سفر الخروج | 30 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر الخروج
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّلاَثُونَ
مذبح البخور
١ «وَتَصْنَعُ مَذْبَحاً لإِيقَادِ ٱلْبَخُورِ. مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ تَصْنَعُهُ».
ص ٣٧: ٢٥ و٤٠: ٥ ع ٧
تَصْنَعُ مَذْبَحاً لإِيقَادِ ٱلْبَخُورِ لا ندري لماذا أخر الكلام على مذبح البخور إلى هنا ولم يذكره مع مما ذكره من أمور القدس (ص ٢٥) وعدم درايتنا لا يأذن للشك في الآية. وما ذكره في شأن خدمة هارون يؤذن بأنه بُني لخدمة الحبر الأعظم (ع ٧ – ١٠). وكان البخور من التقدمات التي طلبها الله قبلاً (ص ٢٥: ٦) ففيه إيماء إلى بناء المذبح. وكان مما استعمله الأمم المختلفة في العبادة. فكان الكهنة المصريون يحملون في معابدهم المباخر ويوقدون فيها البخور. وكانوا يكثرون منه في أعياد أمون على ما جاء في الكتاب المسمى أنباء الماضي (أنباء الماضي مجلد ١٠ صفحة ١٤ – ١٩). وقال هيرودوتس المؤرخ أن البابليين كانوا يوقدون البخور في عيد البعل. وإيقاد اليونان والرومان البخور في ذبائحهم مشهور. واستعماله في الأديان الباطلة لا يستلزم تركه في الدين الموسوي الحق.
مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ تَصْنَعُهُ فهو كخشب مذبح النحاس (ص ٢٧: ١) لكن ذاك المذبح كان غشاؤه من النحاس وهذا كان غشاؤه من الذهب.
٢ «طُولُهُ ذِرَاعٌ وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ. مُرَبَّعاً يَكُونُ. وَٱرْتِفَاعُهُ ذِرَاعَانِ. مِنْهُ تَكُونُ قُرُونُهُ».
مُرَبَّعاً يَكُونُ كهيئة النحاس (ص ٢٧: ١) لكنه أصغر منه فإن هذا كان علوه ذراعين وذاك كان علوه ثلاث أذرع. وكان طول هذا ذراعاً وعرضه ذراعاً وكل من طول ذاك وعرضه خمس أذرع. وكان صغره مناسباً لما يوقد عليه لأن ذلك البخور كان ثميناً فأوقد عليه جزء صغير منه.
قُرُونُهُ الخ (ص ٢٧: ٢ وتفسيره) وكانت قرونه منه أي متصلة لا مركبة على حدتها.
٣ «وَتُغَشِّيهِ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ: سَطْحَهُ وَحِيطَانَهُ حَوَالَيْهِ وَقُرُونَهُ. وَتَصْنَعُ لَهُ إِكْلِيلاً مِنْ ذَهَبٍ حَوَالَيْهِ».
تُغَشِّيهِ بِذَهَبٍ كان من أشياء الخيمة المقدسة التي في القدس أو في الدار وعد ثاني التابوت مذبح البخور وكان رمز الصلاة عامة (مزمور ١٣١: ٢ ولوقا ١: ١٠). وكان رمزاً إلى الكفارة أو الغفران بما يقدمه الكاهن حين يخطأ هو أو يخطأ الشعب كله (لاويين ٤: ٣ – ١٢ و١٣ – ٢١) فإذاً هو كان من أعظم الأقداس للرب وعلى هذا وجب أن تكون مواده من مواد التابوت أي تابوت العهد وأن يوضع تجاه ذلك التابوت وعلى القرب منه لكن خارج الحجاب (ص ٤٠: ٥).
إِكْلِيلاً مِنْ ذَهَبٍ حَوَالَيْهِ ارجع إلى ما قيل في مائدة خبز الوجوه (ص ٢٥: ٢٤) فإن الغرض من الإكليل في كليهما وقاية ما عليه من السقوط.
٤ «وَتَصْنَعُ لَهُ حَلْقَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ تَحْتَ إِكْلِيلِهِ عَلَى جَانِبَيْهِ. عَلَى ٱلْجَانِبَيْنِ تَصْنَعُهُمَا، لِتَكُونَا بَيْتَيْنِ لِعَصَوَيْنِ لِحَمْلِهِ بِهِمَا».
حَلْقَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ كان مذبح البخور أصغر من مذبح النحاس كما علمت فكانت الحلقتان كافية لرفعه وحمله بخلاف ذاك فإنه كان له أربع حلقات (ص ٢٧: ٤).
٥ «وَتَصْنَعُ ٱلْعَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ وَتُغَشِّيهِمَا بِذَهَبٍ».
ٱلْعَصَوَيْنِ كعصوي مذبح النحاس إلا أنهما غُشيا بذهب وغُشي تانك بالنحاس (ص ٢٧: ٦).
٦ «وَتَجْعَلُهُ قُدَّامَ ٱلْحِجَابِ ٱلَّذِي أَمَامَ تَابُوتِ ٱلشَّهَادَةِ. قُدَّامَ ٱلْغِطَاءِ ٱلَّذِي عَلَى ٱلشَّهَادَةِ حَيْثُ أَجْتَمِعُ بِكَ».
ص ٢٥: ٢١ و٢٢
قُدَّامَ ٱلْحِجَابِ كان تابوت العهد وراء الحجاب (ص ٢٦: ٣٣ و٤٠: ٣) وكان مذبح البخور تجاهه قدام الحجاب وأقرب إليه من المنارة الذهبية ومائدة خبز الوجوه ولهذا ذكر كاتب الرسالة إلى العبرانيين ما يفيد أنه من متعلقات قدس الأقداس (عبرانيين ٩: ٤). وحجاب تابوت الشهادة غير حجاب المدخل المؤدي إلى القدس.
حَيْثُ أَجْتَمِعُ بِكَ (قابل بهذا ص ٢٥: ٢٢ و٣٩: ٤٢ و ٤٣).
٧، ٨ «٧ فَيُوقِدُ عَلَيْهِ هَارُونُ بَخُوراً عَطِراً كُلَّ صَبَاحٍ. حِينَ يُصْلِحُ ٱلسُّرُجَ يُوقِدُهُ. ٨ وَحِينَ يُصْعِدُ هَارُونُ ٱلسُّرُجَ فِي ٱلْعَشِيَّةِ يُوقِدُهُ. بَخُوراً دَائِماً أَمَامَ ٱلرَّبِّ فِي أَجْيَالِكُمْ».
ع ٣٤ إلى ٣٨ و١صموئيل ٢: ٢٨ و١أيام ٢٣: ١٣ ولوقا ١: ٩ ورؤيا ٨: ٣ ص ٢٧: ٢١
فَيُوقِدُ عَلَيْهِ هَارُونُ بَخُوراً عَطِراً كُلَّ صَبَاحٍ (كان هذا البخور مركباً وذُكر تركيبه في ع ٣٤ و٣٥) وكان إيقاد البخور يصحب ذبائح الصباح وذبائح المساء كما يظهر من (مزمور ١٤١: ٢ ولوقا ١: ١٠). وكون ذلك رمزاً إلى الصلاة يتبين من (رؤيا ٤: ٨ و٨: ٣ و٤).
حِينَ يُصْلِحُ ٱلسُّرُجَ (قابل بهذا ص ٢٧: ٣١).
٩ «لاَ تُصْعِدُوا عَلَيْهِ بَخُوراً غَرِيباً وَلاَ مُحْرَقَةً أَوْ تَقْدِمَةً، وَلاَ تَسْكُبُوا عَلَيْهِ سَكِيباً».
لاويين ١٠: ١
لاَ تُصْعِدُوا عَلَيْهِ بَخُوراً غَرِيباً اي مخالفاً تركيبه لتركيب البخور المأمور به في (ع ٢٤ و٣٥).
وَلاَ مُحْرَقَةً أَوْ تَقْدِمَةً، وَلاَ تَسْكُبُوا عَلَيْهِ سَكِيباً لأن ذلك من أمور مذبح النحاس لا مذبح البخور لأنه غير مناسب لها.
١٠ «وَيَصْنَعُ هَارُونُ كَفَّارَةً عَلَى قُرُونِهِ مَرَّةً فِي ٱلسَّنَةِ. مِنْ دَمِ ذَبِيحَةِ ٱلْخَطِيَّةِ ٱلَّتِي لِلْكَفَّارَةِ مَرَّةً فِي ٱلسَّنَةِ يَصْنَعُ كَفَّارَةً عَلَيْهِ فِي أَجْيَالِكُمْ. قُدْسُ أَقْدَاسٍ هُوَ لِلرَّبِّ».
لاويين ١٦: ١٨ و٢٣: ٢٧
وَيَصْنَعُ هَارُونُ كَفَّارَةً عَلَى قُرُونِهِ مَرَّةً فِي ٱلسَّنَةِ هذه الآية تعين معنى ما جاء في (لاويين ١٦: ١٨). فإن هنالك ما ظن منه بعضهم أن المذبح الذي كان أمام الرب هو مذبح النحاس. والواقع أنه مرة في السنة في يوم الكفارة العظيم كان الحبر الأعظم بعد أن يدخل وراء الحجاب ويرش دم التقدمات على مجلس الرحمة أي الغطاء (لاويين ١٦: ١٤ و١٥) يخرج إلى المذبح الذي أمام الرب ويكفر عنه بأخذ من دم الثور ومن دم التيس ويجعل على قرون المذبح مستديراً. وينضح عليه من الدم بإصبعه سبع مرات (لاويين ١٦: ١٨ و١٩).
فدية النفوس
١١، ١٢ «١١ وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ١٢ إِذَا أَخَذْتَ كَمِّيَّةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِحَسَبِ ٱلْمَعْدُودِينَ مِنْهُمْ، يُعْطُونَ كُلُّ وَاحِدٍ فِدْيَةَ نَفْسِهِ لِلرَّبِّ عِنْدَمَا تَعُدُّهُمْ، لِئَلاَّ يَصِيرَ فِيهِمْ وَبَأٌ عِنْدَمَا تَعُدُّهُمْ».
ص ٣٨: ٢٥ وعدد ١: ٢ و٢٦: ٢ و٢صموئيل ٢٤: ٢ عدد ٣١: ٥ وأيوب ٣٣: ٢٤ و٣٦: ١٨ ومزمور ٤٩: ٧ ومتّى ٢٠: ٢٨ و١تيموثاوس ٢: ٦ و١بطرس ١: ١٨ و١٩ ٢صموئيل ٢٤: ١٥
إِذَا أَخَذْتَ كَمِّيَّةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ هذا يدل على أنهم كانوا يعدون النفوس ويكتبون الأسماء في دفاتر معينة لذلك ولم يأتوا مثل هذا قبلاً ولذلك لا يُعتبر ما قيل في عدد بني إسرائيل عند خروجهم من مصر إلا تقريباً (ص ١٢: ٣٧) ولكن هنا كان الضبط واجباً لأخذ الفدية. وموسى كان يعرف أسلوب ذلك الضبط لأنه يبعد عن الظن أنه لم يكن عند المصريين في عصره وهم من أول الأمم المتمدنة يومئذ. وقد أيّد ذلك ما عُرف من الآثار وذُكر في الكتاب المسمى بأنباء الماضي.
يُعْطُونَ كُلُّ وَاحِدٍ فِدْيَةَ نَفْسِهِ ساوى الله بين النفوس في ذلك ليبين أنها ثمينة عنده على السواء وإنها كلها مفتقرة إلى الفداء.
لِئَلاَّ يَصِيرَ فِيهِمْ وَبَأٌ إذا لم يشعر الواحد منهم بحاجته إلى الفداء ويؤدي الفدية بسرور أعلن بذلك كبرياءه وأوجب على نفسه عقاب الله فضربه بالوبإ.
١٣ «هٰذَا مَا يُعْطِيهِ كُلُّ مَنِ ٱجْتَازَ إِلَى ٱلْمَعْدُودِينَ: نِصْفُ ٱلشَّاقِلِ بِشَاقِلِ ٱلْقُدْسِ. (ٱلشَّاقِلُ هُوَ عِشْرُونَ جِيرَةً) نِصْفُ ٱلشَّاقِلِ تَقْدِمَةً لِلرَّبِّ».
ص ٣٨: ٢٦ لاويين ٢٧: ٢٥ وعدد ٣: ٤٧ وحزقيال ٤٥: ١٢
نِصْفُ ٱلشَّاقِلِ كانت الشواقل قطعاً مستديرة من الفضة قيمة القطعة نحو سبعة عشر غرشاً لأن ثقلها ٢٢٠ قمحة سلطانية. ولم تكن المسكوكات في زمن موسى. وكان نصف الشاقل قطعة ثقلها ١١٠ قمحات فكانت الفدية نحو ثمانية غروش ونصف الغرش وهو فرض خفيف.
بِشَاقِلِ ٱلْقُدْسِ كان هذا الشاقل معيّن الثقل عند الكهنة تعييناً محكماً. وكانت التقدمات تعتبر بقيمته (لاويين ٢٧: ٢٥).
ٱلشَّاقِلُ هُوَ عِشْرُونَ جِيرَةً الجيرة حبة الخروب (أو الخرنوب) الكبيرة فكان ثقل الجيرة نحو ١١ قمحة.
١٤ «كُلُّ مَنِ ٱجْتَازَ إِلَى ٱلْمَعْدُودِينَ مِنِ ٱبْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَصَاعِداً يُعْطِي تَقْدِمَةً لِلرَّبِّ».
مِنِ ٱبْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَصَاعِداً كان الإنسان عند اليهود لا يُعد كاملاً إلا بعد أن يبلغ سن العشرين وعند ذلك السن كان أهلاً للخدمة العسكرية (عدد ١: ٣ و٢أيام ٢٥: ٥). وفي هذا السن كان اللاويون يبتدئون الخدمة في القدس (١أيام ٢٣: ٢٤ – ٢٧ و٢أيام ٤١: ١٧ وعزرا ٣: ٨).
١٥ «اَلْغَنِيُّ لاَ يُكْثِرُ وَٱلْفَقِيرُ لاَ يُقَلِّلُ عَنْ نِصْفِ ٱلشَّاقِلِ حِينَ تُعْطُونَ تَقْدِمَةَ ٱلرَّبِّ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ نُفُوسِكُم».
أيوب ٣٤: ١٩ وأمثال ٢٢: ٢ وأفسس ٦: ٩ وكولوسي ٣: ٢٥ ع ١٢
اَلْغَنِيُّ لاَ يُكْثِرُ وَٱلْفَقِيرُ لاَ يُقَلِّلُ (انظر تفسير ع ١٢).
١٦ «وَتَأْخُذُ فِضَّةَ ٱلْكَفَّارَةِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَتَجْعَلُهَا لِخِدْمَةِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ. فَتَكُونُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ تِذْكَاراً أَمَامَ ٱلرَّبِّ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ نُفُوسِكُمْ».
ص ٣٨: ٢٥ إلى ٢٨ عدد ١٦: ٤٠
تَجْعَلُهَا لِخِدْمَةِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ يظهر من (ص ٣٨: ٢٧ و٢٨) أن الفضة المجموعة من الشواقل التي كانت تبلغ نحو مئة وزنة كانت تنفق على القواعد التي كانت تضبط خشب الخيمة (ص ٢٦: ١٩ – ٢٥). وأعمدة الحجاب (ص ٢٦: ٣٢) ومما يتعلق بذلك من الشظاظ والعصي وما شاكل ذلك.
المرحضة النحاسية
١٧، ١٨ «١٧ وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ١٨ وَتَصْنَعُ مِرْحَضَةً مِنْ نُحَاسٍ، وَقَاعِدَتَهَا مِنْ نُحَاسٍ، لِلٱغْتِسَالِ. وَتَجْعَلُهَا بَيْنَ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ وَٱلْمَذْبَحِ، وَتَجْعَلُ فِيهَا مَاءً».
ص ٣٨: ٨ و١ملوك ٧: ٣٨ ص ٤٠: ٧ و٣٠
َ تَصْنَعُ مِرْحَضَةً مِنْ نُحَاسٍ أي برنز (وهو النحاس الأسمر انظر تفسير ص ٢٥: ٣). وكان لا بد من الماء لغسل الكهنة (ع ١٩ – ٢١) وغسل بعض أجزاء الذبيحة (ص ٢٩: ٢٧ ولاويين ١: ٩ و١٣ الخ) ولتطهير المذبح والأرض عنده من الدم وغيره من الأوساخ على ما يرجّح.
قَاعِدَتَهَا المرجّح أن المرحضة كانت على هيئة قدم ذي قاعدة مستديرة. وقد شوهد مثل هذه المراحض في العاديات الأشورية.
تَجْعَلُهَا بَيْنَ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ وَٱلْمَذْبَحِ كان من الضروري أن تكون المرحضة قريبة من المذبح لأن الكهنة كانوا كثيراً ما يحتاجون إلى الاغتسال وهم يخدمون عليه (ع ٢٠). وكان من الضروري أيضاً أن تكون قريبة من مدخل الخيمة لأنهم كانوا مكلفين أن يغتسلوا قبل أن يدخلوا القدس. وجاء في تقاليد اليهود أن موضع المرحضة كان بين المدخل ومذبح النحاس بميلة إلى الجنوب.
١٩ «فَيَغْسِلُ هَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْهَا».
ص ٤٠: ٣١ و٣٢ ومزمور ٢٦: ٦ وإشعياء ٥٢: ١١ ويوحنا ١٣: ١٠ وعبرانيين ١٠: ٢٢
أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ غسل الأيدي إشارة إلى طهارة العمل وغسل الأرجل إلى قداسة السلوك.
٢٠ «عِنْدَ دُخُولِهِمْ إِلَى خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ يَغْسِلُونَ بِمَاءٍ لِئَلاَّ يَمُوتُوا. أَوْ عِنْدَ ٱقْتِرَابِهِمْ إِلَى ٱلْمَذْبَحِ لِلْخِدْمَةِ لِيُوقِدُوا وَقُوداً لِلرَّبِّ».
لِئَلاَّ (قابل بهذا ص ٢٧: ٣٥ و٤٣). وليس من الهين أن نعرف لماذا كان جزاء مخالفة بعض الرسوم الموت دون غيره. والاغتسال كان من سهل الأمور. ولعل إهماله كان يُعد استخفافاً بالله سبحانه وتعالى.
٢١ «يَغْسِلُونَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ لِئَلاَّ يَمُوتُوا. وَيَكُونُ لَهُمْ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً لَهُ وَلِنَسْلِهِ فِي أَجْيَالِهِمْ».
ص ٢٨: ٤٣
فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً (قابل بهذا ص ٢٧: ٢١ و٢٨: ٤٣ و٢٩: ٩). فكان من الواجب مراعات تلك الفريضة مدة بقاء النظام الموسوي. وكانت الطهارة الظاهرة رمزاً إلى الطهاة الباطنة الواجبة إلى الأبد لأنه لا يقدر أحد أن يقترب من حضرة الله ما لم يكن مقدساً (انظر عبرانيين ١٢: ١٤).
تركيب الزيت المقدس
٢٢، ٢٣ «٢٢ وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٢٣ وَأَنْتَ تَأْخُذُ لَكَ أَفْخَرَ ٱلأَطْيَابِ. مُرّاً قَاطِراً خَمْسَ مِئَةِ شَاقِلٍ، وَقِرْفَةً عَطِرَةً نِصْفَ ذٰلِكَ: مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَقَصَبَ ٱلذَّرِيرَةِ مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ».
نشيد الأناشيد ٤: ١٤ وحزقيال ٢٧: ٢٢ مزمور ٤٥: ٨ وإشعياء ٤٣: ٢٤ وإرميا ٦: ٢٠ وحزقيال ٢٧: ١٩
أَفْخَرَ ٱلأَطْيَابِ الشرق مصدر كثير من أنواع الطيوب ولكن بعضها كان يفضل على سائرها. قال هيرودوتس أفخرها خمسة كانت تُرسل من بلاد العرب إلى سائر البلاد. وذُكر هنا اثنان منها.
مُرّاً قَاطِراً أي خالصاً من الشوائب (والقاطر في العربية كل صمغ يقطر. والمرّ مادة يسيل من بعض الأشجار وقد تُشرط شجرته بعد فرش شيء يسيل عليه فيجمد قطعاً إلى حُمرة صافية تنكسر عن نقط بيض في شكل الأظفار خفيفة هشة وهذا هو الجيد ويعرف بالمرّ الصافي لخلوصه وبالمرّ القاطر لقطرانه من شجرته). ويحصل من نبته بطريقين الأول ما كان قطرانه طبيعياً وهو الأنقى ولهذا سُمي بالخالص والصافي. والقاطر الثاني ما كان قطرانه صناعياً ويحصل بشرط قشور النبت. وكان المر يُستعمل كثيراً في الأزمنة القديمة. وكان المادة الأولى في محنطات المصريين على ما قال هيرودوتس. وكانوا يحرقونه مع بعض ذبائحهم. وكان المجوس يعتبرونه خير بخور. واتخذه اليونان مرخماً وبخوراً وأهل البلاط الروماني دهناً لشعور رؤوسهم. وكان اليهود في زمن المسيح يطيبون به جثث الموتى (يوحنا ١٩: ٣٩). وهذه الآية أول موضع لذكر المرّ في الكتاب المقدس.
قِرْفَةً عَطِرَةً كانت القرفة نادرة في ذلك الزمان. وهي القشر الباطن من شجر القرفة. وموطن شجرتها سيلان وبورنيو وسومطرة والصين وكوصين صين والهند على تخم مالابار. وكانت على ما قال هيرودوتس وسترابو تنبت قديماً في بلاد العرب. ويقول مؤرخو العرب أنها نُقلت من الهند أو سيلان إلى فينيقية وزرعها الفينيقيون في مصر واليونان. والآية هنا أول مواضع ذكرها في الكتاب المقدس ولم تُذكر في غير موضعين آخرين في العهد القديم (أمثال ٧: ١٦ ونشيد الأناشيد ٤: ١٤).
قَصَبَ ٱلذَّرِيرَةِ في الشرق عدة أنواع من القصب العطري المسمى بقصب الذريرة. قال بليني أن نوعاً منه ينبت في سورية قرب جبل لبنان وأن نوعاً منه في الهند وبلاد العرب. ولا نعلم أي أنواعه المقصود هنا (وقد ذُكر في (نشيد الأناشيد ٤: ١٤ وإشعياء ٤٣: ٢٤ وإرميا ٦: ٢٠ وحزقيال ٢٧: ١٩). وقال الانطاكي في التذكرة «قصب الذريرة سمى بذلك لدخوله في الأطياب والذرائر وهو نبت كالقش عقد محشو بشيء أبيض وأجوده المتقارب العقد الياقوتي الضارب إلى الصفرة القابض المرّ. ومنه نوع رزين يتشظى كالخيوط رديء جداً».
٢٤ «وَسَلِيخَةً خَمْسَ مِئَةٍ بِشَاقِلِ ٱلْقُدْسِ، وَمِنْ زَيْتِ ٱلزَّيْتُونِ هِيناً».
مزمور ٤٥: ٨ ص ٢٩: ٤٠
سَلِيخَةً وفي العبرانية قِدّه «קדה» قال رولنسون ذهب أحسن مفسري العبرانيين إلى أن معنى الكلمة العبرانية ما يُعرف باليوناني واللاتيني بالكاسيا وأصلها من القد أي القطع أو الفصل لأنها القشر الباطن لشجرة تُعرف عند النباتيين باسم «سينامومم كاسيا» موطنها الهند وجاوا وشبه جزيرة ملقا. وهي تقرب من القرفة في العطري والطعم لكنها أكثف وأشد حرافة. ولم تُذكر لفظة «קדה» إلا هنا وفي (حزقيال ٢٧: ١٩).
(وقال الأنطاكي في تذكرته «السليخة… قشر شجر هندي ويمني وقيل هي من خواص بلاد عمان».
هِيناً (انظر تفسير ص ٢٩: ٤٠).
٢٥ «وَتَصْنَعُهُ دُهْناً مُقَدَّساً لِلْمَسْحَةِ. عِطْرَ عِطَارَةٍ صَنْعَةَ ٱلْعَطَّارِ. دُهْناً مُقَدَّساً لِلْمَسْحَةِ يَكُونُ».
ص ٢٥: ٦ و٣٧: ٢٩ وعدد ٣٥: ٢٥ ومزمور ٨٩: ٢٠ و٣٣: ٢
صَنْعَةَ ٱلْعَطَّارِ كان صنعه يقتضي مهارة عظيمة فما كان هذا الطيب يمزج بالزيت كيفما اتفق. جاء عن اليهود أن هذا الطيب مركب من عدة طيوب يؤخذ من خالصها ثم يمزج بالزيت والمواد العطرية.
٢٦ – ٢٩ «٢٦ وَتَمْسَحُ بِهِ خَيْمَةَ ٱلٱجْتِمَاعِ، وَتَابُوتَ ٱلشَّهَادَةِ، ٢٧ وَٱلْمَائِدَةَ وَكُلَّ آنِيَتِهَا، وَٱلْمَنَارَةَ وَآنِيَتَهَا، وَمَذْبَحَ ٱلْبَخُورِ، ٢٨ وَمَذْبَحَ ٱلْمُحْرَقَةِ وَكُلَّ آنِيَتِهِ، وَٱلْمِرْحَضَةَ وَقَاعِدَتَهَا ٢٩ وَتُقَدِّسُهَا فَتَكُونُ قُدْسَ أَقْدَاسٍ. كُلُّ مَا مَسَّهَا يَكُونُ مُقَدَّساً».
ص ٤٠: ٩ ولاويين ٨: ١٠ وعدد ٧: ١ ص ٢٩: ٣٧
تَمْسَحُ بِهِ خَيْمَةَ ٱلٱجْتِمَاعِ كان من الواجب أن تقدّس خيمة الاجتماع وكل ما فيها قبل كل شيء. وكانوا يبتدئون مسح التابوت في قدس الأقداس ومائدة خبز الوجوه وآنيتها والمنارة الذهبية ثم مذبح البخور ثم ما هو خارج الحجاب. وكان الزيت يرش على مذبح النحاس والمرحضة (انظر ع ٢٦ – ٢٩ وقابل به لاويين ٨: ١٠ و١١).
٣٠، ٣١ «٣٠ وَتَمْسَحُ هَارُونَ وَبَنِيهِ وَتُقَدِّسُهُمْ لِيَكْهَنُوا لِي. ٣١ وَتُكَلِّمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: يَكُونُ هٰذَا لِي دُهْناً مُقَدَّساً لِلْمَسْحَةِ فِي أَجْيَالِكُمْ».
ص ٢٩: ٧ ولاويين ٨: ١٢ و٣٠
تَمْسَحُ هَارُونَ (قابل بهذا ص ٢٩: ٧ ولاوين ٨: ١٢).
وَبَنِيهِ (انظر ص ٢٩: ٢١).
لِيَكْهَنُوا لِي إن هارون وبنيه لم يكونوا أهلاً لخدمة الرب إلا بعد أن يُسكب عليهم الزيت المقدس. وكذلك المسيحيون الذين كلهم كهنة ليسوا بأهل لأن يخدموا الله ما لم يسكب عليهم روحه القدوس الذي كان الزيت المقدس رمزاً إليه.
٣٢، ٣٣ «٣٢ عَلَى جَسَدِ إِنْسَانٍ لاَ يُسْكَبُ. وَعَلَى مَقَادِيرِهِ لاَ تَصْنَعُوا مِثْلَهُ. مُقَدَّسٌ هُوَ، وَيَكُونُ مُقَدَّساً عِنْدَكُمْ. ٣٣ كُلُّ مَنْ رَكَّبَ مِثْلَهُ وَمَنْ جَعَلَ مِنْهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ يُقْطَعُ مِنْ شَعْبِهِ».
ع ٢٥ و٣٧ ع ٣٨ تكوين ١٧: ١٤ وص ١٢: ١٥ ولاويين ٧: ٢٠ و٢١
عَلَى جَسَدِ إِنْسَانٍ لاَ يُسْكَبُ أي لا يُسكب على إنسان ليس من الكهنة كالطيوب العادية لأنه عُين لعمل مقدس.
لاَ تَصْنَعُوا مِثْلَهُ لغير الكهنة فهو مختص بخدم الرب الذين يخدمونه في قدسه.
تركيب البخور المقدس
٣٤ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: خُذْ لَكَ أَعْطَاراً: مَيْعَةً، وَأَظْفَاراً، وَقِنَّةً عَطِرَةً، وَلُبَاناً نَقِيّاً تَكُونُ أَجْزَاءً مُتَسَاوِيَةً».
ص ٢٥: ٦ و٣٧: ٢٩
خُذْ لَكَ أَعْطَاراً كان بخور القدماء في الغالب نوعاً واحداً من المواد العطرة وأما هذا البخور وغيره مما استعمله اليهود فكان من عدة طيوب على ما يُستفاد أيضاً من أقوال يوسيفوس المؤرخ اليهودي. والبخور الذي كانوا يوقدونه في الهيكل الآخر كان مركباً من ثلاث عشرة مادة.
مَيْعَةً (الميعة عسل اللبني السائل بنفسه خفيف عطر الرائحة أشقر إلى صفرة والمستخرَج بالتقطير أغلظ منه إلى الحمرة. واللبنى شجر معروف يُشاهد في مواضع كثيرة من جبال سورية وسهولها وتسمى به الميعة أيضاً). قال رولنسون والمرجّح أن الميعة صمغ اللبنى وهي شجرة تنبت كثيراً في سورية وفلسطين. وهذا مثل قول هيرودوتس المؤرخ فيها.
أَظْفَاراً (وتُعرف بأظفار الطيب وهي قشور صلبة كالأغشية على أطراف صدف فيه لحم رخو وأجودها الأبيض الصغير الضارب إلى الحمرة فالصافي البياض والفيروزي). وقال رولنسن أنها نوع من الحيوانات الصدفية الكثيرة في البحر الأحمر إذا أُحرقت فاحت منها رائحة قوية.
قِنَّةً ضرب من الصمغ العطر يجمع من نباتات مختلفة قيل أنه إذا أُحرق كان له رائحة قوية وأنها ليست عطرة بالذات لكنها تقوى رائحة غيرها من المواد العطرية. (وقال الأنطاكي أنها صمغ يؤخذ من أشجار القنا أو مثله. منه الأصفر وهو الأجود وأبيض خفيف. وقد يُغش بدقيق الباقلاء وصمغ البطم والأشق والفرق الخفة واللون وهي من الصموغ التي تبقى قواها عشر سنين).
لُبَاناً (وهو صمغ شجرة نحو ذراعين شائكة ورقها كالآس). والمرجّح أنه كان معظم أجزاء البخور المقدس. وهو البخور الذي كثر استعماله في الأزمنة المتأخرة وكثيراً ما يُستخرج من شجرته بجرح قشرها. وتكثر أشجاره في الهند وجزائرها. وكانت تنبت قديماً في بلاد العرب ويأتي المصريون والفينيقيون والعبرانيون بمقادير كثيرة من لبانها (إشعياء ٤٠: ٦ وإرميا ٦: ٢).
٣٥ «فَتَصْنَعُهَا بَخُوراً عَطِراً صَنْعَةَ ٱلْعَطَّارِ، مُمَلَّحاً نَقِيّاً مُقَدَّساً».
ع ٢٥ لاويين ٢: ١٣
صَنْعَةَ ٱلْعَطَّارِ (انظر تفسير ع ٢٥). وذكر أن كلاً من الزيت المقدس والبخور المقدس صنعة العطار (ص ٣٧: ٢٩).
مُمَلَّحاً أي مخلوطاً بملح.
٣٦ «وَتَسْحَقُ مِنْهُ نَاعِماً، وَتَجْعَلُ مِنْهُ قُدَّامَ ٱلشَّهَادَةِ فِي خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ حَيْثُ أَجْتَمِعُ بِكَ. قُدْسَ أَقْدَاسٍ يَكُونُ عِنْدَكُمْ».
ص ٢٥: ٢٢ و٢٩: ٤٢ ولاويين ١٦: ٢ ص ٢٩: ٣٧ وع ٣٢ ولاويين ٢: ٣
تَجْعَلُ مِنْهُ قُدَّامَ ٱلشَّهَادَةِ كانوا يضعون بعض البخور أمام تابوت الشهادة إما على المذبح الذهبي وإما عند قاعدته ليكون معداً للوقود. وهذه رمز إلى الحاجة إلى الصلاة والاستعداد لها دائماً.
٣٧، ٣٨ «٣٧ وَٱلْبَخُورُ ٱلَّذِي تَصْنَعُهُ عَلَى مَقَادِيرِهِ لاَ تَصْنَعُوا لأَنْفُسِكُمْ. يَكُونُ عِنْدَكَ مُقَدَّساً لِلرَّبِّ. ٣٨ كُلُّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَهُ لِيَشُمَّهُ يُقْطَعُ مِنْ شَعْبِهِ».
ع ٣٢ ع ٣٣
قيل في البخور هنا ما قيل في الدهن المقدس آنفاً (ع ٣٢ و٣٣). فما كان يجوز أن يُستعمل شيء منهما استعمالاً دنيوياً.
يُقْطَعُ مِنْ شَعْبِهِ فجزاء استعمال البخور استعمالاً دنيوياً كجزاء استعمال الدهن المقدس كذلك (ع ٣٣).
السابق |
التالي |