سفر اللاويين | 21 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر اللاويين
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرُونَ
١ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: قُلْ لِلْكَهَنَةِ بَنِي هَارُونَ: لاَ يَتَنَجَّسْ أَحَدٌ مِنْكُمْ لِمَيِّتٍ فِي قَوْمِهِ».
حزقيال ٤٤: ٢٥
قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى ذُكرت الشرائع المتعلقة بطهارة الشعب اليهودي في (ص ١١: ١ – ص ٢٠: ٢٧) وذُكرت هنا الشرائع المتعلقة بقداسة الكهنة الذين يخدمون في الأقداس من أجل الشعب فكان عليهم أن يكونوا مقدسين ليقوموا بالرسوم المقدسة ويحرّضوا الشعب على القداسة وسمو الآداب.
قُلْ لِلْكَهَنَةِ بَنِي هَارُونَ أمر موسى أن يوصي بهذه الفروض الكهنة أبناء هارون. وقوله هنا «الكهنة بني هارون» عبارة خاصة لم تأت إلا في هذا الموضع وجاء في غيره «بنو هارون الكهنة» (انظر ص ١: ٥ و٨ و١١ و٣: ٢ وعدد ١٠: ٨ وتفسير ص ١: ٥). فالمقصود منها هنا أن الكهنة استحقوا أن يكونوا كهنة لأنهم بنو هارون لا لاستحقاق في أنفسهم وهذا الحكم ثابت لنسلهم كما ثبت لهم. قال رؤساء الدين اليهودي في عصر الهيكل الثاني كان على الكهنة أن يهذبوا بنيهم ويعلموهم ويدربونهم ويحملوهم على حب الفضيلة وحسن السلوك إعداداً لهم ليكونوا أهلاً لخدمة الأقداس بميراث رتبة الكهنوت عنهم. ورأوا من وضع الكهنة أولاً أن تلك الرتبة عظيمة الأهمية لا يرقى إليها إلا من هم أهل لها وللقيام بواجبات الكهنوت المقدس في كل العلاقات (انظر ع ١٥).
لاَ يَتَنَجَّسْ أَحَدٌ مِنْكُمْ لِمَيِّتٍ أي يجب على الكهنة أن لا يمسوا جثة ميت لأن مسها ينجس بل قال علماء الناموس أنه يجب على الكاهن ليعتزل التنجس أن لا يقتصر على اعتزاله جثة الميت بل عليه أن لا يقترب منها حتى يكون بينه وبينها أقل من أربع أذرع وأن لا يدخل مخدع الميت ولا يدخل مدفنه ولا يسير بنعشه إلى القبر ولا ينوح عليه وإلا يتنجس وصار غير أهل للكهنوت وخدمة القدس من أجل الشعب. واستنتجوا ذلك من (عدد ١٩: ١١ – ١٦). وكان كهنة المصريين يعتزلون المدافن والقبور والدنو من غير الأطهار رجالاً ونساءً. وكان الرومانيون يلصقون غصناً من السرو بباب البيت الذي فيه الميت لئلا يدخله الكاهن الرئيس على غير انتباه فيتنجس.
فِي قَوْمِهِ أي أسباط إسرائيل أو شعب اليهود (انظر تثنية ٣٢: ٨ و٣٣: ٣ الخ) وعلى هذا قال علماء الناموس إذا كانت جثة الميت بين الناس المعتنين بدفنها وجب على الكهنة أن لا يخالطوهم ولكن إذا رأى الكاهن بل رئيس الكهنة نفسه جثة ميت في الطريق وليس من يدعوه لدفنها وجب عليه أن يدفنها. وهذا على أن اليهود كانوا يرون ترك الجثة اليهودية بلا دفن شراً من تنجس الكاهن بها. ولا ريب في أن ذلك من شرائع الطبيعة الإنسانية.
٢ «إِلاَّ لأَقْرِبَائِهِ ٱلأَقْرَبِ إِلَيْهِ: أُمِّهِ وَأَبِيهِ وَٱبْنِهِ وَٱبْنَتِهِ وَأَخِيهِ».
إِلاَّ لأَقْرِبَائِهِ ٱلأَقْرَبِ إِلَيْهِ استُثني سبعة أموات من القانون الشامل ما عدا ميت الطريق ولا دافن له والسبعة هم الآتون. قال علماء الناموس في عصر الهيكل الثاني إن أقرب الأقارب إلى الإنسان زوجته لأنها لحم من لحمه وعظم من عظامه. (قابل بذلك ما في تكوين ٢: ٢٤). وعلى هذا جاء في الترجمة الكلداينة ليوناثان «إلا الزوجة التي هي أقرب إلى لحمه».
أُمِّهِ وَأَبِيهِ هذه مرة ثانية من مرار ذكر الأم قبل الأب في الكتاب المقدس وهي ثلاث (انظر ص ١٩: ٣ والتفسير). قال علماء الناموس قُدمت الأم على الأب هنا لأن أهلية الابن للكهنوت متوقف على الأم أكثر مما على الأب (انظر ع ٧). ويتبين هذا من اهتمامهم بكمال زوجة الكاهن في كل شيء لأنه إذا كانت ذات نقائص أدبية وخلقية لم يبعد أن تورث ابنها شيئاً من ذلك فلا يكون أهلاً للكهنوت. ولذلك نهي عن أن يتزوج ابنة غريب أو سبية محررة. وأُمر أن يطلق الكهنة نساءهم إذا حوصرت المدينة وأُخذت احتراساً من أن تكون قد غُصبت في أثناء ذلك.
٣ «وَأُخْتِهِ ٱلْعَذْرَاءِ ٱلْقَرِيبَةِ إِلَيْهِ ٱلَّتِي لَمْ تَصِرْ لِرَجُلٍ. لأَجْلِهَا يَتَنَجَّسُ».
أُخْتِهِ ٱلْعَذْرَاءِ ٱلْقَرِيبَةِ إِلَيْهِ أي أخته غير المتزوجة التي لا تزال معه كما يدل عليه ما بعد هذه العبارة.
ٱلَّتِي لَمْ تَصِرْ لِرَجُلٍ فإذا صارت لرجل كانت بضعة من جسد رجلها ولم تبق قريبة إلى الكاهن وحينئذ كان على زوجها أن يقوم بأمور دفنها.
لأَجْلِهَا يَتَنَجَّسُ قال علماء الناموس في مدة الهيكل الثاني كانت عناية الكاهن بدفن الأموات السبعة من الواجبات لا من الجائزات فقط.
٤ «كَزَوْجٍ لاَ يَتَنَجَّسْ بِأَهْلِهِ لِتَدْنِيسِهِ».
حزقيال ٢٤: ١٦ و١٧
كَزَوْجٍ لاَ يَتَنَجَّسْ بِأَهْلِهِ أي لا يتنجس بمشاركته في دفن زوجته ليكون مدنساً غير أهل للكهنوت.
٥ «لاَ يَجْعَلُوا قَرْعَةً فِي رُؤُوسِهِمْ، وَلاَ يَحْلِقُوا عَوَارِضَ لِحَاهُمْ، وَلاَ يَجْرَحُوا جِرَاحَةً فِي أَجْسَادِهِمْ.
ص ١٩: ٢٧ و٢٨ وتثنية ١٤: ١٠ وحزقيال ٤٤: ٢٠
لاَ يَجْعَلُوا قَرْعَةً فِي رُؤُوسِهِمْ حُظر على الكهنة أن يشوهوا صورهم للحزن على الأقرباء السبعة المذكورين في (ع ٢ – ٤) كما كان يفعل قدماء الأمم في الحزن على موتاهم. وقد قيل في كهنة الوثنيين «إنهم يجلسون في هياكلها بأقمصة ممزقة وهم محلوقو الرؤوس واللحى» (باروك ٦: ٣١). وما نُهي عنه الكهنة هنا نُهي عنه كل شعب إسرائيل (انظر ص ١٩: ٢٧ و٢٨ وتثنية ١٤: ١) على أن الإسرائيليين أتوا مثل ذلك (انظر إرميا ١٦: ٦ وحزقيال ٧: ١٨ وعاموس ٨: ١٠).
٦ «مُقَدَّسِينَ يَكُونُونَ لإِلٰهِهِمْ وَلاَ يُدَنِّسُونَ ٱسْمَ إِلٰهِهِمْ، لأَنَّهُمْ يُقَرِّبُونَ وَقَائِدَ ٱلرَّبِّ طَعَامَ إِلٰهِهِمْ، فَيَكُونُونَ قُدْساً».
ص ١٨: ٢١ و١٩: ١٢ ص ٣: ١١
مُقَدَّسِينَ يَكُونُونَ لإِلٰهِهِمْ هذا علة أن لا يشوه الكهنة صورهم وهيآتهم بظواهر الأحزان ومظاهرها لأنهم مقدسون للرب أي موقوفون له فيكون إتيانهم ذلك في المناحات تدنيساً لهم ولاسم الرب الذي صاروا له.
وَقَائِدَ ٱلرَّبِّ طَعَامَ إِلٰهِهِمْ لما كان المذبح بمنزلة مائدة الرب قيل أن القرابين طعامه على سبيل المجاز (انظر ص ٣: ١١ والتفسير).
٧ «اِمْرَأَةً زَانِيَةً أَوْ مُدَنَّسَةً لاَ يَأْخُذُوا، وَلاَ يَأْخُذُوا ٱمْرَأَةً مُطَلَّقَةً مِنْ زَوْجِهَا. لأَنَّهُ مُقَدَّسٌ لإِلٰهِهِ».
حزقيال ٤٤: ٢٢ تثنية ٢٤: ١ و٢
اِمْرَأَةً زَانِيَةً أَوْ مُدَنَّسَةً لاَ يَأْخُذُوا الخ لما فرغ من نهي الكنيسة عن تدنسهم بالأموات أخذ ينهاهم عن التدنس بالأحياء ليحيط كلامه بكل أنواع القداسة ودفع ما يفسدها فكان يجب على الكاهن أن لا يقترن إلا بامراة يهودية كاملة الصفات الجسدية والعقلية غير مطلقة.
٨ «فَتَحْسِبُهُ مُقَدَّساً لأَنَّهُ يُقَرِّبُ خُبْزَ إِلٰهِكَ. مُقَدَّساً يَكُونُ عِنْدَكَ لأَنِّي قُدُّوسٌ أَنَا ٱلرَّبُّ مُقَدِّسُكُمْ».
ص ٢٠: ٧ و٨
فَتَحْسِبُهُ مُقَدَّساً الخطاب هنا لشعب إسرائيل وفيه تنبيه للإسرائيليين على أنه يجب عليهم أن لا يسمحوا للكاهن بزواج غير لائق وأن لا يقدسوا إلا من حفظ الناموس من كهنتهم وأطاع الفرائض فأقام الله شعب اليهود نظاراً على الكهنة لأن رتبة الكهنوت مقدسة ولأن خدمة الكهنة كانت لأجل الشعب. فإن رفض الكاهن السير على السنن المشروع كان للشعب أن يؤدبه ويجلده على ما أفاد علماء الدين اليهودي في مدة الهيكل الثاني.
مُقَدَّساً يَكُونُ عِنْدَكَ إذا عمل بمقتضى رتبته المقدسة ولهذا أوجب علماء الناموس في مدة الهيكل الثاني أن يكون الكاهن متقدماً فكان متى اجتمع الشعب بفتح الاجتماع بطلب بركة الله وكان متى شرع الناس في قراءة شريعة في المجامع يُدعى الكاهن ليقرأ الجزء الأول ومتى جلسوا على المائدة كان هو الذي يبارك الله على الطعام. ولا يزال اليهود يكرمون كهنتهم إلى هذا اليوم.
٩ «وَإِذَا تَدَنَّسَتِ ٱبْنَةُ كَاهِنٍ بِٱلزِّنَى فَقَدْ دَنَّسَتْ أَبَاهَا. بِٱلنَّارِ تُحْرَقُ».
تكوين ٣٨: ٢٤
إِذَا تَدَنَّسَتِ ٱبْنَةُ كَاهِنٍ بِٱلزِّنَى شريعة الجزاء على ذلك بمقتضى ما عُرف من علماء الناموس في مدة الهيكل الثاني ما كانت تجري إلا على البنت المخطوبة والبنت المتزوجة ولهذا جاء في الترجمة الكلدانية القديمة «وإذا تدنست ابنة كاهن مخطوبة».
بِٱلنَّارِ تُحْرَقُ مع أن ابنة العامي التي تزني كانت تُقتل خنقاً (انظر ص ٢٠: ١٠ والتفسير) لأنه كان تدنس ابنة الكاهن أشد ضرراً على الأمة فوُضع عليها عقاب أشد من عقاب تلك. ولم يُذكر هنا عقاب مدنسها وكان عقابه القتل خنقاً.
١٠ «وَٱلْكَاهِنُ ٱلأَعْظَمُ بَيْنَ إِخْوَتِهِ ٱلَّذِي صُبَّ عَلَى رَأْسِهِ دُهْنُ ٱلْمَسْحَةِ، وَمُلِئَتْ يَدُهُ لِيَلْبِسَ ٱلثِّيَابَ، لاَ يَكْشِفُ رَأْسَهُ، وَلاَ يَشُقُّ ثِيَابَهُ».
خروج ٢٩: ٢٩ و٣٠ وص ٨: ١٢ و١٦: ٣٢ وعدد ٣٥: ٢٥ خروج ٢٨: ٢ وص ١٦: ٣٢ ص ١٠: ٦
وَٱلْكَاهِنُ ٱلأَعْظَمُ بَيْنَ إِخْوَتِهِ أي بين سائر الكهنة الذين هم بمنزلة إخوته وهو الممتاز عنهم بسمو الرتبة.
صُبَّ عَلَى رَأْسِهِ دُهْنُ ٱلْمَسْحَةِ كان صب هذا الدهن على رأس الكاهن علامة أنه هو الحبر الأعظم فكان يُصب على رأسه عند تعيينه (انظر ص ٨: ١٢).
لِيَلْبِسَ ٱلثِّيَابَ كان إلباس الكاهن الثياب على ما أبان موسى قسماً من أعمال تعيين الكاهن وتقديسه (انظر ص ٨: ٧ – ١١).
لاَ يَكْشِفُ رَأْسَهُ دلالة على النوح والحداد (انظر ص ١٠: ٦ والتفسير).
وَلاَ يَشُقُّ ثِيَابَهُ «في وقت الضيق» كما في الترجمة الكلدانية القديمة ليوناثان لأن الكاهن لما كان في مثل تلك المنزلة الرفيعة وكان وسيطاً بين الله والناس كان إظهار مثل ذلك الحزن وإعلانه على ذلك الأسلوب مما يقود الشعب الذي يكهن لهم في القدس إلى أن يعتقدوا أنه يعارض القضاء الإلهي.
١١ «وَلاَ يَأْتِي إِلَى نَفْسٍ مَيِّتَةٍ، وَلاَ يَتَنَجَّسُ لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ».
ع ١ و٢ وعدد ١٩: ١٤
وَلاَ يَأْتِي إِلَى نَفْسٍ مَيِّتَةٍ لم يكن على الكاهن أن يعتزل آيات الحداد فقط بل كان عليه فوق ذلك أن لا يدخل خيمة ولا بيتاً فيه ميت (عدد ١٩: ١٤) لئلا يتنجس. قال علماء الناموس في مدة الهيكل الثاني أنه يُحظر على الكاهن أن يدخل مكاناً فيه شيء من دم الميت وإلا يتنجس. والظاهر أن المقصود بالنفس في عبارة المتن هو الدم لأن فيه النفس أو الحياة (انظر ص ١٧: ١٠ – ١٤).
وَلاَ يَتَنَجَّسُ لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ لا تناقض بين هذا وما سبق في (ع ٢ – ٤) لأن الكاهن أو الكهنة هنالك غير الحبر الأعظم وهنا هو الحبر الأعظم فإن الكهنة غيره لم يسمح لهم أن يشتغلوا بدفن سبعة من أقربائهم (انظر ع ٢ – ٤ والتفسير) بل كان ذلك مما يجب عليهم أيضاً. أما الحبر الأعظم فكان يُحظر عليه أن يدنو من جثة أبيه وأمه الميتين لكن كان عليه مع ذلك أن يدفن جثة ميت يراها في مكان منفرد وليس هنالك من يدفنها سواه (انظر تفسير ع ١).
١٢ «وَلاَ يَخْرُجُ مِنَ ٱلْمَقْدِسِ لِئَلاَّ يُدَنِّسَ مَقْدِسَ إِلٰهِهِ، لأَنَّ إِكْلِيلَ دُهْنِ مَسْحَةِ إِلٰهِهِ عَلَيْهِ. أَنَا ٱلرَّبُّ».
ص ١٠: ٧ خروج ٢٩: ٣٦ وص ٨: ٩ و١٢ و٣٠
وَلاَ يَخْرُجُ مِنَ ٱلْمَقْدِسِ إذا نُعي إليه أحد والديه وهو يخدم في المقدس حُظر عليه أن يترك الخدمة ويخرج من هناك لئلا يظهر بذلك أنه يهتم بالميت أكثر مما يهتم بخدمة الله الحي. والفرق في هذا بين الكاهن الأعظم وغيره من الكهنة أنه إذا نُعي إلى أحد الكهنة غير الكاهن الأعظم أحد أقاربه السبعة (ع ٢ و٣) وهو يخدم في المقدس وجب عليه أن يكف عن الخدمة ولكن لم يكن له أن يتعدى حدود المقدس وإنه إذا نُعي ذلك إلى الكاهن الأعظم حُظر عليه أن يترك الخدمة لحداده والثاني لا يتركها لأنه ليس له أن يأتي الحداد.
١٣ «هٰذَا يَأْخُذُ ٱمْرَأَةً عَذْرَاءَ».
ع ٧ وحزقيال ٤٤: ٢٢
يَأْخُذُ ٱمْرَأَةً عَذْرَاءَ استنتج علماء الناموس في مدة الهيكل الثاني من هذه الآية ما يأتي:
- إن الكاهن الأعظم يجب أن يكون بعل امرأة واحدة وأما غيره من الكهنة فيجوز أن يكون بعل عدة نساء.
- أن تكون من يريد الكاهن الأعظم الاقتران بها عذراء في سن أقل من الثلاثين.
- أن لا تكون من يريد ذلك الكاهن تزوجها مخطوبة لغيره.
- أن تكون ابنة والدين يهوديين كما يتبين من الآية التالية. وأما غير الكاهن الأعظم من الكهنة فكان يجوز له أن يتزوج ابنة دخيلين. وأول هذه الشروط شرطه بولس الرسول على الأساقفة المسيحيين (١تيموثاوس ٣: ٢ وتيطس ١: ١٦). والرابع أوضح في الترجمة السبعينية فإن نهاية الآية فيها «من قومه».
١٤ «أَمَّا ٱلأَرْمَلَةُ وَٱلْمُطَلَّقَةُ وَٱلْمُدَنَّسَةُ وَٱلزَّانِيَةُ فَمِنْ هٰؤُلاَءِ لاَ يَأْخُذُ، بَلْ يَتَّخِذُ عَذْرَاءَ مِنْ قَوْمِهِ ٱمْرَأَةً».
ٱلأَرْمَلَةُ أي التي مات زوجها وزاد علماء الناموس على ذلك والتي مات خطيبها قبل الزواج. وإن كان الكاهن الأعظم قد خطب أرملة قبل أن يرقّى إلى رتبته العظمى فله أن يتزوجها بعد ترقيته. وكان هذا الكاهن مستثنى من المأمورين بتزوج نساء إخوتهم إن ماتوا بلا نسل (انظر تفسير ص ١٨: ١٦).
وَٱلْمُطَلَّقَةُ هذه ومن بعدها محظور أن يتزوجها أحد من سائر الكهنة أيضاً (انظر ع ٧ والتفسير).
١٥ «وَلاَ يُدَنِّسُ زَرْعَهُ بَيْنَ شَعْبِهِ لأَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ مُقَدِّسُهُ».
ع ٨
وَلاَ يُدَنِّسُ زَرْعَهُ أي لا يخالط بالزواج إحدى النساء المذكورات المنهي عن زواجهن لئلا يتدنس نسله المولود منها لأن ٰأولاد هؤلاء النساء مثلهن في الحرمان من الامتيازات الكهنوتية ومن المشاركة في ذبائح الكهنة.
١٦ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى».
قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى نُهي الكهنة في ما مرّ من هذا الأصحاح عن تشويه صورتهم وملبوساتهم في الحزن على الميت وعن تدنيس أنفسهم ونسلهم بالزواج المحظور أي الاقتران بزانية أو مطلقة ونُهي الحبر الأعظم فوق ذلك عن أن يقترن بأجنبية أو ابنة دخيلين وكل ذلك من العيوب الاختيارية. وأما هنا فتكلم الشارع على العيوب الاضطرارية أي التي ليست باختيار الإنسان كالعمى والعرج وما أشبههما.
١٧ «قُلْ لِهَارُونَ: إِذَا كَانَ رَجُلٌ مِنْ نَسْلِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ فِيهِ عَيْبٌ فَلاَ يَتَقَدَّمْ لِيُقَرِّبَ خُبْزَ إِلٰهِهِ».
ص ٣: ١١ و١٠: ٣ وعدد ١٦: ٥ ومزمور ٦٥: ٤
رَجُلٌ مِنْ نَسْلِكَ من أولاد أولادك وأولاد أولاد الأولاد من دمك في العصر الحاضر والعصور المستقبلة.
فِيهِ عَيْبٌ خلقي أو عرضي مما لا اختيار له فيه يمنع من أن يكون كاهناً.
خُبْزَ إِلٰهِهِ أي القرابين التي تقدم لله (انظر ع ٦ وص ٣: ٢).
١٨ «لأَنَّ كُلَّ رَجُلٍ فِيهِ عَيْبٌ لاَ يَتَقَدَّمْ. لاَ رَجُلٌ أَعْمَى وَلاَ أَعْرَجُ وَلاَ أَفْطَسُ وَلاَ زَوَائِدِيٌّ».
ص ٢٢: ٢٣
كُلَّ رَجُلٍ بلا استثناء.
فِيهِ عَيْبٌ كالعيب المذكور في تفسير (ع ١٧) ومما بسطه في هذه الآية وما بعدها من العيوب الجسدية المانعة من الاختيار للكهنوت وخدمة المذبح. وهذه الآية كمعنى الآية التي قبلها كُررت للتقرير والتمكين. وكان مثل هذه الشريعة عند قدماء الرومان واليونان فإنهم أوجبوا أن يكون الكاهن كامل الخلق صحيح كل أجزاء الجسد. وعند الهنود أن مما أوجبته الشريعة أن يكون البراهمة ممن وُلدوا بلا نقص جسدي ومن لم يعرض لهم عيبٌ قبل سن السادسة عشرة.
أَعْمَى فاقد قوة البصر ولكن الذي عُلم مما ذهب إليه علماء الناموس في مدة الهيكل الثاني أنه يُمنع من الكهنوت الأعمى والأعور ومريض العين مطلقاً سواء كان المرض في جوهر العين أو ملحقاتها كالأجفان. وذكروا لذلك ستة وعشرين عيباً تسعة عشر في العين وسبعة في الجفن.
أَعْرَجُ فهم بذلك علماء الناموس في مدة الهيكل الثاني كل نقص في مشي الكاهن وذكروا لذلك اثنتين وعشرين حالاً.
أَفْطَسُ أي ذو فطس وهو من انخفضت قصبة أنفه وانتشر أو انفرش أنفه في وجهه. وفهم منه علماء اليهود كل عيب في الأنف وعدوا عيوب الأنف فكانت تسعة.
زَوَائِدِيٌّ أي أحد أعضائه شاذ عن النسبة بالنظر إلى الزيادة في الحجم أو الطول أو العرض ككون إحدى الكتفين أكبر من الأخرى أو أعلى منها وكون إحدى الساقين أطول من الأخرى وهلم جراً (وانظر ألا يندرج في ذلك الأعنش أي من له في إحدى يديه أو رجليه أصبع زائدة أو غير ذلك من زوائد التشوه الخلقي).
١٩ «وَلاَ رَجُلٌ فِيهِ كَسْرُ رِجْلٍ أَوْ كَسْرُ يَدٍ».
كَسْرُ رِجْلٍ أَوْ كَسْرُ يَدٍ لأن هذا قلما شُفي وبقي على وضعه أو عاد إلى تمام ما كان عليه في ذلك الزمان لعدم إحكامهم التجبير والأعمال الجراحية.
٢٠ «وَلاَ أَحْدَبُ وَلاَ أَكْشَمُ وَلاَ مَنْ فِي عَيْنِهِ بَيَاضٌ وَلاَ أَجْرَبُ وَلاَ أَكْلَفُ وَلاَ مَرْضُوضُ ٱلْخُصَى».
تثنية ٢٣: ١
أَحْدَبُ تُرجمت في الكلدانية القديمة «رجل يغطي حاجباه عينيه» بناء على ما فهمه علماء الناموس. وهو في العبرانية «גבן» أي جبن ومعناها أحدب وحاجب فتكون الترجمة العربية أصح من الكلدانية وإن فهم منها المعنى الثاني علماء الناموس في مدة الهيكل الثاني ويؤيد قولنا إن ما فهمه هنا داخل في عيوب العين المفهومة عندهم من لفظة أعمى (انظر ع ١٨ وتفسيره).
أَكْشَمُ الأكشم الناقص الخَلق.
فِي عَيْنِهِ بَيَاضٌ على السواد والظاهر إن هذا غير داخل في العمى وإلا ففهمهم من العمى كل عيوب العين في غير محله.
أَجْرَبُ… أَكْلَفُ الأجرب المصاب بالجرب وهو مرض معروف. والأكلف المصاب بالكلف وهو ما يعلو الوجه ويتفرق عليه من أمثال الحبوب الصغيرة السوداء الضاربة إلى الحمرة ويعرف بالنمَش.
مَرْضُوضُ ٱلْخُصَى فهموا من ذلك كل من ألمّ بخصيته مرض أو نقص.
٢١ «كُلُّ رَجُلٍ فِيهِ عَيْبٌ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ ٱلْكَاهِنِ لاَ يَتَقَدَّمْ لِيُقَرِّبَ وَقَائِدَ ٱلرَّبِّ. فِيهِ عَيْبٌ لاَ يَتَقَدَّمْ لِيُقَرِّبَ خُبْزَ إِلٰهِهِ».
ع ٦
كُلُّ رَجُلٍ فِيهِ عَيْبٌ كرر هذا للتأكيد والتقرير ولبيان الشمول وإن ما ذُكر من العيوب في الآيات السابقة أمثلة للعيب لا كل العيوب فيُشترط أن يكون الكاهن خالياً من كل عيب مما ذُكر أو مما لم يُذكر وبقي بيان هذه العيوب للعارفين بالنقائص الخلقية من علماء الناموس. ولهذا ذكر العلماء في مدة الهيكل الثاني اثنين وأربعين عيباً تمنع من الكهنوت وخدمة المذبح. وكان في دار الهيكل مخدع يجتمع فيه أعضاء السنهدريم لمشاهدة المُعدين للكهنوت والنظر في أنهم هل خالون من العيوب الخلقية أو لا. وبعد الفراغ من هذا الفحص ينقسم الكهنة إلى قسمين فالذين يكون فيهم عيب خلقي يلبسون ثياباً سوداء ويلتفون بأكسية سوداء ويذهبون سكوتاً. والذين يتبين أنهم بلا عيب يلبسون ثياباً بيضاء وأكسية بيضاء ويتحدون بإخوتهم للخدمة المقدسة ويشاركونهم في الكهنوت المقدس ويشهرون ذلك اليوم بوليمة لأصحابهم يفتتحونها بقولهم «مبارك الرب. مبارك هو لأنه لم يوجد عيب في نسل هارون الكاهن. مبارك هو لأنه اختار هارون وبنيه ليقفوا ويخدموا أمام الرب في المقدس الأقدس». والذين وُجد فيهم عيب يشتغلون بالحطب في مكان على الجهة الشرقية الشمالية من دار النساء وينتقون هنالك الحطب المناسب للمذبح ويعزلون القطع التي أكل السوس منها لأنه كان محظوراً أن توقد على المذبح.
٢٢ «خُبْزَ إِلٰهِهِ مِنْ قُدْسِ ٱلأَقْدَاسِ وَمِنَ ٱلْقُدْسِ يَأْكُلُ».
ص ٢: ٣ و١٠ و٦: ١٧ و٢٩ و٧: ١ و٢٤: ٩ وعدد ١٨: ٩ ص ٢٢: ١٠ و١١ و١٢ وعدد ١٨: ١٩
خُبْزَ إِلٰهِهِ كان للكاهن الذي لا يناسب الخدمة على المذبح فيوكل إليه عمل الأشياء دونها أن يشارك في الأشياء التي هي أقل قداسة من غيرها ككتف ذبيحة السلامة والعشور وأبكار الأثمار وأن يأكل بقايا القرابين الطعامية وذبائح الخطية وذبائح الإثم التي هي من أقدس الذبائح (انظر ص ٢: ٣).
٢٣ «لٰكِنْ إِلَى ٱلْحِجَابِ لاَ يَأْتِي، وَإِلَى ٱلْمَذْبَحِ لاَ يَقْتَرِبُ، لأَنَّ فِيهِ عَيْباً، لِئَلاَّ يُدَنِّسَ مَقْدِسِي، لأَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ مُقَدِّسُهُمْ».
ع ١٢
لٰكِنْ إِلَى ٱلْحِجَابِ لاَ يَأْتِي أي المكان المقدس الذي أمام الحجاب.
٢٤ «فَكَلَّمَ مُوسَى هَارُونَ وَبَنِيهِؤ وَكُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ».
كُلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لم يترك الله إقامة الكهنة والقوانين المتعلقة بأعمال الكهنوت وبيان من هو أهل له لهارون وبنيه بل كان للشعب يد في ذلك وكان الشيوخ أو أعضاء السنهدريم نواباً عنهم في كل ذلك.
السابق |
التالي |