إنجيل لوقا | 18 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح إنجيل لوقا
للدكتور . وليم إدي
الأصحاح الثامن عشر
مثل المرأة الملحة ع ١ إلى ٨
١ «وَقَالَ لَـهُمْ أَيْضاً مَثَلاً فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ».
ص ١١: ٥ و٢١: ٣٦ ورومية ١٢: ١٢ وأفسس ٦: ١٨ وكولوسي ٤: ٢ و١تسالونيكي ٥: ١٧
هذا المثل يشبه مثل وكيل الظلم (ص ١٦: ١ – ٨) في أن تعاليمه مبنية لإفادة الأخيار على أعمال الأشرار.
لَـهُمْ أي للتلاميذ.
فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى أي بياناً لوجوب الصلاة.
كُلَّ حِينٍ المراد بالصلاة «كل حين» أنه يجب على الإنسان أن لا يهمل الصلاة بل بواظب عليها دائماً وأن يكون مشتاقاً إلى بركة الله عليه وإلى معونته أبداً. وأن يصلّي كلما أراد الشروع في أمر ذي شأن. وأن يكون قلبه مستعداً أبداً لسؤال الله عند الحاجة. وأن يمارس الصلاة في الحزن والفرح. وفي زمن التجربة والشكوك والاضطهاد. لأنه محتاج كل حين إلى الله وبركاته الجسدية والروحية فينبغي أن يصلّى في كل حين (أفسس ٦: ١٨ و١تسالونيكي ٥: ١٧).
وَلاَ يُمَلَّ معنى هذا السلب كمعنى الإيحاب السابق فهو توكيد له أي أنه يجب على الإنسان أن لا يهمل الصلاة إذا لم يستجبه الله حالاً بل أن يواظب عليها.
٢ «كَانَ فِي مَدِينَةٍ قَاضٍ لاَ يَخَافُ ٱللّٰهَ وَلاَ يَهَابُ إِنْسَاناً».
فِي مَدِينَةٍ قَاضٍ كان من الواجب حسب شريعة موسى أن يُقام في المدن قضاة يجلسون في الأبواب ليقضوا بالعدل (تثنية ١٦: ١٨ وخروج ٢٦: ٦ و٩ ولاويين ١٩: ١٥). وكانت منزلة القاضي تمكنه من عمل الخير أو عمل الشر بحكمه عدلاً أو ظلماً.
لاَ يَخَافُ ٱللّٰهَ وَلاَ يَهَابُ إِنْسَاناً أي لا تؤثر فيه الأسباب التي تحمل الناس على الحكم بالعدل. فلو خاف الله لمنعه ضميره من الظلم وحثّه على إنصاف المظلوم من غيره ولو هاب الناس اعتزل ما يجلب عليه لومهم واجتهد في القيام بحقوق القضاء وربح مدحهم. ويغلب أن تقترن مهابة الناس ومراعاة حقوقهم بخوف الله فإذا انتفى أحدهما انتفى الثاني.
٣ «وَكَانَ فِي تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ أَرْمَلَةٌ. وَكَانَتْ تَأْتِي إِلَيْهِ قَائِلَةً: أَنْصِفْنِي مِنْ خَصْمِي».
أَرْمَلَةٌ كانت الأرملة عرضة للجور والظلم في كل زمان ومكان لطمع أهل العدوان فيها إذ يسهل خداعها ويقل من يحامي عنها. وأمر الله القضاة أن يعتنوا بالأرامل اعتناء خاصاً (إرميا ٢٢: ٣).
كَانَتْ تَأْتِي مراراً كثيرة.
أَنْصِفْنِي مِنْ خَصْمِي يتبين من سؤالها أنه اعتدى عليها من هو أقوى منها فسألت القاضي دفع ذلك الاعتداء عدلاً. وكان مما يجب على القاضي أن ينصفها بمقتضى وظيفته والشفقة على الأرملة المظلومة.
٤ «وَكَانَ لاَ يَشَاءُ إِلَى زَمَانٍ. وَلٰكِنْ بَعْدَ ذٰلِكَ قَالَ فِي نَفْسِهِ: وَإِنْ كُنْتُ لاَ أَخَافُ ٱللّٰهَ وَلاَ أَهَابُ إِنْسَاناً».
كَانَ لاَ يَشَاءُ إِلَى زَمَانٍ بقي مدة طويلة يسد أذنيه عن صراخها ويغلق قلبه عن الشفقة عليها وضميره لم يتنبه لإنصافها.
٥ «فَإِنِّي لأَجْلِ أَنَّ هٰذِهِ ٱلأَرْمَلَةَ تُزْعِجُنِي، أُنْصِفُهَا، لِئَلاَّ تَأْتِيَ دَائِماً فَتَقْمَعَنِي».
ص ١١: ٨
عزم أخيراً على أن يلتفت إلى الأرملة للجاجتها ودفع إقلاقها إياه وامتناعه بذلك عن لذاته.
٦ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ: ٱسْمَعُوا مَا يَقُولُ قَاضِي ٱلظُّلْمِ».
ٱسْمَعُوا أي انتبهوا لما يستنتجه المسيح من ذلك من سمع الله لصلاة المؤمنين. والأرجح أن القاضي لم يذكر ذلك لفظاً لكن الله عرف أفكاره وأعلنها حتى كأنه أوضحها هو بنفسه.
٧ «أَفَلاَ يُنْصِفُ ٱللّٰهُ مُخْتَارِيهِ، ٱلصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَاراً وَلَيْلاً، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟».
٢بطرس ٣: ٩ و١٥ ورؤيا ٦: ١٠
أَفَلاَ يُنْصِفُ ٱللّٰهُ حاشا لله أن يشبه ذلك القاضي في صفاته أو مبادئه. ولكن إذا كان قاضي الظلم قد سمع وانتقم لصاحبة الحق فكم بالأولى يفعل كذلك الله قاضي العدل. وإذا أصغى الإنسان القاسي المحب للذات فكم بالأحرى يصغي الله الرحيم الحنان. وإذا كانت لجاجة الأرملة قد أثرت في قاضي يكرهها أفلا تؤثر في الله صلاة مختاريه الذين يحبهم ووعدهم بالاستجابة. وخلاصة هذا الكلام أنه لو كان الله تعالى مثل قاضي الظلم لسمع الصلاة فكم بالأولى يسمعها وهو عادل رحيم مستعد أن يسمع ويستجيب.
مُخْتَارِيهِ هذا من ألقاب المحبة وهو يثبت عناية الله بشعبه لأنه يدل على أن الله اختاره من عالم الإثم منذ الأزل خاصة له (أفسس ١: ٤ وكولوسي ٣: ١٢ و١تسالونيكي ١: ٤ و١بطرس ١: ٢).
ٱلصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَاراً وَلَيْلاً هذا كلام جار مجرى المثل يشار به إلى المواظبة على الصراخ. ويمتاز مختاروا الله عن غيرهم بأنهم يرفعوا صلواتهم إليه على الدوام. فإذا كانت لجاجة المرأة الأرملة قد نجحت عند القاضي مع كل موانع النجاح فبالأولى أن تنجح لجاجة المؤمنين عند الله إذ عنده لذلك كل الاستعداد للسمع والاستجابة.
وصراخ المختارين إليه تعالى للنجاة من خصومهم كصراخ الأرملة للنجاة من خصمها لأنه قيل «وَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: حَتَّى مَتَى أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ ٱلْقُدُّوسُ وَٱلْحَقُّ، لاَ تَقْضِي وَتَنْتَقِمُ لِدِمَائِنَا» (رؤيا ٦: ١٠). على أن كون أولاد الله مختاروه هو معظم العلّة لسمعهم واستجابتهم لا لجاجتهم.
وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ أي يبطئ عن استجابتهم فيظهر لهم أنه لا يلتفت إلى صراخهم لطول المدة بين تقديمهم الصلاة واستجابة الله لها. نعم إنّ القاضي مطل المرأة الأرملة كرهاً وأبى إنصافها قصداً والله يظهر لشعبه أنه كذلك مع أن الأمر بخلافه لأن ما يظهر للإنسان وقتاً طويلاً هو ليس كذلك عند الله وإن تمهّل فذلك لأسباب حكمته ومحبته لا لكراهته طلباتنا.
٨ «أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعاً! وَلٰكِنْ مَتَى جَاءَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ، أَلَعَلَّهُ يَجِدُ ٱلإِيمَانَ عَلَى ٱلأَرْضِ؟».
عبرانيين ١٠: ٣٧ و٢بطرس ٣: ٨
أَقُولُ لَكُمْ لرفع كل شك ولتأكيد ما يأتي.
إِنَّهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعاً أي في أول ما يرى ذلك موافقاً فهو لا يُبقي المسيحي في بوطة البليّة أكثر مما يلزم لكي يمحصه. وعلى هذا جرى المسيح في تمهله على عائلة لعازر في بيت عنيا (يوحنا ١١: ٦) وفي تركه تلاميذه يتعذبون في البحر أكثر الليل ولم يأت لمساعدتهم إلا في الهزيع الرابع (متّى ١٤: ٢٤ و٢٥).
مَتَى جَاءَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ سبق الكلام على مجيء ابن الإنسان لدينونة الأشرار (ص ١٧: ٢٤ – ٣٧). وذُكر هنا لنجاة الأخيار أيضاً. وأكثر الإشارة إلى مجيئه الأخير لدينونة العالم ويصح حمله أيضاً على مجيء المسيح من وقت إلى وقت بروحه لينجي الأبرار ويعاقب الأثمة.
أَلَعَلَّهُ يَجِدُ ٱلإِيمَانَ عَلَى ٱلأَرْضِ الإيمان المشار إليه هو الإيمان بالله وبفاعلية الصلاة وهو الذي يجعل شعب الله يصلّون كل حين ولا يملّون. وفي هذا السؤال إشارة إلى أن المسيح لا يجد عند إتيانه إيماناً عند شعبه لما يصيبهم من النوازل. وفي قوله «ولكن» إشارة إلى أنه كان يجب على شعب الله أن لا يشكوا في فاعلية الصلاة نظراً إلى ما في هذا المثل من توكيد استجابته.
وخلاصة معنى هذا السؤال أن الخطر على المختارين هو ضعف إيمانه بفاعلية الصلاة لا عدم إنصاف الله إياهم.
مثل الفريسي والعشار ع ٩ إلى ١٤
٩ «وَقَالَ لِقَوْمٍ وَاثِقِينَ بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَبْرَارٌ، وَيَحْتَقِرُونَ ٱلآخَرِينَ هٰذَا ٱلْمَثَلَ».
ص ١٠: ٢٩ و١٦: ١٥
غاية هذا المثل تعليم وجوب التواضع في الصلاة وكانت غاية المثل السابق وجوب الإلحاح فيها والاستمرار عليها.
لِقَوْمٍ وَاثِقِينَ بِأَنْفُسِهِمْ رأى المسيح أن بعض الذين اجتمعوا حوله اتكلوا على برهم لخلاصهم لا على رحمة الله ولا على برّ المسيح وذلك يقود إلى الكبرياء الدينية. ولعلّ المسيح رأى في بعض تلاميذه الحقيقيين الميل إلى هذه الكبرياء فحذرهم بهذا المثل منها. ولو قصد توبيخ الفريسيين فقط لم يضرب لهم مثل إنسان منهم كان ما فعله لائقاً وممدوحاً حسب اعتقادهم وما كان ذلك مثلاً بل خبراً. والحق أن كل الناس مائلون إلى الاتكال على البرّ الذاتي فذلك المثل نافع للكل.
وَيَحْتَقِرُونَ ٱلآخَرِينَ أي الذين اعتبروهم أقل براً منهم فالثقة بالنفس تقود صاحبها إلى احتقار غيره.
١٠ «إِنْسَانَانِ صَعِدَا إِلَى ٱلْهَيْكَلِ لِيُصَلِّيَا، وَاحِدٌ فَرِّيسِيٌّ وَٱلآخَرُ عَشَّارٌ».
صَعِدَا إِلَى ٱلْهَيْكَلِ أي المكان المعتاد للصلاة وكان أعلى من المدينة. ومحل الصلاة فيه إحدى أدؤره وهي دار النساء (انظر الشرح متّى ٢١: ١٢).
وَاحِدٌ فَرِّيسِيٌّ كان الفريسيون غيورين في حفظ طقوس الدين والأعمال الأدبية في الظاهر معتزلين الخطايا القبيحة ولذلك اعتبروا أنفسهم أبراراً ولم يشعروا بآثام قلوبهم وذنوبهم أمام الله (انظر الشرح متّى ٣: ٢٧).
وَٱلآخَرُ عَشَّارٌ لم يكن للعشارين رجاء تبرير أنفسهم أمام الله بحفظ طقوس الديانة ولا بسيرتهم الظاهرة (انظر الشرح متّى ٥: ٤٦ و٩: ١٠).
١١ «أَمَّا ٱلْفَرِّيسِيُّ فَوَقَفَ يُصَلِّي فِي نَفْسِهِ هٰكَذَا: اَللّٰهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي ٱلنَّاسِ ٱلْخَاطِفِينَ ٱلظَّالِمِينَ ٱلزُّنَاةِ، وَلاَ مِثْلَ هٰذَا ٱلْعَشَّار».
مزمور ١٣٥: ٢ إشعياء ١: ١٥ و٥٨: ٢ ورؤيا ٣: ١٧
أَمَّا ٱلْفَرِّيسِيُّ فَوَقَفَ الوقوف الذي اعتاده اليهود في الصلاة (١ ملوك ٨ : ٢٢ و٢ أيام ٦: ١٢ ومتّى ٦: ٥ ومرقس ١١: ٢٥). وكانوا حين يريدون إظهار غاية التواضع أو الإلحاح يجثون أو يركعون (٢أيام ٦: ١٣ ودانيال ٦: ١٠ وأعمال ٩: ٤٠ و٢٠: ٣٦ و٢١: ٥).
يُصَلِّي بالنظر إلى اعتقاده أن ما أتاه صلاة لا بالنظر إلى ما رآه الله.
أَنَا أَشْكُرُكَ هذا الكلام بداءة حسنة للصلاة لو كانت مقترنة بتواضع وعدم تعيير للغير لكنه أخطأ بأن جعل شكره وسيلة لافتخاره بفضائله.
أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي ٱلنَّاسِ قسم أهل العالم إلى قسمين هو القسم الأول وسائر الناس القسم الثاني ولم ير في نفسه إلا الصلاح ولم ير في غيره سوى الشر وكان موضوع شكره لله برّ نفسه.
ِٱلْخَاطِفِينَ ٱلظَّالِمِينَ ٱلزُّنَاة قسم الناس غيره أقساماً بالنظر إلى صنوف آثامهم. فأمكنه أن يرى خطايا الغير ويعلنها ولكنه لم ير واحدة من آثامه. فلو قاس نفسه بشريعة الله المقدسة بدلاً من أن يقيسها بالأشرار لصلّى أحسن من ذلك. ولو نظر إلى الأشرار بالحنو بدلاً من الهزء لحسنت صلاته.
وَلاَ مِثْلَ هٰذَا ٱلْعَشَّارِ رأى الفريسي ذلك العشار داخلاً إلى الهيكل فحسبه كأنه مثال الخطاة الذين ذكرهم وشر منهم. وكان قد عدد فضائله في ما مضى سلباً وذكرها هنا إيجاباً.
١٢ «أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي ٱلأُسْبُوعِ، وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ».
أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي ٱلأُسْبُوعِ افتكر أنه عمل أعمالاً نافلة لأن موسى لم يأمر اليهود إلا بصوم واحد في السنة وهو يوم الكفارة (لاويين ١٦: ٢٩ وعدد ٢٩: ٧) لكنه صام كبقية الفريسيين اليوم الثاني والخامس من كل أسبوع أي الأثنين والخميس (انظر الشرح متّى ٦: ١٦).
وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ مطاليب الشريعة هي عشر أثمار الحقل والبهائم (عدد ١٨: ٢١ ولاويين ٢٧: ٣٠) وإنما هو قدّم كل عُشر مقتنياته حتى النعنع والشبّث والكمون (متّى ٢٣: ٢٣). وبذلك جعل الله مديوناً له واعتبروا الصوم وإعطاء العشور أعظم من أثقل الناموس.
ونقائص صلاة الفريسي ثلاث:
- إنه ليس في صلاته اعتراف بالخطيئة فإنه اكتفى بذكر فضائله وأعماله النافلة واتكل عليها للخلاص.
- إنه لم يشعر فيها باحتياجه إلى الله ولم يطلب شيئاً منه.
- إنه ليس فيها شيء من التواضع فإنه جعل بره الذاتي موضوع الكبرياء والافتخار.
١٣ «وَأَمَّا ٱلْعَشَّارُ فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ، لاَ يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ، بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلاً: ٱللّٰهُمَّ ٱرْحَمْنِي أَنَا ٱلْخَاطِئ».
فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ أي كان بعيداً عن الفريسي وعن بقية الساجدين في الهيكل وعن المقدس. وكان ذلك دليلاً على تواضعه وشعوره بخطاياه.
لاَ يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ كان إطراقه دليلاً على خجله وشعوره بدناءته أمام الله حتى اعتقد أنه لا يستحق أن يرفع عينيه إلى مسكن قدسه تعالى. وهذا وفق قول عزرا «ٱللّٰهُمَّ إِنِّي أَخْجَلُ وَأَخْزَى مِنْ أَنْ أَرْفَعَ يَا إِلٰهِي وَجْهِي نَحْوَكَ، لأَنَّ ذُنُوبَنَا قَدْ كَثُرَتْ فَوْقَ رُؤُوسِنَا، وَآثَامَنَا تَعَاظَمَتْ إِلَى ٱلسَّمَاءِ» (عزرا ٩: ٦).
قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ كان ذلك علامة خارجية لفرط حزنه (ص ٢٣: ٤٨) وشكواه على نفسه.
ٱرْحَمْنِي أَنَا ٱلْخَاطِئَ عبّر عن نفسه كأنه لا خاطئ على الأرض سواه. والفريسي عبّر عن نفسه كأنه لا صالح على الأرض سواه. وكلماته هنا تشير إلى شعوره بخطيئته وتوبته الحقيقية وانسحاق قلبه وعدم استحقاقه واحتياجه إلى المغفرة وشوقه إلى نوالها وإيمانه برحمة الله.
وتظهر جودة صلاة العشار من خمسة أمور:
- إن ما أتى به دعاء لاخطاب مجرد.
- إنه سأل الله حاجاته الشخصية فلم يلتفت إلى خطايا غيره بل قصر النظر على خطايا نفسه.
- إن صلاته اقترنت بالتواضع وبالاعتراف بإثمه.
- إنه اتكل على رحمة الله.
- إن صلاته كانت من قلبه لا من شفتيه فقط.
١٤ «أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ هٰذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّراً دُونَ ذَاكَ، لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِع».
أيوب ٢٢: ٢٩ ومتّى ٢٣: ١٢ وص ١٤: ١١ ويعقوب ٤: ٦ و١بطرس ٥: ٥ و٦
أَقُولُ لَكُمْ قال ذلك توكيداً لصحة ما يقوله وإن ظن السامعون خلاف ذلك.
هٰذَا أي العشار الذي دان نفسه.
مُبَرَّراً بقضاء الله. أي أن الله رضيه وأجاب صلاته. فسأله تعالى أن يرحمه فغفر له ولذلك صار باراً في عينيه. والمثل لم يذكر سبب هذا التبرير لكننا نعلم أن علّة تبرير الخاطئ التائب المؤمن دم المسيح وشفاعته.
ولعلّ المعنى هنا أن العشار نال من الله راحة الضمير والفرح الناتج من الشعور بالغفران من الله.
دُونَ ذَاكَ أي الفريسي الذي برر نفسه. والمعنى أنه لم يتبرر شيئاً فخطاياه بقيت عليه لأنه لم يشعر بثقلها ولم يطلب مغفرتها فنزل من الهيكل وقلبه قاس كما كان وهو داخل إليه ولم يرضه الله ولم يقبل صلاته.
لأَنَّ كُلَّ مَنْ الخ سبق الكلام على ذلك في الشرح (متّى ٢٣: ١٢ وص ١٤: ١١). رفع الفريسي نفسه لكن قضاء الله وضعه. ووضع العشار نفسه فرفعته رحمة الله.
قبول المسيح للأطفال ومباركته إياهم ع ١٥ إلى ١٧
١٥، ١٦ «١٥ فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ ٱلأَطْفَالَ أَيْضاً لِيَلْمِسَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمُ ٱلتَّلاَمِيذُ ٱنْتَهَرُوهُمْ. ١٦ أَمَّا يَسُوعُ فَدَعَاهُمْ وَقَالَ: دَعُوا ٱلأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هٰؤُلاَءِ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ».
متّى ١٩: ١٣ ومرقس ١٠: ١٣، ١كورنثوس ١٤: ٢٠ و١بطرس ٢: ٢
انظر الشرح (متّى ١٩: ١٣ – ١٥ ومرقس ١٠: ١٣ – ١٦).
ٱلأَطْفَالَ ذكر متّى ومرقس أن الذين قدّموا أولاد صغار ولا ريب في أنه كان بينهم أطفال أطلقهم لوقا على الجميع فلا مناقضة.
١٧ «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لاَ يَقْبَلُ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَـهُ».
مرقس ١٠: ١٥
انظر الشرح متّى ١٨: ٣.
الرئيس الغني ع ١٨ إلى ٣٠
١٨ – ٢٧ «١٨ وَسَأَلَـهُ رَئِيسٌ: أَيُّهَا ٱلْمُعَلِّمُ ٱلصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ ٱلْحَيَاةَ ٱلأَبَدِيَّةَ؟» ١٩ فَقَالَ لَـهُ يَسُوعُ: لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحاً؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ ٱللّٰهُ. ٢٠ أَنْتَ تَعْرِفُ ٱلْوَصَايَا: لاَ تَزْنِ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِٱلزُّورِ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ. ٢١ فَقَالَ: هٰذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي. ٢٢ فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ ذٰلِكَ قَالَ لَـهُ: يُعْوِزُكَ أَيْضاً شَيْءٌ. بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَوَزِّعْ عَلَى ٱلْفُقَرَاءِ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَتَعَالَ ٱتْبَعْنِي. ٢٣ فَلَمَّا سَمِعَ ذٰلِكَ حَزِنَ، لأَنَّهُ كَانَ غَنِيّاً جِدّاً. ٢٤ فَلَمَّا رَآهُ يَسُوعُ قَدْ حَزِنَ، قَالَ: مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي ٱلأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ! ٢٥ لأَنَّ دُخُولَ جَمَلٍ مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ!. ٢٦ فَقَالَ ٱلَّذِينَ سَمِعُوا: فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ؟ ٢٧ فَقَالَ: غَيْرُ ٱلْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ ٱلنَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ ٱللّٰهِ».
متّى ١٩: ١٦ ومرقس ١٠: ١٧، خروج ٢٠: ١٢ إلى ١٦ وتثنية ٥: ١٦ إلى ٢٠ ورومية ١٣: ٩، أفسس ٦: ٢ وكولوسي ٣: ٢٠، متّى ٦: ١٩ و٢٠ و١٩: ٢١ و١تيموثاوس ٦: ١٩، أمثال ١١: ٢٨ ومتّى ١٩: ٢٣ ومرقس ٢٠: ٢٣ إرميا ٣٢: ١٧ وزكريا ٨: ٦ ومتّى ١٩: ٢٦ وص ١: ٣٧
انظر الشرح متّى ١٩: ١٦ – ٢٦ ومرقس ١٠: ١٧ – ٢٧.
رَئِيسٌ (ع ١٨) الأرجح أنه كان رئيس مجمع اليهود وهذا ما زاده لوقا على رواية متّى ومرقس فإنهما رويا أنه كان شاباً أتى جارياً إلى يسوع وأن يسوع أحبه وهذا لم يذكره لوقا.
٢٨ – ٣٠ «٢٨ فَقَالَ بُطْرُسُ: هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ. ٢٩ فَقَالَ لَـهُمُ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ بَيْتاً أَوْ وَالِدَيْنِ أَوْ إِخْوَةً أَوِ ٱمْرَأَةً أَوْ أَوْلاَداً مِنْ أَجْلِ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ، ٣٠ إِلاَّ وَيَأْخُذُ فِي هٰذَا ٱلزَّمَانِ أَضْعَافاً كَثِيرَةً، وَفِي ٱلدَّهْرِ ٱلآتِي ٱلْحَيَاةَ ٱلأَبَدِيَّةَ».
متّى ١٩: ٢٧، تثنية ٣٣: ٩، أيوب ٤٢: ١٠
انظر شرح متّى ١٩: ٢٧ – ٢٩ ومرقس ١٠: ٣٢ – ٣٤.
إنباء يسوع بموته وقيامته ع ٣١ إلى ٣٤
٣١ – ٣٤ «٣١ وَأَخَذَ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ وَقَالَ لَـهُمْ: هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَسَيَتِمُّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ بِٱلأَنْبِيَاءِ عَنِ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ، ٣٢ لأَنَّهُ يُسَلَّمُ إِلَى ٱلأُمَمِ، وَيُسْتَهْزَأُ بِهِ، وَيُشْتَمُ وَيُتْفَلُ عَلَيْهِ، ٣٣ وَيَجْلِدُونَهُ، وَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومُ. ٣٤ وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا مِنْ ذٰلِكَ شَيْئاً، وَكَانَ هٰذَا ٱلأَمْرُ مُخْفىً عَنْهُمْ، وَلَمْ يَعْلَمُوا مَا قِيلَ».
متّى ١٦: ٢١ و١٧: ٢٢ و٢٠: ١٧ و١٨ ومرقس ١٠: ٣٢، مزمور ٢٢ وإشعياء ٥٣، متّى ٢٧: ٢ وص ٢٣: ١ ويوحنا ١٨: ٢٨ وأعمال ٣: ١٣، مرقس ١٩: ٣٢ وص ٢: ٥٠ و٩: ٤٥ ويوحنا ١٠: ٦ و١٢: ١٦
انظر الشرح متّى ٢٠: ١٧ – ١٩ ومرقس ١٠: ٣٢ – ٣٤.
هذا إنباء يسوع ثالثة بهذا الشأن.
كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ بِٱلأَنْبِيَاءِ لم يذكر هذه العبارة إلا لوقا. ومن هؤلاء الأنبياء داود (مزمور ١٦: ١٠ و٢٢: ٧ و٨ و١٦: ١٨ و٤٩: ١٥). وإشعياء (إشعياء ٥٣: ١ – ٩) ودانيال (دانيال ٩: ٢٦).
فَلَمْ يَفْهَمُوا (ع ٣٤) هذا لم يذكره إلا لوقا. والمعنى أنهم لم يدركوا قصد المسيح من تلك الكلمات. والذي منعهم من ذلك ما سبق من آرائهم اليهودية في شأن المسيح.
وَكَانَ هٰذَا ٱلأَمْرُ مُخْفىً عَنْهُمْ لا بقصد الله أو فعله بل بآرائهم الفاسدة الدنيوية في حقيقة ملكوت المسيح وبغلاظة عقولهم. على أنه يصعب في الغالب فهم معنى النبوءة قبل تمامها.
إبراء أعمى في أريحا ع ٣٥ إلى ٤٣
٣٥ – ٤٣ «٥٣ وَلَمَّا ٱقْتَرَبَ مِنْ أَرِيحَا كَانَ أَعْمَى جَالِساً عَلَى ٱلطَّرِيقِ يَسْتَعْطِي. ٣٦ فَلَمَّا سَمِعَ ٱلْجَمْعَ مُجْتَازاً سَأَلَ: مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هٰذَا؟ ٣٧ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيَّ مُجْتَازٌ. ٣٨ فَصَرَخَ: يَا يَسُوعُ ٱبْنَ دَاوُدَ ٱرْحَمْنِي!. ٣٩ فَٱنْتَهَرَهُ ٱلْمُتَقَدِّمُونَ لِيَسْكُتَ، أَمَّا هُوَ فَصَرَخَ أَكْثَرَ كَثِيراً: يَا ٱبْنَ دَاوُدَ ٱرْحَمْنِي. ٤٠ فَوَقَفَ يَسُوعُ وَأَمَرَ أَنْ يُقَدَّمَ إِلَيْهِ. وَلَمَّا ٱقْتَرَبَ سَأَلَـهُ: مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟ ٤١ فَقَالَ: يَا سَيِّدُ، أَنْ أُبْصِرَ. ٤٢ فَقَالَ لَـهُ يَسُوعُ: أَبْصِرْ. إِيمَانُكَ قَدْ شَفَاكَ. ٤٣ وَفِي ٱلْحَالِ أَبْصَرَ، وَتَبِعَهُ وَهُوَ يُمَجِّدُ ٱللّٰهَ. وَجَمِيعُ ٱلشَّعْبِ إِذْ رَأَوْا سَبَّحُوا ٱللّٰه».
متّى ٢٠: ٢٩ الخ ومرقس ١٠: ٤٦ ص ١٧: ١٩، ص ٥: ٢٦ وأعمال ٤: ٢١ و١١: ١٨
انظر الشرح متّى ٢٠: ٢٩ – ٣٤ ومرقس ١٠: ٤٦ – ٥٢.
وَلَمَّا ٱقْتَرَبَ مِنْ أَرِيحَا (ع ٣٥) يدل الأصل اليوناني على أنه كان قرب أريحا بقطع النظر عن كونه مقبلاً إليها أو ذاهباً عنها. وقيّد متّى ذلك بقوله «وَفِيمَا هُمْ خَارِجُونَ مِنْ أَرِيحَا» (متّى ٢٠: ٢٩) فالأرجح أن تلك الحادثة كانت في صباح يوم الجمعة بعد أن تقضّت على يسوع الليلة في بيت زكا هنالك. وأما أريحا فمر الكلام عليها في شرح بشارة متّى (متّى ١٠: ١٩). وكانت على الطريق من بيرية إلى أورشليم.
أَعْمَى ذكر مرقس أن اسم هذا الأعمى بارتيماوس وذكر متّى أنه كان له رفيق.
وَجَمِيعُ ٱلشَّعْبِ إِذْ رَأَوْا سَبَّحُوا ٱللّٰهَ (ع ٤٣) لم يذكر تأثير هذه المعجزة في أهل أريحا سوى لوقا.
السابق |
التالي |