سفر اللاويين | 06 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر اللاويين
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ
١ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى».
وَقَالَ ٱلرَّبُّ هذا افتتاح كلام جديد كما جاء في (ص ٥: ١٤). والآيات من الأولى إلى السابعة جزء من الأصحاح الخامس في العبرانية على ما قال جماعة من أكبر المفسرين وإن الترجمة العربية جرت على سنن اليونانية في جعلها من الأصحاح السادس. وهذا القول خطأ لأن العبرانية الأصلية لا قسمة فيها إلى الأصحاحات ولا إلى الآيات إنما فصلت في الكتابة إلى عدة فصول في السبعينية فكان سفر اللاويين ٩٨ قسماً مع أن في العربية ٢٧ أصحاحاً. ولم تقسم التوراة العبرانية إلى أصحاحات إلا في القرن الرابع عشر للميلاد واتفق على قسمتها اليهود والنصارى ثم قُسمت الأصحاحات إلى آيات.
٢ «إِذَا أَخْطَأَ أَحَدٌ وَخَانَ خِيَانَةً بِٱلرَّبِّ وَجَحَدَ صَاحِبَهُ وَدِيعَةً أَوْ أَمَانَةً أَوْ مَسْلُوباً، أَوِ ٱغْتَصَبَ مِنْ صَاحِبِهِ».
عدد ٥: ٦ ص ١٩: ١١ وأعمال ٥: ٤ وكولوسي ٣: ٩ خروج ٢٢: ٧ و١٠ أمثال ٢٤: ٢٨ و٢٦: ١٩
خَانَ خِيَانَةً بِٱلرَّبِّ فسر هذه الخيانة بالرب بجحد الإنسان صاحبه الوديعة والأمانة واغتصابه شيئاً فجعل المسيء إلى أخيه مسيئاً إلى نفسه تعالى لأنه هو رب شعبه ومنشئه وحاكمه.
وَدِيعَةً أَوْ أَمَانَةً (الوديعة في اللغة المال يترك عند الأمين) وفي الشرع «ترك الأعيان مع من هو أهل للتصرف في الحفظ مع بقائها على ملك المالك». والأمانة لغة ضد الخيانة وشرعاً ما يقرب من الوديعة والفرق بينهما أن الوديعة هي الاستحفاظ قصداً والأمانة هي الشيء الذي وقع في يد الأمين من غير قصد. وفي التعريفات «الوديعة هي أمانة تُركت للحفظ». ولا يزال الأمران جاريين في بلاد الشرق. فإذا لم يجد الإنسان من يعتقد أنه أمين وأراد السفر دفن ماله في الأرض. فكان كثيراً ما يموت المسافر أو يعود وينسى الأرض التي دفن فيها المال فيبقى المال مدفوناً لمن يعثر عليه اتفاقاً ويبقى مخفياً إلى ما شاء الله. وعلى كل يسمى ذخيرة وكنزاً وخبيئة. وسُمي في الكتاب المقدس «ذَخَائِرَ ٱلظُّلْمَةِ وَكُنُوزَ ٱلْمَخَابِئِ» (إشعياء ٤٥: ٣). والكنوز (أمثال ٢: ٤ وأيوب ٣: ٢١). وإذا وجد إنسان أميناً أودعه ماله دفعاً لذلك الخطر. ومن هذا أخذ الرسول قوله «أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ» (٢تيموثاوس ١: ١٢).
مَسْلُوباً هو ما سلبه وأنكره عليه.
أَوِ ٱغْتَصَبَ أي أخذ منه شيئاً من ماله إجباراً وأنكره.
٣ «أَوْ وَجَدَ لُقَطَةً وَجَحَدَهَا، وَحَلَفَ كَاذِباً عَلَى شَيْءٍ مِنْ كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ ٱلإِنْسَانُ مُخْطِئاً بِهِ».
تثنية ٢٢: ١ و٢ و٣ خروج ٢٢: ١١ وص ١٩: ١٢ وإرميا ٧: ٩ وزكريا ٥: ٤
لُقَطَةً ( «اللقطة الشيء الذي تجده ملقىً فتأخذه» وفي التعريفات «اللقطة هو مال يوجد على الأرض ولا يعرف له مالك» فتكون خيانة الرب على ما تقدم بإنكار خمسة أمور الوديعة والأمانة والمسلوب والمغتصَب واللقطة).
حَلَفَ كَاذِباً في إنكار كل من الأمور الخمسة التي في تفسير أول هذه الآية.
٤ «فَإِذَا أَخْطَأَ وَأَذْنَبَ، يَرُدُّ ٱلْمَسْلُوبَ ٱلَّذِي سَلَبَهُ، أَوِ ٱلْمُغْتَصَبَ ٱلَّذِي ٱغْتَصَبَهُ، أَوِ ٱلْوَدِيعَةَ ٱلَّتِي أُودِعَتْ عِنْدَهُ، أَوِ ٱللُّقَطَةَ ٱلَّتِي وَجَدَهَا».
أَخْطَأَ وَأَذْنَبَ أي خطيء وشعر بجرم خطيئته واعترف به أو أثم واعترف بأنه قد أتم (انظر ص ٤: ٢٢) المعنى أنه إذا أقر بذنبه بعد ارتكابه والقسم على أنه لم يرتكبه اختياراً قبل أن يعرف بالبحث والامتحان كان عليه ما يأتي.
يَرُدُّ كلاً من الأمور الخمسة المذكور في (ع ٣) واقتصر على أربعة منها هنا اجتزاء عن الأمانة بالوديعة إطلاقاً لها على أمرين توسعاً واعتماداً على القرينة.
٥ «أَوْ كُلَّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ كَاذِباً. يُعَوِّضُهُ بِرَأْسِهِ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ خُمْسَهُ. إِلَى ٱلَّذِي هُوَ لَهُ يَدْفَعُهُ يَوْمَ ذَبِيحَةِ إِثْمِهِ».
ص ٥: ١٦ وعدد ٥: ٧ و٢صموئيل ١٢: ٦ ولوقا ١٩: ٨
يَزِيدُ عَلَيْهِ خُمْسَهُ أي ما يعدل خُمس قيمته. كان على المذنب أن يرد ما أنكره برأسه إن كان باقياً أو قيمته إن كان قد فقده أو تصرف به. وكان عليه بعد ذلك أن يؤديه ما يعدل قيمة خُمسه تعويضاً له عن خسارة الانتفاع به في المدة التي مضت على فقدانه. والذي في سفر الخروج إن على المذنب مثل هذا الذنب التعويض بأربعة أضعاف أو خمسة أو اثنين وهنا بالمثل وزيادة الخُمس. وعلة الفرق بين الشريعتين إن المذنب في الخروج لم يعترف بذنبه طوعاً بل أُثبت عليه في مجلس القضاء بشهادة الشهود وإن المذنب هنا من اعترف بذنبه اختياراً (انظر خروج ٢٢: ١ – ٩ وقابل بهذا عدد ٥: ٧).
يَوْمَ ذَبِيحَةِ إِثْمِهِ أي متى اعترف بإثمه وجب أن يأتي بذبيحة الإثم والعوض سريعاً.
٦، ٧ «٦ وَيَأْتِي إِلَى ٱلرَّبِّ بِذَبِيحَةٍ لإِثْمِهِ، كَبْشاً صَحِيحاً مِنَ ٱلْغَنَمِ بِتَقْوِيمِكَ، ذَبِيحَةَ إِثْمٍ إِلَى ٱلْكَاهِنِ. ٧ فَيُكَفِّرُ عَنْهُ ٱلْكَاهِنُ أَمَامَ ٱلرَّبِّ، فَيُصْفَحُ عَنْهُ فِي ٱلشَّيْءِ مِنْ كُلِّ مَا فَعَلَهُ مُذْنِباً بِهِ».
ص ٥: ١٥ ص ٤: ٢٦
بِتَقْوِيمِكَ أي بالقيمة الشرعية التي أُوجبت من شواقل القدس (انظر ع ١٥) وهو أن يكون ثمن الكبش يساوي شاقلين على الأقل (انظر تفسير ص ٥: ١٥).
٨ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى».
قَالَ (انظر ص ٤: ١ و٥: ١٤ و٦: ١) فهذا مقدمة وصية جديدة تتعلق بالمحرقة بالنظر إلى عمل الكاهن.
٩ «أَوْصِ هَارُونَ وَبَنِيهِ قَائِلاً: هٰذِهِ شَرِيعَةُ ٱلْمُحْرَقَةِ: هِيَ ٱلْمُحْرَقَةُ تَكُونُ عَلَى ٱلْمَوْقِدَةِ فَوْقَ ٱلْمَذْبَحِ كُلَّ ٱللَّيْلِ حَتَّى ٱلصَّبَاحِ، وَنَارُ ٱلْمَذْبَحِ تَتَّقِدُ عَلَيْهِ».
هٰذِهِ شَرِيعَةُ ٱلْمُحْرَقَةِ التي يجب أن يجري الكاهن على سننها.
هِيَ ٱلْمُحْرَقَةُ تَكُونُ الخ هذا تعليل لقوله «هذه شريعة المحرقة» على ما جاء في بعض الترجمات وتفسير لها على ما في ترجمتنا العربية. وكانت تحرق على المذبح من المساء إلى الصباح (قابل بهذا خروج ٢٩: ٣٨ – ٤٢ وعدد ٢٨: ١ – ٨).
تَتَّقِدُ عَلَيْهِ أي تحترق احتراقاً متصلاً بإيقاد النار. وكانوا في أيام المذبح الثاني يبتدأون يحرقون الشحم كذلك من نصف الليل إلى طلوع الفجر.
١٠ «ثُمَّ يَلْبِسُ ٱلْكَاهِنُ ثَوْبَهُ مِنْ كَتَّانٍ، وَيَلْبِسُ سَرَاوِيلَ مِنْ كَتَّانٍ عَلَى جَسَدِهِ، وَيَرْفَعُ ٱلرَّمَادَ ٱلَّذِي صَيَّرَتِ ٱلنَّارُ ٱلْمُحْرَقَةَ إِيَّاهُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ، وَيَضَعُهُ بِجَانِبِ ٱلْمَذْبَحِ».
خروج ٢٨: ٣٩ إلى ٤٣ وص ١٦: ٤ وحزقيال ٤٤: ١٧ و١٨ ص ١: ١٦
يَلْبِسُ ٱلْكَاهِنُ ثَوْبَهُ مِنْ كَتَّانٍ كانت ثياب الكاهن أربعة:
- قميص من الكتان ذو كمّين يصل إلى القدمين فيستر كل الجسد.
- سراويل من كتان كان في أيام الهيكل الثاني من الحقوين إلى الركبتين.
- منطقة من الكتان النقي كان عرضها على ما عُرف من تاريخ اليهود ثلاث أصابع وطولها ٣٢ ذراعاً عبرانياً وكانت منقوشة كحجاب الدار.
- القلنسوة أو العمامة وكانت من الكتان النقي أيضاً ممكنة على الرأس بخيوط وقاية لها من السقوط (خروج ٢٨: ٨ و٤٠ و٢٩: ٥ – ١٠ ولاويين ٨ – ١٣). والمرجّح أنه أراد هنا أن يلبس الكاهن كل ذلك وإن لم يذكر سوى القميص والسراويل وعدل عن ذكر الباقي إما للاختصار وإما لكون ما ذُكر يستلزمها بمألوف العادة.
يَرْفَعُ ٱلرَّمَادَ أي بقية المحرقة التي صيّرتها النار رماداً.
يَضَعُهُ بِجَانِبِ ٱلْمَذْبَحِ كان الكاهن في أيام الهيكل الثاني يُعيَّن بالقرعة لعزل الرماد ولكنه كان يأخذ كل صباح على الأقل ملء قحف أو رفش من الرماد ويطرحه خارج المحلة ومتى كثر الرماد كانوا يرفعونه كله ويطرحونه هناك.
١١ «ثُمَّ يَخْلَعُ ثِيَابَهُ وَيَلْبِسُ ثِيَاباً أُخْرَى، وَيُخْرِجُ ٱلرَّمَادَ إِلَى خَارِجِ ٱلْمَحَلَّةِ إِلَى مَكَانٍ طَاهِرٍ».
حزقيال ٤٤: ١٩ ص ٤: ١٢
يَخْلَعُ ثِيَابَهُ أي يبدل الكاهن الثياب المقدسة التي خدم وهو فيها عند المذبح لأن غيرها من الثياب وإن كانت أقل قداسة منها لم تكن عامة فإن نزع الرماد لا ينفك من الأعمال الكهنوتية. وكانت الثياب المقدسة تودع في خزانة القدس إلى حين الحاجة أي حين الخدمة على المذبح (حزقيال ٤٤: ١٩ وعزرا ٢: ٦ و٩ ونحميا ٧: ٧٠). وكان المكان الذي يطرح فيه الرماد مسوراً حسناً لئلا تذريه الريح. وكان محظوراً على الكاهن أن يذريه وواجباً عليه أن يجمع بعضه فوق بعض بالرفق والتأني. وما كان لأجنبي أن يجمعه أو ينتفع به.
١٢ «وَٱلنَّارُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ تَتَّقِدُ عَلَيْهِ. لاَ تُطْفَأُ. وَيُشْعِلُ عَلَيْهَا ٱلْكَاهِنُ حَطَباً كُلَّ صَبَاحٍ، وَيُرَتِّبُ عَلَيْهَا ٱلْمُحْرَقَةَ، وَيُوقِدُ عَلَيْهَا شَحْمَ ذَبَائِحِ ٱلسَّلاَمَةِ».
ص ٣: ٣ و٩ و١٤
وَٱلنَّارُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ تَتَّقِدُ عَلَيْهِ هذا مثل ما في الآية التاسعة كرر لتنبيه الكاهن الذي كان عليه أن ينقل الرماد. فكان عليه وهو يعزل الرماد عن المذبح أن يحترس من صدم الشحم لئلا يطفئ النار لأن الشحم كان وقودها فتبقى النار موقدة الليل كله.
يُشْعِلُ عَلَيْهَا ٱلْكَاهِنُ حَطَباً كُلَّ صَبَاحٍ فتظل النار موقدة فلا تنطفئ أبداً وكانت نفقة الحطب من الجماعة وكان يُدخر في جهات القدس (ص ١: ٧).
١٣ «نَارٌ دَائِمَةٌ تَتَّقِدُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ. لاَ تُطْفَأُ».
نَارٌ دَائِمَةٌ أصل هذه النار من السماء (ص ٩: ٢٤). وكان على الإسرائيليين أن يحفظوها أبداً بوقود تتكفل به الجماعة وبإحراق التقدمات اليومية في أيام الهيكل الثاني. وكانت هذه النار الدائمة في ثلاثة أقسام من الوقود أي ثلاث كداسات من الحطب على مذبح واحد يحرق على كبراها التقدمات اليومية. والثانية وتسمى كُداسة البخور كانت لإحراق البخور صباحاً ومساء. والثالثة كداسة النار الدائمة التي منها توقد الكداستان السابقتان. ولم تُطفأ هذه النار حتى هدم نبوخذ نصر الهيكل. قيل إن بعض الكهنة الأتقياء خبأوا تلك النار في جب حين أُجلي الإسرائيليون إلى بلاد فارس فبقيت إلى أيام نحميا فردها إلى المذبح ففي سفر المكابيين الثاني «حين أُجلي أباؤنا إلى فارس أخذ بعض أتقياء الكهنة من نار المذبح سراً وخبأوها في جوف بئر لا ماء فيها وحافظوا عليها بحيث يبقى الموضع مجهولاً عند الجميع. وبعد انقضاء سنين كثيرة حين شاء الله أرسل ملك فارس نحميا إلى هنا فبعث أعقاب الكهنة الذين خبأوا النار لالتماسها إلا أنهم كما حدثونا لم يجدوا ناراً بل ماء خائراً فأمورهم أن يغرقوا ويأتوا به. ولما أُحضرت الذبائح أمر نحميا الكهنة أن ينضحوا بهذا الماء الخشب والموضوع عليه فصنعوا كذلك ولما برزت الشمس وقد كانت محجوبة بالغيم اتقدت نار عظيمة حتى تعجب الجميع» (٢مكابيين ١: ١٩ – ٢٢). ولم تكن النار الدائمة في الهيكل يوم كان يسوع على الأرض.
١٤ «وَهٰذِهِ شَرِيعَةُ ٱلتَّقْدِمَةِ: يُقَدِّمُهَا بَنُو هَارُونَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ إِلَى قُدَّامِ ٱلْمَذْبَحِ».
ص ٢: ١ وعدد ١٥: ٤
وَهٰذِهِ شَرِيعَةُ ٱلتَّقْدِمَةِ تقدّم الكلام على هذه التقدمة بالنظر إلى أجزائها والجزء الذي هو نصيب الذي يقدمها (ص ٢: ١ – ٣) وأبان هنا من (ع ١٤ – ١٨) ما يتعلق بأكل الكهنة ما عُيّن لهم من تلك الأجزاء وكيف يجب أن يتصرف بالباقي.
يُقَدِّمُهَا بَنُو هَارُونَ أي بنوهم وبنو بنيهم من الكهنة لأنهم هم دون غيرهم الذين يقومون بتقديم التقدمات.
قُدَّامِ ٱلْمَذْبَحِ أي جهة الجنوب الشرقي من المذبح (انظر ص ٢: ٨).
١٥ «وَيَأْخُذُ مِنْهَا بِقَبْضَتِهِ بَعْضَ دَقِيقِ ٱلتَّقْدِمَةِ وَزَيْتِهَا وَكُلَّ ٱللُّبَانِ ٱلَّذِي عَلَى ٱلتَّقْدِمَةِ، وَيُوقِدُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ رَائِحَةَ سُرُورٍ تِذْكَارَهَا لِلرَّبِّ».
ص ٢: ٢ و٩
يَأْخُذُ أي أحد أبناء هارون الذي يخدم على المذبح (انظر ص ٢: ٢٩.
١٦ «وَٱلْبَاقِي مِنْهَا يَأْكُلُهُ هَارُونُ وَبَنُوهُ. فَطِيراً يُؤْكَلُ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ. فِي دَارِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ يَأْكُلُونَه».
ص ٢: ٣ وحزقيال ٤٤: ٢٩ ع ٢٦ وص ١٠: ١٢ و١٣ وعدد ١٨: ١٠
فَطِيراً يُؤْكَلُ أي يُعمل الباقي خبزاً بلا خميرة ولا اختمار ويؤكل (ص ١٠: ١٢).
١٧ «لاَ يُخْبَزُ خَمِيراً. قَدْ جَعَلْتُهُ نَصِيبَهُمْ مِنْ وَقَائِدِي. إِنَّهَا قُدْسُ أَقْدَاسٍ كَذَبِيحَةِ ٱلْخَطِيَّةِ وَذَبِيحَةِ ٱلإِثْمِ».
ص ٢: ١١ عدد ١٨: ٩ و١٠ خروج ٢٩: ٣٧ وع ٢٥ وص ٢: ٣ و٧: ١
نَصِيبَهُمْ لأنه عيّن إن الذين يخدمون المذبح من المذبح يعيشون ولهذا لم يكن للكهنة نصيب من الأرض.
١٨ «كُلُّ ذَكَرٍ مِنْ بَنِي هَارُونَ يَأْكُلُ مِنْهَا. فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً فِي أَجْيَالِكُمْ مِنْ وَقَائِدِ ٱلرَّبِّ. كُلُّ مَنْ مَسَّهَا يَتَقَدَّس».
ع ٢٩ وعدد ١٨: ١٠ ص ٣: ١٧ خروج ٢٩: ٣٧ وص ٢٢: ٣ إلى ٧
كُلُّ ذَكَرٍ مِنْ بَنِي هَارُونَ كانت تقدمة الخطية وتقدمة الإثم وبقية تقدمة السلامة من أقدس الأمور فلا يأكلها إلا الذكور من عيال الكهنة ولا يأكلونها إلا في دار القدس ولكن تقدمات الأعشار والثمر وأكتاف ذبائح السلامة وصدورها كان يأكلها مع الذكور غيرهم من عيال الكهنة لأنها كانت أقل قداسة من الأطعمة السابقة. وكان الكاهن الذي يأكل شيئاً من الأطعمة القُدسى خارج دار الهيكل يُجلد أربعين جلدة إلا جلدة وكذا إذا أكل شيئاً من الأطعمة المقدسة التي هي أقل قداسة مما قبلها خارج أسوار أورشليم.
كُلُّ مَنْ مَسَّهَا يَتَقَدَّسُ كان المفهوم من هذا عند اليهود في أيام الهيكل الثاني أنه يجب على كل من يمس التقدمات القُدسى التي هي أقدس من سائر التقدمات أن يكون فوق أنه من الكهنة مطهراً بالاغتسال بالماء (ص ٢٢: ٦ و٧). وظاهر الكلام يدل على أن المعنى كل من مسّ تلك تقدس أي صار مقدساً بلمسها ولو كان من عامة الشعب (انظر خروج ٢٩: ٣٧ و٣٠: ٢٩ وحزقيال ٤٤: ١٩ و٤٦: ٢٠ وحجي ٢: ١٢).
١٩ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى».
قَالَ هذا مقدمة شريعة جديدة كما سبق في عدة مواضع (انظر ع ٨ والتفسير) وهي شريعة تقدمة الكاهن يوم المسحة (ع ١٩ – ٢٣).
٢٠ «هٰذَا قُرْبَانُ هَارُونَ وَبَنِيهِ ٱلَّذِي يُقَرِّبُونَهُ لِلرَّبِّ يَوْمَ مَسْحَتِهِ: عُشْرُ ٱلإِيفَةِ مِنْ دَقِيقٍ تَقْدِمَةً دَائِمَةً نِصْفُهَا صَبَاحاً وَنِصْفُهَا مَسَاءً».
خروج ٢٩: ١ الخ خروج ١٦: ٣٦
هٰذَا قُرْبَانُ هَارُونَ وَبَنِيهِ أي وبني كل كاهن يعرَف بالكاهن الأعظم من خلفائه. وكان هذا القربان يعرف في مدة الهيكل الثاني بتقدمة هارون وبنيه وبالجملة نقول إن هذا القربان قربان الحبر الأعظم وسائر الكهنة لكن الكاهن غير الأعظم كان يقدمه مرة واحدة في يوم مسحته وأما الحبر الأعلى فكان عليه أن يقدمه يوم بعد القربان العادي والتقدمة الطعامية وقبل التقدمة الشرابية على ما فُهم من التاريخ الكنسي وتاريخ يوسيفوس في العاديات. وإلى هذا أشار الرسول بقوله «يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هٰذَا… لَيْسَ لَهُ ٱضْطِرَارٌ كُلَّ يَوْمٍ مِثْلُ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ أَنْ يُقَدِّمَ ذَبَائِحَ أَوَّلاً عَنْ خَطَايَا نَفْسِهِ الخ» (عبرانيين ٧: ٢٦ و٢٧).
يَوْمَ مَسْحَتِهِ أي حين يُمسح (قابل بهذا تكوين ٢: ٤) أو متى رسم مسحته وأخذ في عمله الكهنوتي وكان ذلك يتم في اليوم الثامن (انظر ص ٨: ٢٥ و٩: ١).
تَقْدِمَةً دَائِمَةً كانت هذه التقدمة على الحبر الأعظم كل يوم مدة حياته كاهناً وكانت عشر الإيفة أي عمراً يقدم نصفها صباحاً والنصف الآخر مساء.
٢١ «عَلَى صَاجٍ تُعْمَلُ بِزَيْتٍ، مَرْبُوكَةً تَأْتِي بِهَا. ثَرَائِدَ تَقْدِمَةٍ فُتَاتاً تُقَرِّبُهَا رَائِحَةَ سُرُورٍ لِلرَّبِّ».
صَاجٍ قطعة رقيقة من الحديد مقعرة أحد الوجهين محدبة الأخر يوضع المقعر على النار ويخبز على المحدب بعد إحمائها واللفظة على ما يرجّح عامية فصيحها طاجن وقد ذُكر الكلام عليه في تفسير (ص ٢: ٥) بالتفصيل فارجع إليه. والظاهر أنها كانت مسطحة الظاهر لما سيأتي.
ًبِزَيْتٍ مَرْبُوكَة أي مخلوطة بالزيت مشبعة به.
ثَرَائِدَ أي قطعاً من الخبز. فإنها كانت قطعاً مشبعة من الزيت. فكانوا يضعون الدقيق في الزيت ويربكونه به جيداً ثم يقطعونه ويخبزن القطع فيكون ظاهرها كقطع ذبيحة المحرقة قبل أن تحرق (انظر ص ١: ٨). وكانوا يفعلون مدة الهيكل الثاني ما يأتي. يأتي الكاهن الأعلى كل صباح بعُشر الإيفة من الدقيق وبعد تقديسه يقسمه قسمين متساويين بمكيال محفوظ في القدس. ثم يأتي بثلاثة مكاييل من الزيت ويُعرف الواحد من هذه المكاييل عند العبرانيين باللج (ص ١٤: ١٠ – ١٣) وكان يسع نحو ١٣٠ درهماً من الزيت ويعجنه ويجعل كل نصف منه ستة أقراص ويخبزها قليلاً ويقليها في الطاجن بزيت محترساً من أن تيبس من شدة الحرارة فتبقى رخوة قليلاً. ثم يقسم الكاهن الأقراص الستة اثني عشر قمساً على وفق عدد الأسباط وعدد أرغفة خبز الوجوه ويقرب ستة منها صباحاً وستة مساء.
٢٢ «وَٱلْكَاهِنُ ٱلْمَمْسُوحُ عِوَضاً عَنْهُ مِنْ بَنِيهِ يَعْمَلُهَا فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً لِلرَّبِّ، تُوقَدُ بِكَمَالِهَا».
ص ٤: ٣ خروج ٢٩: ٢٥
معنى هذه الآية أن تقدمة المسحة تكون دائمة وفريضة على كل رئيس كهنة من خلفائه إلى نهاية الكهنوت اللاوي وإنه يجب إيقادها كلها لا تبقى منها بقية خلافاً لتقدمة الدقيق التي يأخذ الكاهن قبضة منها (ص ٢: ٢ و٣) لأن الكاهن لم يكن له أن يأكل شيئاً من هذه التقدمة لأنها تقدم لله عن نفسه.
٢٣ «وَكُلُّ تَقْدِمَةِ كَاهِنٍ تُحْرَقُ بِكَمَالِهَا. لاَ تُؤْكَلُ».
كُلُّ تَقْدِمَةِ كَاهِنٍ أي إن الشريعة جارية على كل ما يقدمه الكاهن عن نفسه.
٢٤ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى».
قَالَ هذا مقدمة شريعة جديدة وقد مرّ أمثاله (انظر ع ١ و٨ و١٩).
٢٥ «كَلِّمْ هَارُونَ وَبَنِيهِ قَائِلاً: هٰذِهِ شَرِيعَةُ ذَبِيحَةِ ٱلْخَطِيَّةِ. فِي ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي تُذْبَحُ فِيهِ ٱلْمُحْرَقَةُ تُذْبَحُ ذَبِيحَةُ ٱلْخَطِيَّةِ أَمَامَ ٱلرَّبِّ. إِنَّهَا قُدْسُ أَقْدَاسٍ».
ص ٤: ٢ ص ١: ٣ و٥ و١١ و٤: ٢٤ و٢٩ و٣٣ ع ١٧ وص ٢١: ٢٢
ٱلْمَكَانِ أي جانب المذبح الشمالي (ص ١: ١١).
قُدْسُ أَقْدَاسٍ أي إن تقدمة الخطية من أقدس التقدمات (ص ٢: ٣).
٢٦ «ٱلْكَاهِنُ ٱلَّذِي يَعْمَلُهَا لِلْخَطِيَّةِ يَأْكُلُهَا. فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ تُؤْكَلُ فِي دَارِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ».
ص ١٠: ١٧ و١٨ وعدد ١٨: ٩ و١٠ وحزقيال ٤٤: ٢٨ و٢٩ ع ١٦
يَعْمَلُهَا أي يصنع الكفارة بدمها.
يَأْكُلُهَا جعل الله تقدمة الخطية طعاماً للكهنة لأنهم يحملون إثم الجماعة ويقومون بفدائها (ص ١٠: ١٧) ولأنهم ليس لهم ملك ولا مصدر لأسباب المعاش إلا من خدمة الرب على مذبحه (حزقيال ٤٤: ١٨) وكان الكاهن الذي يقدمها أن يدعو أهل بيته وغيره من الكهنة وأولادهم للأكل معه وأساء الكهنة الشرهون استعمال هذه الهبة (هوشع ٤: ٨).
فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ تُؤْكَلُ أي تؤكل في دار القدس وكان يؤكل في هذه الدار ثمانية قرابين.
- لحم تقدمة الخطيئة (ص ٤: ٢٦).
- لحم ذبيحة الإثم (ص ٧: ٦).
- لحم ذبيحة السلامة المقدمة عن الجماعة (ص ٢٣: ١٩ و٢٠).
- بقية العمر (ص ٢٣: ١٠ و١١).
- تقدمة الإسرائيليين (ص ٢: ٣ – ١٠).
- الرغيفان (ص ٢٣: ٢٠).
- خبز الوجوه (ص ٢٤: ٩).
- لجّ الزيت الذي يقدّم عن الأبرص (ص ١٤: ١٠ – ١٣).
٢٧ «كُلُّ مَنْ مَسَّ لَحْمَهَا يَتَقَدَّسُ. وَإِذَا ٱنْتَثَرَ مِنْ دَمِهَا عَلَى ثَوْبٍ تَغْسِلُ مَا ٱنْتَثَرَ عَلَيْهِ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ».
خروج ٢٩: ٣٧ و٣٠: ٢٩
كُلُّ مَنْ مَسَّ لَحْمَهَا يَتَقَدَّسُ (انظر تفسير ع ١٨).
إِذَا ٱنْتَثَرَ مِنْ دَمِهَا الخ لأن ذبيحة الخطيئة من أقدس الذبائح فوجب أن يُغسل ما انتثر من دمها على ثوب الكاهن أو المقدم لها عن نفسه في مخدع في دار القدس معد لذلك وفيه بئر يُنشل منها الماء للقدس. وكان الذي يغسل ذلك الدم هارون وخلافاؤه وما كان يجوز أن يغسله أحد من العامة.
٢٨ «وَأَمَّا إِنَاءُ ٱلْخَزَفِ ٱلَّذِي تُطْبَخُ فِيهِ فَيُكْسَرُ. وَإِنْ طُبِخَتْ فِي إِنَاءِ نُحَاسٍ يُجْلَى وَيُشْطَفُ بِمَاءٍ».
ع ١٨ وعدد ١٨: ١٠ ع ٢٥
إِنَاءُ ٱلْخَزَفِ لم يكن الخزف الذي كان العبرانيون يستعملونه مموهاً ولم يزل الخزف كذلك في بعض الأماكن في الشرق إلى هذا اليوم وأُمر بكسره لما يشربه الدهن لكثرة مسامه وسعتها (انظر ص ١١: ٣٣ و٣٥) وكانوا يدفنون كسر ذلك الإناء في الأرض مدة الهيكل الثاني.
إِنَاءِ نُحَاسٍ يُجْلَى الخ لأن النحاس لصلابته لا يشرب الدهن ويُزال ما يلصق به بسهولة وكانوا في أيام الهيكل الثاني يغسلونه بالماء الحار ثم بالماء البارد.
٢٩ «كُلُّ ذَكَرٍ مِنَ ٱلْكَهَنَةِ يَأْكُلُ مِنْهَا. إِنَّهَا قُدْسُ أَقْدَاسٍ».
ع ١٨ وعدد ١٨: ١٠ ع ٢٥
كُلُّ ذَكَرٍ مِنَ ٱلْكَهَنَةِ لا الكاهن الذي يقدمها وحده فكان لأولاده الذكور أن يشاركوه فيها وكان له أن يدعو إلى ذلك غيره من الكهنة وأبنائهم وإلى هذا أشار الرسول بقوله «لَنَا «مَذْبَحٌ» لاَ سُلْطَانَ لِلَّذِينَ يَخْدِمُونَ ٱلْمَسْكَنَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ» (عبرانيين ١٣: ١٠).
٣٠ «وَكُلُّ ذَبِيحَةِ خَطِيَّةٍ يُدْخَلُ مِنْ دَمِهَا إِلَى خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ لِلتَّكْفِيرِ فِي ٱلْقُدْسِ لاَ تُؤْكَلُ. تُحْرَقُ بِنَارٍ».
ص ٤: ٧ و١١ و١٢ و١٨ و٢١ و١٠: ١٨ و٢٦: ٢٧ وعبرانيين ١٣: ١١
كُلُّ ذَبِيحَةِ خَطِيَّةٍ كانت القاعدة في الآية السابقة مقصورة على ذبيحة الخطية التي تقدم عن العاميّ (ص ٤: ٢٢) الخ وأما ذبيحة الخطية التي يقدمها الكاهن عن نفسه فما كان يجوز أن يأكل شيئاً منها لأن لحم الأولى كان له ولحم الثانية كله كان لله. ومثلها «كُلُّ ذَبِيحَةِ خَطِيَّةٍ يُدْخَلُ مِنْ دَمِهَا إِلَى خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ» (انظر في كل ذلك ص ٤: ٣ و١٢ و١٣ – ٢١ و١٦: ٢٧).
السابق |
التالي |