سفر التكوين

سفر التكوين | 13 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر التكوين 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثَ عَشَرَ

رجوع أبرام من مصر وانفصاله عن لوط

١ – ٤ «١ فَصَعِدَ أَبْرَامُ مِنْ مِصْرَ هُوَ وَٱمْرَأَتُهُ وَكُلُّ مَا كَانَ لَهُ وَلُوطٌ مَعَهُ إِلَى ٱلْجَنُوبِ. ٢ وَكَانَ أَبْرَامُ غَنِيّاً جِدّاً فِي ٱلْمَوَاشِي وَٱلْفِضَّةِ وَٱلذَّهَبِ. ٣ وَسَارَ فِي رِحْلاَتِهِ مِنَ ٱلْجَنُوبِ إِلَى بَيْتِ إِيلَ، إِلَى ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي كَانَتْ خَيْمَتُهُ فِيهِ فِي ٱلْبَدَاءَةِ، بَيْنَ بَيْتِ إِيلَ وَعَايَ، ٤ إِلَى مَكَانِ ٱلْمَذْبَحِ ٱلَّذِي عَمِلَهُ هُنَاكَ أَوَّلاً. وَدَعَا هُنَاكَ أَبْرَامُ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ».

ص ١٢: ٩ و٢٠: ١ و٢٤: ٦٢ وعدد ١٣: ٢٩ ص ٢٤: ٣٥ ومزمور ١١٢: ٣ وأمثال ١٠: ٢٢ ص ١٢: ٨ ص ١٢: ٧ و٨ مزمور ١١٦: ١٧

فَصَعِدَ… إِلَى ٱلْجَنُوبِ أي عاد إلى حيث كان في الطريق التي أتى فيها على ما في الترجمة الفلغاتا. فذهب أبرام بمن معه وما معه إلى الجنوب ثم إلى الأرض التي بين بيت إيل وعاي كما ذُكر في (ص ١٢: ٨).

أَوَّلاً (ع ٤) أي أول وصوله المذبح الأول لأن المذبح الأول أقامه في شكيم.

٥، ٦ «٥ وَلُوطٌ ٱلسَّائِرُ مَعَ أَبْرَامَ كَانَ لَهُ أَيْضاً غَنَمٌ وَبَقَرٌ وَخِيَامٌ. ٦ وَلَمْ تَحْتَمِلْهُمَا ٱلأَرْضُ أَنْ يَسْكُنَا مَعاً، إِذْ كَانَتْ أَمْلاَكُهُمَا كَثِيرَةً، فَلَمْ يَقْدِرَا أَنْ يَسْكُنَا مَعاً».

ص ٣٦: ٧

لُوطٌ الظاهر أنه حصل على هدايا في مصر لأنه كان يباري عمه في الغنى وكان له أتباع كثيرة بدليل ما له من الخيام وكان أمير عشيرة كأبرام ولهذا لم يستطيعا أن يسكنا في أرض واحدة.

٧ «فَحَدَثَتْ مُخَاصَمَةٌ بَيْنَ رُعَاةِ مَوَاشِي أَبْرَامَ وَرُعَاةِ مَوَاشِي لُوطٍ. وَكَانَ ٱلْكَنْعَانِيُّونَ وَٱلْفِرِزِّيُّونَ حِينَئِذٍ سَاكِنِينَ فِي ٱلأَرْضِ».

ص ٢٦: ٢٠ ص ١٢: ٦

ٱلْفِرِزِّيُّونَ وفي العبرانية «فرزي» ولهذه اللفظة معنيان الأول القرى والمدن أو القرويون وجاء بمعنى المدن في (١ صموئيل ٧: ١٨ وأستير ٩: ١٩). والثاني قبيلة تُذكر غالباً مع الكنعانيين وهي قبيلة الفرزيين وجاءت بهذا المعنى هنا وفي (ص ٣٤: ٣٠). وجاءت أنها إحدى قبائل فلسطين (خروج ٣: ٨ و١٧ ويشوع ١٧: ١٥ وقضاة ٣: ٥). ولم تُذكر هذه القبيلة بين القبائل التي نُسلت من كنعان. ولعلها من أقدم سكان تلك الأرض الذين كانوا رعاة لا مدن لهم ولم يستطيعوا أن يستقلوا بين الحاميين فاعتزلوهم ولجأوا إلى سهل البر الفسيح ثم سيقوا إلى الجبال (يشوع ١١: ٣). وكان الكنعانيون مولعين بالحياة البحرية والتجارة فلم يتلفتوا إلى استئصال الفرزيين بل اكتفوا بدفعهم وطردهم من الحضر إلى داخلية البلاد. وإذ كانت الأرض مشغولة بالكنعانيين السكان الأصليين صعب على أبرام ولوط أن يجدا أرضاً خالية من السكان كافية للناس والماشية.

٨، ٩ «٨ فَقَالَ أَبْرَامُ لِلُوطٍ: لاَ تَكُنْ مُخَاصَمَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ رُعَاتِي وَرُعَاتِكَ، لأَنَّنَا نَحْنُ أَخَوَانِ. ٩ أَلَيْسَتْ كُلُّ ٱلأَرْضِ أَمَامَكَ؟ ٱعْتَزِلْ عَنِّي. إِنْ ذَهَبْتَ شِمَالاً فَأَنَا يَمِيناً وَإِنْ يَمِيناً فَأَنَا شِمَالاً».

١كورنثوس ٦: ٧ ص ١١: ٢٧ و٣١ وخروج ٢: ١٣ ومزمور ١٣٣: ١ وأعمال ٧: ٢٦ ص ٢٠: ١٥ و٣٤: ١٠ رومية ١٢: ١٨ وعبرانيين ١٢: ١٤ ويعقوب ٣: ١٧

لاَ تَكُنْ مُخَاصَمَةٌ هذا يدل على أن لوطاً كان يشاطر رعاته العمل ويتحزب لهم وشعر بأنه مظلوم لكن أبرام خاطبه بلطف وإحسان وأبان له أن غناهما يلجئهما إلى الافتراق بغية راحة كل مهما وإبقاء السلام بينهما وخيّره في الجهة والأرض فرضي لوط بذلك فاختار أحسن ناحية وأطيب أرض ولم يعرف أنها ستكون أرض الويل والهلاك. فكان الأولى بلوط أن يعتبر كبر أبرام ويسلم له لكنه سلّم نفسه للطمع وخسر كل شيء.

١٠ «فَرَفَعَ لُوطٌ عَيْنَيْهِ وَرَأَى كُلَّ دَائِرَةِ ٱلأُرْدُنِّ أَنَّ جَمِيعَهَا سَقْيٌ، قَبْلَمَا أَخْرَبَ ٱلرَّبُّ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، كَجَنَّةِ ٱلرَّبِّ كَأَرْضِ مِصْرَ. حِينَمَا تَجِيءُ إِلَى صُوغَرَ».

ص ١٩: ١٧ و٢٩ وتثنية ٣٤: ٣ و١ملوك ٧: ٤٦ ومتّى ٣: ٥ ولوقا ٣: ٣ تثنية ١١: ١٠ ص ١٩: ٢٤ و٢٥ ومزمور ١٠٧: ٣٤ ص ٢: ٨ و١٠ وإشعياء ٥١: ٣ ص ١٤: ٢ و٨ و١٩: ٢٢ وتثنية ٣٤: ٣

دَائِرَةِ ٱلأُرْدُنِّ وتُسمى في هذه الأيام الغَور وهي وادي الأردن ولا سيما سهول أريحا وهي من أشهر أراضي العالم في كثرة أغوارها وصخورها الطباشيرية على الجانب الغربي والحجارة الرملية على الجانب الشرقي وفوقها كثير من طبقات الحجارة الكلسية. ومعظم ذلك الوادي منخفض عن سطح بحر الروم. وبحر الجليل على ما رأى المستر كُندُر منخفض عن بحر الروم نحو ٦٨٢ قدماً وبحر لوط الذي هو البحر الميت نحو ١٢٩٢ قدماً. والأرض في الجنوب من بحر لوط عالية كسد فاصل يعلو سطح البحر المتوسط بنحو مئتي قدم فتمنع جريان مياه الأردن جنوباً. وهنالك أدلة كثيرة على أن ذلك الوادي كان في بعض العصور الخالية تشغله البحيرات المتوالية على مسافة نحو ١٥٠ ميلاً وإن مياه الأردن في زمان أبرام كانت أكثر من مياهه اليوم فإن انقطاع آجامه على توالي الأزمان وآجام تلك الأرض كانت من أسباب قلة المطر في فلسطين. فالأرض التي كانت كثيرة الخصب في أيام أبرام تراها كثيرة الجدب في هذا العصر. والبحر الميت ينقص على مر السنين فيترك حزوناً يغطيها الملح.

كَجَنَّةِ ٱلرَّبِّ وصف المستر بلمر خصب وادي الأردن فقال «إن جوار البحر الميت سباخ جديب ولكن الغور أو الوادي الذي في الأنحاء الشمالية والجنوبية كثير النبات والماء حتى أنك كثيراً ما ترى المياه مندفعة من أعالي الصخور بما يزيد الأرض خصباً وإمراعاً». وأبان هذا المؤلف مع المستر غروف والدكتور ترسترام وغيرهما إن سدوم وعمورة كانتا في طرف البحر الميت الشمالي لا الجنوبي كما كان يُظن لأن البحر الميت إذ كان طوله ستة وأربعين ميلاً كان الطرف الجنوبي منه بعيداً عن النظر. هذا وإن لوطاً كان واقفاً على أمد بضعة أميال في الشمال الغربي على النجد الذي بين بيت إيل وعاي فكان يمكنه أن يرى طرف البحر الميت الشمالي والقفر الممتد من جرعاء أريحا إليه وإلى الأردن. وذلك القفر كان يومئذ من دائرة الأردن المخصبة ولهذا رآها لوط كجنة الرب في كثرة المياه كمصر في الخصب.

حِينَمَا تَجِيءُ إِلَى صُوغَرَ هذه ليست صوغر إحدى مدن الدائرة فإن هذه ليست على طريق مصر بل هي مدينة مصرية اسمها في الترجمة السريانية صوعن وكان المصريون يسمونها صُعر وصَعر وهي في العبرانية «صعر». وكان موقعها على أحد خُلج النيل وذكرها المرنم في قوله «قدام أبائهم صنع أعجوبة في أرض مصر بلاد صوعن». وكانت في سهل خصيب جداً حتى استحقت أن تُشبّه بالفردوس.

١١ «فَٱخْتَارَ لُوطٌ لِنَفْسِهِ كُلَّ دَائِرَةِ ٱلأُرْدُنِّ، وَٱرْتَحَلَ لُوطٌ شَرْقاً. فَٱعْتَزَلَ ٱلْوَاحِدُ عَنِ ٱلآخَرِ».

ٱرْتَحَلَ لُوطٌ شَرْقاً يحتمل الأصل العبراني معنيين الأول «إلى الشرق». والثاني «من الشرق». وهي هنا بالمعنى الأول كما هي في (ص ٢: ٨). وجاءت بالمعنى الثاني في (ص ١١: ٢) ولكنها تُرجمت في نسختنا العربية «شرقاً» أي إلى الشرق (انظر التفسير هناك).

١٢، ١٣ «١٢ أَبْرَامُ سَكَنَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَلُوطٌ سَكَنَ فِي مُدُنِ ٱلدَّائِرَةِ وَنَقَلَ خِيَامَهُ إِلَى سَدُومَ. ١٣ وَكَانَ أَهْلُ سَدُومَ أَشْرَاراً وَخُطَاةً لَدَى ٱلرَّبِّ جِدّاً».

ص ١٩: ٢٩ ص ١٤: ١٢ و١٩: ١ و٢بطرس ٢: ٧ و٨ ص ١٨: ٢٠ وحزقيال ١٦: ٤٩ و٢بطرس ٢: ٧ و٨ ص ٦: ١١ و٧: ١

سَكَنَ فِي مُدُنِ ٱلدَّائِرَةِ (الظاهر إن خصب تلك الأرض حمل السكان على التوغل في اللذات الجسدية وكثيراً ما يكون هذا كذلك كما هو شأن أكثر الأغنياء وأهل الرغد. إن خيرات هذه الأرض الزائلة تغرّ أهلها فيتهافتون إليها تهافت الفراش على السراج فيلذ بلهبه وهو يحرقه. قال الحوراني في الدنيا:

يدري ابن آدم إن غايتها الردى فيُصد لكن عن قليل يرجع
كفراشة المصباح إلا أنه أجرى إلى لذع اللهيب وأسرع


فترك لوط سكن الخيام واختار عيشة المدينة المترفهة.

١٤ – ١٦ «١٤ وَقَالَ ٱلرَّبُّ لأَبْرَامَ، بَعْدَ ٱعْتِزَالِ لُوطٍ عَنْهُ: ٱرْفَعْ عَيْنَيْكَ وَٱنْظُرْ مِنَ ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي أَنْتَ فِيهِ شِمَالاً وَجَنُوباً وَشَرْقاً وَغَرْباً، ١٥ لأَنَّ جَمِيعَ ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أَنْتَ تَرَى لَكَ أُعْطِيهَا وَلِنَسْلِكَ إِلَى ٱلأَبَدِ. ١٦ وَأَجْعَلُ نَسْلَكَ كَتُرَابِ ٱلأَرْضِ، حَتَّى إِذَا ٱسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّ تُرَابَ ٱلأَرْضِ فَنَسْلُكَ أَيْضاً يُعَدُّ».

ع ١١ ص ٢٨: ١٤ ص ١٢: ٧ و١٥: ١٨ و١٧: ٨ و٢٤: ٧ و٢٦: ٤ وتثنية ٣٤: ٤ وأعمال ٧: ٥ و٢أيام ٢٠: ٧ ومزمور ٣٧: ٢٩ ص ١٥: ٥ و٢٢: ١٧ و٢٦: ٤ و٢٨: ١٤ و٣٢: ١٢ وخروج ٣٢: ١٣ وعدد ٢٣: ١٠ وتثنية ١: ١٠ و١ملوك ٤: ٢٠ وإشعياء ٤٨: ١٩ وإرميا ٣٣: ٢٢ ورومية ٤: ١٦ وعبرانيين ١١: ١٢

قَالَ ٱلرَّبُّ لأَبْرَامَ لا ريب في أن أبرام حزن على فراق لوط ابن أخيه لأنه كان قريباً ورفيقه في كثير من الأسفار وأنيسه في غربته ولعله كان يظنه وريثه قبل أن يولد له ولذلك عزاه الرب «يهوه» بما يستلزم أن يولد له لأنه وعده بأن يكون نسله كتراب الأرض. ويجب أن ننتبه هنا أن أبرام كان ببعده عن لوط يقترب إلى الرب ولوط بسكنه الدائرة صار إلى ما أبعد بعض أهل بيته عن الله ولذلك عظمت آلاء يهوه على أبرام وأكد له الرب وفور النعمة والبركة.

١٧ «قُمِ ٱمْشِ فِي ٱلأَرْضِ طُولَهَا وَعَرْضَهَا، لأَنِّي لَكَ أُعْطِيهَا».

ٱمْشِ فِي ٱلأَرْضِ أمره بذلك لكي يرى من الأرض ما لا يراه إذا لم ينتقل من مكانه فيلذ بأن ما يراه يكون لنسله.

١٨ «فَنَقَلَ أَبْرَامُ خِيَامَهُ وَأَتَى وَأَقَامَ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا ٱلَّتِي فِي حَبْرُونَ وَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ».

ص ١٤: ١٣ ص ٣٥: ٢٧ و٣٧: ١٤ ويشوع ١٥: ١٣

بَلُّوطَاتِ مَمْرَا كان هذا المكان للأموريين وكانوا ساكنين فيه فأخذه أبرام باتفاق معهم وجعله وطناً له.

حَبْرُونَ معنى حبرون عهد أو محالفة فالمرجّح أنه سُميت بذلك للعهد الذي كان بين أبرام والأموريين. والظاهر أن الاسم كان لتلك الأرض لا للمدينة وحدها لأنه قال إن بلوطات ممرا كانت في حبرون وكانت تسمى باسم آخر وهو «قرية أربع» (ص ٢٣: ٢).

السابق
التالي

 

زر الذهاب إلى الأعلى