سفر الخروج

سفر الخروج | 14 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر الخروج

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ عَشَرَ

اتباع فرعون واجتياز البحر الأحمر

١، ٢ «١ وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٢ كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَرْجِعُوا وَيَنْزِلُوا أَمَامَ فَمِ ٱلْحِيرُوثِ بَيْنَ مَجْدَلَ وَٱلْبَحْرِ أَمَامَ بَعْلَ صَفُونَ. مُقَابِلَهُ تَنْزِلُونَ عِنْدَ ٱلْبَحْرِ».

ص ١٣: ١٨ عدد ٣٣: ٧ و٨ إرميا ٤٤: ١ و٤٦: ١٤ وحزقيال ٢٩: ١٠ و٣٠: ٦

كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَرْجِعُوا كانت جهة سير الإسرائيليين حينئذ الجنوب الشرقي تقريباً فبلغوا تخم البرية (ص ١٣: ٢٠) قرب رأس البحيرات المالحة. فلو وصلوا السير في تلك الجهة لأدى بهم المسير من مصر إلى برية إيثام فبلغوا قفراً لا ماء فيه ولا كلأ. وكانت البحيرات المالحة على يمينهم ولكن الله أمرهم بالرجوع فصارت على شمالهم.

فَمِ ٱلْحِيرُوثِ…مَجْدَلَ… بَعْلَ صَفُونَ لم يُعرف ما هذه الأماكن ولعلها كانت مدناً أو قرى مصرية غير ذات شأن على مقربة من خليج السويس على الشواطئ الغربية. ويقرب من فم الحيروث فيحر أو فيحورث في الجغرافية المصرية وربما كانت مجدل مكتل المصرية وكانت مدينة مصرية اسمها كذلك على القرب من بيلسيوم ولا شك في أنها لم تُقصد في هذه الآية. والمرجح أن بعل صفون كانت من مساكن الساميين سماها بذلك عبدة البعل. وكان لهم في شرقي مصر كثير من المنازل.

عِنْدَ ٱلْبَحْرِ اختلف المفسرون في حقيقة هذا البحر فرأى برغش أنه البحر المتوسط ويُعترض عليه بأنه لم يسبق ذكر لهذا البحر من أول سفر الخروج إلى هذه الآية ولما ذُكر فيه لم يُذكر بالبحر مطلقاً بل قُيّد بالإضافة فقيل بحر فلسطين (ص ٢٣: ٣١). والظاهر أنه البحر الأحمر فأل فيه للعهد الذكري قد سبق ذكره في (ص ١٣: ١٨). ويؤيد ذلك أن بلوغهم هذا البحر يقتضي أن ينحرفوا من الجنوب الشرقي إلى الجنوب فيبقوا على حدود مصر.

٣ « فَيَقُولُ فِرْعَوْنُ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: هُمْ مُرْتَبِكُونَ فِي ٱلأَرْضِ. قَدِ ٱسْتَغْلَقَ عَلَيْهِمِ ٱلْقَفْرُ».

مُرْتَبِكُونَ فِي ٱلأَرْضِ (قابل هذا بما في أستير ٣: ١٥). سيقول فرعون لكل لما يعلمه من رجوعهم ومصير البحيرات المالحة على شمالهم بعد أن كانت على يمينهم في الجهة التي تؤدي بهم سريعاً إلى البحر الأحمر.

٤، ٥ «٤ وَأُشَدِّدُ قَلْبَ فِرْعَوْنَ حَتَّى يَسْعَى وَرَاءَهُمْ. فَأَتَمَجَّدُ بِفِرْعَوْنَ وَبِجَمِيعِ جَيْشِهِ، وَيَعْرِفُ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ. فَفَعَلُوا هٰكَذَا. ٥ فَلَمَّا أُخْبِرَ مَلِكُ مِصْرَ أَنَّ ٱلشَّعْبَ قَدْ هَرَبَ، تَغَيَّرَ قَلْبُ فِرْعَوْنَ وَعَبِيدِهِ عَلَى ٱلشَّعْبِ. فَقَالُوا: مَاذَا فَعَلْنَا حَتَّى أَطْلَقْنَا إِسْرَائِيلَ مِنْ خِدْمَتِنَا؟».

ص ١٤: ٢١ ص ٩: ١٦ وع ١٧ و١٨ وحزقيال ٣٨: ٢٢ و٢٣ ورومية ٩: ١٧ و٢٢ و٢٣ ص ٧: ٥ مزمور ١٠٥: ٢٥

تَغَيَّرَ قَلْبُ فِرْعَوْنَ وَعَبِيدِهِ عَلَى ٱلشَّعْبِ لا ريب في أن التغير ابتدأ على أثر سير الإسرائيليين فإنهم تركوا شرقي مصر فراغاً ووقفت كل الأعمال الملكية التي كانوا مسخرين بها فتشوشت كل الأمور التجارية والصناعية. ولم يخطر على بال المصريين قبل رحيل الإسرائيليين ما يترتب على رحيل ست مئة ألف عامل من الخسران فلا شك في أن المصريين من فرعون إلى ما دونه ندموا ندماً عظيماً على رحيل الإسرائيليين عنهم.

٦ «فَشَدَّ مَرْكَبَتَهُ وَأَخَذَ قَوْمَهُ مَعَهُ».

فَشَدَّ مَرْكَبَتَهُ كان الملوك المصريون من عهد رعمسيس هم الذين يقودون الجيوش إلى الحرب غالباً. وكان الواحد منهم يستقل على مركبته ولا يصحبه سوى سائق المركبة وكان ما يُجري مركبته فرسين. ومعنى قوله «شدها» أعدها للركوب.

٧ «وَأَخَذَ سِتَّ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ مُنْتَخَبَةٍ وَسَائِرَ مَرْكَبَاتِ مِصْرَ وَجُنُوداً مَرْكَبِيَّةً عَلَى جَمِيعِهَا».

ص ١٥: ٤

سِتَّ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ مُنْتَخَبَةٍ كان جلّ مُعتمد المصريين في الحرب على المركبات منذ نشأة الدولة الثامنة عشرة. فما أنبأ به ديودورس سيكولس أنه كان لسوستريس (والمرجّح أنه رعمسيس الثاني) ٢٧٠٠٠ مركبة والظاهر أن في ذلك شيئاً من المبالغة. والذي أجمع عليه المؤرخون المحدثون إن أكثر عدد المركبات التي أُعدت لواقعة واحدة ٣٩٤٠ وكان كثير منها مما أتى به الأحلاف في محاربة ملك الأشوريين على أنه جاء في سفر صموئيل الأول ان مركبات الفلسطينيين كانت ٣٠٠٠٠ وقال بعضهم إن في هذا العدد غلطاً وقع من الناسخ فإن التاريخ القديم أعلن إن أعظم جيش الحثيين. الذي حارب رعمسيس الثاني كانت مركباته ٣٥٠٠ فذكر إن فرعون أخذ ست مئة مركبة من الأمور المعقولة المرجحة. والمرجح إنه كان من جملة تلك المركبات مركبات الجرس الملكي. (انتهى منقولاً عن بعض المفسرين. وهنا نقول إن بعض المفسرين اعتاد السرعة إلى نسبة ما لا يصدقه إلى غلط النساخ على أن العدد المذكور في سفر صموئيل ممكن عقلاً وعادة. وعلى فرض عدم إمكانه لماذ لا يحمل على أنه أراد به مجرد الكثرة ومثل هذا كثيراً ما يقع في العبرانية والعربية فيُقال كان الناس في المشهد ربوات في حين لا يزيدون على بضعة آلاف فكأن القائل يريد أنهم كانوا كثيرين كأنهم ربوات وقس على ذلك. على أنه ما أتى به المفسر من أقوال المؤرخين لا دليل فيه على نفي ذلك العدد. وكون المركبات المنتخبة ست مئة يُفهم أن المركبات كانت كثيرة إلى حد بعيد. فإن المنتخب قليل من كثير فكثيراً ما يُنتخب عشرة من ألف أو أكثر فتأمل).

وَسَائِرَ مَرْكَبَاتِ مِصْرَ أي والمنتخب من سائر مركبات مصر السفلى ولعلها كانت مئات.

وَجُنُوداً مَرْكَبِيَّةً عَلَى جَمِيعِهَا أي كان على كل منها جنود محاربون.

٨ «وَشَدَّدَ ٱلرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ حَتَّى سَعَى وَرَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَنُو إِسْرَائِيلَ خَارِجُونَ بِيَدٍ رَفِيعَةٍ».

ع ٤ ص ٦: ١ و١٣: ٢ و ٩ وعدد ٣٣: ٣

بِيَدٍ رَفِيعَةٍ أي بقوة عظيمة جعلت المصريين يسألوهم الانطلاق.

٩ «فَسَعَى ٱلْمِصْرِيُّونَ وَرَاءَهُمْ وَأَدْرَكُوهُمْ. جَمِيعُ خَيْلِ مَرْكَبَاتِ فِرْعَوْنَ وَفُرْسَانِهِ وَجَيْشِهِ وَهُمْ نَازِلُونَ عِنْدَ ٱلْبَحْرِ عِنْدَ فَمِ ٱلْحِيرُوثِ أَمَامَ بَعْلَ صَفُونَ».

ص ١٥: ٩ ويشوع ٢٤: ٦

جَمِيعُ خَيْلِ مَرْكَبَاتِ فِرْعَوْنَ التي انتخبها وأخذها يومئذ.

وَفُرْسَانِهِ ما المقصود بالفرسان هنا الخيالة كما هو معنى الكلمة الحقيقي أم راكبوا المركبات كما يظن من سياق الحديث فإنه تُعنى الخيالة في غير هذا السفر من أسفار كتاب الله. ولم يذكر أن المصريين كانوا يمتطون الخيل في الحرب على أنه كثيراً ما ذُكر أنهم كانوا يستخدمون الخيل. ومما جاء في تاريخ ديودوروس سيكولوس أنه كان لسوستريس ٢٤٠٠٠ فارساً مع ٢٧٠٠٠ مركبة. وذُكر في كتاب الوحي أنه «صَعِدَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرَ عَلَى أُورُشَلِيمَ لأَنَّهُمْ خَانُوا ٱلرَّبَّ بِأَلْفٍ وَمِئَتَيْ مَرْكَبَةٍ وَسِتِّينَ أَلْفَ فَارِسٍ» (٢أيام ١٢: ٢ و٣) وذكر هيرودوتس أنه ان لاماسيس جيش من الفرسان. وفي الرسوم المصرية العادية الفرسان جزء من الجيش لكن الفرسان في ما ظهر من الرسوم أجانب لا مصريون على ما ظن بعضهم. (وقلنا وفي ترنيمة موسى وبني إسرائيل في هذه الحادثة «الفرس وراكبه طرحهما في البحر» (ص ١٥: ١) وهذا نص صريح على أن المقصود بالفرسان راكبو الخيل حقيقة).

وَجَيْشِهِ أي المشاة. كان جيش فرعون كجيش شيشق ثلاثة أقسام الفرسان والمشاة والمركبيون (٢أيام ١٢: ٣).

١٠ «فَلَمَّا ٱقْتَرَبَ فِرْعَوْنُ رَفَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عُيُونَهُمْ وَإِذَا ٱلْمِصْرِيُّونَ رَاحِلُونَ وَرَاءَهُمْ، فَفَزِعُوا جِدّاً. وَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى ٱلرَّبِّ».

يشوع ٢٤: ٧ ونحميا ٩: ٩ ومزمور ٣٤: ١٧ و١٠٧: ٦

فَفَزِعُوا جِدّاً إن قيل كيف خاف ست مئة ألف رجل من الإسرائيليين ممن تبعهم من جنود فرعون وهم كلهم على ما قال هيرودوتس ٤١٠٠٠٠ وهب الذين تبعوا الإسرائيليين ١٠٠٠٠٠ منهم فهل يخاف الستة واحداً. قلنا إن الإسرائيليين كانوا مذلين غير معتادين الحرب وأكثرهم أعزل أي بلا سلاح وكان المصريون كماةً (أي متسلحين) متدربين في الحرب المصرية. ويحسن أن نذكر هنا أن سبعة وأربعين ألفاً من اليونان غلبوا في بعض الأزمنة أكثر من ألف ألف من جنود الفرس.

صَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى ٱلرَّبِّ عرف الإسرائيليون أن لا ملجأ سوى يهوه ولا عاصم مثله.

١١ «وَقَالُوا لِمُوسَى: هَلْ لأَنَّهُ لَيْسَتْ قُبُورٌ فِي مِصْرَ أَخَذْتَنَا لِنَمُوتَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ؟ مَاذَا صَنَعْتَ بِنَا حَتَّى أَخْرَجْتَنَا مِنْ مِصْرَ؟».

مزمور ١٠٦: ٧

هَلْ لأَنَّهُ لَيْسَتْ قُبُورٌ فِي مِصْرَ هذا التذمر نتيجة الخوف وضعف الإيمان (ومعناه ظاهر).

١٢ «أَلَيْسَ هٰذَا هُوَ ٱلْكَلاَمُ ٱلَّذِي كَلَّمْنَاكَ بِهِ فِي مِصْرَ قَائِلِينَ: كُفَّ عَنَّا فَنَخْدِمَ ٱلْمِصْرِيِّينَ، لأَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ نَخْدِمَ ٱلْمِصْرِيِّينَ مِنْ أَنْ نَمُوتَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ».

ص ٥: ٢١ و٦: ٩

أَلَيْسَ هٰذَا هُوَ ٱلْكَلاَمُ ٱلَّذِي كَلَّمْنَاكَ بِهِ الخ كان الإسرائيليون قد أبوا أن يصغوا إلى موسى (ص ٦: ٩) لكنهم سمعوا له غالباً وسلموا بما عزم عليه. فكان تذمرهم عليه هنا منافياً للعدل. ولكن من خوالص الطبيعة البشرية أن ترتكب مثل ذلك في زمان الخطر والنوازل.

١٣، ١٤ «١٣ فَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: لاَ تَخَافُوا. قِفُوا وَٱنْظُرُوا خَلاَصَ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي يَصْنَعُهُ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ. فَإِنَّهُ كَمَا رَأَيْتُمُ ٱلْمِصْرِيِّينَ ٱلْيَوْمَ لاَ تَعُودُونَ تَرَوْنَهُمْ أَيْضاً إِلَى ٱلأَبَدِ. ١٤ ٱلرَّبُّ يُقَاتِلُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ تَصْمُتُونَ».

٢أيام ٢٠: ١٥ و١٧ وإشعياء ٤١: ١٠ و١٣ و١٤ ع ٢٥ وتثنية ١: ٣٠ و٣: ٢٢ و٢٠: ٤ ويشوع ١٠: ١٤ و٤١ و٢٣: ٣ و٢أيام ٢٠: ٢٩ ونحميا ٤: ٢٠ وإشعياء ٣١: ٤ إشعياء ٣٠: ١٥

لاَ تَخَافُوا. قِفُوا وَٱنْظُرُوا «بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم» (إشعياء ٣٠: ١٥) فعلينا أن نفعل ما في طاقتنا ونكِل العاقبة إلى الرب. وما أحسن قولهم «إن الله يساعد الذين يساعدون أنفسهم». على أنه لم يكن هنا من شيء على الإسرائيليين سوى أن يتركوا كل شيء للرب (٢أيام ٢٠: ١٧). فعلينا في مثل هذه الحال أن نصبر وننتظر ونتشجع كما فعل موسى فإنه لم يكن يعلم ماذا سيصنعه لإسرائيل ومع ذلك هدأ واطمأن.

كَمَا رَأَيْتُمُ ٱلْمِصْرِيِّينَ ٱلْيَوْمَ لا ترونهم فيما عهدتم من قوتهم عليكم وإذلالهم إياكم فإن الله سيبيد كبرياءهم ويطرحهم جثثاً في البحر الأحمر (انظر ع ٣٠).

ٱلرَّبُّ يُقَاتِلُ عَنْكُمْ (هذا خير من كل شيء للاطمئنان).

١٥ – ١٨ «١٥ فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: مَا لَكَ تَصْرُخُ إِلَيَّ؟ قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَرْحَلُوا. ١٦ وَٱرْفَعْ أَنْتَ عَصَاكَ وَمُدَّ يَدَكَ عَلَى ٱلْبَحْرِ وَشُقَّهُ، فَيَدْخُلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ عَلَى ٱلْيَابِسَةِ. ١٧ وَهَا أَنَا أُشَدِّدُ قُلُوبَ ٱلْمِصْرِيِّينَ حَتَّى يَدْخُلُوا وَرَاءَهُمْ، فَأَتَمَجَّدُ بِفِرْعَوْنَ وَكُلِّ جَيْشِهِ، بِمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ. ١٨ فَيَعْرِفُ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ حِينَ أَتَمَجَّدُ بِفِرْعَوْنَ وَمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ».

ص ٧: ١٩ وع ٢١: ٢٦ ع ٤

مَا لَكَ تَصْرُخُ إِلَيَّ (ع ١٠) كما يصرخ الشعب. صرخ موسى إلى الله فقال الله له الوقت ليس بوقت صراخ بل وقت عمل «قل لبني إسرائيل أن يرحلوا الخ» فإنه كان على الإسرائيليين أن يقلعوا خيامهم ويتأهبوا للرحيل حالاً. وكان على موسى أن يهبط شاطئ البحر وعصاه في يده ويمدها إلى البحر ويتوقع النتيجة. وهي أنه تنقسم المياه ويظهر القرار ويجف إلى الأمد المُقتضى ويعبر الإسرائيليون إلى الشاطئ المقابل (ع ١٦). والمصريون يتبعونهم فيهلكون «فيتمجد الرب بفرعون وكل جيوشه» (ع ١٧ و١٨). ولم يبين له حينئذ طريق إهلاكهم بالتفصيل.

١٩، ٢٠ «١٩ فَٱنْتَقَلَ مَلاَكُ ٱللّٰهِ ٱلسَّائِرُ أَمَامَ عَسْكَرِ إِسْرَائِيلَ وَسَارَ وَرَاءَهُمْ، وَٱنْتَقَلَ عَمُودُ ٱلسَّحَابِ مِنْ أَمَامِهِمْ وَوَقَفَ وَرَاءَهُمْ. ٢٠ فَدَخَلَ بَيْنَ عَسْكَرِ ٱلْمِصْرِيِّينَ وَعَسْكَرِ إِسْرَائِيلَ، وَصَارَ ٱلسَّحَابُ وَٱلظَّلاَمُ وَأَضَاءَ ٱللَّيْلَ. فَلَمْ يَقْتَرِبْ هٰذَا إِلَى ذَاكَ كُلَّ ٱللَّيْلِ».

تكوين ١٦: ٧ وص ١٣: ٢١ و٢٣: ٢٠ و٣٢: ٣٤ وعدد ٢٠: ١٦ وإشعياء ٦٣: ٩ إشعياء ٨: ١٤ و٢كورنثوس ٤: ٣

مَلاَكُ ٱللّٰهِ ٱلسَّائِرُ أَمَامَ عَسْكَرِ إِسْرَائِيلَ مَن قيل في الآية الحادية والعشرين من (ص ١٣) أنه «ملاك الرب» قيل هنا أنه «ملاك الله». وقيل في نبإ العليقة الملتهبة أن الذي خاطبه «ملاك يهوه» أي الرب ثم قيل أنه «الله» ثم قيل أنه «يهوه» (انظر ص ٣: ٢ و٤ و٧). وكان في عمل الرب هنا أمران (١) الأول ضرب المصريين وتركهم يضطربون في السحاب والظلمة. و(٢) إغاثة الإسرائيليين وإضاءته لهم.

٢١ «وَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ عَلَى ٱلْبَحْرِ، فَأَجْرَى ٱلرَّبُّ ٱلْبَحْرَ بِرِيحٍ شَرْقِيَّةٍ شَدِيدَةٍ كُلَّ ٱللَّيْلِ، وَجَعَلَ ٱلْبَحْرَ يَابِسَةً وَٱنْشَقَّ ٱلْمَاءُ».

ع ١٦ أيوب ٢٧: ٢١ ومزمور ٤٨: ٧ وإرميا ١٨: ١٧ وحزقيال ٢٧: ٢٦ مزمور ٦٦: ٦ ص ١٥: ٨ ويشوع ٣: ١٦ و٤: ٢٣ ونحميا ٩: ١١ ومزمور ٧٤: ١٣ و١٠٦: ٩ و١١٤: ٣ وإشعياء ٦٣: ١٢

بِرِيحٍ شَرْقِيَّةٍ بين الشمال الشرقي والجنوب الغربي. إذا تصوّرنا أن البحيرات المالحة كانت متصلة بالبحر الأحمر بقناة ضيقة هان علينا أن الماء رجع إلى الشمال وظهر القرار بالجَزر في البحر الأحمر من الجهة المقابلة أي ارتد إلى الجنوب وجف القرار بالريح الحارة فيكون موسى صبر هنالك إلى أن تم الجَزر وهبت الريح فرد مياه تلك البحيرات على أن الكتاب لم يذكر شيئاً من أمر الجزر. لكن في تقليد المصريين «إن موسى تربص هنالك إلى أن تم الجَزر واجتاز بالإسرائيليين». على ما أفاد بعض المؤرخين. وكيف كان الأمر فإن ذلك كله تم بعناية الله فهو قادر أن يستخدم قوات الطبيعة لما أراد وقادر على صنع المعجزات.

جَعَلَ ٱلْبَحْرَ يَابِسَةً (أي أرضاً يابسة أي أظهر قرار البحر وأيبسه).

ٱنْشَقَّ ٱلْمَاءُ أي بقي ماء البحيرات المالحة منفصلاً وقتاً عن ماء البحر الأحمر فاجتاز بنو إسرائيل في القناة عند ظهور قرارها ويبسِه.

٢٢ «فَدَخَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ عَلَى ٱلْيَابِسَةِ، وَٱلْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ».

ع ٢٩ وص ١٥: ١٩ وعدد ٣٣: ٨ ومزمور ٦٦: ٦ و٧٨: ١٣ وإشعياء ٦٣: ١٣ و١كورنثوس ١٠: ١ وعبرانيين ١١: ٢٩

وَٱلْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ اعتاد الكتاب المقدس أن يسمي كل واقٍ سوراً وحصناً أو مترسة (١صموئيل ٢٥: ١٦ وأمثال ١٨: ١١ وإشعياء ٢٦: ١ وإرميا ١: ١٨ ونحميا ٣: ٨). وهنا وفى الماء الإسرائيليين من الجانبين الجانب الواحد البحيرات المرة على الشمال والثاني البحر الأحمر على اليمين على أن في العبارة تخيلاً شعرياً كما جرت عادة الكتاب (مزمور ٧٨: ١٣ وص ١٥: ٨) فلا يُكترث بقول المحدثين أن المياه انتصبت كسور حقيقة.

٢٣ «وَتَبِعَهُمُ ٱلْمِصْرِيُّونَ وَدَخَلُوا وَرَاءَهُمْ، جَمِيعُ خَيْلِ فِرْعَوْنَ وَمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ إِلَى وَسَطِ ٱلْبَحْرِ».

وَتَبِعَهُمُ ٱلْمِصْرِيُّونَ دخل الإسرائيليون قرار البحر وعمود السحاب وراءهم على ما يظهر. والمصريون إن لم يستطيعوا أن يروهم قدروا أن يسمعوا حركة مرورهم فاقتفوهم على الصوت. وهل انتبهوا للمعجزة أو لا ذلك يصعب علينا أن نعرفه ولكنهم لم يدخلوا قرار البحر وراء الإسرائيليين إلا وهم قد عرفوا أن القرار يابس وظنوا أنه يبقى زمناً كافياً كذلك. ولعل المجاز لم يكن طويلاً وربما كان نحو ميل فرأوا أنهم قادرون أن يقطعوه بنحو عشر دقائق ولكن ما دخلوا إلا والاضطراب قد علاهم «فإِنَّ ٱلرَّبَّ أَشْرَفَ عَلَى عَسْكَرِ ٱلْمِصْرِيِّينَ فِي عَمُودِ ٱلنَّارِ وَٱلسَّحَابِ، وَأَزْعَجَ عَسْكَرَ ٱلْمِصْرِيِّينَ» (ع ٢٤). فإنه تعالى برهبة حضوره وغضبه عليهم أوقعهم في شديد الإرتباك والقلق وابتلعهم الرعب فبعضهم وقف وبعضهم هرب. ونزلت بهم نازلة أخرى وهي انفصال عجال مركباتهم عن محاورها على ما يُستفاد من النص العبراني (ع ٢٥) فوقفت بالضرورة. ونزولها في الطين على ما يُستفاد من السبعينية والسامرية ففيهما أن «البكَر اشتبك فساقوا المركبات بثقله». والخلاصة أن الرب قاتل المصريين عن الإسرائيليين (ع ٢٥) فهرب بعضهم لكن الهرب كان أصعب عليهم من التقدم ثم طغت اللجة وأغرقتهم فهلكوا.

خَيْلِ فِرْعَوْنَ وَمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ ذكر أن هؤلاء دخلوا البحر ولم يذكر أن المشاة دخلوه. وهنا مسئلة ذات شأن وهي أنه هل دخل فرعون معهم أو بقي مع المشاة المرجح الثاني فإن منفتاح وهو فرعون الخروج على الراجح كان جباناً كثير الحذَر والحرص على حياته على ما أفاد بعض المؤرخين.

٢٤ «وَكَانَ فِي هَزِيعِ ٱلصُّبْحِ أَنَّ ٱلرَّبَّ أَشْرَفَ عَلَى عَسْكَرِ ٱلْمِصْرِيِّينَ فِي عَمُودِ ٱلنَّارِ وَٱلسَّحَابِ، وَأَزْعَجَ عَسْكَرَ ٱلْمِصْرِيِّينَ».

مزمور ٧٧: ١٧ إلى ١٩

هَزِيعِ ٱلصُّبْحِ (الهزيع قسم من الليل) وهزيع الصباح ثُلث الليل الأخير أو ربعه الأخير وعلى كل من القولين هو ما بين الساعة الثانية والسادسة أو الثالثة والسادسة قبل الظهر.

٢٥ «وَخَلَعَ بَكَرَ مَرْكَبَاتِهِمْ حَتَّى سَاقُوهَا بِثَقْلَةٍ. فَقَالَ ٱلْمِصْرِيُّونَ: نَهْرُبُ مِنْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ يُقَاتِلُ ٱلْمِصْرِيِّينَ عَنْهُمْ».

ع ١٤

(انظر تفسير ع ٢٣).

٢٦ «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: مُدَّ يَدَكَ عَلَى ٱلْبَحْرِ لِيَرْجِعَ ٱلْمَاءُ عَلَى ٱلْمِصْرِيِّينَ، عَلَى مَرْكَبَاتِهِمْ وَفُرْسَانِهِمْ».

ع ١٦

فَقَالَ ٱلرَّبُّ المرجّح أن الرب قال ذلك على أثر نجاة الإسرائيليين.

٢٧ «فَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ عَلَى ٱلْبَحْرِ فَرَجَعَ ٱلْبَحْرُ عِنْدَ إِقْبَالِ ٱلصُّبْحِ إِلَى حَالِهِ ٱلدَّائِمَةِ، وَٱلْمِصْرِيُّونَ هَارِبُونَ إِلَى لِقَائِهِ. فَدَفَعَ ٱلرَّبُّ ٱلْمِصْرِيِّينَ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ».

يشوع ٤: ١٨ ص ١٥: ١ و٧ وتثنية ١١: ٤ ونحميا ٩: ١١ ومزمور ٧٨: ٥٣ وعبرانيين ١١: ٢٩

عِنْدَ إِقْبَالِ ٱلصُّبْحِ ربما كان ذلك نحو الساعة الخامسة قبل الظهر فأظهر ضوء البحر للمصريين ما كانوا فيه من الخطر فرأوا الأمواج تسرع إليهم من الجانبين وعلى وشك أن تشغل القناة فاجتهدوا في النجاة فذهب اجتهادهم عبثاً فكانت حركتهم بطيئة لما نزل بمركباتهم وكانوا مثقلين بأسلحتهم (فكانت عوناً عليهم لا لهم). وكانت خيلهم لرطوبة الأرض وما عليها من الأثقال بطيئة الجري جداً وكانوا بعيدين عن الشاطئ فما لبثوا أن غمرتهم اللجج (فجلعهم الله غنيمة للحيتان أو جثثاً ميتة تقذف بها الأمواج).

هَارِبُونَ إِلَى لِقَائِهِ (أي هاربون في جهة تقدم ماء البحر ليدركوا اليبس قبل أن يدركهم الماء).

٢٨ «فَرَجَعَ ٱلْمَاءُ وَغَطَّى مَرْكَبَاتِ وَفُرْسَانَ جَمِيعِ جَيْشِ فِرْعَوْنَ ٱلَّذِي دَخَلَ وَرَاءَهُمْ فِي ٱلْبَحْرِ. لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ وَلاَ وَاحِدٌ».

ص ١٥: ٥ ومزمور ١٠٦: ١١

يتبين من هذه الآية ان المشاة لم يدخلوا البحر.

لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ وَلاَ وَاحِدٌ لم يتمكن أحد من أولئك الكماة من السباحة للنجاة لما عليهم من الأسلحة (ولقوة مصادمة بعض اللجج لبعض) فغرقوا كلهم أجمعون. ولا سبيل لنا هنا إلى الحكم بغرق فرعون إذ لا دلالة عليه في هذا النبإ ولا من قول المرنم (مزمور ٧٨: ٥٣ و١٠٦: ١١). وبقي هنا أن يُقال:

  • أولاً: أيمكن إن كان فرعون قد غرق أن لا يُذكر غرقه صريحاً ومعظم القصة متعلق به.
  • ثانياً: إن كان فرعون قد غرق أفيمكن أن يسكت كل المؤرخين عن الإنباء بذلك الأمر العظيم.
  • ثالثا: إن كان قد غرق لم يكن ملكه إلا نحو سنتين أو ثلاث سنين (قابل ما في ص ٢: ٢٣ بما في ص ٤: ١٩ الخ). ولكن منفتاح ملك على أقل التقادير ثماني سنين.
  • رابعاً: إنه لا يتوقع أن ملكاً عظيماً مثله مع ما عُرف من أمره من فرط التوقي أن يعرّض نفسه لمثل ذلك الخطر العظيم ويؤيد ذلك ما جاء في التواريخ المصرية منقولاً عن منفتاح نفسه إنه كان يحذر الأخطار ويقي نفسه منها. وإنه غزا بلاده جيش كبير من الليبيين وغيرهم من الشمال الغربي في السنة الخامسة من ملكه وحملوا على أمهات المدن وكان الخطر عظيماً. فجمع منفتاح كل جيوشه لكنه لم يرد أن يقودها هو نفسه بدعوى إن فتح وهو أحد آهلة المصريين منعه من أن يترك ممفيس (انظر تاريخ مصر لبرغش مجلد ٢ صفحة ١١٩). وكل ما ذُكر إن لم يكن دليلاً قاطعاً فهو يرجح كل الترجيح أن منفتاح بقي مع المشاة على البر.

٢٩ «وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَمَشَوْا عَلَى ٱلْيَابِسَةِ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ، وَٱلْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ».

ع ٢٢

(انظر تفسير ع ٢٢).

٣٠ «فَخَلَّصَ ٱلرَّبُّ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ إِسْرَائِيلَ مِنْ يَدِ ٱلْمِصْرِيِّينَ. وَنَظَرَ إِسْرَائِيلُ ٱلْمِصْرِيِّينَ أَمْوَاتاً عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ».

مزمور ١٠٦: ٨ و١٠ مزمور ٥٨: ١٠ و٥٩: ١٠

وَنَظَرَ إِسْرَائِيلُ ٱلْمِصْرِيِّينَ أَمْوَاتاً عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ لا ريب في أن هذا المنظر كان شديد التأثير ولنا منه إشارة إلى أن الكاتب كان من المشاهدين.

٣١ «وَرَأَى إِسْرَائِيلُ ٱلْفِعْلَ ٱلْعَظِيمَ ٱلَّذِي صَنَعَهُ ٱلرَّبُّ بِٱلْمِصْرِيِّينَ. فَخَافَ ٱلشَّعْبُ ٱلرَّبَّ وَآمَنُوا بِٱلرَّبِّ وَبِعَبْدِهِ مُوسَى».

ص ٤: ٣١ و١٩: ٩ ومزمور ١٠٦: ١٢ و يوحنا ٢: ١١ و١١: ٤٥

رَأَى إِسْرَائِيلُ ٱلْفِعْلَ ٱلْعَظِيمَ أي إهلاك جنود فرعون المركبية والفرسان في البحر الأحمر. ونجاة الإسرائيليين من أعدائهم ومن الغرق. فأن قلوب الإسرائيليين كانت قد تمزقت حزناً وألماً من جور المصريين وتثقيلهم فكانت قلوب من بقي من المصريين منكسرة بذلك ورضي ملكهم من الغنيمة بالأياب فكان قد خسر نخبة مركباته وخيله ويئس من كل نجاح. وذهب الإسرائيليون مسرعين إلى سيناء ولما بلغوا تلك الأرض أمنوا كل أخطار المصريين.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى