعْوِزَهُمُ ٱلْخُبْزُ وَٱلْمَاءُ، وَيَتَحَيَّرُوا ٱلرَّجُلُ وَأَخُوهُ وَيَفْنَوْا بِإِثْمِهِمْ» (حزقيال ٤: ١٦ و١٧).

٢٧ «وَإِنْ كُنْتُمْ بِذَلِكَ لاَ تَسْمَعُونَ لِي بَلْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِٱلْخِلاَفِ».

ع ٢١ و٢٤

وَإِنْ كُنْتُمْ بِذَلِكَ لاَ تَسْمَعُونَ لِي أي وإن بقيتم عل معصيتكم بعد كل هذا العقاب. وهذا إنذار خامس (من ع ٢٧ – ٣٣) وهو زيادة المصاب الماضي وتخريب أرضهم حتى يستوحش منها الأعداء.

٢٨ «فَأَنَا أَسْلُكُ مَعَكُمْ بِٱلْخِلاَفِ سَاخِطاً، وَأُؤَدِّبُكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ».

إشعياء ٥٩: ١٨ و٦٣: ٣ و٦٦: ١٥ وإرميا ٢١: ٥ وحزقيال ٥: ١٣ و١٥ و٨: ١٨

فَأَنَا أَسْلُكُ مَعَكُمْ بِٱلْخِلاَفِ سَاخِطاً ذُكرت هذه العبارة سابقاُ بدون قوله «ساخطاً» وزيد عليها ذلك هنا بيانا لزيادة العقاب (والسخط هو غضب الأعلى على الأدنى).

وَأُؤَدِّبُكُمْ (انظر تفسير ع ١٨ و٢١ و ٢٤).

٢٩ «فَتَأْكُلُونَ لَحْمَ بَنِيكُمْ، وَلَحْمَ بَنَاتِكُمْ تَأْكُلُونَ».

تثنية ٢٨: ٥٣ و٢ملوك ٦: ٢٩ ومراثي إرميا ٤: ١٠ وحزقيال ٥: ١٠

٢٩ فَتَأْكُلُونَ الخ جاء مثل هذا في سفر التثنية (تثنية ٢٨: ٥٣ – ٥٧) وتمت النبوءة فعلاً في محاصرة الآراميين للسامرة (٢ملوك ٦: ٢٨ و٢٩) وفي حصار الأشوريين لأورشليم حتى قال إرميا النبي «أَيَادِي ٱلنِّسَاءِ ٱلْحَنَائِنِ طَبَخَتْ أَوْلاَدَهُنَّ. صَارُوا طَعَاماً لَهُنَّ فِي سَحْقِ بِنْتِ شَعْبِي. أَتَمَّ ٱلرَّبُّ غَيْظَهُ. سَكَبَ حُمُوَّ غَضَبِهِ وَأَشْعَلَ نَاراً فِي صِهْيَوْنَ فَأَكَلَتْ أُسُسَهَا» (مراثي إرميا ٤: ١٠ و١١ قابل بذلك إرميا ١٩: ٩ وحزقيال ٥: ١٠ وزكريا ١١: ٩ الخ). وحصل مثل هذا في محاصرة تيطس لأورشليم فإن امرأة اسمها مريم قتلت ولدها وطبخته لفرط الجوع وأكلت جزءاً منه ووجد العسكر البقية في بيتها.

٣٠ «وَأُخْرِبُ مُرْتَفَعَاتِكُمْ وَأَقْطَعُ شَمْسَاتِكُمْ وَأُلْقِي جُثَثَكُمْ عَلَى جُثَثِ أَصْنَامِكُمْ، وَتَرْذُلُكُمْ نَفْسِي».

٢أيام ٣٤: ٣ و٤ و٧ وإشعياء ٢٧: ٩ وحزقيال ٦: ٣ و٤ و٦ و١٣ و٢ملوك ٢٣: ٢٠ و٢أيام ٣٤: ٥ لاويين ٢٠: ٢٣ ومزمور ٧٨: ٥٩ و٨٩: ٣٨ وإرميا ١٤: ١٩

وَأُخْرِبُ مُرْتَفَعَاتِكُمْ كانت المرتفعات أبنية عالية مبنية لعبادة الرب (قضاة ٦: ٢٥ و١٦ و٨: ١٦ – ٢٣ و١صموئيل ٧: ١٠ و١ملوك ٣: ٢ و٢ملوك ١٢: ٣ و١أيام ٢١: ٢٦ الخ) ولكن المرتفعات هنا على ما يقتضيه المقام وتدل عليه القرينة هي الأبنية العالية المرفوعة لعبادة الأوثان (عدد ٢٢: ٤١ و٣٣: ٥٢ وتثنية ١٢: ٢ ويشوع ١٣: ١٧ الخ). وبهدم تلك المرتفعات الوثنية يتبين للإسرائيليين وهن الآلهة الوثنية التي عبدوها مع الله او فضلوها عليه سبحانه وتعالى علواً كبيراً.

وَأَقْطَعُ شَمْسَاتِكُمْ هي الأصنام التي كانوا يصنعونها للشمس (إشعياء ١٧: ٨ و٢أيام ١٤: ٥ و٣٤: ٧).

وَأُلْقِي جُثَثَكُمْ عَلَى جُثَثِ أَصْنَامِكُمْ لا شيء أحقر من عبدة الأصنام ومن الأصنام كالصورة التي صورهم بها هنا. فإن الإسرائيليين الذين يعصون الله ويشركون به بعد أن يعمل فيهم السيف ويصيبهم الجوع ويتفشى بينهم الوباء يهلكون ولا يُدفنون فتُطرح جثثهم مع جثث أصنامهم حتى تسير كوَم المزابل. وقد جاء مثل ذلك في نبوءة حزقيال وهو قوله تعالى «فَتَخْرَبُ مَذَابِحُكُمْ، وَتَتَكَسَّرُ شَمْسَاتُكُمْ، وَأَطْرَحُ قَتْلاَكُمْ قُدَّامَ أَصْنَامِكُمْ. وَأَضَعُ جُثَثَ بَنِي إِسْرَائِيلَ قُدَّامَ أَصْنَامِهِمْ، وَأُذَرِّي عِظَامَكُمْ حَوْلَ مَذَابِحِكُمْ» (حزقيال ٦: ٤ و٥).

٣١ «وَأُصَيِّرُ مُدُنَكُمْ خَرِبَةً وَمَقَادِسَكُمْ مُوحِشَةً، وَلاَ أَشْتَمُّ رَائِحَةَ سُرُورِكُم».

نحميا ٢: ٣ وإرميا ٤: ٧ وحزقيال ٦: ٦ مزمور ٧٤: ٧ مراثي إرميا ١: ١٠ وحزقيال ٩: ٦ و٢١: ٢

وَأُصَيِّرُ مُدُنَكُمْ خَرِبَةً لم يكتف بأن يطرح جثثهم على جثث أصنامهم فأنذرهم فوق ذلك بأنه يخرب مدنهم (إرميا ٤: ٧ و٩: ١١ وحزقيال ٦: ٦ و١٢: ٢٠ ونحميا ٢: ١٧ الخ).

وَمَقَادِسَكُمْ مُوحِشَةً أي القدس وسائر الأماكن المقدسة (إرميا ٥١: ٥١ وحزقيال ٢١: ٧ وعاموس ٧: ٩ ومزمور ٦٨: ٣٦ و٧٤: ٧ الخ) ومنها المجامع وذلك لنقضهم الميثاق فإنهم أخلفوا وعدهم بالطاعة فبدل ما وعدهم به من البركة باللعنة وسكناه بينهم بخراب مقاسدهم التي يحضر فيها.

وَلاَ أَشْتَمُّ رَائِحَةَ سُرُورِكُمْ أي متى تمّ خراب مقادسكم لا ألتفت إلى أنه كان يصعد في القدس الذي بُني لي رائحة السرور (ص ١: ٩). والخلاصة أن تقديمهم القرابين له في القدس لا يمنع من عقابهم ولا يدفع قضاءه عليهم.

٣٢ «وَأُوحِشُ ٱلأَرْضَ فَيَسْتَوْحِشُ مِنْهَا أَعْدَاؤُكُمُ ٱلسَّاكِنُونَ فِيهَا».

إرميا ٩: ١١ و٢٥: ١١ و١٨ تثنية ٢٨: ٣٧ و١ملوك ٩: ٨ وإرميا ١٨: ١٦ و١٩: ٨ وحزقيال ٥: ١٥

وَأُوحِشُ ٱلأَرْضَ أي أجعل الأرض خالية من الأنس وأتركها مألفاً للوحوش بإخراب المدن والمقادس. أنذرهم بهذا على عصيانهم وهو خلاف ما وعدهم به على طاعتهم. فالذي وعد هو نفسه الذي أنذر (ع ٤ – ١٠). وقال إنهم يكونون في شر لا يحتمل الأعداء مشاهدته ويعجبون مما يصيرون إليه (إرميا ٩: ١١ وحزقيال ٥: ١٥ و٣٣: ٢٨ و٢٩ و٤٥: ١٠ و٣٦: ٥).

٣٣ «وَأُذَرِّيكُمْ بَيْنَ ٱلأُمَمِ، وَأُجَرِّدُ وَرَاءَكُمُ ٱلسَّيْفَ فَتَصِيرُ أَرْضُكُمْ مُوحِشَةً، وَمُدُنُكُمْ تَصِيرُ خَرِبَةً».

تثنية ٤: ٢٧ و٢٨: ٦٤ ومزمور ٤٤: ١١ وإرميا ٩: ١٦ وحزقيال ١٢: ١٥ و٢٠: ٢٣ و٢٢: ١٥ وزكريا ٧: ١٤

وَأُذَرِّيكُمْ بَيْنَ ٱلأُمَمِ أي أفرقكم تفريقاً يشبه تفريق الريح للغبار فتتوزعون في أقطار العالم بين سائر شعوب الأرض. والخلاصة أنهم يخسرون أملاكهم ويكونون غرباء إذلاء بعد الاستقلال في أرضهم والتمتع بعزتهم.

وَأُجَرِّدُ وَرَاءَكُمُ ٱلسَّيْفَ مثّل الله نفسه بعدو لهم مستل سيفه عليهم وهم هاربون منه وهو لا ينفك يطردهم حتى يخرجهم من أرضهم فلا يستطيعون الرجوع. وكان الوعد لهم على الطاعة أن يجعل سلاماً في الأرض وليس من يزعج وأن لا يعبر سيف في الأرض. فانظر الفرق بين وعده ووعيده (ع ٦). وجاء مثل هذا الإنذار في نبوءة إرميا وهو قوله تعالى «أُبَدِّدُهُمْ فِي أُمَمٍ لَمْ يَعْرِفُوهَا هُمْ وَلاَ آبَاؤُهُمْ، وَأُطْلِقُ وَرَاءَهُمُ ٱلسَّيْفَ حَتَّى أُفْنِيَهُمْ» (إرميا ٩: ١٦ قابل بهذا حزقيال ١٢: ١٤).

٣٤ «حِينَئِذٍ تَسْتَوْفِي ٱلأَرْضُ سُبُوتَهَا كُلَّ أَيَّامِ وَحْشَتِهَا وَأَنْتُمْ فِي أَرْضِ أَعْدَائِكُمْ. حِينَئِذٍ تَسْبِتُ ٱلأَرْضُ وَتَسْتَوْفِي سُبُوتَهَا».

٢أيام ٣٦: ٢١

حِينَئِذٍ تَسْتَوْفِي ٱلأَرْضُ سُبُوتَهَا إن الأرض التي تشارك الإسرائيليين في سعادتهم وفي شقائهم (انظر ص ١٨: ٢٥) وتحرَم بمعصيتهم وتعديهم شريعة الله راحاتها مدة عصيانهم لتمتع أخيراً بالراحة الشرعية مدة بقائهم في المنافي بعد طردهم لتعديهم. (والخلاصة إن الأرض تستريح منهم لأنهم بتعديهم شريعة الله كانوا تعباً لها إذ لم يوفوها سبوتها).

٣٥ «كُلَّ أَيَّامِ وَحْشَتِهَا تَسْبِتُ مَا لَمْ تَسْبِتْهُ مِنْ سُبُوتِكُمْ فِي سَكَنِكُمْ عَلَيْهَا».

ص ٢٥: ٢

تَسْبِتُ مَا لَمْ تَسْبِتْهُ اي إن الأرض لا تُحرث ولا تُزرع مدة مصابهم العظيم فتحصل على السبوت التي حرمتها مدة سكناهم فيها لأنهم تعدوا شريعة الله ولم يوفوا أرضهم سبوتها (قابل بهذا إرميا ٣٤: ١٧ و٢أيام ٣٦: ٢١).

٣٦، ٣٧ «٣٦ وَٱلْبَاقُونَ مِنْكُمْ أُلْقِي ٱلْجَبَانَةَ فِي قُلُوبِهِمْ فِي أَرَاضِي أَعْدَائِهِمْ، فَيَهْزِمُهُمْ صَوْتُ وَرَقَةٍ مُنْدَفِعَةٍ، فَيَهْرُبُونَ كَٱلْهَرَبِ مِنَ ٱلسَّيْفِ، وَيَسْقُطُونَ وَلَيْسَ طَارِدٌ. ٣٧ وَيَعْثُرُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ كَمَا مِنْ أَمَامِ ٱلسَّيْفِ وَلَيْسَ طَارِدٌ، وَلاَ يَكُونُ لَكُمْ قِيَامٌ أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ».

حزقيال ٢١: ٧ و١٢ و١٥ ع ١٧ وأيوب ١٥: ٢١ وأمثال ٢٨: ١ قضاة ٧: ٢٢ و١صموئيل ١٤: ١٥ و١٦ وإشعياء ١٠: ٤ يشوع ٧: ١٢ و١٣ وقضاة ٢: ١٤

ٱلْبَاقُونَ مِنْكُمْ أي من يبقى منكم في الحياة.

أُلْقِي ٱلْجَبَانَةَ فِي قُلُوبِهِمْ حتى يخافوا خفض الأصوات فتكون حياتهم من جملة مصائبهم (قابل بهذا تثنية ٢٨: ٦٥ – ٦٧).

٣٨ «فَتَهْلِكُونَ بَيْنَ ٱلشُّعُوبِ وَتَأْكُلُكُمْ أَرْضُ أَعْدَائِكُمْ».

فَتَهْلِكُونَ بَيْنَ ٱلشُّعُوبِ أي تتألمون بينهم تألماً شديداً يُدني من الهلاك (انظر تثنية ٢٢: ٣ و١صموئيل ٩: ٣ و٢٠ وإرميا ١: ٦ وحزقيال ٣٤: ٤ و١٦ ومزمور ١١٩: ١٧٦ الخ). وفسّرنا الهلاك بالتأمل الشديد لأن القرينة تدل على أنهم لا يتلاشون ويؤكد ذلك ما في الآية الأربعين.

وَتَأْكُلُكُمْ أَرْضُ أَعْدَائِكُمْ أي أنهم يختلطون بالأمم فيضيع أصلهم وأنسابهم واستقلالهم فلا يكونون شعباً ممتازاً وهذا معنى ما جاء في (عدد ١٣: ٣٢ وحزقيال ٣٦: ١٣).

٣٩ «وَٱلْبَاقُونَ مِنْكُمْ يَفْنَوْنَ بِذُنُوبِهِمْ فِي أَرَاضِي أَعْدَائِكُمْ. وَأَيْضاً بِذُنُوبِ آبَائِهِمْ مَعَهُمْ يَفْنَوْنَ».

تثنية ٤: ٢٧ و٢٨: ٦٥ ونحميا ١: ٨ وإرميا ٣: ٢٥ و٢٩: ١٢ و١٣ وحزقيال ٤: ١٧ و٦: ٩ و٢٠: ٤٣ و٢٤: ٢٣ و٣٣: ١٠ و٣٦: ٣١ وهوشع ٥: ١٥ وزكريا ١٠: ٩

وَٱلْبَاقُونَ مِنْكُمْ يَفْنَوْنَ بِذُنُوبِهِمْ أي يذوبون حزناً وأسفاً على ارتكابهم الذنوب التي جلبت عليهم ذلك البلاء العظيم.

وَأَيْضاً بِذُنُوبِ آبَائِهِمْ مَعَهُمْ يَفْنَوْنَ أي بخطايا أسلافهم التي هم اقتدوا بها بارتكابهم إياها. وعلى هذا جاء في الترجمة الكلدانية «بخطايا آبائهم الفظيعة التي هم أيضاً قبضوا عليها بأيديهم يفنون» أو المعنى «إنهم يفنون بذنوب آبائهم التي معهم» أي التي يجب أن يحملوها ويكفروا عنها (خروج ٢٠: ٥).

٤٠ «لٰكِنْ إِنْ أَقَرُّوا بِذُنُوبِهِمْ وَذُنُوبِ آبَائِهِمْ فِي خِيَانَتِهِمِ ٱلَّتِي خَانُونِي بِهَا، وَسُلُوكِهِمْ مَعِيَ ٱلَّذِي سَلَكُوا بِٱلْخِلاَفِ».

عدد ٥: ٧ و١ملوك ٨: ٣٣ و٣٥ و٤٧ ونحميا ٩: ٢ وأمثال ٢٨: ١٣ ودانيال ٩: ٣ و٤ ولوقا ١٥: ١٨ و١يوحنا ١: ٩

لٰكِنْ إِنْ أَقَرُّوا بِذُنُوبِهِمْ الأصل العبراني يدل على أن الأحسن أن تُترجم الآية هكذا «ويعترفون بذنوبهم الخ» والمعنى أنه متى بلغت مصائبهم أعلاها يتحققون فظاعة ذنوبهم ويعترفون بها وبذنوب آبائهم التي هلكوا بها فلم يستطيعوا أن يعترفوا بها. أي يعترفون بأنهم خطأة أولاد خطأة. اجتمعت صور كل ما ذُكر من أمور الإسرائيليين في ذهن الشارع كأنها حاضرة وأظهرها لعيون الإسرائيليين كأنها صور في مرآة.

خِيَانَتِهِمِ ٱلَّتِي خَانُونِي بِهَا الخيانة ضد الأمانة والمقصود بها هنا الإخلاف بالوعد وخيانة الله عقابها شديد (دانيال ٩: ٧).

٤١ «وَإِنِّي أَيْضاً سَلَكْتُ مَعَهُمْ بِٱلْخِلاَفِ وَأَتَيْتُ بِهِمْ إِلَى أَرْضِ أَعْدَائِهِمْ. إِلاَّ أَنْ تَخْضَعَ حِينَئِذٍ قُلُوبُهُمُ ٱلْغُلْفُ وَيَسْتَوْفُوا حِينَئِذٍ عَنْ ذُنُوبِهِمْ».

١ملوك ٢١: ٢٩ و٢أيام ١٢: ٦ و٧ و١٢ و٣٢: ٢٦ و٣٣: ١٢ و١٣ إرميا ٦: ١٠ و٩: ٢٥ و٢٦ وحزقيال ٤٤: ٧ وأعمال ٧: ٥١ ورومية ٢: ٢٩ وكولوسي ٢: ١١

سَلَكْتُ مَعَهُمْ بِٱلْخِلاَفِ أي أنهم يعترفون بخطاياهم وهي مجموعة في سلوكهم معي بالخلاف وإني سلكت معهم جزاء على ذلك بالخلاف (والجزاء من جنس العمل) فنفيتهم من أرضهم إلى أرض أعدائهم.

إِلاَّ أَنْ تَخْضَعَ حِينَئِذٍ قُلُوبُهُمُ ٱلْغُلْفُ أي لا أنفك أسلك معهم بالخلاف ما لم تخضع قلوبهم الغلف ولا أذكر ميثاقي لآبائهم ما داموا غير خاضعين وغير معترفين بخطاياهم وخطايا أسلافهم بالتواضع والخضوع. وقلوبهم الغلف أي غير المختونة تعني أنها عنيدة صلبة نجسة متكبرة لا تعترف بالخضوع (انظر ص ١٩: ٢٣ مع إرميا ٩: ٢٦).

وجاء مثل هذا المجاز في أعمال الرسل وهو قول استفانوس لليهود «يَا قُسَاةَ ٱلرِّقَابِ، وَغَيْرَ ٱلْمَخْتُونِينَ بِٱلْقُلُوبِ وَٱلآذَانِ، أَنْتُمْ دَائِماً تُقَاوِمُونَ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ» (أعمال ٧: ٥١).

وَيَسْتَوْفُوا حِينَئِذٍ عَنْ ذُنُوبِهِمْ أي بعد أن يعترفوا بذنوبهم متواضعين ويسلموا بأنهم عوقبوا بالعدل وإن عقابهم على قدر ذنوبهم الكيل بالكيل أو الصاع بالصاع وإنهم جلبوا ذلك باختيارهم أي أنهم لم يجبروا على المعصية وإنهم استوفوا ما يستحقون. وخلاصة كل ذلك أن يقولوا قول ميخا «أَحْتَمِلُ غَضَبَ ٱلرَّبِّ لأَنِّي أَخْطَأْتُ إِلَيْهِ» (ميخا ٧: ٩).

٤٢ «أَذْكُرُ مِيثَاقِي مَعَ يَعْقُوبَ وَأَذْكُرُ أَيْضاً مِيثَاقِي مَعَ إِسْحَاقَ وَمِيثَاقِي مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَأَذْكُرُ ٱلأَرْضَ».

خروج ٢: ٢٤ و٦: ٥ ومزمور ١٠٦: ٤٥ وحزقيال ١٦: ٦٠ مزمور ١٣٦: ٢٣

أَذْكُرُ أي أفي لأن الكامل إذا ذكر وعده وفى به. وقد أُسند هذا إلى الله في مواضع من الكتاب المقدس منها قوله تعالى «تذكرت عهدي» (خروج ٦: ٥) والمعنى وفيت به كما يدل عليه قوله على الأثر «اخرج… وأنقذ» (خروج ٦: ٦). وقول المرنم «َذَكَرَ لَهُمْ عَهْدَهُ» أي وفى بوعده بدليل قوله على الأثر «أَعْطَاهُمْ نِعْمَةً قُدَّامَ كُلِّ ٱلَّذِينَ سَبَوْهُمْ» (مزمور ١٠٦: ٤٥ و٤٦).

مِيثَاقِي مَعَ يَعْقُوبَ وَأَذْكُرُ أَيْضاً مِيثَاقِي مَعَ إِسْحَاقَ وَمِيثَاقِي مَعَ إِبْرَاهِيمَ أي متى تاب الإسرائيليون وفى الله لهم بوعده لآبائهم بأنه يكثرهم ويورثهم الأرض إلى الأبد (خروج ٣٢: ١٣). رأى علماء الدين اليهودي ورؤساؤه مدة الهيكل الثاني من ذكر الميثاق ثلاث مرات قبل كل من الآباء الثلاثة إن المواثيق الثلاثة مختلفة فميثاق كل من أولئك الآباء يمتاز عن غيره. ولهذا جاء في الترجمة الكلدانية «وأذكر برحمتي الميثاق الذي قطعته ليعقوب في بيت إيل (تكوين ٣٥: ٩ – ١٥) والميثاق الذي قطعته لإسحاق في جبل موريا (تكوين ٢٢) والميثاق الذي قطعته لإبراهيم بين القطع» (أي قطع الذبيحة (تكوين ١٥: ١٨ – ٢١).

وطلب القدماء من المفسرين الالتفات إلى هذا الواقع وهو أنه كلما ذُكر هؤلاء الآباء الثلاثة ذُكروا على ترتيب الزمان إلا هنا. أي من عادة الكتاب أن يقول إبراهيم وإسحاق ويعقوب لكن هنا ذكرهم بالعكس فقال يعقوب وإسحاق وإبراهيم (انظر تكوين ١: ٢٤ وخروج ٢: ٢٤ و٦: ٨ و٣٢: ١٣ وتثنية ٢٩: ١٣ و٣٤: ٤ و٢ملوك ١٣: ٢٣ ومزمور ١٠٥: ٩ – ١٠ و١أيام ١٦: ١٦ و١٧).

٤٣ «وَٱلأَرْضُ تُتْرَكُ مِنْهُمْ وَتَسْتَوْفِي سُبُوتَهَا فِي وَحْشَتِهَا مِنْهُمْ، وَهُمْ يَسْتَوْفُونَ عَنْ ذُنُوبِهِمْ لأَنَّهُمْ قَدْ أَبَوْا أَحْكَامِي وَكَرِهَتْ أَنْفُسُهُمْ فَرَائِضِي».

ع ٣٤ و٣٥ ع ١٥

ٱلأَرْضُ تُتْرَكُ مِنْهُمْ أي يتركونها فتخلو منهم وتستوفي سبوتها التي منعوها منها بتعديهم الشريعة أي إن الله يذكر عهده لإبراهيم وإسحاق ويعقوب بعد أن يقضي عليهم بما أنذرهم على معاصيهم وكُرر هذا الإنذار للتوكيد والتقرير.

٤٤ «وَلٰكِنْ مَعَ ذٰلِكَ أَيْضاً مَتَى كَانُوا فِي أَرْضِ أَعْدَائِهِمْ مَا أَبَيْتُهُمْ وَلاَ كَرِهْتُهُمْ حَتَّى أُبِيدَهُمْ وَأَنْكُثَ مِيثَاقِي مَعَهُمْ، لأَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُهُمْ».

تثنية ٤: ٣١ و٢ملوك ١٣: ٢٣ ورومية ١١: ٢

وَلٰكِنْ مَعَ ذٰلِكَ أي وإن تركتهم زماناً طويلاً في منافيهم بين الأعداء لا أطرحهم. أي إن تشتيت اليهود بين الأمم في الذل والعناء ليس بدليل على أن الله رفضهم إلى الأبد فهو لا يزال إلههم وحافظهم ولا بد من أن يرضى عنهم ولن يزال كذلك.

٤٥ «بَلْ أَذْكُرُ لَهُمْ ٱلْمِيثَاقَ مَعَ ٱلأَوَّلِينَ ٱلَّذِينَ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ أَمَامَ أَعْيُنِ ٱلشُّعُوبِ لأَكُونَ لَهُمْ إِلٰهاً. أَنَا ٱلرَّبُّ».

رومية ١١: ٢٨ ص ٢٢: ٣٣ و٢٥: ٣٨ مزمور ٩٨: ٢ وحزقيال ٢٠: ٩ و١٤ و٢٢

بَلْ أَذْكُرُ لَهُمْ ٱلْمِيثَاقَ مَعَ ٱلأَوَّلِينَ أي أفي بالعهود التي عهدتها لآبائهم.

٤٦ «هٰذِهِ هِيَ ٱلْفَرَائِضُ وَٱلأَحْكَامُ وَٱلشَّرَائِعُ ٱلَّتِي وَضَعَهَا ٱلرَّبُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي جَبَلِ سِينَاءَ بِيَدِ مُوسَى».

ص ٢٥: ١ و٢٧: ٣٤ وتثنية ٦: ١ و١٢: ١ و٣٣: ٤ ويوحنا ١: ١٧

هٰذِهِ هِيَ ٱلْفَرَائِضُ وَٱلأَحْكَامُ أي الفرائض والاحكام المذكورة في (ص ٢٥: ١ – ص ٢٦: ١ – ٤٥).

فِي جَبَلِ سِينَاءَ أي في أرض سيناء الجبلية فهذا الختام الذي يتضمن معنى البداءة في (ص ٢٥: ١) يدل على أن الكلام من هناك إلى هنا فصل واحد قائم بذاته.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى