سفر الخروج

سفر الخروج | 15 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر الخروج

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ عَشَرَ

أغنية موسى

١ «حِينَئِذٍ رَنَّمَ مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيلَ هٰذِهِ ٱلتَّسْبِيحَةَ لِلرَّبِّ: أُرَنِّمُ لِلرَّبِّ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَظَّمَ. ٱلْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ طَرَحَهُمَا فِي ٱلْبَحْرِ».

قضاة ٥: ١ و٢صموئيل ٢٢: ١ ومزمور ١٠٦: ١٢ ع ٢١

حِينَئِذٍ رَنَّمَ مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيلَ أي حين نجا موسى ومن معه ورأوا هلاك أعدائهم رنم الخ. والشعر الذي ترنموا به من منظوم موسى ولكنه لم يذكر هنا أنه هو الناظم تواضعاً كعادته ويبعد أن يظن الناظم غيره. فإن هذا الشعر يشبه كل الشبه أشعار المصريين الدينية. ومَن من المصريين أحكم الفنون المصرية كموسى فإنه ألِف ذلك منذ الطفولية وسمع الأغاني الدينية المصرية منذ صغره. على أن الكلمات النبوية الأخيرة من الأغنية حملت بعض الناس على القول بأنها كانت بعد يشوع والصحيح أنه أنباء بما سيكون في أيام يشوع أو بعده لا أخبار بما وقع وشوهد كالذي قبلها. وأول هذه الأغنية في العبرانية «أشيره ليهوه جاه جاه» (والجيم هنا كالجيم المصرية) (أي «أرنم للرب فإنه قد تعظم» على ما في الترجمة العربية. والترجمة الحرفية «أغني للرب لأنه سما سموا»).

٢ «ٱلرَّبُّ قُوَّتِي وَنَشِيدِي، وَقَدْ صَارَ خَلاَصِي. هٰذَا إِلٰهِي فَأُمَجِّدُهُ، إِلٰهُ أَبِي فَأُرَفِّعُهُ».

مزمور ١٨: ٢ و٥٩: ١٧ و٦٢: ٦ و١٨: ١٤ و١٤٠: ٧ وإشعياء ١٢: ٢ وحبقوق ٣: ١٨ و١٩ ص ٣: ١٥ و١٦ و٢صموئيل ٢٢: ٤٧ ومزمور ٩٩: ٥ و١٨: ٢٨ وإشعياء ٢٥: ١

ٱلرَّبُّ قُوَّتِي وَنَشِيدِي وفي الأصل العبراني «عزي ونشيدي ياه» (والعز القوة بعد الذل وياه الرب كيهوه). واستعمال ياه بدلاً من يهوه أول ما أُتي هنا من الكتاب المقدس لكنه جاء قبل ذلك مركباً مع غيره كما في لفظة «مورياه» (تكوين ٢٢: ١).

وَقَدْ صَارَ خَلاَصِي وفي العبرانية «قد كان لي لخلاص» أي قد خلصني من فرعون. وما في هذه الأغنية من القوة والجمال جعل بني إسرائيل يتخذونها نشيد ابتهاج وشكر لله على مراحمه (إشعياء ٢٢: ١).

هٰذَا إِلٰهِي فَأُمَجِّدُهُ وفي العبرانية «وانوهو» فترجمها بعضهم بقوله «فأعد له مسكناً» (لأن معنى «تنوه» بنى) ومن هذا البعض انكيلوس وابن عزرا. وبعضهم ترجمهما «أمجده» ومن هذا البعض جرشي وترجوم أورشليم ويوناثان ومترجمو السبعينية والفلغاتا وأكثر المحدثين وهي الترجمة المناسبة لقوله في الشطر الثاني «فأرفعه» (ولم يزل معنى التمجيد في هذه اللفظة مستعملاً في اللغة العربية ففي كتب اللغة ناه النبات وغيره بنوه ارتفع. ونوهة ونوّه به مدحه وعظمه فتكون ترجمتها الموافقة «هذا هو إلهي فأنوّهه» وهي مثل ما في الترجمة العربية).

إِلٰهُ أَبِي أي سلفي من الآب فصاعداً أو الجد عموماً (قابل بهذا تفسير ص ٣: ٦).

٣ «ٱلرَّبُّ رَجُلُ ٱلْحَرْبِ. ٱلرَّبُّ ٱسْمُهُ».

مزمور ٢٤: ٨ ورؤيا ١٩: ١١ ٢ ٦: ٣ ومزمور ٨٣: ١٨

ٱلرَّبُّ رَجُلُ ٱلْحَرْبِ وفي النسخة السامرية «الرب قوي في الخرب». وفي السبعينية «الرب محطم (أو كاسر) في الحرب» (فكأن المترجمين اكتفوا بالمعنى لاستهجانهم استعارة الرجل للرب في لغتهم. ولكن ذلك غير مستهجن في العبرانية إذ المقصود المجاز لا الحقيقة. وجاءت استعارت النور والشمس لله في كل اللغات تقريباً وهما دون الإنسان كما لا يخفى على عاقل (انظر تفسير ع ٦).

ٱلرَّبُّ ٱسْمُهُ ومفاد هذا الاسم العظيم الذي له كل القدرة والسلطان الواجب الوجود وحده وإن وجود كل العالمين متوقف على وجوده فلا قوة بدون قوته بالضرورة.

٤ «مَرْكَبَاتِ فِرْعَوْنَ وَجَيْشَهُ أَلْقَاهُمَا فِي ٱلْبَحْرِ، فَغَرِقَ أَفْضَلُ جُنُودِهِ ٱلْمَرْكَبِيَّةِ فِي بَحْرِ سُوفَ».

ص ١٤: ٢٨ ص ١٤: ٧

أَفْضَلُ جُنُودِهِ لأنهم كانوا جنوداً منتخبين (ص ١٤: ٧).

٥ «تُغَطِّيهِمُ ٱللُّجَجُ. قَدْ هَبَطُوا فِي ٱلأَعْمَاقِ كَحَجَرٍ».

ص ١٤: ٢٨ نحميا ٩: ١١

تُغَطِّيهِمُ ٱللُّجَجُ (جاء في بعض التراجم «غطتهم» وما في العربية على وفق الأصل العبراني والمعنى أنهم الآن مغطون بالمياه العامرة) والظاهر إن من أول الأغنية إلى هنا كان يُكرر بدليل ما أتته مريم وصاحباتها (ع ٢١).

٦ «يَمِينُكَ يَا رَبُّ مُعْتَزَّةٌ بِٱلْقُدْرَةِ. يَمِينُكَ يَا رَبُّ تُحَطِّمُ ٱلْعَدُوَّ».

مزمور ١١٨: ١٥ و١٦ وإشعياء ٦٣: ١٢

يَمِينُكَ أي قدرتك (واستعارة اليمين واليد لقدرة الله وردت في كل اللغات المشهورة وهي بعض الرجل فكيف تستهجن استعارة رجل الحرب له (انظر ع ٣ وتفسيره). وقد تكررت هذه الاستعارة في الكتاب لكنها أول ما ذُكرت هنا.

تُحَطِّمُ (أي تكسر) يراد بالفعل المضارع هنا الاستمرار أو التجدد الدائم أي تحطم ولا تزال كذلك.

٧ «وَبِكَثْرَةِ عَظَمَتِكَ تَهْدِمُ مُقَاوِمِيكَ. تُرْسِلُ سَخَطَكَ فَيَأْكُلُهُمْ كَٱلْقَشِّ».

تثنية ٣٣: ٢٦ مزمور ٥٩: ١٣ إشعياء ٥: ٢٤ و٤٧: ١٤

تَهْدِمُ أي تهلك.

٨ «وَبِرِيحِ أَنْفِكَ تَرَاكَمَتِ ٱلْمِيَاهُ. ٱنْتَصَبَتِ ٱلْمِيَاهُ ٱلْجَارِيَةُ كَرَابِيَةٍ. تَجَمَّدَتِ ٱللُّجَجُ فِي قَلْبِ ٱلْبَحْرِ».

ص ١٤: ٢١ و ٢صموئيل ٢٢: ١٦ وأيوب ٤: ٩ و٢تسالونيكي ٢: ٨ مزمور ٧٨: ١٣

بِرِيحِ أَنْفِكَ هي الريح الشرقية المذكورة في (ص ١٤: ٢١ قابل هذا بما في مزمور ١٨: ١٥) فإن تلك الريح علة انقسام المياه مع الجزر إن صح أنه كان جزر. وكيف كان الأمر فالعلة طبيعية استخدمها الله لمقصده. ويراد بالأنف هنا عزة الله وإنفته من بقاء الأعداء وغضبه عليهم (ويراد به في العربية مثل ما يراد به في العبرانية انظر أيوب ٤: ٩).

ٱنْتَصَبَتِ ٱلْمِيَاهُ ٱلْجَارِيَةُ كَرَابِيَةٍ. تَجَمَّدَتِ ٱللُّجَجُ أي كأن المجاري انتصبت كتل وكأن اللجج جمدت. وقد ذهب بعضهم إلى أن الكلام حقيقة لا مجاز وإن الأمر كله خارق العادة حتى أنه قال ريح أنف الله حقيقة. ولا يخفي ما في ذلك.

٩ «قَالَ ٱلْعَدُوُّ: أَتْبَعُ، أُدْرِكُ، أُقَسِّمُ غَنِيمَةً! تَمْتَلِئُ مِنْهُمْ نَفْسِي. أُجَرِّدُ سَيْفِي. تُفْنِيهِمْ يَدِي!».

قضاة ٥: ٢٩ و٣٠ تكوين ٤٩: ٢٧ وإشعياء ٥٣: ١٢

قَالَ ٱلْعَدُوُّ كان عسكر فرعون راغباً في أن يضرب الإسرائيليين كفرعون نفسه. ورغبهم في ذلك ما توقعوه من الغنائم ونهب ما حمله الإسرائيليون من المصريين من الذهب والفضة والمواشي وغير ذلك من المقتنيات (ص ١٢: ٣٥ و٣٦ و٣٨).

تَمْتَلِئُ مِنْهُمْ نَفْسِي أي تدرك كل ما اشتهت.

١٠ «نَفَخْتَ بِرِيحِكَ فَغَطَّاهُمُ ٱلْبَحْرُ. غَاصُوا كَٱلرَّصَاصِ فِي مِيَاهٍ غَامِرَةٍ».

ص ١٤: ٢١ ومزمور ١٤٧: ١٨ ع ٥ وص ١٤: ٢٨

نَفَخْتَ بِرِيحِكَ هذا إيضاح للنبإ في (ص ١٤) وهو لم يُذكر قبلاً فإن الريح الشرقية الشديدة (أو الشرقية الجنوبية) دفعت ماء البحيرات المرّة إلى الغرب الشمالي وأرجعتها الريح من الجهة المقابلة فغطت المصريين.

غَاصُوا كَٱلرَّصَاصِ قابل هذا بالآية الخامسة. قال هذا لأنهم غرقوا كأنهم حجارة أو رصاص لا يطفو ويرسب كالمشرف على الغرق وهو ييذل الجهد في النجاة ولعل علة ذلك ثقل أسلحتهم.

١١ «مَنْ مِثْلُكَ بَيْنَ ٱلآلِهَةِ يَا رَبُّ؟ مَنْ مِثْلُكَ مُعْتَزّاً فِي ٱلْقَدَاسَةِ، مَخُوفاً بِٱلتَّسَابِيحِ، صَانِعاً عَجَائِبَ؟».

٢صموئيل ٧: ٢٢ و١ملوك ٨: ٢٣ ومزمور ٨٩: ٦ وإرميا ١٠: ٦ إشعياء ٦: ٣ مزمور ٧٧: ١٤

مَنْ مِثْلُكَ بَيْنَ ٱلآلِهَةِ يَا رَبُّ الخ أي أنت فوق كل الآلهة ولا يماثلك أحد منهم في العزة والقداسة والرهبة والقدرة على صنع المعجزات (انظر ص ٧: ٥ و١٤: ٤ و١٨). نظر موسى هنا إلى ثلاث من صفات الله ترفعه على كل الآلهة.

  1. إنه «معتز في القداسة» وهذه العزة من صفات الله ترفعه على كل الآلهة.
  2. إنه «مخوف بالتسابيح» أي إنه رهيب جداً في خلقه حتى الذين يقتربون إليه بالتسابيح والشكر.
  3. إنه «صانع عجائب» بالوسائل الطبيعية وغير الوسائل فأعماله تحمل النفوس على العجب والحيرة فيعجب كل إنسان من قدرته العظمى. وما كانت آلهة الأمم إلا اعداماً أو أرواحاً شريرة فكيف يمكن أن تماثل الله فإنها قاصرة عنه كل القصور في كل شيء من صفات الكمال. فالقداسة لا يملكون منها شيئاً وأما الرهبة فهم منحطون عنها ولا يرهبهم إلا الجاهل المتوهم. وأما العجائب فهم لا يستحقون أن يُذكروا عند ذكرها. وما أحسن قول المرنم «لاَ مِثْلَ لَكَ بَيْنَ ٱلآلِهَةِ يَا رَبُّ وَلاَ مِثْلَ أَعْمَالِكَ» (مزمور ٨٦: ٨).

١٢ «تَمُدُّ يَمِينَكَ فَتَبْتَلِعُهُمُ ٱلأَرْضُ».

ع ٦

فَتَبْتَلِعُهُمُ ٱلأَرْضُ الذي ابتلعهم البحر لكنه نسب ذلك إلى الأرض لأنه جزء منها. وهذا يدفع قول المعترضين بمنافاة هذه الآية للآيات الرابعة والخامسة والعاشرة فلو عرف المعترض فنون البلاغة ما اعترض هذا الاعتراض السخيف. وكثير من مشاكل الكتاب متوقف على علم البيان أي علم البلاغة والمصطلحات اللغوية (قلنا إن إسناد الابتلاع إلى الأرض وهو للبحر لأنه جزء من الأرض يعرف بعلم البلاغة بالمجاز المرسل وهو من تسمية الجزء باسم الكل. ومثله كثير في العبرانية والعربية وسائر اللغات السامية وغيرها ومنه دخلت البلد ومسحت بالمنديل فإنك تقول هذا وأنت لم تدخل إلا جزءاً من البلد ولم تمسح إلا بجزء من المنديل).

١٣ «تُرْشِدُ بِرَأْفَتِكَ ٱلشَّعْبَ ٱلَّذِي فَدَيْتَهُ. تَهْدِيهِ بِقُوَّتِكَ إِلَى مَسْكَنِ قُدْسِكَ».

مزمور ٧٧: ٢٠ و٧٨: ٥٢ و٨٠: ١ وإشعياء ٦٣: ١٢ وإرميا ٢: ٦ مزمور ٧٨: ٥٤

تُرْشِدُ… ٱلشَّعْبَ… تَهْدِيهِ أخذ الشاعر الملهم هنا ينبئ بما يكون في المستقبل (انظر تفسير ع ١). من عناية الله بالشعب في البرية وهدايته إياه إلى أن أوصله إلى أرض الموعد.

مَسْكَنِ قُدْسِكَ عرف موسى بالوحي إن الله سيختار موضعاً «يضع فيه اسمه» (تثنية ١٢: ٥ و١١ و١٤ و١٦: ٦ و١١ الخ).

١٤ «يَسْمَعُ ٱلشُّعُوبُ فَيَرْتَعِدُونَ. تَأْخُذُ ٱلرَّعْدَةُ سُكَّانَ فِلِسْطِينَ».

عدد ١٤: ١٤ ويشوع ٢: ١٠

ٱلشُّعُوبُ كل قبائل فلسطين وأممها وكل سكان البرية من العمالقة والآدوميين والفلسطينيين والمؤابيين والآموريين وغيرهم.

فَيَرْتَعِدُونَ (انظر عدد ١٢: ٣ ويشوع ٢: ١١ و٥: ١ و٩: ٣ – ١٥).

سُكَّانَ فِلِسْطِينَ هم الفلسطينيون وباسمهم سُمّيت الأرض المقدسة قديماً ولا تزال تُسمى بذلك في أكثر لغات أوربا الحديثة واسمها في العبرانية «فلَشَه».

١٥ «حِينَئِذٍ يَنْدَهِشُ أُمَرَاءُ أَدُومَ. أَقْوِيَاءُ مُوآبَ تَأْخُذُهُمُ ٱلرَّجْفَةُ. يَذُوبُ جَمِيعُ سُكَّانِ كَنْعَانَ».

تثنية ٢: ٤ تكوين ٣٦: ٤٠ عدد ٢٢: ٣ وحبقوق ٣: ٧ يشوع ٢: ٩ و٥: ١

أُمَرَاءُ أَدُومَ (قابل هذا بما في تكوين ٣٦: ١٥). والظاهر أنه بعد نحو ثماني وثلاثين سنة للخروج بُدل الأمراء بالملوك (انظر عدد ٢٠: ٤١) وانتشرت رهبة الإسرائيليين في الأنحاء. وخرج الأدوميون على موسى بخلق كثير وقوة. وكان ذلك أساس البغض الطويل بين الفريقين (٢صموئيل ٨: ١٤ و١ملوك ٨: ٢٠ – ٢٢ و٢أيام ٢٠: ١٦ ومزمور ١٣٧: ٧ الخ).

أَقْوِيَاءُ مُوآبَ كان رعب الموآبيين من الإسرائيليين شديداً (عدد ٢٢: ٣ و٤) حتى اضطر بالاق أن يسأل بلعام أن يلعنهم.

يَذُوبُ جَمِيعُ سُكَّانِ كَنْعَانَ (الكلام هنا استعارة بالكناية فإن شبّه في نفسه رهبة بني إسرائيل على الكنعانيين بالنار ودل على هذا التشبيه المضمر بإثبات الإذابة للرهبة فإن كانت قلوب الكنعانيين حديداً فهي تذوب من نار رهبة الإسرائيليين. أو شبه خوف سكان كنعان من الإسرائيليين بالنار وتأثير الكنعانيين به بالذوبان الخ. والمعنى أنهم يخافون شديد الخوف حتى لا يبقى فيهم شيء من الشجاعة. وكثرت هذه الاستعارة في اللغات السامية ومن ذلك قول المعري:

يذيب الرعب منه كل غضب فلولا الغمد يمسكه لسالا

وكُررت هذه الاستعارة في الكتاب المقدس قالت راحاب للجاسوسين «عَلِمْتُ أَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ أَعْطَاكُمُ ٱلأَرْضَ، وَأَنَّ رُعْبَكُمْ قَدْ وَقَعَ عَلَيْنَا، وَأَنَّ جَمِيعَ سُكَّانِ ٱلأَرْضِ ذَابُوا مِنْ أَجْلِكُمْ. سَمِعْنَا فَذَابَتْ قُلُوبُنَا» (يشوع ٢: ٩ و١١).

١٦ «تَقَعُ عَلَيْهِمِ ٱلْهَيْبَةُ وَٱلرُّعْبُ. بِعَظَمَةِ ذِرَاعِكَ يَصْمُتُونَ كَٱلْحَجَرِ حَتَّى يَعْبُرَ شَعْبُكَ يَا رَبُّ. حَتَّى يَعْبُرَ ٱلشَّعْبُ ٱلَّذِي ٱقْتَنَيْتَهُ».

تثنية ٢: ٢٥ ويشوع ٢: ٩ و١صموئيل ٢٥: ٣٧ و٢صموئيل ٧: ٢٣ ومزمزر ٧٤: ٢ وإشعياء ٤٣: ١ و٥١: ١٠ وإرميا ٣١: ١١ وتيطس ٢: ١٤ و٢بطرس ٢: ١

تَقَعُ عَلَيْهِمِ ٱلْهَيْبَةُ وَٱلرُّعْبُ (هذا تفسير لقوله «يذوب جميع سكان كنعان» (ع ١٥) فإن بعض الأدوميين خافوهم إلى حد أن سمحوا لهم أن يدخلوا تخومهم (تثنية ٢: ٤) وفعل فعلهم الموآبيون (تثنية ٢: ٢٩).

١٧ «تَجِيءُ بِهِمْ وَتَغْرِسُهُمْ فِي جَبَلِ مِيرَاثِكَ، ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي صَنَعْتَهُ يَا رَبُّ لِسَكَنِكَ. ٱلْمَقْدِسِ ٱلَّذِي هَيَّأَتْهُ يَدَاكَ يَا رَبُّ».

مزمور ٤٤: ٢ و٨٠: ٨ مزمور ٧٨: ٥٤

جَبَلِ مِيرَاثِكَ رأى بعضهم ان هذا الجبل جبل موريّا والمناسب أنه أرض كنعان كلها لكثرة الجبال فيها حتى عُدّ ما فيها من السهل أغواراً في الجبل وليس فيها ما يُذكر من السهول سوى شارون وأسدرالون.

ٱلْمَقْدِسِ أي المكان الذي وضع الله فيه اسمه (انظر تفسير ع ١٣). وذكر أنه صنعه وهو لم يُصنع بعد تحقيقاً أنه يُصنع لأن ذلك ما قصده الله وقصد الله لا يبطل وقد عرف موسى ذلك بالوحي (انظر تثنية ١٢: ٥ و١١ و١٤ و١٤: ٢٣ و٢٤ الخ).

١٨ «ٱلرَّبُّ يَمْلِكُ إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلأَبَدِ».

مزمور ١٠: ١٦ و٢٩: ١٠

هذه الآية تأكيد لأن الله لا بد من أن يجري مقاصده بقدرته على كل شيء لأن ملكه أبدي وقدرته لا تضعف (والظاهر أنها ختام الأغنية).

١٩ «فَإِنَّ خَيْلَ فِرْعَوْنَ دَخَلَتْ بِمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ إِلَى ٱلْبَحْرِ، وَرَدَّ ٱلرَّبُّ عَلَيْهِمْ مَاءَ ٱلْبَحْرِ. وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَمَشَوْا عَلَى ٱلْيَابِسَةِ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ».

ص ١٤: ٢٣ وأمثال ٢١: ٣١ ص ١٤: ٢٨ و٢٩

هذه الآية تابعة للتاريخ وتعليل للتسبيح.

٢٠ «فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ ٱلنَّبِيَّةُ أُخْتُ هَارُونَ ٱلدُّفَّ بِيَدِهَا، وَخَرَجَتْ جَمِيعُ ٱلنِّسَاءِ وَرَاءَهَا بِدُفُوفٍ وَرَقْصٍ».

قضاة ٤: ٤ عدد ٢٦: ٥٩ و١صموئيل ١٠: ٥ ومزمور ٦٨: ٢٥ قضاة ١١: ٣٤ ومزمور ١٥٠: ٤

مَرْيَمُ ٱلنَّبِيَّةُ مريم أول النساء الدينيات اللواتي ذُكرن في الكتاب المقدس فإن هؤلاء النساء نساء الدين لم يكن مقصورات على التقوى والعبادة بل كن أيضاً خادمات للدين (انظر قضاة ٤: ٤ و٢ملوك ١٢: ١٤ وإشعياء ٨: ٣ ولوقا ٢: ٣٦). وكانت مثلهن الشماسات في العهد الجديد (رومية ١٦: ١). والظاهر ان النبوءة كانت مما يؤذن به للنساء في مصر ولكنهن حُظرت عليهن الكاهنية إلى عصر بطلميوس.

أُخْتُ هَارُونَ دُعيت أخت هارون لا أخت موسى لأن هارون كان رأس البيت (ص ٦: ٢٠ و٧: ٧). ولا ريب في أن مريم هذه هي أخت موسى التي كانت تراقبه وهو في السفط عل مياه النيل (ص ٢: ٣ – ٨). وتاريخ آخر زمانها في سفر العدد (انظر عدد ١٢: ١ – ١٥). قال النبي ميخا أنه كان لها يد في إنقاذ الإسرائيليين (ميخا ٦: ٤).

بِدُفُوفٍ وَرَقْصٍ (الدفوف جمع دف وهو مثل محيط دائرة يشد عليه الجلد ويُضرب عليه للتطريب) ولا يزال الرجال والنساء في مصر وسورية وغيرها يستعملونه لذلك. وكان من أدوات التطريب في العبادة عند الإسرائيليين ولكنه أول ما ذُكر هنا. وكان من جملة أدوات الطرب المتعددة في عصر داود (٢صموئيل ٦: ١٥ و١أيام ٢٣: ٥ و٢٥: ١ – ٦). واستُنسب للخدمة الدينية في الهيكل منذ بنائه (٢أيام ٥: ١٢). وقدسه العهد الجديد بأمره بالترنم بالمزامير وباستعمال الكنيسة المنتصرة إياه على ما مُثل في سفر الرؤيا (رؤيا ٥: ٨ و١٤: ٢ و٣). وبقي استعماله في بعض الكنائس المسيحية ولا يزال إلى هذا اليوم. أما الرقص مع أنه قُدّس لم يأته سوى قليلين من فرق المسيحيين وعلة ذلك مصيره إلى حال دنيئة بين عامة الناس وأوباش الأرض فأنف الأتقياء إتيانه في العبادة لله القدوس.

٢١ «وَأَجَابَتْهُمْ مَرْيَمُ: رَنِّمُوا لِلرَّبِّ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَظَّمَ! ٱلْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ طَرَحَهُمَا فِي ٱلْبَحْرِ!».

١صموئيل ١٨: ٧ ع ١

وَأَجَابَتْهُمْ مَرْيَمُ أي أجابت الرجال المرنمين هي ومن معها من الصبايا بغناء ورقص مقدّسين.

السفر من البحر الأحمر إلى إيليم ع ٢٢ إلى ٢٧

٢٢ «ثُمَّ ٱرْتَحَلَ مُوسَى بِإِسْرَائِيلَ مِنْ بَحْرِ سُوفَ وَخَرَجُوا إِلَى بَرِّيَّةِ شُورٍ. فَسَارُوا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً».

تكوين ١٦: ٧ و٢٥: ١٨

ثُمَّ ٱرْتَحَلَ مُوسَى بِإِسْرَائِيلَ هذا عود إلى النبإ من (ص ١٤: ٣١) فإن الإسرائيليين في سفرهم إلى سيناء أتوا أولاً إلى مارة (ع ٢٣) ثم أتوا إلى إيليم (ع ٧) فذكر هنا ذلك بالتفصيل. ولم تتعين النقطة التي ساروا منها من البحر الأحمر والمرجّح أنها كانت قرب السويس. والمرجّح أن «ينابيع موسى» (أو عين موسى) وهي على غاية سبعة أميال من السويس هي المكان الذي استراحوا فيه ونُظمت فيه الأغنية المقدسة. فإن في هذه الأرض كثيراً من الكلإ والبقول والآبار.

بَرِّيَّةِ شُورٍ هي أرض جرداء تمتد من بحيرة سربونيس في الشمال إلى عين حوارى في الجنوب وسُمّيت أيضاً برية أثام (عدد ٢٣: ٨). والإسرائيليون لم يسافروا إلا في الجزء الجنوبي. وهنالك البريٍة عراء وفلاة لا ماء فيها تخلو من الكلإ في سوى أول الربيع.

فَسَارُوا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ما بين عين موسى وعين حواري نحو ٣٦ ميلاً فإذا كانت حواري هي مارة فيكون معدل سيرهم في اليوم ١٢ ميلاً وهذا ما يتوقع من مثل ذلك الجيش الكبير ولا داعي له إلى السرعة هنالك.

٢٣ «فَجَاءُوا إِلَى مَارَّةَ. وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْرَبُوا مَاءً مِنْ مَارَّةَ لأَنَّهُ مُرٌّ. لِذٰلِكَ دُعِيَ ٱسْمُهَا «مَارَّةَ».

عدد ٣٣: ٨

لأَنَّهُ مُرٌّ شهد بمرارة الينابيع في تلك الأرض كل من مر بها من المسافرين.

لِذٰلِكَ دُعِيَ ٱسْمُهَا مَارَّةَ أي المرّة.

٢٤ – ٢٦ «٢٤ فَتَذَمَّرَ ٱلشَّعْبُ عَلَى مُوسَى قَائِلِينَ: مَاذَا نَشْرَبُ؟ ٢٥ فَصَرَخَ إِلَى ٱلرَّبِّ. فَأَرَاهُ ٱلرَّبُّ شَجَرَةً فَطَرَحَهَا فِي ٱلْمَاءِ فَصَارَ ٱلْمَاءُ عَذْباً. هُنَاكَ وَضَعَ لَهُ فَرِيضَةً وَحُكْماً، وَهُنَاكَ ٱمْتَحَنَهُ. ٢٦ فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ، وَتَصْنَعُ ٱلْحَقَّ فِي عَيْنَيْهِ، وَتَصْغَى إِلَى وَصَايَاهُ وَتَحْفَظُ جَمِيعَ فَرَائِضِهِ، فَمَرَضاً مَا مِمَّا وَضَعْتُهُ عَلَى ٱلْمِصْرِيِّينَ لاَ أَضَعُ عَلَيْكَ. فَإِنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ شَافِيكَ».

ص ١٦: ٢ و١٧: ٣ ص ١٤: ١٠ ومزمور ٥٠: ١٥ و٢ملوك ٢: ٢١ و٤: ٤١ يشوع ٢٤: ٢٥ ص ١٦: ٤ وتثنية ٨: ١٦ وقضاة ٢: ٢٢ ومزمور ٨١: ٧ تثنية ٧: ١٢ إلى ١٥ تثنية ٢٨: ٢٧ و٦٠ ص ٢٣: ٢٥ ومزمور ٤١: ٣ و٤ و١٠٣: ٣ و١٤٧: ٣

فَأَرَاهُ ٱلرَّبُّ شَجَرَةً من الأشجار ما من خواصه أن يعذب الماء به ولكن لا أثر له اليوم في سيناء. والعرب هناك لا تعرف واسطة لجعل تلك الأرض كان ينبت فيها قديماً أشجار لها تلك الخاصة. ولو لم تكن تلك الشجرة وسيلة إلى جعل المياه المرة عذبة ما أراه إياها الرب. فإن الله يستخدم ما وضعه من الشرائع الطبيعية لقصده وإن لم تقف تلك الشرائع بما قصد فهو صانع العجائب لقدرته على كل شيء.

وَضَعَ لَهُ فَرِيضَةً أي وضع للشعب الخ لا لموسى بخصوصه فإنه علمهم بجعل الماء عذباً إنه إذا آمنوا بوصاياه وأطاعوه شفاهم ووقاهم (ع ٢٦).

٢٧ «ثُمَّ جَاءُوا إِلَى إِيلِيمَ وَهُنَاكَ ٱثْنَتَا عَشَرَةَ عَيْنَ مَاءٍ وَسَبْعُونَ نَخْلَةً. فَنَزَلُوا هُنَاكَ عِنْدَ ٱلْمَاءِ».

عدد ٣٣: ٩

إِيلِيمَ تُعرف اليوم أرض إيليم بوادي غرنديل وهي أرض كثيرة المياه والكلإ يكثر فيها القرظ والطرفاء ولم يزل فيها أشجار من النخل. وعدد العيون والنخل لم يبق على ما كان لتقادم الزمان وتغيرات وجه الأرض المعهودة في كل مكان.

فَنَزَلُوا هُنَاكَ ولا ريب في أنهم شغلوا جهات كثيرة من تلك الأرض فنزل القواد في إيليم أي وادي غرنديل وتوزع الباقون في وادي أسيان وأتال وطيبة وغيرهما. وكل تلك الجهات كثيرة بالخصب وافرة المياه.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى