إنجيل لوقا | 12 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح إنجيل لوقا
للدكتور . وليم إدي
الأصحاح الثاني عشر
التحذير من الرياء والخوف ع ١ إلى ١٢
١ «وَفِي أَثْنَاءِ ذٰلِكَ إِذِ ٱجْتَمَعَ رَبَوَاتُ ٱلشَّعْبِ، حَتَّى كَانَ بَعْضُهُمْ يَدُوسُ بَعْضاً، ٱبْتَدَأَ يَقُولُ لِتَلاَمِيذِهِ: أَوَّلاً تَحَرَّزُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَمِيرِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ ٱلَّذِي هُوَ ٱلرِّيَاءُ».
متّى ١٦: ٦ ومرقس ٨: ١٥، متّى ١٦: ١٢
ذُكرت في هذا الأصحاح أقوال كثيرة قالها المسيح مراراً تقريراً لها في أذهان تلاميذه فعل سائر المعلمين. ففي هذا الأصحاح تسع وخمسون آية خمس وثلاثون منها ذُكرت في أوقات أخرى.
فِي أَثْنَاءِ ذٰلِكَ أي في مدة الحوادث التي ذُكرت في الأصحاح السابق.
ٱجْتَمَعَ رَبَوَاتُ ٱلشَّعْبِ لا نعلم في أي مكان من بيرية اجتمعوا إنما نعلم أن المسيح كان حينئذٍ مسافراً السفر الذي ذُكرت بداءته في ص ١١: ٢٩. وكانت مقاصد المجتمعين مختلفة فكان مقصد البعض مشاهدة الغرائب ومقصد البعض الاستفادة ومقصد البعض شفاء الأمراض ومقصد الآخرين الانتقاد والمقاومة.
لِتَلاَمِيذِهِ كان الخطاب السابق للكنيسة والفريسيين وهنا وجّه المسيح الكلام إلى المؤمنين به لا إلى الاثني عشر وحدهم.
خَمِيرِ أي تعليم الفريسيين. وذكر وجه المشابهة بين الخمير وتعليمهم في الشرح (متّى ١٦: ٦ و١٢).
ٱلرِّيَاءُ حذر المسيح التلاميذ أولاً من الرياء لأنهم في شديد الخطر منه لتعرضهم للاقتداء بالفريسيين المرائين الذين هم رؤساء الدين.
٢ «فَلَيْسَ مَكْتُومٌ لَنْ يُسْتَعْلَنَ، وَلاَ خَفِيٌّ لَنْ يُعْرَفَ».
متّى ١٠: ٢٦ ومرقس ٤: ٢٢ وص ٨: ١٧
سبق تفسير هذه الآية في شرح بشارة متّى ١٠: ٢٧ وذكر المسيح فيها أحد أسباب تحذيره للتلاميذ من الرياء وهو أنه لا ينفع صاحبه لأنه ستر القداسة الخداعية الذي يتمزق فتظهر وراءه النجاسة وكثيراً ما يكون ذلك في هذه الحياة ولكن لا بد منه في يوم الدين.
٣ «لِذٰلِكَ كُلُّ مَا قُلْتُمُوهُ فِي ٱلظُّلْمَةِ يُسْمَعُ فِي ٱلنُّورِ، وَمَا كَلَّمْتُمْ بِهِ ٱلأُذُنَ فِي ٱلْمَخَادِعِ يُنَادَى بِهِ عَلَى ٱلسُّطُوحِ».
الكلام هنا كالكلام في بشارة متّى (متّى ١٠: ٢٦) فانظر تفسيره هناك. قصد المسيح أن يكون تلاميذه شركاءه في نشر الحق فما علّمهم إياه على انفراد أراد أن ينادوا به علانية لكي ينادي به الذين يتعلّمون منهم. وبذلك ينتشر خبره في كل المسكونة. وكان التلاميذ يضطرون في أزمنة الاضطهاد أن يجتمعوا خفية ويعلّموا غيرهم سراً ولكن تعليمهم كله كان يظهر في وقت الأمن.
٤، ٥ «٤ وَلٰكِنْ أَقُولُ لَكُمْ يَا أَحِبَّائِي: لاَ تَخَافُوا مِنَ ٱلَّذِينَ يَقْتُلُونَ ٱلْجَسَدَ، وَبَعْدَ ذٰلِكَ لَيْسَ لَـهُمْ مَا يَفْعَلُونَ أَكْثَرَ. ٥ بَلْ أُرِيكُمْ مِمَّنْ تَخَافُونَ: خَافُوا مِنَ ٱلَّذِي بَعْدَمَا يَقْتُلُ، لَـهُ سُلْطَانٌ أَنْ يُلْقِيَ فِي جَهَنَّمَ. نَعَمْ أَقُولُ لَكُمْ: مِنْ هٰذَا خَافُوا!».
إشعياء ٥١: ٧ و٨ و١٢ و١٣ وإرميا ١: ٨ ومتّى ١٠: ٢٨ ويوحنا ١٥: ١٤ و١٥
راجع الشرح متّى ١٠: ٢٧.
نتعلّم من هاتين الآيتين أن النفس تبقى حية بعد انفصالها عن الجسد. وأن قوة الناس على النفس تنتهي عند الموت. وكثيراً ما تعزّى الشهداء بهذا الكلام زمن الاضطهاد.
يَا أَحِبَّائِي هذه أول مرة ذُكر خطاب المسيح لتلاميذه بهذه الكلمة بياناً لمحبته وثقته بهم. وكررها أيضاً في بشارة يوحنا ١٥: ١٣ – ١٥.
ٱلَّذِي بَعْدَمَا يَقْتُلُ الخ هو الله وخوف الله يطرد خوف الناس من القلب.
٦، ٧ «٦ أَلَيْسَتْ خَمْسَةُ عَصَافِيرَ تُبَاعُ بِفَلْسَيْنِ، وَوَاحِدٌ مِنْهَا لَيْسَ مَنْسِيّاً أَمَامَ ٱللّٰهِ؟ ٧ بَلْ شُعُورُ رُؤُوسِكُمْ أَيْضاً جَمِيعُهَا مُحْصَاةٌ! فَلاَ تَخَافُوا. أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ!».
راجع الشرح متّى ١٠: ٢٩ – ٣١.
يظهر من هذا الكلام أن عناية الله تشمل الأمور الدقيقة وفي ذلك خير عزاء للمسيحي. وقد حقق المسيح لتلاميذه أن الله يعتني بهم عناية خاصة.
خَمْسَةُ عَصَافِيرَ تُبَاعُ بِفَلْسَيْنِ جاء في متّى «عصفوران يباعان بفلس» وهنا خمسة بفلسين حسب عادة البيع أنه على قدر زيادة المبيع يقل الثمن. وكل ذلك بيان لخسة قدر العصافير وعظمة عناية الله وشمولها.
٨، ٩ «٨ وَأَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنِ ٱعْتَرَفَ بِي قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، يَعْتَرِفُ بِهِ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ ٱللّٰهِ. ٩ وَمَنْ أَنْكَرَنِي قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، يُنْكَرُ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ ٱللّٰهِ».
متّى ١٠: ٣٢ ومرقس ٨: ٣٨ و٢تيموثاوس ٢: ١٢ و١يوحنا ٢: ٢٣
راجع الشرح متّى ١٠: ٣٢ و٣٣.
جاء في بشارة متّى «قدام أبي الذي في السماوات» وهنا «قدام ملائكة الله» وكل من القولين يتضمن الآخر لأنه حيث الله في السماء فهنالك الملائكة وحيث الملائكة فهنالك الله.
١٠ «وَكُلُّ مَنْ قَالَ كَلِمَةً عَلَى ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ يُغْفَرُ لَـهُ، وَأَمَّا مَنْ جَدَّفَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ فَلاَ يُغْفَرُ لَـهُ».
متّى ١٢: ٣١ و٣٢ ومرقس ٣: ٢٨ و٢٩ و١يوحنا ٥: ١٦
انظر الشرح متّى ١٢: ٣١ و٣٢.
١١، ١٢ «١١ وَمَتَى قَدَّمُوكُمْ إِلَى ٱلْمَجَامِعِ وَٱلرُّؤَسَاءِ وَٱلسَّلاَطِينِ فَلاَ تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَحْتَجُّونَ أَوْ بِمَا تَقُولُونَ، ١٢ لأَنَّ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ يُعَلِّمُكُمْ فِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ مَا يَجِبُ أَنْ تَقُولُوهُ».
متّى ١٠: ١٩ ومرقس ١٣: ١١ وص ٢١: ١٤
انظر الشرح متّى ١٠: ١٧ – ٢٠.
تحذير من الطمع ع ١٣ إلى ٢١
١٣ «وَقَالَ لَـهُ وَاحِدٌ مِنَ ٱلْجَمْعِ: يَا مُعَلِّمُ، قُلْ لأَخِي أَنْ يُقَاسِمَنِي ٱلْمِيرَاثَ».
وَاحِدٌ مِنَ ٱلْجَمْعِ هو ليس بتلميذ لكنه أحد الحاضرين المهتمين بأمورهم الخاصة.
يَا مُعَلِّمُ، قُلْ لأَخِي من البلادة أن يطلب الإنسان أموره الخاصة الدنيوية في أثناء الكلام على الروحيات بدون الاعتبار الواجب للمتكلم وللسامعين وللحقائق التي هي موضوع الخطاب. وقد أخطأ هذا السائل غاية المسيح من مجيئه وظنه أتى لكي ينشئ مملكة عالمية يمارس وظائف الحكام السياسيين ويصلح ما فسد من الشرائع السياسية وذلك خلاف تلك الغاية لأنه لم يأت المسيح للتعرض للأمور السياسية بل ليؤسس ملكوتاً روحياً ويحث الناس على اقتناء كنز في السماء وميراث أبدي.
يُقَاسِمَنِي ٱلْمِيرَاثَ طريق قسمة الميراث بُنيت في شريعة موسى (تثنية ٢١: ٧). رأى هذا الرجل تأثير كلام المسيح في السامعين وشاء أن يستخدم ذلك التأثير في فصل الدعوة بينه وبين أخيه.
١٤ «فَقَالَ لَـهُ: يَا إِنْسَانُ، مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِياً أَوْ مُقَسِّماً؟».
خروج ٢: ١٤ ويوحنا ١٨: ٣٦
مَنْ أَقَامَنِي الخ هذا استفهام إنكاري معناه أنه لم يقمه أحد قاضياً لا إنسان ولا الله. فلو حكم المسيح لذلك الرجل أو عليه لأقام نفسه مقام الحاكم السياسي وهو أبى ذلك على الدوام. نعم إن المسيح صرّح بأنه ملك إسرائيل لكنه بيّن أن ملكوته روحي (يوحنا ١٨: ٣٦). وهذا السبب الأعظم لرفضه ذلك الطلب. وكان لهذا سبب ثان دون ذاك وهو أنه لم يرد أن يترك حجة لأعدائه يشتكون بها عليه. وهذا كفعله في أمر الزانية (يوحنا ٨: ١١) وفي أمر إعطاء الجزية لقيصر (متّى ٢٢: ١٥). ولعلّ ذلك الإنسان كان آلة للفريسيين ليصطادوا المسيح بما يجيبه به. ومع أن المسيح أبى أن يتعرض لمثل ذلك الأمر علّم مبادئ إذا سلك الناس بمقتضاها بطلت الدعاوي وجرى العدل وأحب الإنسان غيره كنفسه.
وسلوك المسيح في هذا الأمر مثال حسن لكل خدمة الدين ليعتزلوا التعرض لأن يكونوا حكاماً سياسيين. واختبار الكنيسة يبين صلاح ذلك المبدإ أي أن لا يكون رؤساء الدين حكاماً سياسيين. وهذا وفق نصيحة بولس لتيموثاوس (١تيموثاوس ٤: ١٣ و١٤). وليس في ذلك ما ينافي قول الرسول في رسالته الأولى إلى الكورنثيين (١كورنثوس ٦: ١ – ٨) لأن الرسول نصح هنالك التلاميذ أن يقضوا دعاويهم بتوسط بعضهم لبعض بالحسنى.
١٥ «وَقَالَ لَـهُمُ: ٱنْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ ٱلطَّمَعِ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ».
١تيموثاوس ٦: ٧ الخ، متّى ٤: ٤
تَحَفَّظُوا مِنَ ٱلطَّمَعِ الطمع شدة الرغبة في الخير الزمني وهو مخالف للوصية العاشرة (خروج ٢٠: ١٧) وعبادة للأوثان (كولوسي ٣: ٥). والأرجح أن المسيح رأى غاية ذلك السائل الطمع. والسائل نفسه أعلن ذلك بقطعه الحديث الروحي بطلبه الدنيوي. وعلى كل حال إنّ علّة الخلاف غالباً في قسمة الميراث هو الطمع الذي يحمل الواحد على أخذ أكثر من حقه والآخر على إباءته ما يحق له.
حَيَاتُهُ ذهب بعضهم أن المقصود هنا حياة الجسد فيكون معنى الآية على ذلك أن المقتنيات مهما كانت كثيرة لا تتكفل بحياة صاحبها لأنها لا تحميه من الموت. فالغني مهما وفر غناه لا يعيش إلى الأبد. وذهب البعض أن معنى الحياة هنا السعادة التي تجعل الحياة محبوبة. فالله مصدر سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة لا مقتنياته. وكلا المعنيين مستقيم ومفيد لأن حياة الإنسان الجسدية متوقفة على إرادة الله لا على المال وسعادته هبة من الله فليست نتيجة ثروته. ولكن خاتمة الكلام في ع ٢١ تدل على أن المقصود بالحياة هو السعادة الأبدية القائمة بكون الإنسان «غنياً لله».
مِنْ أَمْوَالِهِ لا بد من أن يترك كل إنسان أمواله عند الموت ولعله يضطر أن يتركها حالاً فلا يمكن أن تقوم سعادته الحقيقية بها بل بما يبقى له بعد الموت وإلى الأبد فالله وحده مصدر الحياة والسعادة.
١٦ «وَضَرَبَ لَـهُمْ مَثَلاً قَائِلاً: إِنْسَانٌ غَنِيٌّ أَخْصَبَتْ كُورَتُهُ».
لم يذكر هذا المثل أحد من البشيرين غير لوقا. ولا إشارة إلى أن ذلك الغني كان ظالماً. ويظهر أنه حصل على غناه بالوسائط العادية الجائزة وأن نجاحه هبة من الله بواسطة خصب كورته. فلو أحسن التصرف بثروته لكانت بركة له.
١٧ «فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ قَائِلاً: مَاذَا أَعْمَلُ، لأَنْ لَيْسَ لِي مَوْضِعٌ أَجْمَعُ فِيهِ أَثْمَارِي؟».
لم يحمله غناه على القناعة ولم يقه من عناء البال. فقصر اهتمامه على خزن أمواله وعزم على الاستعداد لزيادتها وهذا وفق قول الحكيم «مَنْ يُحِبُّ ٱلْفِضَّةَ لاَ يَشْبَعُ مِنَ ٱلْفِضَّةِ، وَمَنْ يُحِبُّ ٱلثَّرْوَةَ لاَ يَشْبَعُ مِنْ دَخْلٍ» (جامعة ٥: ١٠). ووجه هذا الغني الخطاب إلى نفسه غير ملتفت إلى إرشاد الله. ولم يكترث بالإحسان إلى غيره مع أن أحسن الأمكنة لجمع أمواله بيوت فقراء الأرامل وأفواه جياع اليتامى فلو جمعها هنالك لكان كأنه جمعها في خزانة الله.
١٨، ١٩ «١٨ وَقَالَ: أَعْمَلُ هٰذَا: أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَعْظَمَ، وَأَجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غَلاَّتِي وَخَيْرَاتِي، ١٩ وَأَقُولُ لِنَفْسِي: يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ، مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَٱشْرَبِي وَٱفْرَحِي».
جامعة ١١: ٩ و١كورنثوس ١٥: ٣٢ ويعقوب ٥: ٥
خطئ هذا الإنسان بما أتاه (علاوة على ما أظهره به من غباوته) وذلك لستة أمور:
- الأول: أنه لم يفتكر في الله الذي وهب له تلك الخيرات فأنكر بقوله «غلاتي وخيراتي» إن مصدرها الله وأنه ليس سوى وكيل في التصرف بها.
- الثاني: أنه لم يبال بالفقراء وأظهر بقوله «أجمع في مخازني جميع غلاتي» إنه لم يقصد أن ينفق شيئاً منها على غيره. ولم يخطر على باله طريق من طرق التصرف بها سوى جمعها وبلعها.
- الثالث: أنه ظن نفسه الخالدة المخلوقة على صورة الله تشبع من الأطعمة الجسدية وخاطب نفسه بقوله «يا نفس لكِ خيرات كثيرة… استريحي وكلي الخ» كأنها نفس بهيمة وكأن الأكل والشرب أفضل النعم.
- الرابع: أنه لم يحسب حساب الموت وأظهر بقوله «خيرات موضوعة لسنين كثيرة» جهله احتمال أن يأتيه الموت في تلك الليلة عينها.
- الخامس: أنه لم يبال بالأبدية بعد الموت ولم يكترث بحاجات نفسه فيها.
- السادس: أن عاقبة الأمر أظهرت غباوته لأنه خسر نفسه وخسر السماء ولم يكن له أدنى شيء يعتاض به عن ذلك.
٢٠ «فَقَالَ لَـهُ ٱللّٰهُ: يَا غَبِيُّ، هٰذِهِ ٱللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهٰذِهِ ٱلَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟».
أيوب ٢٠: ٢٢ و٢٧: ٨ ومزمور ٥٢: ٧ ويعقوب ٤: ١٤، مزمور ٣٩: ٦ وإرميا ١٧: ١١
فَقَالَ لَـهُ ٱللّٰهُ إن ذلك الرجل لم يلتفت إلى الله لكن عدم التفاته إليه تعالى لم يمنع الله من أن يلتفت إليه. ولم نعلم كيف خاطبه الله أبصوت مسموع خاطبه أم برؤيا أم بإرسال ملاك الموت.
يَا غَبِيُّ أي يا جاهل. ظن ذلك الإنسان أنه حكيم بإعداده الأهراء والمخازن لجمع غلاته ولعلّ جيرانه حسبوه بذلك حكيماً سعيداً لكن الله حسبه «غبياً» وهو نفسه تيقن ذلك عند حلول الأجل وفوات الفرصة لإصلاح الخطأ.
هٰذِهِ ٱللَّيْلَةَ توقع ذلك الإنسان أن يحيا «سنين كثيرة» مع أن الساعات التي بقيت من حياته كانت أقل عدداً من السنين التي توقعها.
تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ المؤمن يستودع الله نفسه اختياراً لاعتقاده أنّه صديقه وأبوه وأما غير المؤمن فالله يطلب منه نفسه إجباراً. وعد ذلك الإنسان نفسه بالراحة والفرح باللذات الجسدية بقوله لنفسه «كلي واشربي وافرحي» ولكن الله طلب حضورها أمامه للمحاكمة والقضاء.
فَهٰذِهِ ٱلَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ معنى هذا السؤال أن ذلك الإنسان لا يعرف لمن تكون. أتقسم على كثيرين أم يأخذها من يكره هو أن يرثه إنما يعرف أنه لا يبقى له حق فيها بعد موته دقيقة واحدة.
والسؤال هنا كالسؤال في سفر الجامعة وهو قوله «فَكَرِهْتُ كُلَّ تَعَبِي ٱلَّذِي تَعِبْتُ فِيهِ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ حَيْثُ أَتْرُكُهُ لِلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَكُونُ بَعْدِي. وَمَنْ يَعْلَمُ، هَلْ يَكُونُ حَكِيماً أَوْ جَاهِلاً» (جامعة ٢: ١٨ و١٩ قابل بهذا مزمور ٣٩: ٦).
٢١ «هٰكَذَا ٱلَّذِي يَكْنِزُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ هُوَ غَنِيّاً لِلّٰهِ».
متّى ٦: ٢٠ وع ٣٣ و١تيموثاوس ٦: ١٧ إلى ١٩ ويعقوب ٢: ٥
هٰكَذَا أي مثل هذا الغبي. وضع المسيح أمامنا أمرين أحدهما إنسان غني والآخر الموت لنتحقق جهل من يتكل على الثروة لأن كل غنى ذلك الرجل لم ينفعه شيئاً ساعة موته. فمثل هذا غير مستعد للأبدية المستقبلة وليس له شيء من الكنوز السماوية.
يَكْنِزُ لِنَفْسِهِ هذا وصف لكل إنسان دنيوي جعل نفسه أهلاً له وكنزه الأرضي نصيب تلك النفس الوحيد.
وَلَيْسَ هُوَ غَنِيّاً لِلّٰهِ الذي يكنز لنفسه فقط بدون التفات إلى الله أو المحتاجين من إخوته البشر فهو فقير لله إذ ليس له ميراث عنده. وهذا لا يقتضي أن اقتناء المال شر بل أنه شر للذي ينفقه على نفسه ولا يسأل عن نصيب آخر.
وأما الغني لله فهو الغني بالإيمان (يعقوب ٢: ٥) والغني بالإعمال الصالحة (ع ٣٣ ومتّى ٥: ٢٠ و١تيموثاوس ٦: ١٨). والغني بمحبة الله (رؤيا ٢: ٩ قابل ص ١٦: ١١ وأمثال ٨: ١٨ و١٩: ١٧).
فكل إنسان إما يجمع لنفسه وإما يجمع لله ومن المحال أن يجمع للاثنين معاً فعليه أن يختار أحدهما فإن اختار الأول هلك هو وكنزه معاً وإن اختار الثاني كان غنى الله غناه إلى الأبد وإن كان فقيراً على الأرض.
الاتكال على الله ع ٢٢ إلى ٣٤
٢٢ – ٣١ «٢٢ وَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: مِنْ أَجْلِ هٰذَا أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ، وَلاَ لِلْجَسَدِ بِمَا تَلْبَسُونَ. ٢٣ اَلْحَيَاةُ أَفْضَلُ مِنَ ٱلطَّعَامِ، وَٱلْجَسَدُ أَفْضَلُ مِنَ ٱللِّبَاسِ. ٢٤ تَأَمَّلُوا ٱلْغِرْبَانَ: أَنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ، وَلَيْسَ لَهَا مَخْدَعٌ وَلاَ مَخْزَنٌ، وَٱللّٰهُ يُقِيتُهَا. كَمْ أَنْتُمْ بِٱلْحَرِيِّ أَفْضَلُ مِنَ ٱلطُّيُورِ! ٢٥ وَمَنْ مِنْكُمْ إِذَا ٱهْتَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَامَتِهِ ذِرَاعاً وَاحِدَةً؟ ٢٦ فَإِنْ كُنْتُمْ لاَ تَقْدِرُونَ وَلاَ عَلَى ٱلأَصْغَرِ، فَلِمَاذَا تَهْتَمُّونَ بِٱلْبَوَاقِي؟ ٢٧ تَأَمَّلُوا ٱلزَّنَابِقَ كَيْفَ تَنْمُو! لاَ تَتْعَبُ وَلاَ تَغْزِلُ، وَلٰكِنْ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ وَلاَ سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا. ٢٨ فَإِنْ كَانَ ٱلْعُشْبُ ٱلَّذِي يُوجَدُ ٱلْيَوْمَ فِي ٱلْحَقْلِ وَيُطْرَحُ غَداً فِي ٱلتَّنُّورِ يُلْبِسُهُ ٱللّٰهُ هٰكَذَا، فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي ٱلإِيمَانِ؟ ٢٩ فَلاَ تَطْلُبُوا أَنْتُمْ مَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَشْرَبُونَ وَلاَ تَقْلَقُوا، ٣٠ فَإِنَّ هٰذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا أُمَمُ ٱلْعَالَمِ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَبُوكُمْ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هٰذِهِ. ٣١ بَلِ ٱطْلُبُوا مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ، وَهٰذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ».
متّى ٦: ٢٥، أيوب ٣٨: ٤١ ومزمور ١٤٧: ٩، متّى ٦: ٣٣
سبق الكلام على ذلك الشرح متّى ٦: ٢٥ – ٣٣.
مِنْ أَجْلِ هٰذَا (ع ٢٢) أي لما سبق من بيان أن الغنى الدنيوي قليل النفع لصاحبه وكثير التجربة له.
لاَ تَهْتَمُّوا عدم الاهتمام بالحاجات الدنيوية هنا يقتضي الاتكال على الآب السماوي الذي يمنحها.
ٱلْغِرْبَانَ جاء في متّى بدل ذلك «الطيور» ولكن الذي يصح هنا على الغربان يصح على سائر الطيور فاتخذها بدلاً من الكل كما جاء في سفر أيوب (أيوب ٣٨: ٤١ ومزمور ١٤٧: ٩).
فَإِنْ كُنْتُمْ لاَ تَقْدِرُونَ الخ (ع ٢٦) لم يذكر هذه الآية سوى لوقا. ومعناه أن لا فائدة من الاهتمام إذ لا تزيد به الحياة شيئاً فالأجدر أنه لا يأتي بشيء من حاجات الحياة.
لاَ تَقْلَقُوا (ع ٢٩) لم ينقل هذا سوى لوقا ومعناه لا تضطربوا أي لا تترددوا بين الخوف والرجاء.
٣٢ «لاَ تَخَفْ أَيُّهَا ٱلْقَطِيعُ ٱلصَّغِيرُ، لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ ٱلْمَلَكُوتَ».
متّى ١١: ٢٥ و٢٦
لاَ تَخَفْ من عدم ما يقوم بالاحتياجات الجسدية فمن كان الله له أباً وصديقاً لزم أن لا يخاف.
ٱلْقَطِيعُ ٱلصَّغِيرُ شبّه المسيح تلاميذه بالخراف لأنه هو راعيهم الصالح (يوحنا ١٠: ١١) ونعت القطيع بالصغير لأن المشبهين به كانوا قليلين بالنسبة إلى الألوف والربوات الكثيرة من أهل هذا العالم وبالنسبة إلى كثرة أعدائهم. ولكن الله لا ينسى ذلك القطيع وإن كان صغيراً.
لأَنَّ أَبَاكُمْ يعلن الله ذاته لمختاريه أبا لا مجرد ملك أو ديان فيجب أن هذا يزيل همومهم بالنظر إلى حاجاتهم الجسدية.
أَنْ يُعْطِيَكُمُ ٱلْمَلَكُوتَ أي ملكوت السماء فمن المحال أن الله يسمح بأن ورثة غنى الملكوت السماوي يعوزهم وسائط هذه الحياة القصيرة لأن الأكبر يشتمل على الأصغر. فيجب أن التفكير في غناهم الروحي الدائم ينفي التفكير في فقرهم الجسدي الزائل.
٣٣ «بِيعُوا مَا لَكُمْ وَأَعْطُوا صَدَقَةً. اِعْمَلُوا لَكُمْ أَكْيَاساً لاَ تَفْنَى وَكَنْزاً لاَ يَنْفَدُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، حَيْثُ لاَ يَقْرَبُ سَارِقٌ وَلاَ يُبْلِي سُوسٌ».
متّى ١٩: ٢١ وأعمال ٢: ٤٥ و٤: ٣٤، متّى ٦: ٢٠ وص ١٦: ٦ و١تيموثاوس ٩: ١٩
انظر الشرح متّى ٦: ١٩ و٢٠.
بِيعُوا مَا لَكُمْ وَأَعْطُوا صَدَقَةً يحتمل أن المسيح قصد إتمام هذا الأمر حقيقة لتلاميذه حين تركوا كل شيء واتبعوه ليبشروا بكلام الله. ويحتمل أنه قصد أن تلاميذه الأولين يفعلون ذلك في أول نشوء الدين المسيحي وهم فعلوا كذلك (أعمال ٢: ٤٤ و٤: ٣٢). ويحتمل أن تكون الأحوال اليوم موجبة ذلك. وعلى كل حال ذلك واجب علينا إذا أمرنا المسيح به حقيقة. ولكن الأرجح أن المسيح لم يقصد حقيقة إنما أراد أن نتصرف بمالنا الدنيوي في طريق نصل بها إلى الكنز الروحي لأن البيع كثيراً ما يكون بدل شيء بشيء فالذي يعطي الفقراء إكراماً ليسوع يبدل كنزه الأرضي بالكنز السماوي.
نعم إنّ الخلاص هبة لا يمكن أن يُشترى بالصدقات لكن الإنسان البخيل الذي يحسب الغنى خيره الأعظم لا يقدر أن يدخل السماء. والسؤال هنا ليس عما يعمله الإنسان ليخلص بل ماذا يعمل الإنسان في حال الخلاص ليزيد سعادته في السماء.
اِعْمَلُوا لَكُمْ أَكْيَاساً لاَ تَفْنَى هذا مجاز حقيقته الغنى الروحي الأبدي.
٣٤ «لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكُمْ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكُمْ أَيْضاً».
انظر الشرح متّى ٦: ٢١.
الحث على السهر ومثل السيد والعبد ع ٣٥ إلى ٤٠
٣٥ «لِتَكُنْ أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً وَسُرُجُكُمْ مُوقَدَةً».
متّى ٢٥: ١ الخ وأفسس ٦: ١٤ و١بطرس ١: ١٣
أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً هذا مجاز معناه أن يكونوا مستعدين للعمل ناشطين فيه غير منهمكين في أمور هذا العالم فكما أن اللابس الثوب الطويل بلا منطقة غير متأهب لسفر أو مستعد للسفر السماوي أو الخدمة الإلهية وأما مشدود الحقوين فهو عازم على العمل وشارع فيه (٢ملوك ٤: ٢٩ و٩: ١ وإرميا ١: ١٧ وأعمال ١٢: ٨).
وَسُرُجُكُمْ مُوقَدَةً الإشارة هنا إلى عبيد يتوقعون رجوع سيدهم ليلاً. والمقصود من ذلك أن المسيح سيرجع بعد ذهابه عن تلاميذه إلى السماء. وسبق الكلام على مثل هذا في مثل العشر العذارى (متّى ٢٥: ١ – ١٣).
وقصد المسيح بهذا القول أن يحث تلاميذه على أن يتوقعوا رجوعه دائماً وهم متيقظون غير مثقلين بالنوم الروحي. ولنا من ذلك وجوب أن نستعد أبداً للموت ولرجوع المسيح والاستعداد لأحد هذين الأمرين هو عين الاستعداد للثاني. والذي أوقد الروح القدس في قلبه سُرج الإيمان والرجاء والمحبة والطاعة لا يخشى ظلمات وادي ظل الموت.
٣٦ «وَأَنْتُمْ مِثْلُ أُنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ سَيِّدَهُمْ مَتَى يَرْجِعُ مِنَ ٱلْعُرْسِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ وَقَرَعَ يَفْتَحُونَ لَـهُ لِلْوَقْتِ».
تختلف صورة هذا المثل عن صورة مثل العذارى لأن أولئك العذارى كن منتظرات مجيء العريس لكي يرافقن العروس إلى بيته والعبيد هنا كانوا ينتظرون رجوع سيدهم إليهم من العرس وهم في بيته. وهذا السيد إما العريس نفسه يرجع بالعروس ورفيقاتها من بيت أبيها وإما أحد أصحاب العريس حضر الوليمة وعاد.
يَفْتَحُونَ لَـهُ لِلْوَقْتِ هذا إشارة إلى كونهم منتبهين ومستعدين.
٣٧ «طُوبَى لأُولَئِكَ ٱلْعَبِيدِ ٱلَّذِينَ إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُمْ يَجِدُهُمْ سَاهِرِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يَتَمَنْطَقُ وَيُتْكِئُهُمْ وَيَتَقَدَّمُ وَيَخْدِمُهُمْ».
متّى ٢٤: ٤٦
أشار المسيح بهذا إلى إثابته تلاميذه الأمناء المتوقعين رجوعه. وأظهر السيد في المثل تنازلاً غريباً بأنه خدم عبيده. نعم إنّه جرت العادة أن يخدم رب البيت ضيوفه كما فعل إبراهيم وهو غير عالم أن ضيوفه ملائكة (تكوين ١٨: ٧ و٨) ولكن لم تجر العادة أن يخدم السيد عبيده. وأظهر لهم علاوة على ذلك التنازل اعتباراً وإكراماً ومحبة. وأتى سيدنا يسوع المسيح مثل هذه الخدمة بغسله أرجل تلاميذه (يوحنا ١٦: ٤ – ١٢). وأبان بهذا المثل ما قصد أن يفعله لخدامه الأمناء يوم عرسه السماوي. ولا نستطيع أن ندرك الآن كل ما تضمنه هذا التشبيه من الإكرام والسعادة لكننا نعلم أن سعادة المؤمنين تكون كاملة حتى كأن سيدهم نفسه خادمهم هناك. وهذا أمر لو طلبنا شيئاً مثله لكان من أغرب مطامع الطمع.
٣٨ «وَإِنْ أَتَى فِي ٱلْهَزِيعِ ٱلثَّانِي أَوْ أَتَى فِي ٱلْهَزِيعِ ٱلثَّالِثِ وَوَجَدَهُمْ هٰكَذَا، فَطُوبَى لأُولَئِكَ ٱلْعَبِيدِ».
ٱلْهَزِيعِ ٱلثَّانِي أي الربع الثاني من الليل وقد سبق الكلام على أقسام الليل في الشرح (متّى ١٤: ٢٥).
ٱلْهَزِيعِ ٱلثَّالِثِ أي الربع الثالث من الليل وهو ثلاث ساعات بعد نصف الليل. ولم يذكر هنا الهزيع الأول لأنه لم يكن الوقت المناسب للعرس حسب العوائد ولم يذكر الهزيع الرابع لأن العرس ينتهي غالباً قبله. ويغلب أن يكون الناس عرضة للسبات في الهزيع الثاني والثالث خلافاً لتعرضهم في الأول والرابع.
وَوَجَدَهُمْ هٰكَذَا أي ساهرين مستعدين متوقعين رجوعه.
طُوبَى الخ كرر هذه العبارة لزيادة التقرير.
٣٩، ٤٠ «٣٩ وَإِنَّمَا ٱعْلَمُوا هٰذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ ٱلْبَيْتِ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي ٱلسَّارِقُ لَسَهِرَ، وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. ٤٠ فَكُونُوا أَنْتُمْ إِذاً مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ٱبْنُ ٱلإِنْسَان».
متّى ٢٤: ٤٣ و١تسالونيكي ٥: ٢ و٢بطرس ٣: ١٠ ورؤيا ٣: ٣ و١٦: ١٥، متّى ٢٤: ٤٤ و٢٥: ١٣ ومرقس ١٣: ٣٣ وص ٢١: ٣٤ و٣٦ و١تسالونيكي ٥: ٦ و٢بطرس ٣: ١٢
علّم المسيح تلاميذه وجوب السهر بمثل آخر وهو مثل إنسان سُرق بيته لعدم سهره. وقد ضرب المسيح هذا المثل في وقت آخر. وقد سبق تفسيره في الشرح (متّى ٤٢: ٤٣ و٤٤). وقد جاء هذا التشبيه في سفر الرؤيا ٣: ٣ و١٦: ١٥.
يَأْتِي ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ انظر الشرح مرقس ١٣: ٣٣.
صرّح المسيح بهاتين الآيتين أنه لا يمكن تلاميذه أن يعرفوا وقت مجيئه الثاني. وترك الوقت مجهولاً ليكون تلاميذه مستعدين أبداً ليتوقعوا مجيئه ساعة فساعة.
مثَل الوكيلين ع ٤١ إلى ٤٨
٤١ «فَقَالَ لَـهُ بُطْرُسُ: يَا رَبُّ، أَلَنَا تَقُولُ هٰذَا ٱلْمَثَلَ أَمْ لِلْجَمِيعِ أَيْضاً؟».
هٰذَا ٱلْمَثَلَ لعلّ بطرس عنى «بهذا المثل» كل ما ذكر بين الآية الثانية والثلاثين والآية الأربعين من التحاذير والوصايا والتشابيه والمواعيد وسماها كلها مثلاً لأن أكثر ألفاظها مجاز. أو لعله قصد مجرد ما قيل في الآية السابعة والثلاثين من خدمة السيد للعبد. وأراد بطرس ان يعرف هل هذا الكلام للتلاميذ فقط أو هو لكل الجمع.
٤٢ – ٤٦ «٤٢ فَقَالَ ٱلرَّبُّ: فَمَنْ هُوَ ٱلْوَكِيلُ ٱلأَمِينُ ٱلْحَكِيمُ ٱلَّذِي يُقِيمُهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ ٱلْعُلُوفَةَ فِي حِينِهَا؟ ٤٣ طُوبَى لِذٰلِكَ ٱلْعَبْدِ ٱلَّذِي إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ يَجِدُهُ يَفْعَلُ هٰكَذَا! ٤٤ بِٱلْحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يُقِيمُهُ عَلَى جَمِيعِ أَمْوَالِهِ. ٤٥ وَلٰكِنْ إِنْ قَالَ ذٰلِكَ ٱلْعَبْدُ فِي قَلْبِهِ: سَيِّدِي يُبْطِئُ قُدُومَهُ فَيَبْتَدِئُ يَضْرِبُ ٱلْغِلْمَانَ وَٱلْجَوَارِيَ، وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَسْكَرُ. ٤٦ يَأْتِي سَيِّدُ ذٰلِكَ ٱلْعَبْدِ فِي يَوْمٍ لاَ يَنْتَظِرُهُ وَفِي سَاعَةٍ لاَ يَعْرِفُهَا، فَيَقْطَعُهُ وَيَجْعَلُ نَصِيبَهُ مَعَ ٱلْخَائِنِين».
متّى ٢٤: ٤٥ و٢٥: ٢١ و١كورنثوس ٤: ٢، متّى ٢٤: ٤٧، متّى ٢٤: ٤٨ الخ، متّى ٢٤: ٥١
أتى المسيح بمثل هذا الكلام في غير هذا الوقت وغير هذه الأحوال وسبق تفسيره في الشرح (متّى ٢٤: ٤٥ – ٥١).
فَقَالَ ٱلرَّبُّ لم يجب المسيح بطرس بالجواب الصريح بل بما يتضمن معناه وهو أن الوعد في ع ٣٧ لم يقصر على الاثني عشر فهو لكل وكيل أمين حكيم من تلاميذه.
ٱلْوَكِيلُ كاليعازر في بيت إبراهيم وكيوسف في بيت فوطيفار.
ويصح هذا اللقب على كل المسيحيين لأنهم استودعوا مواهب لا بد من أن يحاسبوا عليها فعليهم اليوم واجبات ولأمنائهم غداً ثواب عظيم لكنه يصح أكثر على خدمة الدين لأنهم يخدمون الكنيسة التي هي بيت الله (١كورنثوس ٤: ١) فكل ما قيل هنا يصدق على كل المسيحيين ولا سيما خدمة الدين.
٤٧، ٤٨ «٤٧ وَأَمَّا ذٰلِكَ ٱلْعَبْدُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ إِرَادَةَ سَيِّدِهِ وَلاَ يَسْتَعِدُّ وَلاَ يَفْعَلُ بِحَسَبِ إِرَادَتِهِ، فَيُضْرَبُ كَثِيراً. ٤٨ وَلٰكِنَّ ٱلَّذِي لاَ يَعْلَمُ، وَيَفْعَلُ مَا يَسْتَحِقُّ ضَرَبَاتٍ، يُضْرَبُ قَلِيلاً. فَكُلُّ مَنْ أُعْطِيَ كَثِيراً يُطْلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ، وَمَنْ يُودِعُونَهُ كَثِيراً يُطَالِبُونَهُ بِأَكْثَرَ».
عدد ١٥: ٣ وتثنية ٢٥: ٢ ويوحنا ٩: ٤١ و١٥: ٢٢ وأعمال ١٧: ٣٠ ويعقوب ٤: ١٧، لاويين ٥: ١٧ و١تيموثاوس ١: ١٣
لم يذكر هذا إلا لوقا. أتى المسيح فيما سبق بما يتضمن الجواب عن سؤال بطرس في ع ٤١ وهو أن كل المؤمنين وكلاء وكلهم مأمورون بذلك وموعودون بالثواب عليه. وأتى في هذين العددين بما يتضمن أنه على المتوظفين في كنيسته المسؤولية العظمى وأن لهم الثواب الأعظم إذا كانوا أمناء والعقاب الأشد إذا كانوا خائنين.
وصرّح المسيح هنا بمبدأ ديني وهو أن مسؤولية الإنسان على قدر معرفته وسمو رتبته ووسائطه وبمقتضى هذا المبدأ يدان في اليوم الأخير.
ٱلَّذِي يَعْلَمُ إِرَادَةَ كالرسل والتلاميذ الذين سمعوا تعليم المسيح شفاهاً وكل من وصلهم كتاب الله.
لاَ يَسْتَعِدُّ وَلاَ يَفْعَلُ أي لا يتوقع قدوم سيده ولا يسهر ليعد له ما يلزم ولا يقوم بما أوجبه عليه.
فَيُضْرَبُ كَثِيراً هذا مجاز مبني على نسبة السادة إلى العبيد في بيوتهم فإنهم يعاقبون الخائنين من عبيدهم بالضرب. وبالمعنى أن الخطأة الذين يخطئون على رغم ضمائرهم ونص كتاب الله يعاقبون عقاباً شديداً في هذا العالم أحياناً وفي العالم الآتي أبداً.
ٱلَّذِي لاَ يَعْلَمُ لم يرد المسيح بهذا الذي يجهل إرادة الله كل الجهل بل الذي معرفته بالنسبة إلى معرفة المذكور آنفاً كلا شيء فإن معرفة الأول ليست بكاملة فكذلك جهالة الآخر. حتى أن للوثنيين شيئاً من معرفة إرادة الله بواسطة شهادة ضمائرهم وما كتبه الله من صفاته على صفحات الخليقة فليس لخاطئ من عذر (رومية ١: ١٩ و٢٠ و٣٢ و٢: ١٤ و١٥).
يُضْرَبُ قَلِيلاً بالنسبة إلى العلماء وعلى قدر ما له من المعرفة. وعلّة عقابه ليست مخالفته لأوامر مجهولة بل لفعله ما يستحق عليه العقاب وهو مخالفة أنوار الضمير والطبيعة.
ولنا من هذين العددين أن عقاب جهنم درجات كما أن الثواب في السماء أنواع. وهذا وفق ما قيل في (ص ١٠: ١٢ و١٣ و١كورنثوس ١٥: ٤١).
كُلُّ مَنْ أُعْطِيَ كَثِيراً الخ التعليم هنا مثل التعليم في مثل الوزنات (متّى ٢٥: ١٥ – ٢٩).
إنباء المسيح بمقاومة العالم لدينه ص ٤٩ إلى ٥٣
٤٩ «جِئْتُ لأُلْقِيَ نَاراً عَلَى ٱلأَرْضِ، فَمَاذَا أُرِيدُ لَوِ ٱضْطَرَمَتْ؟».
ع ٥١
نَاراً النار في الكتاب المقدس عبارة عن ثلاثة أمور رمزية:
- الأول: الرمز إلى تطهير المؤمنين (ملاخي ٣: ٢) بفعل الروح القدس (متّى ٣: ١١).
- الثاني: الرمز إلى الغضب والهلاك (٢تسالونيكي ١: ٨ وعبرانيين ١٢: ٢٩).
- الثالث: الرمز إلى الحروب والمقاومات (مزمور ٦٦: ١٢ وإشعياء ٤٣: ٢ و١بطرس ٤: ١٢) ونتيجته أمران اضطهاد المؤمنين وقتياً. وإبادة الشر أخيراً. والقرينة تدل على أن المعنى هنا الثالث وهي قوله «انقساماً» (ع ٥١) ونتيجته في ع ٥٢ و٥٣.
قال المسيح أن النتيجة الأولى من دخول دينه هذا العالم المملوء ضلالاً وخطيئة هي مقاومة الأعداء لذلك الدين. فيكون كشعلة بين يابس الحطب لأنه يهيج على نفسه كل الانفعالات الطبيعية البشرية الفاسدة. على أن المسيح قصد بذلك الدين إصلاح العالم وإحراق ما فيه من فساد العقائد والأعمال. فاستعارته النار لتأثير دينه في العالم كاستعارته السيف له (متّى ١٠: ٣٤) وقد مرّ تفسيره في محله.
وكل ما ذُكر هنا أول تأثير للدين المسيحي في العالم وأما النتيجة الأخيرة فهي تطهير العالم من الضلال والإثم؟
كان المسيح على الصليب أول ما اتقدت نار الاضطهاد هذه وهو احتمل أشد لهبها. فوقع عليه بعض الأشعة من حرّها بمقاومة الفريسيين له كما ذكر في ص ١١: ٥٣ و٥٤ وأحاط به كل لهبها حين سلّمه رؤساء الكهنة إلى بيلاطس وأماتوه صلباً. ولم تزل بشارة المصلوب منذ يوم صُلب إلى اليوم كإلقاء النار على الأرض فكانت علّة الاضطهاد لتابعيه والإبادة للضلال.
مَاذَا أُرِيدُ لَوِ ٱضْطَرَمَتْ نقول في هذا:
- إن كلمات المسيح هذه تدل على شدة اشتياقه واضطراب أفكاره يومئذ. ومما يدل على ذلك أن كلامه هنا متقطع. ومثله ما جاء في ع ٢٧ و٢٨ من ص ١٢ من إنجيل يوحنا.
- إن معنى المسيح أوضح مما هو في الألفاظ المعبّر بها عنه. وبيان ذلك أن «لو» إما مصدرية فتكون هي وصلتها مفعول به لمحذوف والتقدير «أريد اضطرامها» وهو جواب قوله «ماذا أريد». وإما حرف تمنٍ فيكون المعنى «ليتها اضطرمت». وإما شرطية والجواب محذوف فيكون المعنى «إن اضطرمت فاضطرامها هو مطلوبي فدعوها متقدة وإن كنت أول محترق في لهبها».
- إن يسوع علّم أن إنجيله لا يدخل العالم إلا بأن يحتمل هو أشد الآلام فنفرت طبيعته البشرية من ذلك الألم ولكن لأنه هو الوسيلة الوحيدة لإتمام عمل الفداء اشتاق إلى توقد نيرانه حتى صعب عليه أن يصبر إلى أن تتقد. فكان تردده بين هذين الأمرين من اضطراب أفكاره.
- إنه علّم أيضاً أن إنجيله لا يدخل العالم إلا بأن يكون علّة مقاومة لتلاميذه وانقسام واضطهاد وقتل وأن عاقبة ذلك كله انتصار الحق وإبادة الضلال وتطهير العالم من دنس الخطية. فكان من علل اضطراب أفكاره تردده بين الحزن على تلاميذه والفرح بنتيجة آلامهم.
ذهب بعضهم إلى استحالة كون النار هنا رمزاً إلى الانقاسامات والاضطهادات لأنهم لم يستطيعوا تصور أن المسيح يفرح بها ويشتاق إليها لكن فرحه بذلك كمسرة بولس في ضيقاته (٢كورنثوس ٧: ٤).
- إنه علّم أيضاً أن دخول إنجيله يكون علّة إيقاد نيران الحروب والنوازل في العالم وأن لا خلاص ولا انتصار ولا تطهير كامل إلا بها فلذلك اشتاق إلى اضطرامها.
٥٠ «وَلِي صِبْغَةٌ أَصْطَبِغُهَا، وَكَيْفَ أَنْحَصِرُ حَتَّى تُكْمَلَ؟».
متّى ٢٠: ٢٢ ومرقس ١٠: ٣٨
صِبْغَةٌ أشار المسيح بهذه الصبغة إلى آلامه وموته كما جاء في بشارة (متّى ٢٠: ٢٢). فعلى الكنيسة الآن أن تشارك المسيح في صبغة الآلام.
وَكَيْفَ أَنْحَصِرُ أي أنا بين أمرين متضادين أريد كلاً منهما. فهذه الحال كحال بولس المذكور في رسالته إلى أهل (فيلبي ١: ٢٣). فإن يسوع كان يشتهي أن يكمل عمل الفداء بموته من أجل الخطاة وكانت طبيعته البشرية تنفر من الآلام التي يقتضيها إيفاؤه الدين عن العالم. وهذا المعنى يقرب من معنى الآية السابقة. وانفعالات المسيح هنا كانفعالاته في بستان جثسيماني. والذي عبّر عنه بالصبغة هنا عبّر عنه بالكأس هناك (ص ٢٢: ٤٢ ويوحنا ١٢: ٢٧).
٥١ – ٥٣ «٥١ أَتَظُنُّونَ أَنِّي جِئْتُ لأُعْطِيَ سَلاَماً عَلَى ٱلأَرْضِ؟ كَلاَّ أَقُولُ لَكُمْ! بَلِ ٱنْقِسَاماً. ٥٢ لأَنَّهُ يَكُونُ مِنَ ٱلآنَ خَمْسَةٌ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُنْقَسِمِينَ: ثَلاَثَةٌ عَلَى ٱثْنَيْنِ وَٱثْنَانِ عَلَى ثَلاَثَةٍ. ٥٣ يَنْقَسِمُ ٱلأَبُ عَلَى ٱلابْنِ وَٱلابْنُ عَلَى ٱلأَبِ، وَٱلأُمُّ عَلَى ٱلْبِنْتِ وَٱلْبِنْتُ عَلَى ٱلأُمِّ، وَٱلْحَمَاةُ عَلَى كَنَّتِهَا وَٱلْكَنَّةُ عَلَى حَمَاتِهَا».
متّى ١٠: ٣٤ وع ٤٩، ميخا ٧: ٦ ويوحنا ٧: ٤٣ و٩: ١٦ و١٠: ١٩، متّى ١٠: ٣٥
معنى الكلام هنا كمعنى الكلام في بشارة متّى ١٠: ٣٤ – ٣٦ فارجع إلى الشرح هناك.
أَتَظُنُّونَ الخ سأل يسوع تلاميذه ذلك ليزيل من أفكارهم توقع انتصار ملكوت المسيح المجيد بدون المقاومة والآلام فكأنه قال لا تظنوا الخ.
توبيخ المسيح الناس على عدم تمييزهم الوقت ع ٥٤ إلى ٥٩
٥٤ – ٥٧ «٥٤ ثُمَّ قَالَ أَيْضاً لِلْجُمُوعِ: إِذَا رَأَيْتُمُ ٱلسَّحَابَ تَطْلُعُ مِنَ ٱلْمَغَارِبِ فَلِلْوَقْتِ تَقُولُونَ: إِنَّهُ يَأْتِي مَطَرٌ. فَيَكُونُ هٰكَذَا. ٥٥ وَإِذَا رَأَيْتُمْ رِيحَ ٱلْجَنُوبِ تَهُبُّ تَقُولُونَ: إِنَّهُ سَيَكُونُ حَرٌّ. فَيَكُونُ. ٥٦ يَا مُرَاؤُونَ، تَعْرِفُونَ أَنْ تُمَيِّزُوا وَجْهَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَاءِ، وَأَمَّا هٰذَا ٱلزَّمَانُ فَكَيْفَ لاَ تُمَيِّزُونَهُ؟ ٥٧ وَلِمَاذَا لاَ تَحْكُمُونَ بِٱلْحَقِّ مِنْ قِبَلِ نُفُوسِكُمْ؟».
متّى ١٦: ٢
قد مرّ تفسير هذه الآيات في الشرح (متّى ١٦: ٢ و٣) وذكر متّى أن المسيح خاطب بذلك الكتبة والفريسيين وذكر لوقا أنه خاطب به الناس الذين اقتدوا بهم لكن الوقت في رواية متّى غير الوقت في رواية لوقا. وذكر متّى بعض الآثار الجوية على أسلوب لم يأته لوقا وأبان أن حمرة السماء مساءً علامة الصحو وأبان لوقا أن نشوء السحاب من المغرب علامة مطر وهبوب ريح الجنوب علامة حرٍ وذلك مثل ما جاء في سفر الملوك الأول (١٨: ٤٤) ونبوءة إرميا (٤: ١١).
يَا مُرَاؤُونَ (ع ٥٦) دعاهم مرائين لأنهم لم يحبوا الحق ولم يبحثوا عنه ولم يميزوه مع ادعائهم أنهم أصحاب الحق.
تَعْرِفُونَ أَنْ تُمَيِّزُوا وَجْهَ ٱلأَرْضِ لعلّ اليهود اعتادوا تمييز علامات كل من الصحو والمطر بمراقبة قدر الندى على الأرض ومراقبة أوراق النبات فكانوا حكماء في تمييز علامات المطر والحر وجهلاء في تمييز البراهين على أن المسيح قد أتى وهو قائم في وسطهم.
أَمَّا هٰذَا ٱلزَّمَانُ أي زمان مجيء المسيح وعلامات ذلك التي كان عليهم أن يميزوها إتمامه النبوءات المتعلقة به ومجيء يوحنا المعمدان سابقه والمعجزات التي فعلها والتعاليم التي أتى بها.
ٱلْحَقِّ مِنْ قِبَلِ نُفُوسِكُمْ (ع ٥٧) أي بمقتضى شهادة عقولكم وضمائركم غير ملتفتين إلى قضاتكم الخادعين الذين منعوكم من الحكم الصحيح في شأن علامات زمان المسيح. «والحق» هنا أن ملكوت المسيح أتى ودعواه أنه المسيح حقة.
٥٨، ٥٩ «٥٨ حِينَمَا تَذْهَبُ مَعَ خَصْمِكَ إِلَى ٱلْحَاكِمِ، ٱبْذُلِ ٱلْجَهْدَ وَأَنْتَ فِي ٱلطَّرِيقِ لِتَتَخَلَّصَ مِنْهُ، لِئَلاَّ يَجُرَّكَ إِلَى ٱلْقَاضِي، وَيُسَلِّمَكَ ٱلْقَاضِي إِلَى ٱلْحَاكِمِ، فَيُلْقِيَكَ ٱلْحَاكِمُ فِي ٱلسِّجْنِ. ٥٩ أَقُولُ لَكَ: لاَ تَخْرُجُ مِنْ هُنَاكَ حَتَّى تُوفِيَ ٱلْفَلْسَ ٱلأَخِيرَ».
مزمور ٣٢: ٦ وأمثال ٢٥: ٨ وإشعياء ٥٥: ٦ ومتّى ٥: ٢٥، مرقس ١٢: ٤٢ وص ٢١: ٢
تكلم المسيح بهذا الكلام أيضاً في وعظه على الجبل فراجع الشرح هناك (متّى ٥: ٢٥). ومعناه وجوب تجنب رفع الدعاوي إلى الحكومة على قدر الإمكان لأنها علّة القلق والاضطراب والنفقات وتعرض الإنسان لخطر السجن فلذلك يجب أن يصالح الإنسان خصمه قبل أن تُرفع الدعوة إلى القاضي ويبتّ الحكم.
والعلاقة بين هاتين الآيتين وما قبلهما غير واضحة. ظن البعض أنهما من متعلقات قسمة الميراث التي ذكر في ص ١٢: ١٣ وكانت علّة قسم كبير من هذا الخطاب. ولا دليل على أن الكلام هنا مجاز. ولكن إذا أراد أحد أن يتخذه مجازاً رأى المعنى أنه من أحسن الحكمة أن يتصالح الإنسان مع الله بالتوبة والإيمان قبل فوات الوقت وحلول النقمة على الأمم والأفراد. وعلى هذا يكون الله هو القاضي والحاكم معاً.
السابق |
التالي |