أعمال الرسل | 15 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح سفر أعمال الرسل
للدكتور . وليم إدي
الأصحاح الخامس عشر
مباحثة في أنه هل يجب على مؤمني الأمم حفظ الرسوم الموسوية ع ١ إلى ٣٥
١ «وَٱنْحَدَرَ قَوْمٌ مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ، وَجَعَلُوا يُعَلِّمُونَ ٱلإِخْوَةَ أَنَّهُ: إِنْ لَمْ تَخْتَتِنُوا حَسَبَ عَادَةِ مُوسَى، لاَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَخْلُصُوا».
غلاطية ٢: ١٢ يوحنا ٧: ٢٢ وع ٥ وغلاطية ٥: ٢ وفيلبي ٣: ٢ وكولوسي ٢: ٨ و١١ و١٦ تكوين ١٧: ١٠ ولاويين ١٢: ٣
وَٱنْحَدَرَ قَوْمٌ مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ هذه الآية متعلقة بالآية الثامنة والعشرين من (ص ١٤) والمعنى أنه في أثناء إقامة بولس وبرنابا في أنطاكية للتبشير انحدر القوم. والظاهر بما أنبأ به بطرس من رؤياه في يافا وحلول الروح القدس على كرنيليوس وأصدقائه في قيصرية مما دل على جواز دخول مؤمني الأمم الكنيسة المسيحية بدون أن يتهودوا أولاً ويخضعوا لكل الرسوم الموسوية. وأنه حملت بعضهم الغيرة للشريعة الموسوية على النزول إلى أنطاكية ليجذبوا الإخوة فيهم إلى رأيهم وهو أن يوجبوا على المؤمنين من الأمم حفظ ناموس موسى.
يُعَلِّمُونَ في هذا تلميح إلى دعواهم أنهم أُرسلوا نواباً عن الكنيسة في أورشليم لأنها إذ كانت أم الكنائس اعتنت بطهارة سائر الكنائس في العقائد والأعمال.
ٱلإِخْوَةَ كان أكثر هؤلاء الإخوة من متنصري الأمم.
أَنَّهُ إِنْ لَمْ تَخْتَتِنُوا ما ذُكر في هذه الآية خلاصة تعليمهم لا قولهم بلفظه. وكنوا بالختان هنا عن كل الرسوم الموسوية كما كُني بالصليب عن الإنجيل كله (١كورنثوس ١: ١٨ وغلاطية ٦: ١٢ و١٤ وفيلبي ٣: ١٨).
لاَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَخْلُصُوا ما اكتفوا أن يعتبروهم غير أهل للشركة معهم في الكنيسة المنظورة حتى حكموا بأنهم لا شركة لهم مع المخلصين في السماء. فيكون تعليمهم أن الإيمان بالمسيح لا يخلصهم ما لم يختتنوا ويحفظوا سائر ناموس موسى. وهذا المبدأ الأعظم عند الفرقة الأبيونية التي اشتهرت في القرون المسيحية الأولى.
٢ «فَلَمَّا حَصَلَ لِبُولُسَ وَبَرْنَابَا مُنَازَعَةٌ وَمُبَاحَثَةٌ لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ مَعَهُمْ، رَتَّبُوا أَنْ يَصْعَدَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا وَأُنَاسٌ آخَرُونَ مِنْهُمْ إِلَى ٱلرُّسُلِ وَٱلْمَشَايِخِ إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنْ أَجْلِ هٰذِهِ ٱلْمَسْأَلَةِ».
غلاطية ٢: ١ و٣
فَلَمَّا حين نتج عن ذلك التعليم الفاسد ما ذُكر بعد.
حَصَلَ لِبُولُسَ وَبَرْنَابَا مُنَازَعَةٌ لأنهما اعتقدا غير اعتقادهم وحكما بأن تعليمهم ضار لراحة الكنيسة وتقدمها ومضاد لروح الإنجيل. ولعل بعض الإخوة اقتنع بما قالوا وتحزّب لهم وقلقت ضمائر كثيرين من متنصري الأمم الذين دخلوا الكنيسة بلا ختان.
رَتَّبُوا لم يذكر الكاتب من هم الذين رتبوا والأرجح أنهم الحزبان.
أَنْ يَصْعَدَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا باعبتار كونهما من «الأنبياء والمعلمين» وأنهما رسولا الأمم اللذين نظما مؤمني الأمم كنائس بلا التفات إلى مبادئ أولئك المعلمين الذين انحدروا من اليهودية (ص ١٤: ٢٣) فاضطرا أن يفندا مبادئهم الفاسدة دفعاً عن أنفسهما وعن الحق وعن الحرية المسيحية. وذهب أكثر المفسرين أن صعود بولس إلى أورشليم وقتئذ هو الصعود الذي ذكره في (غلاطية ٢: ١ – ٩) وقوله في هذه الرسالة أنه صعد بموجب إعلان لا ينافي ما قيل هنا من أنه صعد بأمر كنيسة أنطاكية فيحتمل أنه بالإعلان وبأمر الكنيسة معاً كما قيل أن الروح أرسله وبرنابا للتبشير وأن الكنيسة أرسلتهما أيضاً.
وَأُنَاسٌ آخَرُونَ مِنْهُمْ أي من أعضاء الكنيسة ولعل تيطس كان من جملتهم (غلاطية ٢: ١).
إِلَى ٱلرُّسُلِ الذين اتخذوا أورشليم مركزاً يذهبون منه إلى التبشير ويرجعون إليه كما اتخذ بولس وبرنابا أنطاكية مركزاً كذلك.
وَٱلْمَشَايِخِ هذه ترجمة اللفظة اليونانية التي تُرجمت في (ص ١٣: ٢٣) بالقسوس والظاهر أن المسيحيين في ذلك العصر لم يعتقدوا أن أحداً من الرسل كان رأس الكنيسة وأنه معصوم من الغلط حتى يسألوه دون غيره.
مِنْ أَجْلِ هٰذِهِ ٱلْمَسْأَلَةِ أي مسئلة حفظ متنصري الأمم ناموس موسى. وعلة رفعها إلى كنيسة أورشليم ثلاثة أمور:
- الأول: أن كنيسة أنطاكية لم تكن قادرة على أن تحكم بشيء من تلك المسئلة حكماً جازماً يقنع الجميع به وأنها رأت إطالة الجدال فيها ضارة.
- الثاني: أن كنيسة أورشليم أم الكنائس المسيحية واعتاد اليهود منذ القديم أن يرفعوا كل المسائل الدينية إلى أورشليم كأنها مصدر السلطان الديني وبقوا على ذلك بعد أن تنصروا واقتدى بهم الأمم.
- الثالث: أنه كان فيها الرسل وهم أرباب الاختبار ومن شاهدوا المسيح نفسه وتعلموا منه شفاهاً.
٣ «فَهٰؤُلاَءِ بَعْدَ مَا شَيَّعَتْهُمُ ٱلْكَنِيسَةُ ٱجْتَازُوا فِي فِينِيقِيَّةَ وَٱلسَّامِرَةِ يُخْبِرُونَهُمْ بِرُجُوعِ ٱلأُمَمِ، وَكَانُوا يُسَبِّبُونَ سُرُوراً عَظِيماً لِجَمِيعِ ٱلإِخْوَةِ».
رومية ١٥: ٢٤ و١كورنثوس ١٦: ٦ و١١ ص ١٤: ٢٧
شَيَّعَتْهُمُ ٱلْكَنِيسَةُ إظهاراً للمودة والإكرام. ونُسب التشييع إلى الكنيسة لأن الذين خرجوا معهم للوداع كانوا نواباً عن الكنيسة كلها. وهذا يدل على أن الكنيسة كانت راضية آراء بولس وبرنابا لا آراء المعلمين الذين انحدروا من اليهودية.
فِينِيقِيَّةَ (انظر شرح ص ١١: ١٩).
ٱلسَّامِرَةِ (انظر شرح ص ٨: ٥).
بِرُجُوعِ ٱلأُمَمِ من عبادة الأوثان إلى عبادة الله الحي الحقيقي.
لِجَمِيعِ ٱلإِخْوَةِ لأن الإخوة الذين في فينيقية والسامرة لم يكونوا متعصبين في ناموس موسى كالمسيحيين في اليهودية فلم يكن من مانع لسرورهم بما يوجب الفرح والشكر.
٤ «وَلَمَّا حَضَرُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَبِلَتْهُمُ ٱلْكَنِيسَةُ وَٱلرُّسُلُ وَٱلْمَشَايِخُ، فَأَخْبَرُوهُمْ بِكُلِّ مَا صَنَعَ ٱللّٰهُ مَعَهُمْ».
ص ١٤: ٢٧ وع ١٢: وص ٢١: ١٩
قَبِلَتْهُمُ أي رحبت بهم.
بِكُلِّ مَا صَنَعَ ٱللّٰهُ مَعَهُمْ معظم الأخبار لبولس وبرنابا فإنهما قصا عليهم حوادث سفرهما إلى قبرس ثم إلى آسيا الصغرى ذاكرين مقاومة اليهود لهما وخصوصاً قبول الأمم للإنجيل. ولا ريب في أنهما ذكرا أنهما عمّداهم وقبلاهم في شركة الكنيسة بدون أن يجبراهم على حفظ الناموس. وهذا الاجتماع كان قبل التئام المجمع فكان مقدمة له.
٥ «وَلٰكِنْ قَامَ أُنَاسٌ مِنَ ٱلَّذِينَ كَانُوا قَدْ آمَنُوا مِنْ مَذْهَبِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ وَقَالُوا: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَنُوا، وَيُوصَوْا بِأَنْ يَحْفَظُوا نَامُوسَ مُوسَى».
ع ١
ما في هذه الآية كلام لوقا كاتب هذا السفر لا جزء من خبر بولس وبرنابا.
قَامَ أُنَاسٌ للخطاب بعدما فرغ بولس وبرنابا من حديثهما وهؤلاء أتوا قصد أن يعترضوا على الرسولين.
مِنْ مَذْهَبِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ امتاز هذا المذهب بين اليهود بشدة تمسك أربابه برسوم الشريعة الموسوية فبقي المتنصرون من أهله شديدي التمسك بتلك الرسوم وكان بولس أصلاً منهم لكنه آمن بأن يسوع مسيح العالم ومخلصه أما هم فآمنوا بأنه مسيح اليهود ومخلصهم فقط.
يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَنُوا ذكروا الختان قبل غيره من رسوم الناموس لأنه كان عندهم أهمها.
يَحْفَظُوا نَامُوسَ مُوسَى هذا تفسير لقولهم «ينبغي» وبيان لوجوب الختان وغيره من الرسوم الناموسية.
٦ «فَٱجْتَمَعَ ٱلرُّسُلُ وَٱلْمَشَايِخُ لِيَنْظُرُوا فِي هٰذَا ٱلأَمْرِ».
لم يحكم الرسل بهذه المسئلة وحدهم بل دعوا المشائخ للنظر فيها ولعلهم دعوا بعض مشائخ الكنائس المجاورة لأورشليم لأهمية الأمر لنجاح الكنيسة وراحتها في المستقبل. وهذا هو المجمع الأول في الكنيسة المسيحية حضره أكثر رؤساء النصرانية في ذلك الوقت وهذه المسئلة ليست أقل أهمية من غيرها في المسائل الثلاث العظمى التي شغلت أفكار الكنيسة منذ تأسيسها وهي أولها وكانت سنة ٥٠ ب. م. والثاني مسئلة تأسيسها وهي للأقانيم الثلاثة جوهراً واحداً وأنهم متساوون في القدرة والمجد وكانت هذه هي القرن الرابع. والثالثة مسئلة التبرير بالإيمان وكانت في القرن السادس عشر. ومما يحقق أهمية المسألة الأولة أنه يتوقف عليها أن تكون الكنيسة المسيحية فرعاً من الكنيسة اليهودية محصورة في دائرتها الصغيرة أو أن تكون كنيسة جامعة تفتح أبوابها لكل بشر الأرض.
٧ «فَبَعْدَ مَا حَصَلَتْ مُبَاحَثَةٌ كَثِيرَةٌ قَامَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُمْ: أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلإِخْوَةُ، أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنْذُ أَيَّامٍ قَدِيمَةٍ ٱخْتَارَ ٱللّٰهُ بَيْنَنَا أَنَّهُ بِفَمِي يَسْمَعُ ٱلأُمَمُ كَلِمَةَ ٱلإِنْجِيلِ وَيُؤْمِنُونَ».
ص ١٠: ٢٠ و١١: ١٢
مُبَاحَثَةٌ كَثِيرَةٌ بين الحزبين اليهودي العتيق الذي كان يريد أن يضع نير الرسوم الموسوية على أعناق المؤمنين واليوناني الجديد الراغب في الحرية. وكان موضوع المباحثة نسبة الناموس الرمزي إلى الإنجيل ونسبة موسى إلى المسيح. ولم يبيّن الكاتب من هم المتباحثون ولا ماذا كان كلامهم لكنه اقتصر على ذكر الكلام الختامي.
قَامَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَه لم يستطع بطرس أن ينسى الرؤيا في يافا واختباره في قيصرية حيث سكب الله روحه على كرنيليوس وأصدقائه ودفعه حينئذ عن نفسه أمام كنيسة أورشليم حين شكاه أهل الختان لمخالطته أناساً من الأمم وإدخاله إياهم الكنيسة المسيحية (ص ١١: ٢). ولا ريب في أنه كان لكلامه في المجمع تأثير عظيم لأنه من فائقي الرسل وأكبرهم سناً.
أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنْذُ أَيَّامٍ قَدِيمَةٍ أشار بذلك إلى قصة كرنيليوس الذي هو أدخله الكنيسة بلا ختان ولا غيره من الرسوم الموسوية قبل هذه المباحثة بنحو عشر سنين.
ٱخْتَارَ ٱللّٰهُ (انظر متّى ١٦: ١٨ وأعمال ص ١٠).
بَيْنَنَا أي نحن الرسل وسائر المؤمنين.
بِفَمِي أي بوعظي. كانت الشكوى على بولس وبرنابا أنهما أتيا أمراً جديداً في الدين حسبوه تعديّاً لحقوق اليهود لكن بطرس الذي هو رسول الختان سبقهما إلى ذلك منذ عدة سنين إذ وعظ أناساً من الأمم وقبلهم في الكنيسة.
٨ «وَٱللّٰهُ ٱلْعَارِفُ ٱلْقُلُوبَ شَهِدَ لَهُمْ مُعْطِياً لَهُمُ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ كَمَا لَنَا أَيْضاً».
١أيام ٢٨: ٩ وص ١: ٢٤ ص ١٠: ٤٤
ٱللّٰهُ أي أن بطرس لم يأت ما ذُكر من تلقاء نفسه إنما الله هو الذي أمره بما فعل. فاحتجاجه هنا كاحتجاجه في (ص ١١: ٧).
ٱلْعَارِفُ ٱلْقُلُوبَ مرّ هذا النعت في (ص ١: ٢٤) ولأنه تعالى عارف القلوب لا يمكن أن يخفى عليه مؤمنون بالحق شهُد لهم أم لم يُشهد.
شَهِدَ لَهُمْ الخ أي لمؤمني الأمم بسكب روحه عليهم كما سكبه يوم الخمسين علينا نحن مؤمني اليهود (ص ١٠: ٤٥ و٤٦).
٩ «وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِشَيْءٍ، إِذْ طَهَّرَ بِٱلإِيمَانِ قُلُوبَهُمْ».
رومية ١٠: ١١ الخ ص ١٠: ١٥ و٢٨ و٤٣ و١كورنثوس ١: ٢٢ و١بطرس ١: ٢٢
بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ نحن اليهود أهل الختان المؤمنين بيسوع والوثنيين أهل الغرلة المؤمنين به. إن الله أعلن للفريقين معجزة واحدة (أي حلول الروح القدس) وتأثيراً قلبياً واحداً.
إِذْ طَهَّرَ بِٱلإِيمَانِ قُلُوبَهُمْ أشار بهذا إلى قوله تعالى في الرؤيا «مَا طَهَّرَهُ ٱللّٰهُ لاَ تُدَنِّسْهُ أَنْتَ» (ص ١٠: ١٥). إن اليهود حسبوا الأمم نجسين لأنهم غلف وإنهم يطهرون بالختان. ولكن بطرس قال هنا إن الله طهرهم بالإيمان ختان القلب الحقيقي. والبرهان على ذلك أنه تعالى سكب الروح القدس على المؤمنين من الأمم وهم غير مختونين كما سكب على المؤمنين من اليهود. وقوله هنا «طهر بالإيمان» موافق لقول المسيح «قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلاَمُكَ هُوَ حَقٌّ» (يوحنا ١٧: ١٧). لأن كرنيليوس وأصدقاءه آمنوا بإنجيل المسيح الذي يقدس به الروح قلوب المؤمنين.
١٠ «فَٱلآنَ لِمَاذَا تُجَرِّبُونَ ٱللّٰهَ بِوَضْعِ نِيرٍ عَلَى عُنُقِ ٱلتَّلاَمِيذِ لَمْ يَسْتَطِعْ آبَاؤُنَا وَلاَ نَحْنُ أَنْ نَحْمِلَهُ؟».
متّى ٢٣: ٤ وغلاطية ٥: ١
فَٱلآنَ أي وإذا كان الأمر كما ذُكر.
تُجَرِّبُونَ ٱللّٰهَ أي صبره وطول أناته بطلب براهين أُخر على ما أوضحه أحسن إيضاح لأن الله قد صرّح بأن الإيمان هو الشرط الوحيد لدخول الكنيسة فمن يطلب زيادة برهان على ذلك أو شروطاً أُخر فوق الشرط الذي وضعه الله فهو يجربه تعالى.
نِيرٍ أي رسوم الشريعة الموسوية. ولعله قصد أيضاً بهذا النير كل الناموس الذي ظن الناس أنهم يحصلون على البر بحفظه (غلاطية ٥: ١).
لَمْ يَسْتَطِعْ آبَاؤُنَا الخ هذا إقرار بضعف البشر لا شكوى على الناموس نفسه ولا على الله واضعه. والمعنى أنه إذا كان هذا اختبار آبائنا واختبارنا لذلك النير وجب أن لا نضعه على الأمم أو نوجب عليهم حمله.
١١ «لٰكِنْ بِنِعْمَةِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ نُؤْمِنُ أَنْ نَخْلُصَ كَمَا أُولَئِكَ أَيْضاً».
رومية ٣: ٢٤ وأفسس ٢: ٨ وتيطس ٢: ١١ و٣: ٤ و٥
الكلمة ذات الشأن في هذه الآية هي «النعمة» وهي مقابلة الناموس. فالنعمة هي رجاؤنا الخلاص لا أعمال الناموس. نعم نمارس تلك الأعمال لكنا لا نخلص بها فإذا مارسها الأمم لا يخلصون بها إنما يخلصون بالنعمة فلماذا نوجب عليهم ما لا يجديهم نفعاً (رومية ٨: ١ وغلاطية ٢: ١٦). وتعليم الخلاص بالنعمة وهو محور كل تعاليم الإنجيل ففيه الرجاء الوحيد للخطأة الهالكين فليس في الصالحين من يغنيه صلاحه عن النعمة وليس في الأشرار من يمنعه شره منها. وخلاصة خطاب بطرس ثلاثة أمور:
- الأول: إن الله قضى بتلك المسئلة منذ سنين فإباءة قضائه الآن تجربة له تعالى.
- الثاني: إن شريعة موسى نير بدليل اختبار السلف للخلاص.
- الثالث: إن نعمة الرب يسوع وحدها كافية للخلاص. وهذا آخر ما ذُكر في هذا السفر من أمور بطرس.
نُؤْمِنُ أي مؤمنو اليهود.
أُولَئِكَ أي مؤمنو الأمم.
١٢ «فَسَكَتَ ٱلْجُمْهُورُ كُلُّهُ. وَكَانُوا يَسْمَعُونَ بَرْنَابَا وَبُولُسَ يُحَدِّثَانِ بِجَمِيعِ مَا صَنَعَ ٱللّٰهُ مِنَ ٱلآيَاتِ وَٱلْعَجَائِبِ فِي ٱلأُمَمِ بِوَاسِطَتِهِمْ».
ص ١٤: ٢٧
فَسَكَتَ عن الجدال وكان هذا من تأثير كلام بطرس ومنه أنه صار لبولس وبرنابا فرصة للتكلم وإصغاء من القوم إليهم ولم يكن لكلامه سلطان إنفاذ الحكم في المسئلة.
ٱلْجُمْهُورُ كُلُّهُ نستنتج من هذا أنه كان في المجمع كثيرون من أعضاء الكنيسة غير الرسل والمشائخ كما يظهر أيضاً من (ع ٢٢).
مِنَ ٱلآيَاتِ وَٱلْعَجَائِبِ فِي ٱلأُمَمِ أخبرا قبلاً الكنيسة بمناداتهما الأمم بالإنجيل وتأثيرهما وأخبراها هنا بالآيات والعجائب التي أجراها الله على أيديهما برهاناً على أنه تعالى هو الذي أرسلهما ليبشرا الأمم وأنه رضي تعميدهما الأمم ونظمهما إياهم كنائس بلا خضوع لناموس موسى وإثباتاً لما قاله بطرس في (ع ٨).
١٣ «وَبَعْدَمَا سَكَتَا قَالَ يَعْقُوبُ: أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلإِخْوَةُ، ٱسْمَعُونِي».
ع ١٢: ١٧
قَالَ يَعْقُوبُ كان كلامه بمنزلة الجواب لما سبق من كلام بطرس وبولس وبرنابا وللمسئلة التي اجتمعوا للنظر فيها. وكان جوابه قاطعاً لكل قول في تلك المسئلة.
ويعقوب المذكور هنا هو أخو الرب (انظر غلاطية ١: ١٩ و٢: ٩) وهو كاتب الرسالة المشهورة واعتقد أكثرهم أنه كان رئيس هذا المجمع. ظن بعضهم أنه ليس من الرسل وأنه لم يؤمن بالمسيح قبل صلبه (يوحنا ٧: ٥) لكنه اقتنع من ظهور المسيح له بعد قيامته (١كورنثوس ١٥: ٧). وظن آخرون أنه يعقوب بن حلفي وأنه ابن خالة المسيح وسُمي أخاه في اصطلاح اليهود (تكوين ١٤: ١٦ و٢٩: ١٢ و١٥) والأرجح أنه أقام بأورشليم أكثر من سائر الرسل واعتنى بكنيستها اعتناء خاصاً بمنزلة راع لها (ص ١٢: ١٧ و٢١: ١٨ و١كورنثوس ١٥: ٧ وغلاطية ١: ١٩ و٢: ٩ و١٢).
١٤، ١٥ «١٤ سِمْعَانُ قَدْ أَخْبَرَ كَيْفَ ٱفْتَقَدَ ٱللّٰهُ أَوَّلاً ٱلأُمَمَ لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ شَعْباً عَلَى ٱسْمِهِ. ١٥ وَهٰذَا تُوافِقُهُ أَقْوَالُ ٱلأَنْبِيَاءِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ».
ع ٧ عاموس ٩: ١١ و١٢
سِمْعَانُ أي بطرس (متّى ١٠: ٢ و٢بطرس ١: ١).
ٱفْتَقَدَ ٱللّٰهُ أَوَّلاً ٱلأُمَمَ أي قبل أن أخذ بولس وبرنابا يبشرانهم. فإذاً الله حكم في المسئلة لا هما وأجاز ما فعله بطرس وما فعلاه هما.
لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ شَعْباً كما أخذ أمة اليهود قديماً.
عَلَى ٱسْمِهِ أي له ومنسوباً إليه ومتكلاً عليه ويتضمن ذلك أن يكون لمجده وإكرامه كما كان الإسرائيليون قبلاً.
أَقْوَالُ ٱلأَنْبِيَاءِ أخذ يعقوب هنا يبرهن أن ما فعل الله بواسطة بولس وبرنابا من قبول الأمم يوافق كلامه للأنبياء وعلى ذلك تكون «الآيات والعجائب» التي ظهرت عند إيمان كرنيليوس وقبوله في الكنيسة والتي اقترنت بتبشير بولس وبرنابا للأمم ليست إلا ختم الله لما أنبأ به بالأنبياء منذ قرون كثيرة.
الطريق التي اتخذها يعقوب لتصديق ما فعله الرسولان يجب أن تكون طريق كل مسيحي في كل عصر وهو أن يقابل كل أمر ديني بأقوال الله فإن وافقها سلم به وإلا وجب رفضه.
١٦ «سَأَرْجِعُ بَعْدَ هٰذَا وَأَبْنِي أَيْضاً خَيْمَةَ دَاوُدَ ٱلسَّاقِطَةَ، وَأَبْنِي أَيْضاً رَدْمَهَا وَأُقِيمُهَا ثَانِيَةً».
اقتصر يعقوب على قول واحد من أقوال الأنبياء مثالاً لسائرها وهذا القول من نبوءة عاموس (عاموس ٩: ١١ و١٢) على ما في ترجمة السبعين التي اعتاد اليهود استعمالها. وهو إنباء بدعوة الأمم إلى الشركة في فوائد مجيء المسيح بدون ذكر الختان أو غيره من الرسوم الموسوية شرطاً ضرورياً لذلك.
سَأَرْجِعُ بَعْدَ هٰذَا أي أنه تعالى يرجع بنعمه وبركاته بعد حدوث المشقات والضيقات المذكورة في (عاموس ٩: ٨ – ١٠).
وَأَبْنِي أَيْضاً خَيْمَةَ دَاوُدَ ٱلسَّاقِطَةَ صرّح الله هنا بأن الكنيسة اليهودية قد سقطت وأنه قصد أن يبنيها جديداً على أطلالها القديمة. ويتضمن هذا الوعد مسرته بشعبه وتمتع الشعب بكل ما سبق من بركاته الروحية وهو أنباء بمجيء المسيح ابن داود وإنشاء مملكة روحية هي الكنيسة المسيحية التي كنيسة اليهود لم تكن إلا استعدادية لها.
١٧ «لِكَيْ يَطْلُبَ ٱلْبَاقُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ ٱلرَّبَّ، وَجَمِيعُ ٱلأُمَمِ ٱلَّذِينَ دُعِيَ ٱسْمِي عَلَيْهِمْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱلصَّانِعُ هٰذَا كُلَّهُ».
ٱلْبَاقُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ أي الذين خارج الكنيسة اليهودية. فالذي فهمه مترجمو السبعينية هو ما فهمه يعقوب وهو أن الله قصد الأمم بما قاله هنا. وهو مفاد الأصل العبراني إلا أنه ذكر أدوم زيادة على ذلك بناء على أن الآدوميين كانوا أعداء للإسرائيليين منذ أول عهدهم ولكنهم مع ذلك لا يخرجون عن دائرة الوعد. فإذاً وعده تعالى أن يبني خيمة داود بالمسيح يتضمن أن الأمم تشارك اليهود في فوائد هذا البناء. وعلامة إنجاز هذا الوعد أنهم يطلبون ذلك بالرغبة كما يفيد قوله في أول هذه الآية «لكي يطلب الخ».
ٱلأُمَمِ ٱلَّذِينَ دُعِيَ ٱسْمِي عَلَيْهِمْ كما دُعي على الإسرائيليين قبلاً والمعنى أن الله يجعلهم شعبه. وخلاصة ما اقتبسه يعقوب من نبوءة عاموس أن إقامة خيمة داود الروحية الحقة تتضمن قبول كل مؤمن من نسل آدم من اليهود والأمم في كنيسة المسيح بلا أدنى تلميح إلى وجوب حفظ الرسوم الموسوية.
ٱلرَّبُّ ٱلصَّانِعُ هٰذَا كُلَّهُ الذي ينجز ما وعد لا محالة.
١٨ «مَعْلُومَةٌ عِنْدَ ٱلرَّبِّ مُنْذُ ٱلأَزَلِ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ».
جَمِيعُ أَعْمَالِهِ أي كل ما يتعلق بإقامة خيمة داود الساقطة ودعوة الأمم. وذلك إنشاء ملكوت روحي يشتمل على اليهود والأمم سواء بدون حفظ الرسوم الموسوية بشرط الإيمان فقط. وهذا مما قصده الله الذي لا يمكن أن يتغيّر وقال يعقوب هذا دفعاً لقول المتهمين بأن قبول الأمم في الكنيسة المسيحية بدعة في الدين. ويلزم من كلام يعقوب حظر مقاومة ما قضى الله به فإنهم إن منعوا الأمم عن الخلاص لعدم اختتانهم قاوموا الله.
١٩ «لِذٰلِكَ أَنَا أَرَى أَنْ لاَ يُثَقَّلَ عَلَى ٱلرَّاجِعِينَ إِلَى ٱللّٰهِ مِنَ ٱلأُمَمِ».
ع ٢٨ ١تسالونيكي ١: ٩
لِذٰلِكَ أي بناء على ما أعلنه الله وشهد به الأنبياء.
أَنَا أَرَى كواحد من المجمع لا كحاكم حكماً فاصلاً. لكن المجمع اقتنع بما قاله هو وما قاله غيره قبله فإنه لم يعترض بعد كلامه أحد أو يتكلم شيئاً وهو عرض على المجمع الرقيم الذي رضيه كلهم (ص ١٦: ٤).
لاَ يُثَقَّلَ بإجبارهم على حفظ الرسوم الموسوية كأنه شرط ضروري للخلاص علاوة على الإيمان.
عَلَى ٱلرَّاجِعِينَ إِلَى ٱللّٰهِ الخ من الآلهة الباطلة إلى الله الحق.
٢٠ «بَلْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ أَنْ يَمْتَنِعُوا عَنْ نَجَاسَاتِ ٱلأَصْنَامِ، وَٱلزِّنَا، وَٱلْمَخْنُوقِ، وَٱلدَّمِ».
تكوين ٤٦: ٢ وخروج ٢٠: ٣ و٢٣ وحزقيال ٢٠: ٣٠ و١كورنثوس ٨: ١ و١٠: ٢٠ و٢٩ ورؤيا ٢: ١٤ و٢٠ و١كورنثوس ٦: ٧ و١٨ وغلاطية ٥: ١٩ وأفسس ٥: ٣ وكولوسي ٣: ٥ و١تسالونيكي ٤: ٣ و١بطرس ٤: ٣ تكوين ٩: ٤ ولاويين ٣: ١٧ و١٧: ١٣ و١٤ وتثنية ١٢: ١٦ و٢٣ و٢٤
بَلْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ ارتأى يعقوب أنهم يكتبون إلى مؤمني الأمم أن يمتنعوا عن أربعة أمور اثنان منها من متعلقات الدين الوثني الذي تركوه. والمقصود من النهي عنهما نفعهم وهو أن يتخلصوا من كل تجارب سيرتهم الأولى ولكي لا يكونوا عثرة لغيرهم. واثنان من متعلقات الشريعة الموسوية والمقصود بالنهي عنهما توقي أن يُعثروا إخوتهم من مؤمني اليهود.
نَجَاسَاتِ ٱلأَصْنَامِ أي مشاركة الوثنيين في ولائمهم الهيكلية والبيتية وحيث يكون اللحم الذي يأكلونه مما ذُبح للأوثان إكراماً وعبادة لها. ولعله قصد أيضاً أن يمتنعوا من أكل ما بقي من ذلك اللحم وبيع في الأسواق. وهو ما قال فيه بولس أن ليس أكله محرماً بنفسه لكنه أوجب اعتزاله حذراً من إعثار الإخوة من مؤمني اليهود الذين حسبوه نجساً ومنجساً (١كورنثوس ١: ١٩ – ٣٣).
وَٱلزِّنَا عجب بعضهم من ذكر الزنا مع بعض الرسوم والأرجح أن عطف الزنا على نجاسات الأمم منعطف المسبب على السبب. والمعنى أن مشاركتهم الأمم في الأول سبب لمشاركتهم إياهم في الثاني أو عرضة لها لأن عبادة الأوثان كثيراً ما تقترن بتلك الرذيلة. لأن الهياكل كثيراً ما كانت بمنزلة المزاني وكاهناتها زانيات فلم يستطع أحد أن يأتي ولائم الهياكل الوثنية بدون أن يتهم بالزنا. والوثنيون القدماء لم يحسبوا ذلك خطيئة البتة لأن ديانتهم أحلّته لهم. فكان على مؤمني الأمم أن يظهروا مقتهم لذلك الإثم الفظيع قولاً وفعلاً.
وَٱلْمَخْنُوقِ، وَٱلدَّمِ المخنوق المقتول بلا سفك دم. أراد يعقوب أن يمتنع مؤمنو الأمم عن هذين الأمرين لأنهما من المحرمات عند اليهود إذ نهى عنهما (تكوين ٩: ٤ و٥ ولاويين ٣: ١٧ و٧: ٢٦ وتثنية ١٢: ١٦). فلم يكن في وسع مؤمني الأمم أن يأكلوهما بدون أن يعثروا إخوتهم من مؤمني اليهود فيحصل من ذلك الخصام والتشويش.
وهذه النصائح الأربع اقتضتها أحوال المسيحيين في ذلك الزمان فلم تكن واجبة إلا مع دوام الموجب لحفظها. نعم وجوب حفظ الثاني دائم ولكن لما انتشرت الديانة المسيحية بين الأمم وهنت الوثنية وهُجرت هياكل الأوثان وانتهت نجاساتها. ولما انتشرت بين اليهود رأى المؤمنون منهم أن الذبيحة العظيمة قد قدمت وأنه لم يبق من حاجة إلى الرموز إليها والامتناع عما يحط شأن تلك الرموز.
٢١ «لأَنَّ مُوسَى مُنْذُ أَجْيَالٍ قَدِيمَةٍ لَهُ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ مَنْ يَكْرِزُ بِهِ، إِذْ يُقْرَأُ فِي ٱلْمَجَامِعِ كُلَّ سَبْتٍ».
ص ١٣: ١٥ و٢٧
لأَنَّ هذا إما تعليل للكتابة إلى الأمم دون اليهود (انظر ع ٢٣) إذ اليهود لا يحتاجون إليها لسمعهم مثلها في مجامعهم دائماً وأما احتراز من أن مؤمني الأمم يغيظون مؤمني اليهود أو يعثرونهم لأن مؤمني الأمم لم يكونوا منفصلين عن مؤمني اليهود الذين لم يفتأوا يسمعون شريعة موسى ويحفظونها بل كانوا يخالطونهم دائماً.
مُوسَى هذا دليل واضح على أن يعقوب اعتقد أن موسى هو كاتب أسفار الشريعة وأنه هو المشترع في أمور العبادة.
فِي كُلِّ مَدِينَةٍ كان لليهود مهاجر في كل المدن الكبيرة شرقي أورشليم وغربيها كمدن قبرس ومصر والمملكة الرومانية وفي أكثرها مجامع اليهود.
إِذْ يُقْرَأُ أي تُقرأ كتبه.
فِي ٱلْمَجَامِعِ سبق الكلام على المجامع في (ص ٦: ٩ ومتّى ٤: ٢٣) وكان دخول تلك المجامع مباحاً للمسيحيين والأمم فلا يصعب عليهم أن يعرفوا عقائد اليهود وأعمالهم فلا حجة لهم في ارتكاب ما يكدّر مؤمني اليهود أو يجرح ضمائرهم ويضع أمامهم حجر صدمة.
كُلَّ سَبْتٍ أي اليوم السابع الذي هو راحة مقدسة لليهود فإذا كانوا لا يسمعون كتب موسى المعيّن للعبادة عندهم.
٢٢ «حِينَئِذٍ رَأَى ٱلرُّسُلُ وَٱلْمَشَايِخُ مَعَ كُلِّ ٱلْكَنِيسَةِ أَنْ يَخْتَارُوا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ، فَيُرْسِلُوهُمَا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ مَعَ بُولُسَ وَبَرْنَابَا: يَهُوذَا ٱلْمُلَقَّبَ بَرْسَابَا، وَسِيلاَ، رَجُلَيْنِ مُتَقَدِّمَيْنِ فِي ٱلإِخْوَةِ».
ص ١: ٢٣
رَأَى أي حكم.
ٱلرُّسُلُ وَٱلْمَشَايِخُ مَعَ كُلِّ ٱلْكَنِيسَةِ وهم أعضاء المجمع لا الرسل فقط ولا الرسل والمشائخ دون سائر الكنيسة.
رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ أي من أعضاء كنيسة أورشليم التي هي أم الكنائس ولعل ذينك الرجلين كانا من مشائخ الكنيسة.
إِلَى أَنْطَاكِيَةَ أرسلوهما إلى أنطاكية لأن الدعوة رُفعت منها إليهم.
مَعَ بُولُسَ وَبَرْنَابَا إظهاراً لثقة كنيسة أورشليم بهما واعتبارهما إياهما ولدفع اتهامهما بتزوير الكتابة إن كانت معهما دون غيرهما أو دفعاً لتوهم أن هذه الكتابة رأي بعض الكنيسة لا كلها.
بَرْسَابَا أي ابن سابا كيوستس الذي ذُكر في (ص ١: ٢٣) ولذلك ظنه بعضهم أخاه ولا نعلم من أمره سوى أنه نبي (ع ٣٢).
سِيلاَ هو سلوانس سُمي بالأول في سفر الأعمال وبالثاني في الرسائل (١تسالونيكي ١: ١ و٢تسالونيكي ١: ١ و٢كورنثوس ١: ١٩ و١بطرس ٥: ١٢) وهو كان رفيق بولس في سفره الثاني للتبشير (ص ١٥: ٤٠) وسجن معه في فيلبي (ص ١٦: ٢٥).
مُتَقَدِّمَيْنِ فِي ٱلإِخْوَةِ يحتمل أنهما كانا ممن رافقوا المسيح وهو على الأرض ولذلك كان لهما احترام زائد.
٢٣ «وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ هٰكَذَا: اَلرُّسُلُ وَٱلْمَشَايِخُ وَٱلإِخْوَةُ يُهْدُونَ سَلاَماً إِلَى ٱلإِخْوَةِ ٱلَّذِينَ مِنَ ٱلأُمَمِ فِي أَنْطَاكِيَةَ وَسُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ».
كَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ أي كتبوا الرقيم وأرسلوه بواسطة الأربعة بولس وبرنابا ويهوذا وسيلا ففي العبارة إيجاز الحذف.
اَلرُّسُلُ من هذه الكلمة إلى نهاية (ع ٢٧) مقدمة للرقيم تتضمن تخطئة المعلمين الكذبة وذمهم وتصويب الرسولين ومدحهما.
يُهْدُونَ سَلاَماً أي يسألون الله سلاماً لكم ومثل هذه التحية لم يُذكر في رسائل المسيحيين في غير هذا الموضع من العهد الجديد إلا في رسالة يعقوب (يعقوب ١: ١) وهذا مما يدل على أن الرسالة كانت من إنشاء يعقوب كما يدل على ذلك موافقة الرقيم لأسلوب خطابه.
ٱلإِخْوَةِ ٱلَّذِينَ مِنَ ٱلأُمَمِ لأن الكتابة إليهم دون غيرهم. وهنا أظهرت كنيسة أورشليم مودتها لمؤمني الأمم بأن دعتهم إخوة.
أَنْطَاكِيَةَ وَسُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ هذا يدلنا على غيرة بولس وغيره في زرع كلمة الله في تلك الأماكن وعظمة الحصاد الذي كان منه بنعمة الله. ولولا هذا ما عرفنا أن الأمم في سورية التي هي البلاد المحيطة بأنطاكية وفي كيليكية وهي البلاد المجاور لطرسوس مولد بولس آمنوا بالمسيح جماعات وانتظموا كنائس. ولعل سبب كتابتهم إلى الإخوة في سورية وكيليكية أن المعلمين المفسدين ذهبوا إليهم وأزعجوهم فأرسلوا نواباً عنهم إلى أورشليم.
٢٤ «إِذْ قَدْ سَمِعْنَا أَنَّ أُنَاساً خَارِجِينَ مِنْ عِنْدِنَا أَزْعَجُوكُمْ بِأَقْوَالٍ، مُقَلِّبِينَ أَنْفُسَكُمْ، وَقَائِلِينَ أَنْ تَخْتَتِنُوا وَتَحْفَظُوا ٱلنَّامُوسَ ٱلَّذِينَ نَحْنُ لَمْ نَأْمُرْهُمْ».
ع ١ وغلاطية ١: ٧ و٢: ٤ و٣: ١ و٥: ١٢ وتيطس ١: ١٠ و١١
أُنَاساً خَارِجِينَ مِنْ عِنْدِنَا هذا دليل على أن أولئك المعلمين ادعوا أنهم رسل كنيسة أورشليم ونوابها في ما قالوا فالكنيسة نفت صحة ادّعاء أولئك الذين أزعجوا الكنائس المنتظمة من مؤمني الأمم.
أَزْعَجُوكُمْ أي أزالوا راحة ضمائركم وشكوكم في قبول الله إياكم بمجرد إيمانكم بالمسيح.
مُقَلِّبِينَ أَنْفُسَكُمْ هذا مصاب شر من الإزعاج نشأ عن أقوال أولئك المعلمين الفريسية لأنهم أضروا أنفسهم به وجعلوهم عرضة للهلاك الأبدي بأن عدلوا بهم عن الخلاص بالإيمان إلى الخلاص بالأعمال.
ٱلنَّامُوسَ أي الناموس الرمزي الذي زال بإتيان المرموز إليه أو الناموس رمزياً وأدبياً باعتبار جعلهم حفظة علة التبرير والخلاص.
ٱلَّذِينَ نَحْنُ لَمْ نَأْمُرْهُمْ نفت كنيسة أورشليم أنها أعطت أولئك المعلمين شيئاً من سلطان التعليم ولو استشاروا الرسل قبلاً ما وقع هذا الخلاف.
٢٥، ٢٦ «٢٥ رَأَيْنَا وَقَدْ صِرْنَا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ أَنْ نَخْتَارَ رَجُلَيْنِ وَنُرْسِلَهُمَا إِلَيْكُمْ مَعَ حَبِيبَيْنَا بَرْنَابَا وَبُولُسَ، ٢٦ رَجُلَيْنِ قَدْ بَذَلاَ نَفْسَيْهِمَا لأَجْلِ ٱسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».
ص ١٢: ٥٠ و١٤: ١٩ و١كورنثوس ١٥: ٣٠ و٢كورنثوس ١١: ٤٣ و٢٦
وَقَدْ صِرْنَا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ في هذا تلميح إلى أنهم وإن كان قد حدث شيء بين أعضاء كنيسة أورشليم من اختلاف الآراء (ع ١٤ و١٥) اتفقوا بعد المحاورة كل الاتفاق.
أَنْ نَخْتَارَ رَجُلَيْنِ وَنُرْسِلَهُمَا صرّح المجمع أنه هو الذي اختار النائبين وأرسلهما لا بولس وبرنابا.
حَبِيبَيْنَا هذه شهادة حسنة لهما وبيان لثقة الرسل والمشائخ بهما وإكرام لهما وإقرار بسلطانهما على تعليم الأمم ونظمهما مؤمنيهم كنائس.
بَذَلاَ نَفْسَيْهِمَا الخ هذا يدل على أن أعضاء المجمع عرفوا حوادث أنطاكية بيسيدية (ص ١٣: ٥٠) ولسترة ص ١٤: ١٩). ويتضمن مدحهم شجاعتهما وأنهما عرضا أنفسهما للخطر رغبة في إكرام المسيح وخدمته باعتبار كونه مخلصاً وملكاً ممسوحاً. وأبانوا بقولهم «ربنا» العلاقة بينهم وبين الرسولين وهي أن الذي بذلا أنفسهما لأجله هو ربّنا وربهما.
لم يكن من عادة المسيحيين الأولين أن يمدح بعضهم بعضاً ولعل الموجب لمدح بولس وبرنابا هنا طعن المعلمين المفسدين في صيتهما وسلطانهما وفي معرفة الرسل إياهما رسولين.
٢٧ «فَقَدْ أَرْسَلْنَا يَهُوذَا وَسِيلاَ، وَهُمَا يُخْبِرَانِكُمْ بِنَفْسِ ٱلأُمُورِ شِفَاهاً».
يُخْبِرَانِكُمْ بِنَفْسِ ٱلأُمُورِ التي أخبرناكم بها كتابة. فكان لهما أن يؤكدا لهم أن ذلك الرقيم من المجمع نفسه وأن كل أعضائه اتفقوا عليه وأن بولس وبرنابا مكرمان ومحبوبان لدى جميع الرسل وسائر المسيحيين الذين في أورشليم وكانا مستعدَّين أن يجاوبا كل من يسألهما من كنيسة أنطاكية ويفسرا ما يحتاج إلى التفسير وكل ذلك لكي يجعلا الاتفاق بين أعضاء الكنيسة ويريحوا ضمائر المزعجين.
٢٨، ٢٩ «٢٨ لأَنَّهُ قَدْ رَأَى ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ وَنَحْنُ، أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلاً أَكْثَرَ، غَيْرَ هٰذِهِ ٱلأَشْيَاءِ ٱلْوَاجِبَةِ: ٢٩ أَنْ تَمْتَنِعُوا عَمَّا ذُبِحَ لِلأَصْنَامِ، وَعَنِ ٱلدَّمِ، وَٱلْمَخْنُوقِ، وَٱلزِّنَا، ٱلَّتِي إِنْ حَفِظْتُمْ أَنْفُسَكُمْ مِنْهَا فَنِعِمَّا تَفْعَلُونَ. كُونُوا مُعَافَيْنَ».
ع ٢٠ وص ٢١: ٢٥ ورؤيا ٢: ١٤ و٢٠ لاويين ١٧: ١٤
هاتان الآيتان تشتملان على حكم المجمع وما قبله مقدمة له.
رَأَى ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ هذا تصريح الرسل والمشائخ والكنيسة بأن ما حكموا به في المجمع هو ما حكم به الروح القدس. وهذا على وفق قول المسيح «إِنِ ٱتَّفَقَ ٱثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى ٱلأَرْضِ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا» (متّى ١٨: ١٩ و٢٠). وقوله «وَأَمَّا ٱلْمُعَزِّي، ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ، ٱلَّذِي سَيُرْسِلُهُ ٱلآبُ بِٱسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ» (يوحنا ١٤: ٢٦).
وَنَحْنُ باعتبار كوننا وسائل لإعلان المشيئة الإلهية. وما قيل هنا في ما حكم به المجمع لا يدل على أن ما حكم به غيره من المجامع كان بسلطان إلهي إلا أن يبرهن أنه التأم بإرشاد الروح القدس وسياسته.
غَيْرَ هٰذِهِ ٱلأَشْيَاءِ ٱلْوَاجِبَةِ كان وجوبها من مقتضى الأحوال يومئذ فهي وقتية سوى المنع عن الزنا. وحكم بها المجمع لأربع غايات:
- الأولى: حفظ سلام الكنائس المنتظم من مؤمني اليهود والأمم.
- الثانية: إراحة ضمائر مؤمني الأمم.
- الثالثة: حمل مؤمني الأمم على اعتزال التجارب التي اعتادوها في ديانتهم الأولى.
- الرابعة: نفور الكنيسة المسيحية جهراً من رذائل الديانة الوثنية.
عَمَّا ذُبِحَ لِلأَصْنَامِ هذا تفسير «لنجاسات الأصنام» في (ع ٢٠) فراجع التفسير هناك. وسائر الآية هنا كما سبق في الآية العشرين إلا في الترتيب إذ جمع هنا الأطعمة المحرمة وأفرد الزنا أخيراً.
مِنْهَا أي أربعة الأمور المنهيّ عنها.
فَنِعِمَّا تَفْعَلُونَ يحتمل هذا ثلاثة معانٍ:
- الأول: أنهم بذلك يفعلون ما يجب عليهم أمام الله.
- الثاني: أنهم يفعلون ما يجب عليهم لإخوتهم حتى لا يعثر الضعفاء منهم.
- الثالث: إنهم ينفعون أنفسهم. وهنا المجمع مدح من قبل نصحهُ من دون أن يأمر بطاعته أو يحرم من خالفه.
كُونُوا مُعَافَيْنَ هذا ختام الرقيم بالصورة التي اعتادها اليونانيون (ص ٢٣: ٣٠) ومعناه إرادة دوام النجاح نفساً وجسداً.
أباحت كنيسة أورشليم المؤلفة من مؤمني اليهود لمؤمني الأمم ترك الرسوم الموسوية ولكنها بقيت مع سائر مؤمني اليهود تحفظها مع الرسوم المسيحية حفظاً كاملاً وقتاً ثم أخذت تتركها شيئاً فشيئاً إلى أن هدم الرومانيون مدينة أورشليم والهيكل ومن ذلك اليوم تركتها كلها.
٣٠، ٣١ «٣٠ فَهٰؤُلاَءِ لَمَّا أُطْلِقُوا جَاءُوا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ، وَجَمَعُوا ٱلْجُمْهُورَ وَدَفَعُوا ٱلرِّسَالَةَ. ٣١ فَلَمَّا قَرَأُوهَا فَرِحُوا لِسَبَبِ ٱلتَّعْزِيَةِ».
لَمَّا أُطْلِقُوا أي حين أذن لهم في الذهاب وشيعتهم الكنيسة تودداً وإكراماً.
ٱلْجُمْهُورَ جماعة الكنيسة التي أرسلت بولس وبرنابا إلى أورشليم لأن الرقيم أرسل إليهم جميعاً.
قَرَأُوهَا أي قرأها بعضهم على مسمع الكنيسة كلها.
فَرِحُوا لِسَبَبِ ٱلتَّعْزِيَةِ وهي انقطاع أسباب الجدال. وأعظم منه تحققهم أن إيمانهم لم يكن باطلاً وأن نفوسهم ليست بعرضة لخطر الهلاك من عدم حفظهم ناموس موسى وأن الكنيسة لم تحملهم ثقل الختان وغيره من الرسوم. وأن الأسلوب التي جرت عليه الكنيسة بإرشاد بولس وبرنابا كان مرضياً للروح القدس ولأمّ الكنائس. والذي حملهم على الفرح كان من شأنه أن يفرحهم وغيرهم من ذلك اليوم إلى هذه الساعة لأنه زال به الحاجز الذي منع امتداد الكنيسة ولأنه إعلان الحرية المسيحية التي منحها للكنيسة رئيسها وتفضيل شريعة النعمة على شريعة الأعمال. والحقائق التي تضمنها ذلك الرقيم شرحها وأوضحها بولس في رسالته إلى أهل رومية ورسالته إلى أهل غلاطية.
٣٢ «وَيَهُوذَا وَسِيلاَ، إِذْ كَانَا هُمَا أَيْضاً نَبِيَّيْنِ، وَعَظَا ٱلإِخْوَةَ بِكَلاَمٍ كَثِيرٍ وَشَدَّدَاهُمْ».
ص ١٤: ٢٢ و١٨: ٢٣
قبل أن أرسلتهما كنيسة أورشليم وسبق الكلام على الأنبياء في (ص ١١: ٢٧ و١٣: ١).
وَعَظَا الوعظ هنا يتضمن معنى التعزية. فوعظ في هذه الآية والتعزية في الآية السابقة مشتقان في اليونانية من أصل واحد فالمعنى أنهما عزّياهم بوعظهما في أمر الرقيم الذي أُرسل إليهم وشرحهما إياه وبيان ما أُثبت به من البراهين كما في خطاب بطرس وخطاب يعقوب.
شَدَّدَاهُمْ أي قوّياهم وثبّتاهم في إيمانهم بالمسيح بتعليمهما.
٣٣ «ثُمَّ بَعْدَ مَا صَرَفَا زَمَاناً أُطْلِقَا بِسَلاَمٍ مِنَ ٱلإِخْوَةِ إِلَى ٱلرُّسُلِ».
١كورنثوس ١٦: ١١ وعبرانيين ١١: ٣١
زَمَاناً كافياً لإتمام ما وُكل إليهما.
أُطْلِقَا بِسَلاَمٍ أي سلمت الكنيسة برجوعهما وشيعتهما بالصلاة لله والشكر لهما على غيرتهما المسيحية وتعزيتهما إياهم.
إِلَى ٱلرُّسُلِ أي إلى أورشليم مقام الرسل.
٣٤ «وَلٰكِنَّ سِيلاَ رَأَى أَنْ يَلْبَثَ هُنَاكَ».
يظهر من هذا أن سيلا رجع بعد أن غاب قليلاً أو أنه بدا له أن يقيم بأنطاكية وقتاً إجابة لطلب الإخوة.
٣٥ «أَمَّا بُولُسُ وَبَرْنَابَا فَأَقَامَا فِي أَنْطَاكِيَةَ يُعَلِّمَانِ وَيُبَشِّرَانِ مَعَ آخَرِينَ كَثِيرِينَ أَيْضاً بِكَلِمَةِ ٱلرَّبِّ».
ص ١٣: ١
أَمَّا بُولُسُ وَبَرْنَابَا فَأَقَامَا مواظبين على العمل الذي كانا يمارسانه قبل ذهابهما إلى أورشليم (ص ١٤: ٢٨).
مَعَ آخَرِينَ كَثِيرِينَ المرجّح أن أنطاكية كانت مركز التبشير لكل سورية ولذلك كثر فيها المبشرون فكان بعضهم يخرج منها ويعظ في الأماكن المختلفة والباقون يعلّمون الذين يأتون إليهم بغية التعلّم.
مفارقة بولس لبرنابا وشروعه في السفر الثاني ع ٣٦ إلى ٤١
٣٦ «ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ قَالَ بُولُسُ لِبَرْنَابَا: لِنَرْجِعْ وَنَفْتَقِدْ إِخْوَتَنَا فِي كُلِّ مَدِينَةٍ نَادَيْنَا فِيهَا بِكَلِمَةِ ٱلرَّبِّ، كَيْفَ هُمْ».
ص ١٣: ٤ و١٣ و١٤ و١٥ و١٤: ١ و٦ و٢٤ و٢٥
بَعْدَ أَيَّامٍ لا نعلم عددها لكن ظنها بعضهم نحو سنة بعد حكم المجمع الأورشليمي وأن بولس شرع في السفر الثاني للتبشير سنة ٥١ ب. م. وظن أكثر الكتبة أنه في المدة بين المجمع وسفر بولس الثاني حدث ما ذُكر في (غلاطية ٢: ١١ – ١٣) من تصرف بطرس في أنطاكية وتوبيخ بولس إياه.
قَالَ بُولُسُ أظهر بولس بهذا شدة عنايته بالكنائس التي أنشأها كما أظهرها في رسائله إليها ويؤيد ذلك قوله «عليّ الاهتمام بجميع الكنائس» (٢كورنثوس ١١: ٢٨ انظر أيضاً أفسس ١: ١٦ وفيلبي ١: ٣).
فِي كُلِّ مَدِينَةٍ في آسيا الصغرى ولعله قصد مدن قبرس أيضاً إذ كان قد أتى إليها في سفره الأول.
بِكَلِمَةِ ٱلرَّبّ أي إنجيل يسوع المسيح.
كَيْفَ هُمْ رغب في أن يعرف هل كثر أعضاء الكنائس وهل تقدم كل عضو منهم في الفضائل الروحيّة.
٣٧، ٣٨ «٣٧ فَأَشَارَ بَرْنَابَا أَنْ يَأْخُذَا مَعَهُمَا أَيْضاً يُوحَنَّا ٱلَّذِي يُدْعَى مَرْقُسَ، ٣٨ وَأَمَّا بُولُسُ فَكَانَ يَسْتَحْسِنُ أَنَّ ٱلَّذِي فَارَقَهُمَا مِنْ بَمْفِيلِيَّةَ وَلَمْ يَذْهَبْ مَعَهُمَا لِلْعَمَلِ، لاَ يَأْخُذَانِهِ مَعَهُمَا».
ص ١٢: ١٢ و٢٥ و١٣: ٥ وكولوسي ٤: ١٠ و٢تيموثاوس ٤: ١١ وفليمون ٢٤ ص ١٣: ١٣
فَأَشَارَ بَرْنَابَا… مَرْقُسَ رغب برنابا في أخذ مرقس معه لانه ابن اخته (كولوسي ٤: ١٠) ولهذا غض النظر عن سوء تصرفه سابقاً بتركه الخدمة في بداءتها.
وَأَمَّا بُولُسُ الخ حسب مرقس أنه غير أهل لخدمة الإنجيل لأنه تركه وبرنابا سابقاً في أول وضعه يده على المحراث (ص ١٣: ١٣). ولعله خاف أيضاً أن يتركهما وهما في شدة الاحتياج إليه. وإن صحّ ما قيل في شرح (ص ١٣: ١٣) من احتمال أنه تركهما إذ لم يرد أن يعرف بولس رسول الأمم كما عيّن الله وأن لذلك يستحق التقدّم على خاله كان ذلك سبباً أعظم مما ذُكر لعدم قبول بولس مرافقته.
٣٩، ٤٠ «٣٩ فَحَصَلَ بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ حَتَّى فَارَقَ أَحَدُهُمَا ٱلآخَرَ. وَبَرْنَابَا أَخَذَ مَرْقُسَ وَسَافَرَ فِي ٱلْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ. ٤٠ وَأَمَّا بُولُسُ فَٱخْتَارَ سِيلاَ وَخَرَجَ مُسْتَوْدَعاً مِنَ ٱلإِخْوَةِ إِلَى نِعْمَةِ ٱللّٰهِ».
ص ١٤: ٢٦
اختلافهما في الرأي أدى إلى الاختلاف في ما اعتمداه قبلاً إذ لم يرض أحد أن يعدل عن رأيه إلى رأي الآخر. ولكن هذا الاختلاف لم يكن إلا وقتياً ولم ينشأ عنه بغض البتة لأن بولس ذكر برنابا بعدئذ شريكاً له في عمل الرب (١كورنثوس ٩: ٦) ورضي عن مرقس ومدحه (٢تيموثاوس ٤: ١١ وكولوسي ٤: ١٠ و١١) على أن ذلك الاختلاف يثبت قول بولس لأهل لسترة نحن أيضاً بشر (ص ١٤: ١٥) وسمح الله بوقوعه لأعظم خير لأنه صار به فرقتان للتبشير بدلاً من واحدة وأربعة وعشرين بدلاً من اثنين.
مما يثبت صدق الكتاب المقدس أنه لا يستر زلات أفاضل أهله بخلاف كتب المزوّرين فإنها تقتصر على ذكر فضائل أهلها.
وَبَرْنَابَا أَخَذَ مَرْقُسَ الذي اختار أن يأخذه وأبى بولس أخذه.
إِلَى قُبْرُسَ موطنه الأصلي (ص ٤: ٣٦).
فَٱخْتَارَ سِيلاَ وَخَرَجَ لم يذكر الكاتب المدة بين ذهابه وذهاب برنابا ولعله كان بعد وقت كاف لأن يكتب بولس إلى أورشليم يستدعي سيلا منها إن كان قد وصل إليها كما يستنتج من (ع ٣٣) وما ذُكر في الآية الرابعة والثلاثين يشير إلى ما كان بعد رجوعه من أورشليم. وكان سيلا بعد وقت رفيق بطرس الرسول (١بطرس ٥: ١٢).
مُسْتَوْدَعاً مِنَ ٱلإِخْوَةِ الخ أي سألت الكنيسة عناية الله به وحفظه إيّاه وهذا دليل على أن الكنيسة استحسنت ما فعله أي لم تلمه على إباءته استخدام مرقس. وفي هذه الآية أنباء ببداءة سفر بولس الثاني الذي شغل به نحو ثلاث سنين ونصف سنة وذلك من سنة ٥١ إلى سنة ٥٤ ب. م وما بين رجوعه من سفره الأول وشروعه في الثاني خمس سنين.
٤١ «فَٱجْتَازَ فِي سُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ يُشَدِّدُ ٱلْكَنَائِسَ».
ص ١٦: ٥
فَٱجْتَازَ فِي سُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ اللتين قصبتاهما أنطاكية وطرسوس وهاتان مما لم يذهب إليه في سفره الأول ولا نعلم من أسس الكنائس فيهما. والمرجح أن مؤسسيها في سورية بولس وبرنابا وغيرهما من كنيسة أنطاكية (ع ٣٥) وأن مؤسسها في كيليكية بولس قبل أن دعاه برنابا إلى أنطاكية (ص ٩: ٣٠ و١١: ٢٥ و٢٦).
يُشَدِّدُ ٱلْكَنَائِسَ أي يقويها ويثبتها في الإيمان المسيحي ويتلو عليها رقيم المجمع المرسل إليهم (ع ٢٣).
كان سفر بولس الثاني في البرّ لا في البحر كالأول فاضطر أن يجتاز في سورية وكيليكيّة إلى المدن التي بشّرها في الأول.
السابق |
التالي |