سفر الخروج

سفر الخروج | 32 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر الخروج

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلثَّلاَثُونَ

العجل الذهبي

١ «وَلَمَّا رَأَى ٱلشَّعْبُ أَنَّ مُوسَى أَبْطَأَ فِي ٱلنُّزُولِ مِنَ ٱلْجَبَلِ، ٱجْتَمَعَ ٱلشَّعْبُ عَلَى هَارُونَ وَقَالُوا لَهُ: قُمِ ٱصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَسِيرُ أَمَامَنَا، لأَنَّ هٰذَا مُوسَى ٱلرَّجُلَ ٱلَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لاَ نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ».

ص ٢٤: ١٨ وتثنية ٩: ٩ أعمال ٧: ٤٠ ص ١٣: ٢١

وَلَمَّا رَأَى ٱلشَّعْبُ أَنَّ مُوسَى أَبْطَأَ فِي ٱلنُّزُولِ بعد أن ذكر موسى في الأصحاحات السبعة الماضية ما يتعلق بالشريعة اللاوية عاد إلى النبإ التاريخي. ولما نزل من الجبل رأى ما قصه هنا مما حدث في السهل عند الحضيض مدة غيابه عن الشعب. رأى بعضهم أن (ص ٣١) تابع في الأصل (ص ٢٥) وإن (ص ٣٢ – ص٣٤) كلام ممتاز أُلحق بالنبإ أخيراً وهو مما لم ينهض. فإنه لا علاقة بين (ص ٣٥ وص ٣١) فإن بينهما فاصلاً عظيماً. وليس (ص ٣٢) بداءة قصة مستقلة. إنما هو نبأ ما نتج عن إبطاء موسى على طور سيناء فهو كلام على ما سبق. فالكلام من (ص ٣٢ – ص ٣٤) في محله المناسب الذي يقتضيه الطبع.

ٱجْتَمَعَ ٱلشَّعْبُ عَلَى هَارُونَ أمر موسى الشعب قبل أن صعد إلى الجبل أن يرفعوا المشاكل إلى هارون وحور (ص ٢٤: ١٤) ولذلك اجتمعوا عليه. وكان هارون من أول أمر الخروج قائداً مع موسى (ص ١٧: ١٠).

قُمِ ٱصْنَعْ لَنَا آلِهَةً قال بعضهم الأولى أن يترجم الأصل العبراني بقوله «قم اصنع لنا إلهاً» ونعجب كثيراً من أن نرى الإسرائيليين يميلون إلى عبادة الأوثان ولا إشارة إلى ميلهم إليها في كل ما مرّ من النبإ فما بقي إلا أن نقول نشأ فيهم ذلك الميل وهم في مصر ولذلك نهتهم الشريعة السينوية عن اتخاذ آلهة غير الله معه بل كان ذلك أول وصايا تلك الشريعة (ص ٢٠: ٤ و٥ و٢٣) وذلك الميل كان جرثومة الوثنية بينهم (لاويين ١٧: ٧ ويشوع ٢٤: ١٤ وحزقيال ٢٠: ٨ و٢٣: ٣). وهنا قوي ذلك الميل فيهم لأنهم أرادوا أن يكون لهم في غيبة موسى آلهة تسير أمامهم بدلاً من عمود السحاب فصرخوا وطلبوا من هارون ما طلبوه.

هٰذَا مُوسَى ٱلرَّجُلَ ٱلَّذِي أَصْعَدَنَا انظر ما أسرع تبدُّل شكر الإنسان بالاحتقار والذّم ونسيان الجميل فإن موسى غاب عنهم بضعة أسابيع فحكموا سريعاً بأنه عاجز عن إنقاذهم واحتقروه قولاً وفعلاً.

٢ «فَقَالَ لَهُمْ هَارُونُ: ٱنْزِعُوا أَقْرَاطَ ٱلذَّهَبِ ٱلَّتِي فِي آذَانِ نِسَائِكُمْ وَبَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ وَأْتُونِي بِهَا».

قضاة ٨: ٢٤ إلى ٢٧

فَقَالَ لَهُمْ هَارُونُ: ٱنْزِعُوا أَقْرَاطَ ٱلذَّهَبِ ظنّ هارون أنه بذلك يقدر أن يمنعهم من عبادة الوثن بناء على أنه يصعب عليهم أن يعطوه الأقراط. وفعل هذا لأنه لم يجسر أن يثنيهم عن طلبهم رأساً. ولا شك في أنه رأى أن النساء لا تسمح بخسران حليها وحلي أولادها لكن كان الواقع على غير ما ظن ورأى.

وَبَنِيكُمْ كان أهل الشرق يتحلون بالأقراط رجالاً ونساء. وكثيراً ما تحلى بها ملوك الأشوريين والمصريين.

٣ «فَنَزَعَ كُلُّ ٱلشَّعْبِ أَقْرَاطَ ٱلذَّهَبِ ٱلَّتِي فِي آذَانِهِمْ وَأَتَوْا بِهَا إِلَى هَارُونَ».

فَنَزَعَ كُلُّ ٱلشَّعْبِ أَقْرَاطَ ٱلذَّهَبِ لم يكن هارون يعرف مقدار تعصُّب الشعب للأوثان فإنه لم يرفض أحد طلبه ولم يبد أدنى خلاف أو اعتراض. «كل الشعب» نزع الأقراط فإنهم مالوا إلى آلهة منظورة أكثر من ميلهم إلى الروح الأزلي الذي لا يُرى والدين الروحي الذي سادهم منذ خروجهم من مصر.

٤ «فَأَخَذَ ذٰلِكَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَصَوَّرَهُ بِٱلإِزْمِيلِ وَصَنَعَهُ عِجْلاً مَسْبُوكاً. فَقَالُوا: هٰذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ ٱلَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ!».

ص ٢٠: ٢٣ وتثنية ٩: ١٦ وقضاة ١٧: ٣ و٤ و١ملوك ١٢: ٢٨ ونحميا ٩: ١٨ ومزمور ١٠٦: ١٩ وإشعياء ٤٦: ٦ وأعمال ٧: ٤١ ورومية ١: ٢٣

صَوَّرَهُ بِٱلإِزْمِيلِ (الإزميل في القاموس شفرة الحذّاء وحديدة في طرف رمح لصيد البقر والمطرقة والمقصود به هنا المنقار وهو حديدة يُنقر بها). جاء في بعض الترجمات «صورّه في قالب» وهو المناسب لقول في الجزء الثاني من الآية «وصنعه عجلاً مسبوكاً». وعلى ما في ترجمتنا يكون أنه سبكه ثم صوّره بالمنقار (والعطف بالواو لا يستلزم الترتيب فسقط الاعتراض على الترجمة. والكلمة المترجمة بالإزميل هي في العبرانية «חרט» (حرط) أي مخرط أو منقار ولا تعني القالب). وجاءت لفظة «חרט» بمعنى الخريطة أو الكيس (انظر ٢ملوك ٥: ٢٣) فتصير ترجمة الآية بذلك «فأخذ ذلك» «أي الأقراط» من أيديهم وصرّه في خريطة وصنعه عجلاً مسبوكاً.

عِجْلاً مَسْبُوكاً صنعه إياه عجلاً دليل قاطع على ما نشأ فيهم من الميل إلى معبودات المصريين فإن العجل كان من معبوداتهم لكن المصريين لم يكونوا يعبدون تمثال العجل بل كانوا يعبدون عجلاً حياً. وكان اسم العجل الذي عبدوه إييس. وكان معبده في ممفيس. وكان عندهم عجل آخر اسمه منيفيس وكان معبده في هليوبوليس. واعتبروا العجلين إلهين متجسدين. فصنع العجل من الذهب يؤيد القول بأن هارون سألهم ذلك ليكفوا عن طلبهم ضناً بحليهم) ولعل المصريين كانا يصنعون في أول الأمر تمثالاً للعجل وقد أُشير إلى ذلك في (يشوع ٢٤: ١٤). والمرجّح أن تماثيل العجول كانت مما عبده البابليون والأشوريون ونقلوا عبادتها إلى مصر. وكان تمثال عجل الكلدانيين ذا أجنحة ورأس إنسان إشارة إلى الحكمة والقوة والحضور في كل مكان.

هٰذِهِ آلِهَتُكَ والأحرى «هذا إلهك».

٥ «فَلَمَّا نَظَرَ هَارُونُ بَنَى مَذْبَحاً أَمَامَهُ، وَنَادَى هَارُونُ وَقَالَ: غَداً عِيدٌ لِلرَّبِّ».

لاويين ٢٣: ٢ و٤ و٢١ و٣٧ و٢ملوك ١٠: ١٠ و٢أيام ٣٠: ٥

فَلَمَّا نَظَرَ هَارُونُ بَنَى مَذْبَحاً أَمَامَهُ لما سلّم للشعب بطلبه الأول سلم له بطلبه التالي. فإنه بعد أن أذاب الذهب وسبكه عجلاً بنى له مذبحاً من خشان الحجارة ووضعه أمامه. ولا ريب في أن ذلك العجل كان يرمز إلى قوة الرب «يهوه» وحكمته وحضوره في كل مكان. وهذا ما حملهم على توهم أن الله لا يحسبهم مشركين بذلك ولذلك نادى هارون وقال غداً عيد للرب (وفي العبرانية «ليهوه»).

٦ «فَبَكَّرُوا فِي ٱلْغَدِ وَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ وَقَدَّمُوا ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ. وَجَلَسَ ٱلشَّعْبُ لِلأَكْلِ وَٱلشُّرْبِ ثُمَّ قَامُوا لِلَّعِبِ».

١كورنثوس ١٠: ٧

فَبَكَّرُوا لفرط رغبتهم في العبادة الجديدة فلم يصبروا إلى أن ترتفع الشمس فنهضوا عند الفجر وأتوا بالقرابين والذبائح. وهل شاركهم هارون في ما أتوه. ذلك في ريب.

أَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ وَقَدَّمُوا ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ كانت المحرقات والذبائح قبل الشريعة الموسوية (انظر تكوين ٤: ٣ وخروج ١٨: ١٢).

جَلَسَ ٱلشَّعْبُ لِلأَكْلِ وَٱلشُّرْبِ ثُمَّ قَامُوا لِلَّعِبِ كانت الولائم تلي الذبائح (ص ١٨: ١٢ و٢٤: ٥ و١١). وهم لم يخطئوا بالوليمة إنما أخطأوا بالسلوك فيها إذ أتوا ما لا يوافق الدين بأن جروا مجرى الوثنيين «بلا خوف» (يهوذا ١٢) فجعلوا الرسوم الدينية من وسائل الخلاعة فأكلوا وشربوا وسكروا ورقصوا وتفتكوا وتهتكوا كما شاء الهوى (ع ١٩ و٢٥). وأتوا كل ما يأتيه الوثنيون من مطالب الشهوات الجسدية، ولو لم ينزل موسى من الجبل ويوقفهم عند ذلك الحد ويمنعهم ما أتوه لأتوا مما لا يوصف من الرذائل.

تنبيه الله لموسى

٧ «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱذْهَبِ ٱنْزِلْ! لأَنَّهُ قَدْ فَسَدَ شَعْبُكَ ٱلَّذِي أَصْعَدْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ».

ع ١ وص ٣٣: ١ وتثنية ٩: ١٢ تكوين ٦: ١١ و١٢ وتثنية ٤: ١٦ و٣٢: ٥ وقضاة ٢: ١٩ وهوشع ٩: ٩

فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱذْهَبِ ٱنْزِلْ لا ريب في أن موسى كان حينئذ يجهل كل ما حدث في المحلة. والسحاب الكثيف الذي كان يغطي جبل سيناء منعه من أن يرى ما كان في السهل عند الحضيض (ص ٢٤: ١٨). والقرينة تدل على أن الصوت في قوله تعالى يدل على الحضّ الشديد والإلحاح.

فَسَدَ شَعْبُكَ لم يقل سبحانه «شعبي» لأنهم خالفوا العهد ولكنهم لم يزالوا شعب موسى أو أمته لأن الخطيئة لا تبطل القرابة الدموية.

ومعنى فساد الشعب هنا خروجه من دائرة الصلاح واختيار طريق الرذيلة وإيثاره على طريق الفضيلة (تكوين ٦: ١٢).

٨ «زَاغُوا سَرِيعاً عَنِ ٱلطَّرِيقِ ٱلَّذِي أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ. صَنَعُوا لَهُمْ عِجْلاً مَسْبُوكاً وَسَجَدُوا لَهُ وَذَبَحُوا لَهُ وَقَالُوا: هٰذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ ٱلَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ».

ص ٢٠: ٣ و٤ و٢٣ وتثنية ٩: ١٦ و١ملوك ١٢: ٢٨

هٰذِهِ آلِهَتُكَ الأولى أن يترجم بهذا إلهك (انظر ع ٤ وتفسيره).

٩ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: رَأَيْتُ هٰذَا ٱلشَّعْبَ وَإِذَا هُوَ شَعْبٌ صُلْبُ ٱلرَّقَبَةِ».

ص ٣٢: ٣ و٥ و٣٤: ٩ وتثنية ٩: ٦ و١٣ و٣١: ٢٧ و٢أيام ٣٠: ٨ وإشعياء ٤٨: ٤ وأعمال ٧: ٥١

صُلْبُ ٱلرَّقَبَةِ كثرت هذه العبارة في الكتاب المقدس وتداولتها الألسنة ولكن هنا أول ما ذُكرت فيه (ص ٣٣: ٣ و٥ و٣٤: ٥ وتثنية ٩: ٦ و١٣ و١٠: ١٦ و٢أيام ٣٠: ٨ و٣٦: ١٣ ومزمور ٧٥: ٥ وإرميا ١٧: ٢٣ وأعمال ٧: ٥١). والمقصود بها عنيد ومقاوم. والمجاز مأخوذ من الفرس الصلب العنق الجموح الذي لا يستطيع راكبه أن يثنيه باللجام.

١٠ «فَٱلآنَ ٱتْرُكْنِي لِيَحْمَى غَضَبِي عَلَيْهِمْ وَأُفْنِيَهُمْ، فَأُصَيِّرَكَ شَعْباً عَظِيماً».

تثنية ٩: ١٤ و١٩ ص ٢٢: ٢٤ عدد ١٤: ١٢ وتثنية ٩: ١٤

ٱتْرُكْنِي… أُفْنِيَهُمْ هذا يستلزم أن موسى شفع في الشعب فأبان له الله أنهم استحقوا بما أتوه الإفناء ويؤيده ما بعده.

فَأُصَيِّرَكَ شَعْباً عَظِيماً أي أفني هؤلاء الإسرائيليين فأقيم من نسلك شعباً عظيماً بدلاً منهم فأصنع لك كما صنعت لإبراهيم.

جواب موسى وعفو الله

١١ – ١٣ «١١ فَتَضَرَّعَ مُوسَى أَمَامَ ٱلرَّبِّ إِلٰهِهِ، وَقَالَ: لِمَاذَا يَا رَبُّ يَحْمَى غَضَبُكَ عَلَى شَعْبِكَ ٱلَّذِي أَخْرَجْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ وَيَدٍ شَدِيدَةٍ؟ ١٢ لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ ٱلْمِصْرِيُّونَ قَائِلِينَ: أَخْرَجَهُمْ بِخُبْثٍ لِيَقْتُلَهُمْ فِي ٱلْجِبَالِ وَيُفْنِيَهُمْ عَنْ وَجْهِ ٱلأَرْضِ؟ اِرْجِعْ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِكَ وَٱنْدَمْ عَلَى ٱلشَّرِّ بِشَعْبِكَ. ١٣ اُذْكُرْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ عَبِيدَكَ ٱلَّذِينَ حَلَفْتَ لَهُمْ بِنَفْسِكَ وَقُلْتَ لَهُمْ: أُكَثِّرُ نَسْلَكُمْ كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ، وَأُعْطِي نَسْلَكُمْ كُلَّ هٰذِهِ ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي تَكَلَّمْتُ عَنْهَا فَيَمْلِكُونَهَا إِلَى ٱلأَبَدِ».

تثنية ٩: ١٨ و٢٦ إلى ٢٩ ومزمور ٧٤: ١ و٢ و١٠٦: ٢٣ عدد ١٤: ١٣ وتثنية ٩: ٢٨ و٣٢: ٢٧ ع ١٤ تكوين ٢٢: ١٦ وعبرانيين ٦: ١٣ تكوين ١٢: ٧ و١٣: ١٥ و١٥: ٧ و١٨ و٢٦: ٤ و٢٨: ١٣ و٣٥: ١١ و١٢

أتى موسى بثلاثة أدلة:

  1. إنه تعالى صنع كثيراً لشعبه فلا يكون منه أن يترك كل ذلك عبثاً (ع ١١).
  2. إن إفناءه الإسرائيليين انتصار للمصريين (ع ١٢).
  3. إن إفناءه يبطل المواعيد لإبراهيم وإسحاق ويعقوب (تكوين ١٥: ٥ و١٧: ٢ – ٦ و٢٦: ١ و٢٨: ١٢ و٣٥: ١١). فجعل موسى ذلك أباً حقاً ونائباً عن شعب الله. وزاد على تلك الأدلة أن تضرع أمام الله ليرجع عن حمو غضبه (ع ١٢ و١٣).

١٤ «فَنَدِمَ ٱلرَّبُّ عَلَى ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي قَالَ إِنَّهُ يَفْعَلُهُ بِشَعْبِه».

تثنية ٣٢: ٢٦ و٢٧ و٢صموئيل ٢٤: ١٦ و١أيام ٢١: ١٥ ومزمور ١٠٦: ٤٥ وإرميا ١٨: ٨ و٢٦: ١٣ و١٩ ويوئيل ٢: ١٣ ويونان ٣: ١٠ و٤: ٢

فَنَدِمَ ٱلرَّبُّ عَلَى ٱلشَّرِّ كان لشفاعة موسى تأثير عظيم فعفا الرب عن الشعب. والعبارة هنا مجاز اشتهر منذ القديم يراد منه إبطال العمل لأن من ندم على شيء رجع عنه. فقول الله «دعني… أفنيهم» يراد به أنهم ارتكبوا إثماً يستحقون عليه الإفناء. وقول الكاتب أنه «ندم على الشر» يراد به أنه لم يعاقبهم عليه مع استحقاقهم إياه. ولا يلزم من ذلك أن الله غيّر قصده لأنه كان عالماً أن موسى يشفع في الشعب وأنه يقبل شفاعته لأن عقابه مشروط بعدم الشفاعة والتوبة. وهنا حصل الأمران فإن موسى شفع والشعب تاب كما سيُذكر فلا ندم حقيقي ولا تغيير قصد.

نزول موسى من طور سيناء وإبطاله العبادة الوثنية

١٥ «فَٱنْصَرَفَ مُوسَى وَنَزَلَ مِنَ ٱلْجَبَلِ وَلَوْحَا ٱلشَّهَادَةِ فِي يَدِهِ: لَوْحَانِ مَكْتُوبَانِ عَلَى جَانِبَيْهِمَا. مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا كَانَا مَكْتُوبَيْنِ».

تثنية ٩: ١٥

فَٱنْصَرَفَ مُوسَى أي تحوّل ليرجع والظاهر أنه لم يُنبئ يشوع بشيء من الأمر مع أنه كان قريباً منه (انظر ع ١٧).

لَوْحَا ٱلشَّهَادَةِ فِي يَدِهِ رأى بعضهم أن موسى نحت اللوحين وإن الله كتب عليهما وهو خطأ كما يتبين من (ع ١٦). وجاء في سفر التثنية أن اللوحين كانا في يديه (ولا منافاة بين النبأين لأن ما تحمله اليدان يحمله كل منهما).

مَكْتُوبَانِ عَلَى جَانِبَيْهِمَا كانت أعمدة الأشوريين يُكتب على جانبيها وقل ذلك في الأعمدة المصرية. وحسب بعضهم أنه يمكن أن يكتب ١٧٢ كلمة التي هي كلمات الوصايا العشر في العبرانية بأحرف متوسطة المقدار على أوجه اللوحين الأربعة إذا كان طول اللوح ٢٧ عقدة وعرضه ١٨ عقدة. وإن مثل هذين اللوحين مما يمكن الإنسان أن يحمله باليدين.

١٦ «وَٱللَّوْحَانِ هُمَا صَنْعَةُ ٱللّٰهِ، وَٱلْكِتَابَةُ كِتَابَةُ ٱللّٰهِ مَنْقُوشَةٌ عَلَى ٱللَّوْحَيْنِ».

ص ٣١: ١٨

ٱللَّوْحَانِ هُمَا صَنْعَةُ ٱللّٰهِ، وَٱلْكِتَابَةُ كِتَابَةُ ٱللّٰهِ فسر بعضهم ذلك بأن الله وصف لموسى هيئة اللوحين وكتابتهما وإن موسى نحتهما على وفق الوصف وكتب عليهما الوصايا كذلك. ونص العبارة بخلاف ذلك فإنها تفيد أن الله نحتهما وأنه كتب الوصايا بإصبعه (انظر تفسير ص ٣١: ١٨). ولم يكن اللوحان اللذان بعدهما كذلك (ص ٣٤: ١ و٤) إلا في الكتابة.

١٧ «وَسَمِعَ يَشُوعُ صَوْتَ ٱلشَّعْبِ فِي هُتَافِهِ، فَقَالَ لِمُوسَى: صَوْتُ قِتَالٍ فِي ٱلْمَحَلَّةِ».

سَمِعَ يَشُوعُ كان يشوع مع موسى على الجبل ولم يجر له من (ص ٢٤: ١٣) ذكرٌ إلا هنا والظاهر أن موسى كان قد دعاه إلى السحاب (ص ٢٤: ١٦). وبقي ذلك الخادم الأمين حيث كان إلى أن دعاه سيده. ولعله وجد ملجأ له في شق الصخرة وإن المن كان يقع حوله فاقتات به مدة الأربعين يوماً والأربعين ليلة التي غاب فيها سيده عنه.

صَوْتَ ٱلشَّعْبِ فِي هُتَافِهِ كان ذلك الهتاف من لوازم العبادة الوثنية (١ملوك ١٨: ٢٨ وأعمال ١٩: ٣٤ وهيرودوتس ٢: ٦٠ الخ). ولا ريب في أن بعضه كان مما هاجته الخلاعة فيهم. أما يشوع فلم يكن يعلم السبب فظن أن الأعداء هجموا على المحلة وإن ذلك الهتاف كان هتاف الحرب لكن موسى كان قد عرف العلة (ع ٧ و٨) فنفى قول خادمه يشوع.

١٨ «فَقَالَ: لَيْسَ صَوْتَ صِيَاحِ ٱلنُّصْرَةِ وَلاَ صَوْتَ صِيَاحِ ٱلْكَسْرَةِ. بَلْ صَوْتَ غِنَاءٍ أَنَا سَامِعٌ».

صَوْتَ غِنَاءٍ هذا يدل على أن المحلة كانت بعيدة عن رأس الصفصافة بعداً لا تميز به الأصوات حسناً وكان بينهما وادٍ يتغيّر الصوت بمرور أمواج الهواء فيه. فما علمه موسى من الله من أمر الشعب ساعده على أن يدرك أن الصوت صوت غناء.

١٩ «وَكَانَ عِنْدَمَا ٱقْتَرَبَ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ أَنَّهُ أَبْصَرَ ٱلْعِجْلَ وَٱلرَّقْصَ. فَحَمِيَ غَضَبُ مُوسَى وَطَرَحَ ٱللَّوْحَيْنِ مِنْ يَدَيْهِ وَكَسَّرَهُمَا فِي أَسْفَلِ ٱلْجَبَلِ»

تثنية ٩: ١٧

ٱلرَّقْصَ رأى موسى العجل والرقص فالعجل قد ذُكر قبلاً وأما الرقص فلم يسبق له ذكر وكان من عادات الوثنيين في عباداتهم وهو رقص فسق (ع ٢٥) (بخلاف رقص الفرح الإسرائيلي كما كان من مريم أخت هارون وسائر النساء (ص ١٥: ٢٠).

طَرَحَ ٱللَّوْحَيْنِ مِنْ يَدَيْهِ (قابل بهذا تثنية ٩: ١٧). كان غضب موسى بمقتضى العدل لكن لا يخلو من تأثير الطبع الذي قاد موسى في حداثته إلى ما لا يُحمد (ص ٢: ١٢).

٢٠ «ثُمَّ أَخَذَ ٱلْعِجْلَ ٱلَّذِي صَنَعُوا وَأَحْرَقَهُ بِٱلنَّارِ، وَطَحَنَهُ حَتَّى صَارَ نَاعِماً، وَذَرَّاهُ عَلَى وَجْهِ ٱلْمَاءِ، وَسَقَى بَنِي إِسْرَائِيلَ».

تثنية ٩: ٢١

أَخَذَ ٱلْعِجْلَ الخ كان سحق العجل أول البراهين على بطلان العبادة الوثنية والأوثان ولا ريب في أنه كان في الشعب أناس يتقون الله ويكرهون الأوثان فساعدوا موسى على سحق العجل والظاهر أنه كلّس العجل حتى تمكن من سحقه بعد إحمائه في النار ورشه على الماء الذي يشربون منه في المحلة ليبلعوا إثمهم (قابل بهذا ٢ملوك ٢٣: ٦ و١٢).

ولا ريب في أن إحراق العجل وسحقه شغلا زماناً طويلاً ولم يرد أنهم فرغوا من ذلك حين أخذ موسى غيره من الأعمال بل أراد أنهم شرعوا في ذلك.

٢١ «وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: مَاذَا صَنَعَ بِكَ هٰذَا ٱلشَّعْبُ حَتَّى جَلَبْتَ عَلَيْهِ خَطِيَّةً عَظِيمَةً؟».

تكوين ٢٠: ٩ و٢٦: ١٠

قَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: مَاذَا صَنَعَ بِكَ هٰذَا ٱلشَّعْبُ كان من الطبع أن يسأل موسى بعد سحق العجل عن علة عبادة الشعب إياه فسأل هارون عن ذلك لأنه كان نائبه (ص ٢٤: ١٤) فكان هو المطالب بذلك الإثم العظيم ولهذا شدد عليه الكلام. ولا ريب في أن إمارات غضب موسى على هارون كانت على وجهه حين خاطبه بدليل القرينة الحالية وكلام هارون.

٢٢ – ٢٤ «٢٢ فَقَالَ هَارُونُ: لاَ يَحْمَ غَضَبُ سَيِّدِي! أَنْتَ تَعْرِفُ ٱلشَّعْبَ أَنَّهُ شِرِّيرٌ. ٢٣ فَقَالُوا لِيَ: ٱصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَسِيرُ أَمَامَنَا. لأَنَّ هٰذَا مُوسَى ٱلرَّجُلَ ٱلَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لاَ نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ. ٢٤ فَقُلْتُ لَهُمْ: مَنْ لَهُ ذَهَبٌ فَلْيَنْزِعْهُ وَيُعْطِنِي. فَطَرَحْتُهُ فِي ٱلنَّارِ فَخَرَجَ هٰذَا ٱلْعِجْلُ».

ص ١٤: ١١ و١٥: ٢٤ و١٦: ٢ و٢٠ و٢٨ و١٧: ٢ و٤ ع ١ ع ٤

لا ريب في أن هارون بلا عذر وحجته الأولى ناقصة والثانية باطلة. فإن الأولى أن الشعب أجبره على صنع العجل والثانية أن الذهب خرج عجلاً من دون أن يسكبه في قالب. وكان هارون مستحقاً الهلاك لكنه نجا مع من نجوا بشفاعة موسى (تثنية ٩: ٢٠).

٢٥ «وَلَمَّا رَأَى مُوسَى ٱلشَّعْبَ أَنَّهُ مُعَرًّى (لأَنَّ هَارُونَ كَانَ قَدْ عَرَّاهُ لِلْهُزْءِ بَيْنَ مُقَاوِمِيهِ)».

ع ٢ و٣ وص ٣٣: ٤ إلى ٦ ٢أيام ٢٨: ١٩

لَمَّا رَأَى مُوسَى ٱلشَّعْبَ أَنَّهُ مُعَرًّى ترجم بعضهم الأصل العبراني بقوله «لما رأى موسى أن الشعب فاجر» والذي في متن الترجمة العربية هو الصحيح. فإن راقصي الوثنيين كانوا يتوغلون في الخلاعة في أثناء الرقص حتى أنهم يخلعون أثوابهم. وشوهدت صور الراقصين المصريين على الآثار القديمة عارية.

لأَنَّ هَارُونَ كَانَ قَدْ عَرَّاهُ (أي سمح له أن يتعرى كعادة الوثنيين).

لِلْهُزْءِ بَيْنَ مُقَاوِمِيهِ (اللام للعاقبة أي فكانت عاقبة ذلك هزء المقاومين). والمقصود بالمقاومين هنا العمالقة أو قبيلة عماليق فإنهم كانوا على التلال متمكنين من مشاهدة كل ما حدث في محلة الإسرائيليين.

٢٦ «وَقَفَ مُوسَى فِي بَابِ ٱلْمَحَلَّةِ، وَقَالَ: مَنْ لِلرَّبِّ فَإِلَيَّ! فَٱجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمِيعُ بَنِي لاَوِي».

وَقَفَ مُوسَى فِي بَابِ ٱلْمَحَلَّةِ أتى موسى هنا أمراً ثالثاً وكان الأمران الأولان سحق العجل وتوبيخ هارون والثالث هنا قتل من لم يكف عن الأعمال الوثنية بمساعدة الأمناء لله.

جَمِيعُ بَنِي لاَوِي أي أكثرهم على مقتضى اصطلاح الكتاب والمعنى جميع بني لاوي الذين بقوا أمناء لله فإن بعضهم على ما يستفاد من (ع ٧ – ٢٩) بقي على الوثنية ولكن لقلته حُسب كالعدم (انظر تفسير ع ٢٨).

٢٧ «فَقَالَ لَهُمْ: هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ: ضَعُوا كُلُّ وَاحِدٍ سَيْفَهُ عَلَى فَخْذِهِ وَمُرُّوا وَٱرْجِعُوا مِنْ بَابٍ إِلَى بَابٍ فِي ٱلْمَحَلَّةِ، وَٱقْتُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ».

عدد ٢٥: ٥ تثنية ١٣: ٦ إلى ١١ و٣٣: ٩ و١٠ وزكريا ١٣: ٣ ومتّى ١٠: ٣٧

هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ أي أنه أمرهم بما أمر بوحي الله لا بمقتضى إرادته (ويدلك على ذلك أنه شفع في الشعب قبلاً وتذلل أمام الله من أجلهم) فكان أمره بقتل من بقوا على الوثنية في دائرة العدل والطاعة لله.

مِنْ بَابٍ إِلَى بَابٍ أي مروا بكل المحلة من أولها إلى آخرها وكل من رأيتموه لا ينفك عن الأمور الوثنية اقتلوه.

ٱقْتُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ (قابل بهذا ع ٢٦). فلا بد من أن اللاويين الذين كانوا مع موسى وجدوا بعض إخوتهم وأبنائهم بين الباقين على الوثنية فقتلوا بعض أقربائهم.

٢٨ «فَفَعَلَ بَنُو لاَوِي بِحَسَبِ قَوْلِ مُوسَى. وَوَقَعَ مِنَ ٱلشَّعْبِ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ رَجُلٍ».

ثَلاَثَةِ آلاَفِ رَجُلٍ (فإذا حسبنا رجال الإسرائيليين يومئذ ٦٠٠٠٠٠ وهو أقل ما يعتبر (ص ١٢: ٣٧) كان معدل الذين بقوا على الوثنية وقُتلوا ٣ على ٦٠٠ أو ١ على ٢٠٠. وكان اللاويون بالنسبة إلى المجموع على طريق التقريب ١ على ١٢ فيكون من قُتل من اللاويين ١ على ٢٤٠٠ على تقدير مساواة النسبة فيكونون بالنسبة إلى سائر اللاويين بمنزلة العدم فصحّ أن يُقال إن جميع اللاويين كانوا مع الله (انظر تفسير ع ٢٦).

٢٩ «وَقَالَ مُوسَى: ٱمْلأُوا أَيْدِيَكُمُ ٱلْيَوْمَ لِلرَّبِّ، حَتَّى كُلُّ وَاحِدٍ بِٱبْنِهِ وَبِأَخِيهِ، فَيُعْطِيَكُمُ ٱلْيَوْمَ بَرَكَةً».

ص ٢٩: ٩ و٢٢ إلى ٢٤ وعدد ٢٥: ١١ إلى ١٣

أنزل موسى ما أمر به اللاويين منزلة التقديس والتكهين لأنه وسيلة إلى تطهير الشعب.

شفاعة موسى في الشعب على عبادة العجل ع ٣٠ إلى ٣٥

كان موسى حين سمع أن الرب أراد أن يهلك الشعب قد تضرّع له وشفع في الشعب (ع ١١ – ١٣) فعفا الله عنه ولكن موسى بقي في شك من العفو التام ولكنه لما رأى ما كان من أمره إياه بعقاب الإسرائيليين جدد التضرع والشفاعة فعفا الله صريحاً وصعد إلى الجبل وأخذ يجاهد مع الله بالصلاة منفرداً. ولم يكتف الشفاعة في الشعب بل سأل الله أن يجلعه فداء عن شعبه فشاء أن يُمحى من كتاب الله بشرط أن يبقى إسرائيل. فأبى الله ذلك الفداء لكنه أنبأ موسى بأنه عفا عن الشعب وأذن في أن يتمموا مسيرهم إلى أرض الموعد لكن جعل لهم الملاك قائداً بدلاً من أن يقودهم هو سبحانه وتعالى بنفسه وإنه سيعاقب الخطأة بمقتضى ما سبق من إنذاره (ع ١٠).

٣٠ «وَكَانَ فِي ٱلْغَدِ أَنَّ مُوسَى قَالَ لِلشَّعْبِ: أَنْتُمْ قَدْ أَخْطَأْتُمْ خَطِيَّةً عَظِيمَةً. فَأَصْعَدُ ٱلآنَ إِلَى ٱلرَّبِّ لَعَلِّي أُكَفِّرُ خَطِيَّتَكُمْ».

١صموئيل ١٢: ٢٠ و٢٣ ولوقا ٥: ١٨ و٢صموئيل ٦: ١٢ وعاموس ٥: ١٥

لَعَلِّي (أي أرجو لا أتحقق لأن الخطيئة عظيمة).

٣١ «فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى ٱلرَّبِّ وَقَالَ: آهِ قَدْ أَخْطَأَ هٰذَا ٱلشَّعْبُ خَطِيَّةً عَظِيمَةً وَصَنَعُوا لأَنْفُسِهِمْ آلِهَةً مِنْ ذَهَبٍ».

تثنية ٩: ١٨ ص ٢٠: ٢٣

فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى ٱلرَّبِّ رجع إليه إلى سيناء حيث أخذ لوحي الشهادة بعد أربعين يوماً وأربعين ليلة.

آلِهَةً مِنْ ذَهَبٍ الأولى ترجمة العبارة «إلهاً من ذهب» (انظر تفسير ع ١).

٣٢ «وَٱلآنَ إِنْ غَفَرْتَ خَطِيَّتَهُمْ وَإِلاَّ فَٱمْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ ٱلَّذِي كَتَبْتَ».

مزمور ٦٩: ٢٨ ورومية ٩: ٣ مزمور ٥٦: ٨ و١٣٩: ١٦ ودانيال ١٢: ١ وفيلبي ٤: ٣ ورؤيا ٣: ٥ و٣: ٨ و٢٠: ١٢ و١٤ و٢١: ٢٧ و٢٢: ١٩

فَٱمْحُنِي هذا كقول بولس «كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ أَكُونُ أَنَا نَفْسِي مَحْرُوماً مِنَ ٱلْمَسِيحِ لأَجْلِ إِخْوَتِي أَنْسِبَائِي حَسَبَ ٱلْجَسَدِ» (رومية ٩: ٣). ولكن لما كان «ٱلأَخُ لَنْ يَفْدِيَ ٱلإِنْسَانَ فِدَاءً، وَلاَ يُعْطِيَ ٱللّٰهَ كَفَّارَةً عَنْهُ» (مزمور ٤٩: ٧) لم يقبل الله موسى فداء عن الإسرائيليين لكنه عفا عنهم بعد ما أدبهم (ع ٣٤ و٣٥).

٣٣ «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: مَنْ أَخْطَأَ إِلَيَّ أَمْحُوهُ مِنْ كِتَابِي».

لاويين ٢٣: ٣٠ وحزقيال ١٨: ٤

مَنْ أَخْطَأَ إِلَيَّ أَمْحُوهُ لأنه «اَلنَّفْسُ ٱلَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ» (حزقيال ١٨: ٤). فالإنسان لا يحمل خطيئة إنسان آخر فالشر على النفس التي تخطئ. ولا مغفرة بلا توبة حتى أن استحقاق المسيح لا يقي الخاطئ الذي لا يريد أن يترك خطيئته ويبغضها ويهرب منها. ولا يخلص من الموت إلا الواحد الذي يغرس في النفس مبدأ الحياة.

٣٤ «وَٱلآنَ ٱذْهَبِ ٱهْدِ ٱلشَّعْبَ إِلَى حَيْثُ كَلَّمْتُكَ. هُوَذَا مَلاَكِي يَسِيرُ أَمَامَكَ. وَلٰكِنْ فِي يَوْمِ ٱفْتِقَادِي أَفْتَقِدُ فِيهِمْ خَطِيَّتَهُمْ».

ص ٣٣: ٢ و٤ و١٥ وعدد ٢٠: ١٦ تثنية ٣٢: ٣٥ وعاموس ٣: ١٤ ورومية ٢: ٥ و٦

ٱهْدِ ٱلشَّعْبَ إِلَى حَيْثُ كَلَّمْتُكَ أي لا تفتأ تقود الشعب إلى أن يبلغ أرض فلسطين (انظر ص ٣: ٨ و١٧ و٦: ٤ – ٨ الخ).

مَلاَكِي يَسِيرُ أَمَامَكَ كان هذا الوعد مكرر الوعد السابق وهو قوله «هَا أَنَا مُرْسِلٌ مَلاَكاً أَمَامَ وَجْهِكَ لِيَحْفَظَكَ فِي ٱلطَّرِيقِ وَلِيَجِيءَ بِكَ إِلَى ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي أَعْدَدْتُهُ» (ص ٢٣: ٢٠). لكن معنى الوعد هنا تغيّر تغيُّراً عظيماً فإنه يتضح لنا من (ص ٣٣: ١ – ٣) أن الملاك الذي وُعد به هنا ليس الله لأنه تعالى قال «فإني لا أصعد في وسطك» بل هو مخلوق بينه وبين الله غاية البُعد.

فِي يَوْمِ ٱفْتِقَادِي أَفْتَقِدُ فِيهِمْ خَطِيَّتَهُمْ لأنه جعل الألم من توابع الخطيئة فلا ينفك عنها. إن الله رضي هنا أن يرجع عن قتل شعبه ويبقيه ويرده إلى كرامته لكن الإسرائيليين لم يكونوا يتوقعون أن أمورهم تبقى كأنهم لم يكونوا أخطأوا. فكان الله يفتقد خطيتهم ولكن لم يفتقدها بالموت بل بالعقاب. ولعل بقاءهم تائهين في البرية كان جزءاً من ذلك العقاب (عدد ١٤: ٣٣).

٣٥ «فَضَرَبَ ٱلرَّبُّ ٱلشَّعْبَ لأَنَّهُمْ صَنَعُوا ٱلْعِجْلَ ٱلَّذِي صَنَعَهُ هَارُونُ».

٢صموئيل ١٢: ٩ وأعمال ٧: ٤١

فَضَرَبَ ٱلرَّبُّ ٱلشَّعْبَ ليس المعنى هنا أن الله ضرب الشعب ضربة خاصة بل أنه أصاب الذين عبدوا العجل بآلام مختلفة.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى