أعمال الرسل

أعمال الرسل | 12 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح سفر أعمال الرسل 

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح الثاني عشر

استشهاد يعقوب وسجن بطرس ونجاته ع ١ إلى ١٩

١ «وَفِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ مَدَّ هِيرُودُسُ ٱلْمَلِكُ يَدَيْهِ لِيُسِيءَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ ٱلْكَنِيسَةِ».

فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ أي وقت مجيء برنابا وشاول إلى اليهودية المذكور في ص ١١: ٣٠) وكان سنة ٤٤ ب. م.

هِيرُودُسُ ٱلْمَلِكُ هو أغريباس الأول أخو هيروديا المذكورة في (متّى ١٤: ٣) فهو غير هيرودس المذكور في (متّى ٢: ١ و٣) وغير المذكور في (مرقس ٦: ١٤). إنما هو حفيد الأول وابن أخي الثاني أي أرستبولس الذي قتله جده هيرودس الكبير في سنة ٧ ب. م. وكان هيرودس أغريباس الأول قد أرسل عند مقتل أبيه إلى رومية ورُبي هنالك مع كليغولا وكلوديوس وهم في سن الصباء. ولما صار طيباريوس أمبراطوراً واغتاظ منه وسجنه ولما خلفه كليغولا أخرجه من سجنه وصاغ له سلاسل من ذهب وزنها كوزن سلاسل الحديد التي قيّد بها وولاه جزءاً من مملكة جده هيرودس الكبير. ولما خلفه كلوديوس ولاه بقية مملكة هيرودس الكبير وكانت منقسمة بعد وفاته بين أرخيلاوس وفيلبس وأنتيباس (انظر شرح متّى ٢: ٢٢).وهذا الملك مع أنه رُبي بين الوثنيين تظاهر حين استولى على اليهودية بالغيرة للدين اليهودي والشريعة الموسوية لكي يرضي اليهود لأنه استولى عليهم بأمر الرومانيين وكانوا يكرهون أن يستولوا على بلادهم كل الكراهة وصعب عليهم أن يقبلوا ملكاً يعينه الرومانيون عليهم.

يَدَيْهِ لِيُسِيءَ أي شرع في أن يظلم ويضطهد المسيحيين إما بالسجن وإما بالنفي وإما بسلب الأموال وإما بالقتل لغاية سياسية وهي تثبيت ملكه. وهذا أول اضطهاد ثار على المسيحيين من الرؤساء السياسيين وما سبق من الاضطهاد أثاره الرؤساء الدينيون.

وكانت بداءة هذا الاضطهاد السياسي سنة ٤٤ ب. م. وهي سنة نهاية السلام الذي تمتعت الكنيسة به أيام أمبراطورية كليغولا كما ذُكر في (ص ٩: ٣١) فانظر شرح ذلك.

أُنَاسٍ مِنَ ٱلْكَنِيسَةِ لم يذكر هنا عددهم ولا أسماؤهم والأرجح أن هؤلاء الناس من عامة الكنيسة والذين ذُكروا بعدهم هم من الرؤساء. وغاية الكاتب من ذلك أن يفهم القارئ أنه إن كان مثل ذلك قد وقع على الرؤساء فكم يكون الواقع على العامة المرؤوسة.

٢ «فَقَتَلَ يَعْقُوبَ أَخَا يُوحَنَّا بِٱلسَّيْفِ».

متّى ٤: ٢١ و٢٠: ٢٣

يَعْقُوبَ هو ممن دعاهم المسيح أولاً رسلاً (متّى ١٠: ١). وكان أحد الثلاثة الذين قربهم المسيح إليه خاصة إذ أخذهم معه حين أقام ابنة يايرس (مرقس ٥: ٣٧). وحين تجلّى على الجبل (متّى ١٧: ١). وحين تألم في بستان جثسيماني (متّى ٢٦: ٣٧).

أَخَا يُوحَنَّا مات يعقوب قبل أن كتب لوقا هذا السفر بسنين ولكن يوحنا كان حياً مشهوراً فذكر أنه «أخو يوحنا» بياناً لمن يجهلونه.

بِٱلسَّيْفِ أي قطع رأسه على ما يرجح كما فعل عمه بيوحنا المعمدان. وهذا القتل مما عده اليهود إهانة ولو حكم مجلس السبعين عليه بالتجديف مثلاً لحكم بقتله رجماً. فيحق أن يُحسب ما حدث له إيضاحاً لقول المسيح له ولأخيه «أَمَّا كَأْسِي فَتَشْرَبَانِهَا، وَبِالصِّبْغَةِ ٱلَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ» (متّى ٢٠: ٢٢). وكان يعقوب أول من مات من الرسل وأخوه يوحنا آخر من مات منهم على الأرجح. وكانت آلام يوحنا في خدمة المسيح أطول مدة من آلام يعقوب وإن كانت أقل شدة. ولنا من كونه أول من قبض عليهم هيرودس أنه كان من المتقدمين المشهورين بين المسيحيين.

٣ «وَإِذْ رَأَى أَنَّ ذٰلِكَ يُرْضِي ٱلْيَهُودَ، عَادَ فَقَبَضَ عَلَى بُطْرُسَ أَيْضاً. وَكَانَتْ أَيَّامُ ٱلْفَطِيرِ».

