أعمال الرسل | 09 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح سفر أعمال الرسل
للدكتور . وليم إدي
الأصحاح التاسع
ذهاب شاول إلى دمشق وظهور الرب له في الطريق وما نشأ من ذلك ع ١ إلى ٢٥
١ «أَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ لَمْ يَزَلْ يَنْفُثُ تَهَدُّداً وَقَتْلاً عَلَى تَلاَمِيذِ ٱلرَّبِّ، فَتَقَدَّمَ إِلَى رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ».
ص ٨: ٣ وغلاطية ١: ١٣ و١تيموثاوس ١: ١٣
الذي حمل لوقا على تفصيل الكلام على شاول هنا ما أتاه شاول من الخدمة ليسوع بعد أن آمن وتحوّل من عدوّ الكنيسة إلى محب لها وصار رسولاً للأمم. وهذه الآية متعلقة بالآية الرابعة من الأصحاح الثامن فما بينهما كلام معترض بياناً لأتعاب واحد من الذين تشتتوا من أورشليم بسبب الاضطهاد على أثر قتل استفانوس.
شَاوُلُ هذا اسمه اليهودي الذي سماه والداه به وترجمته في اللاتينية بولس. وُلد في طرسوس (ص ٢١: ٣٩) وكان أبوه عبرانياً من العبرانيين من سبط بنيامين (ص ٢٢: ٢٨) وكان فريسياً (ص ٢٣: ٦) وله حقوق الرومانيين (ص ٢٢: ٢٨) وتعلم صناعة الخيام ومارسها أحياناً (ص ١٨: ٣) ودرس الشريعة اليهودية في أورشليم عند قدمي غمالائيل ص ٢٢: ٣). وكان في أول أمره مضطهداً الدين المسيحي ثم صار رسولاً له ثم شهيداً به. والأرجح أنه كان يهودياً إلى أن بلغ سن الثلاثين وجال مبشراً خمساً وعشرين سنة. والذي تعلمه يقيناً أنه كان أسيراً أربع سنين والأرجح أنه كان كذلك سبع سنين. وكتب أربع عشرة رسالة على القول بأنه كتب رسالة العبرانيين.
ولم يكتب أحد من الكتبة الملهمين في العهدين مقدار ما كتب سوى موسى. والتغير الذي نشأ فيه دليل على قوة النعمة الإلهية على تغيير قلب الإنسان وكل مجرى أفكاره وسيرته وذلك التغيير من أمثلة عظمة رحمة الله وهو أنه أنقذ مثل ذلك المقاوم من الهلاك الأبدي وهذا موافق لقوله «لِهٰذَا رُحِمْتُ: لِيُظْهِرَ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ فِيَّ أَنَا أَوَّلاً كُلَّ أَنَاةٍ، مِثَالاً لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ لِلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ» (١تيموثاوس ١: ١٦). وذلك التغير برهان أيضاً على صدق الديانة المسيحية لأنه لم يقبلها إلا بأوضح الأدلة ولأنه لم يحصل على ربح دنيوي بل خسر كل شيء لأجلها إذ ترك الدين الذي تربى فيه والأمة التي كان عضواً فيها والتصق بجماعة مبغضة مهانة وقاسى أتعاباً كثيرة في خدمته للدين الجديد وبذل حياته أخيراً في سبيله ومن المحال إتيانه ذلك دون اقتناع بأقوى البراهين. ودعوة شاول في العهد الجديد أمر ذو شأن كدعوة إبراهيم في العهد القديم. وأهميتها تتبيّن من ذكرها بالتفصيل ثلاث مرات في هذا السفر في (ص ٩: ٢٢ و٢٦).
يَنْفُثُ هذا مجاز يشير إلى أن قلبه مملوء من الغضب والغيرة في الاضطهاد كأتون متقد فلم يتنفس إلا ليتفل أو ينفخ تهديداً ولعنة وقضاء بالموت على المسيحيين وذلك مثل قوله منبئاً بما أتاه «إِذْ أَفْرَطَ حَنَقِي عَلَيْهِمْ» (ص ٢٦: ١١).
تَهَدُّداً إما في مسامع أصدقائه وهو ينبئهم بما عزم عليه أن يفعله بالنصارى أو في مسامع النصارى أنفسهم بأنه كان ينذر بالعذاب أو الموت إن لم يرجعوا عن إيمانهم بيسوع.
وَقَتْلاً أي كان يجتهد أن يحكم عليهم المجلس بالقتل وكان يفرح بقتلهم (ص ٢٤: ١٠ و ١١) وذلك ليس لأنه كان قاسياً بالطبع بل لأنه ظن الديانة المسيحية بدعة قبيحة وأنه يجب عليه أن يمحوها بقتل أتباعها فارتكب بذلك خطأين ارتكبهما كثيرون غيره ونتج قتل ألوف من شهداء الحق.
تَلاَمِيذِ ٱلرَّبِّ لم يكونوا قد سمّوا مسيحيين حينئذ (ص ١١: ٢٦).
فَتَقَدَّمَ إِلَى رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ لأنه رئيس المجلس الكبير وله حق أن يوقع المكاتيب ويضع عليها ختم المجلس (ع ١٤ وص ٢٢: ٥) والأرجح أن اسمه ثاوفيلس وأنه صدوقي من بيت حنان وقد عيّنه فيتاليوس الوالي الروماني سنة ٣٧ ب. م.
٢ «وَطَلَبَ مِنْهُ رَسَائِلَ إِلَى دِمَشْقَ إِلَى ٱلْجَمَاعَاتِ، حَتَّى إِذَا وَجَدَ أُنَاساً مِنَ ٱلطَّرِيقِ، رِجَالاً أَوْ نِسَاءً، يَسُوقُهُمْ مُوثَقِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ».
ص ١٦: ١٧ و١٨: ٢٥ و١٩: ٩ و٢٣ و٢٢: ٤
وَطَلَبَ مِنْهُ رَسَائِلَ لم يكتف شاول بما فعل بتلاميذ الرب في أورشليم فرغب في أن يضطهدهم في غيرها من المدن وأتى ذلك تبرعاً إذ لم يدعه أحد إليه. وكانت الرسائل التي طلبها تشتمل على استئذان أرباب الحكومة في تولية شاول السلطان على المسيحيين كما كان للمجلس سلطان على كل اليهود في اليهودية وغيرها.
دِمَشْقَ هي من أقدم مدن العالم كانت عامرة في أيام إبراهيم (تكوين ١٤: ١٥ و١٥: ٢) أخذها داود (٢صموئيل ٨: ٦) وكثيراً ما حارب ملوكها الإسرائيليين (١ملوك ١١: ٢٤ و٢ملوك ١٤: ٢٥ و١٦: ٥) وأخذها الرومانيون سنة ٦٠ ق. م. والأرجح أنها كانت في زمان زيارة شاول إيّاها تحت حكم الحارث أحد أمراء العرب الغسانيين (٢كورنثوس ١١: ٣٢ و٣٣) وهي على أمد ١٤٠ ميلاً أو نحو مسافة سبعة أيام من أورشليم شمالاً.
إِلَى ٱلْجَمَاعَاتِ أي شيوخ الجماعات انظر شرح (متّى ٤: ٢٣) وكان فيها وقتئذ كثير من اليهود والدليل على ذلك قول يوسيفوس المؤرخ أنه حين خربت أورشليم قُتل في دمشق مرة عشرة آلاف يهودي ومرة أخرى ثمانية عشر ألفاً.
ولا نعلم من بشّر بالإنجيل هنالك ولا كم كان عدد المؤمنين بالمسيح هنالك. ولعل بعض الذين آمنوا في يوم الخمسين كانوا من أهلها ولما عادوا إليها بشروا بالإنجيل ولعل بعض الذين تشتتوا من الاضطهاد هربوا إليها.
إِذَا وَجَدَ أُنَاساً يظهر من هذا أنه لم يكن متحققاً أن في دمشق قوماً من المسيحيين إنما رجّح ذلك وكان ترجيحه صحيحاً على وفق الواقع (ع ١٠).
مِنَ ٱلطَّرِيقِ أي الديانة المسيحية (ص ١٩: ٩ و٢٢: ٤ و٢٤: ١٤ و٢٢). وهو طريق الله (ص ١٨: ٢٦) وطريق الإيمان وطريق القداسة والحياة وطريق السماء ولعل أصل استعماله قول المسيح «أنا هو الطريق» (يوحنا ١٤: ٦).
رِجَالاً أَوْ نِسَاءً هذا يدل على أنه لم يكن في قلبه شفقة وإلا ما طلب أن يجر النساء مسافة بعيدة.
مُوثَقِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ ليحاكموا هنالك على هرطقتهم. سلمت أرباب حكومة دمشق بسلطان مجلس السبعين وشيوخ الجماعات على اليهود المستوطنين هنالك وكانت مستعدة لمساعدتهم.
٣ «وَفِي ذَهَابِهِ حَدَثَ أَنَّهُ ٱقْتَرَبَ إِلَى دِمَشْقَ فَبَغْتَةً أَبْرَقَ حَوْلَهُ نُورٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ».
ص ٢٢: ٦ و٢٦: ١٣ و١كورنثوس ١٥: ٨
ٱقْتَرَبَ إِلَى دِمَشْقَ المكان غير المعروف والأرجح أنه غير بعيد عن المدينة وكانت منتصف النهار (ص ٢٦: ١٣).
نُورٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ هذا ليس برقاً بدليل أن بولس وصفه في (ص ٢٦: ١٣) بأنه «نور من السماء أفضل من لمعان الشمس» فهو بهاء جلال يسوع وهو متمجّد وأن الكتاب صرح بأنه اقترن بظهور يسوع لبولس ومن ذلك قول حنانيا «قَدْ أَرْسَلَنِي ٱلرَّبُّ يَسُوعُ ٱلَّذِي ظَهَرَ لَكَ فِي ٱلطَّرِيقِ» (ع ١٧) وإنباء برنابا للرسل بأمر بولس من أنه «كَيْفَ أَبْصَرَ ٱلرَّبَّ فِي ٱلطَّرِيقِ وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ» (ع ٢٧) وقول بولس «وَآخِرَ ٱلْكُلِّ كَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ ظَهَرَ لِي أَنَا» (١كورنثوس ١٥: ٨). وهذا كظهور الله سابقاً للناس فإنه كذلك ظهر لموسى في العليقة (خروج ٣: ٢) ولشعب إسرائيل في عمود النار (خروج ١٢: ٢١ و٢٢) وفي خيمة الاجتماع (خروج ٤٠: ٣٤ و٣٨) وفي الهيكل (٢أيام ٧: ١ – ٣ وإشعياء ٤: ٤ – ٦) وكذلك ظهر عند ميلاد يسوع (لوقا ٢: ٩) وعند تجليه على الجبل (متّى ١٧: ١ – ٥) ومن اللائق أن تكون علامة ظهور المسيح نوراً لأنه «هو النور» (يوحنا ١: ٤ و٩) و «نور العالم» (يوحنا ٨: ١) وهو «بهاء مجد الآب» (عبرانيين ١: ٣).
٤ «فَسَقَطَ عَلَى ٱلأَرْضِ وَسَمِعَ صَوْتاً قَائِلاً لَهُ: شَاوُلُ، شَاوُلُ، لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟».
متّى ٢٥: ٤٠ الخ
فَسَقَطَ عَلَى ٱلأَرْضِ للحيرة والخوف من ظهور لمعان النور العظيم بغتة ومن إعلان يسوع المسيح نفسه بالمجد وكذلك كان من أمر دانيال عندما شاهد مجد الله (دانيال ٨: ١٧ و١٠: ٨).
وَسَمِعَ صَوْتاً رأى كل رفاقه النور ولكن لم ير أحد منهم يسوع سوى بولس وكلهم سمعوا الصوت (ع ٧) ولكن لم يميز أحد منهم كلمات المتكلم سواه. وجاء في ص ٢٦: ١٢ أن الرب كلمه باللغة العبرانية. ولا منافاة في ما قيل هنا لما قيل في (ص ٢٢: ٩) وهو قوله «وَٱلَّذِينَ كَانُوا مَعِي نَظَرُوا ٱلنُّورَ وَٱرْتَعَبُوا، وَلٰكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا صَوْتَ ٱلَّذِي كَلَّمَنِي» أي لم يسمعوا كلمات مفهومة فكان هذا الحادث كالمذكور في (يوحنا ١٢: ٢٨) وهو قول الإنجيلي «فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ: مَجَّدْتُ، وَأُمَجِّدُ أَيْضاً» وهذا الصوت ظنه بعضهم رعداً وظن غيرهم أنه صوت ملاك.
شَاوُلُ، شَاوُلُ كرر اسمه لتقرير كلامه فيه كذلك فعل في خطابه لمرثا (لوقا ١٠: ٤١) ولسمعان بطرس (لوقا ٢٢: ٣١) فالمسيح يعرف كل إنسان عرفه ذلك الإنسان أم جهله.
لِمَاذَا أظهر المسيح بهذا السؤال لكفه وتواضعه فإنه لم يهدده على فعله بل سأله بيان الحامل له عليه. والظاهر أن الاستفهام إنكاري ليكون المعنى ليس لشاول من سبب كافٍ لاضطهاده المسيح لأن المسيح لم يؤذه ولم يغظه. وكذلك كل مقاومة الأشرار للمسيح ولكنيسته بلا علة وذلك موافق لقول يسوع «أبغضوني بلا سبب» (يوحنا ١٥: ٢٥).ويقرب من هذا قوله تعالى بلسان حزقيال النبي «اِرْجِعُوا ٱرْجِعُوا عَنْ طُرُقِكُمُ ٱلرَّدِيئَةِ. فَلِمَاذَا تَمُوتُونَ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ» (حزقيال ٣٣: ١١).
تَضْطَهِدُنِي يسوع وكنيسته واحد (يوحنا ١٥: ١ – ٦) فاضطهاد أحدهما اضطهاد للآخر (متّى ٢٥: ٤ و٤٥) وهذا موافق ما قيل في أن المؤمنين «أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ» (أفسس ٥: ٣٠). وقول الملاك عن فم الله «مَنْ يَمَسُّكُمْ يَمَسُّ حَدَقَةَ عَيْنِهِ» (زكريا ٢: ٨). ولنا من هذا أن المسيح وهو في المجد يحسب نفسه وشعبه واحداً وهذا كلام كله تعزية لكل مضطهد ومتألم.
٥ «فَسَأَلَهُ: مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟ فَقَالَ ٱلرَّبُّ: أَنَا يَسُوعُ ٱلَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ».
ص ٥: ٣٩
مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟ لم يعرف شاول من هو المتكلم ولم يخطر على باله فسمع صوتاً كأنه صوت إنسان فسأل من هو صاحب الصوت ولم يظن أن الذي يناديه إله إسرائيل لأنه حكم عليه بأنه مضطهد له وهو يرى نفسه أشد غيرة من سائر الناس لشريعته وقد بلغ ذلك المكان وهو يقصد خدمته.
ٱلرَّبُّ هذا اسم يسوع المسيح الشائع في الكتاب المقدس انظر شرح (ص ١: ٢٤).
أَنَا يَسُوعُ هذا جواب صاحب الصوت فإن يسوع أتى بنفسه وظهر لشاول ليقنعه أنه هو المسيح ويحوله من عدو ومضطهد إلى صاحب ورسول. اختصر لوقا هنا ما قاله يسوع ولكن بولس ذكره كله بقوله «أَنَا يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ ٱلَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ» (ص ٢٢: ٨) فكأنه قال أنا موضوع هزئك وبغضك ولم يقل أنا ابن الله وكلمته الأزلية والمسيح لئلا يقول شاول أنا لم أضطهد ذاك بل يسوع الناصري الذي صُلب.
ٱلَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ باضطهادك تلاميذي وإخوتي وهذا كقوله «مَنْ يَقْبَلُكُمْ يَقْبَلُنِي» (متّى ١٠: ٤٠).
صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ مجاز مأخوذ عن رفس الثور وهو يفلح منخس الفلاح فإنه لا يستفيد من ذلك سوى أن يجرح نفسه. والمعنى أنه كان ضرراً لشاول علاوة على كونه عبثاً أن يبقى عنيداً عاصياً مقاوماً ليسوع إذ يعاند بذلك من هو أقوى منه فلا يحصل على سوى أضرار نفسه. وهذا يصدق على الأشرار أبداً فمقاومتهم لله جهل وإثم معاً. وكذا مخالفة الضمير والتذمر على عناية الله في إرسال الضيقات ومثله مقاومة الروح القدس وهو يخاطب قلوبنا. والخلاصة أن المضطهدين يضرون بالمسيح وكنيسته ولكنهم يضرون أنفسهم أكثر جداً.
٦ «فَسَأَلَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ وَمُتَحَيِّرٌ: يَا رَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟ فَقَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ: قُمْ وَٱدْخُلِ ٱلْمَدِينَةَ فَيُقَالَ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ».
لوقا ٣: ١٠ وص ٢: ٣٧ و١٦: ٣٠
مُرْتَعِدٌ خائف من شعوره بفظاعة إثمه ومن العقاب الذي يستحقه.
وَمُتَحَيِّرٌ من أنه وجد أن يسوع الناصري هو المسيح أي أن الذي كان يظنه خادعاً ومجدفاً ومستحقاً أن يقاومه كل المقاومة هو الذي ظهر له في المجد السماوي وأوقفه عن السير في سبيل قصده وأظهر له أن ما كان يفعله غلط وخطيئة.
مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟ هذا يدل على أنه اقتنع أن يسوع هو المسيح وأنه خضع له رباً وآمن به مخلصاً. وفي لمحة طرف تحول من فريسي متكبر متكل على بر نفسه إلى مسيحي متواضع متكل على بر يسوع ومن قاتل المؤمنين إلى رسول الأمم. وكان قبل ذلك يقول «ماذا أريد أن أفعل وماذا يحب الناس أن أفعله» والآن نظر إلى فوق وسأل الله عن إرادته تعالى بغية أن يطيع أمره منذ تلك الساعة إلى الأبد. وهكذا يجب على كل خاطئ أن يخضع إرادته لله كما أخضعها له شاول لكي يخلص.
قُمْ وَٱدْخُلِ ٱلْمَدِينَةَ أي دمشق التي كان قد اقترب منها (ع ٣). كان قصد أن يدخلها إجابة لإرادته ولأمر مجلس السبعين فدخلها بأمر الله.
فَيُقَالَ لَكَ مَاذَا الخ يظهر من هذا أن شاول مع أن قلبه تجدد لم يفهم تمام الفهم ماذا يجب عليه وأن المولودين ثانية ليسوا سوى أطفال في المسيح يحتاجون إلى التعليم في العقائد والأعمال وأن الله يختار أن يعلم الناس بوسائط بشرية فكان يمكنه أن يعلم شاول كل تعليم روحي بالإعلان كما علمه به أنه هو المسيح الرب. وكان يمكنه أيضاً أن يرسل إليه ملاكاً يعلمه لكنه اختار أن يعلمه بواسطة حنانيا كما علم كرنيليوس بواسطة بطرس (ص ١٠: ٥) وهكذا يتخذ الله الناس وسطاء لنشر دينه في العالم. ويظهر من ذلك أيضاً وجوب رضى كل مسيحي أن يتعلم من غيره من المسيحيين المختبرين وأن يرضى المختبرون أن يعلموا المحتاجين إلى تعليمهم.
٧ «وَأَمَّا ٱلرِّجَالُ ٱلْمُسَافِرُونَ مَعَهُ فَوَقَفُوا صَامِتِينَ، يَسْمَعُونَ ٱلصَّوْتَ وَلاَ يَنْظُرُونَ أَحَداً».
دانيال ١٠: ٧ وص ٢٢: ٩ و٢٦: ١٣
ٱلْمُسَافِرُونَ مَعَهُ لا نعلم أخدمه هم أم رفقاؤه والأول أرجح.
فَوَقَفُوا صَامِتِينَ أي متحيرين حتى صاروا كأنهم لا يستطيعون النطق. فلا منافاة بين ما قيل هنا وما في قوله في (ص ٢٦: ١٤) «فَلَمَّا سَقَطْنَا جَمِيعُنَا عَلَى ٱلأَرْضِ» لأنه قصد أن يشير إلى صمتهم من الحيرة بقطع النظر عن وضعهم واقفين أو ساقطين. أو الواقع أنهم سقطوا أولاً من تأثير المنظر ثم قاموا ووقفوا منتظرين ماذا يصير بعد ذلك وهم في الحيرة.
يَسْمَعُونَ ٱلصَّوْتَ ولكنهم لم يفهموا كلمات المتكلم وهذا معنى قوله في (ص ٢٢: ٩) «لٰكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا صَوْتَ ٱلَّذِي كَلَّمَنِي» بدليل أنه كثيراً ما عبر الكتاب المقدس بالصوت عن التأثير في السمع دون الكلمات ومن ذلك قوله «صَوْتُ ٱلرَّبِّ عَلَى ٱلْمِيَاهِ. صَوْتُ ٱلرَّبِّ مُكَسِّرُ ٱلأَرْزِ، صَوْتُ ٱلرَّبِّ يَقْدَحُ لُهُبَ نَارٍ. صَوْتُ ٱلرَّبِّ يُزَلْزِلُ ٱلْبَرِّيَّةَ» (مزمور ٢٩: ٣ و٥ و٧ و٨) ومثله ما جاء في متّى ٢٤: ٣١ و١تسالونيكي ٤: ١٦). وكما حدث لمن كانوا مع شاول حدث لرفقاء دانيال (دانيال ١٠: ٧). فشاول رأى النور ورأى المسيح أيضاً وسمع صوته وكلماته أما رفاقه فرأوا النور ولم يروا المسيح وسمعوا الصوت ولم يسمعوا الكلمات.
٨ «فَنَهَضَ شَاوُلُ عَنِ ٱلأَرْضِ، وَكَانَ وَهُوَ مَفْتُوحُ ٱلْعَيْنَيْنِ لاَ يُبْصِرُ أَحَداً. فَٱقْتَادُوهُ بِيَدِهِ وَأَدْخَلُوهُ إِلَى دِمَشْقَ».
لاَ يُبْصِرُ أَحَداً أنه شاهد المسيح متجمداً (انظر شرح ع ٢) وهذا المنظر لا يستطيع النظر البشري احتماله بدون تأثر. والمراد بقوله «لا يبصر أحداً» أنه لم يبصر أحداً من رفاقه أو المارين في الطريق وبقي بصره كذلك ثلاثة أيام ولعل ذلك ليس سوى تأثير طبيعي من شدة النور «لأن ذلك النور كان عظيماً» (ص ٢٢: ٦). وبيّن ذلك أيضاً بقوله «إِذْ كُنْتُ لاَ أُبْصِرُ مِنْ أَجْلِ بَهَاءِ ذٰلِكَ ٱلنُّورِ» (ص ٢٢: ١١). فإن قيل لماذا لم يحدث مثل ذلك لأحد من رفقائه قلنا تأثير الضوء يختلف باختلاف العيون وعلينا أن نذكر أنه رأى علاوة على ما رأوه الرب في مجده.
فَٱقْتَادُوهُ بِيَدِهِ لم يكن شاول يتوقع أن يدخل دمشق كالأعمى مقتاداً حزيناً متواضعاً بل كان ينتظر أن يدخلها في موكب يليق بنائب مجلس اليهود العظيم مكرماً من يهود المدينة مخيفاً للمسيحيين. ومثل هذه المعاكسة جرى عليه في خروجه فإنه كان متوقعاً الخروج بجمهور من الأسرى المرتعدين باحتفال عظيم فخرج مدلى ليلاً بسل من السور.
٩ «وَكَانَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ يُبْصِرُ، فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ».
ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ يُبْصِرُ نعم أن عيني جسده لم تبصرا المواد لكن نفسه كانت تبصر الحقائق أحسن إبصار.
فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ شغل الوقت بالصوم والتأمل والصلاة (ع ١١). ولعل اضطراب فكره أزال منه شهوة الطعام كما يحدث كثيراً للناس في أوقات الحزن الشديد. ومن أسباب اضطراب أفكار شاول تذكره أعماله الماضية وحزنه على ما سبق من عمايته وإثمه وأضراره المسيح وتلاميذه فكأنه كان يسمع على الدوام قول الرب له «شاول شاول لماذا تضطهدني». ومنها ريبه في ما يكون في المستقبل لأنه كان إلى ذلك الوقت لم يتم قول المسيح له «يقال لك ماذا ينبغي أن تفعل» فلم يعرف أعن رحمة يكون ذلك أم عن نقمة فلم يتحقق أن إثمه يُغفر.
١٠ «وَكَانَ فِي دِمَشْقَ تِلْمِيذٌ ٱسْمُهُ حَنَانِيَّا، فَقَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ فِي رُؤْيَا: يَا حَنَانِيَّا. فَقَالَ: هٰئَنَذَا يَا رَبُّ».
ص ٢٢: ١٢
تِلْمِيذٌ من تلاميذ يسوع وزيد على ذلك أنه كان «رَجُلاً تَقِيّاً حَسَبَ ٱلنَّامُوسِ، وَمَشْهُوداً لَهُ مِنْ جَمِيعِ ٱلْيَهُودِ» (ص ٢٢: ١٢). والأرجح أنه آمن منذ مدة ليست بقصيرة (ع ١٣).
ٱلرَّبُّ أي يسوع الأقنوم الوحيد المذكور في نبإ هداية بولس. ودليل أنه يسوع قوله في الكلام على التلاميذ «قديسيك» (ع ١٣) وقوله «الذين يدعون باسمك» (ع ١٤) وقوله «أرسلني الرب يسوع» الخ (ع ١٧).
فِي رُؤْيَا لم يبيّن أفي النوم كان ذلك أم في اليقظة وعلى كلا الوجهين تحقق أن ذلك إعلان إلهي.
هٰئَنَذَا أي منتبه ومستعد للطاعة.
١١ «فَقَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ: قُمْ وَٱذْهَبْ إِلَى ٱلزُّقَاقِ ٱلَّذِي يُقَالُ لَهُ ٱلْمُسْتَقِيمُ، وَٱطْلُبْ فِي بَيْتِ يَهُوذَا رَجُلاً طَرْسُوسِيّاً ٱسْمُهُ شَاوُلُ لأَنَّهُ هُوَذَا يُصَلِّي».
ص ٢١: ٣٩ و٢٢: ٣
ٱلزُّقَاقِ ٱلَّذِي يُقَالُ لَهُ ٱلْمُسْتَقِيمُ كان هذا يومئذ الشارع الأول في دمشق وهو ممتد من الشرق إلى الغرب وعرضه ثماني أذرع ونصف وكان على جانبيه صفوف من عمد الحجارة الصلبة المنقوشة ولم تزل بقاياها إلى اليوم وقد يجدون بعضها مدفوناً تحت الأرض. وشارع دمشق العظيم اليوم من الشرق إلى الغرب ويُعرف بالمستقيم وبالسلطاني ولكن يعسر إثبات أنه الزقاق المستقيم عينه بعد مضي نحو ١٩٠٠ سنة مع ما حدث من التغيرات في تلك المدينة.
فِي بَيْتِ يَهُوذَا يعرف يسوع كل إنسان وما يتعلق به بالتفصيل كاسمه ومسكنه وأصله وما أشبه ذلك وهذا عزاء عظيم للصالحين وهول شديد للأشرار.
طَرْسُوسِيّاً طرسوس قاعدة ولاية كيليكية وهي جزء من آسيا الصغرى على أمد نحو ٢٠ ميلاً من مرسين شمالاً شرقياً وموقعها على نهر سدنس اشتهرت قديماً بعظمتها وتجارتها وما فيها من مدارس العلم والفلسفة كأثينا واسكندرية ولهذا وصفها بولس بأنها «مدينة غير دنية» (ص ٢١: ٣٩). ميزها أوغسطس قيصر بعدة أمور منها أنه حسبها مدينة رومانية لأنها تحزبت له في محاربته لبمبيوس وهي لا تزال إلى اليوم إلا أنها فقدت مجدها القديم.
هُوَذَا يُصَلِّي هذا يبيّن ما فعله شاول في الأيام الثلاثة المذكورة في (ع ٩). أخبر يسوع حنانيا بذلك ليبين له أنه حدث في شاول تغيّر عظيم فإنه لم يبق فريسياً مضطهداً بل صار يصلي لرب مضطهديه وأنه إذ تغيرت أفكاره في شأن ربهم تغيرت في شأنهم أيضاً.
ولا يلزم من قوله «هوذا يصلي» أنه لم يصل قبلاً لأن الفريسيين كانوا يحافظون على الصلوات المعينة بأوقاتها (لوقا ١٨: ١٠ وفيلبي ٣: ٤ و٦) لكنه يفيد أن المسيح لم يعتبر صلواته الأولى مقبولة لأنه قدمها وهو متكل على بر نفسه كالفريسيين أما صلواته الآن فاعتبرها حقيقية لأنه قدمها وهو متكل على رحمة الله بيسوع المسيح وصلاها من قلبه لا من شفتيه فقط. إنه من أول دليل على تجديد القلب تقديم الصلاة الحارة.
١٢ «وَقَدْ رَأَى فِي رُؤْيَا رَجُلاً ٱسْمُهُ حَنَانِيَّا دَاخِلاً وَوَاضِعاً يَدَهُ عَلَيْهِ لِكَيْ يُبْصِرَ».
لا نعلم متى رأى شاول هذه الرؤيا ولا الطريقة التي رآها فيها ووهبت له تعزية لقلبه وإعداداً لمجيء حنانيا ليؤكد له صحة مرسليته فأخبره باسمه أيضاً لدفع كل ريب.
١٣، ١٤ «١٣ فَأَجَابَ حَنَانِيَّا: يَا رَبُّ قَدْ سَمِعْتُ مِنْ كَثِيرِينَ عَنْ هٰذَا ٱلرَّجُلِ، كَمْ مِنَ ٱلشُّرُورِ فَعَلَ بِقِدِّيسِيكَ فِي أُورُشَلِيمَ. ١٤ وَهٰهُنَا لَهُ سُلْطَانٌ مِنْ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ أَنْ يُوثِقَ جَمِيعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ بِٱسْمِكَ».
هذا جواب يدل على حيرة حنانيا وخوفه لا على إباءته إطاعة أمر المسيح ومن الطبع أن يتقي مواجهة إنسان أول ما يخطر على باله الهرب والاختباء منه على أنه كان الأفضل أن يذهب بلا توقف بعد أن أمره المسيح.
قَدْ سَمِعْتُ مِنْ كَثِيرِينَ الأرجح أن هؤلاء الكثيرين هم الذين هربوا على توالي الأوقات من أورشليم إلى دمشق اتقاء من الاضطهاد. ويظهر من هذا أن شاول كان مشهوراً بأنه مضطهد كنيسة الله شديد الاضطهاد حتى بلغ خبره مثل تلك المدينة البعيدة. ونستنتج من قول حنانيا أنه سمع من كثيرين أنه قد مر عليه وقت ليس بقليل بعد أن آمن بيسوع وإلا ما استطاع أن يسمع الأنباء من كل هؤلاء.
بِقِدِّيسِيكَ لقب لتلاميذ الرب لأنهم مقدسون وواقفون أنفسهم له. وأُضيفوا إليه لأنه هو اختارهم ودعاهم واعتنى بهم وقدسهم وهم اتكلوا عليه (أفسس ١: ١ وفيلبي ١: ١).
لَهُ سُلْطَانٌ مِنْ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ الأرجح أن الوسيلة إلى معرفة حنانيا ذلك أن مسيحي أورشليم أخبروا إخوتهم في دمشق بذلك تنبيهاً لهم على الخطر المقبل عليهم ولعل أعداءهم أنذروهم بذلك ليرجعوا عن إيمانهم الجديد ويمتنع غيرهم عن الإيمان بيسوع أو الالتصاق بهم.
ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ بِٱسْمِكَ أي يصلون باسمك وهذا ما يميز المسيحيين غن غيرهم فدعاؤهم بيسوع في الصلاة إقرار بأنه إله مساوٍ للآب (١كورنثوس ١: ٢ و٢تيموثاوس ٢: ٢٢).
١٥ «فَقَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ: ٱذْهَبْ، لأَنَّ هٰذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ ٱسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ».
ص ١٣: ٢ و٢٢: ٢١ و٢٦ ورومية ١: ١ و١كورنثوس ١٥: ١٠ وغلاطية ١: ١٤ وأفسس ٣: ٧ و٨ و١تيموثاوس ٢: ٧ و٢تيموثاوس ١: ١١ رومية ١: ٥ و١١: ١٣ وغلاطية ٢: ٧ و٨ ص ٢٥: ٢٢ و٢٣ و٢٦: ١ الخ
ٱذْهَبْ آمناً أو خائفاً مقتنعاً أو مرتاباً فإلهك لا يأمر بما ليس بخير فأسباب الأمر كافية.
إِنَاءٌ مُخْتَارٌ «الإناء» الوعاء يُحمل به الشيء من مكان إلى آخر فإذا أُستعير للإنسان كان المعنى أنه يكون الوسيلة لنقل بشارة الخلاص من الله إلى الناس (رومية ٩: ٢١ – ٢٣ و٢كورنثوس ٤: ٧ و١تسالونيكي ٤: ٤ و٢تيموثاوس ٢٠: ٢١) واختاره يسوع لهذه الخدمة كما اختار الاثني عشر رسولاً أولاً (غلاطية ١: ١٥ – ١٦). فشاول لم يختر أولاً يسوع رباً له لكن يسوع اختاره أولاً وذلك على وفق قوله تعالى «لَيْسَ أَنْتُمُ ٱخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا ٱخْتَرْتُكُمْ» (يوحنا ١٥: ١٦).
لِيَحْمِلَ ٱسْمِي أي معرفتي لأن أسماء المسيح تدل على صفاته وعمله.
أُمَمٍ أي شعوب الأرض سوى اليهود. وهذا عمله الخاص لا الوحيد ولذلك سمي رسول الأمم (رومية ١١: ١٣ و١٥: ١٦ وغلاطية ٢: ٨). وعسر على المسيحيين الأولين الاعتقاد أن الأمم شركاء اليهود في نعمة الإنجيل وكان بولس أول المعتقدين ذلك والعاملين بمقتضاه.
وَمُلُوكٍ نجز هذا الوعد حين وقف قدام هيرودس أغريباس الثاني في قيصرية (أعمال ٢٥: ٢٣) وقدام الملكة برنيكي (ص ٢٦: ٣٢) وأمام نيرون قيصر في (رومية ص ٢٧: ٢٤) ونجز أيضاً بوقوفه أمام نواب الملوك كفيلكس وفستوس وسرجيوس بولس وغاليون.
وَبَنِي إِسْرَائِيلَ أي اليهود. بولس مع أنه كان رسول الأمم ابتدأ يبشر اليهود في مجامعهم في أول دخوله المكان (ع ٢٠ – ٢٢ وص ١٣: ٤٦ و٢٨: ١٧).
١٦ «لأَنِّي سَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ ٱسْمِي».
ص ٢٠: ٢٣ و٢١: ١١ و٢كورنثوس ١١: ٢٣
ما قيل هنا أكدّ أن شاول تلميذ ليسوع ونفى كل ريب من قلب حنانيا لأنه من استعد أن يتألم من أجل شخص فهو صديق لذلك الشخص فتألم المسيح من أجلنا برهان على أنه أحبنا وتألمنا اختياراً من أجله برهان على صحة محبتنا إياه. وأمثلة تألم بولس على وفق هذا الإنباء فُصلت في (ص ٢٠: ٢٣ و٢١: ١١ و٢كورنثوس ١١: ٢٣ – ٢٧ وأفسس ٦: ٢٠ و٢تيموثاوس ١: ١١ و١٢ و٢: ٩). وهذه الآية تبين أن احتمال الشدائد جزء من استعداد المسيحي للخدمة المفيدة فإن المسيح نفسه «كمل رئيس خلاص بالآلام» (عبرانيين ٢: ١٠).
١٧ «فَمَضَى حَنَانِيَّا وَدَخَلَ ٱلْبَيْتَ وَوَضَعَ عَلَيْهِ يَدَيْهِ وَقَالَ: أَيُّهَا ٱلأَخُ شَاوُلُ، قَدْ أَرْسَلَنِي ٱلرَّبُّ يَسُوعُ ٱلَّذِي ظَهَرَ لَكَ فِي ٱلطَّرِيقِ ٱلَّذِي جِئْتَ فِيهِ، لِكَيْ تُبْصِرَ وَتَمْتَلِئَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ».
ص ٢٢: ١٢ و١٤ ص ٨: ١٧ ص ٢: ٤ و٤: ٣١ و٨: ١٧ و١٣: ٥٢
فَمَضَى حَنَانِيَّا غير مبال بشكوكه وخوفه.
وَوَضَعَ عَلَيْهِ يَدَيْهِ علامة لمنح البركة وهي تكون مقترنة بالصلاة انظر (شرح ٨: ١٧) وانظر أيضاً (متّى ٩: ١٨ و١٩: ١٣) وهذا الوضع ليس برسم إكليريكي لأن الله لم يرسل حنانيا ليرسمه بل ليشفيه وبولس نفسه لم يفتأ يبيّن تعيين رسولاً من المسيح نفسه لا من إنسان.
أَيُّهَا ٱلأَخُ هذا كلام تودد وعلامة قبوله إياه تلميذاً حقيقياً للمسيح بشهادة الرب نفسه فكل المسيحيين إخوة باتحادهم بالرأس الذي هو المسيح. ولا ريب في أن شاول اعتبر ما أتاه حنانيا (من زياراته إياه في ضيقه ودعوته أخاً وهو ممن لم يأت إلا للإساءة إليهم) لطف عظيم.
يَسُوعُ ٱلَّذِي ظَهَرَ لَكَ ذكر هذا ليوضح له انه أُرسل حقيقة من الرب وهذا مما أكدّ لشاول أن الرب يسوع ظهر له بذاته كما قال هو في (١كورنثوس ٩: ١ و١٥: ٨).
لِكَيْ تُبْصِرَ أتى حنانيا إلى شاول ليمنحه بركتين إحداهما جسدية وهي ما ذُكر هنا والثانية روحية وستأتي.
وَتَمْتَلِئَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ هذه هي البركة الروحية انظر شرح (ص ٢: ٤). وهي زيادة على ما وهبه الروح من الولادة الجديدة رأى الرب.
١٨ «فَلِلْوَقْتِ وَقَعَ مِنْ عَيْنَيْهِ شَيْءٌ كَأَنَّهُ قُشُورٌ، فَأَبْصَرَ فِي ٱلْحَالِ، وَقَامَ وَٱعْتَمَدَ».
وَقَعَ مِنْ عَيْنَيْهِ شَيْءٌ كَأَنَّهُ قُشُورٌ هذا بيان ما حصل عليه من آية الشفاء لأنه بقي ثلاثة أيام بعد أن رأى الرب كأن على عينيه قشوراً منعته من الإبصار وهنا إعلان أنه حين وضع حنانيا يده على عينيه شعر بما كأنه قشور وقعت عنهما وكان شفاؤه في الحال تاماً. فكان العمى طبيعياً لأنه من تأثير النور الشديد. وأما الشفاء فكان معجزة بدليل أنه كان بلا وسائط مادية وأن حنانيا أُرسل لتلك الغاية وأُخبر بها قبل مجيئه إليه وبأن الشفاء حصل دفعة لا تدريجاً.
وَٱعْتَمَدَ بلا عاقبة كسائر المؤمنين الأولين (ص ٢: ٤١ و٨: ١٢ و٣٦ – ٣٩). وأظهر بتلك المعمودية إيمانه بالمسيح ودخوله في كنيسة المسيح. والأرجح أنه اعتمد في بيت يهوذا وهو البيت الذي نزل فيه. والذي عمده هو الذي بشره وشفاه أي حنانيا.
١٩ «وَتَنَاوَلَ طَعَاماً فَتَقَوَّى. وَكَانَ شَاوُلُ مَعَ ٱلتَّلاَمِيذِ ٱلَّذِينَ فِي دِمَشْقَ أَيَّاماً».
ص ٢٦: ٢٠
اختصر لوقا هنا خبر أعمال بولس وقتئذ ولكن بولس نفسه بسطه في رسالته إلى (غلاطية ١: ١٦ – ١٨) وأفاد أنه ذهب على أثر تجدده إلى بلاد العرب ورجع إلى دمشق ومنها ذهب بعد ثلاث سنين إلى أورشليم.
فَتَقَوَّى لعله كان قد ضعف من مشقة السفر والصوم والاضطراب.
مَعَ ٱلتَّلاَمِيذِ أي المسيحيين فكان أخاً وصديقاً لهم. أتى كذئب ليفترس الخراف ولكنه صار خروفاً بينهم. تغيّرت صفته فتغيّرت زمرته وكان أصدقاؤه قبل ذلك رؤساء الكهنة وشيوخ المجامع فصاروا حينئذ تلاميذ يسوع المحتقرين المتواضعين.
أَيَّاماً على أثر إيمانه وفي تلك الأيام تعرّف بالتلاميذ وتكلم معهم ثم توجّه إلى بلاد العرب ليعتزل ويتفرغ للتأمل والتعلم من المسيح استعداداً لممارسة وظيفته المهمة كما اعتزل موسى ويوحنا المعمدان في البرية وبقي هنالك ما بين سنتين وثلاث سنين ولعل السبب أن لوقا لم يذكر ذهابه هنا أن قصده بيان ما فعل بولس في خدمة الكنيسة ولم يكن في البرية مبشراً بل تلميذاً جالساً عند أقدام المسيح كما جلس في أورشليم سابقاً عند أقدام غمالائيل.
٢٠ «وَلِلْوَقْتِ جَعَلَ يَكْرِزُ فِي ٱلْمَجَامِعِ بِٱلْمَسِيحِ أَنْ هٰذَا هُوَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ».
ص ٨: ٣٧
لعل ما ذُكر هنا يصدق على ما فعله قبل ذهابه إلى العربية وبعد رجوعه منها فجمع لوقا الخبرين معاً.
لِلْوَقْتِ جَعَلَ يَكْرِزُ أظهر صحة تجدّده بأنه حالما اقتنع بصحة دعوى المسيح أخذ يشهد له ويبني ما كان يسعى في هدمه ولم يمنعه من ذلك خوف الأذى والهزء. وما أتاه كان على وفق أمر المسيح لكل تلاميذه وهو أن يكونوا شهوداً له (ص ١: ٨) وعلى وفق أمر المسيح له خاصة كما ذُكر في (ص ٢٦: ١٩ و٢٠).
فِي ٱلْمَجَامِعِ لأن هنالك أحسن الفرص لمناظرة اليهود الذين عرض عليهم الإنجيل قبل غيرهم (ص ١٣: ٤٦).
بِٱلْمَسِيحِ مبرهناً لهم أن يسوع هو المسيح (ع ٢٢) وأنه كلمة الله الأزلي وأنّه تجسد وجال يعمل خيراً وعلم تعليماً حسناً وأنه حكم عليه الرؤساء ظلماً وصلبوه وأنه قام وصعد إلى السماء وجلس على يمين الله يشفع في كل من يؤمن به وأنه يحضر في الكنيسة بروحه القدوس.
أَنْ هٰذَا هُوَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ هذا لقب ليسوع يثبت أنه إله وهو موافق لقول نثنائيل «يَا مُعَلِّمُ، أَنْتَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ» (يوحنا ١: ٤٩). وقول بطرس «أَنْتَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ» (متّى ١٦: ١٦). وكان الفريسيون يعتقدون أن المسيح متى أتى كان ابن الله لكنهم أنكروا أن يسوع هو.
٢١ «فَبُهِتَ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا: أَلَيْسَ هٰذَا هُوَ ٱلَّذِي أَهْلَكَ فِي أُورُشَلِيمَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ بِهٰذَا ٱلٱسْمِ، وَقَدْ جَاءَ إِلَى هُنَا: لِيَسُوقَهُمْ مُوثَقِينَ إِلَى رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ؟».
ص ٨: ٣ وع ١ و٢ وغلاطية ١: ١٣ و٢٣
فَبُهِتَ أي تعجبوا ثم أبغضوا ثم أرادوا أن يقتلوا وكان يحق لهم أن يتعجبوا لأن تغيره كان معجزة أعظم من شفاء المرضى أو فتح عيون العمي أو إخراج الشياطين فهو مما لم يستطعه سوى القدرة الإلهية.
جَمِيعُ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ يهوداً ومؤمنين أعداء وأصدقاء لأن صيته سبقه إلى دمشق وكذا نبأ توكيل الرؤساء إيّاه.
أَلَيْسَ هٰذَا هُوَ كان قد شاع أنه مضطهد في أورشليم فتوقعوا أن يفعل في دمشق كما فعل في اليهودية.
وَقَدْ جَاءَ إِلَى هُنَا عُرفت غاية مجيئه وهي أن يستأصل دين يسوع من دمشق فتعجبوا من مخافة أعماله لما سمعوا من نبإ مقصده.
٢٢ «وَأَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ يَزْدَادُ قُوَّةً، وَيُحَيِّرُ ٱلْيَهُودَ ٱلسَّاكِنِينَ فِي دِمَشْقَ مُحَقِّقاً أَنَّ هٰذَا هُوَ ٱلْمَسِيحُ».
ص ١٨: ٢٨
فَكَانَ يَزْدَادُ قُوَّةً في تيقّنه صحة الديانة المسيحية وفي إقامة البراهين المقنعة وفي دفع اعتراضات الخصوم وهذه القوة تستلزم الجراءة.
وَيُحَيِّرُ ٱلْيَهُودَ (ص ٢: ٦) لأنهم لم يجدوا سبيلاً إلى مجاوبته فكان احتجاجه أقوى من احتجاجهم وانتصر عليهم لأنه كان منذ عهد قريب متعصباً مثلهم فعرف كل حججهم واعتراضاتهم لأنه كثيراً ما أوردها على المسيحيين ولا أحد يستطيع أن يوضح أغلاط الاعتقاد الفاسد مثل واحد من أهله.
أَنَّ هٰذَا أي يسوع.
هُوَ ٱلْمَسِيحُ هذا موضوع كل وعظ بولس وكتابته إلى نهاية حياته. والأرجح أنه أقام البراهين على أن يسوع هو المسيح من نبوءات العهد القديم التي تمت به ومن معجزاته ومن قيامته ثم من مشاهدته إياه ممجداً. فما أحب بولس الكلام عليه هو نفس ما كره اليهود أن يسمعوه أو يقبلوه.
٢٣ «وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامٌ كَثِيرَةٌ تَشَاوَرَ ٱلْيَهُودُ لِيَقْتُلُوهُ».
ص ٢٣: ١٢ و٢٥: ٣ و٢كورنثوس ١١: ٢٦
أَيَّامٌ كَثِيرَةٌ نعرف من (غلاطية ١: ١٧) قدر تلك الأيام وهي نحو ثلاث سنين وأنه تقضى عليه أكثرها في بلاد العرب وأنه عاد منها إلى دمشق. ولعل سبب أن لوقا لم يذكر ذهابه إلى العربية كان غايته بيان خدمة بولس في التبشير لا ترجمته الشخصية ولا عجب من ضربه عن ذلك صفحاً لأنه صرف نظره عن كثير من أمور بولس التي بيّنت في (٢كورنثوس ص ١١) ولم يذكر أنه كتب شيئاً من رسائله. فالذي كان يجلس عند قدمي غمالائيل في أورشليم ليتعلم الشريعة اليهودية جلس عند قدمي يسوع في بادية العرب ليتعلم الشريعة السماوية.
تَشَاوَرَ ٱلْيَهُودُ لِيَقْتُلُوهُ قابل هذا بما في (٢٣: ١٢ و٢٥: ٣). عجزوا عن دفع براهينه ومنع تأثير كلامه في الشعب فاغتاظوا وقصدوا أن يسكتوه بالقتل كما أسكت يهود أورشليم استفانوس قبل ذلك بما يزيد على ثلاث سنين.
٢٤ «فَعَلِمَ شَاوُلُ بِمَكِيدَتِهِمْ. وَكَانُوا يُرَاقِبُونَ ٱلأَبْوَابَ أَيْضاً نَهَاراً وَلَيْلاً لِيَقْتُلُوهُ».
٢كورنثوس ١١: ٣٢
عَلِمَ شَاوُلُ لم يُذكر كيف علم. وأشار بولس إلى هذه المكيدة بقوله «فِي دِمَشْقَ وَالِي ٱلْحَارِثِ ٱلْمَلِكِ كَانَ يَحْرُسُ مدِينَةَ ٱلدِّمَشْقِيِّينَ يُرِيدُ أَنْ يُمْسِكَنِي» (٢كورنثوس ١١: ٣٢). والظاهر أن اليهود اتفقوا مع الوالي على مسك شاول.
يُرَاقِبُونَ ٱلأَبْوَابَ ظانين أنه لا بد من أن يمرّ في واحد منها وكانت غايتهم من ذلك أن يقبضوا عليه ويقتلوه.
٢٥ «فَأَخَذَهُ ٱلتَّلاَمِيذُ لَيْلاً وَأَنْزَلُوهُ مِنَ ٱلسُّورِ مُدَلِّينَ إِيَّاهُ فِي سَلٍّ».
يشوع ٢: ١٥ و١صموئيل ١٩: ١٢
أَنْزَلُوهُ مِنَ ٱلسُّورِ نستنتج من هذا أن بيت أحد الإخوة كان على السور ويتضح من قول بولس في رسالته إلى أهل كورنثوس أنهم «دلوه من كوة» (٢كورنثوس ١١: ٣٣).
فِي سَلٍّ أو زنبيل كما في (٢كورنثوس ١١: ٣٣ انظر متّى ١٥: ٣٧ ومرقس ٨: ٨ و٢٠). وكان هربه على وفق أمر المسيح بقوله «وَمَتَى طَرَدُوكُمْ فِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ فَٱهْرُبُوا إِلَى ٱلأُخْرَى» (متّى ١٠: ٢٣). لما قصد شاول دمشق وهو يحمل مكاتيب مجلس اليهود الكبير لم يتوقع أنه يخرج من تلك المدينة في ذلك الهوان بل توقع أن يخرج منها باحتفال عظيم من أصدقائه اليهود وبالخائفين من الأسرى المسيحيين فتم فيه حالاً قول المسيح «َإنِّي سَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ ٱسْمِي» (ع ١٦).
شاول في أورشليم ع ٢٦ إلى ٣١
٢٦ «وَلَمَّا جَاءَ شَاوُلُ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَاوَلَ أَنْ يَلْتَصِقَ بِٱلتَّلاَمِيذِ، وَكَانَ ٱلْجَمِيعُ يَخَافُونَهُ غَيْرَ مُصَدِّقِينَ أَنَّهُ تِلْمِيذٌ».
غلاطية ١: ١٧ و١٨
وَلَمَّا جَاءَ شَاوُلُ إِلَى أُورُشَلِيمَ ترك شاول أورشليم منذ ثلاث سنين وهو بمنزلة وكيل مجلس اليهود مكرماً مفوضاً إليه أن يضطهد تلاميذ يسوع ويستأصل تعليمه من البلاد وما جاورها حتى دمشق وعاد إلى أورشليم مهاناً وهو تلميذ ذاك السيد الذي كان يكرهه راغباً في إثبات الدين الذي كان يبذل جهده في أن يلاشيه.
حَاوَلَ أَنْ يَلْتَصِقَ بِٱلتَّلاَمِيذِ كواحد منهم فرغب خاصة في أن يرى بطرس لأنه كان قد سمع خبره (غلاطية ١: ١٨).
وَكَانَ ٱلْجَمِيعُ يَخَافُونَهُ لظنهم أنه جاسوس يريد إضرارهم بعد. ولا ريب في أنه بلغهم نبأ التغيّر العظيم الذي حدث له في دمشق ولكن بما أنهم لم يسمعوا شيئاً من أمره مدة ثلاث سنين (وهو منفرد في العربية) لم يعلموا ماذا يصدقون من أنبائه. واختبارهم قساوته والخوف الذي نشأ منه في قلوبهم غلبا أملهم أن يتحول من عدوّ إلى صديق.
٢٧ «فَأَخَذَهُ بَرْنَابَا وَأَحْضَرَهُ إِلَى ٱلرُّسُلِ، وَحَدَّثَهُمْ كَيْفَ أَبْصَرَ ٱلرَّبَّ فِي ٱلطَّرِيقِ وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ، وَكَيْفَ جَاهَرَ فِي دِمَشْقَ بِٱسْمِ يَسُوعَ».
ص ٤: ٣٦ و١٣: ٢ ع ٢٠ و٢٢
بَرْنَابَا ذُكر في (ص ٤: ٣٦ و٣٧) وهو أحد التلاميذ الأولين لاوي الجنس قبرسي وكان من أغنيائهم باع ماله ووزعه على فقراء الكنيسة ولقّبه التلاميذ ابن الوعظ. وهذا عرف شاول وخلوصه بطريق ما وعرّف سائر التلاميذ به وأبان لهم أنه ممن يوثق بهم وكان رفيق بولس في سفره الأول للتبشير (ص ١٥).
إِلَى ٱلرُّسُلِ أي بعضهم ونعرف من (غلاطية ١: ١٨ و١٩) أنه لم يرَ سوى بطرس ويعقوب فالأرجح أن سائر الرسل غائبين.
٢٨ «فَكَانَ مَعَهُمْ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ فِي أُورُشَلِيمَ وَيُجَاهِرُ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ».
غلاطية ١: ١٨
فَكَانَ مَعَهُمْ بمنزلة أخٍ وصديق في الرب ومبشر مثلهم ولم تكن إقامته معهم سوى خمسة عشر يوماً (غلاطية ١: ١٨).
وَيُجَاهِرُ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ يعترف به علانية بلا خوف ويعلّم أنه هو المسيح.
٢٩ «وَكَانَ يُخَاطِبُ وَيُبَاحِثُ ٱلْيُونَانِيِّينَ، فَحَاوَلُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ».
ص ٦: ١ و١١: ٢٠ ع ٢٣ و٢كورنثوس ١١: ٢٦
ٱلْيُونَانِيِّينَ أي اليهود الذين كانوا يسكنون بين اليونانيين ويتكلمون بلغتهم انظر شرح (ص ٦: ١) والأرجح أنه كان يناظرهم كربانيّ من اليهود في المجمع الكيليكي حيث ناظرهم استفانوس (ص ٦: ٩).
فَحَاوَلُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ كيهود دمشق (ع ٢٣) وخافه يهود أورشليم كثيراًً لشهرته السابقة واقتداره في العلم والمناظرة.
٣٠ «فَلَمَّا عَلِمَ ٱلإِخْوَةُ أَحْدَرُوهُ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ وَأَرْسَلُوهُ إِلَى طَرْسُوسَ».
ص ٢٢: ١٧ إلى ٢١
ما فعله الإخوة دليل على حبهم إيّاه ورغبتهم في إنقاذه.
قَيْصَرِيَّةَ هي مدينة على شاطئ البحر بين عكا ويافا (انظر شرح ص ٨: ٤٠). ولم يذكر لوقا هنا سوى ما أتاه الإخوة وعلة إتيانهم ذلك وأما بولس فذكر علة أخرى لهذا بعد عشرين سنة في خطابه الشعب وهو على السلم وهي أمر الرب له بالخروج من أورشليم (ص ٢٢: ١٧ – ٢١). ولا منافاة بين الخبرين لأنه لولا ذلك الأمر لبقي في أورشليم على رغم نصح الإخوة وتهديد الأعداء.
إِلَى طَرْسُوسَ وطنه (ع ١١) وبقي هنالك إلى أن دعاه برنابا إلى أنطاكية ليساعده في التبشير (ص ١١: ٢٥ و٢٦) والأرجح أن مدة إقامته في طرسوس ما بين ثلاث سنين وأربع سنين ويغلب الظن أن شغل تلك المدة بالتبشير في مدينته وما جاورها من مدن كيليكية بدليل قوله «وَبَعْدَ ذٰلِكَ جِئْتُ إِلَى أَقَالِيمِ سُورِيَّةَ» (غلاطية ١: ٢١).
٣١ «وَأَمَّا ٱلْكَنَائِسُ فِي جَمِيعِ ٱلْيَهُودِيَّةِ وَٱلْجَلِيلِ وَٱلسَّامِرَةِ فَكَانَ لَهَا سَلاَمٌ، وَكَانَتْ تُبْنَى وَتَسِيرُ فِي خَوْفِ ٱلرَّبِّ، وَبِتَعْزِيَةِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ كَانَتْ تَتَكَاثَرُ».
ص ٨: ١
وَأَمَّا ٱلْكَنَائِسُ… فَكَانَ لَهَا سَلاَمٌ منح الله بعنايته السلام للكنيسة بعد الاضطهاد ليكون لها فرصة للتعلم والبنيان. وكانت حينئذ قد انتهت الاضطهادات التي ثارت على أثر قتل استفانوس (ص ١١: ١٩) وأيّدها شاول وأطالها (ص ٨: ٣) وكان ذلك السلام لثلاثة أسباب:
- الأول: تشتت أكثر المسيحيين.
- الثاني: أن مهيّج الاضطهاد صار واحداً من التلاميذ وأن المجلس ارتبك بانفصال ذلك الشخص العظيم عنهم.
- الثالث: اضطراب اليهود في أمورهم السياسية حتى لا يبقى في أماكنهم أن يضطهدوا المسيحيين لأنه في سنة ٣٩ ب. م أي قبل وقت هذه القصة بسنة أمر الأمبراطور كليغولا بترونيوس والي سورية أن يقود جيشاً إلى أورشليم ويقيم له تمثالاً في الهيكل وأمره بأن يقتل من يقاومه من اليهود ويستعبد سائرهم. فزحف بترونيوس إلى عكاء بجيشه فامتلأت قلوب اليهود خوفاً وهجر أهل المدن والقرى مساكنهم وأتوا إلى بترونيوس رجالاً ونساءً وأولاداً وطرحوا أنفسهم أمامه يرجونه أن لا يجري أمر كليغولا. فأُهمل كل زرع وحصاد في اليهودية فخاف بترونيوس من عموم الجوع وتوقف عن إنفاذ ما أُمر به وكتب إلى كليغولا وأبان له العواقب الوخيمة التي تنشأ عن إجراء أمره وبقوا مدة ينتظرون في ذلك فكانت تلك المدة وقت راحة الكنيسة المذكورة في هذه الآية وفي أثناء ذلك مات كليغولا وأُلغي أمره.
وأقسام البلاد المذكورة هنا أي اليهودية والجليل والسامرة هي كل الأرض المقدسة (انظر شرح متّى ٢: ٢٢) ولا علم لنا في غير هذه الآية بإنشاء كنائس في الجليل. ولكن كان للمسيح أصدقاء في تلك الأرض من كفرناحوم والناصرة وقانا وبيت صيدا وكان الرسل أنفسهم منها ولذلك يكونون هم المنشئون لتلك الكنائس. ولعل فيلبس المبشر أتى إليها من قيصرية التي هي مجاورة لها وتبعه الرسل كما تبعه في السامرة. وأما دخول الإنجيل السامرة فسبق الكلام عليه في (ص ٨).
وَكَانَتْ تُبْنَى لأن السلام منح الكنائس فرصة للتعليم والتعلّم والاتفاق على الصلاة والاجتماعات الروحية التي هي وسائل النمو والبنيان.
وَتَسِيرُ فِي خَوْفِ ٱلرَّبِّ هذا وصف السيرة في سنن التقوى والصلاح لأن خوف الله كان ينشئ الطاعة لأوامره (٢أيام ١٩: ٧ وأيوب ٢٨: ٢٨ ومزمور ١: ١ و٢ و١٩: ٩ ولوقا ١: ٦ و١تسالونيكي ٤: ١ وكولوسي ١: ١٠ و١يوحنا ٢: ٦).
بِتَعْزِيَةِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ أي التعزية التي ينشئها روح الله في قلب المؤمن فلذلك سمي «الفارقليط» أي المعزي (يوحنا ١٤: ١٦ و١٧ ورومية ٥: ١ – ٥) وتشتمل التعزية فوق التسلية على الإرشاد وقوة هذا الروح نفسها التي فعلت المعجزات في أجساد الناس أخذت تهب لقلوب المؤمنين الفوائد الروحية.
تَتَكَاثَرُ هذا نتيجة تعزية الروح فالكنيسة بدون تأثير الروح القدس تفتر وتقف عن النمو ولكن حيث الروح فهنالك حياة وغيرة في إرشاد الغير ونمو بيّن.
بطرس في لدّة ويافا ع ٣٢ إلى ٤٣
٣٢ «وَحَدَثَ أَنَّ بُطْرُسَ وَهُوَ يَجْتَازُ بِٱلْجَمِيعِ نَزَلَ أَيْضاً إِلَى ٱلْقِدِّيسِينَ ٱلسَّاكِنِينَ فِي لُدَّةَ».
ص ٨: ١٤
يظهر من هذه الآية ما كان يفعله الرسل في ذلك الوقت فهم لم يستريحوا في أورشليم بل جعلوا تلك المدينة مركزاً للتبشير في البلاد المجاورة كما فعل بولس في أفسس حتى سمع كل سكان آسيا الإنجيل وكما فعل في كورنثوس فاختمرت وقتئذ كل أخائية بخميرة الإنجيل. ولم يذكر إلا جزءاً من خدمة بطرس لأنه سكت عن كل ما فعله مدة ثلاث سنين قبل ذلك ويبعد عن الظن أنه بقي كل تلك المدة لا يعمل شيئاً.
وَهُوَ يَجْتَازُ بِٱلْجَمِيعِ أي اليهودية والسامرة والجليل لكنه لم يذهب إلا «إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ ٱلضَّالَّةِ» (متّى ١٠: ٦). وما ذُكر هنا من أعماله في لدة ويافا وقيصرية (ص ٩: ٣٢ – ص ١٢: ١٨) ليس سوى مثال لما كان يفعله في كل الوقت كما كان يفعل كل من الرسل أيضاً.
ٱلْقِدِّيسِينَ وُصف بهذا في الإنجيل المؤمنون الساعون في القداسة على الأرض ووُصف به الذين حصلوا على القداسة في السماء. فوقفنا إلى هنا على أربعة أسماء للمسيحيين وهي «تلاميذ» (ص ١: ١٥) و «مؤمنين» (ص ٢: ٤٤) و «قديسين» (ص ٩: ١٣) و «إخوة» (ص ٩: ٣٠).
لُدَّةَ هي مدينة على أمد تسعة أميال من يافا وعلى الشمال الشرقي منها أي على الطريق الشمالي المارة ببيت حورون من يافا إلى أورشليم وذُكرت في (حزقيال ٢: ٣٣) بنى الرومانيون فيها هيكلاً لزفس أي المشتري وسماها ديسبوليس أي مدينة الله وهي قرية صغيرة الآن.
٣٣ «فَوَجَدَ هُنَاكَ إِنْسَاناً ٱسْمُهُ إِينِيَاسُ مُضْطَجِعاً عَلَى سَرِيرٍ مُنْذُ ثَمَانِي سِنِينَ، وَكَانَ مَفْلُوجاً».
إِينِيَاسُ لا نعرف من أمره شيئاً سوى ما ذُكر هنا واسمه يوناني ويظهر من هذا أنه ربي هو أو والداه حيث اللغة يونانية.
مَفْلُوجاً (انظر شرح متّى ٤: ٢٤).
٣٤ «فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: يَا إِينِيَاسُ، يَشْفِيكَ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ. قُمْ وَٱفْرُشْ لِنَفْسِكَ. فَقَامَ لِلْوَقْتِ»
ص ٣: ٦ و١٦ و٤: ١٠
يَشْفِيكَ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ لم يدع بطرس قوة الشفاء البتة (قابل هذا بما في ص ٣: ٦ و١٦ و٤: ١٠) فلم يقل كما قال المسيح «احمل سريرك وامش» و «لعازر هلم خارجاً» و «يا صبية لك أقول قومي». ولم يسأل بطرس عن إيمانه والأرجح أنه تحققه من كلامه وإمارات وجهه.
ٱفْرُشْ لِنَفْسِكَ ذلك شيء لم يستطعه ويلزم منه أن غيره كان يفرش له مدة السنين الثماني وأمره بذلك بياناً لصحة شفائه (متّى ٩: ٦ ومرقس ٢: ٩ و١١ ويوحنا ٥: ١٠ و١٢).
فَقَامَ لِلْوَقْتِ بلا وسائط بشرية فنال ما لم يتوقعه قط وشُفي في الحال تمام الشفاء وبذلك تحقق أن شفاءه معجزة ودليل قاطع على أن يسوع هو المسيح لأنه باسمه شُفي وعلى أن بطرس رسوله وأن تعليمه حقٌ.
٣٥ «وَرَآهُ جَمِيعُ ٱلسَّاكِنِينَ فِي لُدَّةَ وَسَارُونَ ٱلَّذِينَ رَجَعُوا إِلَى ٱلرَّبِّ».
١أيام ٥: ١٦
جَمِيعُ ٱلسَّاكِنِينَ أي كثيرون منهم. والمرجح أن إينياس كان مشهوراً وأنه تقضّى عليه ثماني سنين مفلوجاً فشاع خبر شفائه كثيراً.
وَسَارُونَ سهل واسع على شاطئ البحر من يافا إلى قيصرية مشهور بالخصب والبهجة (١أيام ٥: ١٦ و٢٧: ٢٩ ونشيد ٢: ١ وإشعياء ٢٣: ٩ و٣٥: ٢ و٦٥: ١٠).
رَجَعُوا إِلَى ٱلرَّبِّ هذا نتيجة المعجزة والمعنى أن كل الذين شاهدوا تلك المعجزة أو سمعوا نبأها آمنوا بأن يسوع هو المسيح وتجددت قلوبهم وذلك رجوع من الظلمة إلى النور ومن إنكار دعوى يسوع إلى التسليم بصحتها ومن الموت إلى الحياة (انظر ص ١١: ٢١ و٢كورنثوس ٣: ١٦).
٣٦ «وَكَانَ فِي يَافَا تِلْمِيذَةٌ ٱسْمُهَا طَابِيثَا، ٱلَّذِي تَرْجَمَتُهُ غَزَالَةُ. هٰذِهِ كَانَتْ مُمْتَلِئَةً أَعْمَالاً صَالِحَةً وَإِحْسَانَاتٍ كَانَتْ تَعْمَلُهَا».
١تيموثاوس ٢: ١٠ وتيطس ٣: ٨
يَافَا ميناء على بحر الروم جنوبي قيصرية على غاية ثلاثين ميلاً منها وخمسة وأربعين ميلاً غربي أورشليم وهي أعظم مواني اليهودية جلب إليها سليمان الأرز للهيكل (١ملوك ٥: ٩ و٢أيام ٢: ١٦) ومثله فعل عزرا يوم جدد الهيكل (عزرا ٣: ٧) ومن هناك نزل يونان في السفينة وهو هارب من وجه الرب (يونان ١: ٣). وذُكرت في العهد الجديد هنا وفي (ص ١٠: ٥ و٢٣ و١١: ٥).
طَابِيثَا اسم سرياني.
مُمْتَلِئَةً أَعْمَالاً صَالِحَةً أي مهتمة بالخير كثيراً ومشهورة بذلك ومكرمة لأجله (١تيموثاوس ٢: ١٠ وتيطس ٢: ٧). والدين المسيحي يوجب عمل الخير على النساء كما يوجبه على الرجال. ولا ريب في أن المسيحيات في أورشليم وغلاطية وغيرهما خدمن الله بفعل الخير في أوطانهنّ كما خدمت طابيثا في يافا.
٣٧ «وَحَدَثَ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ أَنَّهَا مَرِضَتْ وَمَاتَتْ، فَغَسَّلُوهَا وَوَضَعُوهَا فِي عُلِّيَّةٍ».
ص ١: ١٣
فَغَسَّلُوهَا جرياً على عادة اليهود واليونانيين والرومانيين إعداداً للدفن.
وَوَضَعُوهَا فِي عُلِّيَّةٍ لم يكن من داع لذكر هذا سوى أنه خلاف العادة وهي أن يدفنوا الميت عند موته وإنما خالفوا العادة لأنهم كانوا منتظرين مجي بطرس.
٣٨ «وَإِذْ كَانَتْ لُدَّةُ قَرِيبَةً مِنْ يَافَا، وَسَمِعَ ٱلتَّلاَمِيذُ أَنَّ بُطْرُسَ فِيهَا، أَرْسَلُوا رَجُلَيْنِ يَطْلُبَانِ إِلَيْهِ أَنْ لاَ يَتَوَانَى عَنْ أَنْ يَجْتَازَ إِلَيْهِمْ».
قَرِيبَةً مِنْ يَافَا لا تبعد عنها سوى تسعة أميال.
أَرْسَلُوا رَجُلَيْنِ لم تتضح لنا علة إرسالهم إياهما ولا دليل على أنهم توقعوا أن يحييها لأن الرسل لم يحيوا استفانوس نفسه ولا غيره. وغسلهم إياها دليل على قصدهم أن يدفنوها على أن توقع إحيائه ليس من المستحيلات لأنه لا بد من أن بلغهم نبأ شفائه إينياس والأرجح أنهم سألوه الإتيان لدفن طابيثا بالإكرام ولتعزية النائحين ولوعظ الشعب المحتفل بالجنازة.
لاَ يَتَوَانَى أي لا يبطئ لئلا يدفنوها قبل أن يجيء.
٣٩ «فَقَامَ بُطْرُسُ وَجَاءَ مَعَهُمَا. فَلَمَّا وَصَلَ صَعِدُوا بِهِ إِلَى ٱلْعُلِّيَّةِ، فَوَقَفَتْ لَدَيْهِ جَمِيعُ ٱلأَرَامِلِ يَبْكِينَ وَيُرِينَ أَقْمِصَةً وَثِيَاباً مِمَّا كَانَتْ تَعْمَلُ غَزَالَةُ وَهِيَ مَعَهُنَّ».
فَقَامَ أي شرع أو أخذ في أول الفعل (انظر شرح لوقا ١٥: ١٨).
جَمِيعُ ٱلأَرَامِلِ هنّ اللواتي كن ينلنَ إحسانها فأظهرن شكرهن لها بذكرهن حسناتها وبإقامة أدلة حسية على سخائها بعرض بعض ما منحتهنّ إياه ولعلهنّ كنّ لابسات تلك المنح وأشرنَ إليها.
أَقْمِصَةً وَثِيَاباً مما يُلبس من شعار وقباء أي مما يُلبس مباشراً للجسد وما يُلبس فوقه. فعلى كل من يحب أن يُذكر بعد موته بمحبة وشكر أن ينكر نفسه ويبذل جهده في نفع غيره نفساً وجسداً والدين المسيحي يأمرنا بالاعتناء بنفع أجساد الناس وأرواحهم. وأحسن ما يتركه الإنسان ذكراً له آثار أعماله الصالحة في قلوب الناس لا تمثاله في أعلى مشاهد المدينة ولا مدفنه النفيس من حجارة المرمر وما شاكل ذلك.
وَهِيَ مَعَهُنَّ أي وهي في الحياة.
٤٠ «فَأَخْرَجَ بُطْرُسُ ٱلْجَمِيعَ خَارِجاً، وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى، ثُمَّ ٱلْتَفَتَ إِلَى ٱلْجَسَدِ وَقَالَ: يَا طَابِيثَا، قُومِي! فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا. وَلَمَّا أَبْصَرَتْ بُطْرُسَ جَلَسَتْ».
متّى ٩: ٢٥ ص ٧: ٦٠ مرقس ٥: ٤١ و٤٢ ويوحنا ١١: ٤٣
فَأَخْرَجَ بُطْرُسُ ٱلْجَمِيعَ كما فعل يسوع (متّى ٩: ٢٩) ويحتمل أنه فعل ذلك لأمرين:
الأول: أن تكون له فرصة للصلاة بحرارة وذلك مما لا يمكنه والناس يزحمونه والنادبون يصرخون (٢ملوك ٤: ٣٣).
الثاني: اعتزال شهرة ما فعله وشبهة تظاهره بالإعجاب بنفسه.
وَصَلَّى يسأل قوة على إقامتها اعترافاً بأن تلك القوة من فوق لا من نفسه.
يَا طَابِيثَا، قُومِي مناداته إياها تدل على تيقنه أن الله استجاب صلاته.
٤١ «فَنَاوَلَهَا يَدَهُ وَأَقَامَهَا. ثُمَّ نَادَى ٱلْقِدِّيسِينَ وَٱلأَرَامِلَ وَأَحْضَرَهَا حَيَّةً».
ٱلْقِدِّيسِينَ (انظر شرح ع ١٣).
وَأَحْضَرَهَا حَيَّةً أي أراهم إياها في الحياة (١ملوك ١٧: ٢٣).
٤٢ «فَصَارَ ذٰلِكَ مَعْلُوماً فِي يَافَا كُلِّهَا، فَآمَنَ كَثِيرُونَ بِٱلرَّبِّ».
يوحنا ١١: ٤٥ و١٢: ١١
صَارَ ذٰلِكَ مَعْلُوماً كما يتوقع من مثل إقامة الموتى.
فَآمَنَ كَثِيرُونَ كما آمن كثيرون حين أقام يسوع لعازر (يوحنا ١١: ٤٥). وهذا أول وقت أقام أحد الرسل فيه ميتاً. وأتى بطرس هذه المعجزة إثباتاً لصحة دعوى المسيح وواسطة لامتداد ملكوته وذلك علاوة على نفع الفقراء بتجديد حياة موقوفة لخدمتهم.
بِٱلرَّبِّ أي يسوع المسيح الذي هو موضوع إيمانهم.
٤٣ «وَمَكَثَ أَيَّاماً كَثِيرَةً فِي يَافَا، عِنْدَ سِمْعَانَ رَجُلٍ دَبَّاغٍ».
ص ١٠: ٦ و٣٢
وَمَكَثَ أَيَّاماً كَثِيرَةً فِي يَافَا الأرجح أنه جعلها مركزاً للتبشير ولم نعلم مقدار الزمان المعبّر عنه بأيام كثيرة لكن نعلم أن معناه في ع ٢٣ ثلاث سنين.
رَجُلٍ دَبَّاغٍ حسب اليهود المتعصبون في الدين أن الدباغة صناعة نجسة لأن جلد الميت كجثته. ولعل بيته كان في المدينة والدباغة في الخارج.
السابق |
التالي |