سفر التكوين

سفر التكوين | 16 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر التكوين 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ عَشَرَ

ابن الجارية

١ «وَأَمَّا سَارَايُ ٱمْرَأَةُ أَبْرَامَ فَلَمْ تَلِدْ لَهُ. وَكَانَتْ لَهَا جَارِيَةٌ مِصْرِيَّةٌ ٱسْمُهَا هَاجَرُ»

ص ١٥: ٢ و٣ ص ٢١: ٩ وغلاطية ٤: ٢٤

وَأَمَّا سَارَايُ الخ تاريخ أبرام في أنباء مختصرة متوالية يظن أنه هو كاتبها. ومع أن ورق البردي المعروف في بعض اللغات الأعجمية بالبابير كان معروفاً في أور الكلدانيين على ما أثبته علماء العاديات. كان الأقدموت لقلة مواد الكتابة العادية يكتفون بأن يكتبوا ما يريدون كتابته بما أمكن من الاختصار على اللبن ويشوونه كألواح الآجر التي أُتي بها من أُور وحُفظ كثير منها في المشهد البريطاني ولكن الجانب الأعظم منها في المشهد العثماني في الأستانة فهنالك نحو ٣٥٠٠٠ لوح. وقد أُثبت إن بعضها صُنع وكُتب قبل عهد أبرام. وأتى ما فيها مصدقاً لما في كتابه تعالى. فانظر في تلك العناية الأزلية التي أقامت لك في هذا العصر عصر الشكوك الحجارة شهوداً بصحة ما سُطر على صفحات الوحي.

هَاجَرُ في العبرانية «هجر» قال بعضهم وهو فعل عربي معناه هرب ولكن الذي في العربي إن الهجر الترك والإعراض. ولا يثبت أن هذا الاسم عربي ما لم يثبت أنها عربية هاجرت إلى مصر ثم أتت إلى أبرام. والظاهر أنها مصرية ولعل اسمها باللغة المصرية القديمة يعني الهرب أو الإباق.

٢ «فَقَالَتْ سَارَايُ لأَبْرَامَ: هُوَذَا ٱلرَّبُّ قَدْ أَمْسَكَنِي عَنِ ٱلْوِلاَدَةِ. ٱدْخُلْ عَلَى جَارِيَتِي لَعَلِّي أُرْزَقُ مِنْهَا بَنِينَ. فَسَمِعَ أَبْرَامُ لِقَوْلِ سَارَايَ».

ص ٢٠: ١٨ و٣٠: ٢ و١صموئيل ١: ٥ و٦ ص ٣٠: ٣ و٦ ص ٣: ١٧

أُرْزَقُ مِنْهَا بَنِينَ قال بعض علماء اللغات الساميّة إن الابن فيها من البناء لأن الأبناء هم الذين كانوا يبنون البيوت لأن معنى العبارة في العبرانية «ابني بها» أي أحصل على بنين يبنون بيتي ولهذا سُميّت الأسرة بالبيت (ص ٧: ١). وهذا هو الرابط بين البناء وهبة الأولاد في (مزمور ١٢٧). ولأن الجارية كانت مُلك سيدتها حسبت أولادها من زوج سيدتها أولاد سيدتها (ص ٣٠: ٣). كان سارة قد يئست من أن تلد لأنها كانت قد بلغت سن الخامسة والسبعين وكانت موعودة بأن يرث نسلها أرض كنعان فرأت إن ذلك النسل يكون من جاريتها. وإذا نظرنا إلى هذا العمل نظراً أدبياً قلنا إن شريعة الزيجة الأصلية أن يكون للرجل امرأة واحدة (ص ٢: ٢٤). وتكلم الكتاب على من أخذ امرأتين معاً بياناً أنه خالف السنة الحقة إذ كان أول من ذكره من معددي الزوجات رجلاً من نسل قايين (ص ٢: ٢٤). ومن ثم كثر ذلك حتى صار من المعتاد بين كل أولاد أبرام ولكنه غلب أن لا يتزوجوا غير واحدة إلا لداع كما كان من أمر أبرام. والدين المسيحي منع ذلك كل المنع.

٣ «فَأَخَذَتْ سَارَايُ ٱمْرَأَةُ أَبْرَامَ هَاجَرَ ٱلْمِصْرِيَّةَ جَارِيَتَهَا، مِنْ بَعْدِ عَشَرِ سِنِينَ لإِقَامَةِ أَبْرَامَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَأَعْطَتْهَا لأَبْرَامَ رَجُلِهَا زَوْجَةً لَهُ».

ص ١٢: ٥

عَشَرِ سِنِينَ لإِقَامَةِ أَبْرَامَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ فكان حينئذ في سن الخامسة والثمانين (ع ١٦ وص ١٢: ٤). وهذا التأخر كان محنة لإيمانه وحمله وحمل ساراي على ظن أن النسل الموعود به يكون بواسطة أخرى.

٤ «فَدَخَلَ عَلَى هَاجَرَ فَحَبِلَتْ. وَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ صَغُرَتْ مَوْلاَتُهَا فِي عَيْنَيْهَا».

أمثال ٣٠: ٢١ و٢٣

صَغُرَتْ مَوْلاَتُهَا لم تكن هاجر جارية أبرام بل جارية ساراي كما ذُكر آنفاً وكانت نائبة عن ساراي وصارت حينئذ في المقام الثاني بالنظر إلى ساراي لنسبتها الجديدة إلى أبرام لكنها لم تزل جارية ساراي. أما هي فلم تكترث بذلك بل أخذت تحاول الاستيلاء على مولاتها والاستبداد بالبيت وطرد ساراي منه أو عزلها ناحية كأنها هي زوج أبرام الشرعية وكأن ساراي الجارية (أمثال ٣٠: ٢٢ و٢٣).

٥ «فَقَالَتْ سَارَايُ لأَبْرَامَ: ظُلْمِي عَلَيْكَ! أَنَا دَفَعْتُ جَارِيَتِي إِلَى حِضْنِكَ، فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ صَغُرْتُ فِي عَيْنَيْهَا. يَقْضِي ٱلرَّبُّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ».

إرميا ٥١: ٣٥ ص ٣١: ٥٣ و١صموئيل ٢٤: ١٢

ظُلْمِي عَلَيْكَ… يَقْضِي ٱلرَّبُّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أي أنت مطالَب بظلمي. إن ساراي أنكرت نفسها إكراماً لأبرام فكان من هاجر أنها استهانت بها فلو رضي أبرام ذلك كان هو الظالم.

٦ «فَقَالَ أَبْرَامُ لِسَارَايَ: هُوَذَا جَارِيَتُكِ فِي يَدِكِ. ٱفْعَلِي بِهَا مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكِ. فَأَذَلَّتْهَا سَارَايُ، فَهَرَبَتْ مِنْ وَجْهِهَا».

أمثال ١٥: ١ و١بطرس ٣: ٧ أيوب ٢: ٦ ومزمور ١٠٦: ٤١ و٤٢ وإرميا ٣٨: ٥ ص ٣١: ٥ خروج ٢: ١٥

فَأَذَلَّتْهَا سَارَايُ أي ردتها إلى الحال التي كانت عليها. جرى أبرام على سنن العدل لأن هاجر جارية ساراي فكان لها أن تتسلط عليها على أن رد ساراي لها إلى حال العبودية كان صعباً عليها ولكن كان لساراي الحق (انظر ع ٩). وأظهرت هاجر بهربها حبها للحرية التي ورثها اسماعيل منها وأتت ما يوافق معنى اسمها (أي هرب انظر تفسير ع ١).

٧ «فَوَجَدَهَا مَلاَكُ ٱلرَّبِّ عَلَى عَيْنِ ٱلْمَاءِ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ، عَلَى ٱلْعَيْنِ ٱلَّتِي فِي طَرِيقِ شُور».

ص ٢٢: ١١ و٣١: ١١ وخروج ٣: ٢ وإشعياء ٦٣: ٩ وزكريا ١: ١١ ص ٢٠: ١ و٢٥: ١٨ وخروج ١٥: ٢٢

مَلاَكُ ٱلرَّبِّ في العبرانية «ملاك يهوه» سيأتي الكلام على هذا الملاك في نهاية تفسير هذا السفر.

ٱلْبَرِّيَّةِ… فِي طَرِيقِ شُورَ هذا يدل أنها في الطريق المعتادة الممتدة من حبرون إلى مصر. والبرية هنا برية فاران التي فيها قادش. وكانت العين التي جلست عندها هاجر في طريق شور وهي البرية التي شرقي مصر التي هي حدود بلاد الإسماعيليين (ص ٢٥: ١٨) والعمالقة (١صموئيل ١٥: ٧ و٢٧: ٨) وتتصل بالبحر الأحمر (خروج ١٥: ٢٢ وعدد ٣٣: ٨) واسمها اليوم جعفر.

٨ «وَقَالَ: يَا هَاجَرُ جَارِيَةَ سَارَايَ، مِنْ أَيْنَ أَتَيْتِ، وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَبِينَ؟. فَقَالَتْ: أَنَا هَارِبَةٌ مِنْ وَجْهِ مَوْلاَتِي سَارَايَ».

مَوْلاَتِي استهانت بساراي وهربت منها ولم تزل تدعوها مولاتها وهذا دليل على أن مصيرها زوجة لأبرام لم يبطل كونها أَمة لساراي. والظاهر أن ساراي أثقلت عليها القصاص فنظر الله إلى ذلها.

٩ «فَقَالَ لَهَا مَلاَكُ ٱلرَّبِّ: ٱرْجِعِي إِلَى مَوْلاَتِكِ وَٱخْضَعِي تَحْتَ يَدَيْهَا».

ٱخْضَعِي أي سلمي الأمر لساراي وارضي المقام الذي ردتك إليه. وهذا دليل على أن ساراي لم تظلم هاجر.

١٠ «وَقَالَ لَهَا مَلاَكُ ٱلرَّبِّ: تَكْثِيراً أُكَثِّرُ نَسْلَكِ فَلاَ يُعَدُّ مِنَ ٱلْكَثْرَةِ».

ص ١٧: ٢٠ و٢١: ١٨ و٢٥: ١٢

أُكَثِّرُ نَسْلَكِ هذا بيان قصد الله بظهوره لها فإنه تعالى لم يرد أن تذهب هاجر إلى مصر ليضيع نسل أبرام منها بين أمم مصر المنحطة ويكون عبداً كأمه بل أراد أن يحرّره ليكون أبرام أبا شعب حرّ وأن هاجر لا تبقى أَمة مدة الحياة بل تتحرر ويكون نسلها حراً.

١١ «وَقَالَ لَهَا مَلاَكُ ٱلرَّبِّ: هَا أَنْتِ حُبْلَى، فَتَلِدِينَ ٱبْناً وَتَدْعِينَ ٱسْمَهُ إِسْمَاعِيلَ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ سَمِعَ لِمَذَلَّتِكِ».

ص ١٧: ١٩ ومتّى ١: ٢١ ولوقا ١: ١٣ و٣١

إِسْمَاعِيلَ أي «الله يسمع» كان إسماعيل كصموئيل في أن أُخذ اسمه من حوادث حياة أمه لا من شيء في نفسه. وتسمية الأولاد في سفر التكوين متنوعة.

١٢ «وَإِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَاناً وَحْشِيّاً، يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ، وَأَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ يَسْكُنُ».

ص ٢١: ٢٠ ص ٢٥: ١٨

ي يَكُونُ إِنْسَاناً وَحْشِيّاً وفي العبرانية «يهيه فرا آدم» أي «يكون إنساناً كالفراء» أي حمار الوحش. والفراء في البرية العربية مخلوق جليل مكرم (وعلى هذا جاء في أمثالهم «كل الصيد في جوف الفراء» أي من يصيد الفراء لا يبالي بفوت البواقي). وجاء في سفر أيوب من الأدلة على عظمة الله (أيوب ٣٩: ٥ – ٨). ومن خواصه أنه سريع العدو يحب العزلة والحرية. وهو أحسن مثال لعرب البادية. فإنهم يحبون الجولان في البوادي ويكرهون عيش الرخاء ولذّات أهل الحضر.

يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وهذا شأن أهل البادية فهم لا يحالفون ولا يخضعون لشريعة ويعتقدون الغزو والنهب من الربح الحلال في أي طريق من الطرق.

أَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ يَسْكُنُ أي أنه يكون مستقلاً وتكون القبائل التي تنسل منه حرة تجاه سائر نسل أبرام. ورأى كثيرون من المفسرين أن معنى ذلك أنه يسكن شرقي إخوته. وجاءت الكلمة في هذا المعنى في (ص ٢٥: ٦) ولكن هذا التفسير ينافي ما جاء في (ص ٢٥: ١٨).

١٣ «فَدَعَتِ ٱسْمَ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ مَعَهَا: أَنْتَ إِيلُ رُئِي. لأَنَّهَا قَالَتْ: أَهٰهُنَا أَيْضاً رَأَيْتُ بَعْدَ رُؤْيَةٍ؟».

ص ٣٢: ٣٠ وخروج ٢٤: ١١ و٣٣: ٢٠ وقضاة ٦: ٢٢ و٢٣ و١٣: ٢٢

أَنْتَ إِيلُ رُئِي أي إله الرية لا «أنت الله الذي يرى كل شيء» كما قال أُنكيلوس. والمعنى «أنت الله الذي رضيت بأن تُرى». على أن هاجر جاءت الإيجاز الذي أولع به الأعراب. وبسط معنى عبارتها أن الله لم يتركني لأنه ظهر لي وها أنا أراه فأنا في الحياة صحيحة الحواس والعقل.

١٤ «لِذٰلِكَ دُعِيَتِ ٱلْبِئْرُ «بِئْرَ لَحَيْ رُئِي». هَا هِيَ بَيْنَ قَادِشَ وَبَارَدَ».

ص ٢٤: ٦٢ و٢٥: ١١ ص ١٤: ٧ وعدد ١٣: ٢٦

بِئْرَ لَحَيْ رُئِي أي بئر الرؤية الحيوية أي رؤيتها الله وهي حية أو البئر التي حيث رُئي الله والرائي لم يزل حياً. وكان هذا الموضع بعد ذلك سكن إسحاق (ص ٢٥: ١١) وكان كثير المراعي. ولم يُعرف مكان تلك البئر تمام المعرفة (وظن بعضهم أنها ما يُعرف اليوم بعين مويلح).

قَادِشَ (انظر تفسير ص ١١: ٤).

بَارَدَ لم يزل هذا المكان مجهولاً على قول بين سمث (ولكن ذهب بعضهم أنه «الخلاصة» على أمد أربعة فراسخ جنوبي بئر سبع). وظنّه غيرهم البُريد وهو الأقرب بالنظر إلى الاسم. ومعنى «بارد» برد ورسمه في العبرانية «برد».

١٥ «فَوَلَدَتْ هَاجَرُ لأَبْرَامَ ٱبْناً. وَدَعَا أَبْرَامُ ٱسْمَ ٱبْنِهِ ٱلَّذِي وَلَدَتْهُ هَاجَرُ «إِسْمَاعِيلَ».

غلاطية ٤: ٢٢ ع ١١

وَدَعَا أَبْرَامُ ٱسْمَ ٱبْنِهِ… إِسْمَاعِيلَ (كما قال الملاك لهاجر ع ١١).

١٦ «كَانَ أَبْرَامُ ٱبْنَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ سَنَةً لَمَّا وَلَدَتْ هَاجَرُ إِسْمَاعِيلَ لأَبْرَامَ».

كَانَ أَبْرَامُ ٱبْنَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ سَنَةً الخ (وكان ابن مئة سنة يوم وُلد إسحاق فيكون إسماعيل أكبر من إسحاق بنحو ١٤ سنة انظر ص ٢١: ٥).

السابق
التالي

 

زر الذهاب إلى الأعلى