سفر الخروج

سفر الخروج | 11 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر الخروج

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي عَشَرَ

إعلان بالضربة العاشرة

١ «ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ضَرْبَةً وَاحِدَةً أَيْضاً أَجْلِبُ عَلَى فِرْعَوْنَ وَعَلَى مِصْرَ. بَعْدَ ذٰلِكَ يُطْلِقُكُمْ مِنْ هُنَا. وَعِنْدَمَا يُطْلِقُكُمْ يَطْرُدُكُمْ طَرْداً مِنْ هُنَا بِٱلتَّمَامِ».

ص ١٢: ٣١ و٣٣ و٣٩

ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ الكلام من (ع ١ – ٣) معترض يبين إعلان الرب لموسى قبل أن واجه فرعون حينئذ. وكان ذلك ضرورياً ليكون موسى على ثقة من أمره بالنظر إلى الضربة العاشرة التي هي آخر الضربات (ع ٥) وإنها تؤثر أشد التأثير في المصريين (ع ٨).

٢ «تَكَلَّمْ فِي مَسَامِعِ ٱلشَّعْبِ أَنْ يَطْلُبَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ صَاحِبِهِ، وَكُلُّ ٱمْرَأَةٍ مِنْ صَاحِبَتِهَا أَمْتِعَةَ فِضَّةٍ وَأَمْتِعَةَ ذَهَبٍ».

ص ٣: ٢٢ و١٢: ٣٥

أَنْ يَطْلُبَ كُلُّ رَجُلٍ الخ (انظر تفسير ص ٣: ٢٢) كان الله قد أباح ذلك للنساء فأباحه هنا لهن وللرجال أيضاً.

٣ «وَأَعْطَى ٱلرَّبُّ نِعْمَةً لِلشَّعْبِ فِي عُيُونِ ٱلْمِصْرِيِّينَ. وَأَيْضاً مُوسَى كَانَ عَظِيماً جِدّاً فِي أَرْضِ مِصْرَ فِي عُيُونِ عَبِيدِ فِرْعَوْنَ وَعُيُونِ ٱلشَّعْبِ».

ص ٣: ٢١ و١٢: ٣٦ ومزمور ١٠٦: ٤٦ أستير ٩: ٤

وَأَعْطَى ٱلرَّبُّ نِعْمَةً لِلشَّعْبِ أي لما جاء الوقت المعيّن أعطى الخ (انظر ص ١٢: ٣٦).

الرجل مُوسَى يتوهم قارئ هذه العبارة في بادي الرأي أن موسى ليس بكاتب هذا السفر إذ لم يقل «أنا» بل «الرجل موسى» والحق أن ذلك من الأدلة على أنه هو الكاتب لأن غيره من الكتبة لا يشير إليه بأقل الصفات التي تُطلق على كل ذكر من البشر دنيئاً وضيعاً وشريفاً رفيعاً. وقوله «الرجل» فيه من التواضع ما ليس في قوله أنا ولم يذكره أحد من الكتبة بمثل ذلك إنما دعوه «بالنبي» (تثنية ٣٤: ١٠ ولوقا ٢٤: ٢٧ وأعمال ٣: ٢٢ و٧: ٣٧). و «برجل الله» (تثنية ٣٣: ١ ويشوع ١٤: ٦ وفي عنوان مزمور ٩٠ وعزرا ٣: ٢). و «بعبد الرب» (يشوع ١: ١ وعبرانيين ٣: ٥).

عَظِيماً جِدّاً ذكر موسى هذا لا ينافي اتضاعه لأنه لم يقصد به سوى بيان الواقع ولأن ذكره كان ضرورياً لذلك البيان ولإتمام النبإ (ومعناه أن الله أنعم على الشعب وإنه رفع الرجل موسى أي أنا الوضيع في عيون الظالمين). وكان عند المصريين إن من يواجه الملك عظيم جداً لأنهم كانوا يرون أن فرعون إله على الأرض فكان موسى بتكرار مواجهته لفرعون في غاية العظمة عند كبراء البلاط وسائر المصريين فمالوا إلى مساعدة الإسرائيليين إكراماً لموسى.

٤ «وَقَالَ مُوسَى: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ، إِنِّي نَحْوَ نِصْفِ ٱللَّيْلِ أَخْرُجُ فِي وَسَطِ مِصْرَ».

ص ١٢: ١٢ و٢٣ و٢٩ و عاموس ٥: ١٧

قَالَ مُوسَى زاد موسى جرأة على فرعون لتكرار مخاطبته إياه وجهاً لوجه حتى فاه له بآخر إنذاراته وكان شديداً جداً (ص ١٠: ٢٩). ونهاه فرعون عن أن يرى وجهه بعد ذلك (ص ١٠: ٢٨). فقال له «نِعِمَّا قُلْتَ! أَنَا لاَ أَعُودُ أَرَى وَجْهَكَ أَيْضاً» (ص ١٠: ٢٩). (ولا يخفى ما في ذلك من شديد التهديد. وكان هذا آخر عهده ببلاطه. ومع أن فرعون كان قد قسّى قلبه وهب الله له زماناً للتوبة فأنذره بلسان موسى بقتل الأبكار ليرجع إلى الله قبل فوات الفرصة. وأبان هول ما أنذره به بقوله «يكون صراخ عظيم في كل أرض مصر لم يكن مثله ولا يكون مثله أيضاً». ولو رجع فرعون إلى الرب واتقاه حينئذ لصرف عنه وعن شعبه ذلك الرزء الجسيم ونجا جيشه من الهلاك غرقاً في البحر الأحمر لكنه قسّى قلبه بعد كل ذلك وبقي على غلاظة طبعه وقسوة فوءاده فلم يطلق بني إسرائيل (ع ١٠).

نَحْوَ نِصْفِ ٱللَّيْلِ فيقع المصاب الأعظم في أهول ساعة من الأربع والعشرين.

٥ «فَيَمُوتُ كُلُّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ، مِنْ بِكْرِ فِرْعَوْنَ ٱلْجَالِسِ عَلَى كُرْسِيِّهِ إِلَى بِكْرِ ٱلْجَارِيَةِ ٱلَّتِي خَلْفَ ٱلرَّحَى، وَكُلُّ بِكْرِ بَهِيمَةٍ».

ص ١٢: ١٢ و٢٩ وعاموس ٤: ١٠

فَيَمُوتُ كُلُّ بِكْرٍ الكلمة في الأصل العبراني مختصة بأبكار الذكور فكان معنى العبارة كل ابن هو الأكبر في البيت يموت. وكان الابن الأكبر عند المصريين كمثل ما هو عند كثيرين من أهل البلاد المختلفة عماد بيته ورجاءه ورفيق أبيه وبهجة أمه ومُعتبر إخوته وأخواته. وكان لقب بكر فرعون الأمير الوارث التاج وخليفة أبيه ما لم يمت. وكان هو الوارث عند غير الملك من الكبراء فلم يكن من مصاب مثل قتل الأبكار من كل المصائب التي نزلت بالمصريين.

بِكْرِ ٱلْجَارِيَةِ ٱلَّتِي خَلْفَ ٱلرَّحَى أي بكر أحط النساء فإنه كما يصاب فرعون أعلى الرجال تُصاب تلك الجارية أدنى النساء بتلك الضربة التي لم يعهدوا مثلها هولاً وإضراراً (ص ١٢: ٣٠).

كُلُّ بِكْرِ بَهِيمَةٍ لم تُقصر الضربة على الناس فكانت على البهائم أيضاً ولا ريب في أنها وقعت أولاً على أبكار ما عبدوه من البهائم إن لم تقع على غيرها من الحيوان الأعجم. وكان في كل حين أربع بهائم في مصر يحسبون أنها آلهة متجسدة يعبدونها ومن ذلك العجل الأبيض فكان قتل هذا وأمثاله من معظمات هول تلك الضربة.

٦ «وَيَكُونُ صُرَاخٌ عَظِيمٌ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ وَلاَ يَكُونُ مِثْلُهُ أَيْضاً».

ص ١٢: ٣٠ وعاموس ٥: ١٧ ص ١٠: ١٤

صُرَاخٌ عَظِيمٌ عويل شديد وولوال رفيع ولم تزل عادة المصريين وكثير من أهل المشرق وإنهم يرفعون أصواتهم بذلك في المصاب الشديد. قال ستُرت بول أنه سمع عويل النساء في القاهرة أيام تفشي الهيضة الوبائية المعروفة بالهواء الأصفر سنة ١٨٤٨ من أمد ميلين. وقال هيرودوتس في وصفه عويل الجند الفارسي في مأتم ماسستويس «صدت أرجاء كل بوتيا بعويلهم». وفي رسوم مصر العادية صورت النائحات تنتف شعورها وتعفّر رؤوسها في التراب أو تذره عليها.

٧ «وَلٰكِنْ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ يُسَنِّنُ كَلْبٌ لِسَانَهُ إِلَيْهِمْ، لاَ إِلَى ٱلنَّاسِ وَلاَ إِلَى ٱلْبَهَائِمِ. لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ ٱلرَّبَّ يُمَيِّزُ بَيْنَ ٱلْمِصْرِيِّينَ وَإِسْرَائِيلَ».

يشوع ١٠: ٢١ ص ٨: ٢٢

يُسَنِّنُ كَلْبٌ لِسَانَهُ أي لم يخسروا شيئاً والعبارة مثل في العبرانية. (قابل هذا بما في يشوع ١٠: ٢١).

٨ «فَيَنْزِلُ إِلَيَّ جَمِيعُ عَبِيدِكَ هٰؤُلاَءِ، وَيَسْجُدُونَ لِي قَائِلِينَ: ٱخْرُجْ أَنْتَ وَجَمِيعُ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِينَ فِي أَثَرِكَ. وَبَعْدَ ذٰلِكَ أَخْرُجُ. ثُمَّ خَرَجَ مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ فِي حُمُوِّ ٱلْغَضَبِ».

ص ١٢: ٣٣ قضاة ٤: ١٠ و٨: ٥ و١ملوك ٢٠: ١٠ و٢ملوك ٣: ٩

جَمِيعُ عَبِيدِكَ أي كبراء البلاط الذين يقفون حول فرعون. وهؤلاء الأعيان كان معداً لهم أن يأتوا إلى موسى بعد وقوع الضربة ويضرعون إليه كأنه ملكهم ويسألوه أن ينطلق بأمته كلها. والأمر مفصل هنا أكثر مما يأتي (ص ١٢: ٣١).

فِي حُمُوِّ ٱلْغَضَبِ أي الغيظ الشديد ولم يُظهر موسى غيظه بالكلام لأنه كان حليماً جداً فأخبر بما شعر به وتوقّد غضباً مع أنه كان عرضة للقتل (ص ١٠: ٢٨) وكان يحق له أن يغضب.

٩، ١٠ «٩ وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: لاَ يَسْمَعُ لَكُمَا فِرْعَوْنُ لِتَكْثُرَ عَجَائِبِي فِي أَرْضِ مِصْرَ. ١٠ وَكَانَ مُوسَى وَهَارُونُ يَفْعَلاَنِ كُلَّ هٰذِهِ ٱلْعَجَائِبِ أَمَامَ فِرْعَوْنَ. وَلٰكِنْ شَدَّدَ ٱلرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يُطْلِقْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِهِ».

ص ٣: ١٩ و٧: ٤ و١٠: ١ ص ٧: ٣ ص ١٠: ٢٠ و٢٧

قَالَ ٱلرَّبُّ ذُيّلت العجائب التسع التي صنعها الله بيدي موسى ويدي هارون بهذه الكلمات الوجيزة:

  1. إن الرب قال إن تلك العجائب تقصر عن تليين قلب فرعون (ص ٤: ٢١).
  2. إن ذلك على إكثار المعجزات (ص ٣: ٧).
  3. إن المعجزات قد صُنعت.
  4. إن فرعون لم يتغير بها ولم يلن قلبه.
  5. إن الله قسّى قلب فرعون عقاباً له على أنه هو قسّى قلبه أولاً. وكان كل ذلك مما زاد به الإسرائيليون ثقة بالله ووقايته لهم ولكي يرى المصريون والأمم المجاورة لهم آيات قوة الرب.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى