سفر الخروج

سفر الخروج | 20 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر الخروج

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْعِشْرُونَ

الوصايا العشر

١ «ثُمَّ تَكَلَّمَ ٱللّٰهُ بِجَمِيعِ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ».

تثنية ٥: ٢٢

تَكَلَّمَ ٱللّٰهُ جاء في سفر التثنية صريحاً ان الرب كلم بالوصايا العشر كل الجماعة «فِي ٱلْجَبَلِ مِنْ وَسَطِ ٱلنَّارِ وَٱلسَّحَابِ وَٱلضَّبَابِ، وَصَوْتٍ عَظِيمٍ» (تثنية ٥: ٢٢). كان هذا أول المرائي الرهيبة التي رآها الشعب بعد خروجهم من مصر. وكيف كان ذلك الصوت لا نعلم فإنه لم يُعلن لنا سره فمن العبث والجهل أن نمثله كما نتخيّل. إن الرب تكلم في العهد القديم وبيّن في العهد الجديد إنه تكلم بواسطة الملائكة (أعمال ٧: ٥٣ وغلاطية ٣: ١٩ وعبرانيين ٢: ٢).

بِجَمِيعِ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ يعبّر الكتاب المقدس عن الوصايا العشر بالكلمات العشر (ص ٣٤: ٢٨ وتنثية ٤: ١٣ و١٠: ٤). وأجمع اليهود والنصارى على أن هذه الكلمات تتضمن كل شريعة الله الأدبية. وقد عظم الله شأنها بأنه تكلم بها بفمه على مسامع الشعب وكتبها بإصبعه على لوحي الحجارة. فهي خلاصة آداب العهدين القديم والحديث أو العتيق والجديد وهي شرائع لا تتغير إذ لم توضع إلى حين بل وُضعت إلى الأبد. وهي جوهر العهد الذي قطعه الله مع موسى. وحقائقها الأدبية فوق كل ما عرفه حكماء أمم الأرض من القواعد الأدبية. على أن أكبر حكماء العالم قصّر عنها فأين منها أدبيات كنفوشيوس وزورستير وحكماء المصريين واليونانيين والرومانيين. فهي في غاية الكمال ولا حد لكمالها (مزمور ١١٩: ٩٦). وكلها نافع للبشر وسور متين وحصن حصين لصحة العقل والنفس والجسد. وشاملة كل الشمول لما يجب على الإنسان لله ولنفسه وللقريب. فإن المسيح لما سئل ما معناه ما الذي يجب على الإنسان ليرث الحياة الأبدية أشار إلى هذه الكلمات بقوله «أنت تعرف الوصايا» (مرقس ١٠: ١٩). والكنيسة تقرر في نفوس أولادها ما يجب عليهم بتعليمها إياهم هذه الكلمات. وهي ضرورية في الدين المسيحي كما هي ضرورية في الدين الموسوي (على أن الحق واحد من أول الخليقة إلى نهاية العالمين).

٢ «أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ ٱلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ ٱلْعُبُودِيَّة».

لاويين ٢٦: ١ و١٣ وتثنية ٥: ٦ ومزمور ٨١: ١٠ وهوشع ١٣: ٤ ص ١٣: ٣

أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ يتوقف تأثير الشريعة في ضمير سامعها أو قارئها على سلطان واضعها. وقدم الله اسمه وأنه هو الرب الإله لكي لا يبقى لأحد أن يقول أي سلطان للكلمات العشر إذ تبين أنها بسلطان واجب الوجود الأزلي.

ٱلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ أظهر الله بهذا قدرته على كل شيء ورحمته وشفقته لكي يطيعه الشعب لآلائه فإنه سبحانه يوثر طاعة المحبة على طاعة الخوف. (وما أحسن قول إحدى النساء التقيات اللهم إني أَمة مطيعة لك لا خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك لكن محبة لك لأنك أحببتني قبلاً).

٣ «لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي».

تثنية ٥: ٧ و٦: ١٤ و٢ملوك ١٧: ٣٥ وإرميا ٢٥: ٦ و٣٥: ١٥

لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي وفي العبرانية لا يكن لك «اللوهيم آخرون» واللوهيم جمع الوه وكثيراً ما يكون معناها مفرداً ولو نُعت بجمع فيصح أن تترجم بإله آخر (والجمع هنا أنسب). وقوله «أمامي» في الأصل العبراني قدام وجهي والمعنى لا تشرك بي فتعبد معى آلهة غيري. إن الله لم ير ان الإسرائيليين ينفونه بعد ما رأوه من آياته وعنايته ويتخذون آلهة أخرى بدلاً منه. ولكن رأى أنهم عرضة لأن يشركوا به ويعبدوا غيره معه. وهذا هو ما كان عليه المشركون من العرب والمصريين. فإنهم كانوا كلهم يؤمنون بالإله الأعظم ويعبدون معه غيره. فكان المصريون يعبدون معه أمون وباراً وانتا وعشتروت ورشبو أو ريسيف. وعبد السوريون معه عشتروت ومولوك والبعل. والعرب اللات والعزّى ومناة والهُبل وغيرها. وقد وقع الإسرائيليون أنفسهم بعد ذلك كله في الشرك فعبدوا البعل وعشتروت ومولوك وكموش ورمفان. فالوصية الأولى تنهي عن كل عبادة لغير الله وتأمر بعبادة يهوه أي الرب الواجب الوجود الأزلي الأبدي وحده.

٤ «لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي ٱلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي ٱلْمَاءِ مِنْ تَحْتِ ٱلأَرْضِ».

لاويين ٢٦: ١ وتثنية ٤: ١٥ إلى ١٩ و٥: ٨ و٢٧: ١٥ ومزمور ٩٧: ٧

لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً وَلاَ صُورَةً مَا أي لا تتخذ شيئاً من ذلك للسجود أو العبادة بدليل قوله بعد هذا «لا تسجد لهن ولا تعبدهن» ولكن بعض العبرانيين الأقدمين أخذوا أول الكلام على إطلاقه فمنعوا من صناعة النحت والتصوير ولو لمجرد الزينة على أن موسى نفسه أمر بصنع الكروبيم لمجرد الزينة والإشارة ورفع الحية النحاسية رمزاً. وأقام سليمان تماثيل أسود على جانبي كرسيه وثيراناً تحت بحر النحاس و «جميع حيطان البيت في مستديرها رسمها نقشاً بنقر كروبيم ونخيل وبراعم زهور من داخل ومن خارج» (١ملوك ٦: ٢٩). فالوصية الثانية تنهي عن عبادة الله بواسطة التماثيل والصور وتأمر بأن يُعبد عبادة روحية لأنه روح والساجدون له ينبغي أن يسجدوا بالروح والحق. وكانت الأمم الكثيرة تعبد الله وآلهتها بصورة وتماثيل ولا يزال أكثر الناس إلى هذه الساعة يعبدون الله بواسطة هذه الأشياء المنهي عنها. والله لا مثل له ولا شبه فأي صورة يصنعون له وبماذا يشبهونه. إنه منزه عن المواد فهو جوهر روحي لا تدركه الأبصار ولا يصوره الخيال.

فِي ٱلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ… فِي ٱلأَرْضِ مِنْ تَحْتُ… فِي ٱلْمَاءِ مِنْ تَحْتِ ٱلأَرْضِ قابل هذا بما في (تكوين ١: ١ – ٧) وما في هذه الأماكن الثلاثة يعم كل عالم المادة. وكانت تماثيل المصريين من المواضع الثلاثة المذكورة.

٥ «لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ إِلٰهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ ٱلآبَاءِ فِي ٱلأَبْنَاءِ فِي ٱلْجِيلِ ٱلثَّالِثِ وَٱلرَّابِعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ».

ص ٢٣: ٢٤ ويشوع ٢٣: ٧ و٢ملوك ١٧: ٣٥ وإشعياء ٤٤: ١٥ و١٩ ص ٣٤: ١٤ وتثنية ٤: ٢٤ و٦: ١٥ ويشوع ٢٤: ١٩ وناحوم ١: ٢ ص ٣٤: ٧ ولاويين ٢٠: ٥ و٢٦: ٣٩ و٤٠ وعدد ١٤: ١٨ و١ملوك ٢١: ٢٩ وأيوب ٢١: ١٩ وإشعياء ٦٥: ٧ وإرميا ٣٢: ١٨

لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ لم يقتصر قدماء الوثنيين على السجود لتماثيلهم وصورهم بل كانوا يعبدونها أيضاً ويعتقدون قوة فيها فوق الطبيعة كأنها آلهة بالذات. وكانوا يعبدون السماويات بتلك الأرضيات. ولكنهم عبدوا صورها وتماثيلها كما عبدوها. قال أرنوبيوس «إني أنا نفسي منذ عهد ليس ببعيد عبدت التماثيل تماثيل الآلهة على أثر خروجها من الأتون وأثر رفعها عن السندان وتماثيل العاج والخشب المنقوش والحجارة المصقولة المقررة في خشب الزيتون وكنت أحترمها كأن فيها قوة ذاتية وأتوسل وأطلب البركة مما لا حس فيه». وقال سنيكا «يصلي الناس لتماثيل آلهتهم وصورها ويجثون أمامها أو يقفون أمامها أياماً طويلة ويطرحون لها النقود ويذبحون لها البهائم ويحترمونها أحسن الاحترام».

إِلٰهٌ غَيُورٌ ليس معنى الغيرة هنا الحسد لمن ينال ما لم ينله الحاسد كما توهم بعض اليونان بل المعنى الإنفة من المشاركة له في المجد والكرامة لأن الله لا يسمح بأن يُعطى غيره كرامته (إشعياء ٤٢: ٨ و٤٨: ١١). أو يسمح بأن يباريه أحد في سلطانه (قابل ص ٢٤: ١٣ بما في تثنية ٤: ٢٤ و٥: ٩ و٦: ١٥ ويشوع ٢٤: ١٩).

أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ ٱلآبَاءِ فِي ٱلأَبْنَاءِ من المحقق بمقتضى قضاء الله أن ذنوب الآباء تُفتقد في الأبناء. فالأمراض الخبيثة التي يُعرض الوالدون أنفسهم لها تلحق أولادهم إرثاً طبيعياً. وتوغُل الوالدين في الخلاعة والشهوات والمسكرات تترك أولادهم فقراء وأعمال الأشرار بلاء لأنسالهم حتى تصير أجسامهم وعقولهم على توالي العصور عرضة لكل ألم و مرض. ويكفي أن نذكر هنا ما لحقنا من خطيئة الأبوين الأولين. وكل أسرع فيها نقائص ورثتها عن أسلافها. فذكر الله هذه السنة التي أودعها عالم الطبيعة ردعاً للوالدين عن التهافت إلى المعاصي وارتكاب الآثام. على أن الأولاد يستطيعون بمعونة الله أن يقاوموا قبيح الأميال الوراثية فيستطيعوا بذلك أن يخلصوا منها بعد بضعة أجيال ولا يمكن الخلاص منها بلا الاجتهاد في إدراكه بمساعدة القادر على كل شيء. ولكن يجب أن يُعلم هنا أن الأولاد لا يُطالبون في يوم الدين بأعمال والديهم فخطيئة الأب لا تلحق الابن فكل مسؤول بعمله فالنفس التي تخطأ هي النفس التي تموت «اَلٱبْنُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ ٱلأَبِ وَٱلأَبُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ ٱلٱبْنِ. بِرُّ ٱلْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ وَشَرُّ ٱلشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ» (حزقيال ١٨: ٢٠).

٦ «وَأَصْنَعُ إِحْسَاناً إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ».

ص ٣٤: ٧ وتثنية ٧: ٩ ومزمور ٨٩: ٣٤ ورومية ١١: ٢٨

وَأَصْنَعُ إِحْسَاناً إِلَى أُلُوفٍ أي ألوف من الأجيال أو الجيل الألف على الأرجح (تثنية ٧: ٩). إن رحمة الله فوق غيظه إلى حد لا يُدرك فالإثم يُفتقد إلى الجيل الثالث أو الرابع وأما الإحسان فيدوم إلى الأبد.

٧ «لاَ تَنْطِقْ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ بَاطِلاً، لأَنَّ ٱلرَّبَّ لاَ يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِٱسْمِهِ بَاطِلاً».

ص ٢٣: ١ و٧ ولاويين ١٩: ١٢ وتثنية ٥: ١١ ميخا ٦: ١١

لاَ تَنْطِقْ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ بَاطِلاً اختلف المفسرون في معنى هذه الوصية فقال قوم أنها تنهي عن القسم بالله على صحة ما هو كاذب. وقيل أنها تنهي عن التهاون والاستخفاف باسمه تعالى حتى تحظر على الإنسان أن ينطق باسمه بدون مراعاة الرهبة والاحترام. وعلى كل من القولين لا تمنع من إثبات الحق بالقسم إذا أوجبت الشريعة. وقد أبان المسيح في موعظته على الجبل إن الشريعة منعت عن القسم على صحة ما هو باطل فقط (متّى ٥: ٣٤). وهذه الوصية عظيمة الفائدة فإن تعديها يفسد أحوال الهيئة الاجتماعية ويطوح إلى الدمار ولهذا كان العقاب على تعديها شديداً. وكُرر معناها في الآية السادسة عشرة. ومنع من تعديها كل الشرائع السياسية فأوجبت الشريعة الموسوية على متعديها شديد العقاب (تثنية ١٩: ١٨ و١٩). وأوجبت الشريعة القدمى على متعديها القتل أو الجدع أو الجبّ. وعاقبت اليونانية متعديها بتأدية المال الكثير ثم الحرمان من الحقوق المدنية والرومانية القدمى بالقتل. واعتقد المصريون واليونانيون والرومانيون أن الآلهة تغضب على مرتكب هذا الإثم وإنها تضر به فتخسّره صحته أو ماله وتذهب بنجاحه.

ٱلرَّبَّ لاَ يُبْرِئُ أي لا بد من أن يعاقبه على تعديه فإن لم يعاقبه في هذه الدنيا عاقبه في الآخرة فإن الرب يدفع عن كرامته.

٨ «اُذْكُرْ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ».

ص ٣١: ١٣ و١٤ ولاويين ١٩: ٣ و٣٠ و٢٦: ٢ وتثنية ٥: ١٢ وحزقيال ٢٠: ١٢

اُذْكُرْ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ يجب أن يُنتبه هنا في هذه الوصية لأمر لم يأت في غيرها تميزت به عن كل ما سواها من الوصايا وهو قوله «أذكر». فهذا دليل قاطع على أن هذه الوصية كانت قبل إعطاء الشريعة على طور سيناء. فلا بد من أنها كانت منذ إعطاء المن إن لم تكن قبله (ص ١٦: ٢٣) والصحيح أنها كانت منذ زمن بعيد (انظر تفسير ص ١٦: ٢٥).

لِتُقَدِّسَهُ فإذاً راحة السبت راحة مقدسة (ص ١٦: ٢٣). ولم يتبين كل المقصود من هذا التقديس لكن معظمه الكف عن الأعمال العالمية دون الالتفات إلى الأمور الروحية (ص ١٦: ٢٣ – ٣٠ و٢٠: ٩ – ١١ و٢٣: ١٢ و٢٤: ٢١ و٢٥: ٢ و٣ وتثنية ٥: ١٢ – ١٥). وإذ لم يُذكر في هذه الوصية وجوب تعليم العقائد الدينية والعبادة في ذلك اليوم اتخذه اليهود كما قال أوغسطينوس لمجرد الراحة البدنية على أن تقديم الذبائح فيه صباحاً ومساء إشارة واضحة إلى العبادة والتعليم الديني فيه.

٩ «سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعَ عَمَلِكَ».

ص ٢٣: ١٢ و٣١: ١٥ و٣٤: ٢١ ولاويين ٢٣: ٣ ولوقا ١٣: ١٤

سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ الكلام يفيد الأمر بالعمل في ستة أيام من الأسبوع. وإن كان في صورة الخبر على ما رأى كثيرون فيجب أن نعمل في الأيام الستة كما يجب أن نستريح في السابع. فالوصية لا تقتصر على النهي عن العمل في اليوم السابع بل تأمر بالعمل في سائر الأسبوع فيكون العمل فرضا. وقال بعضهم جاء الأمر في صورة الخبر والنفي في صورة النهي لبيان أن النهي هو الغرض الأسمى في هذه الوصية فكأنه قال لا تعمل سوى ستة أيام في الأسبوع.

