سفر الخروج | 10 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر الخروج
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْعَاشِرُ
الضربة الثامنة ع ١ إلى ٤
هذه الضربة كالضربة الثالثة والرابعة في أن الهوام خدمت فيها الرب وعاقبت أعداءه وأدبتهم. ولم يقع خلاف في حقيقة هذه الضربة فهي ضربة الجراد. والجراد قد يأتي مصر وإن لم يكن لم يتولد فيها. فيأتيها من الخارج ويفسد نباتها وأثمارها. قال المستر ستورت بول «ظهر الجراد في مصر بغتة في هذه الأيام وازدحم في الأرض المزروعة. وأتاها من البرية جيشاً متصلاً طويلاً عريضاً وانتشر في سماء البلاد المصرية فحجب نور الشمس وأظلمت الأرجاء وانقضت عليه الغربان والصقور والعقبان والحدَأ وصدت الآفاق بأصواتها فكانت كزفير النار أو صلصلة الأسلحة أو دندنة الدواليب وأنين النواعير. ولما وقع على الأرض أكل كل بقل وعشب ولحاء الأشجار وأوراقها». وقال نيبهر أنه شاهد الجراد هنالك سنة ١٨٠٠. وشاهده تيشندورف هنالك حديثاً. وهو يدخل مصر إما من الجنوب وإما من الشرق. وبعضه تأتي به إليها الرياح لأنه لا يبلغها مع طول المسافة ما لم تحمله الرياح إليها. والمرجّح أنه يأتي إليها أنواع مختلفة منه في أزمنة مختلفة لكن كلها متلف. فالمصريون بعد أن خسروا مواشيهم على اختلاف أنواعها بضربة موت البهائم وكتّانهم وشعيرهم بالبرَد لم يبق لإتمام خرابهم إلا الجراد فأتى. وأكل من جملة ما أكله القطاني ولا سيما الذرة.
١ «ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱدْخُلْ إِلَى فِرْعَوْنَ، فَإِنِّي أَغْلَظْتُ قَلْبَهُ وَقُلُوبَ عَبِيدِهِ لأَصْنَعَ آيَاتِي هٰذِهِ بَيْنَهُمْ».
ص ٧: ١٤ و٩: ٣٤ ص ٧: ٤
أَغْلَظْتُ… وَقُلُوبَ عَبِيدِهِ هذا بعد أن أغلظوا هم قلوبهم (ص ٩: ٣٤) فأغلظها الله عقاباً لهم. وكان عليهم جزء من المسؤولية التي كانت على فرعون فلو أثرت فيهم المعجزات باختيارهم لكانوا أقنعوا فرعون بأن لا فائدة من المقاومة.
لأَصْنَعَ آيَاتِي إن تقسية الله للقلوب انتقاماً ممن قسوّها باختيارهم ولم يطيعوا الله بعد كل الوسائل لا ينقص شيئاً من كمال الطبيعة الإلهية بل يزيد مجده بذلك وتكون عاقبته حسنة لأجيال شعبه الآتية. فإن إنزال الضربات المتوالية على فرعون وقومه كان من خير الوسائل لإعلان قدرة الله العظمى لإسرائيل والأمم المجاورة لهم ومما لا يقوم مقامه شيء لذلك الإعلان.
٢ «وَلِتُخْبِرَ فِي مَسَامِعِ ٱبْنِكَ وَٱبْنِ ٱبْنِكَ بِمَا فَعَلْتُهُ فِي مِصْرَ، وَبِآيَاتِي ٱلَّتِي صَنَعْتُهَا بَيْنَهُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ».
تثنية ٤: ٩ ومزمور ٤٤: ١ و٧١: ١٨ و٧٨: ٥ و٦ ويوئيل ١: ٣
وَلِتُخْبِرَ إن الذين يختبرون مراحم الله مكلفون بحفظ الذكرى لنسلهم الآتي على توالي مواليده. والذكر يحث على ذلك طبعاً. وكان الإسرائيليون يؤمرون دائماً بتلك الذكرى وتبليغها أولادهم لئلا يهملوا هذا الفرض الواجب.
٣، ٤ «٣ فَدَخَلَ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَالاَ لَهُ: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ، إِلَى مَتَى تَأْبَى أَنْ تَخْضَعَ لِي؟ أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي. ٤ فَإِنَّهُ إِنْ كُنْتَ تَأْبَى أَنْ تُطْلِقَ شَعْبِي هَا أَنَا أَجِيءُ غَداً بِجَرَادٍ عَلَى تُخُومِكَ».
١ملوك ٢١: ٢٩ و٢أيام ٧: ١٤ و٣٤: ٢٧ وإرميا ١٣: ١٨ ويعقوب ٤: ١٠ و١بطرس ٥: ٦ أمثال ٣٠: ٢٧ ورؤيا ٩: ٣
أَجِيءُ غَداً بِجَرَادٍ عَلَى تُخُومِكَ تقدم أن الجراد ليس بوطني في مصر لكنه يأتي إليها أحياناً من البلاد الأجنبية كالنوبة والحبش وسورية وبلاد العرب. والموضع الذي أتى منه الجراد المذكور هنا بُيّن في تفسير (ع ١٣).
٥ «فَيُغَطِّي وَجْهَ ٱلأَرْضِ حَتَّى لاَ يُسْتَطَاعَ نَظَرُ ٱلأَرْضِ. وَيَأْكُلُ ٱلْفَضْلَةَ ٱلسَّالِمَةَ ٱلْبَاقِيَةَ لَكُمْ مِنَ ٱلْبَرَدِ. وَيَأْكُلُ جَمِيعَ ٱلشَّجَرِ ٱلنَّابِتِ لَكُمْ مِنَ ٱلْحَقْلِ».
ص ٩: ٣٢ ويوئيل ١: ٤
فَيُغَطِّي وَجْهَ ٱلأَرْضِ حَتَّى لاَ يُسْتَطَاعَ نَظَرُ ٱلأَرْضِ هذا مما يقع كثيراً من الجراد. قال دينون في كلامه على مصر «إن الجراد غطى السهول مسافة فراسخ كثيرة» وقال فلني «إن الجراد شغل هنالك ١٦٠٠ ميل مربع أو ١٨٠٠ ميل مربع». وقال بارو «يمكن أن الجراد غطى كل وجه الأرض هناك حقيقة». قلنا ومعنى اسم الجراد في العبرانية «كثير» وهو موافق لما ذُكر.
يَأْكُلُ ٱلْفَضْلَةَ ٱلسَّالِمَةَ… وَيَأْكُلُ جَمِيعَ ٱلشَّجَرِ قابل هذا بما قيل في (ص ٩: ٣٢) فلا عجب من وصف يوئيل إياه بقوله «قُدَّامَهُ نَارٌ تَأْكُلُ وَخَلْفَهُ لَهِيبٌ يُحْرِقُ. ٱلأَرْضُ قُدَّامَهُ كَجَنَّةِ عَدَنٍ وَخَلْفَهُ قَفْرٌ خَرِبٌ، وَلاَ تَكُونُ مِنْهُ نَجَاةٌ» (يوئيل ٢: ٣). وقال فلني «ولما ظهرت الأرجال «أي جماعات الجراد) اختفى كل أخضر من الحقول في الحال كأنه شقة طويت وصارت الأشجار والأنجم والأعشاب بلا ورق ولم تُشاهد سوى الغصون والفروع المجردة من الأوراق». وهذا موافق لقول يوئيل أيضاً في رجل الجراد (أي جماعته) «جَعَلَتْ كَرْمَتِي خَرِبَةً وَتِينَتِي مُتَهَشِّمَةً. قَدْ قَشَرَتْهَا وَطَرَحَتْهَا فَٱبْيَضَّتْ قُضْبَانُهَا» (يوئيل ١: ٧). فلا يقتصر الجراد على إتلاف الأعشاب والأنجم بل يفسد الأشجار أيضاً. قال بركهرت أنه يضر بأشجار النحل ويأكل كل ورقة وكل أخضر من النبات ويُبقي الأشجار عارية الغصون» (إذ لا يبقي عليها شيئاً من الأوراق).
٦ «وَيَمْلأُ بُيُوتَكَ وَبُيُوتَ جَمِيعِ عَبِيدِكَ وَبُيُوتَ جَمِيعِ ٱلْمِصْرِيِّينَ، ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي لَمْ يَرَهُ آبَاؤُكَ وَلاَ آبَاءُ آبَائِكَ مُنْذُ يَوْمَ وُجِدُوا عَلَى ٱلأَرْضِ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ. ثُمَّ تَحَوَّلَ وَخَرَجَ مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ».
ص ٨: ٣ و٢١
وَيَمْلأُ بُيُوتَكَ قال يوئيل النبي (في الجراد ممثلاً إياه برجال الجيش) «يَتَرَاكَضُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ. يَجْرُونَ عَلَى ٱلسُّورِ. يَصْعَدُونَ إِلَى ٱلْبُيُوتِ. يَدْخُلُونَ مِنَ ٱلْكُوَى كَٱللِّصِّ» (يوئيل ٢: ٩). وما قاله رجال الترحال في أمره يشهد بصحة ما ذكره الكتاب. قال بركهرت «إن الجراد يزدحم في نجد ويفسد إلى حد أن يهلك النبت ويتلف الغلال ويدخل ألوف منه المساكن ويأكل كل ما يجده فيها حتى قِرب الماء». وقال مريار «أنه يدخل المخادع ويجتمع في كل زاوية ويلصق بالثياب ويفسد الأطعمة». وقال كاليش «يدخل أحياناً البيوت ويلج أفواه السكان ويقع على الأطعمة ويقرض الجلود والخشب أيضاً».
ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي لَمْ يَرَهُ آبَاؤُكَ وَلاَ آبَاءُ آبَائِكَ لم يُذكر في تواريخ المصريين الأصلية سوى نبإ حادثة واحدة من حوادث الجراد.
ثُمَّ تَحَوَّلَ وَخَرَجَ المعنى أنه لم يتربص ليسمع جواب فرعون كما كان يفعل قبلاً لأنه علم أن فرعون لم يخش الرب (ص ٩: ٣٠).
٧ «فَقَالَ عَبِيدُ فِرْعَوْنَ لَهُ: إِلَى مَتَى يَكُونُ هٰذَا لَنَا فَخّاً؟ أَطْلِقِ ٱلرِّجَالَ لِيَعْبُدُوا ٱلرَّبَّ إِلٰهَهُمْ. أَلَمْ تَعْلَمْ بَعْدُ أَنَّ مِصْرَ قَدْ خَرِبَتْ؟».
ص ١٣: ٣٣ ويشوع ٢٣: ١٣ و١صموئيل ١٨: ٢١ وجامعة ٧: ٢٦ و١كورنثوس ٧: ٣٥
أَطْلِقِ ٱلرِّجَالَ كان للضربة تأثير في أذهان المصريين وإن يكن فرعون لم يزل متشدداً قاسي القلب. وكان العرافون أول من تأثروا فقالوا «هذا إصبع الله» (ص ٨: ١٩). ثم بعض المصريين الباقين فإنهم «خافوا كلمة الرب وهربوا بعبيدهم ومواشيهم إلى البيوت» (ص ٩: ٢٠). ثم تأثر هنا رجال البلاط المخالطون للملك وتيقنوا أن نبأ موسى حق وأشاروا على الملك أن يسمع له ويطلق الرجال. وظن بعضهم أنهم سألوه إطلاق الرجال دون غيرهم على أن الكلمة العبرانية تُطلق على الرجال والأولاد. ولعل أولئك الكبراء لم يحملهم على ذلك إلا خوفهم على غلالهم لأنهم كانوا من ملاّك المزارع الكثيرة.
٨ «فَرُدَّ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى فِرْعَوْنَ. فَقَالَ لَهُمَا: ٱذْهَبُوا ٱعْبُدُوا ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ. وَلٰكِنْ مَنْ وَمَنْ هُمُ ٱلَّذِينَ يَذْهَبُونَ؟».
٢ملوك ٩: ٣٢
فَرُدَّ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى فِرْعَوْنَ بلّغ موسى وهارون فرعون الإنذار وانصرفا سريعاً وظن رؤساء البلاد أن فرعون لا بد من أن يجيب طلب الأخوين. والحق أنه كان مستعداً أن يجيب بعضه ورأى أنه يقنع موسى بما عزم عليه هو ولهذا افتتح الكلام بالمسئلة الآتية.
مَنْ وَمَنْ هُمُ ٱلَّذِينَ يَذْهَبُونَ لم يسأل فرعون هذا السؤال لأنه يجهل المقصود لأنه عرف أن المطلوب إطلاق كل العبرانيين وان موسى لم يعلم أنه علم ذلك لكن سأله على أسلوب أبان فيه أن في الطلب التباساً يريد دفعه. فأجابه موسى على ذلك في الآية التاسعة بما لا يليق معه أدنى التباس.
٩ «فَقَالَ مُوسَى: نَذْهَبُ بِفِتْيَانِنَا وَشُيُوخِنَا. نَذْهَبُ بِبَنِينَا وَبَنَاتِنَا، بِغَنَمِنَا وَبَقَرِنَا. لأَنَّ لَنَا عِيداً لِلرَّبِّ».
ص ٥: ١
بِبَنِينَا وَبَنَاتِنَا كان من عادة المصريين أن يحتفل الأحداث مع الكبار بالأعياد والولائم على ما قال هيرودوتس.
بِغَنَمِنَا وَبَقَرِنَا جاء آل يعقوب بغنم وبقر كثير إلى مصر (تكوين ٤٧: ١). وكانت بهائمهم قد كثرت في مصر ولم يكن تكليفهم الأعمال ينقصها فكانت في زمن الخروج وافرة جداً. وكان قيامهم بفريضة الفصح وهي ذبح كل بيت خروفاً يقتضي أن يذبحوا في يوم واحد نحو ٢٠٠٠٠٠ خروف (ص ١٢: ٣ – ٥ و٣٧). وقد صرّح الكاتب بأنه يوم خرجوا صعدوا «مع غنم وبقر ومواشٍ وافرة جداً» (ص ١٢: ٣٨).
١٠ «فَقَالَ لَهُمَا: يَكُونُ ٱلرَّبُّ مَعَكُمْ هٰكَذَا كَمَا أُطْلِقُكُمْ وَأَوْلاَدَكُمُ. ٱنْظُرُوا، إِنَّ قُدَّامَ وُجُوهِكُمْ شَرّاً».
إِنَّ قُدَّامَ وُجُوهِكُمْ شَرّاً أي تقصدون أن تضروني بتخسيري عمل فعلة كثيرين.
١١ «لَيْسَ هٰكَذَا. اِذْهَبُوا أَنْتُمُ ٱلرِّجَالَ وَٱعْبُدُوا ٱلرَّبَّ. لأَنَّكُمْ لِهٰذَا طَالِبُونَ. فَطُرِدَا مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ».
ع ٧
أَنْتُمُ ٱلرِّجَالَ وفي العبرانية «جبريم» ومعناه الجبابرة والأقوياء وأُطلقت على الرجال لقوتهم بالنظر إلى الأولاد والنساء فالمقصود بهم هنا البالغون.
لأَنَّكُمْ لِهٰذَا طَالِبُونَ هذا التعليل كذب لأن موسى وهارون طلبا إطلاق كل الشعب والشعب مؤلف من الرجال والنساء والأولاد.
١٢، ١٣ «١٢ ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: مُدَّ يَدَكَ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ لأَجْلِ ٱلْجَرَادِ، لِيَصْعَدَ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ وَيَأْكُلَ كُلَّ عُشْبِ ٱلأَرْضِ، كُلَّ مَا تَرَكَهُ ٱلْبَرَدُ. ١٣ فَمَدَّ مُوسَى عَصَاهُ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ، فَجَلَبَ ٱلرَّبُّ عَلَى ٱلأَرْضِ رِيحاً شَرْقِيَّةً كُلَّ ذٰلِكَ ٱلنَّهَارِ وَكُلَّ ٱللَّيْلِ. وَلَمَّا كَانَ ٱلصَّبَاحُ حَمَلَتِ ٱلرِّيحُ ٱلشَّرْقِيَّةُ ٱلْجَرَادَ».
ص ٧: ١٩ ع ٥
رِيحاً شَرْقِيَّةً وفي الترجمة السبعينية «ريحاً جنوبية» لأنه يغلب أن يأتي الجراد إلى مصر من الجنوب لأنه يتولد في النوبة والحبش. والصواب ما في الترجمة العربية فإن ما في الأصل العبراني «روح قديم» وما معناه إلا «ريح شرقية». وقد أنبأنا المسافرون المحدثون إن الجراد قد يدخل مصر من شمالي بلاد العرب.
١٤ «فَصَعِدَ ٱلْجَرَادُ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ، وَحَلَّ فِي جَمِيعِ تُخُومِ مِصْرَ. شَيْءٌ ثَقِيلٌ جِدّاً لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ جَرَادٌ هٰكَذَا مِثْلَهُ وَلاَ يَكُونُ بَعْدَهُ كَذٰلِكَ»
مزمور ٧٨: ٤٦ و١٠٥: ٣٤ يوئيل ٢: ٢
فَصَعِدَ ٱلْجَرَادُ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ أي على كل ما عُيّن ضربه بالجراد من أرض مصر بقرينة أن ما بين شمالي مصر وجنوبها مسافة أكثر من خمس مئة ميل وعرض الذلتا ١٥٠ ميلاً. ولم يُعهد في التاريخ أن جراداً شغل مثل تلك المساحة. والمرجّح أن الجراد ملأ الذلتا وضواحي ممفيس وعلى ذلك يكون قد شغل سبعة آلاف ميل مربع (على أن الضربة معجزة فلا تتوقف على الحوادث العادية).
١٥ «وَغَطَّى وَجْهَ كُلِّ ٱلأَرْضِ حَتَّى أَظْلَمَتِ ٱلأَرْضُ. وَأَكَلَ جَمِيعَ عُشْبِ ٱلأَرْضِ وَجَمِيعَ ثَمَرِ ٱلشَّجَرِ ٱلَّذِي تَرَكَهُ ٱلْبَرَدُ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ أَخْضَرُ فِي ٱلشَّجَرِ وَلاَ فِي عُشْبِ ٱلْحَقْلِ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ».
ع ٥ مزمور ١٠٥: ٣٥
غَطَّى وَجْهَ كُلِّ ٱلأَرْضِ حَتَّى أَظْلَمَتِ ٱلأَرْضُ (أي الأرض المذكورة فاللام فيها للعهد الذكري) فكان الجراد حجاباً حياً لمحيا الطبيعة.
وَأَكَلَ جَمِيعَ عُشْبِ ٱلأَرْضِ قال كلارك «متى جاء الجراد أرجالاً (أي جماعات) زالت الخضرة النباتية كلها من أوراق الآجام في الوعر إلى أوراق البقول في السهل». وقال أحد السيّاح «إذا حل الجراد في أرض نصف ساعة أتلف كل نامٍ من الأعناب والزيتون والذرة فتنظر إلى حيث حلّ فلا ترى من الأعشاب والبقول إلا جذورها».
وَجَمِيعَ ثَمَرِ ٱلشَّجَرِ كانت مصر كثيرة الأثمار من التين والزيتون والعنب والتوت والرمان والتمر والخوخ والكمثري والتفاح والإجاص والنبق واشتهرت بذلك كثيراً. وقد ذُكر إتلاف الجراد للنبات في الآية الخامسة فارجع إلى تفسيرها واذكر فوق ذلك أنه إذا لم يكن ثمر الكرم وأرواقه مشبعاً له أكل اللحاء أي قشر الخشب والبراعم حتى ترى القضبان بيضاء.
ٱلَّذِي تَرَكَهُ ٱلْبَرَدُ (انظر تفسير ص ٩: ٢٥) وقابله بقول المرنم «جَعَلَ أَمْطَارَهُمْ بَرَداً وَنَاراً مُلْتَهِبَةً فِي أَرْضِهِمْ. ضَرَبَ كُرُومَهُمْ وَتِينَهُمْ، وَكَسَّرَ كُلَّ أَشْجَارِ تُخُومِهِمْ» (مزمور ١٠٥: ٣٢ و٣٣).
١٦ «فَدَعَا فِرْعَوْنُ مُوسَى وَهَارُونَ مُسْرِعاً وَقَالَ: أَخْطَأْتُ إِلَى ٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمَا وَإِلَيْكُمَا».
ص ٩: ٢٧
فَدَعَا فِرْعَوْنُ مُوسَى وَهَارُونَ مُسْرِعاً كانت ضربة الجراد أشد من كل ما سبقها لأنها أتلفت كل ما بقي من غلال الحبوب والأثمار ولا شك في أنه حصل من جرائها الجوع الهائل ولم يكن لهم ما يخزن في الأهراء (تكوين ٤١: ٣٥ و٤٨ الخ) فلم يستطع فرعون على ذلك البلاء صبراً.
أَخْطَأْتُ الخ أخطأ إلى الله لأنه لم يحترم الرب وإلى موسى وهارون لأنه كذبهما واعتقد أنهما محتالان). وكلام فرعون هنا ككلامه في (ص ٩: ٢٧) لكن اعترافه هنا أحسن من اعترافه هناك من وجهين (١) إنه كان بإثمين الإخطاء إلى الرب والإخطاء إلى الأخوين. (٢) إنه لم يلم سوى نفسه. والمرجّح أنه كان مخلصاً الاعتراف حينئذ لكن ما شعر به لم يكن إلا إلى حين (كعادته وعادة كل من لم يجدده الروح القدس).
١٧ «وَٱلآنَ ٱصْفَحَا عَنْ خَطِيَّتِي هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ فَقَطْ، وَصَلِّيَا إِلَى ٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمَا لِيَرْفَعَ عَنِّي هٰذَا ٱلْمَوْتَ فَقَطْ».
ص ٩: ٢٨ و١ملوك ١٣: ٦
هٰذَا ٱلْمَوْتَ (أي الضربة التي هي سبب للموت فالكلام هنا مجاز مُرسل من تسمية السبب باسم المسبب) فإن الجراد لما أتلف الغلال لم يبقَ لهم ما يأكلون وعاقبة ذلك الموت جوعاً.
١٨، ١٩ «١٨ فَخَرَجَ مُوسَى مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ وَصَلَّى إِلَى ٱلرَّبِّ. ١٩ فَرَدَّ ٱلرَّبُّ رِيحاً غَرْبِيَّةً شَدِيدَةً جِدّاً، فَحَمَلَتِ ٱلْجَرَادَ وَطَرَحَتْهُ إِلَى بَحْرِ سُوفَ. لَمْ تَبْقَ جَرَادَةٌ وَاحِدَةٌ فِي كُلِّ تُخُومِ مِصْرَ».
ص ٨: ٣٠ يوئيل ٢: ٢٠
بَحْرِ سُوفَ كذا اسمه في العبرانية ومعنى «سوف» فيها القضيب والأعشاب أو الحلفاء وهو البحر المعروف بالبحر الأحمر. ولعل العبرانيين سموه بحر الحلفاء الخ من عهد موسى لكثرة ما ذكر على سواحله (انظر ص ٢: ٣ وقابل ما فيه بما هنا فإن الحلفاء هناك ترجمة سوف بالعبرانية).
لَمْ تَبْقَ جَرَادَةٌ قال نبهور في كلامه على بلاد العرب «العادة أن يبقى كثير من الجراد بعد رحيله عموماً» لكن قد ينقطع أحياناً. قال موري «إن الريح الجنوبية الغربية التي أتت بالجراد هي التي حملته عن الأرض التي أتتها به. ولم تُبق منه بعد ساعتين بقية».
٢٠ «وَلٰكِنْ شَدَّدَ ٱلرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يُطْلِقْ بَنِي إِسْرَائِيلَ».
ص ٤: ٢١ و١١: ١٠
شَدَّدَ ٱلرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ (قابل هذا بما في ص ٩: ١٢).
الضربة التاسعة ع ٢١ إلى ٢٣
حدثت الضربة التاسعة كالثالثة والسادسة في كونهما بلا تحذير سابق وهي «ظلام دامس» ولعلها نشأت عن رياح الصحراء (المعروفة عند عامة المصريين اليوم بالخماسين) وهي تهب في نحو الاعتدال الربيعي وتحمل كثيراً من دقيق الرمال فيكون كالسحاب يحجب الشمس ويترك المسافرين في مثل حالك ظلام الليل. وربما كانت تلك الضربة بضباب كثيف جداً دام وقتاً طويلاً فإنهم على ما فُهم من النص لم يستطع أن يرى بعضهم بعضاً نحو ثلاثة أيام (ع ٢٣). وإن الظلام كثف جداً حتى كان يُلمس (ع ٢١). ولا ريب ان مثل هذا الظلام مما يسكن الرعب القلوب. وكان ذلك أشد إيلاماً وهولاً للمصريين لأنه أعجز معبودهم «را» وهو الشمس وأكثرهم عبادة له مصريّو الذلتا وكانت هيلوبوليس وفيثوم وقفاً له. ورأوا أنه انتصر خالق الظلام سيت مبدأ الشر عندهم ومهلك اوسيريس وأبوفيس التنين العظيم ضابط النفوس في العالم السفلي. فظهر للمصريين بتلك الضربة إن را قد مات وإن سيت هو أخاه وأن أبوفيس أحاط به الظلام وصار إلى ليل دائم ولهذا أسرع فرعون إلى أن دعا موسى وهارون وأذن للعبرانيين في الانطلاق بعيالهم (ع ٢٤) واستثنى الغنم والبقر (ع ٢٤).
٢١، ٢٢ «٢١ ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: مُدَّ يَدَكَ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ لِيَكُونَ ظَلاَمٌ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ، حَتَّى يُلْمَسُ ٱلظَّلاَمُ. ٢٢ فَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ فَكَانَ ظَلاَمٌ دَامِسٌ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ».
ص ٩: ٢٢ مزمور ١٠٥: ٢٨
حَتَّى يُلْمَسُ ٱلظَّلاَمُ أي حتى كاد يمس والكلام على سبيل المبالغة والتخيّل.
٢٣ «لَمْ يُبْصِرْ أَحَدٌ أَخَاهُ، وَلاَ قَامَ أَحَدٌ مِنْ مَكَانِهِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. وَلٰكِنْ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ لَهُمْ نُورٌ فِي مَسَاكِنِهِمْ!».
ص ٨: ٢٢
لَمْ يُبْصِرْ أَحَدٌ أَخَاهُ (وهذا ممكن في الواقع وكثيراً ما اشتد الظلام حتى منع من رؤيا الأشباح في مصر وسورية وغيرهما).
وَلاَ قَامَ أَحَدٌ مِنْ مَكَانِهِ (قابل هذا بما في (ص ١٦: ٢٩) أي لم يخرج أحد من بيته. رأى بعضهم (وهو المستر ميلنغتون) ان كل إنسان لزم مجلسه فلم يتحرك من موضعه وذلك غير ضروري فإنهم يمكنهم أن يستضيئوا بأضواء المصابيح ويذهبوا من موضع إلى آخر في البيوت فالظاهر إنهم لم يخرجوا من بيوتهم لوقوف الأعمال في الخارج. أو ان من كان منهم في البيوت حين حدوث الظلمة بقوا فيها.
جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ لَهُمْ نُورٌ فِي مَسَاكِنِهِمْ لأن الظلمة لم تصل أرضهم (قابل هذا بما في ص ٨: ٢٢ – ٢٤ و٩: ٤ – ٧ و٢٦).
٢٤، ٢٥ «٢٤ فَدَعَا فِرْعَوْنُ مُوسَى وَقَالَ: ٱذْهَبُوا ٱعْبُدُوا ٱلرَّبَّ. غَيْرَ أَنَّ غَنَمَكُمْ وَبَقَرَكُمْ تَبْقَى. أَوْلاَدُكُمْ أَيْضاً تَذْهَبُ مَعَكُمْ. ٢٥ فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ تُعْطِي أَيْضاً فِي أَيْدِينَا ذَبَائِحَ وَمُحْرَقَاتٍ لِنُقَرِّبُهَا لِلرَّبِّ إِلٰهِنَا».
ع ٨ ع ١٠
أَوْلاَدُكُمْ أَيْضاً تَذْهَبُ مَعَكُمْ الخ وفي العبراني «طفكم يذهب معكم» ومعنى «الطف» الأولاد صغاراً وكباراً أي من الأطفال إلى الشبان. (وقد تأتي بمعنى العيال وهو المعنى المرجح هنا). سمح فرعون بأكثر مما سمح به قبلاً لكنه لم يسمح بكل الطلب فأراد أن يمسك البهائم فينتفع بها بدلاً من عطلتهم ويجعلهم يضطرون إلى أن يرجعوا من أجلها.
٢٦ «فَتَذْهَبُ مَوَاشِينَا أَيْضاً مَعَنَا. لاَ يَبْقَى ظِلْفٌ. لأَنَّنَا مِنْهَا نَأْخُذُ لِعِبَادَةِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِنَا. وَنَحْنُ لاَ نَعْرِفُ بِمَاذَا نَعْبُدُ ٱلرَّبَّ حَتَّى نَأْتِيَ إِلَى هُنَاكَ».
فَتَذْهَبُ مَوَاشِينَا أَيْضاً مَعَنَا. لاَ يَبْقَى ظِلْفٌ تكلم موسى هنا بسلطان قوي وكان له الحق أن يتكلم كذلك لأن المواشي مواشي الإسرائيليين فليس لفرعون أن يمنعهم منها ولأن كلها لله يهوه العبرانيين ورب العالمين. والاحتفال بعيد للرب في البرية لم يكن مما عهده العبرانيون فكانوا لا يعرفون كيف يخدمون الرب حتى بلغوا سينا (ص ٣: ١٢).
٢٧، ٢٨ «٢٧ وَلٰكِنْ شَدَّدَ ٱلرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُطْلِقَهُمْ. ٢٨ وَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: ٱذْهَبْ عَنِّي. اِحْتَرِزْ. لاَ تَرَ وَجْهِي أَيْضاً. إِنَّكَ يَوْمَ تَرَى وَجْهِي تَمُوتُ».
ص ٤: ٢١ وع ٢٠ و١٤: ٤ و٨
ٱذْهَبْ عَنِّي هذا كلام خشن. إن ملكاً من ملوك الدولة التاسعة عشرة (أو الثامنة عشرة) لا يتكلم بمثل هذا الكلام ما لم يكن قد احترق غيظاً فإن ملوك مصر في ذلك العصر كانوا أهل رزانة ووقار فكان كمندارين الصين في ذلك. فلنا أن نظن أن فرعون كان يعتقد أنه قادر على أن يرضي موسى بما يرضاه هو فيئس حينئذ من ذلك فتوقد غضبه فأحرق وقاره وحمله على فظ الكلام.
إِنَّكَ يَوْمَ تَرَى وَجْهِي تَمُوتُ كان لملك مصر سلطان على أن يقتل من شاء من رعيته ولهذا كان كبراء بلاطه يعترفون بأن طول حياتهم متوقف على إحسانه على ما أفاد برغش في تاريخ مصر.
٢٩ «فَقَالَ مُوسَى: نِعِمَّا قُلْتَ! أَنَا لاَ أَعُودُ أَرَى وَجْهَكَ أَيْضاً».
عبرانيين ١١: ٢٧
لم يحسن مقسم الأصحاحات بقسمة الأصحاح العاشر والحادي عشر فإنه كان من المناسب أن تكون نهاية العاشر نهاية الآية الثامنة من الحادي عشر. والآية الأولى إلى نهاية الثالثة منه كلام معترض.
السابق |
التالي |