سفر الخروج

سفر الخروج | 02 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر الخروج

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي

ولادة موسى وتهذيبه وأول سنيه

١ «وَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ بَيْتِ لاَوِي وَأَخَذَ بِنْتَ لاَوِي».

ص ٦: ٢٠ وعدد ٢٦: ٥٩ و١أيام ٢٣: ١٤

ذَهَبَ أي سعى في الزواج (قابل هذا بما في تكوين ٣٥: ٢٢ وهوشع ١: ٣) أو شرع في مقصوده. وهو مجرد اصطلاح لغوي.

رَجُلٌ مِنْ بَيْتِ لاَوِي ذكر موسى هنا نبأ ولادته بلا أدنى إشارة إلى الرفعة والسمو على خلاف عادة الشرقيين في الكلام على نشوء من اعتقدوا أنهم مؤسسو دينهم وآدابهم ككلامهم في ثوت أو توت وزورستير وأرفوس حتى أنه عدل عن ذكر اسمه. فلا سبيل إلى ظن أن الذين عدل عن ذكر ذلك الاسم سوى موسى. والمقصود بكونه من بيت لاوي أنه سبط لاوي أحد أبناء إسرائيل الذين هم آباء الأسباط ورؤساؤهم.

بِنْتَ لاَوِي أي امرأة من ذلك السبط الذي هو منه.

٢ «فَحَبِلَتِ ٱلْمَرْأَةُ وَوَلَدَتِ ٱبْناً. وَلَمَّا رَأَتْهُ أَنَّهُ حَسَنٌ، خَبَّأَتْهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ».

أعمال ٧: ٢٠ وعبرانيين ١١: ٢٣

لَمَّا رَأَتْهُ أَنَّهُ حَسَنٌ قال القديس استفانوس فيه إنه «كان جميلاً جداً» (أعمال ٧: ٢٠). ووصفه ترغوس بمبيوس بجمال المنظر الذاتي. وظاهر العبارة أن جماله حمل أمه على حفظ حياته وهذا لا ينفي أنها حفظته لغير ذلك من الدواعي (ككونه ابنها وكون الوالدة تحرص على حياة مولودها طبعاً).

خَبَّأَتْهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ وذلك قدر ما استطاعت فإن المصريين كانوا مختلطين بالإسرائيليين في أرص جاسان فكان كل بيت من بيوت الإسرائيليين عرضة للجواسيس المصريين منذ أمر فرعون القابلتين.

٣ «وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُخَبِّئَهُ بَعْدُ، أَخَذَتْ لَهُ سَفَطاً مِنَ ٱلْبَرْدِيِّ وَطَلَتْهُ بِٱلْحُمَرِ وَٱلزِّفْتِ، وَوَضَعَتِ ٱلْوَلَدَ فِيهِ، وَوَضَعَتْهُ بَيْنَ ٱلْحَلْفَاءِ عَلَى حَافَةِ ٱلنَّهْرِ».

إشعياء ١٨: ٢ تكوين ١١: ٣

سَفَطاً مِنَ ٱلْبَرْدِيِّ وعاء شبيه بالقفة ويُطلق على التابوت وهو هنا شبيه صندوق ولعله هو المقصود فإنه في العبرانية «تبت» و «تبه» وفي الكلدانية «تيبيتاً» وفي المصرية القديمة «تيب» أو «تيبا» أو «تيبات» ومعناها تابوت وصندوق. والبردي (قال الأنطاكي هو نبات يطول فوق ذراع وساقه رهيفة هشة تُرض وتشظى وعليها زهر أبيض جممٌ (أي كثير) يخلف بزراً دون الحلبة هش مرٌ ومنه ما يُفتل حبالاً (ومنه) الحصر المعروفة في مصر بالأكياب. وفي العبرانية «غام» وفي المصرية القديمة «كام» كما هو في القبطية الحديثة ولعل العبرانيين أخذوا الاسمين التابوت والبردي عن المصريين. وكان المصريون يصنعون منه القوارب والأوعية حتى الكبيرة منها) واتخذوا قديماً ورق الكتابة منه.

وَطَلَتْهُ بِٱلْحُمَرِ وَٱلزِّفْتِ (انظر تفسير تكوين ١١: ٣ و٦: ١٤). الحُمَر هو القار المعدني المعروف عند العامة بالحُمّر. والزفت هو القار والمقصود به هنا الزفت النباتي المعروف بالتجارة (ومن النباتات التي يخرج منها الينبوت والدِّقران). وكان الزفت المعدني متوفراً في مصر وإن لم يكن من حاصلاتها فإنه كان يؤتى به إليها من أرض ما بين النهرين وكانوا يستعملونه كثيراً في التحنيط.

بَيْنَ ٱلْحَلْفَاءِ «الحلفاء نبات مائي كثير الوجود يقوم مقام البردي في عمل الحصر والحبال». وهو يكثر على شواطئ النيل. ووضعت يوكابد ولدها بين الحلفاء لكي لا تحمله مياه النهر فتبعده عن نظرها. والحلفاء في العبرانية «سوف» وهو من المصرية ولفظه فيها «توفي».

٤ «وَوَقَفَتْ أُخْتُهُ مِنْ بَعِيدٍ لِتَعْرِفَ مَاذَا يُفْعَلُ بِهِ».

ص ١٥: ٢٠ وعدد ٢٦: ٥٩

أُخْتُهُ المظنون أنها مريم لأنه لم يذكر أن له أختاً غيرها (ص ١٥: ٢٠ و٢١ وعدد ٢٦: ٥٩) وكانت على ما يظهر من الحديث ابنة أربع عشرة سنة أو خمس عشرة وإنها كانت لبيبة نبيهة (انظر تفسير ع ٨).

٥ «فَنَزَلَتِ ٱبْنَةُ فِرْعَوْنَ إِلَى ٱلنَّهْرِ لِتَغْتَسِلَ، وَكَانَتْ جَوَارِيهَا مَاشِيَاتٍ عَلَى جَانِبِ ٱلنَّهْرِ. فَرَأَتِ ٱلسَّفَطَ بَيْنَ ٱلْحَلْفَاءِ فَأَرْسَلَتْ أَمَتَهَا وَأَخَذَتْهُ».

فَنَزَلَتِ ٱبْنَةُ فِرْعَوْنَ إِلَى ٱلنَّهْرِ لِتَغْتَسِلَ هذا على وفق ما يتصوره الإنسان من أمور مصر حينئذ فإن النساء في مصر كانت تفعل ما تختار إلى حد بعيد وتُطوّف حيث شاءت وكانت تعتبر النظافة وتلازمها. وكان الاعتقاد أن مياه النيل نافعة نفعاً عاماً ولا ريب في أنه كان للنساء جزء من النهر مختص بها ولا ريب في أن الأميرات كانت تقصد ذلك الجزء. والمرجّح أن يوكابد كانت تعرف أين تستحم ابنة فرعون.

جَوَارِيهَا الخ لا بد من أن يكون إماء أو خادمات لأميرات فكان لابنة فرعون عدة منهن. والظاهر أنه كان مثل ذلك لنساء الأعيان غير الملوك من المصريين فكان يتبع كلا منهن أربع جوار أو خمس إلى المستحم. ولا بد من أنه كانت واحدة من جواري الأميرة أقربهن إليها فكانت تخاطبها خاصة.

٦ «وَلَمَّا فَتَحَتْهُ رَأَتِ ٱلْوَلَدَ، وَإِذَا هُوَ صَبِيٌّ يَبْكِي. فَرَقَّتْ لَهُ وَقَالَتْ: هٰذَا مِنْ أَوْلاَدِ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ».

وَلَمَّا فَتَحَتْهُ فتحت الأميرة نفسها السفط ولعلها توقعت أن ترى شيئاً غريباً فيه يحمل على العجب.

وَإِذَا هُوَ صَبِيٌّ يَبْكِي من الجوع أو البرد أو عدم الراحة لأن سفط البردي لم يكن سريراً مناسباً له.

فَرَقَّتْ لَهُ أي شفقت عليه فإن دموعه حركت حنوها عليه وحملتها على إنقاذه ولا بد من أن ظهرت عليها أو منها إمارت ذلك كأن أخذته من السفط وضمته فرأت مريم ذلك فشجعها على سؤالها إياه (انظر الآية التالية).

هٰذَا مِنْ أَوْلاَدِ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ قال بعضهم إن الأحوال أعلنت لها أنه من أولاد العبرانيين لأن لا والدة تترك مثل هذا الولد الجميل (ع ٢) لمثل هذا الموت المحزن إلا وهي مجبرة على ذلك. (ولعل ابنة فرعون عرفت أنه عبراني من هيئته لأن هيئة اليهود تختلف عن هيئة المصريين أو من أحوال تختص بأولاد العبرانيين أو نحو ذلك).

٧ «فَقَالَتْ أُخْتُهُ لٱبْنَةِ فِرْعَوْنَ: هَلْ أَذْهَبُ وَأَدْعُو لَكِ ٱمْرَأَةً مُرْضِعَةً مِنَ ٱلْعِبْرَانِيَّاتِ لِتُرْضِعَ لَكِ ٱلْوَلَدَ؟».

فَقَالَتْ أُخْتُهُ كانت مريم قد شغلت وقتها بمراقبة أخيها متوارية عن نظر ابنة فرعون حيث تسمع ما تتكلم وترى حركاتها فلما حكمت بأن الولد من أولاد العبرانيين وأظهرت شفقتها عليه دنت منها وخاطبتها بما يأتي.

هَلْ أَذْهَبُ وَأَدْعُو لَكِ ٱمْرَأَةً مُرْضِعَةً مِنَ ٱلْعِبْرَانِيَّاتِ قالت هذا بناء على أن المرضعة العبرانية أوفق للطفل العبراني.

لِتُرْضِعَ لَكِ ٱلْوَلَدَ عرفت مريم قصد الأميرة ظناً أو يقيناً فاجتهدت في أن تثبت قصدها فتقي الولد فيسلم.

٨ «فَقَالَتْ لَهَا ٱبْنَةُ فِرْعَوْنَ: ٱذْهَبِي. فَذَهَبَتِ ٱلْفَتَاةُ وَدَعَتْ أُمَّ ٱلْوَلَدِ».

فَذَهَبَتِ ٱلْفَتَاةُ (هذا يدل على أن مريم كانت في سن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة).

وَدَعَتْ أُمَّ ٱلْوَلَدِ لا بد من أن يوكابد كانت واقفة هنالك على القرب ترقب ماذا يكون بشديد الرغبة ولعلها حين كانت متوارية عن النظر شاهدت ما عرفت به النتيجة فاستعدت أن تُقبل إلى ابنة فرعون في حال ما تُدعى إليها. وكانت مريم عارفة أين أمها فأتت بها إلى الأميرة سريعاً (ولا يخفى ما في كلام مريم وفعلها من النباهة والحكمة).

٩ «فَقَالَتْ لَهَا ٱبْنَةُ فِرْعَوْنَ: ٱذْهَبِي بِهٰذَا ٱلْوَلَدِ وَأَرْضِعِيهِ لِي وَأَنَا أُعْطِي أُجْرَتَكِ. فَأَخَذَتِ ٱلْمَرْأَةُ ٱلْوَلَدَ وَأَرْضَعَتْهُ».

أَرْضِعِيهِ لِي استصوبت الأميرة كلام مريم. وقولها «ارضعيه لي» دليل على أنها تبنته ويؤيد ذلك أنها تكفلت بأجرة رضاعته.

١٠ «وَلَمَّا كَبِرَ ٱلْوَلَدُ جَاءَتْ بِهِ إِلَى ٱبْنَةِ فِرْعَوْنَ فَصَارَ لَهَا ٱبْناً، وَدَعَتِ ٱسْمَهُ «مُوسَى» وَقَالَتْ: إِنِّي ٱنْتَشَلْتُهُ مِنَ ٱلْمَاءِ».

أعمال ٧: ٢١ و٢٢

كَبِرَ ٱلْوَلَدُ رأى يوسيفوس معنى هذه العبارة أنه نما وقوي نمواً وقوة غير عادية ولكن لا شيء في الكلام يدل على أن في ذلك ما هو خارق العادة. فالمعنى أنه بلغ سن الفطام المعهود عند المصريين. ولا نستطيع تعيين ذلك السن ولعله نهاية السنة الثانية أو السنة الثالثة (٢مكا ٧: ٢٧) والمرجح أنه بدء السنة الثالثة.

جَاءَتْ بِهِ إِلَى ٱبْنَةِ فِرْعَوْنَ قامت يوكابد برضاعة الولد إلى نهاية الوقت المعين ووفت بوعدها للأميرة بأن أتت به إليها في الوقت الذي اتفقا عليه.

فَصَارَ لَهَا ٱبْناً يمكن أنها تبنته بصورة التبني المعهود ولكن لا دليل على أن التبني كان من العادات المصرية ولعل الكاتب أراد بذلك أن ابنة فرعون اتخذت موسى بمنزلة ابن لها بأن هذبته وعلمته واعتنت به اعتناء الأم بابنها. والكلام على تهذيب موسى في الذيل الثاني في آخر هذا السفر.

وَدَعَتِ ٱسْمَهُ مُوسَى والمرجّح أن ميسو في آثار الدولة الثانية عشرة الذي يغلب أن يكون الجزء الثاني من الإعلام كرعميسو وأحميسو وأمنميسو معناه مولود أو ابن وهو مشتق من أصل مصري معناه حاص أو نتيجة فيكون على ذلك تعليل ابنة فرعون أنها سمته ميسو لأنها حصّلته من الماء. ومعنى موسى في العبرانية منشول من الماء فاستعمل الكاتب الاتفاق وحسن التعليل.

١١ «وَحَدَثَ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ لَمَّا كَبِرَ مُوسَى أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى إِخْوَتِهِ لِيَنْظُرَ فِي أَثْقَالِهِمْ، فَرَأَى رَجُلاً مِصْرِيّاً يَضْرِبُ رَجُلاً عِبْرَانِيّاً مِنْ إِخْوَتِهِ».

أعمال ٧: ٢٣ و٢٤ وعبرانيين ١١: ٢٤ إلى ٢٦ ص ١: ١١

فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ قد يُراد بالأيام في مصطلح الكتاب مدة طويلة (قابل هذا بما في تكوين ص ٣٨: و٢ملوك ٢٠: ١). وكان موسى على ما نقله استفانوس عن التقليد اليهودي يومئذ ابن أربعين سنة (أعمال ٧: ٢٣). فالنبأ هنا فجائي وكان المنتظر أن يتقدم إلى هذه الغاية تدريجاً لكن موسى لم ينبئنا بشيء من أمور صبوته وأوائل شبيبته.

خَرَجَ إِلَى إِخْوَتِهِ المرجح أن ابنة فرعون لم تكتم عن موسى أنه من أبناء الشعب المضيق عليه لا ابنها ولعلها سمحت له أن يخالط أهله وكيف كان الأمر فإن خروجه إلى إخوته أي زيارته إياهم هنا ليست الزيارة الأولى فإنه بهذه ترك صرح فرعون وما كان له من السمو في بلاطه فإنه «بِٱلإِيمَانِ مُوسَى لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ٱبْنَ ٱبْنَةِ فِرْعَوْنَ، مُفَضِّلاً بِٱلأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ ٱللّٰهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِٱلْخَطِيَّةِ» (عبرانيين ١١: ٢٤ و٢٥). وما أتاه موسى هنا أول علامات مؤاساته لشعبه وشفقته عليهم وقد أعلن ذلك أحسن إعلان يوم رفع صوته إلى الله قائلاً «إِنْ غَفَرْتَ خَطِيَّتَهُمْ وَإِلاَّ فَٱمْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ» (ص ٣٢: ٣٢).

لِيَنْظُرَ فِي أَثْقَالِهِمْ ليبحث عن أحوالهم ويرى معاملة المصريين لهم ويعرف ذلك بالاختبار.

فَرَأَى رَجُلاً مِصْرِيّاً يَضْرِبُ رَجُلاً عِبْرَانِيّاً المرجّح أن الضارب كان أحد المسخرين أو رؤساء التسخير وإنه ضرب الإسرائيلي بدعوى أنه متوان في العمل و قد أبان استفانوس أن العبراني كان مظلوماً وإن المصري كان ظالماً (أعمال ٧: ٢٤). ولا شك في أن ذلك هاج غيظ موسى حتى قتل المصري وإلا لم يقتله بل لم يغضب إلى هذا الحد. نعم إن المصريين لم يكونوا يومئذ من خشان الأمم ولكن من شأن قائد العبيد أحياناً أن يعلن سيادته وسلطته بالقسوة على العبد والإساءة إليه.

١٢ «فَٱلْتَفَتَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ وَرَأَى أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ، فَقَتَلَ ٱلْمِصْرِيَّ وَطَمَرَهُ فِي ٱلرَّمْلِ».

أعمال ٧: ٢٤

فَٱلْتَفَتَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ ليرى هل من أحد يراقبه أو لا.

فَقَتَلَ ٱلْمِصْرِيَّ مدح مفسرو اليهود موسى على هذا وجعلوا عمله من عمل المحاماة ومقتضيات الشجاعة. والحق أنه عمل عجلة مما لا يُحمد فإن ذنب المصري ليس من الذنوب التي جزاؤها القتل وموسى لم يكن قاضياً حينئذ ولا نبياً ولم يأمره الله بذلك ليكون له حجة تبرره. وكانت نتيجة هذا الخطإ إن موسى حُرم أن يخفف أثقال شعبه ويلطف مصابهم مدة أربعين سنة (بدليل أنه كان يومئذ ابن أربعين سنة على ما قال استفانوس وكان مع بني إسرائيل أربعين سنة في البرية ومات وهو ابن مئة وعشرين سنة من أيام هربه إلى أيام الخروج من مصر أربعين سنة).

وَطَمَرَهُ فِي ٱلرَّمْلِ على شرقي البحيرة المعروفة بالذلتا ركام من الرمل وبعض ركامه في الذلتا نفسها. وهذا دليل على أن موسى كتب هذا السفر ولو كان الكاتب غيره لقال على الترجيح «وطمره في الأرض».

١٣ «ثُمَّ خَرَجَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّانِي وَإِذَا رَجُلاَنِ عِبْرَانِيَّانِ يَتَخَاصَمَانِ، فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: لِمَاذَا تَضْرِبُ صَاحِبَكَ؟».

أعمال ٧: ٢٦

ٱلْيَوْمِ ٱلثَّانِي أي الذي يلي يوم قتله للمصري.

لِمَاذَا تَضْرِبُ صَاحِبَكَ أخذ استفانوس هذا بالمعنى فقال «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ، أَنْتُمْ إِخْوَةٌ. لِمَاذَا تَظْلِمُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً؟» (أعمال ٧: ٢٦). فكأنه قال أيها الرجال المشاهدون للخصمين أنتم إخوة فلماذا يظلم أحدكم الآخر أي أحد الخصمين خصمه. وعلى كل من العبارتين لم يكن في كلام موسى ادعاء الرئاسة أو القاضوية كما يستفاد من قول المذنب الآتي. فما حمله على أن يقول ذلك سوى الغيظ.

١٤ « فَقَالَ: مَنْ جَعَلَكَ رَئِيساً وَقَاضِياً عَلَيْنَا؟ أَمُفْتَكِرٌ أَنْتَ بِقَتْلِي كَمَا قَتَلْتَ ٱلْمِصْرِيَّ؟ فَخَافَ مُوسَى وَقَالَ: حَقّاً قَدْ عُرِفَ ٱلأَمْرُ!».

أعمال ٧: ٢٧ و٢٨

مَنْ جَعَلَكَ رَئِيساً وَقَاضِياً عَلَيْنَا كان موسى بمنزلة ابن أميرة فكان بمنزلة أمير لا محالة لكن لم يوكل إليه القضاء على العبرانيين. والحق أنه لم يتعرض لهما بدعوى أنه رئيس أو قاضٍ بل أتى ذلك كما يأتيه كل أحد من الوجهاء والمهذبين دفعاً للخصام وسوقاً إلى السلام.

أَمُفْتَكِرٌ أَنْتَ بِقَتْلِي أي أعازم أنت أن تقتلني. يتبين من هنا أن اتهام موسى بادعاء الرئاسة والقضاء مبني على ضربه بالأمس لا على توسطه في السلم اليوم فغلط موسى في الأمس جعل هذا المذنب يحمل عليه ويبطل أنه تعرّض له رغبة في السلام وإنه إنسان سلام ولولا خطأه ما اتُهم وعجز عن الإصلاح والمصالحة.

حَقّاً قَدْ عُرِفَ ٱلأَمْرُ لا نعلم كيف عُرف الأمر ولكن يظن أن الذي انتقم له موسى قص النبأ على بعض إخوانه فشاع بين الإسرائيليين (ولا يبعد أن يكون الذي أعلن الأمر هنا هو الذي موسى أنقذه).

١٥ «فَسَمِعَ فِرْعَوْنُ هٰذَا ٱلأَمْرَ، فَطَلَبَ أَنْ يَقْتُلَ مُوسَى. فَهَرَبَ مُوسَى مِنْ وَجْهِ فِرْعَوْنَ وَسَكَنَ فِي أَرْضِ مِدْيَانَ، وَجَلَسَ عِنْدَ ٱلْبِئْرِ».

أعمال ٧: ٢٩ وعبرانيين ١١: ٢٧ تكوين ٢٤: ١١ و٢٩: ٢

فَسَمِعَ فِرْعَوْنُ هٰذَا ٱلأَمْرَ، فَطَلَبَ أَنْ يَقْتُلَ مُوسَى هذا نتيجة ضرورية وكان إجراء العدل في مثل هذا من متعلقات الملك. وكان جزاء الذنب الذي ارتكبه موسى القتل وما كان من شيء يثبت أن موسى قتله غيظاً لا عن ضغينة سابقة. ولم يكن التضييق على الإسرائيليين عذراً لموسى عند فرعون لأن فرعون هو الذي أمر به.

فَهَرَبَ مُوسَى لا ريب في أنه هرب عند إعلان الأمر (أعمال ٧: ٢٩) ولما طلبه فرعون كان قد هرب.

سَكَنَ فِي أَرْضِ مِدْيَانَ الظاهر أن مديان في هذا السفر هي الجزء الجنوبي الغربي من شبه جزيرة سيناء لا التخم العربي المقابل حيث كانت مساكن الأمة (ومديان في الكتب العربية القديمة مدين بلا ألف).

جَلَسَ عِنْدَ ٱلْبِئْرِ لا شك في أنه كانت هنالك بئر غزيرة الماء يستقي منها عامة تلك الأرض وان موسى أقام بالقرب منها.

١٦ «وَكَانَ لِكَاهِنِ مِدْيَانَ سَبْعُ بَنَاتٍ، فَأَتَيْنَ وَٱسْتَقَيْنَ وَمَلَأْنَ ٱلأَجْرَانَ لِيَسْقِينَ غَنَمَ أَبِيهِنَّ».

ص ٣: ١ تكوين ٢٥: ٢ تكوين ٢٤: ١١ و١صموئيل ٩: ١١

لِكَاهِنِ مِدْيَانَ المرجّح أنه كان كاهناً وأميراً معاً كملكي صادق (تكوين ١٤: ٨). ولا نعجب من أنه كان كاهناً كما ذُكر هنا ومن أنه قام بأعمال الكاهن كما ذُكر في (ص ١٨: ١٢) لأن المديانيين أولاد إبراهيم من قطورة كانوا يعبدون الإله الحق وكانوا إلى ذلك الوقت على دين أبيهم. وسمي في الآية الثامنة عشرة رعوئيل ومعناه «أليف الله» أو «راعي الله» (أي حافظ عهوده) وقدم الذبائح لله. وأكل هارون والشيوخ الخبز معه «أمام الله».

فَأَتَيْنَ وَٱسْتَقَيْنَ (قابل هذا بما في تكوين ٢٩: ٩). لا يقال هنا كيف يكون الرجل كاهناً وأميراً وبناته تأتي إلى البئر للاستقاء فإن ذلك لم يكن عند الشرقيين يومئذ مما يحط بالشأن.

١٧ «فَأَتَى ٱلرُّعَاةُ وَطَرَدُوهُنَّ. فَنَهَضَ مُوسَى وَأَنْجَدَهُنَّ وَسَقَى غَنَمَهُنَّ».

تكوين ٢٩: ١٠

فَأَتَى ٱلرُّعَاةُ هؤلاء الرعاة كانوا جيراناً لأبي البنات وآله وكان القانون أن السابق إلى البئر يستقي أولاً لكن هؤلاء الرعاة الخشان لم يتربصوا إلى أن تأتي نوبتهم. وكانوا يعيقون البنات دائماً كما يُفهم من قول رعوئيل لهن «مَا بَالُكُنَّ أَسْرَعْتُنَّ فِي ٱلْمَجِيءِ ٱلْيَوْمَ» (ع ١٨).

فَنَهَضَ مُوسَى وَأَنْجَدَهُنَّ أي أعانهن. كان من عادة موسى أن ينتصر للمظلوم لكن الماضي علمه حكمة فلم يسرع هنا إلى البطش كما فعل يوم انتصر للإسرائيلي فإمارات وجهه مما حدث من الرعاة حملتهم على أن يتركوا البنات يستقين أولاً.

١٨، ١٩ «١٨ فَلَمَّا أَتَيْنَ إِلَى رَعُوئِيلَ أَبِيهِنَّ قَالَ: مَا بَالُكُنَّ أَسْرَعْتُنَّ فِي ٱلْمَجِيءِ ٱلْيَوْمَ؟ ١٩ فَقُلْنَ: رَجُلٌ مِصْرِيٌّ أَنْقَذَنَا مِنْ أَيْدِي ٱلرُّعَاةِ، وَإِنَّهُ ٱسْتَقَى لَنَا أَيْضاً وَسَقَى ٱلْغَنَمَ».

عدد ١٠: ٢٩

مِصْرِيٌّ عرفن ذلك من ثيابه ومنظره وربما عرفن ذلك من كلامه أيضاً.

وَإِنَّهُ ٱسْتَقَى لَنَا أَيْضاً كان الرعاة قد أخذوا الماء الذي نشلته البنات فرأى موسى أن يستقي لهن دفعاً لزيادة التعب.

٢٠ «فَقَالَ لِبَنَاتِهِ: وَأَيْنَ هُوَ؟ لِمَاذَا تَرَكْتُنَّ ٱلرَّجُلَ؟ ٱدْعُونَهُ لِيَأْكُلَ طَعَاماً».

تكوين ٣١: ٥٤ و٤٣: ٢٥

لِيَأْكُلَ طَعَاماً كان عند العرب أنه من العار أن يُترك الغريب خارج البيوت ولا يُدعى إلى الطعام ولم تزل هذه العادة عند محدثي أهل البادية منهم.

٢١ «فَٱرْتَضَى مُوسَى أَنْ يَسْكُنَ مَعَ ٱلرَّجُلِ، فَأَعْطَى مُوسَى صَفُّورَةَ ٱبْنَتَهُ».

ص ٤: ٢٥ و١٨: ٢

فَٱرْتَضَى مُوسَى أَنْ يَسْكُنَ مَعَ ٱلرَّجُلِ لا بد من أن رعوئيل سرّ بمرأى موسى وسجاياه وبما فعل فدعاه إلى خدمته وللسكن في خيمته فرضي موسى ذلك ثم تزوج صفورة إحدى بنات رعوئيل. كان الزواج عند المديانيين شرعياً ولعل رعوئيل زوّج موسى ابنته على سنة إبراهيم ولكن لم يذكر هنا رسم هذا الزواج القديم.

٢٢ «فَوَلَدَتِ ٱبْناً فَدَعَا ٱسْمَهُ جَرْشُومَ، لأَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ نَزِيلاً فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ».

ص ٤: ٢٠ و٢٥ وأعمال ٧: ٢٩ ص ١٨: ٣ أعمال ٧: ٢٩ وعبرانيين ١١: ١٣ و١٤

جَرْشُومَ المرجّح كل الترجيح أن الاسم مركب أصلاً من «جير» أي غريب و «شام» أي هناك. وسماه يوسيفوس جرشام وكُتب في ترجمة السبعين جرسام.

٢٣ «وَحَدَثَ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ ٱلْكَثِيرَةِ أَنَّ مَلِكَ مِصْرَ مَاتَ. وَتَنَهَّدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنَ ٱلْعُبُودِيَّةِ وَصَرَخُوا، فَصَعِدَ صُرَاخُهُمْ إِلَى ٱللّٰهِ مِنْ أَجْلِ ٱلْعُبُودِيَّةِ».

ص ٧: ٧ وأعمال ٧: ٣٠ عدد ٢٠: ١٦ وتثنية ٢٦: ٧ ص ٢٢: ٢٣ وتثنية ٢٤: ١٥ ويعقوب ٥: ٤

تِلْكَ ٱلأَيَّامِ ٱلْكَثِيرَةِ أي التي مضت على موسى منذ أتى مديان إلى تلك الساعة لأن موسى كان قد بلغ سن الثمانين (ص ٧: ٧). وكان في سن الأربعين يوم ترك مصر فلزم من ذلك أن فرعون الذي هو هرب منه ملك أكثر من أربعين سنة. وعاش بين بداءة الدولة الثامنة عشرة ونهاية التاسعة عشرة مدة طويلة في الملك اثنان ثُثمِس الثالث ورعمسيس الثاني ففرعون موسى أحدهما.

تَنَهَّدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الخ لعل بني إسرائيل توقعوا أن الملك الجديد يفرج عنهم أو يخفف أثقالهم فإذا هو كسلفه فقنطوا وتنفسوا الصعداء وصعدت تنهداتهم إلى السماء إذ لم يتوقعوا فرجاً من سوى رب السموات والأرض.

٢٤، ٢٥ «٢٤ فَسَمِعَ ٱللّٰهُ أَنِينَهُمْ، فَتَذَكَّرَ ٱللّٰهُ مِيثَاقَهُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. ٢٥ وَنَظَرَ ٱللّٰهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعَلِمَ ٱللّٰهُ».

ص ٦: ٥ مزمور ١٠٥: ٨ و٤٢ تكوين ١٢: ٧ و١٣: ١٥ و١٥: ١٤ و١٨ و٤٦: ٤ ص ٤: ٣١ و١صموئيل ١: ١١ و٢صموئيل ١٦: ١٢ ولوقا ١: ٢٥ ص ٣: ٧ ومزمور ١: ٦

فَسَمِعَ ٱللّٰهُ (لأنهم سألوه من قلوبهم وتيقنوا إنهم مفتقرون إليه. وهذا دليل قاطع على أن الله يستجيب دعاء من دعا إليه بقلب سليم وتواضع عظيم).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى