إنجيل لوقا

إنجيل لوقا | 17 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح إنجيل لوقا

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح السابع عشر

تحذيرات المسيح لتلاميذه ع ١ إلى ١٠

١ «وَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: لاَ يُمْكِنُ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَ ٱلْعَثَرَاتُ، وَلٰكِنْ وَيْلٌ لِلَّذِي تَأْتِي بِوَاسِطَتِهِ!».

متّى ١٨: ٦ و٧ ومرقس ٩: ٤٢ و١كورنثوس ١١: ١٩

لِتَلاَمِيذِهِ أي كل تابعيه الحاضرين وكان بعضهم رسلاً (ع ٥) وما سبق من الكلام على الغني ولعازر كان للفريسيين (ص ١٦: ١٤ و١٥).

لاَ يُمْكِنُ علّة ذلك وجود الناس في عالم شرير وكونهم ضعفاء مائلين إلى السقوط ولكن في السماء لا عثرة إذ ليس هنالك من خطية.

ٱلْعَثَرَاتُ أي كل ما هو سبب لسقوط الناس في الإثم ولجعلهم يشكون في صدق ديانة المسيح أن ينكرونها. ومن تلك العثرات الهزء والتمليق والاضطهاد والقدوة الردية ومقاومة الفريسيين للمسيح واتهامهم إياه كذباً. فمثل هذه العثرات منع الناس من الإيمان بالمسيح وجعل تلاميذه في خطر السقوط. ومنها محبة التلاميذ للعالم وعدم مغفرة بعضهم لبعض.

وَيْلٌ لِلَّذِي تَأْتِي بِوَاسِطَتِهِ انظر الشرح متّى ١٨: ٧.

هذا الويل لكل من يجعلون أحد تلاميذ المسيح يسقط في الخطيئة من أعظم مضطهد مثل نيرون إلى التلميذ الدنيوي الذي يضل إخوته بسوء سيرته.

٢ «خَيْرٌ لَـهُ لَوْ طُوِّقَ عُنُقُهُ بِحَجَرِ رَحىً وَطُرِحَ فِي ٱلْبَحْرِ، مِنْ أَنْ يُعْثِرَ أَحَدَ هٰؤُلاَءِ ٱلصِّغَارِ».

هذا الكلام جارٍ مجرى المثل وقد مرّ معناه في شرح بشارة متّى (متّى ١٨: ٦).

٣، ٤ «٣ اِحْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ. وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَوَبِّخْهُ، وَإِنْ تَابَ فَٱغْفِرْ لَـهُ. ٤ وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي ٱلْيَوْمِ وَرَجَعَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي ٱلْيَوْمِ قَائِلاً: أَنَا تَائِبٌ فَٱغْفِرْ لَـهُ».

لاويين ١٩: ١٧ و١٨ وأمثال ١٧: ١٠ ومتّى ١٨: ١٥ و٢١ ويعقوب ٥: ١٩ و٢٠

اِحْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ أما من أن تجعلوا إخوتكم يسقطون في الخطيئة لحقدكم وعدم العفو عنهم. (وذكر المسيح هذه العثرة لأن السقوط بها أسهل منه بغيرها ونتيجتها أردأ لمسببها). وأما من أن يسقطوا بالعثرات التي يسببها إخوتكم لا أعداؤكم فقط ومن أن تُغلبوا بها إذ لم تغفروا لهم في الحال. انظر الكلام على ذلك في الشرح (متّى ١٨: ١٥ و٢١ و٢٢).

سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي ٱلْيَوْمِ (ع ٤) كناية عن مرارٍ غير معينة (مزمور ١٢: ٦ ومتّى ١٢: ٤٥ ولوقا ١١: ٢٦) والمعنى مثل معنى قوله «سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ» (متّى ١٨: ٢٢) لأنه لم يقل سبع مرات فقط بل سبع مرات في اليوم.

٥ «فَقَالَ ٱلرُّسُلُ لِلرَّبِّ: زِدْ إِيمَانَنَا».

شعر الرسل باحتياجهم إلى زيادة الإيمان لكي يقدروا على حفظ كل أوامر المسيح ولا سيما وصيته بأن يغفروا لإخوتهم وأن يقووا على العثرات وكان عليهم أن يطلبوا دائماً زيادة الإيمان لكن طلبهم إياها حينئذ أظهر عدم ثقتهم الواجبة بأن الله يعطيهم قوة على القيام بما عليهم لأن إجابة المسيح لطلبهم تتضمن شيئاً من التوبيخ لهم على ذلك الطلب.

٦ «فَقَالَ ٱلرَّبُّ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ، لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهٰذِهِ ٱلْجُمَّيْزَةِ ٱنْقَلِعِي وَٱنْغَرِسِي فِي ٱلْبَحْرِ فَتُطِيعُكُمْ».

متّى ١٧: ٢٠ و٢١: ٢١ ومرقس ٩: ٢٣ و١١: ٢٣

انظر شرح بشارة متّى ١٧: ٢٠ و٢١: ٢١.

صرّح المسيح هنا بقوة الإيمان فقال أن الإيمان بالله يقدر الرسل على عمل عجائب عظيمة في عالم المادة ويقدر كل تلاميذه على غلبة المصاعب في العالم الروحي التي تظهر للإنسان الطبيعي أن دفعها يمتنع امتناع نقل الشجرة من الأرض إلى قلب البحر بكلمة. وللإيمان هذه القوة العجبية لأنه يحرك قوة الله غير المحدودة.

في جواب المسيح إيماء إلى أنه كان على التلاميذ أن يؤمنوا بمحبة الله وبأنه يهب لهم نعمة كافية لكي يقوموا بما هو عليهم من الواجبات.

٧، ٨ «٧ وَمَنْ مِنْكُمْ لَـهُ عَبْدٌ يَحْرُثُ أَوْ يَرْعَى، يَقُولُ لَـهُ إِذَا دَخَلَ مِنَ ٱلْحَقْلِ: تَقَدَّمْ سَرِيعاً وَٱتَّكِئْ. ٨ بَلْ أَلاَ يَقُولُ لَـهُ: أَعْدِدْ مَا أَتَعَشَّى بِهِ، وَتَمَنْطَقْ وَٱخْدِمْنِي حَتَّى آكُلَ وَأَشْرَبَ، وَبَعْدَ ذٰلِكَ تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ أَنْتَ».

ص ١٢: ٣٧

وَمَنْ مِنْكُمْ خاطبهم كأنهم مثل سائر الناس في معاملة بعضهم لبعض. وغايته من قوله هنا أن الأعمال الصالحة لا تستحق الأجر في ذاتها فذكرهم أنهم ليسوا سوى خدم وأن كل قوى أجسادهم وعقولهم ونفوسهم لسيدهم الله وأنه يجب عليهم أن يخدموه تعالى بسرور وتواضع وصبر كلما طلب خدمتهم. فشبّه خدمته لله بخدمة العبيد لساداتهم الأرضيين ليظهر لهم أن لا حق لهم أن يتوقعوا من الله أن يعاملهم معاملة أحسن من معامتلهم لعبيدهم.

عَبْدٌ أي رقيق مشترى بالمال لا حق له أن ينتظر أجرة غير أكله وكسوته.

يَحْرُثُ أَوْ يَرْعَى ذكر المسيح هذين العملين لأنهما من أنواع الأعمال التي كان السادة يكلفون العبيد إياها.

يَقُولُ… تَقَدَّمْ سَرِيعاً وَٱتَّكِئْ أي لا يقول له ذلك لأنه يتضمن الراحة واللذة قبل الفراغ من شغل النهار.

أَعْدِدْ يظهر من ذلك أنه بقي عل العبد أن يعمل أعمال البيت بعد الفراغ من أعمال الحقل فلم يكن له أن يتوقع الطعام والراحة قبل إتمامه ما يجب عليه إلى نهاية النهار وأن ليس له أن ينتظر بعد ذلك سوى الأكل والاستراحة.

تَمَنْطَقْ هذا ما يضطر إليه ذو الثياب الطويلة الواسعة عند الشروع في العمل. والمقصود من ذلك تعليم التلاميذ ثلاثة أمور:

  1. إنه يجب عليهم أن يخدموا سيدهم السماوي بالمسرّة والصبر إلى نهاية الحياة هنا.
  2. إنه لا حق لهم أن يتوقعوا الراحة واللذة بعد العمل القصير لكن لهم ذلك في السماء بعد إكمال العمل الشاق الطويل.
  3. وجوب أن يتكلوا على سيدهم السماوي في أن يثيبهم على أتعابهم كما يشاء.

٩ «فَهَلْ لِذٰلِكَ ٱلْعَبْدِ فَضْلٌ لأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ؟ لاَ أَظُنُّ».

هذا يدل على أن السادة لم يعتادوا أن يشكروا عبيدهم على أحكام الأعمال العادية ولم يكن للعبيد أن يتوقعوا الشكر على ذلك. ونتيجة ذلك أنه ليس لعبيد الله أن ينتظروا مدحه تعالى وشكره لهم على إتمامهم ما يجب عليهم. فخلاصة التعليم في الآية السابعة والآية الثامنة أنه يجب على عبيد الله الآب الاجتهاد في العمل والمواظبة عليه. وفي الآية التاسعة والآية العاشرة وجوب التواضع والقناعة في طلب الثواب على العمل.

١٠ «كَذٰلِكَ أَنْتُمْ أَيْضاً، مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا: إِنَّنَا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ. لأَنَّنَا إِنَّمَا عَمِلْنَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا».

أيوب ٢٢: ٣ و٣٥: ٧ ومزمور ١٦: ٢ ومتّى ٢٥: ٣٠ ورومية ٣: ١٣ و٦: ٢٣ و١١: ٣٥ و١كورنثوس ٩: ١٦ و١٧ وفليمون ١١

لنا من هذه الآية أن إثابة كل المؤمنين في السماء من النعمة لا من الاستحقاق. وهذا وفق قول الرسول «وَأَمَّا هِبَةُ ٱللّٰهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا» (رومية ٦: ٢٣). ويعلمنا أن ليس لأفضل الناس أن يتوقع أجرة على بره وأعماله الصالحة وأنه لا يمكن للصالحين أن يأتوا أعمالاً نافلة يجبر بها نقص غيرهم.

عَبِيدٌ بَطَّالُونَ أي أناس لا يفعلون فوق ما يجب عليهم. والمسيحيون «عبيد بطالون» لخمسة أسباب:

  1. إن الله لا يحتاج إليهم ولا يربح شيئاً من أعمالهم.
  2. إنه هو يهب لهم كل الحاجات الجسدية وهذا اكثر مما يستحقونه على خدمتهم إياه فليس تعالى بمديون لهم.
  3. إنه يعطيهم نعمة يقدرون بها على القيام بما يجب عليهم له وبطاعتهم لله يردون له ما له (أيوب ٢٢: ٢ و٣ ورومية ١١: ٣٥ و١كورنثوس ٤: ٧).
  4. إنهم لا يستطيعون عمل ما هو فوق الواجبات عليهم مهما اجتهدوا فلا فضل لهم عند الله لأن خدمتهم لله دين حق عليهم.
  5. إن كل الناس قصروا عن إكمال الواجب «إِذِ ٱلْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ ٱللّٰهِ» (رومية ٣: ٢٣).

وهذا العدد يعلّمنا التواضع والاتكال على مجرد استحقاق المسيح لنوال الخلاص وعظمة محبة الله ورحمته فإنه مع أنا عبيد بطالون يتنازل لمخاطبة كل منا قائلاً «نِعِمَّا أَيُّهَا ٱلْعَبْدُ ٱلصَّالِحُ وَٱلأَمِينُ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ» (متّى ٢٥: ٢١ و٢٣) ويعاملنا في السماء معاملة الأب لأولاده ويجعلنا ورثة المجد السماوي ويعدنا بعروش وأكاليل وكنوز لا تفنى وسرور لا يتناهى. فخير لنا أن نسمي أنفسنا الآن «عبيداً بطالين» بالتواضع والاتكال على برّ المسيح ويقول لنا المسيح أخيراً «يا مباركي أبي» من أن نسمي أنفسنا اليوم بالكبرياء والاتكال على البرّ الذاتي أفاضل الأبرار فيقول المسيح في اليوم الأخير فينا «العبد البطال اطرحوه إلى الظلمة الخارجية هناك يكون البكاء وصرير الاسنان».

وهذه نهاية مواعظ المسيح التي بداءتها الأصحاح الخامس عشر.

شفاء عشرة برص ع ١١ إلى ١٩

١١ «وَفِي ذَهَابِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ ٱجْتَازَ فِي وَسَطِ ٱلسَّامِرَةِ وَٱلْجَلِيلِ».

متّى ١٩: ١ وص ٩: ٥١ و٥٢ ويوحنا ٤: ٤

فِي ذَهَابِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لم يحقق الزمان الذي صنع فيه يسوع هذه المعجزة لكن نعلم أنه كان في أثناء ذهابه الأخير إلى أورشليم الذي ذكرت بدائته في ص ٩: ٥١ ومتّى ١٩: ١ ومرقس ١٠: ١. والأرجح أنها صُنعت في أول ذلك الذهاب بعدما منعه السامريون من الدخول إلى مدينتهم (ص ٩: ٥٢ – ٥٦).

فِي وَسَطِ ٱلسَّامِرَةِ وَٱلْجَلِيلِ أي الأرض التي بين هذين البلدين. ولعله سار على التخم من الغرب إلى الشمال ثم اجتاز الأردن بعد صنع المعجزة ودخل بيرية.

١٢ «وَفِيمَا هُوَ دَاخِلٌ إِلَى قَرْيَةٍ ٱسْتَقْبَلَـهُ عَشَرَةُ رِجَالٍ بُرْصٍ، فَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ».

لاويين ١٣: ٤٦ وعدد ٥: ٢

وَفِيمَا هُوَ دَاخِلٌ إِلَى قَرْيَةٍ الأرجح أن هذه الحادثة كانت خارج باب السور حيث اعتاد المتسولون أن يجتمعوا ليطلبوا الصدقة.

عَشَرَةُ رِجَالٍ بُرْصٍ مرّ الكلام على مرض البرص في الشرح متّى ٨: ٢. كانت إصابة هؤلاء العشرة بمرض واحد علّة ائتلافهم مع اختلافهم في الجنس والآراء.

فَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ وفقاً لشريعة موسى لأن مرضهم كان نجساً (لاويين ١٣: ٤٦ وعدد ٥: ٢ و٢ملوك ١٥: ٥).

١٣ «وَصَرَخُوا: يَا يَسُوعُ يَا مُعَلِّمُ، ٱرْحَمْنَا».

وَصَرَخُوا ليلتفت يسوع إليهم لأنهم لم يجسروا أن يدنوا منه. وصرخوا كلهم بصوت واحد لأن العلّة مشتركة. ودلوا بذلك على شقاء حالهم وطلبهم المعونة والإيمان بقوة المسيح وشفقته.

يَا يَسُوعُ عرف هؤلاء المسيح والقوات التي صنعها مع أنهم اعتزلوا الناس لمرضهم وهم من أهل قرية حقيرة لا يقصدها الناس إلا قليلاً. فهؤلاء الذين اتفقوا على أن نادوا المسيح في ضيقهم نسوا إلا واحداً منهم أن يشكروه في فرحهم.

١٤ «فَنَظَرَ وَقَالَ لَـهُمُ: ٱذْهَبُوا وَأَرُوا أَنْفُسَكُمْ لِلْكَهَنَةِ. وَفِيمَا هُمْ مُنْطَلِقُونَ طَهَرُوا».

لاويين ١٣: ٢ و١٤: ٢ الخ ومتّى ٨: ٤ وص ٥: ١٤

فَنَظَرَ هذا وفق ما ظهر للحاضرين أنه نتيجة صراخهم والحق أن المسيح عرفهم قبلاً والأرجح قصد إبراءهم بمجيئه إلى تلك القرية.

أَرُوا أَنْفُسَكُمْ لِلْكَهَنَةِ راجع الشرح متّى ٨: ٤. أمر يسوع في الحادثة التي ذكرها متّى الإنسان أن يُري نفسه للكاهن بعد الشفاء وهنا أمر البرص بمثل ذلك قبله. فإن الأبرص كان مضطراً حسب شريعة موسى أن يُري نفسه للكاهن عندما يُشفى ويقدّم تقدمة معينة ويأخذ الشهادة منه بأنه قد طهر (لاويين ص ١٤). وأظهر يسوع بذلك الأمر اعتباره للشريعة الموسوية الطقسية التي كانت على وشك الزوال وامتحن إيمانهم بطاعتهم لأمره أن يفعلوا كأنهم طهروا (أي أن يذهبوا إلى الكهنة) متكلين عليه أن يشفيهم وهم سائرون مع أنه لم يلمسهم ولم يروا أدنى تغير في مرضهم. كذلك يجب على كل المسيحيين أن يشرعوا في كل واجبات الديانة متكلين على الله أن يعطيهم القوة والنعمة الضروريتين للقيام بذلك.

وَفِيمَا هُمْ مُنْطَلِقُونَ لم يقولوا «أي نفع من أن نذهب قبل الشفاء اشفنا أولاً فننطلق» لكنهم أظهروا إيمانهم بذهابهم في الحال ولإيمانهم شفاهم يسوع. والأرجح أن ذلك حدث عندما ذهبوا فصلح دمهم الفاسد وعادت أجسادهم كما كانت في أيام الصحة.

١٥ «فَوَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمَّا رَأَى أَنَّهُ شُفِيَ، رَجَعَ يُمَجِّدُ ٱللّٰهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ».

فَوَاحِدٌ مِنْهُمْ… رَجَعَ لا بد من أن الجميع شعروا بشفائهم ولكنهم بقوا سائرين إلى الكهنة ثم إلى أوطانهم وأعمالهم ما عدا هذا الواحد.

يُمَجِّدُ ٱللّٰهَ حسب تمجيده للمسيح تمجيداً لله.

بِصَوْتٍ عَظِيمٍ هذا دليل على شدة محبته وفرحه وشعوره بوجوب الشكر لمن شفاه.

١٦ «وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ شَاكِراً لَـهُ. وَكَانَ سَامِرِيّاً».

وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ هذا دليل على التواضع علاوة على الشكر والمحبة. والأرجح أنه اقتنع أن الذي شفاه هو المسيح وعَبَده لهذا الاعتبار.

وَكَانَ سَامِرِيّاً مرّ الكلام على ما يتضمن ذلك في الشرح (متّى ١٠: ٥ و٦).

وفي هذا أن بقية الذين شفوا كانوا من اليهود.

١٧ «فَقَالَ يَسُوعُ: أَلَيْسَ ٱلْعَشَرَةُ قَدْ طَهَرُوا؟ فَأَيْنَ ٱلتِّسْعَةُ؟».

أَلَيْسَ ٱلْعَشَرَةُ قَدْ طَهَرُوا كان الذين طلبوا التطهير عشرة والذين نالوا الشفاء العشرة فكان على العشرة أن يرجعوا ليشكروا لأن ذلك لا يكلفهم سوى تعب قليل ولا يعيقهم عن سفرهم إلا قليلاً ولم يتوقع المسيح أكثر من ذلك ولكن تلك الأصوات التي ارتفعت في الضيق انقطعت عند الفرج.

والمسيح عمل بذلك عشر معجزات معاً بدون لمس أو واسطة أخرى. ودل سؤاله على أنه يحفظ حساب المراحم التي يمنحها.

فَأَيْنَ ٱلتِّسْعَةُ لم يأت المسيح ذلك بغية الاستخبار لأنه عرف أنهم ذهبوا إلى الكهنة مسرورين بالبركة ناسين واهبها. فالاستفهام للتعجب والحزن والاشتياق لانه اشتاق أن يراهم راجعين إليه لينالوا منه بركة أعظم من شفاء أجسادهم وهي شفاء نفوسهم من مرض الخطية. فعملهم من أمثلة الكفر بالنعمة. وهذا غير منقطع النظير فله أمثال كثيرة. والله يسأل مثل هذا السؤال الآن الذين أنعم عليهم بآلاء كثيرة ويتوقع منهم أن يشكروه ولكن أكثرهم مثل أولئك التسعة يقبلون النعم وينسون المنعم.

١٨ «أَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَرْجِعُ لِيُعْطِيَ مَجْداً لِلّٰهِ غَيْرُ هٰذَا ٱلْغَرِيبِ ٱلْجِنْسِ؟».

٢ملوك ١٧: ٢٤ إلى ٤١

كان التسعة الذين طهروا من اليهود فيحق أن يتوقع منهم فضائل أكثر مما يتوقع من السامري لأنهم نالوا من وسائط النعمة ما لم ينله. وفضلوا السنن الطقسية على فرض الشكر للمنعم وهو يهودي مثلهم. أما السامري فمع أنه من أمة لا يعاملها اليهود (يوحنا ٤: ٩) رجع ليشكره ولم يعثر بما فعله الباقون فتركهم ورجع وحده.

١٩ «ثُمَّ قَالَ لَـهُ: قُمْ وَٱمْضِ. إِيمَانُكَ خَلَّصَكَ».

متّى ٩: ٢٢ ومرقس ٥: ٣٤ و١٠: ٥٢ وص ٧: ٥٠ و٨: ٤٨ و١٨: ٤٢

إِيمَانُكَ خَلَّصَكَ أي نجىّ نفسك. كان إيمان هذا السامري الأول المماثل لإيمان رفقائه التسعة علّة شفاء جسده. وصار إيمانه الثاني الذي أظهره برجوعه إلى يسوع للشكر والاعتراف أنه المسيح على شفاء نفسه وعلّة بركة أعظم من الأولى وهو أقوى من الأول.

تعليم في شأن ملكوت الله ع ٢٠ إلى ٣٧

٢٠ «وَلَمَّا سَأَلَـهُ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ: مَتَى يَأْتِي مَلَكُوتُ ٱللّٰهِ؟ أَجَابَهُمْ: لاَ يَأْتِي مَلَكُوتُ ٱللّٰهِ بِمُرَاقَبَةٍ».

ص ١٤: ١

سَأَلَـهُ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ لم نعلم غايتهم من هذا السؤال إنما نعلم أنهم كانوا كثيراً ما يسألونه ليهزأوا به وليجدوا علّة للشكاية عليه. ولعلّ هؤلاء من أحسن رجال فرقتهم ممن توقعوا مجيء المسيح الموعود به وملكه ملكاً أرضياً وأرادوا أن يسمعوا يسوع الرباني المشهور في ذلك الأمر. والظاهر من جواب المسيح أنهم انتظروا أن يكون إتيان المسيح بقوة إلهية ظاهرة عجيبة.

مَلَكُوتُ ٱللّٰهِ أي ملك المسيح.

لاَ يَأْتِي… بِمُرَاقَبَةٍ أي أنه يفرق عن الملك الأرضي كل الفرق لأنه لا يأتي بآيات خارجية ظاهرة لعيون الذين يراقبونه أي لا يأتي بآيات من الآثار الجوية ولا بتكتّب الجيوش بأسلحتهم وألويتهم في الأرض لكنه يأتي رويداً بالهدوء فلا ينبه الأنظار إليه إلا بنتائجه. وبداءة هذا الملك كان في مذود بيت لحم وكان تابعوه وقتئذ بعض العشارين وصيادي السمك من الجليل. فلم ير رؤساء اليهود والفريسيون علامات إتيانه فلم يؤمنوا بأنه أتى.

٢١ «وَلاَ يَقُولُونَ: هُوَذَا هٰهُنَا أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ، لأَنْ هَا مَلَكُوتُ ٱللّٰهِ دَاخِلَكُمْ».

يوحنا ١: ٢٦ ورومية ١٤: ١٧

وَلاَ يَقُولُونَ أي صدقاً لأن الذين يقولون كذباً كثيرون.

هُوَذَا هٰهُنَا أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ أي في أورشليم أو في السامرة أو في البرية قرب بحر طبرية حيث انتظر اليهود أن يظهر المسيح.

مَلَكُوتُ ٱللّٰهِ دَاخِلَكُمْ يختلف تفسير هذا الكلام باختلاف تعييننا للمخاطبين فإن قلنا هم الفريسيين كما يستدل من ع ٢٠ كان المعنى كمعنى قول يوحنا المعمدان «فِي وَسَطِكُمْ قَائِمٌ ٱلَّذِي لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ» (يوحنا ١: ٢٦) فيكون كقول المسيح «قد انتصب ملكوت الله بينكم وأنتم سائلون متّى يأتي ملكوت الله. وحضر الملك وأخذ ينادي بشرائع المملكة ومبادئها وجمع خاصته وأنتم في غفلة عن ذلك». وإن قلنا هم عموم الناس من الفريسيين وغيرهم كان قصد المسيح بيان حقيقة ذلك الملكوت حيث أتى أو سيأتي أي أنه ملكوت روحي ينتصب في قلوب الناس ويُخضع أفكارهم وشهواتهم ومقاصدهم وعواطف قلوبهم. فحيث يتوب الناس عن الخطيئة ويؤمنون بالمسيح ويولدون ثانية من الروح القدس فهنالك ملكوت الله داخل قلوبهم. وهذا موافق قول المسيح «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ» (يوحنا ٣: ٣) وقول الرسول «لَيْسَ مَلَكُوتُ ٱللّٰهِ أَكْلاً وَشُرْباً، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (رومية ١٤: ١٧). والتفسيران صحيحان ولكن الأرجح بدلالة القرينة هو الأول.

٢٢ «وَقَالَ لِلتَّلاَمِيذِ: سَتَأْتِي أَيَّامٌ فِيهَا تَشْتَهُونَ أَنْ تَرَوْا يَوْماً وَاحِداً مِنْ أَيَّامِ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ وَلاَ تَرَوْنَ».

متّى ٩: ١٥ ويوحنا ١٧: ١٢

قَالَ لِلتَّلاَمِيذِ ما يأتي مما يتعلق بمجيئه الثاني.

تَشْتَهُونَ أَنْ تَرَوْا الخ يحتمل هذا الكلام معنيين:

الأول: اشتياق الكنيسة بعد زمان إلى أيامها الماضية حين كان ابن الإنسان معها بالجسد وذلك وفق قول المسيح مشيراً إلى نفسه «سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ ٱلْعَرِيسُ عَنْهُمْ (أي عن بني العرس) فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ» (متّى ٩: ١٥).

والثاني: اشتياقها إلى مجيئه الثاني كما وعد. والاشتياق الأول صلة إلى الثاني.

وَلاَ تَرَوْنَ أي لا تنظرونه في الجسد في حال اتضاعه لأنه يكون قد صعد. ولا تشاهدونه آتياً بالمجد لأن وقت ذلك الإتيان لم يكن قد حان ص ٥: ٣٤ ومتّى ٩: ١٥ ومرقس ٢: ١٩) وهذا إنباء للكنيسة بأنها تحتاج إلى أن تسلك مدة بالإيمان.

٢٣ «وَيَقُولُونَ لَكُمْ: هُوَذَا هٰهُنَا أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ. لاَ تَذْهَبُوا وَلاَ تَتْبَعُوا».

متّى ٢٤: ٢٣ ومرقس ١٣: ٢١ وص ٢١: ٨

هذا كقوله في بشارة متّى (متّى ٢٤: ٢٤ – ٢٧) فراجع تفسيره.

هُوَذَا هٰهُنَا أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ هذه تنبيهات يأتيها الذين ظنوا أنهم رأوا علامات ظاهرة لمجيء المسيح ملكاً أرضياً فحذر المسيح تلاميذه من أن يُخدعوا وأن يذهبوا إلى حيث أشار أولئك لأنه لم يقصد المجيء حينئذ.

لم يقصد المسيح بما ذُكر نفي ظهور العلامات المتعلقة بمجيئه الثاني بل نفى ذلك في زمان تكلمه أو ما يقرب منه.

٢٤ «لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلْبَرْقَ ٱلَّذِي يَبْرُقُ مِنْ نَاحِيَةٍ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ يُضِيءُ إِلَى نَاحِيَةٍ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ، كَذٰلِكَ يَكُونُ أَيْضاً ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي يَوْمِهِ».

متّى ٢٤: ٢٧

أبان المسيح في هذه الآيات علامات مجيئه الثاني في نهاية العالم.

كَمَا أَنَّ ٱلْبَرْقَ الخ أي أنه يأتي بغتة إتياناً بيناً تشاهده كل عين في كل مكان (انظر الشرح متّى ٢٤: ٢٧). ولا منافاة بين هذا القول وما قيل في ع ٢٠ و٢١ لأن هذين العددين يشرحان حال ملكوت المسيح من بداءة زمن الكرازة إلى نهايته وهذا العدد إشارة إلى وقت مجيء المسيح الثاني بالمجد ونهاية الزمان الحاضر.

٢٥ «وَلٰكِنْ يَنْبَغِي أَوَّلاً أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيراً وَيُرْفَضَ مِنْ هٰذَا ٱلْجِيلِ».

مرقس ٨: ٣١ و٩: ٣١ و١٠: ٣٣ وص ٩: ٢٢

أنبأ بأنه يسبق مجيئه الثاني ورفض الأمة اليهودية إياه وتألمه (انظر متّى ١٦: ٢١ و١٧: ٢٢ ولوقا ٢٤: ٢٦ وأعمال ٣: ١٨).

وقصد «بهذا الجيل» الأمة اليهودية.

وما ذُكر هنا هو أعظم الحوادث المتعلقة بمجيئه الأول واستعداد لمجد مجيئه الثاني لأنه قدّم نفسه اختياراً للرفض والآلام إرادة فداء العالم.

٢٦، ٢٧ «٢٦ وَكَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ نُوحٍ كَذٰلِكَ يَكُونُ أَيْضاً فِي أَيَّامِ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ. ٢٧ كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَيُزَوِّجُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ، إِلَى ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي فِيهِ دَخَلَ نُوحٌ ٱلْفُلْكَ، وَجَاءَ ٱلطُّوفَانُ وَأَهْلَكَ ٱلْجَمِيعَ»

تكوين ٧ ومتّى ٢٤: ٣٧

انظر الشرح متّى ٢٤: ٣٧ – ٣٩ وقابل ذلك بما في ٢ بطرس ٣: ٣٤.

هذا بيان لكون أكثر الناس غير متوقع مجيئه الثاني. فبطوءه يحمل الناس على الاطمئنان والتوغل في اللذات الجسدية.

أَيَّامِ نُوحٍ أي مدة مئة وعشرين سنة حين بنى نوح الفلك وأنذر الناس بالطوفان ودعاهم إلى التوبة.

٢٨، ٢٩ «٢٨ كَذٰلِكَ أَيْضاً كَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ لُوطٍ، كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَيَشْتَرُونَ وَيَبِيعُونَ، وَيَغْرِسُونَ وَيَبْنُونَ. ٢٩ وَلٰكِنَّ ٱلْيَوْمَ ٱلَّذِي فِيهِ خَرَجَ لُوطٌ مِنْ سَدُومَ، أَمْطَرَ نَاراً وَكِبْرِيتاً مِنَ ٱلسَّمَاءِ فَأَهْلَكَ ٱلْجَمِيعَ».

تكوين ١٩، تكوين ١٩: ١٦ إلى ٢٥

فِي أَيَّامِ لُوطٍ لم يذكر متّى ذلك في ما نقله من هذا الخطاب واكتفى بذكر أيام نوح فالمثالان بمعنى واحد وهو أن الناس كانوا في غفلة ويكونون كذلك عند مجيء المسيح. وكثيراً ما أشار المسيح في مواعظه إلى مصاب تينك المدينتين (ص ١٠: ١٢ ومتّى ١٠: ١٥ و١١: ٢٣). وأشار إليهما أيضاً بطرس في رسالته الثانية ٢: ٧.

أَمْطَرَ نَاراً وَكِبْرِيتاً تكوين ١٩: ٢٤.

٣٠ «هٰكَذَا يَكُونُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي فِيهِ يُظْهَرُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ».

٢تسالونيكي ١: ٧

يُظْهَرُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ أي يُبين للعالم كأنه كان وراء حجاب رُفع بغتة فظهر لكل عين (كولوسي ٣: ٣ و٤ و٢تسالونيكي ١: ٧ و١بطرس ١: ٧).

٣١ «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ مَنْ كَانَ عَلَى ٱلسَّطْحِ وَأَمْتِعَتُهُ فِي ٱلْبَيْتِ فَلاَ يَنْزِلْ لِيَأْخُذَهَا، وَٱلَّذِي فِي ٱلْحَقْلِ كَذٰلِكَ لاَ يَرْجِعْ إِلَى ٱلْوَرَاءِ».

متّى ٢٤: ١٧ و١٨ ومرقس ١٣: ١٥ و١٦

سبق مثل هذه النصائح في نصح المسيح لتلاميذه زمن خراب أورشليم لأنه كان رمزاً إلى هلاك العالم (انظر الشرح متّى ٢٤: ١٦ – ١٨). والمعنى أنه يجب على المسيحيين أن لا يكترثوا حينئذ بمقتنياتهم الدنيوية بل أن يوجهوا أفكارهم إلى إعلان المسيح العظيم.

فاتضح من كلام المسيح أن حال العالم عند مجيء المسيح ثانية تكون كحاله في الأزمنة الثلاثة وهي زمان الطوفان وزمان خراب سدوم وعمورة وزمان خراب أورشليم.

٣٢ «اُذْكُرُوا ٱمْرَأَةَ لُوطٍ».

تكوين ١٩: ٢٦

هذا الإنذار مبني على ما حدث في أيام لوط ع ٢٨ فإن امرأة لوط خالفت نهي الرب عن أن تنظر إلى ورائها فهلكت. بقي قلبها في سدوم مع أن قدميها خرجتا منها (تكوين ١٩: ١٧ و٢٦).

والذي يجب أن نذكره من أمرها أربعة أمور:

  • الأول: خطر الاستخفاف بتهديدات الله ومخالفة أوامره.
  • الثاني: أن التفات المسيحي إلى الوراء بعد سيره في طريق الحياة يُعد رجوعاً ويُعاقب عليه كذلك. والمراد بالالتفات إلى الوراء هنا اشتهاء اللذات الدنيوية ومعاشرة الاشرار.
  • الثالث: أن حصول الإنسان على أفضل وسائط الخلاص لا تتكفل بخلاصه لأن امرأة لوط حصلت على تنبيه الله وإرشاد الملائكة ومرافقة لوط البار وكان خارج سدوم وفي طرق الأمن.
  • الرابع: أن الإنسان قد يكون قريباً من الخلاص ويهلك.

٣٣ «مَنْ طَلَبَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ أَهْلَكَهَا يُحْيِيهَا».

متّى ١٠: ٣٩ و١٦: ٢٥ ومرقس ٨: ٣٥ وص ٩: ٢٤ ويوحنا ١٢: ٢٥

انظر الشرح متّى ١٠: ٣٩.

يصح هذا القانون في كل حين فالذي ينكر المسيح لينقذ جسده من الموت ويعيش عيشة دنيوية يخسر نفسه إلى الأبد. وذُكر هذا القانون في الكلام على اليوم الأخير بياناً لكون الذي صرف حياته على الأرض ليحصل على الأمن الجسدي ولذات العالم ومجده يجد في اليوم الأخير أنه خسر كل خيراته الدنيونة ونفسه أيضاً. وعكسه الذي يخسر كل شيء هنا لأجل المسيح يجد في اليوم الأخير أنه ربح كل شيء. وفي كلام المسيح هنا تلميح إلى أنه يكون قبل مجيئه وقت امتحان شديد لإيمان الناس به ومحبتهم له وأنهم يضطرون إلى أن يختاروا بين حياة الجسد وحياة النفس.

٣٤ – ٣٦ «٣٤ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ يَكُونُ ٱثْنَانِ عَلَى فِرَاشٍ وَاحِدٍ، فَيُؤْخَذُ ٱلْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ ٱلآخَرُ. ٣٥ تَكُونُ ٱثْنَتَانِ تَطْحَنَانِ مَعاً، فَتُؤْخَذُ ٱلْوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ ٱلأُخْرَى. ٣٦ يَكُونُ ٱثْنَانِ فِي ٱلْحَقْلِ، فَيُؤْخَذُ ٱلْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ ٱلآخَرُ».

متّى ٢٤: ٤٠ و٤١ و١تسالونيكي ٤: ١٧

جاء مثل هذا في نبإ خراب أورشليم انظر الشرح متّى ٢٤: ٤٠ و٤١. وأشار به المسيح هنا إلى الانفصال العظيم الأبدي بين المؤمنين وغير المؤمنين في اليوم الأخير.

٣٧ «فَقَالُوا لَـهُ: أَيْنَ يَا رَبُّ؟ فَقَالَ لَـهُمْ: حَيْثُ تَكُونُ ٱلْجُثَّةُ هُنَاكَ تَجْتَمِعُ ٱلنُّسُورُ».

أيوب ٢٩: ٣٠ ومتّى ٢٤: ٢٨

أَيْنَ يَا رَبُّ هذا سؤال التلاميذ وأما سؤال الفريسيين فكان قولهم «متّى يأتي ملكوت الله». ولم يدرك التلاميذ أن المسيح قصد بكلامه السابق عموم هلاك العالم في يوم الدين فظنوه يتكلم على نازلة معينة في مكان محدود. وكان جواب المسيح حينئذٍ كجوابه على السؤال عن خراب أورشليم (متّى ٢٤: ٢٨) إلا أنه تكلم هناك على هلاك الأشرار ونجاة الأبرار. وتكلم هنا على هلاك الأشرار فقط. ومعنى الجواب هنا أنه حيث تكون الخطيئة والفساد فهناك تكون رسل الله للعقاب (متّى ١٣: ٤٩).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى