سفر التكوين | 48 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر التكوين
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ وَٱلأَرْبَعُونَ
بركة أفرايم ومنسى والاعتراف بأن يعقوب رئيس الأسباط
١ «وَحَدَثَ بَعْدَ هٰذِهِ ٱلأُمُورِ أَنَّهُ قِيلَ لِيُوسُفَ: هُوَذَا أَبُوكَ مَرِيضٌ. فَأَخَذَ مَعَهُ ٱبْنَيْهِ مَنَسَّى وَأَفْرَايِمَ».
ٱبْنَيْهِ قد رأينا إن القصد من النسب المذكور في (ص ٤٦) لم يكن عدّ أولاد يعقوب وحفدته بل بيان رؤساء الأسباط من نسله. وقرر ذلك في هذا الأصحاح لأن يعقوب اجتهد في أن يعلن حقوقه باعتبار أنه أبو الإسرائيليين ورأسهم. وتحرك حبه لراحيل ورغبته في إعلاء شأن يوسف ومنح يوسف بروح النبوءة أن يكون أبا رئيسي سبطين فأبان أنه صاحب حق البركة التي يعطيها الأب بنيه. وكان الداعي لزيارة يوسف لأبيه مرض أبيه الذي لم يشعر بقرب وفاته فقط كما مرّ في (ص ٤٧: ٢٩) بل شعر أيضاً بأنه كان مصاباً ببعض الأمراض فأتى يوسف إليه بابنيه لينالا بركة جدهما قبل موته.
٢ «فَأُخْبِرَ يَعْقُوبُ وَقِيلَ لَهُ: هُوَذَا ٱبْنُكَ يُوسُفُ قَادِمٌ إِلَيْكَ. فَتَشَدَّدَ إِسْرَائِيلُ وَجَلَسَ عَلَى ٱلسَّرِيرِ».
ص ٤٧: ٣١
فَتَشَدَّدَ استعد يعقوب هذا الاستعداد لا لمجرد أن يقابل يوسف مقابلة تليق بمقامه بل لما هو الأولى أيضاً وهو القيام بالعمل المقدس بإرشاد الروح القدس وتأثيره.
جَلَسَ عَلَى ٱلسَّرِيرِ نعلم أنه جلس على فراشه مما جاء في (ع ١٢).
٣ «وَقَالَ يَعْقُوبُ لِيُوسُفَ: ٱللهُ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ظَهَرَ لِي فِيؤ لُوزَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ وَبَارَكَنِي».
ص ٢٨: ١٣ و١٩ و٣٥: ٦ و٩
ٱللهُ ٱلْقَادِرُ وفي العبرانية «إل شداي». عمل يعقوب المخبر به في هذا الأصحاح بناه يعقوب على الوعد الذي كان له في بيت إيل على أثر رجوعه من فدان أرام. وان ذلك تكرار الوعد القديم الذي فيه أعلن الله نفسه لإبراهيم بهذا الاسم (ص ١٧: ١) فتبين منه أنه كان وارث الموعد الإبراهيمي (انظر تفسر ص ٣٥: ١١).
لُوزَ استعمال هذا الاسم القديم يبين أن الأسماء التي صارت للأماكن من الحوادث في تاريخ هذه القبيلة الصغيرة نسخت الأسماء الجديدة حتى أنه ظهر من البحث الجديد والتنقيب عن آثار تلك الأرض أن الفلاحين والرعاة لم يستنسبوا الأسماء التي وضعها الرومانيون وغيرهم بل استمروا على الأسماء القديمة.
٤ «وَقَالَ لِي: هَا أَنَا أَجْعَلُكَ مُثْمِراً، وَأُكَثِّرُكَ، وَأَجْعَلُكَ جُمْهُوراً مِنَ ٱلأُمَمِ، وَأُعْطِي نَسْلَكَ هٰذِهِ ٱلأَرْضَ مِنْ بَعْدِكَ مُلْكاً أَبَدِيّاً».
ص ٢٨: ٣ و٣٥: ١١ ص ٢٨: ١٣ و٣٥: ١٢ ص ١٧: ٨
جُمْهُوراً مِنَ ٱلأُمَمِ (انظر ص ٣٥: ١ والتفسير).
٥ «وَٱلآنَ ٱبْنَاكَ ٱلْمَوْلُودَانِ لَكَ فِي أَرْضِ مِصْرَ قَبْلَمَا أَتَيْتُ إِلَيْكَ إِلَى مِصْرَ هُمَا لِي. أَفْرَايِمُ وَمَنَسَّى كَرَأُوبَيْنَ وَشَمْعُونَ يَكُونَانِ لِي».
ص ٤١: ٥٠ و٤٦: ٢٠ ويشوع ١٤: ٤ ص ٣٥: ٢٢ و٢٣ و٤٩: ٣ و٤ و١أيام ٥: ١ و٢
كَرَأُوبَيْنَ وَشَمْعُونَ يَكُونَانِ لِي أي أفرايم بمقام بكري ومنسى بمقام ابني الثاني. وكذا كان الأمر فإن يهوذا مع امتيازه على إخوته لأن منه الرئيس «ومنه المسيح» كانت البكورية لنسل يوسف (١أيام ٥: ٢). وكان من حقوق البكر الاستيلاء على نصيبين من تركة الأب فكان ليوسف نصيب سبطين إذ صار ابناه ربيسي سبطين وكان لكل من باقي إخوة يوسف نصيب واحد. وكان في ذلك المعنى الروحي وهو أن كل البشر يتبارك بنسل يعقوب. إن البكورية ليهوذا لكن لما كان يوسف ابن الزوجة العليا المحبوبة كان له أن يدعي شيئاً من حق البكورية ولكن لموافقة الشريعة اعترف يعقوب بعدئذ أن البكورية لرأوبين لكنه عري منها جزاء له على ذنبه (تنثية ٢١: ١٥ – ١٧). ولم تكن لشمعون ولا للاوي لقساوتهما وأخذ يهوذا مقام رأوبين.
٦ «وَأَمَّا أَوْلاَدُكَ ٱلَّذِينَ تَلِدُ بَعْدَهُمَا فَيَكُونُونَ لَكَ. عَلَى ٱسْمِ أَخَوَيْهِمْ يُسَمَّوْنَ فِي نَصِيبِهِمْ».
يشوع ١٣: ٢٣ و١٦: ٥
ٱلَّذِينَ تَلِدُ بَعْدَهُمَا يرجّح من (ص ٥٠: ٢٣) أنه لم يكن ليوسف غير افرايم ومنسى من البنين ولكن إن كان قد وُلد له غيرهما فهم لم يُعدوا رؤساء أسباط. والذي نراه إن أولاد أفرايم ومنسى كانوا رؤساء بيوت.
٧ «وَأَنَا حِينَ جِئْتُ مِنْ فَدَّانَ مَاتَتْ عِنْدِي رَاحِيلُ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ فِي ٱلطَّرِيقِ، إِذْ بَقِيَتْ مَسَافَةٌ مِنَ ٱلأَرْضِ حَتَّى آتِيَ إِلَى أَفْرَاتَةَ. فَدَفَنْتُهَا هُنَاكَ فِي طَرِيقِ أَفْرَاتَةَ (ٱلَّتِي هِيَ بَيْتُ لَحْمٍ)».
ص ٣٥: ١٦ إلى ١٩
مَاتَتْ عِنْدِي رَاحِيلُ وفي العبرانية «ماتت علي» فكأنه أراد ماتت على يدي. وذكره راحيل هنا يدل (على أنها لم تبرح من صفحات ذاكرته ولم تزل صورتها في خياله) وإنها هي علة إن كان ليوسف ابنها نصيب سبطين فكان ذلك بياناً لتبريره في ما وهبه ليوسف وإنها لو طالت حياتها لولدت غيره وغير أخيه بنيامين. فإنه كان من أولاد ليئة ستة أسباط إذا عددنا لاوي من الأسباط ولكل من الجاريتين اثنان ولراحيل ثلاثة.
ٱلَّتِي هِيَ بَيْتُ لَحْمٍ سُميت بهذا بعد أن عُرفت بأفراتة يوم اشتهرت بأنها مولد داود ولم تُسم بيت لحم إلا بعدما زُرعت فيها الحنطة وظهر خصبها.
٨ – ١١ «٨ وَرَأَى إِسْرَائِيلُ ٱبْنَيْ يُوسُفَ فَقَالَ: مَنْ هٰذَانِ؟. ٩ فَقَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ: هُمَا ٱبْنَايَ ٱللَّذَانِ أَعْطَانِيَ ٱللهُ هٰهُنَا. فَقَالَ: قَدِّمْهُمَا إِلَيَّ لأُبَارِكَهُمَا. ١٠ وَأَمَّا عَيْنَا إِسْرَائِيلَ فَكَانَتَا قَدْ ثَقُلَتَا مِنَ ٱلشَّيْخُوخَةِ، لاَ يَقْدِرُ أَنْ يُبْصِرَ، فَقَرَّبَهُمَا إِلَيْهِ فَقَبَّلَهُمَا وَٱحْتَضَنَهُمَا. ١١ وَقَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ: لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنِّي أَرَى وَجْهَكَ، وَهُوَذَا ٱللهُ قَدْ أَرَانِي نَسْلَكَ أَيْضاً».
ص ٣٣: ٥ ص ٢٧: ٤ ص ٢٧: ١ ص ٢٧: ٢٧ ص ٤٢: ٣٨ و٤٥: ٢٦
مَنْ هٰذَانِ كان عند هذا السؤال يريد أن يعين أنهما من الآباء وكانا يومئذ في نحو سن الثامنة عشرة أو العشرين.
١٢ «ثُمَّ أَخْرَجَهُمَا يُوسُفُ مِنْ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وَسَجَدَ أَمَامَ وَجْهِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ».
سَجَدَ أَمَامَ وَجْهِهِ وفي السامرية والسريانية واليونانية المعروفة بترجمة السبعين «سجدا» أمام وجهه واستصوب ذلك كثيرون من محدثي المفسرين لكن الفعل للمفرد في العبرانية ولذلك ترجمت كما في عبارة المتن.
١٣، ١٤ «١٣ وَأَخَذَ يُوسُفُ ٱلٱثْنَيْنِ أَفْرَايِمَ بِيَمِينِهِ عَنْ يَسَارِ إِسْرَائِيلَ وَمَنَسَّى بِيَسَارِهِ عَنْ يَمِينِ إِسْرَائِيلَ وَقَرَّبَهُمَا إِلَيْهِ. ١٤ فَمَدَّ إِسْرَائِيلُ يَمِينَهُ وَوَضَعَهَا عَلَى رَأْسِ أَفْرَايِمَ وَهُوَ ٱلصَّغِيرُ، وَيَسَارَهُ عَلَى رَأْسِ مَنَسَّى. وَضَعَ يَدَيْهِ بِفِطْنَةٍ فَإِنَّ مَنَسَّى كَانَ ٱلْبِكْرَ».
عدد ٢٧: ٢٣ وتثنية ٣٤: ٩ ع ١٩
وَضَعَ يَدَيْهِ بِفِطْنَةٍ وفي السبعينية والسريانية والفلغاتا «وضع يديه متقاطعتين» لكن في الترجوم المعروف بترجوم انكيلوس مثل عبارة المتن عندنا.
١٥، ١٦ «١٥ وَبَارَكَ يُوسُفَ وَقَالَ: ٱللهُ ٱلَّذِي سَارَ أَمَامَهُ أَبَوَايَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْحَاقُ ٱللهُ ٱلَّذِي رَعَانِي مُنْذُ وُجُودِي إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ ١٦ ٱلْمَلاَكُ ٱلَّذِي خَلَّصَنِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ، يُبَارِكُ ٱلْغُلاَمَيْنِ. وَلْيُدْعَ عَلَيْهِمَا ٱسْمِي وَٱسْمُ أَبَوَيَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ. وَلْيَكْثُرَا كَثِيراً فِي ٱلأَرْضِ».
ص ١٧: ١ و٢٤: ٤٠ ص ٢٨: ١٥ و٣١: ٢٤ ومزمور ٣٤: ٢٢ و١٢١: ٧ عبرانيين ١١: ٢١ عاموس ٩: ١٢ وأعمال ١٥: ١٧
بَارَكَ يُوسُفَ وَقَالَ في بركة يعقوب ثلاثة أسماء اللاهوت وثلاث بركات لابني يوسف فالاسم الأول الله «إلوهيم الذي صار أمامه أبواي». والثاني الله الذي دعاه منذ وجوده إلى هذا اليوم. والثالث الملاك الذي خلصه من كل شر. والبركة الأولى «يبارك الغلامين». والثانية «ليدع عليهما اسمي واسم أبوي إبراهيم وإسحاق». والثالثة «ليكثرا كثيراً في الأرض». واستدل بذلك لوثيروس على التثليث في اللاهوت الواحد. وإن الملاك هو المسيح المخلص ولكن هذا ليس الملاك الذي صارعه (ص ٣٢: ٢٤ – ٣٠) لأن ذاك لم يظهر له بصفة مخلص بل بصفة ممتحن ليقوي إيمانه وأما الذي ذكره هنا فهو الملاك الذي خلصه من كل شرّ.
١٧ – ١٩ «١٧ فَلَمَّا رَأَى يُوسُفُ أَنَّ أَبَاهُ وَضَعَ يَدَهُ ٱلْيُمْنَى عَلَى رَأْسِ أَفْرَايِمَ سَاءَ ذٰلِكَ فِي عَيْنَيْهِ، فَأَمْسَكَ بِيَدِ أَبِيهِ لِيَنْقُلَهَا عَنْ رَأْسِ أَفْرَايِمَ إِلَى رَأْسِ مَنَسَّى. ١٨ وَقَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ: لَيْسَ هٰكَذَا يَا أَبِي، لأَنَّ هٰذَا هُوَ ٱلْبِكْرُ. ضَعْ يَمِينَكَ عَلَى رَأْسِهِ. ١٩ فَأَبَى أَبُوهُ وَقَالَ: عَلِمْتُ يَا ٱبْنِي، عَلِمْتُ! هُوَ أَيْضاً يَكُونُ شَعْباً، وَهُوَ أَيْضاً يَصِيرُ كَبِيراً. وَلٰكِنَّ أَخَاهُ ٱلصَّغِيرَ يَكُونُ أَكْبَرَ مِنْهُ، وَنَسْلُهُ يَكُونُ جُمْهُوراً مِنَ ٱلأُمَمِ».
ع ١٤ عدد ١: ٣٣ و٣٥ وتثنية ٣٣: ١٧
لٰكِنَّ أَخَاهُ ٱلصَّغِيرَ يَكُونُ أَكْبَرَ مِنْهُ يوم عدّ الأسباط في سهول موآب كان سبط منسى ٥٢٧٠٠ نفس وسبط أفرايم ٣٢٥٠٠ فقط (عدد ٢٦: ٣٤ و٣٧). وقُسم سبط منسى إلى قسمين فكان ذلك من علل عدم الاكتراث به من جهة السياسة. وأما سبط أفرايم فكان من ذوي السلطة في ارض كنعان ولما كان يشوع من سبط أفرايم كان ذلك السبط في أيام ولايته في مقدمة الأسباط ومما دل على رفعة هذا السبط إن التابوت كان في إحدى مدنه.
٢٠ «وَبَارَكَهُمَا فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ قَائِلاً: بِكَ يُبَارِكُ إِسْرَائِيلُ قَائِلاً: يَجْعَلُكَ ٱللهُ كَأَفْرَايِمَ وَكَمَنَسَّى. فَقَدَّمَ أَفْرَايِمَ عَلَى مَنَسَّى».
راعوث ٤: ١١ و١٢
بِكَ يُبَارِكُ إِسْرَائِيلُ لم يزل الإسرائيليون يستعملون هذه العبارة في مباركتهم لأولادهم.
٢١، ٢٢ «٢١ وَقَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ: هَا أَنَا أَمُوتُ، وَلٰكِنَّ ٱللهَ سَيَكُونُ مَعَكُمْ وَيَرُدُّكُمْ إِلَى أَرْضِ آبَائِكُمْ. ٢٢ وَأَنَا قَدْ وَهَبْتُ لَكَ سَهْماً وَاحِداً فَوْقَ إِخْوَتِكَ، أَخَذْتُهُ مِنْ يَدِ ٱلأَمُورِيِّينَ بِسَيْفِي وَقَوْسِي»
ص ٤٦: ٤ و٥٠: ٢٤ يشوع ٢٤: ٣٢ ويوحنا ٤: ٥ ١أيام ٥: ١ و٢ يشوع ١٧: ١٤ إلى ١٨
سَهْماً وَاحِداً وفي العبرانية «شكيماً واحداً». وإن شكيم كانت من المدن التي ليعقوب (انظر ص ٣٧: ١٢ والتفسير). وفيها دُفنت عظام يوسف (انظر يشوع ٢٤: ٣٢) حيث قيل إن الأرض اشتُريت بمئة قسيطة). وقد شهد يوحنا أخيراً بأن «مدينة من السامرة يقال لها سوخار كانت قرب الضيعة التي وهبها يعقوب ليوسف ابنه» (يوحنا ٤: ٥). على أن القول شكيم واحد ليس من طرق التعبير عن مدينة. وقد رأينا من معاني شكيم الكتف (ص ١٢: ٦). وقال أبو الوليد في معجمه «إن كلاّ من العبرانيين والعرب يسمون القطع المرتفعة من الأرض بالشكيم». والأمر ظاهر هنا إن المقصود بالشكيم نصيب بدليل القرينة.
السابق |
التالي |