إنجيل لوقا

إنجيل لوقا | 13 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح إنجيل لوقا

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح الثالث عشر

قتل الجليليين ع ١ إلى ٥

١ «وَكَانَ حَاضِراً فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ قَوْمٌ يُخْبِرُونَهُ عَنِ ٱلْجَلِيلِيِّينَ ٱلَّذِينَ خَلَطَ بِيلاَطُسُ دَمَهُمْ بِذَبَائِحِهِمْ».

فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ أي وقت الخطاب الذي ذُكر في ص ١٢.

ٱلْجَلِيلِيِّينَ هم سكان القسم الشمالي من الأقسام الثلاثة التي قسمت فلسطين إليها (وهي الجليل والسامرة واليهودية) وكانوا تحت حكم هيرودس لا حكم بيلاطس وكانوا أقل تمدناً من سائر سكان فلسطين وأقل خضوعاً لنير الرومانيين وكثيري الفتن.

خَلَطَ بِيلاَطُسُ دَمَهُمْ بِذَبَائِحِهِمْ كان يبلاطس وقتئذ والي اليهودية وكان قاسياً ظالماً يحب سفك الدم فالظاهر أنه أرسل عساكره إلى الجليليين بغتة وهم يقدّمون ذبائحهم في دار الهيكل في أورشليم. ولعلهم كانوا فعلوا شيئاً في المدينة هيّج غضب بيلاطس.

ولم يذكر يوسيفوس المؤرخ اليهودي هذا القتل لكن ذلك لا ينفي الواقع لأن مثل هذه الحوادث أو ما هو أعظم منها كان كثير الوقوع في أيام بيلاطس ولكن ذكر يوسيفوس أن الجليليين كانوا أشراراً جداً وكثيري الميل إلى الفتن. ولم يتضح سبب إخبار الحاضرين يسوع بهذه الحادثة. ولعلّ ذلك جدّة الحادثة ورغبة الناس في إشاعة الأخبار ليظهروا انفعالاتهم ويهيجوا عداوة غيرهم على الظالم.

٢ «فَقَالَ يَسُوعُ لَـهُمْ: أَتَظُنُّونَ أَنَّ هٰؤُلاَءِ ٱلْجَلِيلِيِّينَ كَانُوا خُطَاةً أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ ٱلْجَلِيلِيِّينَ لأَنَّهُمْ كَابَدُوا مِثْلَ هٰذَا؟».

تكوين ٤٣: ٢١ وأعمال ٢٨: ٤

سألهم المسيح ذلك إصلاحاً لخطائهم بالحكم من ثلاثة أوجه:

  • الأول: ظنهم اولئك الجليليين شراً من غيرهم لأن الله سمح بوقوع تلك النازلة عليهم وهي شر من الموت الطبيعي.
  • الثاني: استنتاجهم ذلك أيضاً من أن الجليليين قُتلوا وهم يقدّمون الذبائح التي غايتها إرضاء الله. وحكمهم بأن سماح الله بقتلهم حينئذ علامة رفضه تعالى إلى تقدماتهم لفظاعة آثامهم.
  • الثالث: كونهم بنوا حكمهم على خطإ كان شائعاً بين عامة اليهود وهو أن كل نازلة عقاب إثم معيّن. وذلك كحكم أصحاب أيوب عليه. وحكم أهل مليطة على بولس (أعمال ٢٨: ٤). ويتفرع على هذا الحكم الباطل خطاءٌ آخر وهو أن الذي لا يموت كذلك هو بار.

٣ «كَلاَّ أَقُولُ لَكُمْ. بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذٰلِكَ تَهْلِكُونَ».

كَلاَّ أَقُولُ لَكُمْ نستفيد من هذا الجواب ثلاثة أمور:

  • الأول: أن المسيح لم ينكر أنهم خطاة وأنهم مستحقون العقاب وأن بين الخطية والمصيبة علاقة العلّة بالمعلول لكل بني البشر ولم ينكر أن الإنسان قد يعاقب على بعض الخطايا في هذه الحياة.
  • الثاني: أنه أنكر كون هؤلاء الجليليين وحدهم خطأة وأن تلك النازلة برهان على ذلك وأنها أتت عليهم لإثم خاص وفقاً لاعتقاد العامة يومئذ.
  • الثالث: أنه أنكر النتيجة التي استنتجوها (اي المخاطبون) وهي أنهم ليسوا بمذنبين لأنه لم يقع عليهم مثل تلك النازلة.

إِنْ لَمْ تَتُوبُوا حول المسيح أفكارهم عن ذنوب غيرهم إلى ذنوب أنفسهم وحكم بأن جميع الجليليين الذين قُتلوا والمخاطبين مذنبون ومستحقون الهلاك وأن الطريق التي تؤدي إلى النجاة للأحياء هي التوبة سريعاً.

فَجَمِيعُكُمْ كَذٰلِكَ تَهْلِكُونَ الهلاك المقصود هنا إما بيد الرومانيين كما جرى بعد ذلك بنحو أربعين سنة حين أُخرجت مدينتهم وإما بسيف عدل الله. وفحوى كل ما مرّ إصلاح خطإ اليهود بحكمهم بأن المصائب نتيجة ضرورية لخطايا خاصة وتحذير لأمة اليهود من دينونة الله المعدة لها وحثها على التوبة في الحال. وفي هذا إنباء لكل خطاة الأرض غير التائبين بالهلاك الآتي عليهم الذي كان قتل الجليليين رمزاً إليه.

٤، ٥ «٤ أَوْ أُولَئِكَ ٱلثَّمَانِيَةَ عَشَرَ ٱلَّذِينَ سَقَطَ عَلَيْهِمُ ٱلْبُرْجُ فِي سِلْوَامَ وَقَتَلَـهُمْ، أَتَظُنُّونَ أَنَّ هٰؤُلاَءِ كَانُوا مُذْنِبِينَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ ٱلسَّاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ؟ ٥ كَلاَّ أَقُولُ لَكُمْ! بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذٰلِكَ تَهْلِكُونَ».

نحميا ٣: ١٥ ويوحنا ٩: ٧

أُولَئِكَ ٱلثَّمَانِيَةَ عَشَرَ ذكر المسيح نازلة أخرى كالأولى والأرجح أنها كانت حديثة العهد مشهورة لكل الحاضرين وأنهم قد استحقوا منها مثل الذي استنتجوه من قتل الجليليين (ع ٢).

ٱلْبُرْجُ فِي سِلْوَامَ عين سلوام أو بركة سلوام (يوحنا ٩: ٧) خارج سور أورشليم في جهة الجنوب الشرقي والبرج المذكور هنا إما بناء مستقل قرب العين وإما بناء على السور فوق البركة وكذلك سُمي برج سلوام (نحميا ٣: ١٥).

أَتَظُنُّونَ الخ لعلّ السبب الذي حمل المسيح على ذكر هذه الحادثة مع تلك أن الذين قُتلوا فيها ليسوا جليليين وأن الله قتلهم بلا توسط الناس. ومضمون كلام المسيح هنا أن النوازل تصيب اليهود والجليليين وسائر الناس على السواء. وأنها سواء كانت من الله رأساً أو بواسطة الناس ليست بدليل على أن المصابين بها شر من غيرهم. وأن الموت الزمني رمز إلى الموت الروحي. وأن كل نازلة إنذار بالهلاك المعد للباقين إن لم يهربوا منه بواسطة التوبة. وهذا قصد المسيح الأعظم من هذا المثل فيجب علينا أن نحسب كل المجاعات والأوبئة والزلازل والطوفان والزوابع دواعي للناس إلى التوبة.

ولم يقصد المسيح فكره وقتئذ على برج واحد من أبراج أورشليم يسقط على ثمانية عشر رجلاً من اليهود بل رأى بعين النبوءة كل أسوار تلك المدينة وهياكلها وقصورها وبيوتها ساقطة معاً على ألوف وربوات من الشعب فلذلك حذر اليهود وحثهم على التوبة.

ونظر أيضاً حوادث يوم الدين والهلاك الذي يقع على عالم الخطاة ولذلك رفع صوته بإنذارهم وحثهم على التوبة. وهذا أنذار وحث لنا أيضاً.

مثل التينة العقيم ع ٦ إلى ٩

٦ «وَقَالَ هٰذَا ٱلْمَثَلَ: كَانَتْ لِوَاحِدٍ شَجَرَةُ تِينٍ مَغْرُوسَةٌ فِي كَرْمِهِ، فَأَتَى يَطْلُبُ فِيهَا ثَمَراً وَلَمْ يَجِدْ».

إشعياء ٥: ٢ ومتّى ٢١: ١٩

ضرب المسيح هذا المثل بعد أن دعا الناس إلى التوبة بياناً أن إبطاء الله في إجراء الدينونة على الخطأة إنما هو ليعطيهم فرصة للتوبة وأنهم إن لم يتوبوا عوقبوا لا محالة.

لِوَاحِدٍ أشار بهذا الواحد إلى الله.

شَجَرَةُ تِينٍ … فِي كَرْمِهِ قصد المسيح بهذه الشجرة الأمة اليهودية لأنه جعل لها أفضل الوسائط لكي تأتي بأثمار البرّ لمجده تعالى.

أَتَى يَطْلُبُ فِيهَا ثَمَراً أشار بذلك إلى أن الله طلب من إسرائيل في كل العصور الخالية أثمار المحبة والإيمان والطاعة التي له حق أن ينتظرها.

وَلَمْ يَجِدْ كان عقم شجرة التين إشارة إلى إثم الأمة اليهودية وكان يؤنبهم على ذلك بفم أنبيائه على توالي الأزمنة (إشعياء ٥: ٢ و٧ وإرميا ص ١٥ وهوشع ١٠: ١).

٧ «فَقَالَ لِلْكَرَّامِ: هُوَذَا ثَلاَثُ سِنِينَ آتِي أَطْلُبُ ثَمَراً فِي هٰذِهِ ٱلتِّينَةِ وَلَمْ أَجِدْ. اِقْطَعْهَا. لِمَاذَا تُبَطِّلُ ٱلأَرْضَ أَيْضاً؟».

تكوين ٦: ٣ ويوحنا ١٤: ١٦ وورمية ٨: ٢٦ و٢٧

هُوَذَا ثَلاَثُ سِنِينَ هذا وقت طويل بالنسبة إلى عمر شجرة تين وهو كاف لامتحان الشجرة ليتبين أمثمرة هي أم عقيم. والقصد من ذلك أن الله أعطى شعبه فرصة كافية لكي يرى هل يطيعون وصاياه أو لا. وليس في عدد السنين هنا من إشارة إلى عدد سني وعظ المسيح وإلا وجب أن يكون خراب أورشليم بعد ذلك بسنة واحدة ولكن ذلك لم يقع إلا بعد أربعين سنة.

اِقْطَعْهَا يظهر لنا أن قضاء صاحب الكرم بقطعها مما يتوقع طبعاً في مثل تلك الأحوال. ومن الحق والعدل أن يجري الله رب الشريعة الديان مثل هذا القضاء على شعب غير طائع لأوامره.

لِمَاذَا تُبَطِّلُ ٱلأَرْضَ هذا علّة قطعها فإنها لا تنفع شيئاً وتشغل محل شجرة أخرى مثمرة وتأخذ بعض قوة الأرض عبثاً. كذا كانت أمة اليهود أي أنها كانت غير نافعة بل مضرة لأنها أغاظت الله وعصت أوامره وكانت عثرة لغيرها فصدق عليها قول الرسول «لأَنَّ ٱسْمَ ٱللّٰهِ يُجَدَّفُ عَلَيْهِ بِسَبَبِكُمْ» رومية ٢: ٢٤). وكذلك كل إنسان لا يأتي بثمر البرّ لأنه علاوة على عدم نفعه مضرّ بكونه عثرة لغيره في سبيل الخلاص.

٨ «فَأَجَابَ: يَا سَيِّدُ، ٱتْرُكْهَا هٰذِهِ ٱلسَّنَةَ أَيْضاً، حَتَّى أَنْقُبَ حَوْلَهَا وَأَضَعَ زِبْلاً».

فَأَجَابَ أي الكرام. ويراد به هنا الرب يسوع المسيح الوسيط العظيم الوحيد بين الله والناس (أيوب ٣٣: ٢٣ وزكريا ١: ١٢ وعبرانيين ٧: ٢٥).

ٱتْرُكْهَا هٰذِهِ ٱلسَّنَةَ أَيْضاً لم يرد أن تترك الشجرة في عقم دائم بل أن تمهل ليسعى في إصلاحها.

أَنْقُبَ حَوْلَهَا الخ أي أستعمل كل الوسائط المناسبة لتغذية الشجرة وتنشيطها. وكذا لم يطلب المسيح من الآب أن يترك الإسرائيليين في عصيانهم وإثمهم بل أن يمهلهم مدة قبل إجراء القضاء وهو يستعمل كل وسائط النعمة لعلهم يتوبون ويأتون بأثمار تليق بالتوبة. وتلك الوسائط هو موته للفداء وقيامته وحلول الروح القدس وتعاليم رسله والمعجزات التي أتوها لإثبات مرسليتهم.

٩ «فَإِنْ صَنَعَتْ ثَمَراً، وَإِلاَّ فَفِيمَا بَعْدُ تَقْطَعُهَا».

هذا هو مطلوب صاحب الكرم والكرام كليهما فإن حصل سلمت الشجرة. وما يصح على الشجرة يصح على اليهود فلم يقل المسيح لهم أعلم أنكم لا تتوبون وأنه لا بد من أن تهلكوا لكنه بهذا الكلام ترك لهم باب النجاة مفتوحاً يدخلونه بالتوبة. وهذا يعلّمنا أن طول أناة الله إنما هو لإعطاء فرصة للتوبة واكتساب الخلاص (٢بطرس ٣: ١٥). وعلّة تأخير الله ليوم الدين رحمة الله وشفاعة يسوع. والغاية من عفو الله عن الخطاة الآن إنما هو توقيف الدينونة وقتاً.

وَإِلاَّ… تَقْطَعُهَا كما تستحق على عقمها. وأشار المسيح بهذا الكلام إلى أن هلاك إسرائيل لا ريب فيه إن بقي في عصيانه وأن ذلك عقاب عال وأن المسيح يسلم بأنه حق. وقد أتى ذلك بعد أربعين سنة من إنذار المسيح بأن هُدمت أورشليم وخربت اليهودية كلها. وما صدق في هذا المثل على الأمة اليهودية يصدق على كل الناس الذين نحن من جملتهم. فكل من يسمعون الإنجيل ولا يسيرون بمقتضاه هم أشجار تين بلا ثمر في كرم الله.

ولنا هنا ثلاثة أمور ذات شأن:

  • الأول: أنه على الناس في البلاد المسيحية أن يأتوا بأثمار البرّ لمجده تعالى أكثر مما كان على اليهود قديماً لأن للمسيحيين وسائط دينية كثيرة لم تكن لأولئك.
  • الثاني: إن الخطر الشديد مشرف على كل الذين حصلوا على وسائط النعمة وبقوا بلا ثمر. وأن من الجهالة أن يعيش الناس لأنفسهم لا لله ويظنون أنه لا يلتفت إلى ذلك لأن توقيف الدينونة ليس بعفو دائم ولعلّ «سنة» العفو قد قربت من النهاية.
  • الثالث: نتعلّم من هذا عظمة الدين الذي علينا لحلم الله وشفاعة المسيح فلولاهما هلك العالم بأسره منذ أزمان.

شفاء المرأة المنحنية في يوم السبت ع ١٠ إلى ١٧

١٠ «وَكَانَ يُعَلِّمُ فِي أَحَدِ ٱلْمَجَامِعِ فِي ٱلسَّبْتِ».

فِي أَحَدِ ٱلْمَجَامِعِ كان لليهود هيكل واحد في أورشليم لكنه كان لهم مجامع في كل مكان في بلادهم (انظر الشرح متّى ٤: ٢٣) وكان المسيح لا يفتأ ينتهز الفرصة ليخاطب الشعب المجتمع يوم السبت ويعلّمهم ما يتعلق بملكوته إن لم يمنعه من ذلك بعض الرؤساء والكهنة. وكان من عادة اليهود بعد قراءة الناموس أن يدعو رئيس المجمع من حضر من معلمي الدين إلى الخطاب (أعمال ١٣: ١٥).

١١ «وَإِذَا ٱمْرَأَةٌ كَانَ بِهَا رُوحُ ضَعْفٍ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ سَنَةً، وَكَانَتْ مُنْحَنِيَةً وَلَمْ تَقْدِرْ أَنْ تَنْتَصِبَ ٱلْبَتَّةَ».

ع ١٦

ٱمْرَأَةٌ كَانَ بِهَا رُوحُ ضَعْفٍ لو لم يكن لنا سوى ما في هذا العدد من نبإ تلك المرأة لحكمنا بأنه أصابها مرض أضعفها ثم حناها وأيبس عضلات ظهرها وتقوست سلسلتها الفقرية فمنعتها من الانتصاب. ولكن يتبين لنا مما قيل في ع ١٦ أن علّة مصابها شيء آخر غير المرض وهو فعل الشيطان.

١٢ «فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ دَعَاهَا وَقَالَ لَهَا: يَا ٱمْرَأَةُ، إِنَّكِ مَحْلُولَةٌ مِنْ ضَعْفِكِ».

دَعَاهَا من تلقاء نفسه لا إجابة لطلبها. ولعله رأى حضورها المجمع وقتئذ علامة أنها توقعت حضوره هناك والتفاته إليها بالشفاء. ولا بد من ان رئيس المجمع رأى ذلك فوبخها كما تبين من ع ١٤. ونداء المسيح لتلك المرأة أنشأ فيها الرجاء والعزاء والإيمان بأنه يشفيها.

يَا ٱمْرَأَةُ، إِنَّكِ مَحْلُولَةٌ أي من قيود المرض الجسدي ومن سلطة إبليس. كلام المسيح هو كلام الله الذي «قَالَ فَكَانَ. هُوَ أَمَرَ فَصَارَ» (مزمور ٣٣: ٩). وغاية المسيح من قوله للمرأة هنا كغايته من قوله لذي اليد اليابسة «مد يدك» (متّى ١٢: ٩) فكأنه قال لها انتصبي.

١٣ «وَوَضَعَ عَلَيْهَا يَدَيْهِ، فَفِي ٱلْحَالِ ٱسْتَقَامَتْ وَمَجَّدَتِ ٱللّٰهَ».

مرقس ١٦: ١٨ وأعمال ٩: ١٧

وَضَعَ عَلَيْهَا يَدَيْهِ يجب أن نفهم أن فعل المسيح هنا وقوله السابق للمرأة كانا في وقت واحد وغايته تقوية إيمانها وبيان أنه هو الذي يحل بقوته قيود المرض وربط الشياطين.

كان من عادة المسيح أن يُخرج الشياطين من الناس بكلمة بلا وضع يد فمخالفته للعادة هنا دليل على أن حال المرأة كانت مختلفة عن حال غيرها ممن دخلتهم الشياطين.

فِي ٱلْحَالِ ٱسْتَقَامَتْ آمنت وأخذت تنتصب وقوّاها المسيح على ذلك.

مَجَّدَتِ ٱللّٰهَ مجدته بإقرارها أن يسوع شفاها وأنه هو المسيح. وفي ذلك الشفاء أعظم بيان لشفقة المسيح وقوّته.

١٤ «فَرَئِيسُ ٱلْمَجْمَعِ، وَهُوَ مُغْتَاظٌ لأَنَّ يَسُوعَ أَبْرَأَ فِي ٱلسَّبْتِ، قَالَ لِلْجَمْعِ: هِيَ سِتَّةُ أَيَّامٍ يَنْبَغِي فِيهَا ٱلْعَمَلُ، فَفِي هٰذِهِ ٱئْتُوا وَٱسْتَشْفُوا، وَلَيْسَ فِي يَوْمِ ٱلسَّبْتِ».

خروج ٢٠: ٩، متّى ١٢: ١٠ ومرقس ٣: ٢ وص ٦: ٧ و١٤: ٣

وَهُوَ مُغْتَاظٌ أي الرئيس ومعظم علّة غيظه تمجيد يسوع كالمسيح. وهذا مثل ما في بشارة متّى (٢١: ١٥ و١٦) واغتاظ أيضاً لما صار بذلك الشفاء من الاستخفاف بتقاليد الشيوخ وأوامرهم في شأن حفظ السبت. فهو لم يود فعل الخير إلا في الطريق التي استحسنها هو. فلو حكم بالصواب لرأى أن الذي يفعل مثل تلك المعجزة لا يمكن أن يتعدى شريعة الله.

سِتَّةُ أَيَّامٍ يَنْبَغِي فِيهَا ٱلْعَمَلُ هذا حق لكن الشفاء ليس من الأعمال المختصة بتلك الأيام. وادعى الرئيس بهذا القول أن المسيح أتى عملاً عادياً كسائر الأطباء. وتوجيهه كلامه إلى الناس دون يسوع في غير محله لأنهم لم يفعلوا شيئاً. وإن كان قصد المرأة بلومه كان لها أن تجيب بقولها إني لم أطلب إلى يسوع الشفاء. ولكنه قصد خطاب المسيح ووجه الكلام إلى غيره حياء منه وخوفاً من قوته.

١٥ «فَأَجَابَهُ ٱلرَّبُّ: يَا مُرَائِي، أَلاَ يَحُلُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ ثَوْرَهُ أَوْ حِمَارَهُ مِنَ ٱلْمِذْوَدِ وَيَمْضِي بِهِ وَيَسْقِيهِ؟».

ص ١٤: ٥

فَأَجَابَهُ ٱلرَّبُّ علم المسيح أن الرئيس قصد لومه بلومه للجمع فأجابه على ذلك.

يَا مُرَائِي أظهر الرئيس رياءه بأنه ادعى الغيرة لحفظ يوم السبت ولكن لم يحركه إلى ذلك سوى الحسد والبغض. ولولا الرياء ما حكم بما خالف مقتضى الحق والرحمة التي اعتادها الناس في مثل تلك الحال. وأعلن رياءه أيضاً بتوبيخه الشعب الذي شاهد المعجزة وهو يقصد توبيخ صانعها. وبلومه المسيح على ما صنعه للمرأة وهو مما يباح صنعه للبهائم في السبت. وبسوء تفسيره لشريعة الله لأنه اعتبر حل قيود الشيطان عن النفس والجسد تعدياً لتلك الشريعة وفعل الرحمة في يوم السبت تنجسياً لذلك اليوم.

أَلاَ يَحُلُّ الخ بيّن المسيح بهذا الدليل أنه لم يخالف وصية السبت لأن مفسري الشريعة المدققين صرّحوا بأن العمل المذكور لا شيء فيه من المخالفة للشريعة مع أن حل البهيمة وأخذها إلى الماء يشغل وقتاً وتعباً كان جائزاً يوم السبت لأنهما من أعمال الرحمة الضرورية.

١٦ «وَهٰذِهِ، وَهِيَ ٱبْنَةُ إِبْرَاهِيمَ، قَدْ رَبَطَهَا ٱلشَّيْطَانُ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ سَنَةً، أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُحَلَّ مِنْ هٰذَا ٱلرِّبَاطِ فِي يَوْمِ ٱلسَّبْتِ؟».

ص ١٩: ٩

وَهٰذِهِ أبان المسيح أن الضرورة هنا أعظم والرحمة أولى لثلاثة أسباب:

  • الأولى: أن المحسن إليه امرأة لا بهيمة.
  • الثانية: أن تلك المرأة كانت ابنة إبراهيم أي يهودية ولذلك كانت من أحباء الله الأخصاء حسب اعتقاد الرؤساء أنفسهم ومستحقة الرحمة.
  • الثالثة: أنّ الشيطان كان قد ربطها ثماني عشرة سنة بقيود ضارة كل الضرر للجسد والروح وأما البهيمة فيربطها الإنسان ليلة واحدة ولو بقيت مربوطة ما تألمت إلا قليلاً بالعطش.

رَبَطَهَا ٱلشَّيْطَانُ لا نستطيع إدراك معنى هذه العبارة إدراكاً تاماً لكن نعلم أن الشيطان لم يتسلط عليها إلا بإذن الله. ويظهر أن أمرها كان كأمر أيوب (أيوب ١: ١٢ و٢: ٦ و٧). ولعلّ أمرها كان كأمر الذين أشار إليهم بولس بقوله «أَنْ يُسَلَّمَ مِثْلُ هٰذَا لِلشَّيْطَانِ لِهَلاَكِ ٱلْجَسَدِ الخ» (١كورنثوس ٥: ٥). وقوله «مِنْهُمْ هِيمِينَايُسُ وَٱلإِسْكَنْدَرُ، ٱللَّذَانِ أَسْلَمْتُهُمَا لِلشَّيْطَانِ لِكَيْ يُؤَدَّبَا» (١تيموثاوس ١: ٢٠). ونرى أن للإنسان قوة على أن يضر غيره من الناس كل حياته بأن يجعله سكيراً أو لصاً أو قاتلاً فلا عجب من أن الشيطان يتسلط على تلك المرأة مدة من حياتها لإضرارها. وإذا اعتبرنا أن كل مرض مثل الموت (رومية ٥: ١٢) من نتائج الخطية وعبودية نسل آدم للشيطان فيجوز أن ننسب المرض إلى مصدره الأصلي. وليس في كلام المسيح هنا ما يبطل الوصية الرابعة أو يحط شأنها إنما هو بيان طريق الصواب إلى حفظها.

١٧ «وَإِذْ قَالَ هٰذَا أُخْجِلَ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ كَانُوا يُعَانِدُونَهُ، وَفَرِحَ كُلُّ ٱلْجَمْعِ بِجَمِيعِ ٱلأَعْمَالِ ٱلْمَجِيدَةِ ٱلْكَائِنَةِ مِنْهُ».

جَمِيعُ ٱلَّذِينَ كَانُوا يُعَانِدُونَهُ هذا يبين لنا أن رئيس المجمع لم يكن وحده المعترض على المسيح فالأرجح أنه كان معه فريسيون من سكان تلك الأرض أو ممن تبعوه من الجليل إلى بيرية ليضادوه في التعليم والتأثير وكان مقاومو المسيح غالباً الرؤساء لأنهم خافوا زوال سلطانهم على الشعب بواسطة تعليم المسيح.

وَفَرِحَ كُلُّ ٱلْجَمْعِ لأنهم أعيوا من ثقل نير الطقوس الذي وضعه عليهم رؤساؤهم ولأن نفوسهم لم تقتت من تعليم رؤسائهم فانتعشت وتعزت من تعليم المسيح.

بِجَمِيعِ ٱلأَعْمَالِ ٱلْمَجِيدَةِ أي معجزات أُخر صنعها المسيح في بيرية لم يذكرها لوقا بالتفصيل.

مثل حبة الخردل ع ١٨ و١٩

١٨، ١٩ «١٨ فَقَالَ: مَاذَا يُشْبِهُ مَلَكُوتُ ٱللّٰهِ، وَبِمَاذَا أُشَبِّهُهُ؟ ١٩ يُشْبِهُ حَبَّةَ خَرْدَلٍ أَخَذَهَا إِنْسَانٌ وَأَلْقَاهَا فِي بُسْتَانِهِ، فَنَمَتْ وَصَارَتْ شَجَرَةً كَبِيرَةً، وَتَآوَتْ طُيُورُ ٱلسَّمَاءِ فِي أَغْصَانِهَا».

متّى ١٣: ٣١ ومرقس ٤: ٣٠

أتى المسيح بهذا المثل وقتاً آخر وقد مرّ الكلام عليه في الشرح متّى ١٣: ٣١ و٣٢. ومعظم الغاية من هذا المثل بيان قوة الإنجيل على الانتشار.

مثل الخميرة ع ٢٠ و٢١

٢٠, ٢١ «٢٠ وَقَالَ أَيْضاً: بِمَاذَا أُشَبِّهُ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ؟ ٢١ يُشْبِهُ خَمِيرَةً أَخَذَتْهَا ٱمْرَأَةٌ وَخَبَّأَتْهَا فِي ثَلاَثَةِ أَكْيَالِ دَقِيقٍ حَتَّى ٱخْتَمَرَ ٱلْجَمِيعُ».

متّى ١٣: ٣٣

ضرب المسيح هذا المثل في وقت آخر ومرّ الكلام عليه في شرح بشارة متّى ١٣: ٣٨. ومعظم الغاية من هذا المثل إعلان ما للإنجيل من قوة التغيير للقلوب وللعالم. وفي هذا المثل والمثل الذي قبله بيان ظفر الإنجيل أخيراً وإصلاح أفكار اليهود في شأن ملكوت المسيح من أنه يأتي دفعة ويكون ذا مجد عالمي وقوة خارجية خارقة الطبيعة.

تعاليم المسيح في بيرية وهو سائر إلى أورشليم ع ٢٢ إلى ص ١٨: ١٤

٢٢ «وَٱجْتَازَ فِي مُدُنٍ وَقُرىً يُعَلِّمُ وَيُسَافِرُ نَحْوَ أُورُشَلِيمَ».

متّى ٩: ٣٥ ومرقس ٦: ٦

فِي مُدُنٍ وَقُرىً هي مدن بيرية وقراها حيث بشّر السبعون قدام المسيح (ص ١٠: ١).

يُسَافِرُ نَحْوَ أُورُشَلِيمَ هذا جزء من السفر الذي ذُكرت بداءته في (ص ٩: ٥١ ومتّى ١٩: ١ ومرقس ١٠: ١ ويوحنا ١٠: ٤٠). ولم يسافر المسيح في طريق مستقيم بل مرّ أولاً في السامرة (ص ٩: ٥٢ و١٧: ١١) ثم عاد إلى بيرية.

سؤال عن عدد الذين يخلصون ع ٢٣ إلى ٣٠

٢٣ «فَقَالَ لَـهُ وَاحِدٌ: يَا سَيِّدُ، أَقَلِيلٌ هُمُ ٱلَّذِينَ يَخْلُصُونَ؟ فَقَالَ لَـهُمُ».

وَاحِدٌ نستنتج أن هذا الواحد من جملة المجتمعين غير التلاميذ وليست غايته من سؤاله طلب الفائدة بل مجرد الوقوف على أمر مجهول.

أَقَلِيلٌ هُمُ ٱلَّذِينَ يَخْلُصُونَ أي ينجون من العقاب الأبدي ويفوزون بالسعادة السماوية. ومراده معرفة نسبة الذين يخلصون إلى الذين يهلكون وهو موضوع مناظرة عند اليهود. فقال بعضهم أن «الذين يخلصون» هم كل أولاد إبراهيم وقال آخرون هم قليل من أولاده استناداً على أنه لم يخلص من كل جنود الإسرائيليين الذين خرجوا من مصر سوى اثنين واتفق الفريقان على أن الخلاص مقصور على اليهود.

ولعلّ هذا السائل سمع من المسيح أنه ليس كل اليهود يشتركون في فوائد الملكوت السماوي (ص ١١: ٤٧ – ٥١) فأراد أن يعرف نسبة الخالصين إلى الهالكين أملاً أن يتبين له من الجواب كثرة الذين يخلصون فيزيد اطمئناناً بخلاص نفسه.

فَقَالَ لَـهُمُ السائل واحد لكنه كان نائباً عن الجمع فكان جواب المسيح للجميع لأن ذلك الجواب مما يهمهم كلهم وهم راغبون في سمعه.

٢٤ «ٱجْتَهِدُوا أَنْ تَدْخُلُوا مِنَ ٱلْبَابِ ٱلضَّيِّقِ، فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَطْلُبُونَ أَنْ يَدْخُلُوا وَلاَ يَقْدِرُونَ».

متّى ٧: ١٣، يوحنا ٧: ٣٤ و٨: ٢١ و١٣: ٣٣ ورومية ٩: ٣١

ٱجْتَهِدُوا هذا ليس بجواب على السؤال المذكور بل على ما كان يجب أن يسأل عنه وهو «ماذا أعمل لكي أخلص» فكأن المسيح قال له لا يعنيك أمر غيرك فاطلب خلاص نفسك. وعلى هذا الأسلوب كان جواب المسيح للناموسي (ص ١٠: ٢٩) وجوابه لبطرس (ص ١٢: ٤١) وليهوذا (ليس الإسخريوطي) (ص ١٤: ٢٢ و٢٣).

ومع أن المسيح لم يجب على السؤال عينه نقدر أن نعرف ما هو الجواب من نصوص أُخر في الكتاب المقدس وهو أن عدد المخلصين يزيد على عدد الهالكين إذا حسبنا كل الذين يموتون قبل سن التكليف ممن يخلصون بواسطة المسيح وكل الذين آمنوا به وممن يؤمنون به في الأزمنة الأخيرة. ولعلّ نسبة الهالكين في جهنم إلى الناجين في السماء ليست بأعظم من نسبة المسجونين على الأرض لذنوبهم إلى الذين يتمتعون بحريتهم.

ومعنى الاجتهاد هنا استعمال كل وسائط الخلاص بغيرة ونشاط كالمتصارعين في المشاهد وكالمتحاربين في الوقائع ويجب أن يكون ذلك الاجتهاد قبل الاجتهاد في غيره من الأمور.

مِنَ ٱلْبَابِ ٱلضَّيِّقِ استعار المسيح للسماء هنا مدينة أو قصراً مدخل كل منهما ضيق. وقد مرّ الإيضاح عن هذه الاستعارة في شرح بشارة متّى ٧: ١٣ و١٤.

وَلاَ يَقْدِرُونَ الأرجح أن الكلام هنا يتصل بالكلام الذي في العدد الخامس والعشرين وأن المسيح أراد أن يذكر أحد الأسباب المانعة للناس من دخول السماء وهو طلبهم الدخول بعد فوات الوقت. ومن أسباب عدم دخولهم أنهم لم يجتهدوا كما يجب أي كان اجتهادهم قليلاً إلى أمد قصير. وأنهم لم يجتهدوا في ذلك أولاً. وأنهم طلبوا الدخول ببرّ أنفسهم لا ببرّ المسيح وأبوا أن يدخلوا من باب التوبة والإيمان وإنكار الذات وهو الباب الضيق وباب السماء الوحيد. وقول المسيح كثيرون لا يدخلونه مما يوجب شدة الاجتهاد. فكأنه قال للسائل وللجميع الهالكون كثيرون فلذلك كل منكم في خطر الهلاك.

٢٥ «مِنْ بَعْدِ مَا يَكُونُ رَبُّ ٱلْبَيْتِ قَدْ قَامَ وَأَغْلَقَ ٱلْبَابَ، وَٱبْتَدَأْتُمْ تَقِفُونَ خَارِجاً وَتَقْرَعُونَ ٱلْبَابَ قَائِلِينَ: يَا رَبُّ يَا رَبُّ، ٱفْتَحْ لَنَا، يُجِيبُكُمْ: لاَ أَعْرِفُكُمْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ!».

مزمور ٣٢: ٦ وإشعياء ٥٥: ٦، متّى ٢٥: ١٠ ص ٦: ٤٦، متّى ٧: ٢٣ و٢٥: ١٢

ِمِنْ بَعْد كثيرون يرون أن هذا الكلام متعلق بالكلام السابق أي أن كثيرين لا يقدرون أن يدخلوا من بعد ما يكون رب البيت قد قام والمعنى أنهم أخروا الطلب إلى أن فات الوقت فكان طلبهم الدخول حينئذ عبثاً. فعلى هذا يكون طلبهم الدخول قرعهم الباب وصراخهم من خارج. وعلّة عدم قدرتهم على الدخول التباطؤ في الطلب فيجب الاجتهاد في الحال لئلا تمر الفرصة بالتباطؤ.

رَبُّ ٱلْبَيْتِ قَدْ قَامَ أشار المسيح بذلك إلى نفسه كأنه صاحب بيت أولم لعائلته وأصدقائه الذين يأتون في الوقت المعين فبعد ما مضى ذلك الوقت أغلق الباب ولم يفتحه بعد لأحد.

ومعنى ذلك أن الله قد عيّن وقتاً لطلب الخلاص وهو الزمن الحاضر أو بالإجمال مدة حياة الإنسان فباب التوبة يُغلق دون كل إنسان عند موته وينتهي حينئذ زمن النعمة.

وقد مرّ تفسير ذلك في شرح بشارة متّى (متّى ٢٥: ١٠ و١١).

تَقِفُونَ… تَقْرَعُونَ… قَائِلِينَ أشار بذلك إلى انفعالات المرفوضين وأقوالهم وأعمالهم عندما يقفون قدام الله للدينونة الأخيرة.

٢٦، ٢٧ «٢٦ حِينَئِذٍ تَبْتَدِئُونَ تَقُولُونَ: أَكَلْنَا قُدَّامَكَ وَشَرِبْنَا، وَعَلَّمْتَ فِي شَوَارِعِنَا. ٢٧ فَيَقُولُ: أَقُولُ لَكُمْ لاَ أَعْرِفُكُمْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ! تَبَاعَدُوا عَنِّي يَا جَمِيعَ فَاعِلِي ٱلظُّلْمِ».

متّى ٧: ٢٣ و٢٥: ٤١ وع ٢٥، مزمور ٦: ٨ ومتّى ٢٥: ٤١

انظر الشرح متّى ٧: ٢٢ و٢٣.

لاَ أَعْرِفُكُمْ من جملة الهالكين بعض الذين تظاهروا على الأرض أنهم من تلاميذ المسيح وحصلوا على أعظم وسائط النعمة وأعظم اعتبار الناس فهؤلاء لم يكونوا مسيحيين بالحق ولم يعرفهم المسيح من خاصته لأنه لو عرفهم كذلك مرة لعرفهم دائماً.

فَاعِلِي ٱلظُّلْمِ ترك المسيح مثل المتباطئين عن الوليمة وخاطب المتأخرين عن التوبة وهم المشار إليهم بالمثل الذين دينونتهم باقية عليهم لبقائهم في خطاياهم.

٢٨، ٢٩ «٢٨ هُنَاكَ يَكُونُ ٱلْبُكَاءُ وَصَرِيرُ ٱلأَسْنَانِ، مَتَى رَأَيْتُمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَمِيعَ ٱلأَنْبِيَاءِ فِي مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ، وَأَنْتُمْ مَطْرُوحُونَ خَارِجاً. ٢٩ وَيَأْتُونَ مِنَ ٱلْمَشَارِقِ وَمِنَ ٱلْمَغَارِبِ وَمِنَ ٱلشِّمَالِ وَٱلْجَنُوبِ، وَيَتَّكِئُونَ فِي مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ».

متّى ٨: ١٢ و١٣: ٤٢ و٢٤: ٥١، متّى ٨: ١١

انظر الشرح متّى ٨: ١١ و١٢.

مِنَ ٱلْمَشَارِقِ وَمِنَ ٱلْمَغَارِبِ الخ أي من كل ممالك الارض. فأشار المسيح بذلك إلى دعوة الأمم إلى الكنيسة واشتراكهم مع الآباء والأنبياء في فوائد ملكوت الله. وفحوى ع ٢٤ أن الهالكين كثيرون فاحذروا أن تكونوا منهم. وفحوى هذين العددين أن الخالصين كثيرون لا من اليهود فقط بل من الأمم أيضاً فاحترسوا من أن لا تكونوا بينهم وإلا فلا منفعة لكم من كثرتهم.

٣٠ «وَهُوَذَا آخِرُونَ يَكُونُونَ أَوَّلِينَ، وَأَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ».

متّى ١٩: ٣٠ و٢٠: ١٦ ومرقس ١٠: ٣١

انظر الشرح متّى ١٩: ٣٠ و٢٠: ١٦ ومرقس ١٠: ٣١.

الأولون هنا الذين صاروا آخرين هم اليهود المتكلون على برّ أنفسهم والآخرون الذين صاروا أولين تبّاع المسيح المهانون من اليهود والأمم. ويصدق هذا الكلام على أفراد الناس وعلى كنائس وعلى ممالك.

تهديد هيرودس ع ٣١ إلى ٣٥

٣١ «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ تَقَدَّمَ بَعْضُ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ قَائِلِينَ لَـهُ: ٱخْرُجْ وَٱذْهَبْ مِنْ هٰهُنَا، لأَنَّ هِيرُودُسَ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَكَ».

لم يذكر هذا الحادث سوى لوقا.

بَعْضُ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ يحتمل أن هؤلاء الفريسيين ذهبوا إلى هيرودس لكي يشتكوا على المسيح فعادوا إليه بتهديده. ويتبين أن ذلك لم يكن من اختراع الفريسيين لأن جواب المسيح كان موجهاً إلى هيرودس.

ٱذْهَبْ مِنْ هٰهُنَا كانت بيرية يومئذ جزءاً من مملكة هيرودس كالجليل. وعلّة أمر هيرودس له بالذهاب من هنالك أنه علم ميل الشعب إلى المسيح وبغض رؤساء الدين إياه فخاف من الشغب والتشويش. ولم يرد أن يقتله خوفاً من الشعب ولم يرد أن يتركه هنالك خوفاً من الفتنة.

هِيرُودُس هو هيرودس أنتيباس الذي قتل يوحنا المعمدان (متّى ١٤: ١).

يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَكَ الأرجح أن هذا التهديد كان خداعاً من هيرودس لأنه حين وقع المسيح في يده لم يقتله (ص ٢٣: ١١). وإنما هذا الخداع ليخاف المسيح ويذهب من مملكته.

وليس في قول لوقا هنا ما يخالف قوله في موضع آخر أن هيرودس «كَانَ يُرِيدُ مِنْ زَمَانٍ طَوِيلٍ أَنْ يَرَاهُ» (ص ٢٣: ٨) لأنه كان إنساناً متقلب الآراء. فكان يشتهي أحياناً أن يرى يسوع رجاء ان يصنع معجزة أمامه وأحياناً أن يتخلص منه خوف الفتنة وإرضاء للفريسيين وتسكيناً لاضطراب نفسه الذي دل عليه قوله «هٰذَا هُوَ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانُ قَدْ قَامَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ» (متّى ١٤: ٢).

٣٢ «فَقَالَ لَـهُمُ: ٱمْضُوا وَقُولُوا لِهٰذَا ٱلثَّعْلَبِ: هَا أَنَا أُخْرِجُ شَيَاطِينَ، وَأَشْفِي ٱلْيَوْمَ وَغَداً، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ أُكَمَّلُ».

فيلبي ٣: ١٢ وعبرانيين ٢: ١٠

لِهٰذَا ٱلثَّعْلَبِ الثعلب حيوان مشهور بالرواغ والاحتيال والقساوة والإضرار. وشبّه المسيح هيرودس به لمشاركته الثعلب في تلك الصفات. ومن أدلة هذا إرساله إليه ذلك التحذير بواسطة الذين يظهرون له الصداقة مماثلاً الثعلب في الخداع بدلاً من أن يقبض عليه علناً بالنظر إلى أنه ملك.

ٱلْيَوْمَ وَغَداً، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ هذا الكلام كان جارياً عندهم مجرى المثل في الدلالة على قصر الوقت (هوشع ٦: ٢) وقصد المسيح من جوابه لهيرودس تبيين أنه لا يخافه لأمرين. الأول أن أعماله لا تقاوم سلطانه لأنها مقصورة على إخراج الشياطين وشفاء المرضى والثاني أنه لا يبقى في مملكة هيروس إلا زمناً يسيراً.

أُكَمَّلُ أي أتمم ما عليّ من الأعمال وأكون متهيئاً لآلامي وموتي كما يبين من (يوحنا ٤: ٣٤ و٥: ٣٦ وعبرانيين ٢: ١٠ و٥: ٩). والأرجح أن هذا الكلام لم يفهم هيرودس معناه المراد.

٣٣ «بَلْ يَنْبَغِي أَنْ أَسِيرَ ٱلْيَوْمَ وَغَداً وَمَا يَلِيهِ، لأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَهْلِكَ نَبِيٌّ خَارِجاً عَنْ أُورُشَلِيمَ».

يَنْبَغِي أَنْ أَسِيرَ ٱلْيَوْمَ وَغَداً وَمَا يَلِيهِ هذا جواب على تهديد هيرودس له ليذهب من بيرية. ومعنى المسيح أنه يذهب من بيرية بعد قليل لا خوفاً من تهديد هيرودس أو تحذير الفريسيين المرائين بل طوعاً لأمر أسمى من أمر هيرودس. ولكنه قصد أن يزور بعض المدن والقرى في بيرية وهو ذاهب إلى أورشليم كما كان قبلاً ع ٢٢. وقوله «ينبغي» يدل على قضاء الله ببقائه حياً على الأرض مدة معينة. وليس المراد من قوله «اليوم وغداً وما يليه» ثلاثة أيام حقيقة بل وقتاً قصيراً كما مرّ في العدد الذي قبل هذا لأن يسوع بقي حياً أكثر من ذلك قبل أن يُرفع على الصليب.

لأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَهْلِكَ نَبِيٌّ الخ عدم الإمكان هذا أدبي لا مادي. فحكم المسيح أغلبي بدليل أن يوحنا وغيره من الأنبياء قتلوا خارج أورشليم. فكأن المسيح قال أكثر الأنبياء قتلوا في أورشليم وأنا أُقتل هنالك أيضاً ولا بد من ذلك وفقاً لكل شهرتها الماضية في مقاومتها للحق وجورها على الأنبياء ووفقاً لمقاومتها السابقة لي وهي مركز كل المقاومات لي.

ولعلّ المسيح أراد أنه لا يمكن قتل نبي خارج أورشليم بمقتضى الشريعة لأن المجلس الذي يحكم في دعاوي الأنبياء هو في أورشليم فإن حكم ذلك المجلس على أحد بأنه نبي كاذب مجدف قضى عليه بأنه مستحق الموت وسلمه للرومانيين في أورشليم ليجروا ذلك القضاء.

٣٤، ٣٥ «٣٤ يَا أُورُشَلِيمُ يَا أُورُشَلِيمُ، يَا قَاتِلَةَ ٱلأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ ٱلدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا. ٣٥ هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَاباً! وَٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَنِي حَتَّى يَأْتِيَ وَقْتٌ تَقُولُونَ فِيهِ: مُبَارَكٌ ٱلآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ».

متّى ٢٣: ٣٧، لاويين ٢٦: ٣١ و٣٢ ومزمور ٦٩: ٢٥ وإشعياء ١: ٧ ودانيال ٩: ٢٧ وميخا ٣: ١٢، مزمور ١١٨: ٢٦ ومتّى ٢١: ٩ ومرقس ١١: ١٠ وص ١٩: ٣٨ ويوحنا ١٢: ١٣

ذكر المسيح لأورشليم باعتبار أنها محل آلامه وموته. وتأمله في ذنبها والعقاب المعد لها حملاه على هذه المرثاة التي كانت نظير المرثاة التي تكلم بها يوم وقف أمام تلك المدينة ونظر إليها (ص ١٩: ٤١).

وقد فُسرت هذه الكلمات في متّى ٢٣: ٣٧ – ٣٩.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى