سفر اللاويين | 15 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر اللاويين
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ عَشَرَ
١ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى وَهَارُونَ».
وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى وَهَارُونَ موضوع هذا الأصحاح النجاسة الناشئة عن السيل من مرضين وثلاثة مفرزات طبيعية.
٢ «قُولاَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: كُلُّ رَجُلٍ يَكُونُ لَهُ سَيْلٌ مِنْ لَحْمِهِ، فَسَيْلُهُ نَجِسٌ».
ص ٢٢: ٤ وعدد ٥: ٢ و٢صموئيل ٣: ٢٩ ومتّى ٩: ٢٠ ومرقس ٥: ٢٥ ولوقا ٨: ٤٣
سَيْلٌ مِنْ لَحْمِهِ هو سيل من الأعضاء السرية عبر عنه بما ذُكر على سبيل النزاهة (انظر تكوين ٦: ٣ و٤ و١١ و٧: ١٣ و١٦: ٤ وحزقيال ١٦: ٢٦ و٢٣: ٢٠ الخ).
فَسَيْلُهُ نَجِسٌ أي فذلك السيل علة نجاسته أو منجس له ولذلك كان كل من مسه أو مس ثوبه الذي عليه أثر السيل يتنجس.
٣ «وَهٰذِهِ تَكُونُ نَجَاسَتُهُ بِسَيْلِهِ: إِنْ كَانَ لَحْمُهُ يَبْصُقُ سَيْلَهُ، أَوْ يَحْتَبِسُ لَحْمُهُ عَنْ سَيْلِهِ، فَذٰلِكَ نَجَاسَتُهُ».
إِنْ كَانَ لَحْمُهُ يَبْصُقُ في هذا بعض التفصيل لما في (ع ٢).
٤ «كُلُّ فِرَاشٍ يَضْطَجِعُ عَلَيْهِ ٱلَّذِي لَهُ ٱلسَّيْلُ يَكُونُ نَجِساً، وَكُلُّ مَتَاعٍ يَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِساً».
كُلُّ فِرَاشٍ يَضْطَجِعُ عَلَيْهِ الخ كانت الشريعة اللاوية في ذلك شديدة فكانت تنجس الفراش الذي يضطجع عليه المصاب وكل ما يجلس عليه من بساط وسرج وحجر وغيرها وكل ما يقف عليه أو يستند إليه أو يتعلق به فذو السييل ينجس بكل من تلك الأعمال الخمسة.
٥، ٦ «٥ وَمَنْ مَسَّ فِرَاشَهُ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ. ٦ وَمَنْ جَلَسَ عَلَى ٱلْمَتَاعِ ٱلَّذِي يَجْلِسُ عَلَيْهِ ذُو ٱلسَّيْلِ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ».
ص ١١: ٢٥ و ١٧: ١٥
مَنْ مَسَّ فِرَاشَهُ كان تنجيس المصاب قوياً فكان كل ما مسّه من فراش ومجلس وسرج بأحد الأعمال الخمسة المذكورة في تفسير العبارة التي قبل هذه العبارة ينجسه نجاسة شديدة حتى إن كل من مسها سواه يتنجس أيضاً بكل طريق من الطرق السبعة الآتية وهي الوقوف والجلوس والاضطجاع والتعلّق والاتكاء واللمس والحمل فيعتزل الناس والقدس إلى المساء أي غروب الشمس وكان يجب عليه أن يغتسل ويغسل ثيابه أيضاً وكان اغتساله أن يغمس كل جسده في الماء.
٧ «وَمَنْ مَسَّ لَحْمَ ذِي ٱلسَّيْلِ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ».
مَنْ مَسَّ لَحْمَ (أي العضو الذي يستحي منه). كان ذلك الشخص يُعد شديد النجاسة حتى إذا مس عضوه الطبيب لتشخيص دائه يتنجس ويحرم من الامتيازات المقدسة حتى يغسل ثيابه ويستحم بأن يغمس كل جسده في الماء.
٨ «وَإِنْ بَصَقَ ذُو ٱلسَّيْلِ عَلَى طَاهِرٍ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ».
إِنْ بَصَقَ ذُو ٱلسَّيْلِ عَلَى طَاهِرٍ أي إن بصق في وجهه. كان هذا البصق عند الشرقيين ولا يزال آية الغيظ في الباصق والتعيير للمبصوق في وجهه (عدد ١٢: ١٤ وتثنية ٢٥: ٩ وإشعياء ٥٠: ٦ وأيوب ٣٠: ١٠ ومتّى ٢٦: ٦٧). وكان هذا البصق يتوقع من المصاب لسوء أخلاقه الناشئ عن تألمه من المرض فكان عرضة لأن يهيج ويغضب كثيراً فكان من بصق هو في وجهه يتنجس ويجب أن يغسل ثيابه ويستحم ويبقى نجساً إلى مغيب الشمس كمن يلبس ثوبه والطبيب الذي يلمس عضوه للتشخيص.
٩ «وَكُلُّ مَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ ذُو ٱلسَّيْلِ يَكُونُ نَجِساً».
كُلُّ مَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ من مركبة وسرج وجلّ وما أشبه ذلك. وتُرجمت الكلمة العبرانية المترجمة بما «يركب عليه» في هذه الآية بالمركبة في (١ملوك ٤: ٢٦) وفي غير ذلك من المواضع. (والكلمة العبرانية «مركب» ومعناه مركبة أو ما يجلس عليه من المركبة. والقرينة تدل على أن المقصود كل ما يُركب عليه).
يَكُونُ نَجِساً لم يُعيّن مدة نجاسة المركب هنا كما عُيّنت في غيره. ومعنى نجاسته أن يعتزل استعماله كل إنسان. وجاء في الترجمة السبعينية «يكون نجساً إلى المساء» كما في سائر الآيات التي في هذا الباب فالعبارة أصلية يُظن أنها سقطت من الآية العبرانية.
١٠ «وَكُلُّ مَنْ مَسَّ كُلَّ مَا كَانَ تَحْتَهُ يَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ، وَمَنْ حَمَلَهُنَّ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ».
مَنْ مَسَّ كُلَّ مَا كَانَ تَحْتَهُ من المجلس الذي جلس فيه في المركبة أو عليها.
وَمَنْ حَمَلَهُنَّ أي من حمل شيئاً مما يجلس عليه المصاب من موضع إلى آخر (انظر ص ١١: ٢٧ و٤٠).
١١ «وَكُلُّ مَنْ مَسَّهُ ذُو ٱلسَّيْلِ وَلَمْ يَغْسِلْ يَدَيْهِ بِمَاءٍ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ».
وَلَمْ يَغْسِلْ يَدَيْهِ إذا اتفق أن المصاب مسّ أحداً بيديه ولم يكن قد غسل يديه بقي الملموس نجساً إلى المساء أي إلى غروب الشمس من اليوم الذي مُس فيه وكان عليه أن يغسل ثيابه وكل جسده قبل أن يرجع إلى امتيازاته من مخالطة الناس ودخول القدس. وهذا أول موضع ذُكر فيه بتعيين أن النجاسة تُنقل بمس اليد وإن غسلها يمنع من التنجيس. وقد أُمر بعض الإسرائيليين في سفر التثنية بغسل الأيدي ولكن لقصد غير القصد هنا (تثنية ٢١: ٦) فإن القصد هنا التبرئة من النجاسة والقصد هنالك التبرئة من الذنب الذي هو القتل أو إقامة الحجة على القتلة.
١٢ «وَإِنَاءُ ٱلْخَزَفِ ٱلَّذِي يَمَسُّهُ ذُو ٱلسَّيْلِ يُكْسَرُ. وَكُلُّ إِنَاءِ خَشَبٍ يُغْسَلُ بِمَاءٍ».
ص ٦: ٢٨ و١١: ٣٢ و٣٣
وَإِنَاءُ ٱلْخَزَفِ… يُكْسَرُ وعلى ذلك أن الآنية الخزفية ذوات مسام كثيرة وساعة تدخلها النجاسة فيتعذر تطهيرها (انظر ص ٦: ٢٨ و١١: ٣٣). وهذا أول ما ذُكر أن الآنية الخزفية تنجس إذا مست من الخارج وهو دليل أيضاً على شدة نجاسة المصاب بذلك السيل على ما كانوا يعتبرون.
كُلُّ إِنَاءِ خَشَبٍ يُغْسَلُ بِمَاءٍ أي فيظهر بذلك. وكان الإناء الخشب ممتازاً عن الفخار لأنه كان أغلى منه والحاجة أشد إليه ولا عوض عنه إلا بمشقة فالشريعة لم تكن خالية من الرحمة ومراعات أحوال الشعب. وأبان علماء الناموس مدة الهيكل الثاني إن العلة كون الآنية الخشبية أبقى من الآنية الخزفية وعلى ذلك حملوا كل الآنية المصنوعة من الأجساد المنطرقة كالنحاس والفضة وغيرهما. وكانوا يقولون إن الإناء إذا غُمس في الماء وثغرته إلى الأسفل أو إذا غُمس في الماء وثغرته إلى الأعلى ولكن فيه شيئاً من السوائل لم يكن تطهيره شرعياً. وكانوا يوجبون هذا التطهير على كل الآنية الجديدة أو المشتراة حديثاً قبل استعمالها خوفاً من أن يكون صانعها نجساً أو سواه ممن مسها قبل شرائها. ولهذا كان اليهود ولا يزالون يغسلون الأقداح والصحون والملاعق وشوكات الطعام والسكاكين والآنية على إثر شرائها. وعلى هذا أشار المسيح بقوله «غَسْلَ ٱلأَبَارِيقِ وَٱلْكُؤُوسِ، وَأُمُوراً أُخَرَ كَثِيرَةً مِثْلَ هٰذِهِ تَفْعَلُونَ» (مرقس ٧: ٨ انظر أيضاً مرقس ٧: ٤).
١٣ «وَإِذَا طَهُرَ ذُو ٱلسَّيْلِ مِنْ سَيْلِهِ يُحْسَبُ لَهُ سَبْعَةُ أَيَّامٍ لِطُهْرِهِ، وَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَرْحَضُ جَسَدَهُ بِمَاءٍ حَيٍّ فَيَطْهُرُ».
ع ٢٨ وص ١٤: ٨
وَإِذَا طَهُرَ… مِنْ سَيْلِهِ أي شفي من دائه لأن التطهير لا يكون إلا بعد الشفاء. وما كان التطهير يتم على أثر الشفاء بل بعده بسبعة أيام ليكون الوقت كافياً لتحقق البرء فإن ظهر شيء من أعراض ذلك الداء في أثناء الأسبوع أو في نهايته أو بعد إتيان رسوم التطهير وجب أن يبقى نجساً سبعة أيام أُخر.
يَرْحَضُ جَسَدَهُ بِمَاءٍ حَيٍّ يُرى هنا أنه كان يظهر غيره من الأشخاص والآنية والأدوات بالماء النقي مطلقاً ولكن تطهيره كان يجب أن يكون بماء حي أي جار من ينبوع (انظر تفسير ص ١٤: ٥ و٥٠) وذُكر الاستحمام بالماء في هذا الأصحاح عشر مرات (ع ٥ و٦ و٧ و٨ و١٠ و١١ و١٨ و٢١ و٢٢ و٢٧). والكلمة العبرانية المترجمة بالجسد هنا «بشر» ولها معنيان ظاهر الجلد كالبشر في العربية واللحم. ويعبر به مجازاً ونزاهة عن العضو المقصود في (ع ٢ وع ٧). والمقصود به في هذه الآية أي الآية الثالثة عشرة الجسد كله.
١٤ «وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّامِنِ يَأْخُذُ لِنَفْسِهِ يَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ وَيَأْتِي إِلَى أَمَامِ ٱلرَّبِّ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ وَيُعْطِيهِمَا لِلْكَاهِنِ».
ص ١٤: ٢٢ و٢٣
وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّامِنِ يَأْخُذُ لِنَفْسِهِ إذا لم يظهر فيه في مساء اليوم السابع أثر للمرض بعد استحمامه يأتي بالذبائح المعيّنة لتطهيره. ومن الغريب أن القرابين التي كان الفقير يأتي بها في غير هذه الحال وهي القرابين الرخيصة كاليمام والحمام فُرضت هنا على الأغنياء والفقراء بلا تمييز وهي يمامتان أو فرخا حمام (انظر ص ٥: ٧ و١٢: ٨ و١٤: ٢٢).
بَابِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ الخ أي مدخل خيمة الاجتماع وهو هنا الباب الشرقي حيث يكون وجه مقدم القربان إلى قدس الأقداس محل مجد الرب ولهذا قال «أمام الرب».
١٥ «فَيَعْمَلُهُمَا ٱلْكَاهِنُ: ٱلْوَاحِدَ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَٱلآخَرَ مُحْرَقَةً. وَيُكَفِّرُ عَنْهُ ٱلْكَاهِنُ أَمَامَ ٱلرَّبِّ مِنْ سَيْلِهِ».
ص ١٤: ٣٠ و٣١ ص ١٤: ١٩ و٣١
وَيُكَفِّرُ عَنْهُ ٱلْكَاهِنُ أي ويكفر عنه الكاهن الخطية التي جلبت عليه ذلك المرض النجس. وكراهة الشعب لهذا المرض تظهر لك من أن المصاب به كان يُنفى من المحلة (عدد ٥: ١ – ٤). وكانوا في مدة الهيكل الثاني يحظروا على المصابين بذلك السيل النجس أكل الفصح وينفونهم من المدينة المقدسة. ولهذا لما غضب داود دعا على الأعداء بقوله «فَلْيَحِلَّ عَلَى رَأْسِ يُوآبَ وَعَلَى كُلِّ بَيْتِ أَبِيهِ، وَلاَ يَنْقَطِعُ مِنْ بَيْتِ يُوآبَ ذُو سَيْلٍ» (٢صموئيل ٣: ٢٩).
١٦ «وَإِذَا حَدَثَ مِنْ رَجُلٍ ٱضْطِجَاعُ زَرْعٍ يَرْحَضُ كُلَّ جَسَدِهِ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاء».
ص ٢٢: ٤ وتثنية ٢٣: ١٠
مِنْ رَجُلٍ ٱضْطِجَاعُ زَرْعٍ يراد بهذا الخروج غير الاختياري (وهو ما يعرف بالعربية بالاحتلام). وسمي في سفر التثنية «بعارض الليل» (تثنية ٢٣: ١٠) وكان على من عرض له ذلك أن يستحم أي أن يغسل كل جسده في الماء بأن يغمسه كله فيه ويبقى نجساً إلى المساء. وكان القدماء من غير اليهود يتطهرون من هذا العارض كله. فكان كهنة المصريون إذا احتلموا يغتسلون بغية التطهر. والمسلمون أتوا ذلك من أول عهدهم (ولا زالوا يأتونه بناء على الشريعة الفرض لا على السنة فقط وهي قول القرآن «لاَ تَقْرَبُوا ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا» (سورة النساء ٤: ٤٣).
١٧ «وَكُلُّ ثَوْبٍ وَكُلُّ جِلْدٍ يَكُونُ عَلَيْهِ ٱضْطِجَاعُ زَرْعٍ يُغْسَلُ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ».
كُلُّ جِلْدٍ أي كل ما يلبسه الإنسان أو يضطجع عليه مما يُصنع من جلد (انظر ص ١٣: ٤٨) وكان يظهر ذلك بالغسل. وإلى هذا أشار يهوذا الرسول بقوله «مُبْغِضِينَ حَتَّى ٱلثَّوْبَ ٱلْمُدَنَّسَ مِنَ ٱلْجَسَدِ» (يهوذا ٢٣).
١٨ «وَٱلْمَرْأَةُ ٱلَّتِي يَضْطَجِعُ مَعَهَا رَجُلٌ ٱضْطِجَاعَ زَرْعٍ يَسْتَحِمَّانِ بِمَاءٍ، وَيَكُونَانِ نَجِسَيْنِ إِلَى ٱلْمَسَاءِ».
١صموئيل ٢١: ٤
وَٱلْمَرْأَةُ ٱلَّتِي يَضْطَجِعُ مَعَهَا إذا حدث ما حدث في (ع ١٦) بين رجل وامرأته أي زوجته الشرعية تنجسا معاً ووجب عليهما الاغتسال والبقاء نجسين إلى المساء والامتناع عن الامتيازات القدسية مدة النهار. ولهذا كان الامتناع عن الأمور الزوجية ضرورياً لإتمام الواجبات المقدسة فما كان للذي يقترب من زوجته أن يقترب إلى الله (خروج ١٩: ١٥) ولا أن يتناول الأطعمة المقدسة (قابل هذا بما في ١صموئيل ٢١: ٥ و٦). وما كانت شريعة التطهير لتمنع من الزواج لأنه ترتيب الله (تكوين ١: ٢٧ و٢٨ و٢: ٢١ – ٢٥). فقصد الله بذلك التطهير صحة الزوجين. ولعل هذا علة مراعاة الاغتسال بعد المخالطة الزوجية عند قدماء الأمم فإن الهنود والبابليين كانوا يغتسلون على أثر تلك المخالطة. وكان كهنة المصريين يعتزلون نساءهم حين عزمهم على الشروع في الأعمال التي كانوا يحسبونها مقدسة وما كانوا يدخلون الهياكل إلا بعد ان يغتسلوا. والمسلمون لا يأتون الصلاة إلا بعد أن يتوضأوا وذلك عندهم من الفرض الواجب.
١٩، ٢٠ «١٩ وَإِذَا كَانَتِ ٱمْرَأَةٌ لَهَا سَيْلٌ، وَكَانَ سَيْلُهَا دَماً فِي لَحْمِهَا، فَسَبْعَةَ أَيَّامٍ تَكُونُ فِي طَمْثِهَا. وَكُلُّ مَنْ مَسَّهَا يَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ. ٢٠ وَكُلُّ مَا تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ فِي طَمْثِهَا يَكُونُ نَجِساً، وَكُلُّ مَا تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِساً».
ص ١٢: ٢
وَإِذَا كَانَتِ ٱمْرَأَةٌ لَهَا سَيْلٌ فُرض على المرأة ما فُرض على الرجل من التنجيس والتطهير على أن سيل كل منهما يختلف عن الآخر.
وَكَانَ سَيْلُهَا دَماً فِي لَحْمِهَا زاد هذا بياناً لذلك السيل.
فَسَبْعَةَ أَيَّامٍ تَكُونُ فِي طَمْثِهَا أي في حيضها أو دنسها بذلك. والغالب إن السيل ينقطع بعد ثلاثة أيام أو أربعة أيام ولكنه جعل المدة سبعة أيام ليشمل النادر من حوادثه كما فعل في ما يتعلق بدم الولادة (انظر ص ١٢: ٢ والتفسير). وفي هذه الشريعة الإلهية رحمة ليست في شرائع الأمم فإن المرأة كانت تقاسي ذلك أحزاناً عظيمة ولا تزال إلى الآن لما في عقول البعض شرقاً وغرباً من الخرافات. فكانوا يعتقدون أن المرأة في الطمث إذا جلست تحت شجرة سقط ثمرها وإذا دنت من آلة قاطعة كلّت ومن إناء خبثت رائحته ومن طعام حمض وفسد. واعتقدوا من أمثال ذلك ما يعسر إحصاؤه. وزاد المجوس من الفرص على ذلك أن تعتزل أهل البيت ولم يكتفوا بذلك بل أوجبوا عليها أيضاً أن لا تتكلم مع أحد وكان على الذي يُرسل إليها الطعام أن يضعه بعيداً عنها. وكان عبدة الكواكب يطهرون بالنار كل موضع تطأه. وكانوا يعتقدون إن من أصابته الريح الهابة من جهة معزلها يتنجس. ولا يزال زنوج ايسنغ والكلموكيون وغيرهم كثيرون يعزلون الحوائض في بيوت معينة مبنية خارج القرى. والسكان في جوار نهر لابلانا ينسجون للحائض مثل القفص لا يتركون فيه منفذا إلا على قدر فمها لاستنشاق الهواء. فوضع الله هذه الشريعة لليهود بأحسن بيان دفعاً لمثل ذلك الجور علاوة على ما قصد به من صحة الزوجين.
وَكُلُّ مَنْ مَسَّهَا يَكُونُ نَجِساً كان مسّ الحائض ينجّس كمسّ سائر النجسين فكان على من مسّها أن يغسل ثيابه وكل جسده ويبقى نجساً إلى المساء.
٢١، ٢٢ «٢١ وَكُلُّ مَنْ مَسَّ فِرَاشَهَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ. ٢٢ وَكُلُّ مَنْ مَسَّ مَتَاعاً تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ».
مَتَاعاً من فراش وأريكة وكل ما تجلس عليه وتلبسه. فكان على من مسّ شيئا من ذلك أن يغسل ثيابه ويستحم ويبقى نجساً إلى المساء.
٢٣ «وَإِنْ كَانَ عَلَى ٱلْفِرَاشِ أَوْ عَلَى ٱلْمَتَاعِ ٱلَّذِي هِيَ جَالِسَةٌ عَلَيْهِ عِنْدَمَا يَمَسُّهُ، يَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ».
وَإِنْ كَانَ عَلَى ٱلْفِرَاشِ شيء من الأشياء ذُكر في الآيتين اللتين قبل هذه الآية إن كل من مسّ فراشها نفسه أو شيئاً من أمتعتها يتنجس وذكر هنا إن كل من مسّ شيئاً مما وُضع على ذلك يتنجس أيضاً. لكن في المسّ الأول كان عليه أن يغسل ثيابه ويستحم ويبقى نجساً إلى المساء. وفي المسّ الثاني لم يكن عليه إلا أن يبقى نجساً كذلك لأن التنجس بهذا أخف من التنجس بذاك لأنه كذلك لم يتنجس بفراشها أو بمتاعها بل بما وُضع عليهما.
٢٤ «وَإِنِ ٱضْطَجَعَ مَعَهَا رَجُلٌ فَكَانَ طَمْثُهَا عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِساً سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وَكُلُّ فِرَاشٍ يَضْطَجِعُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِساً».
ص ٢: ١٨
وَإِنِ ٱضْطَجَعَ مَعَهَا رَجُلٌ ارتكاب هذا الفعل الخشن بجسارة كان من علة موت الفريقين (انظر ص ١٨: ١٩ و٢٠: ١٨).
٢٥ «وَإِذَا كَانَتِ ٱمْرَأَةٌ يَسِيلُ سَيْلُ دَمِهَا أَيَّاماً كَثِيرَةً فِي غَيْرِ وَقْتِ طَمْثِهَا، أَوْ إِذَا سَالَ بَعْدَ طَمْثِهَا، فَتَكُونُ كُلَّ أَيَّامِ سَيَلاَنِ نَجَاسَتِهَا كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِهَا. إِنَّهَا نَجِسَةٌ».
متّى ٩: ٢٠ ومرقس ٥: ٢٥ ولوقا ٨: ٤٣
السيلان في هذه الآية كالسيلان التي كانت مصابة به المرأة التي شفاها المسيح (متّى ٩: ٢٠ ولوقا ٨: ٤٤). وكانت قد تقضّى عليها سنون كثيرة وهي مصابة به فكانت في كل تلك المدة الطويلة نجسة ومنجّسة.
٢٦، ٢٧ «٢٦ كُلُّ فِرَاشٍ تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ كُلَّ أَيَّامِ سَيْلِهَا يَكُونُ لَهَا كَفِرَاشِ طَمْثِهَا. وَكُلُّ ٱلأَمْتِعَةِ ٱلَّتِي تَجْلِسُ عَلَيْهَا تَكُونُ نَجِسَةً كَنَجَاسَةِ طَمْثِهَا. ٢٧ وَكُلُّ مَنْ مَسَّهُنَّ يَكُونُ نَجِساً، فَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ».
كُلُّ فِرَاشٍ تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ الخ فعليها ما كان على ذات الطمث في (ع ١٩ و٢٠).
٢٨ «وَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ سَيْلِهَا تَحْسُبُ لِنَفْسِهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَطْهُرُ».
ع ١٣
وَإِذَا طَهُرَتْ أي إذا شُفيت من مرضها فالطهارة هنا وفي الآية الثالثة عشرة بمعنى الشفاء أو زوال المرض. فكان عليها أن تبقى بعد انقطاع السيل سبعة أيام نجسة لكي تتحقق أنه لم يبق من أثر للداء (انظر ع ١٣ والتفسير).
تَطْهُرُ أي بعد القيام بفروض التطهير على ما سبق ذكره وعلى ما سيأتي في الآية التالية.
٢٩ «وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّامِنِ تَأْخُذُ لِنَفْسِهَا يَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ وَتَأْتِي بِهِمَا إِلَى ٱلْكَاهِنِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ».
تَأْخُذُ لِنَفْسِهَا كان عليها أن تقدم في اليوم الثامن الذبائح التي يقدمها الرجل المصاب بالسيل (ع ١٤) إلا أنه كان على الرجل أن يستحم أو يغسل بدنه كله في ماء حي لأنه هو الذي جلب المرض على نفسه.
٣٠ «فَيَعْمَلُ ٱلْكَاهِنُ ٱلْوَاحِدَ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ وَٱلآخَرَ مُحْرَقَةً، وَيُكَفِّرُ عَنْهَا ٱلْكَاهِنُ أَمَامَ ٱلرَّبِّ مِنْ سَيْلِ نَجَاسَتِهَا».
فَيَعْمَلُ ٱلْكَاهِنُ مثلما عمل في الآية الخامسة عشرة.
٣١ «فَتَعْزِلاَنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ نَجَاسَتِهِمْ لِئَلاَّ يَمُوتُوا فِي نَجَاسَتِهِمْ بِتَنْجِيسِهِمْ مَسْكَنِيَ ٱلَّذِي فِي وَسَطِهِمْ».
ص ١١: ٤٧ وتثنية ٢٤: ٨ وحزقيال ٤٤: ٢٣ عدد ٥: ٣ و١٩: ١٣ و٢٠ وحزقيال ٥: ١١ و ٢٣: ٣٨
فَتَعْزِلاَنِ الخطاب لموسى وهارون (انظر ع ١). والمعنى أنه يجب أن يُحذّروا من الإسرائيليين من تلك الأمور المنجسة ليتعزلوها وينجوا من الموت الذي ينشأ من اقترابهم إلى الله وهم نجسون.
بِتَنْجِيسِهِمْ مَسْكَنِيَ أي المكان الذي أظهر فيه لبني إسرائيل (انظر ص ٨: ١٠).
٣٢، ٣٣ «٣٢ هٰذِهِ شَرِيعَةُ ذِي ٱلسَّيْلِ، وَٱلَّذِي يَحْدُثُ مِنْهُ ٱضْطِجَاعُ زَرْعٍ فَيَتَنَجَّسُ بِهَا، ٣٣ وَٱلْعَلِيلَةِ فِي طَمْثِهَا، وَٱلسَّائِلِ سَيْلُهُ: ٱلذَّكَرِ وَٱلأُنْثَى، وَٱلرَّجُلِ ٱلَّذِي يَضْطَجِعُ مَعَ نَجِسَةٍ».
ع ٢ ع ١٦ ع ١٩ ع ٢٥ ع ٢٤
هٰذِهِ شَرِيعَةُ الخ هاتان الآيتان ملحق للأصحاح وتكرار للتقرير والتأكيد.
السابق |
التالي |