١٠ «وَأَمَّا ٱلْيَوْمُ ٱلسَّابِعُ فَفِيهِ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ. لاَ تَصْنَعْ عَمَلاً مَا أَنْتَ وَٱبْنُكَ وَٱبْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَبَهِيمَتُكَ وَنَزِيلُكَ ٱلَّذِي دَاخِلَ أَبْوَابِكَ».

تكوين ٢: ٢ و٣ وص ١٦: ٢٦ نحميا ١٣: ١٦ إلى ١٩

وَأَمَّا ٱلْيَوْمُ ٱلسَّابِعُ فَفِيهِ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ أي يجب أن يكون في اليوم السابع راحة من الأعمال الدنيوية وعمل في الأمور الروحية (انظر تفسير ع ٨).

لاَ تَصْنَعْ عَمَلاً مَا يشمل هذا المنع عن أمور كثيرة منها:

  1. جمع المن في يوم السبت (ص ١٦: ٢٦).
  2. إيقاد النار فيه (ص ٣٥: ٣).
  3. الاحتطاب فيه (عدد ١٥: ٣٥). واستُثنى من المنع خدمة الكهنة واللاويين في الهيكل والعناية بالمرضى وإنقاذ البهيمة من الخطر (انظر متّى ١٢: ٥ و١١). لكن اليهود تمادوا في ذلك حتى امتنعوا عن الضروريات. وكان في زمان المكابيين لا يجوز للإنسان أن يدفع العدو إذا هجم عليه في يوم السبت (١مكا ٢: ٣٢ – ٣٨ و٢مكا ٥: ٢٥ و٢٦ و٦: ١١ و١٥: ١). لكن ربنا يسوع المسيح نبّه على هذا الخطإ وأبان جواز الأعمال الضرورية ولكن غير الضروريات ممنوع إتيانه في ذلك اليوم في العهدين فيجب الاعتناء بتقديس يوم الرب إلى نهاية العالمين.

وَٱبْنُكَ وَٱبْنَتُكَ الخ كان على كل أهل البيت أن يقدسوا السبت ويستريحوا فيه من قوي وضعيف وسيد وعبد ومخدوم وخادم لأنهم في حاجة إلى الراحة في سُبع الأسبوع. والعبيد أشد احتياجاً إليها من غيرهم لكثرة أعمالهم ومشقاتهم وكذلك البهائم. وهذا يبين لنا أن رحمة الله شاملة كل حساس من مخلوقاته (تكوين ٨: ١ و٩: ٩ – ١١ وخروج ٩: ١٩ وتثنية ٢٥: ٤ ويوحنا ٤: ١١).

١١ «لأَنْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ ٱلرَّبُّ ٱلسَّمَاءَ وَٱلأَرْضَ وَٱلْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، وَٱسْتَرَاحَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ. لِذٰلِكَ بَارَكَ ٱلرَّبُّ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ وَقَدَّسَهُ».

تكوين ٢: ٢

لأَنْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ ٱلرَّبُّ ٱلسَّمَاءَ وَٱلأَرْضَ (قابل هذا بما في تكوين ٢: ٢ و٣ وخروج ٣١: ١٧) والمرجّح كل الترجيح أن الله جعل أيام الخلق ستة ليعيّن اليوم السابع راحة وأن سُبع الأيام هو الوقت المناسب لراحة الإنسان وبهائمه. وإلا فالله قادر أن يخلق كل شيء في يوم واحد بل في أقل من دقيقة ولو أراد لأتى ذلك. فعيّن السابع لما ذُكر منذ الخليقة فخلق كل شيء في ستة أيام واستراح (أي كف عن خلق أشياء جديدة) في اليوم السابع فعلم الناس بالمثال ثم بالقول. وجعله رمزاً إلى الراحة الأبدية الباقية لشعب الله (عبرانيين ٤: ٩) وذكراً للراحة من أثقال العبودية (تثنية ٥: ١٥) فيذكر به الإسرائيليون أعماله العجيبة في مصر وما أسبغه عليهم الرب من البركات والسلام ويتمتعون فيه بالراحة من الأعمال الدنيوية ويفرحون بالنجاة من نير المسخّرين المصريين.

١٢ «أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِتَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي يُعْطِيكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ».

ص ٢١: ١٧ ولاويين ١٩: ٣ وتثنية ٥: ١٦ وإرميا ٣٥: ١٨ ومتّى ١٥: ٤ ولوقا ١٨: ٢٠ وأفسس ٦: ٢ ص ٢٣: ٢٦ وإرميا ٣٥: ٧

أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ ليس من مهمات الأمور قمسة الوصايا العشر ولا ماذا كان منها على كل من اللوحين ولكن يرجّح أن الوصية الخامسة أول وصايا اللوح الثاني فهو يتضمن ما يجب علنيا للقريب أي كل ما على الإنسان لغيره من الناس. واللوح الأول يتضمن الوصايا التي تبين ما يجب على الناس لله. وهذه الوصايا العشر خلاصة كل الشريعة النافعة للأرواح والأجساد.

وكان الاحترام واجباً على الأولاد للوالدين لأسباب كثيرة نقتصر على ذكر ثلاثة منها:

  1. إن الوالدين في بعض الاعتبارات علة وجود الأولاد.
  2. إنهم مربوهم ومغذوهم وملبسوهم.
  3. إنهم مدبروهم في كل ما ينفعهم من وقاية وتعليم وتهذيب فمنهم أساس آداب الأولاد وهم زارعو بذور الفضيلة فيهم من نعومة أظفارهم وركن سجاياهم ومبادئ معارفهم. فإن الوالدين في كل أمة حتى البرابرة المنحطين في سلم المدنية يبذلون جهدهم في تعويد أولادهم منذ الصغر كل ما يظنونه نافعاً لهم من الدينيات والأدبيات. وكان هذا شأن قدماء المصريين منذ نشأة تمدنهم. وكان من قواعدهم الدينية أن الولد العاق من ابن وابنة يحرم السعادة في الآخرة. ومن قواعد كنفوشيوس وجوب أن يكرم صغار الأولاد وكبارهم والديهم. وكان من قواعد اليونان أن نسبة الولد إلى والده كنسبة الإنسان إلى الله. وهذا مبسوط في فلسفة أرسطوطاليس الأدبية بأحسن بيان. وجعل الرومانيين سلطان الأب قاعدة كل نظام المملكة. وأوضحت شريعة الله التي أعلنها الرب على طور سيناء ذلك السلطان ووجب احترام الوالدين والطاعة لهما.

لِتَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى ٱلأَرْضِ الوصية الخامسة أول وصية بوعد (أفسس ٦: ٢). وهذا الوعد له معنيان الأول إن الشعب الإسرائيلي إذا استمرت فيه طاعة الأولاد للوالدين طال ملكهم الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً. والثاني أن كل ولد يكرم والديه يطيعهم يطول عمره حقيقة على تلك الأرض ويحيا عليها سعيداً. ومن مؤيدات المعنى الأول إن الإسرائيليين نجحوا زماناً طويلاً بإطاعة الأولاد للآباء كما قال كثيرون من القدماء. ومن مؤيدات الثاني آية الرسول في رسالة أفسس (أفسس ٦: ٢) فإنها تصريح بأن الوعد للأولاد بطول العمر حقيقة و هذا ما فهمه ابن سيراخ (حكمة ٣: ٦). ومما يستحق الذكر هنا أن أحد حكماء المصريين كتب قبل زمن موسى ما أوضح فيه أن الأولاد الذين يطيعون والديهم يعيشون طويلاً.

١٣ «لاَ تَقْتُلْ».

تثنية ٥: ١٧ ومتّى ٥: ٢١

لاَ تَقْتُلْ أبان الله بعد إعلان ما يجب على الأولاد لوالديهم ما يجب على كل إنسان لغيره من البشر عموماً وأول ذلك ما يتعلق بالحياة. وحفظ الحياة من أول غايات الحكومة. ولقد صدق من قال أن الناس انقسموا في أول أمرهم إلى ولايات وممالك رغبة في صيانة الحياة. وهذا ما صرّح به أرسطوطاليس في المقالة السياسية. وكل شرائع الناس السياسية على اختلاف صنوفهم وعقائدهم تنهي عن القتل.

والذين ليس لهم شرائع مكتوبة من أسافل الأمم مكتوب النهي عن القتل على لسان كل فرد منهم. وحين جعل الله علامة لقايين (تكوين ٤: ١٥) كانت تلك العلامة النهي عن القتل. وهذه الوصية قديمة جداً فإن الله قال لنوح «َمِنْ يَدِ ٱلإِنْسَانِ أَطْلُبُ نَفْسَ ٱلإِنْسَانِ. سَافِكُ دَمِ ٱلإِنْسَانِ بِٱلإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ» (تكوين ٩: ٥ و٦). وتواتر كل أرض وبين كل الأمم إن القتل المنهي عنه هنا من شر الذنوب وعرف الناس ذلك بالطبع والعقل. وامتازت الشريعة الموسوية في ذلك بأن فرّقت بين القتل عمداً والقتل خطأ (ص ٢١: ١٣ وعدد ٢٥: ٢٣). وتبرير قاتل السارق (ص ٢٢: ٢). وقبل هذا التفريق والاستثناء أُعلن القانون العام «لا تقتل» وجاء بالاستنثاء بعده.

١٤ «لاَ تَزْنِ».

تثنية ٥: ١٨ ومتّى ٥: ٢٧

لاَ تَزْنِ أتى الله على أثر الشريعة المتعاقة بالحياة بالشريعة المتوقف عليها سلام البيت وصيانة العرض. إن الزناء عدو أهل البيت وشر ما ينشأ فيه من المعاصي وقاطع علاقات الزواج الطاهر ومُتلف اتحاد الزوجين وهادم أركان الترتيب الاجتماعي. وقد نهت عنه الأمم المتمدنة وعاقبت عليه بعض الأمم بالقتل وكذا الشريعة الموسوية (لاويين ٢٠: ١٠ – ١٤ وتثنية ٢٢: ٢٢ – ٢٤). وفيها أن الذي يخون «امرأة عهده» يرتكب إثماً عظيماً كالمرأة التي تخون زوجها فإن الله لا يحابي بالوجوه ولا يراعي جانب الجنسية في ذلك (ملاخي ٢: ١٤ – ١٦).

١٥ «لاَ تَسْرِقْ».

لاويين ١٩: ١١ وتثنية ٥: ١٩ ومتّى ١٩: ١٨ ورومية ١٣: ٩

لاَ تَسْرِقْ ثالث ما يجب علينا للقريب أن لا نعتدي عليه بأخذ شيء مما له. رأى بعض الناس أفضلية الاشتراك في الأملاك ولكن ذلك لم يتحقق أنه دام ووافق العمران وتقدم الناس في الأعمال. ولم تقم مملكة قط على المبدإ الاشتراكي بل على مبدإ أن لكلٍّ ما ملك. فشريعة الله أيّدت الشريعة التي جرى عليها الناس وحكموا بفضلها بالبداهة. فالبربري الذي يكابد عرق القربة بتحديد قطعة من الصوان لتكون سكيناً لا يرضى أن يأخذها أحد منه على رغمه ويعد ذلك اعتداء عليه. فالوصية الثامنة تنهي عن مثل هذا الاعتداء وتوجب علينا أن نعتزل أخذ ما لغيرنا بغير رضاه مطلقاً.

١٦ «لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ».

ص ٢٣: ١ وتثنية ٥: ٢٠ ومتّى ١٩: ١٨

لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ رابع ما يجب علينا للقريب أن لا نضر بسجيته أو بصيته. قال شكسبير الشاعر الإنكليزي:

ألا من يسرق المسكوك مني فذلك سارق شيئاً حقيرا
ولكن سارق صيتي جهول فلا يغنى ويتركني فقيرا


ومعنى ذلك أن سارق الصيت شر من سارق المال لأنه يضرّ بإفساد الصيت أكثر من ضره بسرقة المال وهو مع ذلك جاهل لأنه يضر غيره ولا ينفع نفسه. وشاهد شهادة الزور في المحكمة قد يتجاوز ضرره كل ضرر. وقد حكمت شرائع العالم بعقابه ولا سيما الشريعة العبرانية (تثنية ١٩: ١٦ – ٢٠). وزادت على ذلك أن لا يصدق من عرف بشهادة الزور (ص ٢٣: ١).

١٧ «لاَ تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ. لاَ تَشْتَهِ ٱمْرَأَةَ قَرِيبِكَ وَلاَ عَبْدَهُ وَلاَ أَمَتَهُ وَلاَ ثَوْرَهُ وَلاَ حِمَارَهُ وَلاَ شَيْئاً مِمَّا لِقَرِيبِكَ».

تثنية ٥: ٢١ وميخا ٢: ٢ وحبقوق ٢: ٩ ولوقا ١٢: ١٥ وأعمال ٢٠: ٣٣ ورومية ٧: ٧ وأفسس ٥: ٣ وعبرانيين ١٣: ٥ أمثال ٦: ٢٩ وإرميا ٥: ٨ ومتّى ٥: ٢٨

لاَ تَشْتَهِ أعلن الله هذه الوصية مبدأ عاماً لشريعته فنهى بها عن أصل كل قول وعمل محظور فلم تكتف بالنهي عن الأقوال والأعمال المحرمة فزادت عليه النهي عن أفكار القلب وأمياله الشريرة. وقد أصاب من قال أن الوصية العاشرة تتضمن الوصية السابعة والوصية الثامنة فإنهما من سكان مخادع الشهوة (قابل هذا بما في متّى ٥: ٢٧ و٢٨). ولم ينتبه علماء الفلسفة الأدبية من الأقدمين لشر الشهوة فإنهم أجازوها وحرموا القول والعمل فقط. ولهذا لم يجتهد أحد منهم في لجم شهواته. فكان من الضرورة أن تنبه شريعة الله على ذلك لأن الشهوة أم كل محظور من الأقوال والأعمال. وما أحسن قول الرسول «مُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ ٱلْمَسِيحِ» (٢كورنثوس ١٠: ٥).

توسط موسى باختيار الشعب ع ١٨ إلى ٢١

خاف الإسرائيليون كثيراً من صوت الله في تبليغهم الوصايا العشر فإنهم لم يحتملوا شدة القرب من القدوس الأزلي القدير حتى أن موسى نفسه قال «أنا مرتعب ومرتعد» (عبرانيين ١٢: ٢١). وكان خوف الشعب يزيد على توالي الثواني حتى رجع إلى الوراء هرباً من ذلك الصوت الرهيب. ويتبين من سفر تثينة الاشتراع أن الإسرائيليين لجأوا إلى الخيام (تثنية ٥: ٣٠) وأرسلوا إلى موسى يسألونه أن يخاطبهم بالنياية عن الله ومن ثم كان موسى يسمع من الله وينبئهم.

١٨ «وَكَانَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ يَرَوْنَ ٱلرُّعُودَ وَٱلْبُرُوقَ وَصَوْتَ ٱلْبُوقِ، وَٱلْجَبَلَ يُدَخِّنُ. وَلَمَّا رَأَى ٱلشَّعْبُ ٱرْتَعَدُوا وَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ».

عبرانيين ١٢: ١٩ ورؤيا ١: ١٠ ص ١٩: ١٨

وَكَانَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ يَرَوْنَ ٱلرُّعُودَ أي يرون علامات الرعد ويسمعون الرعود أو المقصود بالرؤية هنا العلم والشعور. وقد ذكرت المظاهر على سيناء في تفسير (ص ١٥: ١٦ – ٢٠).

وَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ إن موسى أتى بهم إلى القرب من الطور عند حضيض رأس الصفصافة (ص ١٩: ١٧) وهنالك سهل فقدروا أن يتأخروا.

١٩ «وَقَالُوا لِمُوسَى: تَكَلَّمْ أَنْتَ مَعَنَا فَنَسْمَعَ. وَلاَ يَتَكَلَّمْ مَعَنَا ٱللّٰهُ لِئَلاَّ نَمُوتَ».

تثنية ٥: ٢٧ و١٨: ١٦ وغلاطية ٣: ١٩ وعبرانيين ١٢: ١٩ تثنية ٥: ٢٥

تَكَلَّمْ أَنْتَ مَعَنَا جاء في سفر التثنية ما نصه «قُلْتُمْ: هُوَذَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا قَدْ أَرَانَا مَجْدَهُ وَعَظَمَتَهُ، وَسَمِعْنَا صَوْتَهُ مِنْ وَسَطِ ٱلنَّارِ. هٰذَا ٱلْيَوْمَ قَدْ رَأَيْنَا أَنَّ ٱللّٰهَ يُكَلِّمُ ٱلإِنْسَانَ وَيَحْيَا.وَأَمَّا ٱلآنَ فَلِمَاذَا نَمُوتُ؟ لأَنَّ هٰذِهِ ٱلنَّارَ ٱلْعَظِيمَةَ تَأْكُلُنَا. إِنْ عُدْنَا نَسْمَعُ صَوْتَ ٱلرَّبِّ إِلٰهِنَا أَيْضاً نَمُوتُ! لأَنَّهُ مَنْ هُوَ مِنْ جَمِيعِ ٱلْبَشَرِ ٱلَّذِي سَمِعَ صَوْتَ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ يَتَكَلَّمُ مِنْ وَسَطِ ٱلنَّارِ مِثْلَنَا وَعَاشَ؟ تَقَدَّمْ أَنْتَ وَٱسْمَعْ كُلَّ مَا يَقُولُ لَكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا، وَكَلِّمْنَا بِكُلِّ مَا يُكَلِّمُكَ بِهِ ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا، فَنَسْمَعَ وَنَعْمَلَ» (تثنية ٥: ٢٤ – ٢٧).

٢٠، ٢١ «٢٠ فَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: لاَ تَخَافُوا. لأَنَّ ٱللّٰهَ إِنَّمَا جَاءَ لِيَمْتَحِنَكُمْ، وَلِتَكُونَ مَخَافَتُهُ أَمَامَ وُجُوهِكُمْ حَتَّى لاَ تُخْطِئُوا. ٢١ فَوَقَفَ ٱلشَّعْبُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَمَّا مُوسَى فَٱقْتَرَبَ إِلَى ٱلضَّبَابِ حَيْثُ كَانَ ٱللّٰهُ».

١صموئيل ١٢: ٢٠ وإشعياء ٤١: ١٠ تثنية ١٣: ٣ تثنية ٤: ١٠ و٦: ٢ و١٠: ١٢ و٢٨: ٥٨ وأمثال ٣: ٧ و١٦: ٦ وإشعياء ٨: ١٣ ص ١٩: ١٦ و١ملوك ٨: ١٢

فَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْب لاَ تَخَافُوا استحسن الله رجوع الشعب إلى الخيام (تثنية ٥: ٢٨ – ٣٠) فاقترب موسى حينئذ إليه ودخل الضباب الكثيف حيث كان الله (ع ٢١). ومما يستحق الاعتبار أن المظهر الذي دفع الشعب هو عينه الذي جذب موسى.

كتاب العهد ع ٢٢ إلى ٢٦

لنا في بقية هذا الأصحاح والأصحاحات الثلاثة التي بعده نسق الشرائع التي أعلنها الله لموسى على أثر إعلان الوصايا العشر وهي إيضاح مفصل لما في هذه الوصايا وقد ذُكرت متفرقة في أسفار اللاويين والعدد والتثنية وعُرفت هذه المعلنات بكتاب العهد (ص ٢٤: ٧). وبداءة هذا الكتاب مما يختص بعبادة الله (ص ٢٠: ٢٢ – ٢٦). وبعدما يتعلق بالله بيان ما يتعلق بالإنسان (ص ٢١: ١٠٣٢) من الحقوق الشخصية ثم حقوق الملك (ص ٢١: ٣٣ – ص ٢٢: ١٥). ثم عدة شرائع متفرقة (ص ٢٢: ١٦ – ص ٢٣: ١٩) وبعض ذلك يتعلق بالله وبعضه يتعلق بالإنسان. وما يتعلق بالله ذُكر آخراً فكان خاتمة «كتاب العهد» كمقدمته. وكانت محتوياته جوهر كل الشريعة التي ساس بها بني إسرائيل أربعين سنة.

الشرائع المتعلقة بالدين والعبادة

٢٢ «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: هٰكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ أَنَّنِي مِنَ ٱلسَّمَاءِ تَكَلَّمْتُ مَعَكُمْ».

تثنية ٤: ٣٦ ونحميا ٩: ١٣

أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ أَنَّنِي مِنَ ٱلسَّمَاءِ تَكَلَّمْتُ مَعَكُمْ هذا كان ضرورياً لبيان أن معلن كتاب العهد هو معلن الوصايا العشر. وبناء على ذلك كان هذا التنبيه أول كلمات ذلك الكتاب.

٢٣ «لاَ تَصْنَعُوا مَعِي آلِهَةَ فِضَّةٍ وَلاَ تَصْنَعُوا لَكُمْ آلِهَةَ ذَهَبٍ».

٢ملوك ١٧: ٣٣ وحزقيال ٤٣: ٨ وصفنيا ١: ٥ و٢كورنثوس ٦: ١٦ ص ٣٢: ١ إلى ٤

لاَ تَصْنَعُوا مَعِي آلِهَةَ فِضَّةٍ الخ أي لا تعبدوا مع عبادتكم لي آلهة مصنوعة من فضة. وذكر آلهة الفضة وآلهة الذهب على الخصوص لأن بني إسرائيل كانوا أشد ميلاً إليها من ميلهم إلى غيرها من الأوثان وكفى دليلاً على ذلك عجلهم الذهبي. وكانت الأوثان المسبوكة من الفضة والذهب موضوع عبادة الإسرائيليين في أوقات الضلال الأوقات التي سبقت الجلاء. فإن يربعام أقام التماثيل المسبوكة في دان وبيت إيل (١ملوك ١٤: ٩ و٢ملوك ١٧: ١٦). وكان تمثال البعل من المسبوكات (٢أيام ٢٨: ٢). والمرجّح أن تماثيل عشتروت وكموش ومولوك كانت كذلك. ولم يمل الإسرائيليون شديد الميل إلى عبادة البهائم التي كان المصريون يعبدونها. ولم يقدموا القرابين لتماثيل الرخام والحجارة التي كان الأشوريون واليونان يعبدونها ولا مالوا إلى السجود للمواشي والأشجار التي كانت الأمم المجاورة تسجد لها إٰنما مالوا كثيراً إلى عبادة المنحوتات والمسبوكات (قابل بهذه ما في إشعياء ٣٠: ٢٢ و٤٢: ١٧ وإرميا ١٠: ١٤ وهوشع ١٣: ٢ الخ). وقد كانوا يتخذون التماثيل من الخشب المغشى بصفائح الفضة والذهب أحياناً (حبقوق ١٠: ١٩) لكن تلك التماثيل كانت نادرة عندهم.

٢٤ «مَذْبَحاً مِنْ تُرَابٍ تَصْنَعُ لِي وَتَذْبَحُ عَلَيْهِ مُحْرَقَاتِكَ وَذَبَائِحَ سَلاَمَتِكَ، غَنَمَكَ وَبَقَرَكَ. فِي كُلِّ ٱلأَمَاكِنِ ٱلَّتِي فِيهَا أَصْنَعُ لٱسْمِي ذِكْراً آتِي إِلَيْكَ وَأُبَارِكُكَ».

لاويين ١: ٢ تثنية ١٢: ٥ و١١ و٢١ و١٤: ٢٣ و١٦: ٦ و١ملوك ٩: ٣ و٢أيام ٧: ١٦ وعزرا ٦: ١٢ ونحميا ١: ٩ ومزمور ٧٤: ٧ وإرميا ٧: ١٠ و١٢ تكوين ١٢: ٢ وتثنية ٧: ١٣

مَذْبَحاً مِنْ تُرَابٍ تَصْنَعُ لِي كانت الذبائح القديمة من تراب وبعضها من حجارة خشنة تُجمع ركاماً لأن ذلك لا يحتاج إلى عمل يشغل زماناً طويلاً ولا يُفتقر فيه إلى أدوات البناء. ولكن لما تقدم الإسرائيليون في المدنية أخذوا يبنون المذابح على قواعد البناء. وغلب أن بنوا المذابح من الحجارة المقطوعة المهذبة وزانوها بصور الناس والبهائم. ونفهم من عبارة الوحي هنا وفي الآية الخامسة والعشرين أن الله قصد بنهيهم عن مثل المذابح الأخيرة وقايتهم مما يقود إلى عبادة الأوثان.

مُحْرَقَاتِكَ وَذَبَائِحَ سَلاَمَتِكَ أُخذ في تقدمة الذبائح على أثر الخروج من الفردوس (تكوين ٤: ٣ و٤) ثم شاع تقديمها وعمّ فقدّم نوح الذبائح على أثر خروجه من الفلك (تكوين ٨: ٢٠). وكانت التقدمات من متعلقات عبادة إبراهيم وآله (تكوين ١٢: ٧ و١٥: ٩ و٢٢: ٧ و٢٦: ٢٥ و٣١: ٥٤ الخ). وكانت الذبائح من متعلقات عبادات المصريين والأشوريين والفرس والفينقيين واليونان والسكيثيين والسلتيين والجرمانيين. والعبرانيون تركوا مصر في أول الأمر بغية تقديم الذبائح. وكانت تقدماتهم نوعين «محرقات» و «ذبائح سلامة».

٢٥ «وَإِنْ صَنَعْتَ لِي مَذْبَحاً مِنْ حِجَارَةٍ فَلاَ تَبْنِهِ مِنْهَا مَنْحُوتَةً. إِذَا رَفَعْتَ عَلَيْهَا إِزْمِيلَكَ تُدَنِّسُهَا».

تثنية ٢٧: ٥ ويشوع ٨: ٣١

وَإِنْ صَنَعْتَ لِي مَذْبَحاً مِنْ حِجَارَةٍ كانت كل مذابح المتمدنين تقريباً من الحجارة وكانت خيراً من المذابح الترابية في أنها أبقى. والله لم يمنع الإسرائيليين منها كل المنع لكنه منع من نحتها ونقشها دفعاً لأسباب التهافت إلى الديانة الوثنية فكانوا يبنونها في بعض الأحيان من الحجارة غير المنحوتة (يشوع ٨: ٣١ و١ملوك ١٨: ٣٢). وقد كُرر المنع من ذلك (انظر تفسير ع ٢٤).

تُدَنِّسُهَا عمل يد الله فهي طاهرة ومقدسة إنما الإنسان يدنسها بأعماله. فكان من الواجبات أن يكون المذبح الذي تقدم عليه كفارة الخطيئة خالصاً من التدنيسات البشرية. وقد جاء الكلام في تقديس المذبح في (ص ٢٤: ١).

٢٦ «وَلاَ تَصْعَدْ بِدَرَجٍ إِلَى مَذْبَحِي كَيْ لاَ تَنْكَشِفَ عَوْرَتُكَ عَلَيْهِ».

وَلاَ تَصْعَدْ بِدَرَجٍ إِلَى مَذْبَحِي كان ذلك متوقفاً على لبس الكهنة ولما تغيّر تغيّر الأمر فكان مذبح سليمان ذا درج (قابل ما في ٢ أيام ٢: ٤ بما في حزقيال ٤٣: ١٧).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى