سفر التكوين | 14 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر التكوين
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعَ عَشَرَ
غزوة كدر لعومر وادي الأردن
١ «وَحَدَثَ فِي أَيَّامِ أَمْرَافَلَ مَلِكِ شِنْعَارَ، وَأَرْيُوكَ مَلِكِ أَلاَّسَارَ، وَكَدَرْلَعَوْمَرَ مَلِكِ عِيلاَمَ، وَتِدْعَالَ مَلِكِ جُويِيمَ».
ص ١٠: ١٠ و١١: ٢ إشعياء ١١: ١١
وَحَدَثَ إن نبإ اختيار لوط أرض الدائرة وتوطنه فيها اقترن به نبأ أو قصة من أغرب أنباء الكتاب المقدس وهذه القصة مأخوذة إما من القصص الكنعانية وإما من القصص البابلية على ما رأى سَيس في الكلام على التكوين الكلداني. وهذا الرأي أي قول سَيس هو الأرجح لأن أمرافل مع أنه من الملوك الخاضعين ذُكر أولاً. وذِكر إبراهيم بأنه «أبرام العبراني» يدل على أن القصة أجنبية وإن موسى بوحي إليه استعار هذا النبأ بناء على صحته.
وفي هذه القصة أنباء مفيدة وهي نبأ اضطراب لوط وقلقه ومصابه من سكناه بين الأشرار. ونبأ نهب المدن وشجاعة أبرام وقوته ومعروفه للملوك الذين أنقذهم ونسبة أبرام إلى الأموريين الذين كان بينهم وبيان أنه كان في فلسطين يومئذ أناس من الساميين يعبدون «الله العلي» وإن ملكهم كان من أشرف ملوك العهد القديم. والنبأ الربي أو اليهوهي لأن إبراهيم دعا الله «يهوه إلوهيم» أي الرب الإله. وسيأتي الكلام على كدر لعومر ملك عيلام وغيره في أواخر هذا السفر.
أَمْرَافَلَ هذا اسم أكادي وُجد مكتوباً على الأساطين البابلية ومعناه «دائرة السنة».
شِنْعَارَ (انظر ص ١٠: ١٠).
أَرْيُوكَ معناه في الأكادية «عبد القمر» فإن القمر عند الأكاديين إله.
أَلاَّسَارَ مدينة اللارسا وتسمّى اليوم سنكيره وهي على عدوة الفرات اليسرى في بابل السفلي وُجد فيها عدت ألواح محفوظة اليوم في المشهد البريطاني.
كَدَرْلَعَوْمَرَ مَلِكِ عِيلاَمَ نعلم من الكتابات الأشورية إن معنى «كدر» عبد وإن «لعومر» اسم إله العيلاميين فكان عندهم بمنزلة «عبد الله» عندنا. وسيأتي الكلام عليه في آخر هذا السفر.
تِدْعَالَ وفي ترجمة السبعين «ثرغال» أي ترغال ومعناه الابن الأكبر على قول سِيس. وجاء في السريانية أنه ترغيل ملك غيلا وجاء لفظ غيلا غلطاً من قراءة غوييم أو جوييم غيليم. وهذه اللفظة لا تعني أمماً لأنها هنا علم شخصي حُرّفت قديماً فجاءت في الكتابات العادّية «غتيوم» وهي الأرض الممتدة من دجلة إلى حدود ميديا الشرقية.
٢ « أَنَّ هٰؤُلاَءِ صَنَعُوا حَرْباً مَعَ بَارَعَ مَلِكِ سَدُومَ، وَبِرْشَاعَ مَلِكِ عَمُورَةَ، وَشِنْآبَ مَلِكِ أَدْمَةَ، وَشِمْئِيبَرَ مَلِكِ صَبُويِيمَ، وَمَلِكِ بَالَعَ (ٱلَّتِي هِيَ صُوغَرُ)».
تثنية ٢٩: ٢٣ ص ١٩: ٢٢
بَارَعَ مَلِكِ سَدُومَ معنى «بارع» ابن الشرير. والمرجّح إن سكان دائرة الأردن إما كنعانيون أتوا من شاطئ البحر أو حاميون أتوا من الشرق وهذا الأرجح.
٣ «جَمِيعُ هٰؤُلاَءِ ٱجْتَمَعُوا مُتَعَاهِدِينَ إِلَى عُمْقِ ٱلسِّدِّيمِ (ٱلَّذِي هُوَ بَحْرُ ٱلْمِلْحِ)».
عدد ٣٤: ١٢ وتثنية ٣: ١٧ ويشوع ٣: ١٦
جَمِيعُ هٰؤُلاَءِ ٱجْتَمَعُوا مُتَعَاهِدِينَ تحالفوا على الهجوم والدفاع. فالمحالفة بين خسمة ملوك كما كانت المعاهدة الفلسطينية المذكورة في سفر صموئيل الأول (١صموئيل ٦: ١٦ – ١٨).
عُمْقِ ٱلسِّدِّيمِ قال المستر كندر لا يزال العرب إلى الآن يسمون سلسلة الصخور الطباشيرية الممتدة جنوب سهل أريحا بالسدّ وهو واحد السديم بالعبرانية وهذا على وفق ما قاله ابن عزرا فإنه قال معنى «السد طباشير».
ٱلَّذِي هُوَ بَحْرُ ٱلْمِلْحِ أي بحر لوط ولهذا رأى بعض المفسرين أن بحر الملح ابتلع سدوم فسمي «عمق السديم» أي عمق سدوم. ولكن هذا لم يُذكر في (ص ١٩) ولم يُذكر أن إبراهيم رأى سدوم تهبط في بحر الملح بل إنه رأى دخان الأرض يصعد كدخان الأتون (ص ١٩: ٢٨). (والمرجح أن معنى «عمق السديم» عمق الأسداد أو بحر الأسداد جمع سد وهو الحاجز وهذا موافق للعبرانية والعربية). وأراد «بعمق السديم» كل دائرة الأردن مجازاً (كما تقول بحر الروم وتريد البلاد المجاورة له ووادي بردى ووادي النيل وتريد ما فيهما من البلاد والقرينة على ذلك إن أولئك الملوك لم يجتمعوا إلى عمق السديم ويحاربوا فيه (ع ٨) بل إلى الأرض المجاورة له).
٤ «اِثْنَتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً ٱسْتُعْبِدُوا لِكَدَرْلَعَوْمَرَ، وَٱلسَّنَةَ ٱلثَّالِثَةَ عَشَرَةَ عَصَوْا عَلَيْهِ».
ٱسْتُعْبِدُوا أي أدوا الجزية كل سنة ليُعفوا من غزوات كدرلعومر (انظر ٢ملوك ١٨: ٧). ولا بد من أن السفراء كانت تذهب أحياناً من وادي الأردن إلى شنعار.
٥ «وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلرَّابِعَةَ عَشَرَةَ أَتَى كَدَرْلَعَوْمَرُ وَٱلْمُلُوكُ ٱلَّذِينَ مَعَهُ وَضَرَبُوا ٱلرَّفَائِيِّينَ فِي عَشْتَارُوثَ قَرْنَايِمَ، وَٱلزُّوزِيِّينَ فِي هَامَ، وَٱلإِيمِيِّينَ فِي شَوَى قَرْيَتَايِمَ».
ص ١٥: ٢٠ وتثنية ٣: ١١ يشوع ١٢: ٤ و١٣: ١٢ تثنية ٢: ١٠ و١١
ٱلرَّفَائِيِّينَ هم قبيلة من الأموريين ونُعت الأموري بأنه «قَامَتُهُ مِثْلُ قَامَةِ ٱلأَرْزِ، وَهُوَ قَوِيٌّ كَٱلْبَلُّوطِ» (عاموس ٢: ٩). وكانوا أقوياء طوال القدود وكانوا يسكنون باشان حين غلبهم موسى (يشوع ١٣: ١٢ وعدد ٢١: ٣٤ و٣٥). وكانوا أيضاً على العدوة الأخرى من الأردن في جبل أفرايم (يشوع ١٧: ١٥) وغربي أورشليم (يشوع ١٥: ٨ و١٨: ١٦ و٢صموئيل ٥: ١٨ و٢٢) وبين الفلسطينين (٢صموئيل ٢١: ١٦ و١٨). وذُكر أن رئيسهم أو ملكهم أموري (يشوع ٩: ١٠). ورأى بعضهم من ذكرهم في تلك الأماكن أنهم من أقدم سكان تلك الأرض وأنه لم يكن من الأموريين سوى ملوكهم (فتكون الأمورية طارئة عليهم).
عَشْتَارُوثَ قَرْنَايِمَ أي عشترت أو أسترت زُهرة الفينيقيين ومعنى «قرنايم» قرنان فيكون المعنى زهرة القرنين أو الزُهرة ذات القرنين (والظاهر أنهم سموها كذلك من مشاهدتهم إياها مقترنة بالقمر وهو هلال يكتنفها طرفاه فيكونان لها كالقرنين). ولا ريب في أن الذين أدخلوا عبادتها تلك الأرض هم الأموريون. وكانت مدينة عشتاروت قرنايم عاصمة مملكة عوج (تثنية ١: ٤). وسُميت في بعض سفر يشوع «بعشترة» أي بيت عشترة وهي عشتروت أو عشتارت (يشوع ٢١: ٢٧). ولم يزل إلى الآن مكان في حوران يُسمى تل عشترة على أمد فرسخين من أذرعي القديمة (المعروفة اليوم بأذرع).
وَٱلزُّوزِيِّينَ وسموا الزمزميين أيضاً (تثنية ٢: ٢٠). وتبين أنهم رفائيون ولعلهم قبيلة منحطة من الرفائيين. وعاصمة أرضهم هام وهي على غاية ستة أميال من بحر لوط شرقاً وجنوباً واسمها اليوم هميتات.
ٱلإِيمِيِّينَ هم رفائيون كالعناقيين لكن المؤآبيين يدعونهم إيميين (تثنية ٢: ١٠ و١١).
فِي شَوَى قَرْيَتَايِمَ أو في سهل قريتايم. وكانت هذه المدينة في سهم رأوبين (عدد ٣٢: ٣٧) شرقي الأردن يسكنها الموآبيون (إرميا ٤٨: ١) وكانوا قد أخذوها من الإيميين.
٦ «وَٱلْحُورِيِّينَ فِي جَبَلِهِمْ سَعِيرَ إِلَى بُطْمَةِ فَارَانَ ٱلَّتِي عِنْدَ ٱلْبَرِّيَّةِ».
تثنية ٢: ١٢ و٢٢ ص ٢١: ٢١ وعدد ١٢: ١٦ و١٣: ٣ و٢٦
ٱلْحُورِيِّينَ أي سكان الكهف موطنهم الأصلي جبل سعير ثم غلبهم الأدوميون (تثنية ٢: ١٢ و٢٢). وذُكر ما عليه سكان الكهوف من سوء الحال في سفر أيوب (أيوب ٣٠: ٣ – ٨).
بُطْمَةِ فَارَانَ هي أجمة من البطم على أمد ثلاث مراحل من سيناء أو مسيرة ثلاثة أيام (عدد ١٠: ١٢ و٣٣) و(البطم شجر في حكم الفستق والبلوط سبط الأوراق والخطب حبه مفرطح في عناقيد كالفلفل عليه قشر أخضر داخله آخر حشبي يحوي اللب كالفستق وهو عند النباتيين من الفصيلة السماقية ويُطعم بالفستق).
٧ «ثُمَّ رَجَعُوا وَجَاءُوا إِلَى عَيْنِ مِشْفَاطَ (ٱلَّتِي هِيَ قَادِشُ). وَضَرَبُوا كُلَّ بِلاَدِ ٱلْعَمَالِقَةِ، وَأَيْضاً ٱلأَمُورِيِّينَ ٱلسَّاكِنِينَ فِي حَصُّونَ تَامَارَ».
عدد ٢٠: ١ و١٦ ٢أيام ٢٠: ٢
رَجَعُوا أي انحرفوا إلى الغرب الشمالي. وفي هذا تظهر حذاقتهم في سياستهم العسكرية لأنهم أخضعوا أولاً كل القبائل المجاورة التي كان يمكن أهل سدوم أن يستعينوا بها ثم تقدموا على الملوك المتحدة.
عَيْنِ مِشْفَاطَ أي ينبوع العدل سُميت بذلك لأن السكان الأقدمين اجتمعوا هنالك لإيفاء كل حقه قطعاً للحرب والخصام. وسُميت أيضاً قادش وفيها ينبوع عظيم جداً أو عين قادس كما قال الأستاذ بلمر. وكانت قوية حصينة ومركز الحكومة فعُدت مقدسة ولذلك سُميت قادش «قدش» أي قدس وزارها طرمبول الأميركاني سنة ١٨٨١.
ٱلْعَمَالِقَةِ قبيلة من الرحل ضربها شاول «مِنْ حَوِيلَةَ حَتَّى مَجِيئِكَ إِلَى شُورَ ٱلَّتِي مُقَابِلَ مِصْرَ» (١صموئيل ١٥: ٧) لكنهم كانوا هنا في جنوب يهوذا.
حَصُّونَ تَامَارَ أي قطف التمر أو قطع النحل وهي «عين جدي» (٢أيام ٢٠: ٢) وهي المكان الذي كان يعجب به سليمان (نشيد الأنشاد ١: ١٤). وهو مركز مهم في الحركات الجندية.
٨، ٩ «٨ فَخَرَجَ مَلِكُ سَدُومَ، وَمَلِكُ عَمُورَةَ، وَمَلِكُ أَدْمَةَ، وَمَلِكُ صَبُويِيمَ، وَمَلِكُ بَالَعَ (ٱلَّتِي هِيَ صُوغَرُ)، وَنَظَمُوا حَرْباً مَعَهُمْ فِي عُمْقِ ٱلسِّدِّيمِ. ٩ مَعَ كَدَرْلَعَوْمَرَ مَلِكِ عِيلاَمَ، وَتِدْعَالَ مَلِكِ جُويِيمَ، وَأَمْرَافَلَ مَلِكِ شِنْعَارَ، وَأَرْيُوكَ مَلِكِ أَلاَّسَارَ. أَرْبَعَةُ مُلُوكٍ عَلَى خَمْسَةٍ».
نَظَمُوا حَرْباً مَعَهُمْ فِي عُمْقِ ٱلسِّدِّيمِ هذه العبارة دليل على أن المقصود «بعمق السديم» كل دائرة الأردن (انظر تفسير ع ٣).
١٠ – ١٢ «١٠ وَعُمْقُ ٱلسِّدِّيمِ كَانَ فِيهِ آبَارُ حُمَرٍ كَثِيرَةٌ. فَهَرَبَ مَلِكَا سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَسَقَطَا هُنَاكَ، وَٱلْبَاقُونَ هَرَبُوا إِلَى ٱلْجَبَلِ. ١١ فَأَخَذُوا جَمِيعَ أَمْلاَكِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَجَمِيعَ أَطْعِمَتِهِمْ وَمَضَوْا. ١٢ وَأَخَذُوا لُوطاً ٱبْنَ أَخِي أَبْرَامَ وَأَمْلاَكَهُ وَمَضَوْا، إِذْ كَانَ سَاكِناً فِي سَدُومَ».
ص ١١: ٣ ص ١٩: ١٧ و٣٠ ع ١٦ و٢١ ص ١٢: ٥ ص ١٣: ١٢
حُمَرٍ القار المعدني وهو كالزفت قوامه كقوام القطران ويُعرف بقفر اليهود وقار اليهود ولم يزل على شاطئ بحر لوط الغربي ولم تزل آثار الآبار هناك كما في حاصبيا في أيامنا.
١٣ «فَأَتَى مَنْ نَجَا وَأَخْبَرَ أَبْرَامَ ٱلْعِبْرَانِيَّ. وَكَانَ سَاكِناً عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا ٱلأَمُورِيِّ، أَخِي أَشْكُولَ وَأَخِي عَانِرَ. وَكَانُوا أَصْحَابَ عَهْدٍ مَعَ أَبْرَامَ».
ص ١٣: ١٨ ع ٢٤
فَأَتَى مَنْ نَجَا أي أتى كل الناجين إلى حيث كان أبرام لما كانت سدوم في الغرب الشمالي من بحر لوط كانت الكورة التي فيها أبرام أقرب ملجإ لهم ومما يهربون إليه طبعاً.
أَبْرَامَ ٱلْعِبْرَانِيَّ أي الذي عبر إلى هذه الأرض من عبر الفرات ويصح أن يكون وُصف «بالعبراني» من عابر الذي عبر نهر دجلة. ولا ريب في أن أبرام كان يُعرف بهذا اللقب بين الكنعانيين ولعلهم عرفوا ذلك أولاً من لوط لأنه كان ساكناً بينهم (ع ١٢) واستعمال هذا اللقب دليل على أن لهذا النبإ أصلاً كنعانياً ومن ذلك الأصل أيضاً وُصف لوط في (ع ١٢) بأنه «ابن أخي أبرام».
بَلُّوطَاتِ مَمْرَا… وَكَانُوا أَصْحَابَ عَهْدٍ مَعَ أَبْرَامَ هذا يدل على أن أبرام سكن تلك الأرض برضا الأموريين وأنهم كانوا حلفاءه في الدفاع. و «بلوطات ممرا» أجمة من البلوط عند حبرون أي الخليل.
١٤ «فَلَمَّا سَمِعَ أَبْرَامُ، أَنَّ أَخَاهُ سُبِيَ جَرَّ غِلْمَانَهُ ٱلْمُتَمَرِّنِينَ وِلْدَانَ بَيْتِهِ، ثَلاَثَ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَتَبِعَهُمْ إِلَى دَانَ».
ص ١٣: ٨ ص ١٥: ٣ و١٧: ١٢ و٢٧ وجامعة ٢: ٧ تثنية ٣٤: ١ وقضاة ١٨: ٧ و٢٩
تَبِعَهُمْ إِلَى دَانَ كان في جلعاد مدينة تُسمى دان (تثنية ٣٤: ١). ولكن المرجّح إن دان المذكورة هنا كانت عند أحد مخارج الأردن في سفح جبل حرمون أي جبل الشيخ قرب ما يعرف اليوم بتل القاضي وكانت تُسمى لايش أيضاً (قضاة ١٨: ٢٩). وهي على غاية ١٤٠ ميلاً من حبرون. ورجوع كدرلعومر في هذه الطريق كان يقصد نهب تلك الأراضي المخصبة حول ينابيع الأردن.
١٥، ١٦ «١٥ وَٱنْقَسَمَ عَلَيْهِمْ لَيْلاً هُوَ وَعَبِيدُهُ فَكَسَّرَهُمْ وَتَبِعَهُمْ إِلَى حُوبَةَ ٱلَّتِي عَنْ شِمَالِ دِمَشْقَ. ١٦ وَٱسْتَرْجَعَ كُلَّ ٱلأَمْلاَكِ، وَٱسْتَرْجَعَ لُوطاً أَخَاهُ أَيْضاً وَأَمْلاَكَهُ، وَٱلنِّسَاءَ أَيْضاً وَٱلشَّعْبَ».
١صموئيل ١١: ١١ وأيوب ١: ١٧ إشعياء ٤١: ٢ و٣ ع ١١ و١٢
حُوبَةَ ٱلَّتِي عَنْ شِمَالِ دِمَشْقَ فيكون ساقهم مسافة بعيدة شغل بها زمناً طويلاً. قال يوسيفوس أنه شغل بذلك نهار الغد وليلته. والأرض شمال دمشق كثيرة السهول فكان السير فيها هيناً ولم يستطع أبرام أن يطارد عدوه في السهول.
«أما حوبة فيقول يهود دمشق أنها جوبر وهي قرية على غاية ميلين منها شمالاً».
١٧ «فَخَرَجَ مَلِكُ سَدُومَ لٱسْتِقْبَالِهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ كَسْرَةِ كَدَرْلَعَوْمَرَ وَٱلْمُلُوكِ ٱلَّذِينَ مَعَهُ إِلَى عُمْقِ شَوَى (ٱلَّذِي هُوَ عُمْقُ ٱلْمَلِكِ)».
قضاة ١١: ٣٤ و١صموئيل ١٨: ٦ عبرانيين ٧: ١ ٢صموئيل ١٨: ١٨
عُمْقِ شَوَى أي وادي السهل (انظر تفسير ع ٥) وهو الوادي الذي أقام فيه أبشالوم نصبه (٢صموئيل ١٨: ١٨) وهو شمالي أورشليم. والمرجّح أنه متسع وادي قدرون. وسُمي «وادي الملك» أيضاً ولعله سُمي بذلك لاجتماع الملوك فيه بإبرام الظافر. ورأى انكليوس أنه سمي «بوادي الملك» لأن ملوك يهوذا كانوا يجتمعون فيه مع جيوشهم ويمرنونهم في سهله.
١٨ « وَمَلْكِي صَادِقُ مَلِكُ شَالِيمَ أَخْرَجَ خُبْزاً وَخَمْراً. وَكَانَ كَاهِناً لِلّٰهِ ٱلْعَلِيِّ».
عبرانيين ٧: ١ مزمور ٧٦: ٢ وعبرانيين ٧: ٢ مزمور ١١٠: ٤ وعبرانيين ٥: ٦ ميخا ٦: ٦ وأعمال ١٦: ١٧
مَلْكِي صَادِقُ مَلِكُ شَالِيمَ يوجد مكان اسمه ساليم قرب سيثوبوليس أي بيسان في سهم أفرايم وقرب المكان الذي عمّد يوحنا فيه (يوحنا ٣: ٢٣). وذكر جيروم (إيرونيمس) أن في ذلك المكان أطلال صرح ملكي صادق. وهذا القول غير ثبت وغير مرجح بل غير ملتفت إليه والصحيح أن شاليم أورشليم عينها (مزمور ٧٦: ٢) لأنها كانت على طريق أبرام إلى وطنه على مسافة معقولة من سدوم التي هي في دائرة الأردن كما عرفت على شط بحر لوط الشمالي. وساليم من الأسماء الكثيرة الوجود في مدن فلسطين. وأما قرية ساليم في سهم أفرايم فبعيدة كثيراً فلا يُظن أنها كانت مجتمع أولئك الملوك.
وملكي صادق كان رمزاً إلى المسيح (مزمور ١١٠: ٤ وعبرانيين ٥: ٦ و١٠ و٧: ١ – ١٢). وكان معتبراً كثيراً في سجاياه حتى جاء في التقاليد اليهودية أنه هو سام بن نوح فرفعوه على أبيه إبراهيم. ولكن هذا مخالف لما جاء في رسالة العبرانيين (عبرانيين ٧: ٣). والمرجّح أنه كان ملكاً من سلالة سام وكانت عاصمة ملكه شاليم أو ساليم وهي أورشليم وسُميت مدنية القدس في أيام نحميا (نحميا ١١: ١ انظر قاموس الكتاب المقدس). ولكن اليابوسيين سموها بعدئذ يابوس وهو اسم جدهم (قضاة ١٩: ١٠ و١١). وظلت دار ملك إلى أيام داود (٢صموئيل ٢٤: ٢٣). ولما استولى عليها الإسرائيليون أُعيدت إلى اسمها القديم بزيادة «أور» فصارت أورشليم أي مُلك أو إرث ساليم على ما يرجح. وقال روبنصن أنه من أصل (ירח שלם) أي أساس سلام.
وقيمة كهنوت ملكي صادق الرمزي لا تتوقف على مجرد كون ملكي صادق «ملك البر وملك السلام» بل على كون كهنوته مطلقاُ أيضاً أي غير مقيد برسوم أو نسب أو سبط كالكهنوت اللاوي وكون ملكي صادق كاهناً وملكاً معاً (مزمور ١١٠). وبكونه تقدم على إبراهيم وباركه وأخذ منه العشور فكان كهنوته أعظم من كهنوت كل من نُسل من إبراهيم من الكهنة.
خُبْزاً وَخَمْراً هذا عبارة عن أنواع كل الطعام مائعة وجامدة على أن الغاية منه إنعاش أبرام وجنوده والأسرى الذين فكهم فإنهم كانوا قد أعيوا من تكرار المشي ذهاباً وإياباً بعدما سيقوا من أرضهم. ونرى في ذلك أيضاً شيئاً من الإشارة إلى الخبز والخمر في العشاء الرباني المشيرين إلى جسد المسيح ودمه مع أن الخبز والخمر كانا طعاماً عادياً وشراباً عادياً ولا سيما في مثل تلك الحال لأجل إنعاش المتعبين.
كَاهِناً لِلّٰهِ ٱلْعَلِيِّ «الله العلي» في الأصل العبراني في هذه الآية (אל עלון) (إل عليون). والكاهن هنا لم يسبق ذكره فهذه الآية أول آيات الكتاب التي ذكر فيها. وهذا يستلزم أنه كانت تقدم الذبائح في أورشليم كما أن هابيل وأبرام كانا يقدمان الذبائح على المذابح التي بُنيت قبل هذا الوقت. ونُعت بعد ذلك «بيهوه عليون» أي الرب العلي كما نُعت به «إل» أي الله في (مزمور ٧: ١٧). والمقصود «بالعلي» هنا سيد العالمين المتسلط على كل ما سواه. وهذا يستلزم إن ملكي صادق كان يعبد الله العلي قبل أن يعرف أبرام وإن أبرام لما رفع يده في القسم (ع ٢٢) أعلن لملكي صادق إن الله العلي الذي عبده ملكي صادق هو أيضاً يهوه (الرب) وإن أبرام عرفه بذلك الاسم قبل هذا الوقت بخلاف ملكي صادق.
١٩ «وَبَارَكَهُ وَقَالَ: مُبَارَكٌ أَبْرَامُ مِنَ ٱللهِ ٱلْعَلِيِّ مَالِكِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ».
راعوث ٣: ١٠ و٢صموئيل ٢: ٥ ع ٢٢ ومتّى ١١: ٢٥
وَبَارَكَهُ وَقَالَ: مُبَارَكٌ أَبْرَامُ مِنَ ٱللهِ ٱلْعَلِيِّ مَالِكِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ هذه الآية شعرية كما تدل عليه موازاة العبارات في العبرانية.
مَالِكِ ٱلسَّمَاوَاتِ والخ في العبرانية «قاني السموات» أي خالقها كقانٍ في العربية.
٢٠ «وَمُبَارَكٌ ٱللهُ ٱلْعَلِيُّ ٱلَّذِي أَسْلَمَ أَعْدَاءَكَ فِي يَدِكَ. فَأَعْطَاهُ عُشْراً مِنْ كُلِّ شَيْءٍ».
ص ٢٤: ٢٧ عبرانيين ٧: ٤
ًأَعْطَاهُ عُشْرا قدّس أبرام حربه بتقديم الشكر لله الذي يضره. وبتقديمه «العشر» اعترف بكهنوت ملكي صادق وأن الإله الذي كان يعبده ملكي صادق ويخدمه كان هو الإله الحق (انظر عبرانيين ٧: ٤ – ١١).
٢١ «وَقَالَ مَلِكُ سَدُومَ لأَبْرَامَ: أَعْطِنِي ٱلنُّفُوسَ، وَأَمَّا ٱلأَمْلاَكَ فَخُذْهَا لِنَفْسِكَ».
أَعْطِنِي ٱلنُّفُوسَ الخ لم تزل العادة عند البدو إلى هذا اليوم إن الذي يرد السبي والسلب يُعطي النفوس ويبقي لنفسه ما بقي لكن أبرام لقناعته وإحسانه أبى أن يأخذ شيئاً.
٢٢ «فَقَالَ أَبْرَامُ لِمَلِكِ سَدُومَ: رَفَعْتُ يَدِي إِلَى ٱلرَّبِّ ٱلإِلٰهِ ٱلْعَلِيِّ مَالِكِ ٱلسَّمَاءِ وَٱلأَرْضِ»
خروج ٦: ٨ ودانيال ١٢: ٧ ورؤيا ١٠: ٥ و٦ ع ١٩
رَفَعْتُ يَدِي الخ هذا قسم وهو أول قسم ذُكر في الكتاب المقدس وأول رفع اليد ختماً لذلك.
٢٣ « لاَ آخُذَنَّ لاَ خَيْطاً وَلاَ شِرَاكَ نَعْلٍ وَلاَ مِنْ كُلِّ مَا هُوَ لَكَ، فَلاَ تَقُولُ: أَنَا أَغْنَيْتُ أَبْرَامَ».
لاَ خَيْطاً وَلاَ شِرَاكَ نَعْلٍ هذا مما لا يُنقص مال المعطي شيئاً ومع ذلك أبى أن يأخذه.
٢٤ «لَيْسَ لِي غَيْرَ ٱلَّذِي أَكَلَهُ ٱلْغِلْمَانُ. وَأَمَّا نَصِيبُ ٱلرِّجَالِ ٱلَّذِينَ ذَهَبُوا مَعِي: عَانِرَ وَأَشْكُولَ وَمَمْرَا، فَهُمْ يَأْخُذُونَ نَصِيبَهُمْ».
ع ١٣
لَيْسَ لِي غَيْرَ ٱلَّذِي أَكَلَهُ ٱلْغِلْمَانُ الخ كان الغلمان خدم أبرام كانوا ٣١٨ فهؤلاء لم يصبهم شيء من الغنيمة سوى ما أكلوه من الطعام. وأما الباقون الذين كانوا معهم فهم من الأموريين فأخذوا نصيبهم.
(وكان ترك السلب يُعد عند العرب من شرف النفس وعظمتها وعليه قول عنترة العبسي:
لي النفوس وللطير اللحوم وللوحش العظام وللخيّالة السلب
ولكن هذا لم يكن وحده غاية أبرام من إباءته بل كان معظم غايته دفع المن وهو راجع إلى الإحسان والمروءة وشرف النفس معاً).
ترى هنا من سياسة أبرام أنه حين كان لوط مخالطاً للكنعانيين كان هو منفرداً عنهم ولكنه مستعد للمساعدة في الوقت المناسب. وكذا كانت سياسة نسله فإنهم انفردوا عن الأمم وتوكلوا على الرب وحده لصيانة حريتهم وحقوقهم وكانوا على قدر محافظتهم على ذلك يزيدون سلاماً وأمناً.
السابق |
التالي |