سفر الخروج | 07 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر الخروج
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ
١ «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱنْظُرْ! أَنَا جَعَلْتُكَ إِلٰهاً لِفِرْعَوْنَ. وَهَارُونُ أَخُوكَ يَكُونُ نَبِيَّكَ».
ص ٤: ١٦ وإرميا ١: ١٠ ص ٤: ١٦
ٱنْظُرْ! أَنَا جَعَلْتُكَ إِلٰهاً لِفِرْعَوْنَ هذا جواب الله لموسى على قوله أنه «أغلف الشفتين» (ص ٦: ١٢) ولعله كان على الأثر (وذُكر هنا لوصل الحديث) فيكون المعنى «إني ما دعوتك للكلام بل للعمل فتكون بمنزلة إله لفرعون في القوة والمعجزات وإنك لا تقاوم وهارون يخاطبه عنك وهو فصيح» (ص ٤: ١٤).
نَبِيَّكَ أي مبلغ كلامك لفرعون وموضح له قصدك وهذا معنى النبي في الأصل.
٢ «أَنْتَ تَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ، وَهَارُونُ أَخُوكَ يُكَلِّمُ فِرْعَوْنَ لِيُطْلِقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِهِ».
ص ٤: ١٥
(هذه الآية بسط وإيضاح للآية الأولى).
٣ «وَلٰكِنِّي أُقَسِّي قَلْبَ فِرْعَوْنَ وَأُكَثِّرُ آيَاتِي وَعَجَائِبِي فِي أَرْضِ مِصْر».
ص ٤: ٢١ ورومية ٩: ١٨ ص ١١: ٩ ص ٤: ٨ و٩
أُقَسِّي قَلْبَ فِرْعَوْنَ (انظر تفسير ص ٤: ٢١).
آيَاتِي وَعَجَائِبِي سُمي الفعل الخارق العادة آية لأنه علامة صحة المدعى وعجيبة لإنشائه العجب في نفس المشاهد. وكثر ورود العجيبة في الكتاب المقدس للمعجزة المصنوعة للعقاب.
٤ « وَلاَ يَسْمَعُ لَكُمَا فِرْعَوْنُ حَتَّى أَجْعَلَ يَدِي عَلَى مِصْرَ، فَأُخْرِجَ أَجْنَادِي، شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِأَحْكَامٍ عَظِيمَةٍ».
ص ١٠: ١ و١١: ٩ ص ٦: ٢٦ و١٢: ٤١ ص ٦: ٦
وَلاَ يَسْمَعُ لَكُمَا فِرْعَوْنُ حَتَّى أَجْعَلَ يَدِي وفي العبرانية «ولا يسمع لكما فرعون فأضع يدي».
أَجْنَادِي (انظر تفسير ص ٦: ٢٦).
شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ «شعبي» بيان لقوله «أجنادي» ( «وبني إسرائيل» بيان لقوله «شعبي»).
بِأَحْكَامٍ عَظِيمَةٍ (انظر تفسير ع ٣ وص ٦: ٦).
٥ «فَيَعْرِفُ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ حِينَمَا أَمُدُّ يَدِي عَلَى مِصْرَ وَأُخْرِجُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَيْنِهِمْ».
ع ١٧ وص ٨: ٢٢ و١٤: ٤ و١٨ ومزمور ٩: ١٦ ص ٣: ٢٠
فَيَعْرِفُ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ وفي العبرانية «إني أنا يهوه» أي إني على حسب اسمي أو كما أُسمى يريد سبحانه وتعالى أنه هو الإله الحق الواجب الوجود وإن ما يسميهم المصريون آلهة ليسوا بشيء. ولا ريب في أن ذلك هو المقصود الأعظم من كل عجائب الله في مصر أيام الخروج. فإن مصر كانت أعظم ممالك العالم وكانت زمن الخروج في أوج مجدها وعظمتها. وكانت مشركة أي تتخذ كثيراً من الآلهة وكانت آلهتها أشهر من كل آلهة غيرها من أهل الشرك. وكانت هي وما جاورها من البلاد تعتقد أن تلك الآلهة قادرة على كل شيء فكان من خير وسائل الهدى بيان عجز تلك الآلهة وبطلانها ورفع اسم الله على كل ما يسمونه إلهاً سواه. إثبات أن يهوه فوق كل آلهة الأمم (قابل هذا بما في ص ١٤: ١١ – ١٩).
٦ «فَفَعَلَ مُوسَى وَهَارُونُ كَمَا أَمَرَهُمَا ٱلرَّبُّ. هٰكَذَا فَعَلاَ».
ع ٢
فَفَعَلَ مُوسَى وَهَارُونُ كَمَا أَمَرَهُمَا ٱلرَّبُّ من هنا عدل موسى عن الإحجام والمقاومة وسلم كل إرادته لله وربح المدح بكونه أميناً على كل بيته (عبرانيين ٣: ٥). وظل هارون مطيعاً إلى أن بلغ الإسرائيليون سينا وهنالك عصى لعناد الشعب وهياجه (ص ٣٢: ١ – ٦).
٧ «وَكَانَ مُوسَى ٱبْنَ ثَمَانِينَ سَنَةً وَهَارُونُ ٱبْنَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً حِينَ كَلَّمَا فِرْعَوْنَ».
تثنية ٢٩: ٥ و٣١: ٢ و٣٤: ٧ وأعمال ٧: ٢٣ و٣٠
وَكَانَ مُوسَى ٱبْنَ ثَمَانِينَ سَنَةً (قابل هذا بما في تثنية ٣٤: ٧ وأعمال ٧: ٢٣ و٣٠). كان هواء مصر موافقاً للصحة ممكناً من طول الحياة والمرجّح أن ذلك لا يزال في بَرّها وآثارها تدل على أن قوادها ظلوا في أعمالهم بعد أن جاوزوا سن المئة.
٨، ٩ «٨ وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى وَهَارُونَ: ٩ إِذَا كَلَّمَكُمَا فِرْعَوْنُ قَائِلاً: هَاتِيَا عَجِيبَةً تَقُولُ لِهَارُونَ: خُذْ عَصَاكَ وَٱطْرَحْهَا أَمَامَ فِرْعَوْنَ فَتَصِيرَ ثُعْبَاناً».
إشعياء ٧: ١١ ويوحنا ٢: ١٨ و٦: ٣٠ ص ٤: ٢ و١٧
إِذَا كَلَّمَكُمَا فِرْعَوْنُ قَائِلاً: هَاتِيَا عَجِيبَةً الظاهر أن فرعون سمع نبأ ما صنعه هارون من المعجزات أمام بني إسرائيل (ص ٤: ٣٠) فرغب شديد الرغبة في أن يشاهد واحدة منها كما كان هيرودس أنتيباس (لوقا ٢٣: ٨). أو لعله ظن أنه إذا صنع موسى وهارون معجزة قدر سحرته على أن يصنعوا أعظم منها واستطاع حينئذ إثبات أن موسى وهارون خادعان فتبطل ثقة الإسرائيليين بهما. والحق أنه لم يقصد أن يتخذ المعجزة دليلاً على أن الله أرسلهما.
عَصَاكَ نُسبت العصا هنا إلى هارون لأنه كان نائباً عن موسى ومأموراً منه (انظر ع ١٩ وص ٨: ١٥ – ١٧).
ثُعْبَاناً أي حية والكلمة المترجمة «بالحية» في (ص ٤: ٣) غير الكلمة المترجمة «بالثعبان» هنا فالظاهر أنهما مترادفتان (انظر تفسير ص ٤: ٣).
١٠، ١١ «١٠ فَدَخَلَ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى فِرْعَوْنَ وَفَعَلاَ هٰكَذَا كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ. طَرَحَ هَارُونُ عَصَاهُ أَمَامَ فِرْعَوْنَ وَأَمَامَ عَبِيدِهِ فَصَارَتْ ثُعْبَاناً. ١١ فَدَعَا فِرْعَوْنُ أَيْضاً ٱلْحُكَمَاءَ وَٱلسَّحَرَةَ، فَفَعَلَ عَرَّافُو مِصْرَ أَيْضاً بِسِحْرِهِمْ كَذٰلِكَ».
ع ٩ ص ٤: ٣ تكوين ٤١: ٨ متّى ٢٤: ٢٤ و٢تيموثاوس ٣: ٨ وص ٨: ٧ و١٨
عَرَّافُو مِصْرَ وفي العبرانية «حرطي مصر» ومعنى «حرطي» كتبة السحر. وكان اتخاذ السحر فاشياً في أرض مصر وكانوا يصدقون أن له تأثيراً عظيماً في الناس والبهائم. وأكثر ما في «كتاب الأموات» من رسوم دفن الموتى عندهم قائم بتلقين الكلمات السحرية للميت ليتكلم بها في دار الأموات لتقدر النفس على أن تمر بالعفاريت المختلفة التي تلاقيها في طريقها. وكانوا يعتقدون أيضاً أن للسحر علاقة عظيمة بهذه الحياة وأنه يدفع الأمراض ويقي من الوحوش المفترسة. وكان عمل بعض المصريين جمع الصفات السحرية الشافية للأمراض بالقول أو بالعمل أو بهما. وفي تقاليد اليهود ما سلم به بولس الرسول وهو أنه كان من مقاومي موسى ساحران اسم أحدهما ينيس والآخر يمبريس (٢تيموثاوس ٣: ٨) وكان ينيس مشهوراً بالسحر على ما أبان بليني وأبوليوس في بعض ما كتباه. ورأى بعضهم أن السحر كان حقاً وكان يُصنع بقوة خارقة العادة تستمد من الأرواح الشريرة بمشاركتها. والمرجح أنه كان يُفعل بأمور طبيعية يعرفها السحرة ويسرّونها ويجهلها غيرهم فيعجبون ولو عرفوها ما عجبوا لأنه إذا عُرف السبب بطل العجب. وكثير من الأعمال السحرية من نتاج الحيلة وخفة اليد.
فَفَعَلَ عَرَّافُو مِصْرَ أَيْضاً بِسِحْرِهِمْ كَذٰلِكَ كان السحرة قد دخلوا مجلس فرعون وعصيّهم في أيديهم كعادة المصريين فألقوها على الأرض فشوهدت حيات وكان ذلك بحيل يعرفونها دون غيرهم وتُعرف عند المصريين بالحيات السحرية على ما عُرف من التواريخ فكانت من مواد تُجعل على هيئة العصي فإذا طُرحت نثنت وتمعّجت كالحيّات. وربما كانت ذوات مفاصل خفية بحركونها بمادة خفية كالشعر وما شاكله من الخيوط الدقيقة.
١٢ «طَرَحُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَصَاهُ فَصَارَتِ ٱلْعِصِيُّ ثَعَابِينَ. وَلٰكِنْ عَصَا هَارُونَ ٱبْتَلَعَتْ عِصِيَّهُمْ».
وَلٰكِنْ عَصَا هَارُونَ ٱبْتَلَعَتْ عِصِيَّهُمْ (وهذا كافٍ لخيبة فرعون من إذلال موسى وهارون).
١٣ «فَٱشْتَدَّ قَلْبُ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا، كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ».
ص ٤: ٢١ وع ٤
فَٱشْتَدَّ قَلْبُ فِرْعَوْنَ أي قسا وغلظ فالإثم إثمه والحق عليه لا على الله سبحانه وتعالى. ونسبة تقسية قلبه إلى الله مجاز أو عقاب لأنه لم يطع بعد النصح والإنذار أو المقصود بها أن الله تركه.
فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا، كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ (انظر ص ٣: ١٩ و٧: ٤).
الضربة الأولى ع ١٤ إلى ٢١
الضربة الأولة تحويل الماء دماً. وكان موسى قد حول الماء دماً (ص ٤: ٩) لكن معجزته هنا أعظم من وجوه.
- إنها أوسع فإنه قبلاً أخذ قليلاً من ماء النيل وصبّه على اليابسة فصار دماً ولكنه هنا حوّل كل مياه النيل كذلك.
- إنه حوّل القليل من الماء قبلاً أمام الإسرائيليين فقط (ص ٤: ٣٠) وهنا حوّل النهر كله أمام كل المصريين.
- إن عمله الأول كان آية وهنا كان معجزة للانتقام فحوّل كل مياه النيل في النهر والترَع والقنوات والحياض (ع ٩) فكانت الضربة شديدة جداً ومجموع ضربات. فإنهم كانوا يؤلهون النيل ويعبدونه فأفسده موسى. وما قيمة إله يفسد وما حال عبدته إذا رأوه كذلك. وإنهم كانوا في أشد حاجة إلى النيل لحياتهم وحياة بهائمهم وزروعهم وسائر نباتاتهم وإن النهر الذي اتخذوه وسيلة إهلاك لأبناء الإسرائيليين صار وسيلة إهلاك لهم فكان الجزاء من جنس العمل. وإنهم كانوا يغتذون بسمكه ففسد السمك وأنتن. وكانوا يترنمون له بالأناشيد فأصبحوا ينوحون عليه (وكان لهم قصائد نظمها شعراؤهم في الحمد والتسبيح للنيل تُرجم بعضها في كتاب «سواء السبيل في سكان النيل» فارجع إليه).
١٤ «ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: قَلْبُ فِرْعَوْنَ غَلِيظٌ. قَدْ أَبَى أَنْ يُطْلِقَ ٱلشَّعْبَ».
ص ٨: ١٥ و١٠: ١ و٢٠ و ٢٧
قَدْ أَبَى أَنْ يُطْلِقَ ٱلشَّعْبَ (علة ذلك غلاظة قلبه على ما في صدر هذه الآية).
١٥ «اِذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ فِي ٱلصَّبَاحِ. إِنَّهُ يَخْرُجُ إِلَى ٱلْمَاءِ، وَقِفْ لِلِقَائِهِ عَلَى حَافَةِ ٱلنَّهْرِ. وَٱلْعَصَا ٱلَّتِي تَحَوَّلَتْ حَيَّةً تَأْخُذُهَا فِي يَدِكَ».
ص ٨: ٢٠ ص ٤: ٢ و٣ وع ١٠
إِنَّهُ يَخْرُجُ إِلَى ٱلْمَاءِ المرجّح أنه كان يخرج ليستحم كما كانت تفعل الأميرة التي أنقذت موسى (ص ٢: ٥) أو للاحتفال ببعض الأعياد التي كانوا يحتفلون بها إكراماً للنيل.
حَافَةِ ٱلنَّهْرِ وفي العبرانية «شفة النهر» والمقصود بها الحافة على المجاز.
١٦ «وَتَقُولُ لَهُ: ٱلرَّبُّ إِلٰهُ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ قَائِلاً: أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي فِي ٱلْبَرِّيَّةِ. وَهُوَذَا حَتَّى ٱلآنَ لَمْ تَسْمَعْ».
ص ٣: ١٨ ص ٣: ١٢ و١٨ و٥: ١ و٣
ٱلرَّبُّ إِلٰهُ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ وفي العبرانية «يهوه إله العبرانيين». قال فرعون أول ما ذكره له موسى وهارون إنه لا يعرفه (ص ٥: ٢) فلكي لا يبقى له سبيلاً لقوله «من هو الرب أو يهوه» كما قال قبلاً أبان له أن الرب أو يهوه هو إله العبرانيين.
أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ (أي أنا مأمور أن آتي إليك ولا أستطيع أن لا آتي لأن الذي أمرني الرب إله العبرانيين الذي لا أعصيه. وإثم عظيم أن لا أطيع أمره وهو إله العالمين فيجب عليك أنت أيضاً أن تطيعه).
أَطْلِقْ شَعْبِي في هذا إشارة إلى طلبه الأول وتوكيد له (انظر ص ٥: ١).
وَهُوَذَا حَتَّى ٱلآنَ لَمْ تَسْمَعْ أي لقد آن أن تسمع والمقصود بالسمع هنا الطاعة (وهنا إشارة واضحة إلى عناده وسبق الطلب منه).
١٧ «هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ: بِهٰذَا تَعْرِفُ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ: هَا أَنَا أَضْرِبُ بِٱلْعَصَا ٱلَّتِي فِي يَدِي عَلَى ٱلْمَاءِ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّهْرِ فَيَتَحَوَّلُ دَماً».
ص ٥: ٢ وع ٥ وحزقيال ٣٢: ١٥ ص ٤: ٩ رؤيا ١٦: ٤
بِهٰذَا تَعْرِفُ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ (هذا جواب لقول فرعون «مَنْ هُوَ ٱلرَّبُّ حَتَّى أَسْمَعَ لِقَوْلِهِ» (ص ٥: ٢) ومعنى العبارة تقدَّم في تفسير (ع ٥) فارجع إليه.
بِٱلْعَصَا ٱلَّتِي فِي يَدِي أي في يد عبدي ونسبها إليه لأنه هو الذي استخدمها والإضافة لأدنى ملابسة. وفي هذا بيان إن عمل هارون في الظاهر هو عمل الله في الحقيقة (ع ٢٠).
١٨ «وَيَمُوتُ ٱلسَّمَكُ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّهْرِ وَيَنْتِنُ ٱلنَّهْرُ. فَيَعَافُ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنْ يَشْرَبُوا مَاءً مِنَ ٱلنَّهْرِ».
ع ٢٤
يَمُوتُ ٱلسَّمَكُ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّهْرِ تلوُّن الماء بالجراثيم النباتية أو النقاعيات أو التراب يميت السمك ويجعل الماء غير صالح للاستعمال. ومن خواص النيل أنه يكثر فيه السمك على اختلاف أجناسه وكانوا يصيدون كثيراً منه ولا يزالون كذلك. وكان قدماء المصريين يُعاقبون إذا خلت بيوتهم من سمك النيل لأن ذلك من مقتضيات دينهم وكان بعض أنواع سمكه مقدساً عندهم على ما عُرف من تاريخ هيرودوتس.
وَيَنْتِنُ ٱلنَّهْرُ بما يموت فيه من السمك الكثير.
١٩ «ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: قُلْ لِهَارُونَ: خُذْ عَصَاكَ وَمُدَّ يَدَكَ عَلَى مِيَاهِ ٱلْمِصْرِيِّينَ، عَلَى أَنْهَارِهِمْ وَعَلَى سَوَاقِيهِمْ، وَعَلَى آجَامِهِمْ، وَعَلَى كُلِّ مُجْتَمَعَاتِ مِيَاهِهِمْ لِتَصِيرَ دَماً. فَيَكُونَ دَمٌ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ فِي ٱلأَخْشَابِ وَفِي ٱلأَحْجَارِ».
ص ٨: ٥ و٦ و١٦ و٩: ٢٢ و١٠: ١٢ و١٤: ٢١ و٢٦
مِيَاهِ ٱلْمِصْرِيِّينَ كانت كل مياه المصريين من مياه الترع والقنوات والحياض والبحيرات والجداول والسواقي من النيل إذ ليس من نهر سواه هناك ومياه الآبار فيها لا تصلح للشرب لما فيها من النطرون لأنه وافر في كل تربتها وهذا ولا ريب يدل دلالة قاطعة على أن كاتب سفر الخروج كان مختبراً التربة المصرية وكل أحوال مياهها.
فِي ٱلأَخْشَابِ وَفِي ٱلأَحْجَارِ كان المصريون يضعون مياه النيل في آنية من الخشب والحجارة في مساكنهم لتصفو فيها وكان في كثير من بيوتهم حياض منهما.
٢٠ «فَفَعَلَ مُوسَى وَهَارُونُ هٰكَذَا كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ. رَفَعَ ٱلْعَصَا وَضَرَبَ ٱلْمَاءَ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّهْرِ أَمَامَ عَيْنَيْ فِرْعَوْنَ وَأَمَامَ عُيُونِ عَبِيدِهِ، فَتَحَوَّلَ كُلُّ ٱلْمَاءِ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّهْرِ دَماً».
ص ١٧: ٥ مزمور ٧٨: ٤٤ و١٠٥: ٢٩
رَفَعَ ٱلْعَصَا الذي رفعها هو هارون (ع ١٩).
أَمَامَ عَيْنَيْ فِرْعَوْنَ وَأَمَامَ عُيُونِ عَبِيدِهِ إن كان ذلك اليوم الذي خرج فيه فرعون إلى النيل يوم احتفال ببعض الأعياد النيلية فلا بد من أن يكون قد خرج إليه بأعيان بلاطه وبجمهور الكهنة وكثيرين من الشعب. وإن كان خرج لمجرد الاستحمام فلا بد من أنه كان معه كثير من الأتباع والخدم. وعلى الاحتمالين صُنعت المعجزة على مرأى كثيرين فلم تصنع «في زاوية».
٢١ «وَمَاتَ ٱلسَّمَكُ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّهْرِ وَأَنْتَنَ ٱلنَّهْرُ، فَلَمْ يَقْدِرِ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنْ يَشْرَبُوا مَاءً مِنَ ٱلنَّهْرِ. وَكَانَ ٱلدَّمُ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ».
ع ١٨
فَلَمْ يَقْدِرِ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنْ يَشْرَبُوا قال قبلاً «يعافون أن يشربوا» (ع ١٨) وهنا لم يقدر فدل ذلك على زيادة النتن.
٢٢ «وَفَعَلَ عَرَّافُو مِصْرَ كَذٰلِكَ بِسِحْرِهِمْ. فَٱشْتَدَّ قَلْبُ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ».
ع ١١ ص ٨: ١٩ و٩: ٣٥ ع ٣
فَعَلَ عَرَّافُو مِصْرَ كَذٰلِكَ بِسِحْرِهِمْ (كانت كل مياه مصر قد تحولت دماً فلم يبق للسحرة المصريين إلا تحصيل الحاصل فالظاهر أنهم أتوا بقليل من ماء جرة أو إبريق وصبغوه بمادة بطريق خفة اليد أو بطريق كيمية لأن بعض أمور الكيمياء كانت معروفة عندهم). وقال بعضهم ربما أتوا ذلك في قليل من الماء مما أشير إليه في (ع ٢٠) وكان ذلك كافياً لأن يقسي قلب فرعون ويحمله على رفض ما طلبه الأخوان.
٢٣ «ثُمَّ ٱنْصَرَفَ فِرْعَوْنُ وَدَخَلَ بَيْتَهُ وَلَمْ يُوَجِّهْ قَلْبَهُ إِلَى هٰذَا أَيْضاً».
لَمْ يُوَجِّهْ قَلْبَهُ إِلَى هٰذَا أَيْضاً أي لم يفقه ولم يعتبر فاستخف بذلك الخطب كأنه مما لا يعبأ به واكتفى بماء الآبار المالحة.
٢٤ «وَحَفَرَ جَمِيعُ ٱلْمِصْرِيِّينَ حَوَالَيِ ٱلنَّهْرِ لأَجْلِ مَاءٍ لِيَشْرَبُوا، لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ مَاءِ ٱلنَّهْرِ».
حَفَرَ جَمِيعُ ٱلْمِصْرِيِّينَ حَوَالَيِ ٱلنَّهْرِ يمكن في كل موضع من غريل الأنهار الذي على شواطئها حفر آبار ووجدان ماء فيها بقطع النظر عن كون الماء مالحاً أو عذباً لكن لكثرة النطورن في التربة المصرية كان لا بد من أن يكون ماء الآبار مالحاً إلى حد يمكن عنده أن يشرب وإن لم يلذ للشارب وذلك الماء مستمد من النهر فهو من الماء الذي امتصته الأرض قبل ضربة النهر فلم يكن منتناً.
٢٥ «وَلَمَّا كَمَلَتْ سَبْعَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ مَا ضَرَبَ ٱلرَّبُّ ٱلنَّهْرَ».
هذه الآية مضمومة في الترجمة العربية الإنجيلة إلى الأصحاح الثامن لكنها باقية على عددها فوضعناها هنا.
وَلَمَّا كَمَلَتْ سَبْعَةُ أَيَّامٍ أي لما مرّ سبعة أيام من زمن الضربة وهذه مدة طويلة صبر عليها فرعون ولم يسأل موسى وهارون الإنقاذ منها إذا اكتفى بما حصل عليه من ماء الآبار وظن الضربة تزول سريعاً (راجع تفسير ع ٢٣).
السابق |
التالي |