خروج ١٢: ١٤ و١٥ و٢٣: ١٥

وَإِذْ رَأَى أَنَّ ذٰلِكَ يُرْضِي ٱلْيَهُودَ عامتهم لا رؤساءهم فقط فالظاهر أن أفكار عامة اليهود تغيرت من جهة المسيحيين عما كانت عليه قبلاً كما بُين في (ص ٢: ٤٧ و٥: ١٣) من «أنه كان لهم نعمة عند الشعب وأن الشعب كان يعظمهم». والأرجح أن علة هذا التغير الحسد من كثرتهم والبغض لهم من الجدال العنيف بينهم ولعل الذي هيّج غضبهم هنا قبول المسيحيين المبغضين. والظاهر أنه لم يكن عارفاً أنه يسر بذلك الشعب إلى هذا الحد قبل الامتحان. وكانت غايته من ذلك الاضطهاد كغاية هيرودس الكبير من ترميم الهيكل لا الرغبة في الدين اليهودي ويتضح ذلك مما ذُكر في ع ٢٢ من استعداده أن يقبل لنفسه العبادة التي لا تجوز لغير الله.

قَبَضَ عَلَى بُطْرُسَ أَيْضاً لأنه من أكبر الرسل منزلة واعتباراً ولعله رجح أن يلاشي المسيحيين إذا قتل رؤساءهم وكذا ظن الأمبراطور ديسيوس سنة ٢٤٩ – ٢٥١ ب. م واجتهد في أن يقتل كل مبشري الكنيسة ورؤساءها. وظن دوكليانوس أنه يلاشي الدين المسيحي بملاشاته المساجد والكتب المسيحية وكان كل ذلك باطلاً لأن الكنيسة كانت تزداد بزيادة الاضطهاد.

أَيَّامُ ٱلْفَطِيرِ أي الأيام السبعة التي لا يحل لليهود فيها أن يكون في بيوتهم شيء من الخمير (خروج ١٢: ٨ و٢٧ وتثنية ١٦: ٣٨ ومتّى ٢٦: ١٧ ومرقس ١٤: ١٢ ولوقا ٢٢: ١ و٧). وكانت بداءة تلك الأيام اليوم الرابع عشر من نيسان وهي هنا في السنة الحادية عشرة من صلب المسيح. ولعل علة اختيار هيرودس ذلك الوقت لما فعل كثرة اليهود حينئذ في أورشليم وسرعة انتشار نبإ اضطهاده غيرة للدين اليهودي بذلك.

٤ «وَلَمَّا أَمْسَكَهُ وَضَعَهُ فِي ٱلسِّجْنِ، مُسَلِّماً إِيَّاهُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَرَابِعَ مِنَ ٱلْعَسْكَرِ لِيَحْرُسُوهُ، نَاوِياً أَنْ يُقَدِّمَهُ بَعْدَ ٱلْفِصْحِ إِلَى ٱلشَّعْبِ».

يوحنا ٢١: ١٨

مُسَلِّماً إِيَّاهُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَرَابِعَ فضلاً عن السجن العادي. وهذا دليل على شدة الحرص عليه كأنه أسير ذو شأن يخشى أن ينقذه أصدقاؤه. والمراد «بالأربعة الأرابع» ستة عشر جندياً كان من نظام الرومانيين أن يقسموهم أربعة أقسام نوبة كل أربعة منهم ثلاث ساعات يحرس اثنان من الأربعة خارج باب السجن واثنان داخله ويد كلٍ منهما مربوطة بيد المسجون.

أَنْ يُقَدِّمَهُ… إِلَى ٱلشَّعْبِ لا للمحاكمة بل لمشاهدتهم قتله والدليل على أنه قصد قتله ما تقدم آنفاً من قتل يعقوب ورضى الشعب بذلك. وغاية هيرودس من تأخير قتل بطرس إلى نهاية العيد إظهار غيرته في حفظ السنن اليهودية فإنهم كانوا يحسبون القتل في أيام الأعياد تنجيساً لها (يوحنا ١٨: ٢٨). فأظهر بذلك اعتباراً للعقائد اليهودية لم يظهره رؤساء الكهنة أنفسهم لأنهم أجبروا بيلاطس على صلب يسوع في العيد على خلاف ما ذُكر. نعم أنهم لم يشاءوا في أول الأمر أن يُصلب في العيد لكن علة ذلك خوفهم من حدوث شغب في الشعب (متّى ٢٦: ٥) لا من مخالفة سنتهم الدينية وعلته معرفته أن أفكار اليهود تكون مشغولة بممارسة الرسوم مدة أيام العيد فلا يسرون بقتل بطرس السرور الذي قصده لهم.

٥ «فَكَانَ بُطْرُسُ مَحْرُوساً فِي ٱلسِّجْنِ، وَأَمَّا ٱلْكَنِيسَةُ فَكَانَتْ تَصِيرُ مِنْهَا صَلاَةٌ بِلَجَاجَةٍ إِلَى ٱللّٰهِ مِنْ أَجْلِهِ».

٢كورنثوس ١: ١١ وأفسس ٦: ١٨ و١تسالونيكي ٥: ١٧

مَحْرُوساً فِي ٱلسِّجْنِ هذا تقرير لما سبق ساق الكاتب إليه بيان علة صلوات الكنيسة من أجل بطرس فكأنه قال حين كان هيرودس يحرس بطرس بجنوده كانت الكنيسة تصلي من أجله. وفي ذلك تلميح إلى العلاقة بين الصلاة وما عقبها من النجاة.

وَأَمَّا ٱلْكَنِيسَةُ… صَلاَةٌ هذا الأمر ذو شأن عظيم لأن قوة الصلاة أعظم من قوة الملك وجيشه فإنها تحرّك يد الله القادر على كل شيء. وقد أصابت الكنيسة ما ذُكر لأن الضيقات الخاصة تقتضي صلوات خاصة.

بِلَجَاجَةٍ هذا دليل على شدة محبة الكنيسة لبطرس وشعورها بعظمة الخطر المحيط به واحتياجها إلى بقائه معها. ولعل علة أن الكنيسة لم تصل كذلك بغية نجاة يعقوب أنه قُبض عليه وقُتل بغتة فلم يكن لها فرصة للصلاة من أجله.

إِلَى ٱللّٰهِ لا لهيرودس لكي يعفو عن بطرس ولا لأحد من أهل الجاه ليشفع فيه عند الملك. وفي ذلك مثال لكل المظلومين والمضطهدين لأجل البر وهو أن يسألوا الله نفسه الذي في يده قلوب جميع الناس وبسلطانه كل ما يحدث قبل أن يتخذوا غير ذلك من الوسائل وأن يتوكلوا على الله أعظم التوكل.

٦ «وَلَمَّا كَانَ هِيرُودُسُ مُزْمِعاً أَنْ يُقَدِّمَهُ، كَانَ بُطْرُسُ فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ نَائِماً بَيْنَ عَسْكَرِيَّيْنِ مَرْبُوطاً بِسِلْسِلَتَيْنِ، وَكَانَ قُدَّامَ ٱلْبَابِ حُرَّاسٌ يَحْرُسُونَ ٱلسِّجْنَ».

مُزْمِعاً أَنْ يُقَدِّمَهُ للقتل أمام الناس في نهاية العيد كما نوى (ع ٤).

فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ أي ليلة اليوم المعين لقتله. أخّر الله نجاة بطرس إلى أن بقي لوقت مقتله المقصود بضع ساعات. لأن نجاته لم تكن إلا في آخر ليلة بقيت وفي الهزيع الرابع منها بدليل قوله في ع ١٨ أن العسكر لم يشعروا بذهاب بطرس إلا عند طلوع النهار وهم يتبدلون كل ثلاث ساعات فلو أُخرج قبل الهزيع الأخير لكانوا شعروا وهم يتبدلون. وكثيراً ما اختبر المسيحيون أمثال ما كان من أمر بطرس.

وإذا الأمور تعسرت وتعقّدت نزل القضاء من السماء فحلّها

نَائِماً هذا يدل على اطمئنان بطرس أي أنه لم يضطرب من خطره وقرب موته (وهو أمر لا بد أن يكون قد عرفه) لأنه حفظ قول سيده «لاَ تَخَافُوا مِنَ ٱلَّذِينَ يَقْتُلُونَ ٱلْجَسَدَ وَلٰكِنَّ ٱلنَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا» (متّى ١٠: ٢٨). فما أعظم اطمئنان المسيحي الذي الله متوكله ومن ضميره مستريح ومن يعرف أن الموت ربح له.

مَرْبُوطاً بِسِلْسِلَتَيْنِ بيديه اليمنى بيسرى أحد العسكريين واليسرى بيمين الآخر. كذا كانت العادة قديماً عند شدة الاحتراس. قال يوسيفوس أنه كذا رُبط هيرودس أغريباس الأول بأمر طيباريوس.

٧ «وَإِذَا مَلاَكُ ٱلرَّبِّ أَقْبَلَ، وَنُورٌ أَضَاءَ فِي ٱلْبَيْتِ، فَضَرَبَ جَنْبَ بُطْرُسَ وَأَيْقَظَهُ قَائِلاً: قُمْ عَاجِلاً. فَسَقَطَتِ ٱلسِّلْسِلَتَانِ مِنْ يَدَيْهِ».

ص ٥: ١٩

وَإِذَا أي أن ما حدث لم يكن متوقعاً.

مَلاَكُ ٱلرَّبِّ (انظر شرح ص ٥: ١٩) الأرجح أنه ظهر في هيئة بشرية ولعل بطرس كان ينتظر حين استيقظ قدوم الجلاد ليقوده إلى القتل وإذا ملاك قادم لإنقاذه. أتاه رسول الله بدلاً من رسول هيرودس.

وَنُورٌ انظر شرح (ص ٩: ٣). يحتمل أن يكون هذا النور من خواص الملائكة المقبلين من سماء النور والمجد أو أنه نور عادي أرسله الله تسهيلاً لخروج بطرس. وكذا ظهر الملاك للرعاة ببشرى ميلاد المسيح (لوقا ٢: ٩).

فِي ٱلْبَيْتِ أي السجن وعبّر عنه بالبيت تلطيفاً.

فَضَرَبَ أي ضرباً خفيفاً كافياً للتنبيه.

أَيْقَظَهُ قَائِلاً أي نبهه بالضرب والصوت ولا ريب في أن الحراس داخلاً وخارجاً ظلوا في سباتهم.

قُمْ عَاجِلاً أي بلا توقف لريب أو سؤال.

فَسَقَطَتِ ٱلسِّلْسِلَتَانِ كأنه كان ماسكاً إياهما لا مربوطاً بهما. ومثل ذا حدث في سجن فيلبي لكل مسجونيه (ص ١٦: ٢٦) وهذا يرينا أن الله يجري مقاصده بكل سهولة.

٨ «وَقَالَ لَهُ ٱلْمَلاَكُ: تَمَنْطَقْ وَٱلْبَسْ نَعْلَيْكَ. فَفَعَلَ هٰكَذَا. فَقَالَ لَهُ: ٱلْبَسْ رِدَاءَكَ وَٱتْبَعْنِي».

تَمَنْطَقْ هذا يدل على أن بطرس كان قد حلّ ثيابه للنوم حتى لم يحسن أن يخرج بها وهي على تلك الحال.

وَٱلْبَسْ نَعْلَيْكَ كان النعل يومئذ جلداً يمكّن بأخمص القدم بسيور من الجلد تربط على ظهرها. كان من أمثال اليونانيين حثاً على السرعة قولهم لا نتعوّق حتى تربط نعليك. ولعل بطرس كان عازماً للإسراع على أن يذهب بلا حذاء فكان الملاك قصد بما أمره أن يبيّن له أن لا موجب للإسراع خوفاً.

ٱلْبَسْ رِدَاءَكَ الرداء ثوب يُلبس فوق الثياب. لم يلبس الملاك بطرس بل أمره بأنه يلبس إذ لم تكن من حاجة إلى ذلك فاقتصر على عمل ما لا يستطيعه بطرس. وأمره إيّاه بما يشغل وقتاً كالتمنطق ولبس الرداء لا ينافي قوله له «قم عاجلاً» لأنه قصد بأمره إيّاه بسرعة القيام أن لا يتعوق لريب أو سؤال وأمره بما ذُكر مما يشغل وقتاً ليمنع منه الخوف الناتج من ضعف الإيمان كخوف الآراميين الذين هربوا من أمام السامرة وطرحوا ثيابهم في الطريق من عجلتهم (٢ملوك ٧: ١٥). ولعله كان من غاية الملاك من كل تلك الأوامر أن يؤكد لبطرس أن الحادثة حق واقع لا حلم أو رؤيا.

٩ «فَخَرَجَ يَتْبَعُهُ وَكَانَ لاَ يَعْلَمُ أَنَّ ٱلَّذِي جَرَى بِوَاسِطَةِ ٱلْمَلاَكِ هُوَ حَقِيقِيٌّ، بَلْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَنْظُرُ رُؤْيَا».

مزمور ١٢٦: ١ وص ١٠: ٣ و١٧ و١١: ٥

فَخَرَجَ يَتْبَعُهُ طوعاً لأمره.

وَكَانَ لاَ يَعْلَمُ أَنَّ ٱلَّذِي جَرَى… هُوَ حَقِيقِيٌّ لأن الحوادث غريبة لم تتوقع وقد حدثت في السرعة والهدوء وكانت من الأمور التي تظهر أنها مستحيلة. وكان بطرس في أول يقظته من النوم بين منتبه ونائم وقد شاهد نوراً غير عادي فحيّره ذلك وعربسه كما يتضح من قول الكاتب فيه بعد ذلك «قد رحع إلى نفسه» (ع ١١).

يَظُنُّ أَنَّهُ يَنْظُرُ رُؤْيَا أن بطرس من عهد قريب رأى رؤيا في يافا (ص ١٠: ١١ و١٢) فرحج أن ما حدث له في السجن كان مثل تلك الرؤيا لا أمراً حقيقياً. كذلك يصعب على شعب الله أن يصدقوا في أول الفرج مداخلة الله في أمورهم عند الضيق إذ يظهر لهم أن تلك المداخلة مما لا يمكن نواله.

١٠ «فَجَازَا ٱلْمَحْرَسَ ٱلأَوَّلَ وَٱلثَّانِيَ، وَأَتَيَا إِلَى بَابِ ٱلْحَدِيدِ ٱلَّذِي يُؤَدِّي إِلَى ٱلْمَدِينَةِ، فَٱنْفَتَحَ لَهُمَا مِنْ ذَاتِهِ، فَخَرَجَا وَتَقَدَّمَا زُقَاقاً وَاحِداً، وَلِلْوَقْتِ فَارَقَهُ ٱلْمَلاَكُ».

ص ١٦: ٢٦

ٱلْمَحْرَسَ ٱلأَوَّلَ وَٱلثَّانِيَ هما قسمان من السجن في كل منهما بعض الحراس. وهذا يرجح لنا أن بطرس كان في السجن الداخلي كما كان بولس وسيلا في فيلبي (ص ١٦: ٢٤).

إِلَى بَابِ ٱلْحَدِيدِ ذكر لوقا هذا الباب بناء على كونه معروفاً أو بناء على وجود مثله في كل سجن.

فَٱنْفَتَحَ لَهُمَا مِنْ ذَاتِهِ كذا ظهر لبطرس لأنه لم تكن له يد في فتحه ولم ير الملاك واضعاً يده عليه ولم يشاهد شيئاً من أدوات الفتح المنظورة ونحن نعلم أن يد الله فتحته.

وَتَقَدَّمَا زُقَاقاً وَاحِداً أي قطعاه واحداً طولاً حتى قطعه زقاق ثانٍ.

فَارَقَهُ ٱلْمَلاَك أي توارى عن عينيه لأنه أجرى كل ما أرسل له فترك بطرس وحده لكنه تركه طليقاً قادراً أن يعتني بنفسه.

١١ «فَقَالَ بُطْرُسُ، وَهُوَ قَدْ رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ: ٱلآنَ عَلِمْتُ يَقِيناً أَنَّ ٱلرَّبَّ أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَأَنْقَذَنِي مِنْ يَدِ هِيرُودُسَ، وَمِنْ كُلِّ ٱنْتِظَارِ شَعْبِ ٱلْيَهُودِ».

مزمور ٣٤: ٧ ودانيال ٣: ٢٨ و٦: ٢٣ وعبرانيين ١: ١٤ أيوب ٥: ١٩ ومرقس ٣٣: ١٨ و١٩ و٣٤: ٢٢ و٤١: ٢ و١٧: ١٠ و٢كورنثوس ١: ١٠ و٢بطرس ٢: ٩

رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ جمع كل ما تشتت من أفكاره حتى استطاع أن يحكم بحقيقة ما حدث صواباً ويعلم أرؤيا هو أو أمرٌ واقع في عالم الحس وهذا إصلاح ما ذُكر من أمره في (ع ٩).

ٱلآنَ عَلِمْتُ يَقِيناً بعد ما تأمل في كل الأحوال اتضح له أربعة أمور:

  • الأول: أنه حصل على النجاة فلم يصبه ما أصاب يعقوب.
  • الثاني: أن تلك النجاة لم تكن إلا بقوة الله بواسطة خادمه الملاك.
  • الثالث: أن تلك النجاة حصلت على رغم هيرودس مع كل ما اتخذه من عظم الوسائط.
  • الرابع: أنها كانت خيبة لليهود الحاسدين المتعصبين الذين ابتهجوا بقتل يعقوب وتوقعوا المسرة بمشاهدة قتل ثانٍ من الرؤساء المسيحيين.

شَعْبِ ٱلْيَهُودِ عبّر عن أعداء المسيحيين من اليهود بالشعب كله لكثرتهم.

١٢ «ثُمَّ جَاءَ وَهُوَ مُنْتَبِهٌ إِلَى بَيْتِ مَرْيَمَ أُمِّ يُوحَنَّا ٱلْمُلَقَّبِ مَرْقُسَ، حَيْثُ كَانَ كَثِيرُونَ مُجْتَمِعِينَ وَهُمْ يُصَلُّونَ».

ص ٤: ٢٣ وع ٢٥ و١٠: ٣٧ ع ٥

وَهُوَ مُنْتَبِهٌ أي متأمل في ما يجب أن يعمله.

إِلَى بَيْتِ مَرْيَمَ هذا يدل على أنه عزم أن يواجه بعض أصحابه المسيحيين قبل أن يتوارى عن جواسيس هيرودس. ولعل علة إتيانه هذا البيت قربه من المكان الذي كان فيه وأن صاحبة البيت كانت من أصدقائه وأنه اعتاد الإتيان إلى بيتها.

يُوحَنَّا ٱلْمُلَقَّبِ مَرْقُسَ هو كاتب البشارة الثانية والأرجح أن يوحنا اسمه الشائع بين اليهود ومرقس اسمه المشهور بين الأمم وقد كان ذلك حسب عادة كثيرين في تلك الأيام. ذُكر مراراً بعد هذا أنه رافق برنابا وبولس في أسفارها (ع ٢٥ و١٣: ١٣ و١٥: ٣٧ و٣٩) وذكره بولس معيناً له في ثلاث من رسائله (كولوسي ٤: ١٠). دعاه بطرس ابنه بالإيمان بمعنى أنه كان ممن أرشدهم إلى الحق ولعل الصداقة التي نشأت عن هذا كان من أسباب مجيئه إلى بيت أمه في ذلك الوقت.

حَيْثُ كَانَ كَثِيرُونَ مُجْتَمِعِينَ الخ كان اجتماعهم لغاية مخصوصة وهي أن يصلوا من أجل بطرس. ولعل من علل اجتماعهم ليلاً أن شدة الاضطهاد منعتهم من الاجتماع نهاراً. والأرجح أنهم اجتمعوا على خلاف العادة وشغلوا أكثر الليل بالصلاة لشدة ضيق بطرس ومعرفتهم أنه لم يبق من فرصة لهم في غير تلك الليلة للصلاة من أجله لعلمهم أن هيرودس عازم على أن يقتله صباحاً. ولعلهم قووا رجاءهم بأن تذكروا كيف نجى الله دانيال من جب الأسود وشدرخ وميشخ وعبدنغو من أتون النار.

فانظر ما أقوى فاعلية تلك الصلاة أنها كانت أقوى من عزم هيرودس وحراسة العسكر فإنها حلت سلسلتي بطرس وفتحت أبواب سجنه وأتت به إلى البيت الذي كانت الصلاة لأجله تصعد منه.

١٣ «فَلَمَّا قَرَعَ بُطْرُسُ بَابَ ٱلدِّهْلِيزِ جَاءَتْ جَارِيَةٌ ٱسْمُهَا رَوْدَا لِتَسْمَعَ».

قَرَعَ بُطْرُسُ كان الباب موصداً لأنه كان ليل فضلاً عن أن ذلك الوقت كان وقت شدة الاضطهاد والخوف.

رَوْدَا لفظة يونانية معناها وردة.

لِتَسْمَعَ جواب قولها مَن ذا.

١٤ «فَلَمَّا عَرَفَتْ صَوْتَ بُطْرُسَ لَمْ تَفْتَحِ ٱلْبَابَ مِنَ ٱلْفَرَحِ، بَلْ رَكَضَتْ إِلَى دَاخِلٍ وَأَخْبَرَتْ أَنَّ بُطْرُسَ وَاقِفٌ قُدَّامَ ٱلْبَابِ».

عَرَفَتْ صَوْتَ بُطْرُسَ لأنها كانت قد سمعته بتكلم مراراً إما في البيت وإما في المعبد أو في كليهما.

لَمْ تَفْتَحِ ٱلْبَابَ مِنَ ٱلْفَرَحِ ذهلت عن فتح الباب فرحاً بنجاة بطرس ورغبة في سرعة التبشير بمجيئه للمجتمعين. ومثل هذا كثيراً ما يحدث للناس في مثل تلك الحال. وسرورها دليل على أنه كان صديقها وأنه كان متواضعاً يصادق الناس على اختلاف مراتبهم.

١٥ «فَقَالُوا لَهَا: أَنْتِ تَهْذِينَ!. وَأَمَّا هِيَ فَكَانَتْ تُؤَكِّدُ أَنَّ هٰكَذَا هُوَ. فَقَالُوا: إِنَّهُ مَلاَكُهُ!».

تكوين ٤٨: ١٦ ومتّى ١٨: ١٠

فَقَالُوا كان لهم إيمان كاف بفاعلية الصلاة ليحلهم على أن يصلوا من أجل بطرس لكنه لم يكن كافياً ليحملهم على تصديق وقوع الإجابة عندما أخذت مفعولها. وعلى ذلك عظمة البركة التي حصلوا عليها في موانع ظهر لهم أن إزالتها ضرب من المحال فمالت قلوبهم إلى اليأس أكثر من ميلها إلى الرجاء. كذا صعب على يعقوب تصديق البشارة بأن ابنه يوسف حي (تكوين ٢٥: ٤١) وتصديق رسل المسيح في أول الأمر نبأ قيامته (لوقا ٢٤: ٤١).

تَهْذِينَ أظهروا ضعف ثقتهم أولاً بأن حكموا على الجارية باختلال العقل لذلك النبإ كأنهم ظنوا اختلال عقلها أقرب وقوعاً من مجيء بطرس.

فَكَانَتْ تُؤَكِّدُ هذا خلاف ما يأتيه مختلو العقول لأن من شأنهم أن ينتقلوا سريعاً من وهم إلى آخر.

فَقَالُوا إِنَّهُ مَلاَكُهُ حكموا بهذا بعد أن تيقنوا أن الجارية لم تهذِ وهو أنه قد أتى الملاك الذي عينه الله لحراسة بطرس متكلماً بمثل صوته وأنه وقف بالباب لينبئ بموته أو بقرب أجله. وزعمهم أن لكل إنسان ملاكاً حارساً ليس له من سند كاف في كتاب الله إلا أن الكتاب يؤكد لنا حراسة الملائكة للمؤمنين إجمالاً ومن ذلك ما جاء في (تكوين ٤٨: ١٦ ومزمور ٩١: ١١ وجامعة ٥: ٦ ومتّى ١٨: ١٠ وعبرانيين ١: ١٤).

١٦ «وَأَمَّا بُطْرُسُ فَلَبِثَ يَقْرَعُ. فَلَمَّا فَتَحُوا وَرَأَوْهُ ٱنْدَهَشُوا».

يتبيّن من هذه الآية أنه مهما يكن من توقعهم نتائج صلاتهم لم يكونوا يتوقعون ما حدث على سرعته وكماله.

١٧ «فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ لِيَسْكُتُوا، وَحَدَّثَهُمْ كَيْفَ أَخْرَجَهُ ٱلرَّبُّ مِنَ ٱلسِّجْنِ. وَقَالَ: أَخْبِرُوا يَعْقُوبَ وَٱلإِخْوَةَ بِهٰذَا. ثُمَّ خَرَجَ وَذَهَبَ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ».

ص ١٣: ١٦ و١٩: ٣٣ و٢١: ٤٠

فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ كعادة الخطباء في بداءة خطابهم تنبيهاً للسامعين.

لِيَسْكُتُوا الأرجح أنهم كانوا يتكلمون جميعاً إظهاراً لمسرتهم بنجاته.

أَخْرَجَهُ ٱلرَّبُّ أي بواسطة الملاك.

وَقَالَ أي بطرس للمجتمعين.

يَعْقُوبَ أي يعقوب بن حلفى (ص ١: ٣١) لأن يعقوب بن زبدي كان قد قُتل (ع ٢). ولعل علة تخصيصه بالأخبار أنه لم يكن غيره من الرسل في أورشليم أو لأنه عيّن ناظراً لكنيسة أورشليم.

وَٱلإِخْوَةَ أي سائر المسيحيين في أورشليم.

خَرَجَ إما من بيت مريم وإما من المدينة.

مَوْضِعٍ آخَرَ حيث يأمن هيرودس أو جواسيسه إلى أن ينتهي الخطر. ذهب بعضهم إلى أنه سافر حينئذ إلى رومية وهذا لا سند له لأنه كان في أورشليم أيام حدوث ما ذُكر في (ص ١٥: ٧).

١٨ «فَلَمَّا صَارَ ٱلنَّهَارُ حَصَلَ ٱضْطِرَابٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ بَيْنَ ٱلْعَسْكَرِ: تُرَى مَاذَا جَرَى لِبُطْرُسَ؟».

فَلَمَّا صَارَ ٱلنَّهَارُ هذا يقتضي أن إخراج بطرس من السجن كان في الهزيع الرابع لان العساكر الأربعة تُبدل كل ثلاث ساعات ولو كان ذلك الإخراج قبل الهزيع الرابع لعرفوا قبل وقت الصباح بواسطة البدل في الساعة الثالثة أو السادسة أو التاسعة من الليل.

ٱضْطِرَابٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ الخ لفرار أسير معتبر وعدم أدنى أثر يدل على كيفية فراره ولتوقع الحراس أن يُقتلوا عقاباً على ذلك الفرار.

١٩ «وَأَمَّا هِيرُودُسُ فَلَمَّا طَلَبَهُ وَلَمْ يَجِدْهُ فَحَصَ ٱلْحُرَّاسَ، وَأَمَرَ أَنْ يَنْقَادُوا إِلَى ٱلْقَتْلِ. ثُمَّ نَزَلَ مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ وَأَقَامَ هُنَاكَ».

فَحَصَ ٱلْحُرَّاسَ ليعرف منهم كيف نجا بطرس. والأمر واضح أنه لم يحصل على شيء منهم يفيده معرفة أو يفيدهم تبريراً.

وَأَمَرَ أَنْ يَنْقَادُوا إِلَى ٱلْقَتْلِ يحتمل أنه أمر بذلك لأربعة أسباب:

  • الأول: أنه كان بمقتضى ما أوجبته الشريعة الرومانية على من ينام من الحرّاس في نوبته أو لا يمنع الأسير أو المسجون من الفرار (متّى ٢٨: ١٤ وأعمال ١٦: ٢٧). وكان هيرودس لتربيته في رومية يعلم الشريعة العسكرية الرومانية.
  • الثاني: أنه اغتاظ جداً حين خاب أمله من أنه يحصل على اعتبار الشعب بقتل بطرس أمامهم فشفى غيظه بسفك دم الحراس كما فعل جده بقتل أطفال بيت لحم حين خاب أمله من مسك يسوع وهو طفل.
  • الثالث: أنه حكم بأن فرار بطرس لم يكن إلا بإرادة الحراس فقتلهم.
  • الرابع: أنه إن كان لم يحكم بأن فراره كذلك فلا بد من أنه عاقبهم كمجرمين دفعاً لاعتقاد الناس ان الله نجى بطرس بمعجزة. والمرجح أن أكثر اليهود ظنوه فرّ بخيانة الحراس كما ظنوا تلاميذ يسوع سرقوا جسده من القبر والحراس نيام (متّى ٢٨: ١٥).

ثُمَّ نَزَلَ… إِلَى قَيْصَرِيَّةَ هذه المدينة ثاني أورشليم في مملكة هيرودس وهي على شاطئ البحر في التخم الشمالي من تلك المملكة جعلها الرومانيين قصبة المملكة فجرى هيرودس على ما جروا عليه. ولا دليل لنا على أن هيرودس فتش عن بطرس أو اضطهد المسيحيين بعد ذلك.

وَأَقَامَ هُنَاكَ هذا لم يلزم منه أن هيرودس لم يقم هناك قبلاً والمعنى أنه بقي هناك سائر أيام حياته والمرجح أنها لم تكن كثيرة.

موت هيرودس أغريباس ع ٢٠ إلى ٢٥

٢٠ «وَكَانَ هِيرُودُسُ سَاخِطاً عَلَى ٱلصُّورِيِّينَ وَٱلصَّيْدَاوِيِّينَ، فَحَضَرُوا إِلَيْهِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَٱسْتَعْطَفُوا بَلاَسْتُسَ ٱلنَّاظِرَ عَلَى مَضْجَعِ ٱلْمَلِكِ، ثُمَّ صَارُوا يَلْتَمِسُونَ ٱلْمُصَالَحَةَ لأَنَّ كُورَتَهُمْ تَقْتَاتُ مِنْ كُورَةِ ٱلْمَلِكِ»

١ملوك ٥: ٩ و١١ وعزرا ٣: ٧ وحزقيال ٢٧: ١٧

سَاخِطاً لا نعلم ماذا كان سبب غيظه لكن يحتمل أن يكون المباراة بين تجّار قيصرية التي جُعلت ميناء جديدة للتجارة البحرية وتجّار المدينتين الفينيقيتين الذين كانت تلك التجارة لهم دون غيرهم.

ٱلصُّورِيِّينَ وَٱلصَّيْدَاوِيِّينَ أي أهل صور وصيدا وهما من أمهات مدن فينيقية التي كانت خاضعة للرومانيين وكانت مهنتهم الاتجار بحراً في البلاد الأجنبية.

بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ أي متفقين كل الاتفاق وفي هذا تلميح إلى أن أهل المدينتين لم يكونوا كذلك قبلاً.

بَلاَسْتُسَ المرجح أنه روماني لأن اسمه لاتيني ولا عجب من أن هيرودس كان قد استخدم الرومانيين لأنه تقضى عليه أكثر الحياة في رومية.

ٱلنَّاظِرَ عَلَى مَضْجَعِ ٱلْمَلِكِ الشائع عند كل الملوك أن يستخدموا أناساً في هذه الرتبة مارسوا الخدمة بأنفسهم أم لا ولا يجعلون في تلك الرتبة إلا من كان من أصدقائهم الخاصة وأهل مشورتهم.

كُورَتَهُمْ تَقْتَاتُ مِنْ كُورَةِ ٱلْمَلِكِ المُراد «بكورة الملك» مملكة هيرودس وهي اليهودية وتوابعها. كانت فينيقية ساحلاً ضيقاً فكانت غلالها لا تقوم بحاجة أهلها فاضطرت أن تجلب الحنطة وغيرها من مواد التغذية من البلاد المجاورة ولا سيما اليهودية وتُعطى بدلاً منها المنسوجات وأشكالها مما أتت به من البلاد الأجنبية بحراً (١ملوك ٥: ١١ وحزقيال ٢٧: ١٧) ولم يكن لهيرودس أن يحارب الذين سخط عليهم بدون إذن الرومانيين بالأرجح أنه منع التجارة بين فينيقية وما استولى عليه من البلاد فاضطر الفينيقيون ببداءة المجاعة التي أنبأ بها أغابس (ص ١١: ٢٨).

٢١ «فَفِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ لَبِسَ هِيرُودُسُ ٱلْحُلَّةَ ٱلْمُلُوكِيَّةَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ ٱلْمُلْكِ وَجَعَلَ يُخَاطِبُهُمْ».

فَفِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ كان هيرودس قد بنى قيصرية منذ نحو خمسين سنة وعيّن عيداً في كل خمس سنين يُحتفل فيه إكراماً لأوغسطس قيصر الذي نسب المدينة إليه. قال يوسيفوس المؤرخ أن ذلك العيد كان في شهر آب في ما يوافق سنة ٤٤ ب. م وأن هيرودس عيّن اليوم الثاني من العيد لمقابلة سفراء صور وصيدا وإظهار الصفح عنهم والمسالمة لهم وأنه دخل في ذلك اليوم مشهد قيصرية الكبير في الحلة الملكية الفاخرة الموشاة بالأسلاك الفضية فلما وقعت الشمس عليها ضاءت بيضاء جهرت به العيون وهذا على وفق قول لوقا هنا «لَبِسَ هِيرُودُسُ ٱلْحُلَّةَ ٱلْمُلُوكِيَّةَ» .

كُرْسِيِّ ٱلْمُلْكِ أي مرتقي يختص بالملوك والولاة في ذلك المشهد.

وَجَعَلَ يُخَاطِبُهُمْ الأرجح أنه أظهر لهم أن عفوه عنهم وحلمه عليهم من أعظم الهبات وأن تعدّيهم عليه كان من شر الذنوب.

٢٢ «فَصَرَخَ ٱلشَّعْبُ: هٰذَا صَوْتُ إِلٰهٍ لاَ صَوْتُ إِنْسَانٍ!».

فَصَرَخَ ٱلشَّعْبُ الخ كان الصوريون والصيداويون وثنيين وكذا كان أكثر سكان قيصرية فلم يروا من إثم في إقامة هيرودس مقام إلهٍ. والأرجح أن الذين ابتدأوا ذلك الصراخ هم الفينيقيون إظهاراً لامتنانهم لحلم الملك وأن وثني قيصرية اقتدوا بهم وصرخوا معهم. ولا يمكن أن يقول يهودي قولهم لأنه يعتقده تجديفاً محضاً ولكن الملك سر بذلك وقبله كأنه مما يستحقه كما يظهر من الآية التالية. وما أعظم الفرق بينه وبين بطرس إذ لم يسمح لكرنيليوس أن يسجد له (ص ١٠: ٢٦).

٢٣ «فَفِي ٱلْحَالِ ضَرَبَهُ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ لأَنَّهُ لَمْ يُعْطِ ٱلْمَجْدَ لِلّٰهِ، فَصَارَ يَأْكُلُهُ ٱلدُّودُ وَمَاتَ».

١صموئيل ٢٥: ٣٨ و٢صموئيل ٢٤: ١٧ مزمور ١١٥: ١

فَفِي ٱلْحَالِ كانت الضربة في الحال لا الموت.

ضَرَبَهُ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ لا يلزم من ذلك أن الملاك ظهر للحاضرين فالمراد أن ما أصابه كان من الله بواسطة ملاك. وكثيراً ما نسب الكتاب المقدس الإصابة بالمرض والموت إلى الملائكة الذين هم الواسطة لهما. ومن ذلك ما جاء في (٢صموئيل ٢٤: ١٦ و١أيام ٢١: ١٢ و١٥ و٢أيام ٣٢: ٢١).

لأَنَّهُ لَمْ يُعْطِ ٱلْمَجْدَ لِلّٰهِ أي لأنه قبل لنفسه المجد المختص بالله ولم يوبخ الذين قدموه له.

فَصَارَ يَأْكُلُهُ ٱلدُّودُ وَمَاتَ وهذا مرض مكروه شديد الإيلام وله في التاريخ أمثال منها مصاب أنطيوخس أبيفانس الذي اضطهد اليهود شديداً. ومصاب فراتيما ملكة القيروان التي اشتهرت بقساوتها ومصاب الأمبراطور كاليريوس آخر مضطهدي الكنيسة من الملوك الرومانيين. وما قاله لوقا في موت هيرودس يوافق ما قاله يوسيفوس في ذلك إلا أنه لم يشخص مرضه كما شخصه لوقا الطبيب واكتفى بأن قال أصابه مرض شديد في أحشائه وأنه مات بعد خمسة أيام من ضربته. ومما قاله يوسيفوس أن هيرودس مات في سن الرابعة والخمسين والسنة الرابعة من ملكه.

٢٤ «وَأَمَّا كَلِمَةُ ٱللّٰهِ فَكَانَتْ تَنْمُو وَتَزِيدُ».

إشعياء ٥٥: ١١ وص ٦: ٧ و١٩: ٢٠ وكولوسي ١: ٦

كَلِمَةُ ٱللّٰهِ أو الديانة المسيحية أي الكنيسة التي نشأت بكلمة الله أعني الإنجيل وتمسكت بالحق لمعلن فيه. ولهذا المجاز نظائر في الكتاب منها ما في (ص ٦: ٧ و١٩: ٢).

فَكَانَتْ تَنْمُو وَتَزِيدُ أي يكثر أعضاؤها وتتوفر نعمتها (على رغم الاضطهاد الذي أثاره هيرودس) لما شاهده الناس من شجاعة المؤمنين المسيحيين وصبرهم على الاضطهاد وكان ذلك نتيجة موت هيرودس وسكون الاضطهاد وتمكن المبشرين من فرص التبشير. ولعل نجاة بطرس العجيبة شاع نبأها حينئذ فتحقق كثيرون من الناس أن الديانة المسيحية من الله.

ويحسن هنا أن نقول انظر عظمة الفرق بين الأحوال المذكورة في بداءة هذا الأصحاح ونهايته ففي أوله كان هيرودس الملك في كل سلطته وافتخاره يتيقن قدرته ان يقتل بطرس ويلاشي الكنيسة المسيحية. وكانت الكنيسة في ضيق وكان بطرس في السلاسل مسجوناً محكوماً عليه بالقتل. وفي نهايته كان بطرس في الحرية التامة والكنيسة تنمو عدداً وقوة وهيرودس يأكله الدود إلى أن مات. وكان كل ذلك التغيّر العظيم نتيجة صلوات المسيحيين فما أعظم قوة الصلاة وما أشد بطلان مقاومة الأعداء للكنيسة. فكأن هذا الأصحاح جاء إيضاحاً وإثباتاً للمزمور الثاني.

٢٥ «وَرَجَعَ بَرْنَابَا وَشَاوُلُ مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْدَ مَا كَمَّلاَ ٱلْخِدْمَةَ، وَأَخَذَا مَعَهُمَا يُوحَنَّا ٱلْمُلَقَّبَ مَرْقُسَ».

ص ١١: ٢٩ و٣٠ ع ١٢ وص ١٣: ٥ و١٣ و١٥: ٣٧

رَجَعَ بَرْنَابَا وَشَاوُلُ مِنْ أنطاكية إلى أُورُشَلِيمَ.

بَعْدَ مَا كَمَّلاَ ٱلْخِدْمَةَ التي وكلها إليها كنيسة أنطاكية وهي تأدية الكنيسة في أورشليم مال الإحسان الذي أرسلته مساعدة لها في المجاعة المتوقعة (ص ١١: ٣٠).

القرينة تدل على حدوث الحوادث المذكورة في هذا الأصحاح أو أكثرها مدة وجودهما في أورشليم للقيام بتلك الخدمة.

يُوحَنَّا ٱلْمُلَقَّبَ مَرْقُسَ المذكور في (ع ١٢) والأرجح أن من أسباب استخدام برنابا إيّاه كونه ابن أخته (كولوسي ٤: ١٠).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى