أعمال الرسل

أعمال الرسل | 10 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح سفر أعمال الرسل 

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح العاشر

خبر كرنيليوس وإرسال الملاك إليه ع ١ إلى ٨

١ «وَكَانَ فِي قَيْصَرِيَّةَ رَجُلٌ ٱسْمُهُ كَرْنِيلِيُوسُ، قَائِدُ مِئَةٍ مِنَ ٱلْكَتِيبَةِ ٱلَّتِي تُدْعَى ٱلإِيطَالِيَّةَ».

متّى ٢٧: ٢٧ ومرقس ١٥: ١٦

في هذا الأصحاح أمر مهم في تاريخ الكنيسة وهو قبول الأمم في الكنيسة المسيحية بدون أن يتهودوا أولاً أي بدون أن يختتنوا ويخضعوا لشريعة موسى الطقسية.

فعسر على اليهود جداً أن يسلموا أن للأمم نفس الحقوق أمام الله التي لهم لأنهم ظنوا أنهم أمة ممتازة وظنوا أنه لا يمكن غيرهم أن يشتركوا في النعم إلا أن يخالطوا الأمة وأن يكونوا جزءاً منها.

قد أمر المسيح رسله أن يبشروا في الإنجيل كل الخليقة (مرقس ١٦: ١٥) وأخبرهم قائلاً «لِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هٰذِهِ ٱلْحَظِيرَةِ» (يوحنا ١٠: ١٦) لكنهم لم يفهموا قصد المسيح من ذلك وقد مضى عليهم ثماني سنين بعد صعوده وهم لم يشرعوا في تبشير الأمم أو قبولهم في الكنيسة فاحتاجوا إلى إعلان إلهي مخصوص ليقنعهم بوجوب ذلك.

عيّن المسيح بطرس ليأخذ الإعلان وليفتح أبواب الكنيسة المسيحية للأمم كما فتحها سابقاً لليهود (ص ٢) وهذا على وفق قوله «أُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ» (متىّ ١٦: ١٩). وقبول الله الأمم في كنيسته مثل قبوله اليهود هو إعلان السر المكتوم منذ أجيال كثيرة الذي افتخر بولس بمعرفته (أفسس ٣: ٣ – ٦ وكولوسي ١: ٢٦ و٢٧).

قَيْصَرِيَّةَ انظر شرح (ص ٨: ٤٠) وهي مسكن فيلبس المبشر. أتى إليها بولس بعد جولانه الثاني للتبشير (ص ١٨: ٢٢) وبعد جولانه الثالث (ص ٢١: ٨) وأرسل إليها للأمن بعد الفتنة في أورشليم (ص ٢٣: ٢٣) وبقي فيها أسيراً سنتين وسافر منها إلى رومية. وهي قاعدة القوة الرومانية في فلسطين كما كانت أورشليم قاعدة المملكة اليهودية.

كَرْنِيلِيُوسُ اسم لاتيني ولا ريب في أن هذا الرجل الروماني الأصل ظن البعض أنه كان دخيلاً في الدين اليهودي وهذا مردود لأنه لو كان دخيلاً لكان له الحقوق اليهودية وما صدق عليه قول بطرس في ع ٢٨ ولا محاجة الأخوة في أورشليم لبطرس (ص ١١: ١ – ٣) وكل الأدلة تثبت أنه من الأمم لا من الدخلاء في الدين اليهودي.

قَائِدُ مِئَةٍ في الجيش الروماني (أنظر شرح متّى ٨: ٥).

ٱلْكَتِيبَةِ هي قسم من الجيش تشتمل على ست مئة عسكري إذا كانت كاملة ولا تطلق على أقل من أربع مئة (انظر الشرح متّى ٢٧: ٢٧).

ٱلإِيطَالِيَّةَ أي المؤلفة من رجال من إيطاليا وقيدها بذلك تمييزاً لها عن الكتائب المؤلفة من رجال البلاد الخاضعة للرومانيين ولذلك حُسبت أشرف من غيرها.

٢ «وَهُوَ تَقِيٌّ وَخَائِفُ ٱللّٰهِ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ، يَصْنَعُ حَسَنَاتٍ كَثِيرَةً لِلشَّعْبِ، وَيُصَلِّي إِلَى ٱللّٰهِ فِي كُلِّ حِينٍ».

ص ٨: ٢ وع ٢٢ و٢٢: ١٢ ع ٣٥

وصفه لوقا بخمسة أمور لمدحه.

  • تَقِيٌّ هذه الصفة الأولى والمراد بها أنه كان يعبد الله لا الأوثان لأنه ترك ما كان يعبده من المخلوقات والأوثان (انظر الشرح لوقا ٢: ٢٥ وأعمال ٢: ٥ و٨: ٢) هذا مع أن العسكري عرضة لتجارب كثيرة من شأنها أن تُنسي الله فلا يتوقع أن يُشاهد أمثلة التقوى في الجيوش.
  • خَائِفُ ٱللّٰهِ هذه الصفة الثانية وهي آية تقواه والمعنى أنه كان لا يقصد أن يأتي إلا ما يرضي الله ويطيع أوامره مع أنه وثني الأصل فالظاهر أنه سمع بوسيلة من الوسائل وصف الإله الحق فأكرمه وعبده ولعل ذلك نتيجة سكناه في اليهودية وسمعه من اليهود ما يتعلق بمعبودهم وإطلاعه على كتبهم مع بركة الله على هذه الوسائط.
  • مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ أي أهله وعبيده وعسكره الخاص (ص ٧) فإنه لم يخف عنهم أنه ترك دين آبائه بل علمهم ما عرفه من أمر الإله الحق وهداهم بتعليمه وسيرته إلى خوفه تعالى. ولا ريب في أن كل تقي يجتهد في تعليم أهل بيته وخلاصهم.
  • يَصْنَعُ حَسَنَاتٍ كَثِيرَةً هذه الصفة الرابعة والمعنى أنه كان يسخو على الفقراء مع أن أكثرهم يهود وهذا من الأدلة على أنه كان عبداً لله وأنه تقي (مزمور ٤١: ١) فالديانة الوثنية لم تأمر الناس ان يعتنوا بالفقراء والمصابين. وكان أكثر العساكر الرومانيين يظلمون أهل الولايات التي استولوا عليها ويسلبونها.
  • وَيُصَلِّي… فِي كُلِّ حِينٍ هذه الصفة الخامسة والمعنى أنه كان مواظباً على الصلاة وهذا مقترن بالتقوى أبداً (مزمور ١١٩: ٢ وأمثال ٢: ٢ – ٥ ولوقا ١٨: ١ ورومية ١٢: ١٢). ولعله كان يصلي في الأوقات المعينة للصلاة عند اليهود وهي الصباح والظهر والعصر. واقتران الصلوات بالحسنات من خير اللائقات لأن الأولى تشير إلى محبتنا لله والثانية محبتنا للقريب وهذا خلاصة وصايا لوحي الشريعة الإلهية.

٣ «فَرَأَى ظَاهِراً فِي رُؤْيَا نَحْوَ ٱلسَّاعَةِ ٱلتَّاسِعَةِ مِنَ ٱلنَّهَارِ، مَلاَكاً مِنَ ٱللّٰهِ دَاخِلاً إِلَيْهِ وَقَائِلاً لَهُ: يَا كَرْنِيلِيُوسُ».

ع ٣٠ وص ١١: ١٣

فَرَأَى ظَاهِراً فِي رُؤْيَا (انظر شرح ص ٩: ١٠) وقوله «ظاهراً» يفيد أنه تحقق ما رآه وأنه ليس بتخيل وليس كما يرى الإنسان في الحلم كيوسف خطيب مريم (متّى ١: ٢٠) أو في غيبة كبطرس (ع ١٠) وبولس (ص ٢٢: ١٧). ومن وقت الرؤيا نستنتج أنه كان مستيقظاً حين أتاه الملاك.

نَحْوَ ٱلسَّاعَةِ ٱلتَّاسِعَةِ أي الثالثة بعد الظهر وهي أحد أوقات الصلاة المعيّنة عند اليهود وفيه تقدم الذبيحة المسائية والظاهر أن كرنيليوس تبع اليهود في ذلك.

مَلاَكاً حقيقي لا صورة خيالية وكان في هيئة بشرية وتكلم بصوت مسموع. وجاء في (ع ٣٠) أنه «وقف أمامه بلباس لامع» وكذلك ظهر لزكريا أبي يوحنا المعمدان (لوقا ١: ١١) ولمريم أم يسوع (لوقا ١: ٢٨).

دَاخِلاً ذكر دخوله هنا كما ذكر المعرفة التي حصل عليها كما قد فعل أيضاً الوزير الحبشي (ص ٨: ٢٧ – ٣١) فمنح الله لكل منهما أكمل معرفة على وفق ما وعد بقوله «من له سيعطى ويزاد» (متّى ١٣: ١٢) ولعل كرنيليوس سأل الله الهدى أو زيادة المعرفة فأرسل الله الملاك إليه إجابة لطلبته.

يَا كَرْنِيلِيُوسُ ناداه باسمه ليأنس به وينتبه لما يقوله ويعلم أن الإعلان له.

٤ «فَلَمَّا شَخَصَ إِلَيْهِ وَدَخَلَهُ ٱلْخَوْفُ قَالَ: مَاذَا يَا سَيِّدُ؟ فَقَالَ لَهُ: صَلَوَاتُكَ وَصَدَقَاتُكَ صَعِدَتْ تِذْكَاراً أَمَامَ ٱللّٰهِ».

شَخَصَ إِلَيْهِ ليتحقق من المتكلم.

دَخَلَهُ ٱلْخَوْفُ لتحققه أنه رسول من عالم الأرواح فيرهب طبعاً من منظر بغتي عجيب كهذا.

مَاذَا يَا سَيِّدُ أي ماذا الذي تريده مني.

صَلَوَاتُكَ وَصَدَقَاتُكَ صَعِدَتْ غايته من ذلك أن يسكّن خوفه ويمدحه على كل ما كان منه من الأمور الممدوحة ويعده لقبول بركات أخرى ويخبره بما يجب أن يعمله لينال تلك البركات.

تِذْكَاراً أَمَامَ ٱللّٰهِ أي أن الله قبل صلواته وصدقاته كأنها البخور والذبائح التي كانت اليهود تقدمها في الهيكل (لاويين ٢: ٢). فسمع الصلوات وقصد أن يثيبه على الصدقات. أنه لم ينس الله بل ذكره في صلواته وإحسانه فالله لم ينسه بل ذكره وأثابه بإرسال الملاك أولاً إليه ثم بإرسال الرسول وببشرى الخلاص وبموهبة الروح القدس وهي الثواب الأعظم. فالأعمال التي يأتيها الإنسان حباً لله ولإخوته وكل صلاة قلبية تجد نعمة في عينيه تعالى وتسهل السبيل إلى نوال البركات العظمى.

ولم يقل الملاك أن صلوات كرنيليوس وصدقاته كانت كافية لخلاصه وإلا لم يأمره أن يدعو بطرس ليخبره بالمسيح أو الخلاص به. وليس لأحد أن يستنتج مما ذُكر هنا أن أعماله الصالحة تكفيه الخلاص بدون المسيح لأنه لا برهان على أن كرنيليوس اتكل على أعماله الصالحة بغية نوال التبرير فإنه قبل المسيح بالإيمان عند سمعه البشير به.

٥ «وَٱلآنَ أَرْسِلْ إِلَى يَافَا رِجَالاً وَٱسْتَدْعِ سِمْعَانَ ٱلْمُلَقَّبَ بُطْرُسَ».

أَرْسِلْ إِلَى يَافَا أتى الملاك إجابة لصلاته فأراد الله أن كرنيليوس يفعل شيئاً لينال الهدى الذي يطلبه ولذلك لم يأمر الملاك أن يعلمه ولا يرسل بطرس إليه ليعلمه من دون أنه هو نفسه يطلب حضوره.

سِمْعَانَ ٱلْمُلَقَّبَ بُطْرُسَ هذا النعت ذُكر أربع مرات واحدة هنا وواحدة في (ص ١٠: ١٨ و٣٢: و١١: ١٣).

٦ «إِنَّهُ نَازِلٌ عِنْدَ سِمْعَانَ رَجُلٍ دَبَّاغٍ بَيْتُهُ عِنْدَ ٱلْبَحْرِ. هُوَ يَقُولُ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ».

ص ٩: ٤٣ ع ٣٢ وص ١١: ١٤

نَازِلٌ عِنْدَ سِمْعَانَ (انظر شرح ص ٩: ٤٣).

رَجُلٍ دَبَّاغٍ أخبر الملاك كرنيليوس بالتدقيق وكرره كرنيليوس كذلك في (ع ٣٢).

بَيْتُهُ عِنْدَ ٱلْبَحْرِ موضع مناسب للدباغة لأنها تحتاج إلى ماء كثير لإزالة ما ينشأ في تلك الصناعة مما يكرهه الحس ويضرّ بالصحة هذا إذا فرضنا بيته مجاوراً لدباغته ولكن هذا الفرض غير ضروري والأرجح أن البيت كان بعيداً عنها لأن الربانيين نهوا عن أن تكون الدباغة على أمد أقل من خمسين ذراعاً من المدينة أو القريبة لما فيها من المخالفة لشعائر الطهارة.

هُوَ يَقُولُ لَكَ الخ استحسن الله أن يستخدم الإنسان ليبشر الإنسان ولم يكن يعسر عليه أن يسمح للملاك أن يخبر كرنيليوس بالمسيح وطريق الخلاص لكنه أحب أن يكرم البشر ببث البشرى (٢كورنثوس ٤: ٧) وهذا مما أوجب المسؤولية علينا لنكون مجتهدين وأمناء في المناداة بالإنجيل لئلا يهلك الخطأة بإهمالنا إيّاهم.

ولا حق لأحد ممن سمعوا الإنجيل أن يتوقع مما ذُكر هنا مجيء ملاك من السماء ليحثه على أن يطلب خلاص نفسه لأن كرنيليوس لم يكن قد سمع الإنجيل قبل ذلك (لوقا ١٦: ٣١).

كان فيلبس ساكناً في قيصرية (ص ٨: ٤٠ و٢١: ٨) لكن الله لم يختاره ليبشر كرنيليوس ويدخله في الكنيسة المسيحية بل اختار بطرس الرسول لأنه وعد بطرس بمثل ذلك في (متّى ١٦: ١٩) ولأن إدخال الأمم إلى الكنيسة أمر ذو شأن ومخالف لكل العوائد السابقة في الدين اليهودي والمسيحي فمن الضروري أن ينشأ عنه في فلسطين هياج عظيم فلاق أن يكون ابتداؤه على يد معتبر في الكنيسة ليقبله سائر المسيحيين ويعدوه حسناً في ذاته ومرضياً لله.

٧ «فَلَمَّا ٱنْطَلَقَ ٱلْمَلاَكُ ٱلَّذِي كَانَ يُكَلِّمُ كَرْنِيلِيُوسَ، نَادَى ٱثْنَيْنِ مِنْ خُدَّامِهِ، وَعَسْكَرِيّاً تَقِيّاً مِنَ ٱلَّذِينَ كَانُوا يُلاَزِمُونَهُ».

أطاع كرنيليوس في الحال الأمر السماوي فارسل رسله في ذلك النهار بدليل أنهم بلغوا يافا في غده.

وَعَسْكَرِيّاً تَقِيّاً تقوى كرنيليوس وتعليمه لم يُحصر تأثيرهما في أهله وعبيده (ع ٢) بل أثرا في هذا العسكري أيضاً فصار هو أيضاً عبداً للإله الحق.

٨ «وَأَخْبَرَهُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى يَافَا».

بِكُلِّ شَيْءٍ بالرؤيا جميعها والأمر وما يتوقعونه من الجواب.

إِلَى يَافَا حيث مكث بطرس بعد إقامة طابيثا (ص ٩: ٤٣) ومن هناك أرسل الله النبي اليهودي يونان منذ ثماني مئة سنة قبل ذلك ليدعو سكان نينوى الوثنيين إلى التوبة.

رؤيا بطرس وهو يصلي على السطح ع ٩ إلى ١٦

٩ «ثُمَّ فِي ٱلْغَدِ فِيمَا هُمْ يُسَافِرُونَ وَيَقْتَرِبُونَ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ، صَعِدَ بُطْرُسُ عَلَى ٱلسَّطْحِ لِيُصَلِّيَ نَحْوَ ٱلسَّاعَةِ ٱلسَّادِسَةِ».

ص ١١: ٥ الخ

فِي ٱلْغَدِ المسافة بين المدينة نحو خمس وثلاثين ميلاً فيقتضي قطعها فشغل ما بقي من نهار الرؤيا بعد العصر وشيئاً من الليل ونصف الغد.

صَعِدَ بُطْرُسُ عَلَى ٱلسَّطْحِ لِيُصَلِّيَ كانت سطوح البيوت في الشرق مستوية كأكثرها اليوم (تثنية ٢٣: ٨ وإرميا ١٩: ١٣ وصفنيا ١: ٥ ومتّى ١٠: ٢٧ ولوقا ٥: ١٩ و١٧: ٣١) وكان السطح موافقاً للانفراد والصلاة.

نَحْوَ ٱلسَّاعَةِ ٱلسَّادِسَةِ أي نحو الظهر. كان مفروضاً على اليهود أن يصلوا كل يوم في الساعة الثالثة والساعة التاسعة وزاد الأتقياء على ذلك الصلاة في الساعة السادسة ومثال ذلك قول داود «مَسَاءً وَصَبَاحاً وَظُهْراً أَشْكُو وَأَنُوحُ فَيَسْمَعُ (أي الله) صَوْتِي» (مزمور ٥٥: ١٧). والقول في نبوءة دانيال «فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي ٱلْيَوْمِ، وَصَلَّى وَحَمَدَ قُدَّامَ إِلٰهِهِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ قَبْلَ ذٰلِكَ» (دانيال ٦: ١٠ و١٣).

إن الله يكرم الصلاة بدليل أنه أرسل الملاك إلى كرنيليوس وهو يصلي وأعلن الرؤيا لبطرس وهو كذلك.

١٠ «فَجَاعَ كَثِيراً وَٱشْتَهَى أَنْ يَأْكُلَ. وَبَيْنَمَا هُمْ يُهَيِّئُونَ لَهُ وَقَعَتْ عَلَيْهِ غَيْبَةٌ».

ص ١١: ٥ و٢٢: ١٧ ورؤيا ١: ١٠

فَجَاعَ نستنتج من ذلك أن الوقت كان الوقت الذي اعتاد أن يأكل فيه ولعله كان صائماً إلى ساعة الصلاة الظهرية وهذا علة جوعه والأرجح أن جوعه اقتضى صورة تلك الرؤيا لأن الجائع يرى في الحلم الأطعمة والعطشان يرى فيه الماء. فرؤيا بطرس مناسبة لحاله حينئذ فلما قصّ بطرس على شيوخ أورشليم هذه الحادثة لم يذكر شيئاً مما يتعلق بوقت الرؤيا ولا السطح والا الجوع لأن تلك الأمور عرضية لكنه ذكر أنه كان يصلي وذلك من الأمور ذات الشأن ليبيّن أنه كان طالباً حينئذ الإرشاد والحكمة.

هُمْ يُهَيِّئُونَ لَهُ أي أهل البيت الماكث فيه.

غَيْبَةٌ حال موافقة للرؤيا لأن النفس تقوى حينئذ على إدراك أمور لا ندركها بقواها الطبيعية. وهذا على وفق قوله للإخوة في أورشليم «رَأَيْتُ فِي غَيْبَةٍ رُؤْيَا» (ص ١١: ٥) وهذه الرؤيا ليست كرؤيا كرنيليوس (ع ٣) لأن كرنيليوس رأى أموراً حقيقية بقواه الطبيعية وهو مستيقظ. وأما الذي رآه بطرس فعُرض على عقله لا حواسه فكانت كرؤيا بلعام (عدد ٢٤: ٤) وكرؤيا بولس في (٢كورنثوس ١١: ٣).

١١ «فَرَأَى ٱلسَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَإِنَاءً نَازِلاً عَلَيْهِ مِثْلَ مُلاَءَةٍ عَظِيمَةٍ مَرْبُوطَةٍ بِأَرْبَعَةِ أَطْرَافٍ وَمُدَلاَّةٍ عَلَى ٱلأَرْضِ».

ص ٧: ٥٦ ورؤيا ١٩: ١١

فَرَأَى ٱلسَّمَاءَ مَفْتُوحَةً أي ظهر له كأنه يرى الجو منشقاً (انظر الشرح متّى ٣: ١٦ وأعمال ٧: ٥٦).

إِنَاءً (انظر شرح ص ٩: ١٥).

مُلاَءَةٍ ملحفة أي قطعة واسعة من النسيج. نظرها هابطة إليه من الجو على قرب منه حتى يمكنه أن يرى حسناً كل ما فيها.

عَظِيمَةٍ لزم أن تكون كذلك لتسع كل الحيوانات على أنواعها.

مَرْبُوطَةٍ بِأَرْبَعَةِ أَطْرَافٍ لكي تصير إناء يسع ما ظهر فيها.

وَمُدَلاَّةٍ عَلَى ٱلأَرْضِ أي مرسلة بحبال مناطة بأطرافها.

١٢ «وَكَانَ فِيهَا كُلُّ دَوَابِّ ٱلأَرْضِ وَٱلْوُحُوشِ وَٱلزَّحَّافَاتِ وَطُيُورِ ٱلسَّمَاء».

كانت الرؤيا مناسبة لما كان عليه من الجوع. والحيوانات المذكورة في هذه الآية كان بعضها طاهراً يجوز أكله وبعضها نجساً يحرم أكله على مقتضى شريعة اليهود. وكان قصد الله أن يفصل اليهود عن سائر الأمم ليعلمهم الدين الحق ولذلك منعهم عن أطعمتهم ومؤاكلتهم واعتقد اليهود أنه خير لكل منهم أن يموت جوعاً من أن يأكل طعاماً نجساً.

١٣ «وَصَارَ إِلَيْهِ صَوْتٌ: قُمْ يَا بُطْرُسُ، ٱذْبَحْ وَكُلْ».

صَارَ إِلَيْهِ صَوْتٌ أي ظهر له أنه يسمع صوتاً.

ٱذْبَحْ وَكُلْ من كل نوع شئت بلا تمييز. ويلزم من هذا الأمر إلغاء التمييز بين الطاهر والنجس من الحيوانات الذي كان قائماً من أيام نوح إلى تلك الساعة (تكوين ٧: ٢) وذُكرت شريعته في (لاويين ١١: ٢ – ٢٧ وتثنية ١٤: ٣ – ٢٠).

١٤ «فَقَالَ بُطْرُسُ: كَلاَّ يَا رَبُّ، لأَنِّي لَمْ آكُلْ قَطُّ شَيْئاً دَنِساً أَوْ نَجِساً».

لاويين ١١: ٤ و٢٠: ٢٥ وتثنية ١٤: ٣ و٧ وحزقيال ٤٠: ١٤

كَلاَّ يَا رَبُّ هذا ليس رفض الطاعة لله بل إظهار التعجب من أمر آتٍ من السماء بأن يذبح ويأكل من كل أنواع الحيوانات بلا تمييز وبيان خوفه من مخالفة أمر الشريعة التي أنزلها الله على موسى وتلك الشريعة كان يطيعها منذ صبائه ولم يعلم قط أن الله ألغاها. خاطب بطرس يسوع بمثل هذا الكلام قبلاً وهو قوله «حَاشَاكَ يَا رَبُّ! لاَ يَكُونُ لَكَ هٰذَا!» (متّى ١٦: ٢٢) وقوله «لن تغسل رجليّ أبداً».

دَنِساً أَوْ نَجِساً بمقتضى الشريعة الموسوية لا بالذات فبعض ما كان طاهراً عند سائر الأمم كان نجساً عند اليهود لأنهم شعب ممتاز خاضع لشريعة خاصة من الأطعمة والملبوسات والغسل وما شاكل ذلك.

١٥ «فَصَارَ إِلَيْهِ أَيْضاً صَوْتٌ ثَانِيَةً: مَا طَهَّرَهُ ٱللّٰهُ لاَ تُدَنِّسْهُ أَنْتَ!»

متّى ١٥: ١١ وع ٢٨ ورومية ١٤: ١٤ و١٧: ٢٠ و١كورنثوس ١٠: ٢٥ و١تيموثاوس ٤: ٤ وتيطس ١: ١٥

صَوْتٌ ثَانِيَةً كان الصوت الأول «قُمْ يَا بُطْرُسُ، ٱذْبَحْ وَكُلْ» (ع ١٣). وقال بطرس في أخباره للإخوة بذلك إن هذا الصوت كان «من السماء» (ص ١١: ٩).

مَا طَهَّرَهُ ٱللّٰهُ لاَ تُدَنِّسْهُ أَنْتَ أي لا تحسب ما صرّح الله بطهارته نجساً. وأوضح جلياً بقوله «ما طهره الله» من هو المتكلم وما معنى الرؤيا. وقصد الله بهذا القول أن يعلم بطرس أمرين الأول أنه أُلغي التمييز بين الطاهر والنجس من المأكولات الحيوانية والثاني وهو الأهم أنه أُبطل التمييز أمام الله بين اليهود والأمم بالنظر إلى أن اليهود وحدهم الطاهرون وسائر الناس نجسون. وتم ذلك بناء على ما فعله يسوع المسيح لأنه باتخاذه الطبيعة البشرية أكرمها وجعلها مرضية لله وبموته عن الناس طهّر الجنس البشري بلا استثناء أمام الله فصارت للأمم الحقوق الروحية والبركات السماوية التي لليهود. فيجب أن يبشر أولئك بالإنجيل كهؤلاء في قيصرية كما في أورشليم.

ولا مناقضة بقولنا أن الله ألغي التمييز الذي قد أمر به هو بين الطاهر والنجس لقوله «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ ٱلنَّامُوسَ… مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ» (متّى ٥: ١٧) لأن المسيح طهّر بدمه كل الذين قبلوه فأكمل الناموس وما قيل هنا على وفق قول بولس «لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعاً وَاحِدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ» (غلاطية ٣: ٢٨).

من المبادئ البيّنة أن الشريعة تُلغى عند زوال العلة التي وُضعت لأجلها فشريعة الطهارة وُضعت لفصل اليهود عن سائر الأمم لكي يعلمهم الله الدين الحق فيحفظوه إلى أن يأتي المسيح والمسيح قد أتى والحاجز بين الإسرائيليين وسائر الأمم نحو ألفي سنة رُفع. ومحل إعلان رفعه قيصرية والوسيلة إلى ذلك الإعلان رؤيا سماوية والمعلن له بطرس الرسول وأول من استفاد من ذلك القائد الروماني كرنيليوس.

١٦ «وَكَانَ هٰذَا عَلَى ثَلاَثِ مَرَّاتٍ، ثُمَّ ٱرْتَفَعَ ٱلإِنَاءُ أَيْضاً إِلَى ٱلسَّمَاءِ».

تكوين ٤١: ٣٢

ثَلاَثِ مَرَّاتٍ أي كرر الصوت كذلك لا الرؤيا وفائدة التكرار للتوكيد وتعليم بطرس أهمية الرؤيا وذلك على وفق ما قيل في تكوين ٤١: ٣٢ «وَأَمَّا عَنْ تَكْرَارِ ٱلْحُلْمِ عَلَى فِرْعَوْنَ مَرَّتَيْنِ، فَلأَنَّ ٱلأَمْرَ مُقَرَّرٌ مِنْ قِبَلِ ٱللّٰهِ، وَٱللّٰهُ مُسْرِعٌ لِيَصْنَعَهُ» وهو كتكرار قول المسيح لبطرس ثلاث مرات ارع غنمي (يوحنا ٢١: ١٥ – ١٧).

ثُمَّ ٱرْتَفَعَ الخ أي عاد إلى المكان الذي هبط منه وهذا حقق لبطرس أن الرؤيا سماوية لا تخيل محض كما كان يظهر له لو اضمحل المنظر في محله.

ذهاب بطرس إلى قيصرية ع ١٧ إلى ٤٤

١٧، ١٨ «١٧ وَإِذْ كَانَ بُطْرُسُ يَرْتَابُ فِي نَفْسِهِ: مَاذَا عَسَى أَنْ تَكُونَ ٱلرُّؤْيَا ٱلَّتِي رَآهَا؟ إِذَا ٱلرِّجَالُ ٱلَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ كَرْنِيلِيُوسُ، كَانُوا قَدْ سَأَلُوا عَنْ بَيْتِ سِمْعَانَ وَوَقَفُوا عَلَى ٱلْبَابِ ١٨ وَنَادَوْا يَسْتَخْبِرُونَ: هَلْ سِمْعَانُ ٱلْمُلَقَّبُ بُطْرُسَ نَازِلٌ هُنَاكَ؟».

يَرْتَابُ فِي نَفْسِهِ أي يحتار بمعنى الرؤيا أهي مجرد المعنى الظاهر أي أن الله ألغى التمييز بين الطاهر والنجس من الأطعمة أو أنه ألغى كل الشريعة الموسوية الرمزية التي هذا قسم منها أو تشتمل على ما فوقه وهو إزالة التمييز بين اليهود والأمم أيضاً الذي أُقيم تمييز الأطعمة لأجله ويحتار أيضاً بالمقصود منها عملاً.

إِذَا ٱلرِّجَالُ اقتران مجيء الرجال بالرؤيا أعلن لبطرس جلياً معناها والمقصود منها وأن الله قصد أن تكون بياناً لإرادته وهكذا شهد بطرس في (ص ١١). وكثيراً ما يُظهر الله إرادته للإنسان بما يجريه من الحوادث التي تفتح له باب قصده أمامه أو يوصده دونه ولا سيما إذا سأل الله إرشاده في صلاة خاصة.

١٩، ٢٠ «١٩ وَبَيْنَمَا بُطْرُسُ مُتَفَكِّرٌ فِي ٱلرُّؤْيَا، قَالَ لَهُ ٱلرُّوحُ: هُوَذَا ثَلاَثَةُ رِجَالٍ يَطْلُبُونَكَ. ٢٠ لٰكِنْ قُمْ وَٱنْزِلْ وَٱذْهَبْ مَعَهُمْ غَيْرَ مُرْتَابٍ فِي شَيْءٍ، لأَنِّي أَنَا قَدْ أَرْسَلْتُهُمْ».

ص ١١: ١٢ و١٥: ٧

قَالَ لَهُ ٱلرُّوحُ لم يكلمه الروح بعد ذلك في رؤيا من السماء بل كان يكلم روحه رأساً مخبراً إياه بوصول رسل كرنيليوس وبما يجب أن يفعله وأتى ذلك ليرفع كل ريب في تلك الرؤيا.

وكثيراً ما أعلن لوقا في سفر الأعمال فعل الروح القدس في إجراء الحوادث (انظر ص ١٠: ٤٥ و١١: ١٢ و١٥).

هُوَذَا ثَلاَثَةُ رِجَالٍ لم يذكر من هم ولا ما هي غايتهم بل تركه ليعلمه بعد.

ٱذْهَبْ مَعَهُمْ لم يقل له إلى أين يذهب إذ عليه أن يطيع الأمر.

غَيْرَ مُرْتَابٍ علم الروح بما يعرض لبطرس من الشكوك حين يرى أن الذين أرسلوا إليه ليسوا من اليهود بل من الأمم فدعاه إلى اليقين والطاعة بلا مبالاة بتلك الشكوك. كذا دعاه سيده قبلاً للإيمان والطاعة له بقوله «لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ ٱلآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلٰكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ» (يوحنا ١٣: ٧). وما قيل هنا يثبت أقنومية الروح القدس ولاهوته بدليل خطابه لبطرس بضمير المتكلم ومعرفته أفكاره وهذه المعرفة مما لا يستطيعها غير الله.

لأَنِّي أَنَا قَدْ أَرْسَلْتُهُمْ أي أنا علة إرسالهم فالروح القدس أرسلهم بواسطة الملاك أولاً وبواسطة كرنيليوس ثانياً ع ٧ وهذا الروح أرسل بولس أيضاً (ص ١٣: ٢١ و١٦: ٦ و٧).

٢١ «فَنَزَلَ بُطْرُسُ إِلَى ٱلرِّجَالِ ٱلَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِ كَرْنِيلِيُوسُ، وَقَالَ: هَا أَنَا ٱلَّذِي تَطْلُبُونَهُ. مَا هُوَ ٱلسَّبَبُ ٱلَّذِي حَضَرْتُمْ لأَجْلِهِ؟».

فَنَزَلَ بُطْرُسُ أي من السطح حيث رأى الرؤيا إلى الدهليز أو الباب حيث وقف الرجال.

ٱلَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِ كَرْنِيلِيُوسُ هذا كلام لوقا لأن بطرس لم يكن قد عرف شيئاً من أمر كرنيليوس حينئذ ولا شيئاً مما حدث له في قيصرية.

مَا هُوَ ٱلسَّبَبُ الخ أخبره الروح أنه هو الذي أرسل الرجال لكنه لم ينبئه بعلة حضورهم.

٢٢ «فَقَالُوا: إِنَّ كَرْنِيلِيُوسَ قَائِدَ مِئَةٍ، رَجُلاً بَارّاً وَخَائِفَ ٱللّٰهِ وَمَشْهُوداً لَهُ مِنْ كُلِّ أُمَّةِ ٱلْيَهُودِ، أُوحِيَ إِلَيْهِ بِمَلاَكٍ مُقَدَّسٍ أَنْ يَسْتَدْعِيَكَ إِلَى بَيْتِهِ وَيَسْمَعَ مِنْكَ كَلاَماً».

ع ١ و٢ الخ ص ٢٢: ١٢

كَرْنِيلِيُوسَ قَائِدَ مِئَةٍ كان في الأرض المقدسة كثيرين من رؤساء الجيش الروماني في هذه الرتبة (متّى ٨: ٥ ومرقس ١٥: ٤٩ وأعمال ٢١: ٣٢ و٢٢: ٢٥ و٢٣: ١٧ و٢٣ و٢٤: ٢٣ و٢٧: ١) لأن الرومانيين كانوا يومئذ مستولين على هذه الأرض.

رَجُلاً بَارّاً قيل في ع ٢ أنه «تقي» والبرّ أعمّ من التقوى لأنه يتضمن القيام بالواجبات للناس فضلاً عن القيام بالواجبات لله. قال المسيح في مدح إيمان قائد مئة آخر في كفرناحوم «إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ مِنَ ٱلْمَشَارِقِ وَٱلْمَغَارِبِ وَيَتَّكِئُونَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ» (متّى ٨: ١١).

خَائِفَ ٱللّٰهِ أي الإله الحق إله إسرائيل (انظر شرح ع ٢).

مَشْهُوداً لَهُ مِنْ كُلِّ أُمَّةِ ٱلْيَهُودِ أي معتبراً محبوباً عند كل فرقة من الإسرائيليين وهم كثيرون كما كان كذلك بين أهل جنسه الرومانيين. ذكر لوقا هذا في كتابه لمعرفته أن اليهود يقفون عليه فأراد أن يخبرهم بكل شيء مما يرضيهم بقبول رجل من الأمم في شركة النعمة الإلهية وهو أمر يصعب عليهم.

أُوحِيَ إِلَيْهِ كما قيل في نبإ يوسف (متّى ٢: ١٢ و٢٢). والمعنى أن الله أعلن له ما سبق في (ع ٣ – ٥).

بِمَلاَكٍ مُقَدَّسٍ نعت الملاك بالقداسة تمييزاً له عن أحد «ٱلْمَلاَئِكَةُ ٱلَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ» (يهوذا ٦).

أَنْ يَسْتَدْعِيَكَ إِلَى بَيْتِهِ الروح القدس لم يأمر كرنيليوس بالذهاب إلى يافا حيث بطرس فذكر الرسل ذلك عذراً لكرنيليوس في عدم مجيئه إلى بطرس.

وَيَسْمَعَ مِنْكَ كَلاَماً هذا على حسب الوعد في (ع ٦).

٢٣ «فَدَعَاهُمْ إِلَى دَاخِلٍ وَأَضَافَهُمْ. ثُمَّ فِي ٱلْغَدِ خَرَجَ بُطْرُسُ مَعَهُمْ، وَأُنَاسٌ مِنَ ٱلإِخْوَةِ ٱلَّذِينَ مِنْ يَافَا رَافَقُوهُ».

ع ٤٥ وص ١١: ١٢

فَدَعَاهُمْ إِلَى دَاخِلٍ وَأَضَافَهُمْ هذا لا يقتضي أنهم لم يزالوا خارج الباب والمراد أنه رحب بهم ضيوفاً يبيتون عنده تلك الليلة إذ لم يحسن السفر في ذلك النهار لأن رسل كرنيليوس كانوا قد أعيوا ولأن بطرس كان محتاجاً إلى وقت لتأهبه ورفقائه للسفر.

فِي ٱلْغَدِ أي غد يوم الرؤيا ووصول رسل كرنيليوس.

خَرَجَ بُطْرُسُ أي من البيت والمدينة.

أُنَاسٌ مِنَ ٱلإِخْوَةِ الخ ممن آمنوا بالمسيح من اليهود (ع ٤٥ ) وهم ستة (ص ١١: ١٢) ولا ريب في أن بطرس أخذهم ليكونوا شهوداً بكل ما يحدث جرياً على القانون المذكور في (تثنية ١٧: ٦ و١٩: ١٥) ولكي يخبروا كنيسة يافا وغيرها من الكنائس بكل ما جرى في أمر غريب ذي شأن كهذا. ونعلم أن هؤلاء الستة ذهبوا بعد ذلك إلى أورشليم وثبتوا ما قاله بطرس بشهادتهم (ص ١١: ١٢). وكان عدد المسافرين عشرة بطرس وستة متنصرين من اليهود وثلاثة من الأمم أحدهم عسكري.

٢٤ «وَفِي ٱلْغَدِ دَخَلُوا قَيْصَرِيَّةَ. وَأَمَّا كَرْنِيلِيُوسُ فَكَانَ يَنْتَظِرُهُمْ، وَقَدْ دَعَا أَنْسِبَاءَهُ وَأَصْدِقَاءَهُ ٱلأَقْرَبِينَ».

فِي ٱلْغَدِ أي غد خروجهم من يافا وهو اليوم الرابع من ظهور الملاك فالمسافة بين يافا وقيصرية وهي نحو ٣٥ ميلاً شغلوا بقطعها يوماً وبعض يوم.

أَمَّا كَرْنِيلِيُوسُ فَكَانَ يَنْتَظِرُهُمْ لأنه عرف الوقت الضروري لذهاب رسله ورجوعهم ببطرس وأظهر شدة اهتمامه ورجائه بتركه كل الأعمال الدنيوية واستعداده لقبوله رسول الله وكلامه.

قَدْ دَعَا أَنْسِبَاءَهُ الخ نعلم من ع ١٧ أنهم كانوا كثيرين والأرجح أن بعضهم من العسكر ولعل من جملتهم عبيده الخاصة لأنهم كانوا مشاركين له في الآراء الدينية وعلى كل حال كان كرنيليوس يحب أن يستفيدوا معه من ذلك الإعلان الإلهي. وهذا كان مما يوجب له المدح ويُظهر أنه متعلم من الله لأن كل محبي الله محبو إخوتهم البشر ولا يكتفون بأن يعرفوا الحق بل يرغبون في أن يعرفه كل من يحبونهم أيضاً. فعلى الوالدين أن يقتدوا بكرنيليوس وذلك أنهم متى أتوا إلى المسيح وجب عليهم أن يجتهدوا في أن يقودوا أولادهم إليه. وكذا يجب على الأولاد لوالديهم والإخوة للإخوة وهلم جراً. وهذا على وفق قوله تعالى «ومن يسمع فليقل تعال» (رؤيا ٢٢: ١٧). وتسليم أولئك الذين من الأمم بمطلوب كرنيليوس وهو أن يحضروا ويسمعوا كلام بطرس في المسيح دليل على أن الروح القدس كان قد فعل في قلوبهم واستمالهم إلى قبول الإنجيل قبل أن سمعوا به أو اجتمعوا بأحد المبشرين به.

٢٥ «وَلَمَّا دَخَلَ بُطْرُسُ ٱسْتَقْبَلَهُ كَرْنِيلِيُوسُ وَسَجَدَ وَاقِعاً عَلَى قَدَمَيْهِ».

وَلَمَّا دَخَلَ أي الباب الخارجي بدليل ما جاء في (ع ٢٧).

وَسَجَدَ الخ هذا يدل على أن كرنيليوس قصد أن يكرم بطرس إكراماً أعظم من إكرام الإنسان لمن هو أعلى منه من البشر أي أنه كان كالعبادة التي لا تجوز لغير الله. ولا عجب لأن كرنيليوس وُلد وربيّ وثنياً ومن عقائده أن الآلهة كثيرون وأنهم كثيراً ما يزورون البشر في هيئة بشرية. ومما حمله أن يعتبر بطرس أعظم من بشر أن الملاك أمره أن يستدعيه وأخبره بأنه يأتيه بإعلان الله. وما أتاه كرنيليوس لبطرس كان مثل الذي أتاه يوحنا للملاك (رؤيا ٢٢: ٨).

٢٦ «فَأَقَامَهُ بُطْرُسُ قَائِلاً: قُمْ، أَنَا أَيْضاً إِنْسَانٌ».

ص ١٤: ١٤ و١٥ ورؤيا ١٩: ١٠ و٢٢: ٨ و٩

فَأَقَامَهُ أي رفعه عن موقعه.

أَنَا أَيْضاً إِنْسَانٌ أي مخلوق مثلك يُحظر أن يوجه إليّ مثل هذا لأنه مختص بالله وحده. ومثل قوله هنا قول بولس في لسترة (ص ١٤: ١٥). وقول الملاك في (رؤيا ٢٢: ٩). ومما يستحق الانتباه والاعتبار أن المسيح لم يأب قط قبول مثل هذا الإكرام (متّى ٨: ٢ و٩: ١٨ و١٤: ٣٣ و١٥: ٢٥ و٢٠: ٢٠ و٢٨: ٩ و١٧ ويوحنا ٩: ٣٨).

٢٧ «ثُمَّ دَخَلَ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ مَعَهُ وَوَجَدَ كَثِيرِينَ مُجْتَمِعِينَ».

دَخَلَ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ الظاهر أنهما تخاطبا في أثناء الإتيان من باب الدار إلى باب الردهة أو محل الاجتماع بالتحيات المألوفة. ونعلم من النتيجة أنهما اتفقا قبل الدخول على أن يجعلا موضوع الخطاب في الردهة تفصيل الأحوال التي أوجبت اجتماعها. وإطاعة لأمر الله خالف بطرس بدخوله بيت كرنيليوس عوائد اليهود وتقاليدهم وكل ما سبق من أعماله في مثل هذه الحال. على أن الشريعة الموسوية لم توجب على الإسرائيليين مثل هذا الانفصال عن الأمم إنما حرمت عليهم بعض الأطعمة فقط ونتج عن ذلك تحريم مواكلتهم لمن أجازوا أكل ما حرّم. أما هم فزادوا على ذلك تحريم أن يجلس أحدهم مع أممي على سرير واحد أو أن يأكل أو يشرب من إناء أكل أو شرب الأممي منه. انظر شرح (مرقس ٧: ٣ و٤). ومما يستحق الاعتبار أن هذه أول مرة وطئت أقدام مبشري السلام بيت رجل من الأمم.

وَوَجَدَ كَثِيرِينَ هؤلاء هم أصدقاء كرنيليوس وأنسباؤه الذين ذُكروا في (ع ٢٤) والظاهر أن بطرس ورفقاءه تعجبوا من كثرتهم إذ لم يكونوا قد انتظروا مثل ذلك.

٢٨ «فَقَالَ لَهُمْ: أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ كَيْفَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى رَجُلٍ يَهُودِيٍّ أَنْ يَلْتَصِقَ بِأَحَدٍ أَجْنَبِيٍّ أَوْ يَأْتِيَ إِلَيْهِ. وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَرَانِي ٱللّٰهُ أَنْ لاَ أَقُولَ عَنْ إِنْسَانٍ مَا إِنَّهُ دَنِسٌ أَوْ نَجِس».

يوحنا ٤: ٩ و١٨: ٢٨ وص ١١: ٣ وغلاطية ٢: ١٢ و١٤ ص ١٥: ٨ و٩ وأفسس ٣: ٦

أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ كَيْفَ هُوَ مُحَرَّمٌ هذا مقدمة خطاب بطرس في بيان مخالفته لعوائد اليهود المعلومة عند كرنيليوس وقومه وأنه لم يأت تلك المخالفة جهلاً أو سهواً لأنها إذا كانت معروفة عندهم فبالأولى تكون معروفة عنده.

أَنْ يَلْتَصِقَ اكتفى بأن أشار بهذه الكلمة وحدها إلى كل ما أوجبته التقاليد اليهودية من انفصال اليهود عن الأمم لكونه أمراً مشهوراً.

يَأْتِيَ إِلَيْهِ القرينة تدل على منع إتيان اليهودي إلى بيت أجنبي إتيان الإنسان إلى بيته أو الخليل إلى خليله ولا سيما إتيانه للمواكلة (ص ١١: ٣ وغلاطية ٢: ١٢).

أَرَانِي ٱللّٰهُ قال هذا بناء على أن المجتمعين كانوا يعتقدون أن الله هو الإله الحق وأنه ذو السلطان الأسمى وأبان بقوله «أراني» أنه فهم المقصود بالرؤيا التي رآها في يافا وكل ما تضمنته من الأمور ذات الشأن وهو أن الله قد أبطل بذلك التمييز بين اليهود والأمم كما أبطل التمييز بين المحلل والمحرم من الأطعمة. ولم يقص عليهم الرؤيا إذ لم يكن من حاجة إلا إلى بيان أن ما فعله كان بأمر الله.

لاَ أَقُولَ عَنْ إِنْسَانٍ الخ أن ابن الله باتخاذه الطبيعة البشرية وبموته على الصليب ليفديها طهّر البشر بأسرهم من نجاسة الإثم برش دمه عليهم. والنتيجة أنه كان على بطرس أن لا يفرز نفسه عن أحد من الناس ولو أجنبياً فيسوغ له أن يأكل ويشرب معه. وهذا خلاف ما اعتقده بطرس سابقاً وعمل به من جهة السيرة مع الأمم.

٢٩ «فَلِذٰلِكَ جِئْتُ مِنْ دُونِ مُنَاقَضَةٍ إِذِ ٱسْتَدْعَيْتُمُونِي. فَأَسْتَخْبِرُكُمْ: لأَيِّ سَبَبٍ ٱسْتَدْعَيْتُمُونِي؟».

فَلِذٰلِكَ أي بناء على إعلان الله.

جِئْتُ مِنْ دُونِ مُنَاقَضَةٍ أي بلا جدال ولا تردد لعلة ما عُهد من التقاليد وما سبق من عوائده ومراعاة أفكار اليهود وأقوالهم فإن أمر الله دفع كل ما يعترضه في هذا السبيل.

أَسْتَخْبِرُكُمْ الخ عرف بطرس من رسل كرنيليوس بعض المقصود من إرسالهم إليه (ع ٢٢) وأعلن له الروح القدس أنه هو علة إرسال أولئك الرسل لكنه لم يعرف كل المقصود فأراد من كرنيليوس التفصيل لنفع نفسه ونفع رفقائه الذين أتوا معه من يافا.

٣٠ «فَقَالَ كَرْنِيلِيُوسُ: مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ إِلَى هٰذِهِ ٱلسَّاعَةِ كُنْتُ صَائِماً. وَفِي ٱلسَّاعَةِ ٱلتَّاسِعَةِ كُنْتُ أُصَلِّي فِي بَيْتِي، وَإِذَا رَجُلٌ قَدْ وَقَفَ أَمَامِي بِلِبَاسٍ لاَمِعٍ».

متّى ٢٨: ٣ ومرقس ١٦: ٥ ولوقا ٢٤: ٤ وص ١: ١٠

فَقَالَ كَرْنِيلِيُوسُ كرر كرنيليوس هنا ما جاء في (ع ٣ – ٦) بتصرف زهيد.

مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ شغل رسل كرنيليوس يومين بالذهاب من قيصرية إلى يافا ويومين بالرجوع منها إلى قيصرية.

إِلَى هٰذِهِ ٱلسَّاعَة أي ساعة التكلم والأرجح أنها ساعة الظهر بدليل القرينة.

كُنْتُ صَائِماً قرنه الصوم بالصلاة يدل على غيرته وإخلاصه وأنه تبع عوائد اليهود في أوقات الصلاة والصوم. وأنه ترك العبادة الوثنية وأخذ يعبد الإله الحق. وكان من عوائد اليهود المتدينين أن يجعلوا الظهر أحد أوقات الصلاة المعيّنة وأن يصوموا من الصبح إليه. وهذه هي القرينة التي أشرنا إليها في الآية السابقة وهي المعيّنة أن تلك الساعة كانت ساعة الظهر.

فِي ٱلسَّاعَةِ ٱلتَّاسِعَةِ أي العصر وهي أحد أوقات الصلاة الثلاثة المعيّنة عند اليهود (ص ٣: ١) والآخران الساعة الثالثة والساعة السادسة (مزمور ٥٥: ١٧ ودانيال ٦: ١٠ وأعمال ٢: ١٥).

فِي بَيْتِي بالانفراد والخفاء غير مبتغٍ إظهار بره للناس. وهذا على وفق أمر المسيح (متّى ٦: ٥ و١٦ و١٧).

وَإِذَا رَجُلٌ قال لوقا في ع ٣ أنه ملاك ووصفه كرنيليوس بالهيئة التي ظهر له فيها فإن الملاك اتخذ صورة إنسان وقتياً.

بِلِبَاسٍ لاَمِعٍ كذا ظهر الملائكة عند قبر المسيح (لوقا ٢٤: ٤). وكذا الملاكان اللذان ظهرا على جبل الزيتون يوم الصعود (ص ١: ١٠). وهذا اللمعان أثر مشاهدة الملائكة المجد السماوي ودليل على كونهم رسلاً سماوية والمقصود منه إيقاع الهيبة في قلوب المشاهدين وتنبيههم.

٣١، ٣٢ «٣١ وَقَالَ: يَا كَرْنِيلِيُوسُ، سُمِعَتْ صَلاَتُكَ وَذُكِرَتْ صَدَقَاتُكَ أَمَامَ ٱللّٰهِ. ٣٢ فَأَرْسِلْ إِلَى يَافَا وَٱسْتَدْعِ سِمْعَانَ ٱلْمُلَقَّبَ بُطْرُسَ. إِنَّهُ نَازِلٌ فِي بَيْتِ سِمْعَانَ رَجُلٍ دَبَّاغٍ عِنْدَ ٱلْبَحْرِ. فَهُوَ مَتَى جَاءَ يُكَلِّمُكَ».

دانيال ١٠: ١١ و١٢ وع ٤ الخ وعبرانيين ٦: ١٠

ترك كرنيليوس مقدمة خطاب الملاك في (ع ٣) واقتصر على ذكر خلاصة معنى ذلك الخطاب بغير لفظه.

سُمِعَتْ صَلاَتُكَ أي قُبلت فانتظر إجابتها. والنتيجة تدلنا على أن موضوع الصلاة كان طلب معرفة الحق والإرشاد إلى طريق الخلاص.

صَدَقَاتُكَ (انظر شرح ع ٤).

فَأَرْسِلْ إِلَى يَافَا فتجد من ذلك دليلاً على أن الله استجاب دعاءك.

يُكَلِّمُكَ في المسائل التي شغلت أفكارك من جهة عبادة الإله الحق ومعرفة طريق الخلاص.

٣٣ «فَأَرْسَلْتُ إِلَيْكَ حَالاً. وَأَنْتَ فَعَلْتَ حَسَناً إِذْ جِئْتَ. وَٱلآنَ نَحْنُ جَمِيعاً حَاضِرُونَ أَمَامَ ٱللّٰهِ لِنَسْمَعَ جَمِيعَ مَا أَمَرَكَ بِهِ ٱللّٰهُ».

فَأَرْسَلْتُ الفاء سببيّة. وهذا يدل على أنه فعل ما فعل إطاعة لأمر الله وتوقعاً لإنجاز وعده.

فَعَلْتَ حَسَناً أبان بذلك شكره لبطرس على لطفه وتكرمه بالإتيان إليه.

وَٱلآنَ أي بعد كل هذه الحوادث الغريبة التي اختبرناها والمواعيد الكريمة التي توقعناها.

نَحْنُ جَمِيعاً حَاضِرُونَ أَمَامَ ٱللّٰهِ أبان ذلك أنهم شعروا بأن عين الله العالم كل شيء كانت مراقبة لهم حينئذ وأن لهم إرشاداً من العناية الإلهية وأنهم اجتمعوا بأمر الله وأنه هو يكلمهم بفم بطرس.

لِنَسْمَعَ جَمِيعَ مَا أَمَرَكَ بِهِ ٱللّٰهُ أي أنهم منتبهون ومستعدون أن يطيعوا ما يقول الله بفم بطرس قولاً وفعلاً. فالحق أن تربة تلك القلوب الجيدة كانت مهيأة لقبول ذلك الزرع الجيد. وهنا ميّز كرنيليوس أحسن تمييز بين الله المتكلم وبطرس ناقل كلامه الذي سجد له أولاً (ع ٢٥). فهم لم يجتمعوا ليسمعوا آراء بطرس بل حقائق الله فإنهم شعروا بحضور السيد غير المنظور أكثر مما شعروا بحضور عبده المنظور.

ولنا من هذه العبارة أنه يجب علينا أن نشعر في كل اجتماعاتنا الدينية بحضور الله الفاحص القلوب والكلي وأنه تعالى يخاطبنا بكتابه وصوت خادمه.

٣٤ «فَقَالَ بُطْرُسُ: بِٱلْحَقِّ أَنَا أَجِدُ أَنَّ ٱللّٰهَ لاَ يَقْبَلُ ٱلْوُجُوه».

تثنية ١٠: ١٧ و٢أيام ١٩: ٧ وأيوب ٣٤: ١٩ وورمية ٢: ١١ وغلاطية ٢: ٦ وأفسس ٦: ٩ وكولوسي ٣: ٢٥ و١بطرس ١: ١٧

فَقَالَ بُطْرُسُ هذا يدل على ابتداء التكلم في أمر ذي بال (متّى ٥: ٢). وهذه الآية والتي تليها مقدمة لمناداة بطرس بالإنجيل بشرى الخلاص.

بِٱلْحَقِّ أَنَا أَجِدُ أي أن الله أعلن إراداته ببراهين قاطعة أزالت كل شكوكي. وأشار بذلك إلى ما كان له من الرؤيا وموافقتها لما وقع لكرنيليوس وما رآه في الحاضرين من الاستعداد لقبول كلمة الله.

لاَ يَقْبَلُ ٱلْوُجُوهَ معنى ذلك كمعنى ما في (رومية ٢: ١١ وأفسس ٦: ٩ ويعقوب ٢: ١ – ٤ و٩). وبمثل هذا شُهد للمسيح ( متّى ٢٢: ١٦). والمقصود أن الله لا يفضل أحد الناس على غيره بالنظر إلى جمال منظره (١صموئيل ١٦: ٧) أو إلى رتبته ومقامه أو غناه أو شرف نسبه أو ما شاكل ذلك في شأن خلاص النفوس لأنه ينظر إلى قلب الإنسان لا إلى ظاهره ولا إلى جنسه. وهذا خلاف معقتد اليهود أن الله فضلهم على سائر الناس لأنهم نسل إبراهيم (لوقا ٣: ٨). فكأن بطرس قال هنا أني رأيت غلطي في اعتقادي السابق وتيقنت أن الله لا يخلص أحداً لكونه يهودياً ولا يرفض أحداً لكونه أممياً وأن الخلاص مباح لكل من يؤمن. وهذا على وفق ما قيل في (رومية ٢: ١١ وكولوسي ٣: ٢٥). ولا شيء في هذا ينافي تعليم الاختيار لأن ذلك يعم اليهود والأمم معاً ولا مما يفيد أن الله يعتبر الشرير كالصالح لأنه سبحانه وتعالى يحب الصديق ويسخط على الخاطئ كل يوم وهو يحب الأمي الصالح كما يحب اليهودي الصالح ويسخط على اليهودي الشرير كما يسخط على الأمي الشرير.

وليس معناه أن الله يخلص المخلِص الرأي بلا نظر إلى إيمانه أو عدم إيمانه وإلا لم يرسل إلى كرنيليوس من يعلمه وجوب الخلاص بواسطة الإيمان بالمسيح.

وخلاصة ما تعلمناه من هذه الآية أربعة أمور:

  • الأول: أنه قد اُزيل الحاجز بين اليهود والأمم.
  • الثاني: أن الخلاص مباح لجميع الناس بشرط التوبة والإيمان والطاعة.
  • الثالث: أن البشر كلهم خطأة فلا استحقاق لأحد منهم (رومية ص ١ وص ٢ وص ٣).
  • الرابع: أن كل الذين يخلصون إنما يخلصون بالرحمة (رومية ٣: ٢٢ و١٠: ١٢ وغلاطية ٢: ٦).

٣٥ «بَلْ فِي كُلِّ أُمَّةٍ ٱلَّذِي يَتَّقِيهِ وَيَصْنَعُ ٱلْبِرَّ مَقْبُولٌ عِنْدَهُ».

ص ١٥: ٩ ورومية ٢: ١٣ و٢٧ و٣: ٢٢ و٢٩ و١٠: ١٢ و١٣ و١كورنثوس ١٢: ١٣ وغلاطية ٣: ٢٨ وأفسس ٢: ١٣ و١٨ و٣: ٦

أبان بطرس في هذه الآية مراده من قوله «أن الله لا يقبل الوجوه» وهو أن البركات الإلهية التي تمتع بها اليهود مباحة للأمم بالشروط التي على اليهود نفسها.

فِي كُلِّ أُمَّةٍ هذا هو المحور التي تدور عليه هذه الآية ومقتضاه أن الله ينظر إلى قلب الإنسان وسيرته بقطع النطر عن تسلسله من إبراهيم أو غيره. وأن كل من يريد يمكنه أن يأخذ ماء الحياة مجاناً وهذا مثل ما أجمع عليه مجمع أورشليم (ص ١٥: ٩ و١١). ورأى يوحنا أن المفديين في السماء من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة (رؤيا ٥: ٩).

يَتَّقِيهِ وَيَصْنَعُ ٱلْبِرَّ كما فعل كرنيليوس. (انظر شرح ص ٩: ٣١). فالتقوى والبرّ (أي القيام بالواجبات لله والناس) مقترنان أبداً.

مَقْبُولٌ عِنْدَهُ كما قُبل كرنيليوس لأنه لم يتبرر بتقواه وصدقاته بل حُسب مستحقاً أن يسمع إنجيل المسيح وأن يُعطى فرصة نوال الخلاص بإيمانه بالمسيح. والمقصود من ذلك أن كل إنسان مهما كانت أمته إذا سلك بمقتضى ما أدركه من معرفة الله ومعرفة واجباته فهو سينال كل ما يحتاج إليه من معرفة المسيح وطريق الخلاص حتى يمكنه أن يخلص بإيمانه الحي العامل. وأبان بطرس أن هذا معناه إذ أخذ وقتئذ يبشره بالإنجيل الذي بشر به اليهود قبل وبعد.

اتخذ بعضهم هذه الآية دليلاً على أن معرفة الإنجيل ليست بضرورية لخلاص الأمم أي الوثنيين لكن الآية لا تفيد هذا المعنى بل تفيد أن الإنجيل لهم كما هو لغيرهم والخلاص مباح لهم بالشروط التي على الذين في البلاد المسيحية. وليس مراد بطرس هنا أن يبيّن معاملة الله للأمم لكنه يعترف بغلطه باعتقاده السابق أن النعمة مقصورة على أمته اليهود. فقد تحقق هنا أن التمييز بين إنسان وآخر أمام الله متوقف على صفاته لا على أمته وأن المقبول عنده يجب أن يكون مقبولاً عند الناس.

٣٦ «ٱلْكَلِمَةُ ٱلَّتِي أَرْسَلَهَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ يُبَشِّرُ بِٱلسَّلاَمِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. هٰذَا هُوَ رَبُّ ٱلْكُلِّ».

إشعياء ٥٧: ٢٩ وأفسس ٢: ١٤ الخ وكولوسي ١: ٢٠ متّى ٢٨: ١٨ ورومية ١٠: ١٢ و١كورنثوس ١٥: ٢٧ وأفسس ١: ٢٠ و٢٢ و١بطرس ٣: ٢٢ ورؤيا ١٧: ١٤ و١٩: ١٦

ٱلْكَلِمَةُ مبتدأ خبره محذوف تقديره «تعلمونها» بدليل قوله «تعلمون الأمر» في الآية التالية فإن «الأمر» هناك بمعنى «الكلمة» هنا والمراد بالكلمة هذه المناداة بالإنجيل أو الإنجيل عينه أو الديانة الجديدة المنادى بها فهي التي أرسل الله بطرس ليبشر بها كرنيليوس وأصدقاءه لأنها كما سبق الكلام غير مقصورة على الإسرائيليين بل هي لكل أمة.

ٱلَّتِي أَرْسَلَهَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أي التي بُشر بها أولاً في أورشليم بموجب أمر المسيح (لوقا ٢٤: ٤٧).

بِٱلسَّلاَمِ هذا خلاصة موضوع تلك الكلمة وهو المصالحة بين الله الملك البار والإنسان العبد الخاطئ (إشعياء ٥٧: ١٩ ورومية ٥: ١). وسلام الضمير الذي يتوقف على الشعور بتلك المصالحة ومغفرة الخطايا. والسلام بين اليهود والأمم (أفسس ٢: ١٤ – ١٧).

بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ غاية مجيء المسيح والتبشير بالإنجيل إنشاء هذا السلام فإن يسوع أوجده لنا بطاعته لله عنا وبموته على الصليب من أجلنا وبشر به وهو على الأرض وأرسل روحه القدوس ليوصله إلى المؤمنين به وأرسل رسله وغيرهم لينادوا به في أقطار الأرض.

هٰذَا هُوَ رَبُّ ٱلْكُلِّ أي كل البشر. هذه الجملة معترضة عرف بطرس حقيقتها لا من لحم ودم بل من الآب السماوي (لوقا ١٦: ١٧) وأراد بطرس بها منع كرنيليوس وجماعته من الظن أن يسوع مجرد نبي أو معلم وصرّح فيها بلاهوته وعظمته. وينتج من كونه رب كل البشر أن اليهود والأمم سواء لديه فإنه يحب الفريقين ويريد أن ينادى بالسلام لهما كليهما. فهذه الجملة المعترضة تشتمل على أمرين مهمين:

الاول: أن المسيح الله.

والثاني: أن كل الناس سواء أمامه (قابل ما في متّى ٢٨: ١٨ بما في يوحنا ١٧: ٢ ورومية ٣: ٢٩ و٣٠ و١٠: ١٢ وأفسس ١: ٢٠ – ٢٨).

٣٧ «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ٱلأَمْرَ ٱلَّذِي صَارَ فِي كُلِّ ٱلْيَهُودِيَّةِ مُبْتَدِئاً مِنَ ٱلْجَلِيلِ، بَعْدَ ٱلْمَعْمُودِيَّةِ ٱلَّتِي كَرَزَ بِهَا يُوحَنَّا».

لوقا ٤: ١٤

أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ٱلأَمْرَ «الأمر» هنا بمعنى «الكلمة» في الآية السابقة أي المناداة بالإنجيل أو الإنجيل نفسه أو الديانة الجديدة المنادى بها. ومعنى العبارة أنكم لا بد من أن علمتم بعض حقائق الدين المسيحي لأنه نودي به في كل اليهودية التي أنتم مقيمون بقاعدتها وفيها فيلبس المبشر (ص ٨: ٤٠). ولمعرفتهم ذلك اختصر بطرس الكلام في أمور الإنجيل خلافاً لما كان يفعله لو خاطب جهلاء الوثنيين. والذي جهله كرنيليوس واحتاج إلى أن يعلمه بطرس إياه هو نسبة الإنجيل إلى الأمم الذين هو منهم وطريق نيلهم فوائده.

فِي كُلِّ ٱلْيَهُودِيَّةِ مُبْتَدِئاً مِنَ ٱلْجَلِيلِ (مرقس ١: ٣٩ ولوقا ٤: ١٤ و٤٤ و٢٣: ٥). إن الجليل مجاورة لقيصرية فكان يسهل على كرنيليوس سمع أبناء البشارة.

بَعْدَ ٱلْمَعْمُودِيَّةِ الخ قال بعد المعمودية لأن المسيح لم يبشر قبلها ولم يعمل شيئاً من المعجزات. وذُكر يوحنا لأنه سابق المسيح لتمهيد الطريق أمامه ولأن خدمته كانت الفاصل بين العهد القديم والعهد الجديد. وذكر المعمودية لأنها علامة التوبة والاعتراف بالإيمان بالمسيح الآتي.

٣٨ «يَسُوعُ ٱلَّذِي مِنَ ٱلنَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ ٱللّٰهُ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ وَٱلْقُوَّةِ، ٱلَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْراً وَيَشْفِي جَمِيعَ ٱلْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لأَنَّ ٱللّٰهَ كَانَ مَعَهُ».

لوقا ٤: ١٨ وص ٢: ٢٢ و٤: ٢٧ وعبرانيين ١: ٩ يوحنا ٣: ٢

يَسُوعُ ٱلَّذِي مِنَ ٱلنَّاصِرَةِ في هذا إشارة إلى ناسوته وفي الآية السادسة والثلاثين تصريح بلاهوته ونسبه إلى الناصرة لأنه وطنه (متّى ٢: ٢٣). ولاشتهاره بأنه نبي منها (انظر شرح ص ٢: ٢٢).

كَيْفَ هذا بيان للأمر في قوله في الآية السابقة «تعلمون الأمر».

مَسَحَهُ ٱللّٰهُ لذلك سمي يسوع «المسيح» كما في الآية السادسة والثلاثين (انظر شرح متّى ١: ١ ولوقا ٤: ١٨). وكان مسحه شهادة له من الله الآب وعلامة تعيينه ملكاً وكاهناً ونبياً ليقوم بعمل الوسيط بين الله والناس.

بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ أي بتأثيره ليقوم بإتمام واجبات عمله (لوقا ٤: ١ و١٤ و١٨) والأرجح أن بطرس أكثر ما أشار بهذا إلى حلول الروح عليه وهو يعتمد (متّى ٣: ١٦).

وَٱلْقُوَّةِ هذه نتيجة ضرورية من حلول الروح القدس عليه والمراد بهذه القوة القدرة على صنع المعجزات الذي اشتهر يسوع به بين سكان البلاد من اليهود والأمم.

ٱلَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْراً هذا مختصر تاريخ حياة يسوع على الأرض أراد بطرس توجيه أفكار الحاضرين إليه. وبيان أن يسوع لم يستعمل قوته كملوك الأرض في تحصيل النفع لنفسه والانتقام من أعدائه بل في الإحسان إلى الناس لأن كل معجزاته كانت لنفعهم. وأحب بطرس أن ينادي بالمسيح باعتبار أنه منعم قبلما ينادي به باعتبار أنه ديّان كما أبان في الآية الثانية والأربعين.

وَيَشْفِي جَمِيعَ ٱلْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ اقتصر بطرس على ذكر مثل واحد من صنع المسيح الخير وهو شفاء المرضى نفساً وجسداً. وذكر شفاء الذين تسلط عليهم الشيطان لأنه من أعظم مظهرات القوة ومما يشتهر بين الناس. وتسلط إبليس عليهم تسلط الظالم على المظلوم. وإبليس معرب ديابلس في اليونانية ومعناه قاذف أو مجرب أو مشتك. والأرجح أن بطرس لم يُشر هنا إلى إخراج المسيح الشياطين من الناس خاصة بل أشار إلى ما فعله المسيح من شفاء «جَمِيعَ ٱلسُّقَمَاءِ ٱلْمُصَابِينَ بِأَمْرَاضٍ وَأَوْجَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَٱلْمَجَانِينَ وَٱلْمَصْرُوعِينَ وَٱلْمَفْلُوجِينَ» (متّى ٤: ٢٤). ونسب أمراض هؤلاء كلها إلى الشيطان وفقاً لما في (لوقا ٣: ١١ و١٦ و٢كورنثوس ١٢: ٧).

لأَنَّ ٱللّٰهَ كَانَ مَعَهُ هذا مثل شهادة نيقوديموس له (يوحنا ٣: ٢). وكون الله معه يتضمن أمرين:

الأول: أنه كان معه كما كان مع سائر الأنبياء.

الثاني: أنه كان مختصاً به باعتبار أنه الأقنوم الثاني في اللاهوت. فكان السامعون يعتقدون صحة الأول مما سمعوا وعلموا. فكانوا محتاجين إلى أن يتعلموا الأمر الثاني.

٣٩ «وَنَحْنُ شُهُودٌ بِكُلِّ مَا فَعَلَ فِي كُورَةِ ٱلْيَهُودِيَّةِ وَفِي أُورُشَلِيمَ. ٱلَّذِي أَيْضاً قَتَلُوهُ مُعَلِّقِينَ إِيَّاهُ عَلَى خَشَبَةٍ».

ص ٢: ٣٢ ص ٥: ٣٠

وَنَحْنُ شُهُودٌ علم كرنيليوس وغيره ما علموه من أمور المسيح بالسمع فقط ولكن بطرس ورفقاءه الرسل علموا تلك الأمور بالمشاهدة وشهدوا بها (ص ١: ٨) وبذلك أمرهم يسوع (لوقا ٢٤: ٤٨ وص ١: ٨) وأقام بطرس بذلك فعلاً في وعظه الأول (ص ٢: ٣٢) ووعظه الثاني (ص ٣: ١٥) وفي وعظه الثالث أمام محفل اليهود (ص ٤: ١٠) وفي وعظه الرابع أمام مجلس السبعين (ص ٥: ٣٢) وفي وعظه الخامس هنا وبطرس باعترافه بأنه أحد من الشهود للمسيح دفع كل ما يوهم أنه يستحق الإكرام الزائد الذي أراد كرنيليوس أن يكرمه إياه (ع ٢٥).

بِكُلِّ مَا فَعَلَ في خدمته العلنية مما يهم الناس أن يعرفوه ويلتزم الرسل بالشهادة به من سيرته وتعليمه وموته وقيامته وصعوده.

فِي كُورَةِ ٱلْيَهُودِيَّةِ وَفِي أُورُشَلِيمَ قسم خدمة المسيح قسمين ما أتاه منها في مدينة أورشليم وهذا أنبأ به يوحنا في بشارته وما أتاه في غير هذه المدينة من تلك الأرض وهذا أنبأ به البشيرون متى ومرقس ولوقا.

قَتَلُوهُ نسب بطرس قتل المسيح إلى اليهود الذين كانوا علة قتله لا إلى الرومانيين الذين أنقذوا مقصد اليهود (انظر شرح ص ٢: ٢٣ و٢٤ و٣: ١٥ و٤: ١٠ و٥: ٣٠). إن بطرس لم يعرض عن ذكر هذا الأمر المتعلق باتضاع المسيح مع أنه لا بد من أن يحط عند الرومانيين شأن الذي نعته آنفاً بأنه «رب الكل» لأنه قصد أن يرشدهم إلى الإيمان بذلك المصلوب لخلاص أنفسهم (ع ٤٣).

مُعَلِّقِينَ إِيَّاهُ عَلَى خَشَبَةٍ (انظر شرح ص ٥: ٣٠).

٤٠ «هٰذَا أَقَامَهُ ٱللّٰهُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ، وَأَعْطَى أَنْ يَصِيرَ ظَاهِراً».

ص ٢: ٢٤

هٰذَا أَقَامَهُ ٱللّٰهُ ذكر بطرس في الآية السابقة ما فعله الناس بالمسيح وذكر في هذه الآية ما فعله الله به على وجه المقابلة. وقيامته هي المقصد الأسمى في خطبة بطرس هنا وسائر خطبه وخُطب سائر الرسل كما جاء في (ص ٢: ٢٤ و٣: ١٥ و٤: ١٠ و٥: ٣٠ و١٧: ٣١ و٢٦: ٢٣).

أَنْ يَصِيرَ ظَاهِراً بشهادة المشاهدين لا بمجرد الإشاعة.

٤١ «لَيْسَ لِجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ، بَلْ لِشُهُودٍ سَبَقَ ٱللّٰهُ فَٱنْتَخَبَهُمْ. لَنَا نَحْنُ ٱلَّذِينَ أَكَلْنَا وَشَرِبْنَا مَعَهُ بَعْدَ قِيَامَتِهِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ».

يوحنا ١٤: ١٧ و٢٢ وص ١٣: ٣١ لوقا ٢٤: ٣٠ و٤٣ ويوحنا ٢١: ١٣

لَيْسَ لِجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ أي ليس لكل اليهود وهذا موافق لشهادة البشيرين الأربعة فإنهم لم يذكروا قط أنه ظهر لغير مؤمن لأن ذلك لم يكن ضرورياً لإثبات قيامته إذ لم يلق بالمسيح الذي مُجّد بعد قيامته أن يظهر للذين قتلوه وهم لم يستحقوا ذلك فإن الله اختار أن تثبت قيامته بشهادة أفضل الثقات الذين لا يُخدعون ولا يَخدعون إذ لا غاية لهم في الخداع بهذا الأمر وهم كثيرو العدد. وقيامة المسيح من الأمور التي تثبت بشهادة المشاهدين ومما يُقبل بالإيمان عند كل المؤمنين في كل عصر. فلو ظهر المسيح لكل أهل الأرض على أثر قيامته لاضطر الذين بعدهم (وهم أكثر المؤمنين) من ذلك الوقت إلى نهاية الأيام إلى أن يؤمنوا بها بشهادة الذين شاهدوا.

لِشُهُودٍ سَبَقَ ٱللّٰهُ فَٱنْتَخَبَهُمْ أي انهم لم يختاروا أنفسهم شهوداً بل الله نفسه اختارهم للشهادة. فأي عاقل يقول أنه كان الأفضل أن يشهد بذلك بيلاطس بدلاً من بطرس ورؤساء الكهنة وشيوخ الشعب الكذبة الحاسدون والمبغضون القاتلون بدلاً من سائر الرسل الأمناء الذي ختموا شهادتهم بدمائهم. والمراد بقوله «سبق الله فانتخبهم» أنه اختارهم شهوداً بقيامة المسيح قبل أن قام.

لَنَا نَحْنُ أي الرسل الذين أنا بطرس واحد منهم.

ٱلَّذِينَ أَكَلْنَا وَشَرِبْنَا مَعَهُ الخ أشار بذلك إلى ما حدث للمسيح مع تلاميذه في مدة الأربعين يوماً بين وصعوده التي ذكرها لوقا ويوحنا (لوقا ٢٤: ٣٠ و٣٢ و٤٣ ويوحنا ٢١: ١٢ – ١٥). وقصد بقوله «أكلنا وشربنا معه» شدة مخالطتهم إيّاه في تلك المدة لا مجرد الأنباء بالأكل والشرب. ومثل هذه المخالطة لا تُبقي ريباً في صحة القيامة إذ لم يبق فيها موضع للقول بتخيل الرسل أو بأنهم بنوا ذلك على رؤيا اتفقت لهم جميعاً.

٤٢ «وَأَوْصَانَا أَنْ نَكْرِزَ لِلشَّعْبِ، وَنَشْهَدَ بِأَنَّ هٰذَا هُوَ ٱلْمُعَيَّنُ مِنَ ٱللّٰهِ دَيَّاناً لِلأَحْيَاءِ وَٱلأَمْوَاتِ».

متّى ٢٨: ١٩ و٢٠ وص ١: ٨ يوحنا ٥: ٢٢ و٢٧ وص ١٧: ٣١ رومية ١٤: ٩ و١٠ و٢كورنثوس ٥: ١٠ و٢تيموثاوس ٤: ١ و١بطرس ٤: ٥

أَوْصَانَا أي لم يترك ذلك لاستحسان رسله بل فرضه عليهم وجعله من أول واجباتهم (متّى ٢٨: ١٨ ومرقس ١٦: ١٥ وأعمال ١: ٨ و٤: ١٨ و١٩ و٥: ٢٨ و٢٩).

نَكْرِزَ أي ننادي بالخبر وقد أتوا ذلك طوعاً للأمر (ص ٨: ٥ و٩: ٢٠).

نَشْهَدَ بكل ما يتعلق بالمسيح أبداً شهادة واضحة وهذا كما جاء في (ص ٢: ٤ و٨: ٢٥).

بِأَنَّ هٰذَا أي الذي مات وقام.

ٱلْمُعَيَّنُ مِنَ ٱللّٰهِ دَيَّاناً صرّح لهم بطرس سابقاً بأن يسوع هو رب الكل (ع ٣٦) وأنه المسيح (ع ٣٨) وزاد على ذلك هنا أن الله عيّنه ديّاناً. وهذه أول مرة وُصف المسيح بذلك في هذا السفر وصرّح به بطرس لأولئك الرومانيين ليبيّن لهم جلاله وقوته. كذا فعل بولس في خطابه لليونانيين في أثينا (ص ١٧: ٣١). وقد جاء الكلام على تعيينه ديّاناً في (يوحنا ٥: ٢٢) فانظر الشرح هناك. وكون المسيح ديّاناً من أعظم التعازي لأصحابه وأعظم المرهبات لأعدائه.

لِلأَحْيَاءِ وَٱلأَمْوَاتِ أي لكل أجيال البشر الماضية والحاضرة والآتية (رومية ١٤: ٩ و١تسالونيكي ٤: ١٦ و١٧ و٢تيموثاوس ٤: ١ و١بطرس ٤: ٥).

٤٣ «لَهُ يَشْهَدُ جَمِيعُ ٱلأَنْبِيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِٱسْمِهِ غُفْرَانَ ٱلْخَطَايَا».

إشعياء ٥٣: ١١ وإرميا ٣١: ٣٤ ودانيال ٩: ٢٤ وميخا ٧: ١٨ وزكريا ١٣: ١ وملاخي ٤: ٢ وص ٢٦: ٢٢ ص ١٥: ٩ و٢٦: ١٨ ورومية ١٠: ١١ وغلاطية ٣: ٢٢

لَهُ يَشْهَدُ جَمِيعُ ٱلأَنْبِيَاءِ أشار بطرس سابقاً إلى معجزات المسيح إثباتاً لصحة دعواه (ع ٣٨) وهنا اتخذ أقوال الأنبياء برهاناً على ذلك على تسليم أنهم سمعوا أنباءهم ووثقوا بأقوالهم وأراد بيان أن شهادة هؤلاء الماضين على وفق شهادة الرسل الأحياء وأنها مثبتة لها. وقد جاء الكلام على شهادة الأنبياء في شرح (لوقا ٢٤: ٢٧ و٤٤). ولا يلزم من قوله «له يشهد جميع الأنبياء» أن كلا منهم صرّح باسم المسيح فالمعنى أن خلاصة سفر الأنبياء هو الشهادة له ويوضح ذلك قول الملاك ليوحنا «فَإِنَّ شَهَادَةَ يَسُوعَ هِيَ رُوحُ ٱلنُّبُوَّةِ» (رؤيا ١٩: ١٠) وقد تقدم الكلام على ذلك في شرح (ص ٣: ٢٤).

أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ غاية بطرس من كل ما سبق من كلامه أن يقود السامعين إلى الإيمان بالمسيح ولذلك ذكر شهادة يوحنا المعمدان له ثم معجزاته هو ومسحه بالروح القدس وشهادة الأنبياء والرسل له وموته وقيامته وأنه أوصى رسله بالمناداة به وأنه معيّن من الله وأنه ديّان العالمين في اليوم الأخير. وقصد بقوله «كل من يؤمن» أن لا فرق بين اليهودي وغيره في ذلك إذ الشرط الوحيد على الجميع الإيمان وأن البار لا يحيا ببرّ نفسه بل بالإيمان.

بِٱسْمِهِ أي به نفسه (انظر شرح ص ٢: ٢١ و٤: ١٢).

غُفْرَانَ ٱلْخَطَايَا هذا آخر الأمور التي ذكرها بطرس هنا. وقد تقدم الكلام على نوال المغفرة بواسطة الإيمان في شرح (ص ٢: ٣٨ و٥: ٣١). وقوله «أن كل من يؤمن» الخ يتضمن أمرين جوهريين لكرنيليوس وأصحابه:

الأول: أن شرط المغفرة الوحيد هو الإيمان بيسوع المسيح.

والثاني: أن الوعد بالمغفرة لكل البشر الذين يقومون بذلك الشرط. وقوله هنا كقول بولس في (رومية ١: ١١ و١٢). ولا بد من أنه كان في كلام بطرس هذا فرج لهموم تلك الجماعة فإنهم عرفوا منه أن خلاصهم متوقف على الإيمان بيسوع المسيح لا على خضوعهم للختان وسائر رسوم الشريعة اليهودية.

حلول الروح القدس على مؤمني الامم وتعميدهم ع ٤٤ إلى ٤٨

٤٤ «فَبَيْنَمَا بُطْرُسُ يَتَكَلَّمُ بِهٰذِهِ ٱلأُمُورِ حَلَّ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ عَلَى جَمِيعِ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ ٱلْكَلِمَةَ».

ص ٤: ٣١ و٨: ١٥ الخ و١١: ١٥

فَبَيْنَمَا بُطْرُسُ يَتَكَلَّمُ أي قبلما فرغ من كلامه فإذا ما حدث كان بدون انتظاره.

حَلَّ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ أي أنزل الروح القدس عليهم المواهب من السماء كما أنزلها على اليهود في أورشليم يوم الخمسين. ويتضح أن هذا معنى ذلك مما جاء في (ع ٤٦ وص ١١: ١٥) وبيان ماهية تلك المواهب في (ص ٢: ٤ و١كورنثوس ١٤: ٧ – ٩). وهذا الحلول شهادة إلهية بأن ما تكلم به بطرس حق وأنه موافق للمقاصد الإلهية وهو أن الله وهب للأمم الخلاص كما وهبه لليهود بدون خضوعهم لرسوم شريعتهم.

ٱلَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ ٱلْكَلِمَةَ أي كرنيليوس وأصحابه الذين سمعوا كلمة الله أي الإنجيل من فم بطرس.

٤٥ «فَٱنْدَهَشَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ مِنْ أَهْلِ ٱلْخِتَانِ، كُلُّ مَنْ جَاءَ مَعَ بُطْرُسَ لأَنَّ مَوْهِبَةَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ قَدِ ٱنْسَكَبَتْ عَلَى ٱلأُمَمِ أَيْضاً».

ع ٢٣ ص ١١: ١٨ وغلاطية ٣: ١٤

ٱلَّذِينَ مِنْ أَهْلِ ٱلْخِتَانِ أي مؤمنو اليهود الذين جاءوا مع بطرس من يافا وقد ذُكروا في (ع ٢٣ وفي ص ١١: ١٢). وأتى بطرس بهم ليكونوا شاهدين بما يحدث.

مَوْهِبَةَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ أي معجزة التكلم بألسنة غريبة.

ٱنْسَكَبَتْ عَلَى ٱلأُمَمِ المراد «بالأمم» كل البشر سوى اليهود. نُسب هنا ما حدث لبعض الأمم أي كرنيليوس وأصحابه إلى الأمم عامة لأن ما صح على هؤلاء يصح على الجميع في هذا الشأن. نعم أن تلك الموهبة لم تنسكب حينئذ إلا على بعض الأمم لكن ما كان لهم صار مبدأ للجميع في كل مكان وزمان. وعلة اندهاش مؤمني يافا من ذلك الانسكاب أنهم لم يكونوا مستعدين لمشاهدة مثله إذ لم يكن لهم ما كان لبطرس من الرؤيا فلم يتوقعوا أن تنال الأمم البركة الروحية التي نالها اليهود بلا خضوع لرسوم الشريعة الموسوية.

٤٦ «لأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ وَيُعَظِّمُونَ ٱللّٰهَ. حِينَئِذٍ قَالَ بُطْرُس».

يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أي بلغات جديدة لم يكونوا يعرفونها. وقد سبق الكلام على مثل ذلك في شرح (ص ٢: ٤) واختصر لوقا الكلام هنا استغناء بما فصّله هناك. وكانت تلك الموهبة علامة حضور الله ورضاه بما جرى. وهي دليل ظاهر على فعل الروح القدس في الباطن.

يُعَظِّمُونَ ٱللّٰهَ أي كان موضوع تكلمهم باللغات الغريبة تمجيد الله وإعلان عظمته ورحمته. فكان ذلك اليوم أهلاً لأن يُسمى بعنصرة الأمم أي عيد الخمسين عندهم. وكان الأنبياء قديماً يعظمون الله حين كانوا يتنبأون.

٤٧ «أَتُرَى يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَ ٱلْمَاءَ حَتَّى لاَ يَعْتَمِدَ هٰؤُلاَءِ ٱلَّذِينَ قَبِلُوا ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ كَمَا نَحْنُ أَيْضاً؟».

ص ١١: ١٧ و١٥: ٨ و٩ ورومية ١٠: ١٢

أَتُرَى يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَ ٱلْمَاءَ أي ماء المعمودية. كانت العادة أن الروح القدس كان يحل على الناس بعد المعمودية ووضع الأيدي وما حدث هنا خلاف ذلك والغاية منه إزالة كل ريب من قلوب أهل الختان في أهلية أولئك الأمم لقبول ذلك السر. فالاستفهام هنا إنكاري فالمعنى لا يقدر أحد أن يمنع من تعميد هؤلاء بأنه لم يسبق قط أن يُعمد أحد من الأمم قبل أن يُختتن. والله قد أعلن جلياً أنه حسبهم من خاصته. ولا حق أن تُمنع الإشارة الخارجية إلى النعمة الإلهية بعد تحقق المشار إليها داخلاً.

يَعْتَمِدَ كما رسم المسيح (متّى ١٨: ١٩).

كَمَا نَحْنُ أَيْضاً قال هذا مخاطباً متنصري اليهود الذين جاءوا معه من يافا.

٤٨ «وَأَمَرَ أَنْ يَعْتَمِدُوا بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ. حِينَئِذٍ سَأَلُوهُ أَنْ يَمْكُثَ أَيَّاماً».

١كورنثوس ١: ١٧ ص ٢: ٣٨ و٨: ١٦

أَمَرَ أَنْ يَعْتَمِدُوا هذا دليل على أنه لا أحد من أهل الختان الذين جاءوا مع بطرس اعترض على معمودية كرنيليوس وأصحابه وعلى أنهم جميعاً اقتنعوا بجوازها. ولنا من قوله «أمر» أنه لم يعمدهم هو نفسه جرياً على سنن يسوع وبولس اللذين وكلا التعميد إلى غيرهما (يوحنا ٤: ٢ و١كورنثوس ١: ١٤ و١٧). ولعل بطرس وكل التعميد إلى غيره دفعاً لتهمة أن ما كان لم يكن إلا منه. ولعل فيلبس المبشر مستوطن قيصرية كان قد نظم كنيسة هنا فدعاه بطرس لتعميد تلك الجماعة (ص ٨: ٤٠ و٢١: ٨). ولعل بعض الإخوة الذين من يافا كان قسيساً.

ولا ريب في أن علة امتناع يسوع وبولس وبطرس هنا عن التعميد الحذر أن تعتبر الكنيسة في المستقبل سر المعمودية اعتباراً لا تستحقه أو أن تُنسب الفاعلية الروحية إلى الذي يُعمد.

فإن قيل أي نفع من الإشارة مع وجود المشار إليه قلنا أن المعمودية ختم العهد المسيحي كما أنها إشارة وأنها ضرورية لأن رب الكنيسة أمر بها وهي علامة الدخول إلى الكنيسة المنظورة.

بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ أي يسوع المسيح كما كُتب في بعض النسخ القديمة وأشار بذلك إلى المعمودية المسيحية لا إلى بسملتها المشهورة. والأرجح أنهم استعملوا حينئذ تلك البسملة وهي التي عيّنها المسيح في (متّى ص ٢٨: ١٩). والمقصود من قوله «باسم الرب» أنهم اعتمدوا إجابة لأمره وتعهداً بطاعته واعترافاً بإيمانهم به ظاهراً وبالاتحاد به باطناً.

إنه بما فعله بطرس حينئذ في قيصرية وبتصديق الرسل والكنيسة إيّاه في أورشليم صُرح أنه ليس من الضروري أن يتهود الأمم ويجروا على سنن الرسوم الموسوية قبل أن يتنصروا وأنهم صاروا منذ ذلك الوقت يُقبلون في العضوية التامة في الكنيسة المسيحية بالمعمودية وحدها إظهاراً لإيمانهم.

ظلت الكنيسة اليهودية الإناء الوحيد المختار للنعمة الإلهية نحو ألف وخمس مئة سنة والله يعد اليهود ليكونوا شهوداً لتوحيده وروحانية عبادته ولكي يُستأمنوا على أقواله في الأسفار المقدسة ولكي تكون مدينتهم أورشليم مركز عمل الفداء العظيم وتأسيس الكنيسة المسيحية. ولما تم كل ما قصده الله في ذلك أباح لسائر أهل الأرض الفوائد التي كانت محصورة في الكنيسة الإسرائيلية.

أَنْ يَمْكُثَ أَيَّاماً سأله ذلك كرنيليوس وأصحابه بعد أن تعمدوا. ونستدل مما قيل في (ص ١١: ٢) أنه أجاب طلبهم هو والذين أتوا معه من يافا معتبرين إياهم إخوة في المسيح وخالطوهم كل المخالطة بلا أدنى خوف من التدنس حسب تقاليدهم السابقة.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى