سفر التكوين | 12 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر التكوين
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي عَشَرَ
١ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لأَبْرَامَ: ٱذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أُرِيكَ».
ص ١٥: ٧ ونحميا ٩: ٧ وإشعياء ٤١: ٢ وأعمال ٧: ٣ وعبرانيين ١١: ٨
وَقَالَ ٱلرَّبُّ لأَبْرَامَ لما ذكر عشيرة أبرام أبان بهذه الدعوة أن أبرام دون غيره من تلك العشيرة هو وارث البكورية وأنه منه يولد المخلص الذي وُعدت به حواء (ص ٣: ١٥).
أَرْضِكَ هذا برهان على أن أبرام وأباه لم يكونا حديثي الإقامة بأور الكلدانيين بل إن نسل سام كان مستولياً على كل تلك البلاد كما تحقق للباحثين في هذه الآيام.
عَشِيرَتِكَ في العبرانية «مولدتك» أي مولدك يعني مكان ميلادك. لكن الكلمة تعني في العبرانية العشيرة أيضاً وقد ترجمت بها في (ص ٤٣: ٧) وتُرجمت بالوطن. وجاءت مترجمة بالميلاد مضاف إليه الأرض (ص ١١: ٢٨) ولعل معناها هنا أرض ميلادك فتكون دعوة أبرام على هذا في أور الكلدانيين على أن أكثر الترجمات يبين أنها كانت في حاران.
إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أُرِيكَ ذكر في (ص ١١: ٣١) إن هذه الأرض هي أرض كنعان ولكن يمكن أن هذه المعرفة حُجبت عن إبرام إلى حين وأنه لم يعرف هو ولا تارح يوم تركا أور الكلدانيين الأرض التي عُينت للإقامة.
٢، ٣ «٢ فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ ٱسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. ٣ وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلأَرْضِ».
ص ١٧: ٦ و١٨: ١٨ وتثنية ٢٦: ٥ و١ملوك ٣: ٨ ص ٢٤: ٣٥ و٢٨: ٤ وغلاطية ٣: ١٤ زكريا ٨: ١٣ ص ٢٧: ٢٩ وخروج ٢٣: ٢٢ وعدد ٢٤: ٩ ص ١٨: ١٨ و٢٢: ١٨ و٢٦: ٤ ومزمور ٧٢: ١٧ وأعمال ٣: ٢٥ وغلاطية ٣: ٨
تَكُونَ بَرَكَةً أو «كن بركة». كان هذا الوعد مع مواعيد أخرى لأبرام خاصاً من وجه وعاماً من وجه آخر لكل أهل الأرض فكان له باعتبار أنه أبو شعب سوف يعظم اسمه ويكرمه ويُحسن ذكره ولكل العالم من جهة إيمانه ونسله الذي هو المسيح فيه تباركت كل قبائل الأرض.
أُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ أي أهب البركة لمن يصادقك ولا سيما من يؤمن إيمانك وأوجب اللعنة أي العقاب على من يعاديك ويكفر بإيمانك. ومن مقتضيات العدل إيجاب العقاب على معاداة خليل الله والكفر بمن آمن به.
وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلأَرْضِ كان أبرام والأمة التي نشأت منه وسيطين بين الله والناس في إعلان الحق وكانت مزية الوحي لأولاده ولكنهم بإعلانهم الحق للأمم كان نسله بركة لها فكان الله وخلاصه بذلك للأمم كما كانا لليهود (رومية ٣: ٢٩ و١٠: ١٢ الخ).
٤ «فَذَهَبَ أَبْرَامُ كَمَا قَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ وَذَهَبَ مَعَهُ لُوطٌ. وَكَانَ أَبْرَامُ ٱبْنَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً لَمَّا خَرَجَ مِنْ حَارَانَ».
عبرانيين ١١: ٨
خَرَجَ مِنْ حَارَانَ أُمر بالخروج في أور الكلدانيين وأُمر ثانية في حاران ولعل أبرام أقام بحاران لأجل تارح ولذلك تركها لما مات (انظر تفسير ص ١١: ٢٦) وأخذ في إتمام المهاجرة إلى حيث أمره الله.
٥ «فَأَخَذَ أَبْرَامُ سَارَايَ ٱمْرَأَتَهُ، وَلُوطاً ٱبْنَ أَخِيهِ، وَكُلَّ مُقْتَنَيَاتِهِمَا ٱلَّتِي ٱقْتَنَيَا وَٱلنُّفُوسَ ٱلَّتِي ٱمْتَلَكَا فِي حَارَانَ. وَخَرَجُوا لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتَوْا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ».
ص ١٤: ١٤ ص ١١: ٣١
كُلَّ مُقْتَنَيَاتِهِمَا أي مقتنيات أبرام ولوط لا المواشي والقطعان فقط بل كل ما حصلا عليه من الثروة. ولا نعلم كم كان هناك تارح وهاران وكم ولد لهاران هناك ولعل الجميع أقاموا سنين كثيرة وصاروا نفوساً كثيرة وكان أبرام كثير الفضة والذهب وكان من كبراء أهل التجارة ولذلك عرف طريق مسير قوافل التجار.
وَٱلنُّفُوسَ ٱلَّتِي ٱمْتَلَكَا وفي العبرانية «التي صنعا» ورأى انكيلوس ومفسرو اليهود إن أولئك النفوس هم الذين اختاروا إيمان أبرام واقتصروا على عبادة الله. ويصح هذا على الذين كانوا مع أبرام ولعل أكثرهم يومئذٍ كانوا عبيداً وخدماً (انظر ص ١٤: ١٤) ولا نشك في أن أبرام كان يرشدهم إلى الله الحق ويعلمهم قواعد الدين (ص ١٨: ١٩).
فَأَتَوْا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ لا ريب في أن سير أبرام إلى كنعان كان بطيئاً فشغل زماناً طويلاً لما معه من البهائم وصغارها ولم صحبهم من الأولاد والنساء. وكان بينه وبين كنعان ٣٠٠ ميل ولا ريب في أنه مرّ بأرض كثيرة الكلإ فترك بهائمه ترتع فيها ما استطاعت فكان يقتضي عبور الفرات بكل ذلك الجمهور وقتاً طويلاً والمرجح أنه أتى على طريق كركميش والأرض هنالك في أحسن الخصب. فاستحق أولاد أبرام بهذا العبور أن يسموا عبرانيين كما استحقوا ذلك بكونهم من عابر الذي عبر نهر دجلة. وجاء أبرام من كركميش إلى الجنوب الغربي ومر بتدمر ودمشق. وقال يوسيفوس المؤرخ اليهودي «إن أبرام أتى بجيش من وراء بابل وغلب دمشق وملكها ثم توجه إلى كنعان». وأبان المستر مالان أنه مرّ على أبرام سنة بخروجه من حاران ووصوله إلى أرض كنعان. ولربما عيّن أليعازر الدمشقي وكيلاً له في أثناء مروره بدمشق.
٦ «وَٱجْتَازَ أَبْرَامُ فِي ٱلأَرْضِ إِلَى مَكَانِ شَكِيمَ إِلَى بَلُّوطَةِ مُورَةَ. وَكَانَ ٱلْكَنْعَانِيُّونَ حِينَئِذٍ فِي ٱلأَرْضِ».
عبرانيين ١١: ٩ ص ٣٤: ٢٤ وأعمال ٧: ١٦ ص ٣٥: ٤ وتثنية ١١: ٣٠ وقضاة ٧: ١ ص ١٠: ١٨ و١٩ و١٣: ٧
شَكِيمَ معنى شكيم في العبرانية «كتف» والمقصود بها هنا الحدب بين جبلي عيبال وجرزيم. والمدينة هناك واسمها اليوم نابلس وهو قطعة من «فلافيا نيابوليس» أي مدينة فلافيوس وهو القيصر تيطس فلافيوس فسباسيانُس وهذا جُعل اسماً لتلك المدينة إكراماً لفسباسيان. وهنالك وادٍ خصيب جداً تحيط به الجبال الجدبية.
بَلُّوطَةِ مُورَةَ وهي المكان الذي دفن فيه يعقوب الأصنام التي أتت بها عياله وامرأته من بيت أبيها من حاران (ص ٣٥: ٤) ونصب به يشوع حجر الشهادة (يشوع ٢٤: ٢٦ وقضاة ٩: ٦). والمرجّح إنها سُميت بلوطة مورة لأنه كان هنالك أجمة من البلوط. وان هذا المكان الظليل مناسباً لضرب الخيام فيه وكان في ممرة قرب حبرون بلوطة عظيمة وفي ذلك المكان بيع أسرى اليهود عبيداً في عصر فسباسيانس وانمحى أثر تلك الأجمة سنة ٣٣٠ ب. م ولا أثر لشجرة منه اليوم. ومعنى «مورة» معلم (إشعياء ٩: ١٥) فيرجح أنه كان تحت بعض أشجار تلك الأرض مدرسة يُعلم فيها قواعد الدين وإن البلوطة المذكورة في الآية كان المعلم يجلس في ظلها فسُميت «بلوطة مورة» أي بلوطة المعلم. وكان المعلمون في نسل سام كثيرين ومنهم ملكي صادق.
وَكَانَ ٱلْكَنْعَانِيُّونَ حِينَئِذٍ فِي ٱلأَرْضِ أي إن إبرام لما وصل إلى أرض كنعان لم يجدها مُلكاً للساميين بل وجدها مشغولة بالكنعانيين. ولنا من ذلك أن الكنعانيين كثروا في تلك الأرض بالمسالمة على التدريج أكثر من أنهم استولوا عليها عنوة. وكان ذلك على ما يستفاد من الأنباء المصرية قبل إتيان أبرام بزمن طويل. وقُرئ في الكتابات المصرية القديمة إسمي «ساتي» و «آمو». ومعنى «آم» في العبرانية أمة. وبعد ذلك «الآمور» و «الخيطا» أي الأموريون والحثيون وكانت هاتان الأمتان قويتين في عصر أبرام (انظر نبأ رحلاتهم في ص ١٠: ١٥ – ١٩).
٧ «وَظَهَرَ ٱلرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ: لِنَسْلِكَ أُعْطِي هٰذِهِ ٱلأَرْضَ. فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ ٱلَّذِي ظَهَرَ لَهُ».
ص ١٧: ١ ص ١٣: ١٥ و١٥: ١٨ و١٧: ٨ و٢٦: ٤ ومزمور ١٠٥: ١١ ص ١٣: ٤ و١٨ و٣٥: ٤ ويشوع ٢٤: ١ و٢٦
وَظَهَرَ ٱلرَّبُّ لأَبْرَامَ هذه أول مرات ظهور الرب المذكورة في الكتاب فإن المخاطبة بين الله والإنسان كانت أولاً بلا واسطة منظورة «فأوصى الله آدم» (ص ٢: ١٦) «وسمع آدم وحواء صوته» (ص ٣: ٨). «ونادى آدم» (ص ٣: ٩). «وقال لقايين» (ص ٤: ٦ – ٩). «ولنوح» (ص ٦: ١٣ و٧: ١). «وكلّمه (ص ٨: ١٥ و٩: ٨) وهنا وفي ما يأتي يُقال «وظهر الرب» وهذا الظهور كثيراً ما ذكر مقترناً بهذه العبارة «ملاك الرب» (انظر ص ١٦: ٧ و٢٢: ١١ الخ) وذُكر قليلاً مقترناً بهذه العبارة «ملاك الله» (ص ٢١: ١٧ وقضاة ٦: ٢٠ و١٣: ٩). وهل كان هذا الملاك مخلوقاً أو مثال المسيح متجسداً ذلك فصل الكلام عليه في الحاشية في نهاية هذا السفر.
فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ فوقف بذلك الأرض للرب والمذبح هنا مكان العبادة وتقديم القرابين ففعل كما فعل نوح (ص ٨: ٢٠).
٨ «ثُمَّ نَقَلَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى ٱلْجَبَلِ شَرْقِيَّ بَيْتِ إِيلٍ وَنَصَبَ خَيْمَتَهُ. وَلَهُ بَيْتُ إِيلَ مِنَ ٱلْمَغْرِبِ وَعَايُ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ. فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ وَدَعَا بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ».
عبرانيين ١١: ٩ ص ٨: ٢٠ و٢٦: ٢٥ و٢٨: ١٨ و٣٥: ٧ وقضاة ٢٠: ١٨ و٢٦ و١صموئيل ١٠: ٣ ص ٤: ٢٦ و١٣: ٤
نَقَلَ هذا ما تقضتيه البداوة وكثرة مواشي أبرام تحمله على النقل بغية المراعي. وكان أول ثوائه الطويل في البلاد الجبلية بين بيت إيل وعاي. وكان شجر اللوز هنالك كثيراً ولهذا كان اسم المدينة قديماً لوز.
٩ «ثُمَّ ٱرْتَحَلَ أَبْرَامُ ٱرْتِحَالاً مُتَوَالِياً نَحْوَ ٱلْجَنُوبِ».
ص ١٣: ٣
نَحْوَ ٱلْجَنُوبِ الجنوب في العبرانية (ננב)نجب ومعناه في الأصل أرض يابسة وعلى يبس التربة هنالك إن الأرض طباشيرية ناعمة التربة فلا تضبط مياه المطر فيسفل ويجري تحت سطح الأرض. ومع ذلك تكثر الماشية هنالك لأنهم يحتالون على حفظ المياه في حياض.
سفر أبرام إلى مصر
١٠ «وَحَدَثَ جُوعٌ فِي ٱلأَرْضِ، فَٱنْحَدَرَ أَبْرَامُ إِلَى مِصْرَ لِيَتَغَرَّبَ هُنَاكَ، لأَنَّ ٱلْجُوعَ فِي ٱلأَرْضِ كَانَ شَدِيداً».
ص ٢٦: ١ مزمور ١٠٥: ٣١ ص ٤٣: ١
وَحَدَثَ جُوعٌ فِي ٱلأَرْضِ لا بد من أن هذا الجوع حدث بعد سنين قليلة من وصول أبرام إلى أرض كنعان لأنه كان ابن خمس وسبعين سنة حين ترك حاران وكان ابنه اسماعيل الذي ولدته له الأمة المصرية ابن ثلاث عشرة سنة عندما كان في سن التاسعة والتسعين وشغل وقتاً طويلاً بالسفر والإقامة على الطريق من حاران إلى كنعان فبقى نحو ثماني سنين لما حدث في (ص ١٢٠ – ص ١٦). والظاهر إن مياه النيل كانت كثيرة في تلك السنة فكثر خصبها فقصدها أبرام إحياء لمن معه من الناس وما معه من البهائم ولم يكن قصده أن يبقى هنالك إلا وقتاً قصيراً لأنه لم يكن يطلب مدينة على الأرض بل «كَانَ يَنْتَظِرُ ٱلْمَدِينَةَ ٱلَّتِي لَهَا ٱلأَسَاسَاتُ، ٱلَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا ٱللهُ» (عبرانيين ١١: ٨ – ١٠).
١١ – ١٣ «١١ وَحَدَثَ لَمَّا قَرُبَ أَنْ يَدْخُلَ مِصْرَ أَنَّهُ قَالَ لِسَارَايَ ٱمْرَأَتِهِ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ ٱمْرَأَةٌ حَسَنَةُ ٱلْمَنْظَرِ. ١٢ فَيَكُونُ إِذَا رَآكِ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: هٰذِهِ ٱمْرَأَتُهُ. فَيَقْتُلُونَنِي وَيَسْتَبْقُونَكِ. ١٣ قُولِي إِنَّكِ أُخْتِي، لِيَكُونَ لِي خَيْرٌ بِسَبَبِكِ وَتَحْيَا نَفْسِي مِنْ أَجْلِكِ».
ع ١٤ وص ٢٦: ٧ ص ٢٠: ١١ و٢٦: ٧ ص ٢٠: ٥ و١٢ و١٣ و٢٦: ٧
أَنَّكِ ٱمْرَأَةٌ حَسَنَةُ ٱلْمَنْظَرِ كانت ساراي حينئذ ابنة أكثر من ستين سنة ومع ذلك كانت كأنها صبية وكانت جميلة جداً ولا يعجب من ذلك من عرف أنها ولدت في سن التسعين وعاشت مئة سنة وسبعاً وعشرين سنة (فلو كانت في هذا الزمان لكانت على النسبة ابنة نحو خمس وعشرين سنة أو أكثر من ذلك قليلاً). ولا ننفي أنه كان هنالك عمل عظيم للعناية الإلهية وإكرام من الله لها (ص ٢٣: ١). ومثل حُسن ساراي كافٍ لجذب افئدة رجال حام ولو كانت في سن التسعين فإنهم كانوا قباح الصور ذوي رؤوس مفلطحة ووجنات بارزات العظام وأفواه واسعة كبيرة وشفاه غليظة. وكان أبرام يخاف من أن يراها الرجال الغرباء بعد عشرين سنة من هذه الحادثة (ص ٢٠: ٢) وهو ساكن بين أناس حسان المنظر. ويظهر لنا من (ص ٢٠: ١٣) أن أبرام منذ ترك حاران اتفق هو وساراي على أن تقول أنها أخته. فإنه ترك أرض ميلاده إطاعة لأمر الله وذهب غرباً يتنقل من مكان إلى مكان ومع هذا ارتكب ذلك وهو مما يؤول إلى أخذ امرأته منه. ولعل أبرام أتى ذلك لينقذ نفسه واتكل على نباهة امرأته في أنها تخلص نفسها من المصاعب ولكن في كل الأحوال كان ما أتاه دليلاً على ضعف الإنسان ولا سيما إنسان سامي السجايا محسوب من أفاضل البشر.
أُخْتِي (ع ١٣) لا ريب في أن ساراي كانت أخت أبرام بالنظر إلى أنها ابنة تارح أبيه (ص ٢٠: ١٢) ولكن ذلك لا يخرج الكلام من دائرة الكذب لأنه بمنزلة نص على أنها ليست بزوجه مطلقاً.
١٤، ١٥ «١٤ فَحَدَثَ لَمَّا دَخَلَ أَبْرَامُ إِلَى مِصْرَ أَنَّ ٱلْمِصْرِيِّينَ رَأَوُا ٱلْمَرْأَةَ أَنَّهَا حَسَنَةٌ جِدّاً. ١٥ وَرَآهَا رُؤَسَاءُ فِرْعَوْنَ وَمَدَحُوهَا لَدَى فِرْعَوْنَ، فَأُخِذَتِ ٱلْمَرْأَةُ إِلَى بَيْتِ فِرْعَوْنَ».
ص ٢٠: ٢
فِرْعَوْنَ هذا ليس بعلم شخصي بل اسم لكل ملك من ملوك مصر. اشتقت لفظة فرعون من رسم كثير الوجود في الكتابات المصرية معناه القصر وهي تفيد معنى الاحترام للملك وهذا الاصطلاح شائع في أيامنا أيضاً كالبلاط الأمبراطوري والقصر السلطاني بمعنى الملك الساكن فيه وهو من باب المجاز المرسل.
رَآهَا رُؤَسَاءُ فِرْعَوْنَ وَمَدَحُوهَا لَدَى فِرْعَوْنَ كانت أرض كنعان في أيام أبرام طريقاً من الشرق إلى مصر فذهب كثيرون من الساميين إلى مصر فشغلوا كل أرض الذلتا واستولوا أخيراً على أرض مصر وقام ملوكها منهم عدة قرون وعُرفوا بالهكسوس أي الرعاة. وكان الملك امنمهاي قد بنى حصوناً كثيرة متصلة الجدران منعاً للساميين من الانتشار. وكان أبرام يوم وصل إلى مصر أميراً كثير الماشية والاتباع فدخل مع أتباعه في تلك الأرض فرآه كتبة فرعون لا محالة ورفعوا أمره إلى الملك وكان من ذلك وصفهم له حسن ساراي العجيب ولا ريب في أن أبرام امتثل يومئذ أمام فرعون. وعلى أحد قبور بني حسن ما يمثل ذلك. فهنالك رسم أمير سامي من أهل البداوة ممتثل في حضرة فرعون وهو وعياله وعبيده يسألونه الحماية وهو يرحب بهم. وإذ لم يكن النقاب معروفاً يومئذ في مصر لأن النساء المصريات لم تعتد النقاب إلا بعد غلبة الفرس كان لفرعون أن يرى وجه ساراي ويدرك كل ما لها من صفات الجمال من لون وبُنية. ورأى الموسيو شاباس إن فرعون عصر أبرام من أول ملوك الدولة الثانية عشرة قبل استيلاء الرعاة على مصر.
١٦ «فَصَنَعَ إِلَى أَبْرَامَ خَيْراً بِسَبَبِهَا، وَصَارَ لَهُ غَنَمٌ وَبَقَرٌ وَحَمِيرٌ وَعَبِيدٌ وَإِمَاءٌ وَأُتُنٌ وَجِمَالٌ».
ص ٢٠: ١٤
فَصَنَعَ إِلَى أَبْرَامَ خَيْراً كانت العادة أن يعطي الرجل أقرباء عروسه مبلغاً من المال وعلى هذا أعطى فرعون أبرام غنماً وبقراً وحميراً وعبيداً وإماء الخ وتقديم فرعون هذه الهدايا دليل على اعتباره أن اتخاذ ساراي أمر جائز شرعي. ولا ريب في أن الساميين أدخلوا الجمال إلى تلك البلاد على أن الناس في كل الأماكن الحارة الكثيرة الصحاري في شديد الحاجة إليها.
١٧ «فَضَرَبَ ٱلرَّبُّ فِرْعَوْنَ وَبَيْتَهُ ضَرَبَاتٍ عَظِيمَةً بِسَبَبِ سَارَايَ ٱمْرَأَةِ أَبْرَامَ».
ص ٢٠: ١٨ وخروج ١١: ١ و٢ملوك ١٥: ٥ و١أيام ١٦: ٢١ و٢أيام ٢٦: ٢٠ ومزمور ١٠٥: ١٣ وعبرانيين ١٣: ٤
فَضَرَبَ ٱلرَّبُّ فِرْعَوْنَ… بِسَبَبِ سَارَايَ (ماذا كان إثم فرعون وقد أخذ ساراي برضى أبرام حسب ما ظهر له وأحسن مهرها وهو يعتقد أنها اخت أبرام لا امرأته. إن الذي أصاب فرعون مع هذا يحملنا على الظن أن ساراي نهت فرعون عن أخذها لأنها امراة أبرام. فلم يصدقها فرعون واعتقد أنها تكذب عليه لتنقذ نفسها منه لأنه قبيح الصورة وهي حسناء. ولا بد من أنها ذكرت له ما عرفته من صفات الرب وقواعد الدين الحق فلم يكترث بذلك فضربه الله تصديقاً لكلامها فرجع عن مقصده وخاف الرب).
١٨ «فَدَعَا فِرْعَوْنُ أَبْرَامَ وَقَالَ: مَا هٰذَا ٱلَّذِي صَنَعْتَ بِي؟ لِمَاذَا لَمْ تُخْبِرْنِي أَنَّهَا ٱمْرَأَتُكَ؟»
ص ٣: ١٣ و٢٠: ٩ و٢٦: ١٠
لِمَاذَا لَمْ تُخْبِرْنِي أَنَّهَا ٱمْرَأَتُكَ (هذا يؤيد ما قلناه في الآية السابقة من أن ساراي أخبرته أنها امرأة أبرام وإلا فلا سبيل له إلى معرفة ذلك).
١٩ «لِمَاذَا قُلْتَ هِيَ أُخْتِي، حَتَّى أَخَذْتُهَا لِي لِتَكُونَ زَوْجَتِي؟ وَٱلآنَ هُوَذَا ٱمْرَأَتُكَ! خُذْهَا وَٱذْهَبْ!».
حَتَّى أَخَذْتُهَا لِي لِتَكُونَ زَوْجَتِي لم يقل حتى أخذتها زوجة بل «لتكون زوجتي». وهذا يدل على أنه لم يتزوجها كما نرى في (أستير ٢: ١٢) إنه لم يأخذ الملوك نساء إلا بعد امتحان واستعداد مدة من الزمان.
٢٠ «فَأَوْصَى عَلَيْهِ فِرْعَوْنُ رِجَالاً فَشَيَّعُوهُ وَٱمْرَأَتَهُ وَكُلَّ مَا كَانَ لَهُ».
أمثال ٢١: ١
(هذه الآية تدل على أن فرعون خاف الرب وأراد النجاة من غضبه إن لم يكن قد أحبه وأحب إكرام عبيده ولا ندري ماذا كانت أفكار أبرام عندما وبخه هذا الملك الحامي على كذبه لعل أبرام رآه مصيباً وباراً أكثر منه).
إن مصر بالنسبة إلى كنعان مملكة عالمية كانت بمجدها وغناها تجربة عظيمة لشعب الله القديم. فنزل إليها أبرام وخاطر بحياته وبعرضه وخجل أمام فرعون الوثني وتعلم إن طرق الأمان ليس بالهرب من أرض الرب بل بحفظ وصاياه.
السابق |
التالي |