سفر اللاويين

سفر اللاويين | 12 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر اللاويين

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي عَشَرَ

١ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى».

وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى كان خطاب الرب في الحيوانات الطاهرة والنجسة لموسى وهارون معاً وهنا قصر الكلام في شرائع التطهير على موسى الذي أعطى الناموس على يده (انظر ص ١١: ١). وكانت الشريعة السابقة تتعلق بالنجاسة الخارجة من الأكل والمس وهنا تتعلق بالنجاسة الداخلة أي الناشئة من جسد الإنسان نفسه. والمرشدون الروحيون في أيام المسيح أظهروا علة هذا الترتيب بقولهم إن الله جرى في هذا على ترتيب الخلق لأنه خلق البهائم أولاً ثم خلق الإنسان فتكلم في طهارة البهائم أولاً ثم تكلم على طهارة الإنسان.

٢ «قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إِذَا حَبِلَتِ ٱمْرَأَةٌ وَوَلَدَتْ ذَكَراً تَكُونُ نَجِسَةً سَبْعَةَ أَيَّامٍ. كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِ عِلَّتِهَا تَكُونُ نَجِسَةً».

ص ١٥: ١٩ الخ لوقا ٢: ٢٢ ص ١٥: ١٩

إِذَا حَبِلَتِ ٱمْرَأَةٌ يدل هذا الكلام باعتبار علاقته بما بعده إن المرأة تكون نجسة من أول الحمل (ورأى خدم الدين أي معلمو الناموس في أيام الهيكل الثاني إن المرأة لا تتنجس بالحبل ما لم تبتدئ حياة الجنين وكانوا يعتقدون إن الحياة لا تظهر فيه إلا بعد الحبل بأربعين يوماً أو إنها لا تُحسب نجسة إلا بعد أن يكمل تكوين الجنين وكانوا يعتقدون إن ذلك لا يتم إلا بعد تلك المدة على ما نقل بعضهم). وقيل إن علماء الشريعة في أيام الهيكل الثاني حملوا الحبل على الولادة فقالوا المراة تكون نجسة متى ولدت سواء كانت الولادة طبيعية في وقتها أو كانت لعرض أو مرض كالإجهاض. وعند الهنود إن المرأة إذا حبلت تبقى نجسة نحو شهر من بداءة الحبل.

وَوَلَدَتْ ذَكَراً وجاء في بعض النسخ والتراجم إنساناً ذكراً ولا فرق في المعنى.

تَكُونُ نَجِسَةً سَبْعَةَ أَيَّامٍ مع أن سيلان الدم الذي يكون على أثر الولادة يبقى في الغالب ثلاثة أيام أو أربعة أيام. وعلى بقاء النجاسة سبعة أيام ليدخل في الحكم ما شذ من أوقات ذلك السيلان.

كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِ فإن مدة ذلك سبعة أيام أيضاً (انظر ص ١٩: ١٥). وكان العبرانيون يراعون ذلك قبل النظام اللاوي.

٣ «وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّامِنِ يُخْتَنُ لَحْمُ غُرْلَتِهِ».

تكوين ١٧: ١٢ ولوقا ١: ٥٩ و٢: ٢١ ويوحنا ٧: ٢٢ و٢٣

فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّامِنِ هو اليوم بعد الأيام السبعة التي تبقى فيها الوالدة نجسة. وكان المولود يُختن في ذلك اليوم. ورسم الختان ذُكر في (تكوين ١٧: ١٠ و١٣).

٤ «ثُمَّ تُقِيمُ ثَلاَثَةً وَثَلاَثِينَ يَوْماً فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا. كُلَّ شَيْءٍ مُقَدَّسٍ لاَ تَمَسَّ، وَإِلَى ٱلْمَقْدِسِ لاَ تَجِئْ حَتَّى تَكْمُلَ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا».

ثُمَّ تُقِيمُ ثَلاَثَةً وَثَلاَثِينَ يَوْماً فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا أي في الدم الطاهر. إن هذا الدم يظل يخرج بعد الولادة وينقطع بعد أسبوعين أو ثلاثة فالمدة المحكوم به نحو ضعفي وقت الخروج وعلة ذلك قصد أن يشمل الحكم ما شذ عن القاعدة فإنه قد يبقى أكثر من ثلاثة أسابيع. وفي تلك الأيام الثلاثة والثلاثين يحظر على الوالدة أن تمس شيئاً مقدساً كلحم ذبائح الشكر وذبائح السلامة والعشور الأولى وغيرها. ويحرم عليها في تلك المدة أن تدخل القدس. وحين تكون قد اغتسلت في نهاية الأيام السبعة يجوز لها أن تشترك في العشور الثانية لأن الدم المذكور يُعد حينئذ طاهراً.

٥ «وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى تَكُونُ نَجِسَةً أُسْبُوعَيْنِ كَمَا فِي طَمْثِهَا. ثُمَّ تُقِيمُ سِتَّةً وَسِتِّينَ يَوْماً فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا».

إِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى وفي بعض التراجم ولداً أنثى والمعنى واحد (انظر تفسير ع ٢).

كَمَا فِي طَمْثِهَا أي كما في مدة حيضها (انظر ع ٢). أيام التطهير في ولادة الأنثى مضاعف أيام التطهير في ولادة الذكر في المدتين (وعلة هذا الفرق على ما يرجّح اعتقاد الأقدمين أن بنية الوالدة بولادة البنت تتشوش أكثر مما تتشوش بولادة الصبي وذلك يقتضي لرجوعها إلى صحتها مدة أطول مما سبق. وكان مثل هذا بين عدة أمم من أمم المشرق قديماً ولا تزال بين بعضها إلى هذا اليوم. فكان اليونانيون القدماء يرون أن الرجل الذي يدنو من نفساء ينجس المذبح إذا اقترب منه. وكان مما عوّل عليه في مدة الحرب البيلويونيسية تطهير جزيرة ديولس من النساء اللاواتي في النفاس. وتجاوز الهنود الحد في ذلك بأن حسبوا كل أقرباء النفساء نجسين فكان على الرجل أن يتطهر. والمرأة النفساء كانت تبقى نجسة إلى نهاية اليوم العاشر. وفي ذلك اليوم يُسمى الولد وتعد المرأة النفساء عند العرب نجسة إلى نهاية اليوم الأربعين من الولادة.

دَمِ تَطْهِيرِهَا اي دمها الطاهر (انظر تفسير ع ٤). يظهر مما ذُكر أن الشريعة موضوعة هنا على المرأة في الولادة العادية ولم يذكر شيء من ولادة التوأمين. وذيّل علماء الدين اليهودي في أيام الهيكل الثاني شريعة موسى هذه بقولهم «إن ولدت المرأة توأمين فإن كان أحدهما صبياً والآخر بنتاً كانت أيام نجاستها مثل أيامها في ولادة البنت. وإن كان أحدهما ذكراً والآخر خنثى كانت أيام نجاستها بقدر أيامها في ولادة الصبي وولادة البنت. وإن كان أحدهما أنثى والآخر خنثى كانت أيام نجاستها كأيامها في ولادة البنت». (ولم نقف لهم على قول في ما إذا كان التوأمان ابنين والظاهر أنه كالقول في ولادة الابن الواحد).

٦ «وَمَتَى كَمَلَتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا لأَجْلِ ٱبْنٍ أَوِ ٱبْنَةٍ تَأْتِي بِخَرُوفٍ حَوْلِيٍّ مُحْرَقَةً، وَفَرْخِ حَمَامَةٍ أَوْ يَمَامَةٍ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ إِلَى ٱلْكَاهِنِ».

لوقا ٢: ٢٢

مَتَى كَمَلَتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا (أي أيام النجاسة التي في نهايتها تمام تطهيرها). أبان في الآيات السابقة أحوال النجاسة الناشئة عن الولادة. وأخذ هنا يبين قوانين التقدمة لتطهير المرأة بعد النفاس. وكانت تقدمة والدة الابن تقدم في نهاية اليوم الأربعين من الولادة وتقدمة والدة الابنة في نهاية اليوم الثمانين كذلك أي في اليوم الحادي والأربعين من ولادة الذكر وفي اليوم الحادي والثمانين من ميلاد الأنثى.

لأَجْلِ ٱبْنٍ أَوِ ٱبْنَةٍ أي للتطهير من النجاسة الناشئة عن ميلاد ابن أو ابنة لا لتطهير أحد المولودين لأنهما غير نجسين.

تَأْتِي بِخَرُوفٍ حَوْلِيٍّ أي ابن حول أو سنة وهو الخروف الذي مرّ عليه منذ ولادته سنة أو بعض السنة. وكان يقدّم محرقة دلالة على الشكر لله على رحمته للمرأة الوالدة في ساعة الحزن والخطر. أو كان يقدم على ما رأى بعض القدماء اعترافاً بجزع الأم وأفكارها المعيبة مدة حملها وحين الولادة (قابل بهذا ما في تكوين ٢٥: ٢٢). وكانت ذبيحة الخطية كفارة لما ارتكبته من الخطايا القولية من ألم الطلق. وكانت ذبيحة الخطية تسبق ذبيحة المحرقة وإن ذُكرا هنا معاً (انظر ص ٥: ٧ و١٤: ٣١ و١٥: ١٥ و٣٠ و١٦: ٣ و٥ الخ). وقدمت ذبيحة المحرقة هنا بالذكر لأنها كانت أثمن التقدمتين. وكان ثلاثة نجسين غير المتنجسة بالولادة (ع ٦ و٨) يقدمون تقدمة الخطية الأبرص (ص ١٤: ١٩ و٣١). وذو السيل (ص ١٥: ١٥). وذات السيل (ص ١٥: ٣٠).

بَابِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ أي مدخل خيمة الاجتماع (انظر تفيسر ص ١٣). كانت هذه الذبائح في أيام الهيكل الثاني يؤتى بها إلى باب الهيكل الشرقي المعروف يومئذ بباب نيكانور.

٧ «فَيُقَدِّمُهُمَا أَمَامَ ٱلرَّبِّ وَيُكَفِّرُ عَنْهَا، فَتَطْهُرُ مِنْ يَنْبُوعِ دَمِهَا. هٰذِهِ شَرِيعَةُ ٱلَّتِي تَلِدُ ذَكَراً أَوْ أُنْثَى».

ص ٢٠: ١٨ ومرقس ٥: ٢٩

فَيُقَدِّمُهُمَا أي الكاهن وكان في أيام الهيكل الثاني لا يزاد على ذلك وإن كانت المرأة قد ولدت توأمين.

٨ «وَإِنْ لَمْ تَنَلْ يَدُهَا كِفَايَةً لِشَاةٍ تَأْخُذُ يَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ، ٱلْوَاحِدَ مُحْرَقَةً وَٱلآخَرَ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، فَيُكَفِّرُ عَنْهَا ٱلْكَاهِنُ فَتَطْهُرُ».

ص ٥: ٧ ولوقا ٢: ٢٤ ص ٤: ٢٦

وَإِنْ لَمْ تَنَلْ يَدُهَا الخ اي إن لم تستطع إن الله لرحمته خفف التقدمة على المسكين الذي لا يستطيع أن يقدم خروفاً فسمح له بأن يقدم يمامتين (واليمام هو الحمام البري) أو فرخي حمام أي أن يقدم من جنس واحد إما من اليمام وإما من الحمام لا يمامة وحمامة. وكان اليمام والحمام كثيرين في فلسطين (انظر ص ١: ١٤). وعلى هذا قدمت المسكينة أم ربنا يسوع المسيح يمامتين أو فرخي حمام لتطهيرها في الهيكل ومعها الطفل يسوع (لوقا ٢: ٢٤) فرشّها الكاهن بالدم وأعلن أنها طاهرة.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى