سفر التكوين

سفر التكوين | 20 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر التكوين 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْعِشْرُونَ

إنكار إبراهيم امرأته في جرار

١ «وَٱنْتَقَلَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ هُنَاكَ إِلَى أَرْضِ ٱلْجَنُوبِ، وَسَكَنَ بَيْنَ قَادِشَ وَشُورَ، وَتَغَرَّبَ فِي جَرَار.

ص ١٨: ١ ص ١٦: ٧ و٢٥: ١٨ وخروج ١٥: ٢٢ و١صموئيل ١٥: ٧ و٢٧: ٨ ص ٢٦: ١ و٦ و١٧

وَٱنْتَقَلَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ هُنَاكَ أي من بلوطات ممرا بعد أن أقام بها زمناً طويلاً وكان يتوقع أن يأخذ معها سائر الأرض (ص ١٣: ١٧ و١٨). ولا داعي إلى أن نسأل عن علة انتقاله لأن قاعدة حياته كانت أن ينتقل من مكان إلى آخر لكثرة مواشيه ولأنه بذلك يستولي على تلك الأرض شيئاً فشيئاً. وكان هنالك عدة مراكز له كبيت إيل وبلوطات ممرا وبئر سبع.

أَرْضِ ٱلْجَنُوبِ (انظر تفسير ص ١٢: ٩).

قَادِشَ (انظر تفسير ص ١٦: ١٤).

شُورَ (انظر تفسير ص ١٦: ٧).

جَرَارَ (انظر تفسير ص ١٠: ١٩).

٢ «وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ سَارَةَ ٱمْرَأَتِهِ: هِيَ أُخْتِي. فَأَرْسَلَ أَبِيمَالِكُ مَلِكُ جَرَارَ وَأَخَذَ سَارَةَ».

ص ١٢: ١٣ و٢٦: ٧ ص ١٢: ١٥

هِيَ أُخْتِي أتى إبراهيم مثل هذا في مصر منذ نحو عشرين سنة (ص ١٢: ١٠) ووبخه فرعون على ذلك لكنه أطلق سارة بهدايا كثيرة. ونرى من الآية الثالثة عشرة أن هذا الكذب كان على اضطراب لهما ومع ذلك لم ينتبه إبراهيم لكونه أخطأ به. والظاهر أن ارتكابه إياه كان جبناً فإنه كان رئيس جند كبير رجاله متدربون في الحرب ومع ذلك عرّض امرأته للخطر واستعان بالخداع وهذا دل على ضعف إيمانه بالله. ولكن الكتاب المقدس لم يعتد أن يمثل أبطاله في صورة الكمال ويرفعهم على غيرهم من الناس بالنظر إلى طبيعتهم البشرية بل يميزهم على سواهم بمداومتهم التقدم في التقوى بمعونة الله لا بقدرتهم. ولم يكن لإبراهيم وسارة من الوسائل التي كانت بعدهما للمسيحيين من مثال الرب يسوع المسيح وموهبة الروح القدس في العصر الإنجيلي. ولربما ظن إبراهيم أن الذي وقاهما من الخطر والموت في مصر يقيهما منه هنا ولو استعملا نفس الحيلة ثانية. وهذا تجاسر وعلامة ضعف بشري.

أَبِيمَالِكُ (قيل في ص ٢٦: ١ أنه ملك فلسطين فانظر التفسير هناك) وأبيمالك اسم لكل ملوك فلسطين كما كان فرعون اسم لملوك مصر.

أَخَذَ سَارَةَ كانت سارة يومئذ في سن التسعين فكان من مقتضى الطبع أن يزول جمالها ولا يبقى منه ما يرغّب ملك جرار فيها. فرأى بعضهم أن شبابها تجدّد حين وُعدت بأن تلد إسحاق. ورأى آخر أن أبيمالك أخذها لغرض سياسي وهو محالفة إبراهيم لأنه كان شيخاً لقبيلة قادرة حلّت بلاده.

٣ «فَجَاءَ ٱللهُ إِلَى أَبِيمَالِكَ فِي حُلْمِ ٱللَّيْلِ وَقَالَ لَهُ: هَا أَنْتَ مَيِّتٌ مِنْ أَجْلِ ٱلْمَرْأَةِ ٱلَّتِي أَخَذْتَهَا، فَإِنَّهَا مُتَزَوِّجَةٌ بِبَعْلٍ».

أيوب ٣٣: ١٥ مزمور ١٠٥: ١٤ ع ٧

فَجَاءَ ٱللهُ «إلوهيم» قال بعضهم الصورة الإلهية هنا هي صورة النبإ الربي في (ص ١٢: ١ – ٢٠) ولكننا رأينا في نبإ السقوط عينه لم يبن الكاتب في ذكره الرب الإله (يهوه إلوهيم) إن حواء والحية اقتصرا في خطابهما على ذكر اسم الله (إلوهيم) الذي ضرب فرعون من أجل سارة وهو الذي وقّى سارة من أبيمالك. وفي كل من الحادثتين الله الرب إله العهد هو الذي أنقذ شعبه.

هَا أَنْتَ مَيِّتٌ إن أبيمالك أُصيب حينئذ بالمرض الذي أُشير إليه في (ع ١٧) أي حين ظهر الله له وقال له «ها أنا ميت» أي إن أبقيت سارة عندك أضربك بالموت. وهذا المرض هو علة امتناعه المذكور في (ع ٤ و٦).

٤ «وَلٰكِنْ لَمْ يَكُنْ أَبِيمَالِكُ قَدِ ٱقْتَرَبَ إِلَيْهَا. فَقَالَ: يَا سَيِّدُ، أَأُمَّةً بَارَّةً تَقْتُلُ؟».

ص ١٨: ٢٣

أُمَّةً رأى بعضهم أن في هذا الكلام إشارة إلى ما أصاب سدوم مع أن المرض كان مقصوراً على أبيمالك وأهل بيته فيكون أبيمالك توقّع عموم الضربة وهلاك الأمة التي كانت بارّة بالنسبة إلى أهل سدوم ومدن الدائرة. وفي الكلام أيضاً إشارة أن الموت كان قصاصاً على الزنى (انظر ع ٣).

٥ «أَلَمْ يَقُلْ هُوَ لِي إِنَّهَا أُخْتِي، وَهِيَ أَيْضاً نَفْسُهَا قَالَتْ هُوَ أَخِي؟ بِسَلاَمَةِ قَلْبِي وَنَقَاوَةِ يَدَيَّ فَعَلْتُ هٰذَا».

٢ملوك ٢٠: ٣ و٢كورنثوس ١: ١٢

بِسَلاَمَةِ قَلْبِي هذه دعوى أبيمالك لكنها حقّة بدليل أن الله أثبت أنها كذلك (انظر ع ٦). أتى أبيمالك هذا مع أنه ملك فلسطيني متعدد الزوجات كان يدعي أن له حق أن يأخذ المرأة التي يريدها من النساء التي تكون في مملكته ويضمها إلى نسائه.

وليس في كلامه ما يدل على أنه أخذ سارة على علم منه أنها ذات بعل فلم يشعر أنه تعدى بذلك شيئاً من قوانين الأدب. وهذا على وفق المبدإ الإنجيلي وهو أن الإنسان يُعاقب على قدر معرفته (لوقا ١٢: ٤٧ و٤٨). فكان قصاص أبيمالك وقتي على قدر خطإه بالنظر إلى معرفته ذلك الأمر ولهذا شفي. وكان خطأه مخالفة الشريعة الأدبية التي كثيراً ما يعبّر عنها الناس بالشريعة الطبيعية وهو أنه كان عليه أن يعرف أكثر مما عرف. والتعبير عن ذلك بالشريعة الطبيعية لا يخلو من نظر على أن النور الأدبي الذي يسمونه بالنور الطبيعي ضعيف في ذاته فلا يقوى إلا بمعرفة الشريعة المسيحية لأن المسيح هو النور الحقيقي الذي به وحده تُعلن الشريعة الطبيعية المعبّر بها عن الشريعة الأدبية المكتوبة على الضمائر (يوحنا ١: ٩ ورومية ٢: ١٤ و١٥ ومتّى ٦: ٢٣).

٦ «فَقَالَ لَهُ ٱللهُ فِي ٱلْحُلْمِ: أَنَا أَيْضاً عَلِمْتُ أَنَّكَ بِسَلاَمَةِ قَلْبِكَ فَعَلْتَ هٰذَا. وَأَنَا أَيْضاً أَمْسَكْتُكَ عَنْ أَنْ تُخْطِئَ إِلَيَّ، لِذٰلِكَ لَمْ أَدَعْكَ تَمَسُّهَا».

ص ٣١: ٧ و٣٥: ٥ وخروج ٣٤: ٢٤ و١صموئيل ٢٥: ٢٦ و٣٤ ص ٣٩: ٩ ولاويين ٦: ٢ ومزمور ٥١: ٤

أَمْسَكْتُكَ عَنْ أَنْ تُخْطِئَ (إن الله ضربه بالمرض فعاقه عن الخطإ وهذا نص على أن المصائب التي يكرهها الطبع البشري كثيراً ما تكون من إحسان الله).

٧ «فَٱلآنَ رُدَّ ٱمْرَأَةَ ٱلرَّجُلِ، فَإِنَّهُ نَبِيٌّ، فَيُصَلِّيَ لأَجْلِكَ فَتَحْيَا. وَإِنْ كُنْتَ لَسْتَ تَرُدُّهَا، فَٱعْلَمْ أَنَّكَ مَوْتاً تَمُوتُ، أَنْتَ وَكُلُّ مَنْ لَكَ».

١صموئيل ٧: ٥ و٢ملوك ٥: ١١ وأيوب ٤٢: ٨ وإرميا ١٥: ١ ويعقوب ٥: ١٤ و١يوحنا ٥: ١٦ ص ٢: ١٧ عدد ١٦: ٣٢ و٣٣

فَإِنَّهُ نَبِيٌّ لم يقل الله لأبيمالك بيان لزيادة فظاعة ما أتاه بل قاله ترغيباً له في رد سارة إلى بعلها ولهذا شفعه بقوله «فيصلي لأجلك». ومعنى «النبي» هنا النائب عن غيره في الكلام (قابل هذا بما في حزقيال ٧: ١ وخروج ٤: ١٦) ولا سيما النائب بين الله والناس. ولا ريب في أن الله بالنظر إلى طبيعته لا يمكن الإنسان أن يصل إليه (أيوب ٩: ٣٢ و٣٣ و١٦: ٢١ و١تيموثاوس ٦: ١٦). وهذا الذي حمل الأمم الوثنية على اتخاذ كثيرين من الآلهة الصغرى نواباً عنهم عند الإله الأكبر. وكان النواب عند اليهود الأنبياء وهم تلامذة المدرسة النبوية التي أسسها صموئيل الذين صاروا بعد ذلك أنبياء الهيكل والقائمين بخدمته المقدسة (١أيام ٢٥: ١). ولكن الله أظهر إرادته بواسطة أولئك النواب لليهود وللأمم معاً (إرميا ١: ٥) وجعلهم محافظين على الدين والقداسة بالإنذار والتبشير وغيرهما من الأعمال. فكانوا بهذا الاعتبار سابقي المسيح بل ممثليه الذي هو الوسيط الوحيد بين الله والناس. ودُعي الآباء كلهم لا إبراهيم وحده «أنبياء ومسحاء» (مزمور ١٠٥: ١٥) لأنهم كانوا يخاطبون الله نيابة عن الناس حتى أتى المسيح الحق والنبي الحق. وأبيمالك نفسه عُلم أنه ليس له علاقة بالله إلا بمن يتكلم عنه. ولعله شعر بحاجته إلى وسيط وأراد أن يكون إبراهيم نائباً عنه عند الله ونبياً له ومعلماً. (انظر في شأن النبي والوسيط خروج ٨: ٢٨ و١٩ وتثنية ٩: ١٩ و٢٠ و١صموئيل ٧: ٥ و١٢: ١٩ و٢٣ و١ملوك ١٣: ٦ وأيوب ٤٢: ٨).

٨، ٩ «٨ فَبَكَّرَ أَبِيمَالِكُ فِي ٱلْغَدِ وَدَعَا جَمِيعَ عَبِيدِهِ، وَتَكَلَّمَ بِكُلِّ هٰذَا ٱلْكَلاَمِ فِي مَسَامِعِهِمْ. فَخَافَ ٱلرِّجَالُ جِدّاً. ٩ ثُمَّ دَعَا أَبِيمَالِكُ إِبْرَاهِيمَ وَقَالَ لَهُ: مَاذَا فَعَلْتَ بِنَا، وَبِمَاذَا أَخْطَأْتُ إِلَيْكَ حَتَّى جَلَبْتَ عَلَيَّ وَعَلَى مَمْلَكَتِي خَطِيَّةً عَظِيمَةً؟ أَعْمَالاً لاَ تُعْمَلُ عَمِلْتَ بِي!».

ص ٢٦: ١٠ وخروج ٣٢: ٢١ ويشوع ٧: ٢٥ ص ٣٤: ٧

(هاتان الآيتان تبيّنان أن البلاء كان عاماً متوقعاً أن يكون كذا. والظاهر أن أبيمالك أعلم شعبه بذلك لكي يحترسوا من أن يسيئوا إلى إبراهيم أو إلى جماعته شيئاً).

١٠ «وَقَالَ أَبِيمَالِكُ لإِبْرَاهِيمَ: مَاذَا رَأَيْتَ حَتَّى عَمِلْتَ هٰذَا ٱلشَّيْءَ؟».

مَاذَا رَأَيْتَ قال بعض المفسرين معنى ذلك «ماذا قصدت» و «ماذا تتوقع». والصحيح أنه أراد ماذا رأيت منا من المسيء فإن أبيمالك أنكر أولاً أنه أساء إلى إبراهيم بشيء وقد خدعه إبراهيم بأن سارة أخته فكأنه قال له إني لم أسيء إليك شيئاً فلماذ خدعتني فجلبت عليّ البلاء فإنك لو قلت أنها امرأتك لبقيت لك.

١١ «فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنِّي قُلْتُ: لَيْسَ فِي هٰذَا ٱلْمَوْضِعِ خَوْفُ ٱللهِ ٱلْبَتَّةَ، فَيَقْتُلُونَنِي لأَجْلِ ٱمْرَأَتِي».

ص ٤٢: ١٨ ومزمور ٣٦: ١ وأمثال ١٦: ٦ ص ١٢: ١٢ و٢٦: ٧

لَيْسَ فِي هٰذَا ٱلْمَوْضِعِ خَوْفُ ٱللهِ ٱلْبَتَّةَ عذر إبراهيم ذم للقوم مع أنهم لم يكونوا فاسدين كما قال (ص ١٥: ١٦) وكانت الآداب في مصر وفلسطين أكثر مما ظن إبراهيم. فلا نرى لإبراهيم في كذبه عذراً وما كانت علته إلا قلة إيمانه وجبنه. وكان ذلك عن اتفاق بينه وبين امرأته في بلاد الغربة فجلبا الخطر على أنفسهما باتكالهما على حكمتهما البشرية.

١٢ « وَبِٱلْحَقِيقَةِ أَيْضاً هِيَ أُخْتِي ٱبْنَةُ أَبِي، غَيْرَ أَنَّهَا لَيْسَتِ ٱبْنَةَ أُمِّي، فَصَارَتْ لِي زَوْجَةً.

ص ١١: ٢٩

لَيْسَتِ ٱبْنَةَ أُمِّي هذا برهان على أن سارة ليست يسكة (ص ١١: ٢٩) لأن يسكة كانت حفيدة تارح وسارة كانت بنت تارح من غير أم إبراهيم (انظر ص ١٧: ٥) وإنها ليست من الجواري بل من النسل الأميري ولهذا سميت بما معناه أميرتي.

١٣ «وَحَدَثَ لَمَّا أَتَاهَنِي ٱللهُ مِنْ بَيْتِ أَبِي أَنِّي قُلْتُ لَهَا: هٰذَا مَعْرُوفُكِ ٱلَّذِي تَصْنَعِينَ إِلَيَّ: فِي كُلِّ مَكَانٍ نَأْتِي إِلَيْهِ قُولِي عَنِّي هُوَ أَخِي».

ص ١٢: ١ وعبرانيين ١١: ٨ ص ١٢: ١٣

أَتَاهَنِي ٱللهُ القاعدة أو العادة العبرانية أنه إذا كان الله (الموضوع بدل إلوهيم أي الآلهة) بمعنى الإله الواحد الحق كان الفعل مما يُستعمل للمفرد. وإذا كان بمعنى الآلهة الباطلة استُعمل له الفعل المستعمل للجمع ولكن هنا الفعل للجمع كما جاء في (ص ٣٥: ٧ وص ٢٢: ٩ و٢صموئيل ٧: ٢٢) (لكنه جاء للمفرد في ١أيام ١٧: ٢٠ ومزمور ٥٨: ١١ ويشوع ٢٤: ١٩) لكن في يشوع ٢٤: ١٩ نعت إلوهيم بقدوس بصيغة الجمع في الأصل العبراني فإذاً القاعدة غالبة لا مطردة. وقال بعضهم ذلك من غلط النساخ لأنه في السامرية وغيرها بالمفرد (والذي نراه إن القول بأن القاعدة غالبة هو الحق ولقد نسب المفسرون كثيراً الخطأ إلى النساخ وليس من خطأ ومجيئها بالمفرد جرى على المعنى كما في العربية فهو ليس بحجة على غلط النساخ).

فِي كُلِّ مَكَانٍ أبان لأبيمالك أن هذا الاتفاق قديم بينه وبين سارة ليبين له أنه لم يقصد له شراً بما أتى لأنه رأى شيئاً يسوءه في جرار (انظر ع ١٠).

١٤ «فَأَخَذَ أَبِيمَالِكُ غَنَماً وَبَقَراً وَعَبِيداً وَإِمَاءً وَأَعْطَاهَا لإِبْرَاهِيمَ، وَرَدَّ إِلَيْهِ سَارَةَ ٱمْرَأَتَهُ».

ص ١٢: ١٦

أَبِيمَالِكُ… وَأَعْطَاهَا لإِبْرَاهِيمَ فرعون قدم هداياه لإبراهيم حين أخذ سارة ومع أنه لم يستردها من إبراهيم أمره بالانصراف عنه كرهاً. فكان الملك الفلسطيني أكرم من الملك المصري وألطف فإنه وهب له هداياه حين رد إليه امرأته وأذن له ان يسكن أرضه.

١٥ «وَقَالَ أَبِيمَالِكُ: هُوَذَا أَرْضِي قُدَّامَكَ. ٱسْكُنْ فِي مَا حَسُنَ فِي عَيْنَيْكَ».

ص ١٣: ٩

(هذا كرَم أخلاق ومعروف لا يتوقع إلا من أحسن المسيحيين تقىً وأخلاقاً فهو من أغرب أمور ذلك الملك الفلسطيني فإنه جازى الإساءة بأحسن الإحسان فتأمل).

١٦ «وَقَالَ لِسَارَةَ: إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُ أَخَاكِ أَلْفاً مِنَ ٱلْفِضَّةِ. هَا هُوَ لَكِ غِطَاءُ عَيْنٍ مِنْ جِهَةِ كُلِّ مَا عِنْدَكِ وَعِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، فَأُنْصِفْتِ».

ع ٥ ص ٣٢: ٢٠ وخروج ٢٣: ٨ وتثنية ١٦: ١٩ وأيوب ٩: ٢٤

أَخَاكِ أَلْفاً مِنَ ٱلْفِضَّةِ أي ألف شاقل وقيمة ذلك نحو ١٧٠٠٠ غرش وذلك مقدار عظيم بالنسبة إلى ندرة الفضة في تلك الأيام وهذا قيمة كل ما أعطاه إبراهيم. ولم يقل أعطيت زوجك بل أخاك فرأى بعضهم إن ذلك كان من أبيمالك توبيخاً لإبراهيم فكأنه قال لها أعطيت من ادّعى أنه أخوك ولم يعترف بأنه زوجك ليخلص من الدفاع عنك عند الحاجة كما يجب على الرجل للمرأة. (قلنا ذلك ليس من اللوازم الضرورية البينة بل الأولى أن يحمل على زيادة لطف أبيمالك بأنه قال ذلك تصديقاً لإبراهيم أن سارة أخته من أبيه وأنه تحاشى من أن يقول لها زوجك لئلا يُفهم منه شيء من التكذيب لإبراهيم) على أن بعض المفسرين رأى إن تفسير هذه الآية كلها صعب.

هَا هُوَ الضمير راجع إلى الموهوب لا إلى الموهوب له أي إلى الألف الفضة لا إلى إبراهيم.

غِطَاءُ عَيْنٍ مِنْ جِهَةِ كُلِّ مَا عِنْدَكِ وَعِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ قال بعض المفسرين لعل معنى هذا حجاب يقيك من عيون أرباب الشهوات أو يستر عارك من الخطإ الذي وقع حتى يكون دليلاً لزوجك وكل أصدقائك أنه لم يلحق بك عار وأنك قد عوملت بكل إكرام.

فَأُنْصِفْتِ أي حصلت على ما يحق لك ولم تُظلمي.

١٧ «فَصَلَّى إِبْرَاهِيمُ إِلَى ٱللهِ، فَشَفَى ٱللهُ أَبِيمَالِكَ وَٱمْرَأَتَهُ وَجَوَارِيَهُ فَوَلَدْنَ».

أيوب ٤٢: ٩ و١٠

فَصَلَّى إِبْرَاهِيمُ إِلَى ٱللهِ (الظاهر أنه ضمن هنا «صلى» معنى توجه فيكون المعنى توجه إلى الله بالصلاة وإلا فصلى يتعدى باللام فيقال صلى لله) فلما كان من أبيمالك أنه عوّض على إبراهيم بسخاء (مع أنه هو لم يكن علة الخطإ بل إبراهيم) رأى إبراهيم أن يكافئه بالصلاة من أجله لأن المرض الذي نزل بأبيمالك لم يكن إلا لوقاية سارة.

جَوَارِيَهُ أي سراريه لا خدمه.

١٨ «لأَنَّ ٱلرَّبَّ كَانَ قَدْ أَغْلَقَ كُلَّ رَحِمٍ لِبَيْتِ أَبِيمَالِكَ بِسَبَبِ سَارَةَ ٱمْرَأَةِ إِبْرَاهِيمَ».

ص ١٢: ١٧

هذا يدل على أحد أمرين الأول إن سارة بقيت زماناً طويلاً في بيت أبيمالك حتى عرف عُقم امرأته وجواريه. والثاني إن صلاة إبراهيم كانت بعد أن رجعت إليه سارة بمثل ذلك الزمان والأول هو الأرجح. فيكون أبيمالك بقي طويلاً في ما نزل به من المصاب ولم ينتبه لخطإه حتى نبهه الله عليه.

السابق
التالي

 

زر الذهاب إلى الأعلى