سفر التكوين | 47 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر التكوين
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلأَرْبَعُونَ
تقديم يوسف أباه وإخوته إلى فرعون
١ «فَأَتَى يُوسُفُ وَقَالَ لِفِرْعَوْنَ: أَبِي وَإِخْوَتِي وَغَنَمُهُمْ وَبَقَرُهُمْ وَكُلُّ مَا لَهُمْ جَاءُوا مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ. وَهُوَذَا هُمْ فِي أَرْضِ جَاسَانَ».
ص ٤٦: ٣١ ص ٤٥: ١٠ و٤٦: ٢٨
هُوَذَا هُمْ فِي أَرْضِ جَاسَان إن يوسف كان يرغب في أن يكون أبوه وإخوته في أرض جاسان لكنه لم يرد أن يكون ذلك إلا بإذن فرعون. ولم يذكر يوسف حينئذ إلا أنهم نزلوا هناك ولكنهم صرّحوا بطلبهم ذلك في الآية الرابعة.
٢ «وَأَخَذَ مِنْ جُمْلَةِ إِخْوَتِهِ خَمْسَةَ رِجَالٍ وَأَوْقَفَهُمْ أَمَامَ فِرْعَوْن».
أعمال ٧: ١٣
خَمْسَةَ رِجَالٍ كُرر عدد الخمسة في هذا النبإ (ص ٤٣: ٣٤ و٤٥: ٢٢) فالظاهر أنه كان لهذا العدد عند المصريين ما كان لعدد السبعة عند العبرانيين.
٣ «فَقَالَ فِرْعَوْنُ لإِخْوَتِهِ: مَا صِنَاعَتُكُمْ؟ فَقَالُوا لِفِرْعَوْنَ: عَبِيدُكَ رُعَاةُ غَنَمٍ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا جَمِيعاً».
ص ٤٦: ٣٣ ص ٤٦: ٣٤
وَآبَاؤُنَا يوسف علمهم أن يقولوا هذا (ص ٤٦: ٣٤) لأن المهنة كانت وراثية عند المصريين فرأى فرعون من ذلك إنهم لا يستطيعون أن يغيروا أسلوب حياتهم.
٤ – ٦ «٤ وَقَالُوا لِفِرْعَوْنَ: جِئْنَا لِنَتَغَرَّبَ فِي ٱلأَرْضِ، إِذْ لَيْسَ لِغَنَمِ عَبِيدِكَ مَرْعىً، لأَنَّ ٱلْجُوعَ شَدِيدٌ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. فَٱلآنَ لِيَسْكُنْ عَبِيدُكَ فِي أَرْضِ جَاسَانَ. ٥ فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: أَبُوكَ وَإِخْوَتُكَ جَاءُوا إِلَيْكَ. ٦ أَرْضُ مِصْرَ قُدَّامَكَ. فِي أَفْضَلِ ٱلأَرْضِ أَسْكِنْ أَبَاكَ وَإِخْوَتَكَ. لِيَسْكُنُوا فِي أَرْضِ جَاسَانَ. وَإِنْ عَلِمْتَ أَنَّهُ يُوجَدُ بَيْنَهُمْ ذَوُو قُدْرَةٍ فَٱجْعَلْهُمْ رُؤَسَاءَ مَوَاشٍ عَلَى ٱلَّتِي لِي».
ص ١٥: ١٣ وتثنية ٢٦: ٥ ص ٤٣: ١ وأعمال ٧: ١١ ص ٤٦: ٣٤ ص ١٣: ٩ و٢٠: ١٥ و٣٤: ١٠ ع ٤ و١صموئيل ٢١: ٧
لِنَتَغَرَّبَ فِي ٱلأَرْضِ سأل إخوة يوسف فرعون الأذن في الإقامة إلى حين. والظاهر من هذه الآية إنه مع ما كان من القحط في مصر كان في أرض جاسان مرعى لمواشيهم وإن النيل مع كونه ناقصاً لم يفض كانت مياهه تتوزع في أرض الشطوط توزعاً كافياً للمراعي ونمو الأعشاب (ص ٤١: ٢) ولهذا بقيت مواشي فرعون ومواشيهم سالمة.
٧ «ثُمَّ أَدْخَلَ يُوسُفُ يَعْقُوبَ أَبَاهُ وَأَوْقَفَهُ أَمَامَ فِرْعَوْنَ. وَبَارَكَ يَعْقُوبُ فِرْعَوْن».
ص ٢٧: ٢٣
وَبَارَكَ يَعْقُوبُ فِرْعَوْنَ امتثال يعقوب أمام فرعون كان أكثر اعتباراً من امتثال إخوة يوسف أمامه. وفرعون نظر إلى هؤلاء الإخوة بالمسرة لأنهم إخوة وزيره وسمح لهم بما طلبوه أي الإقامة بأرض جاسان وسأل يوسف أن يجعلهم رؤساء مواش على مواشيه. وكان إكرامه ليعقوب أعظم من إكرامه لهم لكبره. فإن عيش مئة وعشرين سنة كان يُعد عند المصريين أطول أيام الحياة لكن يعقوب كان ابن مئة وثلاثين سنة حينئذ فأكرمه فرعون إكراماً عظيماً لقبوله مباركته إياه مرتين. والمرجح أن تلك المباركة كانت الدعاء له بطول الحياة. ولا يبعد أن فرعون سجد أمام يعقوب ليضع يده عليه ويباركه.
٨ – ١٠ «٨ فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيَعْقُوبَ: كَمْ هِيَ أَيَّامُ سِنِي حَيَاتِكَ؟ ٩ فَقَالَ يَعْقُوبُ لِفِرْعَوْنَ: أَيَّامُ سِنِي غُرْبَتِي مِئَةٌ وَثَلاَثُونَ سَنَةً. قَلِيلَةً وَرَدِيَّةً كَانَتْ أَيَّامُ سِنِي حَيَاتِي، وَلَمْ تَبْلُغْ إِلَى أَيَّامِ سِنِي حَيَاةِ آبَائِي فِي أَيَّامِ غُرْبَتِهِمْ. ١٠ وَبَارَكَ يَعْقُوبُ فِرْعَوْنَ وَخَرَجَ مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ».
ص ١٧: ٨ و٢٠: ١٣ ومزمور ٣٩: ١٢ وعبرانيين ١١: ٩ و١٣ أيوب ١٤: ١ ص ٢٥: ٧ و٣٥: ٢٨ ع ٧ و١ملوك ٨: ٦٦
غُرْبَتِي شبه يعقوب أيام الحياة بأيام إقامة المرء بأرض غريبة لأن الوطن الدائم ما وراء هذه الحياة.
قَلِيلَةً وَرَدِيَّةً لأن حياة يعقوب كانت منذ خدع أباه إسحاق حياة تعب وحزن وشقاء. وما حصل عليه من الثروة في حاران إنما حصل عليه بفرط الاجتهاد والمشقة وحمل ظلم خاله لابان. وفي رجوعه من حاران إلى بيت أبيه قاسى شديد الاضطراب والخوف من أخيه عيسو. وأُصيب بالعرج في سكوت وخُلع حق فخذه واحتمل ألماً طويلاً حتى شُفي. وأصيب مصاباً عظيماً بما لحق ابنته دينة من العار. ولما رأى الوطن أُصيب بموت حبيبته راحيل. واضطر أن يبقى بعيداً عن أبيه بسبب أخيه عيسو لانه كان سيد الأرض ومات أبوه وذهب عيسو. وبعد ذلك أُصيب بفقد ابنه يوسف حبيبه ومعزيه بعد موت راحيل. كل هذه الأرزاء وقعت عليه وجعلت أيامه رديئة لكنها مع ذلك كانت قليلة بالنسبة إلى أيام إسحاق وأيام جده إبراهيم. ولكن فرعون كان يرى أنه جاوز مدة الأحياء على الأرض. ثم عاش يعقوب سبع عشرة سنة بالراحة والسلام بعناية ابنه المحبوب يوسف.
١١ «فَأَسْكَنَ يُوسُفُ أَبَاهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَعْطَاهُمْ مُلْكاً فِي أَرْضِ مِصْرَ فِي أَفْضَلِ ٱلأَرْضِ، فِي أَرْضِ رَعَمْسِيسَ كَمَا أَمَرَ فِرْعَوْنُ».
ص ٤٥: ١٠ وخروج ١: ١١ و١٢: ٣٧ وعدد ٣٣: ٣ و٥ ع ٦
أَرْضِ رَعَمْسِيسَ (انظر تفسير ص ٤٥: ١٠) يُفهم من الترجمة اليونانية المعروقة بترجمة السبعين أن أرض رعمسيس هي أرض جاسان لكن المرجّح أنها قسم معين من أرض جاسان لأن جاسان كانت أرضاً واسعة كما عرفت. ورعمسيس التي ذُكرت في سفر الخروج (خروج ١: ١١) مثل رعمسيس هنا أحرفاً ولفظاً على أن بعض المترجمين غيّر حركاتها وهي هنالك مدينة. وهل كانت هذه المدينة زمن حل بنو إسرائيل أرض جاسان أو هل بُنيت بعد ذلك وسُميت باسم القسم المذكور ذلك لا نعلمه ولكن نقول إن كان هنالك محلة بهذا الاسم فلا ريب في أنها كانت قرية صغيرة تشتمل على قليل من البيوت الدنيئة كجنوز الرعاة لكنها صارت في أيام الملك رعمسيس الثاني عاصمة أرض جميلة خصبة وُصفت بأنها مقام السعادة يعيش فيها الفقير والغني في رغد وسلام فيصح أن توصف بأنها «أفضل الأرض».
١٢ «وَعَالَ يُوسُفُ أَبَاهُ وَإِخْوَتَهُ وَكُلَّ بَيْتِ أَبِيهِ بِطَعَامٍ عَلَى حَسَبِ ٱلأَوْلاَدِ».
ص ٤٥: ١١
عَلَى حَسَبِ ٱلأَوْلاَدِ أو على حسب العيال كما يُفهم من العبرانية وهو الأنسب هنا.
سياسة يوسف في مصر
١٣ – ١٦ «١٣ وَلَمْ يَكُنْ خُبْزٌ فِي كُلِّ ٱلأَرْضِ، لأَنَّ ٱلْجُوعَ كَانَ شَدِيداً جِدّاً. فَخَوَّرَتْ أَرْضُ مِصْرَ وَأَرْضُ كَنْعَانَ مِنْ أَجْلِ ٱلْجُوعِ. ١٤ فَجَمَعَ يُوسُفُ كُلَّ ٱلْفِضَّةِ ٱلْمَوْجُودَةِ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَفِي أَرْضِ كَنْعَانَ بِٱلْقَمْحِ ٱلَّذِي ٱشْتَرُوا. وَجَاءَ يُوسُفُ بِٱلْفِضَّةِ إِلَى بَيْتِ فِرْعَوْنَ. ١٥ فَلَمَّا فَرَغَتِ ٱلْفِضَّةُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ وَمِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ أَتَى جَمِيعُ ٱلْمِصْرِيِّينَ إِلَى يُوسُفَ قَائِلِينَ: أَعْطِنَا خُبْزاً، فَلِمَاذَا نَمُوتُ قُدَّامَكَ؟ لأَنْ لَيْسَ فِضَّةٌ أَيْضاً. ١٦ فَقَالَ يُوسُفُ: هَاتُوا مَوَاشِيَكُمْ فَأُعْطِيَكُمْ بِمَوَاشِيكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِضَّةٌ أَيْضاً».
ص ٤١: ٣٠ وأعمال ٧: ١١ ص ٤١: ٥٦ و٥٧ ع ١٩
هَاتُوا مَوَاشِيَكُمْ لما كان الناس في شديد الحاجة إلى الطعام والأرض لا تصلح للحرث في زمن ذلك القحط وعدم فيضان النيل كان من الرحمة أن يأخذ يوسف مواشيهم لئلا تموت وأن يعطيهم الطعام لئلا يهلكوا فتبقى الماشية إلى زمن الحاجة فإن العناية بتلك المواشي في تلك المجاعة من أعسر الأمور (١ملوك ١٨: ٥ و٦). وهنا تظهر لنا علة أن فرعون طلب أن يكون ذوو القدرة بين إخوة يوسف رؤساء على مواشيه (ع ٦) والمرجّح أنه كان لها مرعى في وادي النيل كما ذُكر في ما مرّ.
١٧ «فَجَاءُوا بِمَوَاشِيهِمْ إِلَى يُوسُفَ، فَأَعْطَاهُمْ يُوسُفُ خُبْزاً بِٱلْخَيْلِ وَبِمَوَاشِي ٱلْغَنَمِ وَٱلْبَقَرِ وَبِٱلْحَمِيرِ. فَقَاتَهُمْ بِٱلْخُبْزِ تِلْكَ ٱلسَّنَةَ بَدَلَ جَمِيعِ مَوَاشِيهِمْ».
بِٱلْخَيْلِ وَبِمَوَاشِي ٱلْغَنَمِ وَٱلْبَقَرِ وَبِٱلْحَمِيرِ قام جدال طويل في أمر وجود الخيل في عصر الدولة التي فيها كان يوسف حاكم مصر فإنه لم يظهر أنه كان فيها خيل يوم ذهب إبراهيم إليها (انظر تفسير ص ١٢: ١٦) ولكن البقر والحمير كانت كثيرة. والرعاة المعروفون بالهكسوس هم الذين أدخلوا الخيل تلك الأرض وأول ما كانت استخدموها لجر المركبات الحربية كما ظهر من الرسوم العادية. ومما يستحق الذكر هنا إن صور الغنم لم يوقف لها على أثر في الرسول القديمة بل شوهد فيها صور المعزى مع أنها أُدخلت مصر قبل الخيل.
١٨، ١٩ «١٨ وَلَمَّا تَمَّتْ تِلْكَ ٱلسَّنَةُ أَتَوْا إِلَيْهِ فِي ٱلسَّنَةِ ٱلثَّانِيَةِ وَقَالُوا لَهُ: لاَ نُخْفِي عَنْ سَيِّدِي أَنَّهُ إِذْ قَدْ فَرَغَتِ ٱلْفِضَّةُ وَمَوَاشِي ٱلْبَهَائِمِ عِنْدَ سَيِّدِي، لَمْ يَبْقَ قُدَّامَ سَيِّدِي إِلاَّ أَجْسَادُنَا وَأَرْضُنَا. ١٩ لِمَاذَا نَمُوتُ أَمَامَ عَيْنَيْكَ نَحْنُ وَأَرْضُنَا جَمِيعاً؟ اِشْتَرِنَا وَأَرْضَنَا بِٱلْخُبْزِ، فَنَصِيرَ نَحْنُ وَأَرْضُنَا عَبِيداً لِفِرْعَوْنَ. وَأَعْطِ بِذَاراً لِنَحْيَا وَلاَ نَمُوتَ وَلاَ تَصِيرَ أَرْضُنَا قَفْراً».
ٱلسَّنَةِ ٱلثَّانِيَةِ أي السنة التالية للسنة التي أعطوها فيها مواشيهم لا السنة الثانية من سني المجاعة.
٢٠ «فَٱشْتَرَى يُوسُفُ كُلَّ أَرْضِ مِصْرَ لِفِرْعَوْنَ، إِذْ بَاعَ ٱلْمِصْرِيُّونَ كُلُّ وَاحِدٍ حَقْلَهُ، لأَنَّ ٱلْجُوعَ ٱشْتَدَّ عَلَيْهِمْ. فَصَارَتِ ٱلأَرْضُ لِفِرْعَوْنَ».
فَصَارَتِ ٱلأَرْضُ لِفِرْعَوْنَ شكا بعضهم يوسف بأنه استعبد الأحرار بسياسته. ولا ريب في أنه زاد الدولة قوة والسيادة الملكية زيادة عظيمة لكن مما قرأناه من نبإ عبودية المصريين لكثيرين من صغار الحكام ولنسائهم ولكهنتهم ولمحنطاتهم نرى إن تعظيم سيادة الملك خير لهم. والقول هنا إن الأرض كلها صارت لفرعون ثابت مما قاله هيرودوتس المؤرخ وغيره من مؤلفي اليونان. وهذه الحال لم تزل في الهند إلى هذا اليوم. والفرق بين الهند اليوم ومصر في تلك الأيام أن فرعون كان يأخذ خمس الغلال وأما ملوك الهند فيأخذون مقداراً معيناً من النقود. والفلاحون في برما يتولون أرضهم من الملك رأساً.
٢١ «وَأَمَّا ٱلشَّعْبُ فَنَقَلَهُمْ إِلَى ٱلْمُدُنِ مِنْ أَقْصَى حَدِّ مِصْرَ إِلَى أَقْصَاهُ».
عدد ٢٠: ١٦ و٢٢: ٣٦
فَنَقَلَهُمْ إِلَى ٱلْمُدُنِ أتى يوسف بذلك رحمة لهم عن قصد لا عن اتفاق فإن الحبوب كانت مخزونة في المدن فكان يسهل عليهم بذلك تناول الطعام لقربهم منه فكبرت عدة مدن في وادي النيل وكثرت حتى قال هيرودوتس أنها بلغت عشرين ألفاً.
٢٢ «إِلاَّ أَنَّ أَرْضَ ٱلْكَهَنَةِ لَمْ يَشْتَرِهَا، إِذْ كَانَتْ لِلْكَهَنَةِ فَرِيضَةٌ مِنْ قِبَلِ فِرْعَوْنَ. فَأَكَلُوا فَرِيضَتَهُمُ ٱلَّتِي أَعْطَاهُمْ فِرْعَوْنُ. لِذٰلِكَ لَمْ يَبِيعُوا أَرْضَهُمْ».
عزرا ٧: ٢٤ أمثال ٣٠: ٨ وحزقيال ١٦: ٢٧
لِلْكَهَنَةِ فَرِيضَةٌ مِنْ قِبَلِ فِرْعَوْنَ قال هيرودوتس لم تزل العادة في مصر أن يؤتى الكهنة بالطعام المطبوخ فالمرجّح أن بداءة تلك العادة من عهد يوسف لكنها نُسبت هنا إلى فرعون لا إليه. وإذ كانوا يحصلون على تلك الفريضة لم يحتاجوا إلى بيع أرضهم. وجاء في تواريخ اليونان إن أرباب الأرض في مصر كانوا الملوك والكهنة ورجال الحرب فقط على أن رجال الحرب كانوا يستولون على الأرضين من الملك نفسه.
٢٣، ٢٤ «٢٣ فَقَالَ يُوسُفُ لِلشَّعْبِ: إِنِّي قَدِ ٱشْتَرَيْتُكُمُ ٱلْيَوْمَ وَأَرْضَكُمْ لِفِرْعَوْنَ. هُوَذَا لَكُمْ بِذَارٌ فَتَزْرَعُونَ ٱلأَرْضَ. ٢٤ وَيَكُونُ عِنْدَ ٱلْغَلَّةِ أَنَّكُمْ تُعْطُونَ خُمْساً لِفِرْعَوْنَ، وَٱلأَرْبَعَةُ ٱلأَجْزَاءُ تَكُونُ لَكُمْ بِذَاراً لِلْحَقْلِ، وَطَعَاماً لَكُمْ وَلِمَنْ فِي بُيُوتِكُمْ، وَطَعَاماً لأَوْلاَدِكُمْ».
هُوَذَا لَكُمْ بِذَارٌ تمكن يوسف من أن يعطيهم البذار في نهاية سني المجاعة ليزرعوا حقولهم يدل على أنه رتب ذلك قبل نهاية السنة السابعة ولا شك في أنه أبقى ما يحتاج إليه البقر وغيرها من البهائم لتغتذي به إلى حصول الغلة الجديدة. ومن تأمل في الأمر جيداً رأى خمس الغلال جزية معتدلة إذ لم يكن عليهم شيء من المكس سواه وإن ذلك الخمس كان كل ما يُنفق على المملكة فيوسف لم يظلم المصريين شيئاً بل رحمهم كثيراً.
٢٥، ٢٦ «٢٥ فَقَالُوا: أَحْيَيْتَنَا. لَيْتَنَا نَجِدُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْ سَيِّدِي فَنَكُونَ عَبِيداً لِفِرْعَوْنَ. ٢٦ فَجَعَلَهَا يُوسُفُ فَرْضاً عَلَى أَرْضِ مِصْرَ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ: لِفِرْعَوْنَ ٱلْخُمْسُ. إِلاَّ إِنَّ أَرْضَ ٱلْكَهَنَةِ وَحْدَهُمْ لَمْ تَصِرْ لِفِرْعَوْنَ».
ص ٣٣: ١٥ ص ٤١: ٣٤
أَحْيَيْتَنَا إن المصريين شعروا بأن يوسف أحسن إليهم كثيراً بما فعله وإن كان قد جعلهم بمنزلة عبيد للملك فقد حررهم من كثير من صنوف العبودية كالعبودية للأمراء والحكام وغيرهم ولا شك في أنهم رأوا نير الملك أخف من نير مَن منهم دونه كثيراً.
إسرائيل في مصر
٢٧ – ٢٩ «٢٧ وَسَكَنَ إِسْرَائِيلُ فِي أَرْضِ مِصْرَ فِي أَرْضِ جَاسَانَ، وَتَمَلَّكُوا فِيهَا وَأَثْمَرُوا وَكَثُرُوا جِدّاً. ٢٨ وَعَاشَ يَعْقُوبُ فِي أَرْضِ مِصْرَ سَبْعَ عَشَرَةَ سَنَةً. فَكَانَتْ أَيَّامُ يَعْقُوبَ، سِنُو حَيَاتِهِ مِئَةً وَسَبْعاً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً. ٢٩ وَلَمَّا قَرُبَتْ أَيَّامُ إِسْرَائِيلَ أَنْ يَمُوتَ دَعَا ٱبْنَهُ يُوسُفَ وَقَالَ لَهُ: إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَضَعْ يَدَكَ تَحْتَ فَخْذِي وَٱصْنَعْ مَعِي مَعْرُوفاً وَأَمَانَةً. لاَ تَدْفِنِّي فِي مِصْرَ».
ع ١١ ص ٣٤: ١٠ ص ٤٦: ٣ تثنية ٣١: ١٤ و١ملوك ٢: ١ ص ٢٤: ٢ ص ٢٤: ٤٩
وَلَمَّا قَرُبَتْ أَيَّامُ إِسْرَائِيلَ أَنْ يَمُوتَ عاش يعقوب سبع عشرة سنة في مصر ورأى نمو نسله ونجاحه بعناية يوسف. وكان ذلك النسل على مدخل مصر من بلاد العرب وفلسطين فكان ينمو بذلك على توالي الأيام بما ينضم إليه من المهاجرين الساميين فعمرت بهم البلاد وكثر خيرها وخصبها إذ حرثوها وزرعوها وبذلوا العناية في إصلاحها وتعميرها. ثم شعر يعقوب بقرب الأجل مع أنه لم يكن في حال يتوقع فيها الموت سوى الكبر وكان يشتهي أن يموت في حياة يوسف. فأرسل إلى يوسف واستحلفه أن يحمل آثاره إلى مغارة المكفيلة ثم سأل كل بنيه ذلك (ص ٤٩: ٢٩ – ٣٢). ولا حاجة أن نسأل عن علّة ذلك إذا ذكرنا أن يعقوب كان شديد الحب لآله وإن المكفيلة كانت مدفن أقرب الناس إليه. وكان لم يفتأ يذكر راحيل وذكر دفنه إياها في أرض كنعان منفردة (ص ٤٨: ٧) وهذا كان مما زاد أحزانه على فقده إياها. وكان هنالك مدفن جده إبراهيم المحبوب الذي عرفه وهو صغير ومدفن أبيه إسحاق ومدفن ليئة التي لا ريب في أنها كانت تعزيه على وفاة أختها وإنها جذبت محبته إليها فبالطبع كان يحب كثيراً أن يُدفن بين أولئك.
فَضَعْ يَدَكَ تَحْتَ فَخْذِي (انظر تفسير ص ٢٤: ٢).
٣٠، ٣١ «٣٠ بَلْ أَضْطَجِعُ مَعَ آبَائِي. فَتَحْمِلُنِي مِنْ مِصْرَ وَتَدْفِنُنِي فِي مَقْبَرَتِهِمْ. فَقَالَ: أَنَا أَفْعَلُ بِحَسَبِ قَوْلِكَ. ٣١ فَقَالَ: ٱحْلِفْ لِي. فَحَلَفَ لَهُ. فَسَجَدَ إِسْرَائِيلُ عَلَى رَأْسِ ٱلسَّرِيرِ».
٢صموئيل ١٩: ٣٧ ص ٥٠: ٢٥ ص ٢٣: ٢٠ و٤٩: ٢٩ و٥٠: ٥ و١٣ ص ٥٠: ٥ و٢٥ ص ٤٨: ٢ و٤٩: ٣٣ و١ملوك ١: ٤٧ وعبرانيين ١١: ٢١
فَسَجَدَ إِسْرَائِيلُ عَلَى رَأْسِ ٱلسَّرِيرِ في الترجمة السبعينية والترجمة السريانية «على رأس عصاه» وعن السبعينية أخذ كاتب الرسالة إلى العبرانيين (عبرانيين ١١: ٢١) والكلمة العبرانية بقطع النظر عن الحركات تحتمل المعنيين الفراش (أو السرير) والعصا. والحركات في العبرانية حديثة كما ذُكر في تفسير (ص ٢٢: ١٤). وعلى أن سجوده على رأس فراشه للصلاة أنسب من سجوده على عصاه أمام يوسف فإن سجد للشكر لله على ما وعده يوسف به وعلى حفظه إياه حتى رآه وعلى وفاته مبتهجاً تنزل شيبته بفرح لا بحزن إلى الهاوية.
السابق |
التالي |