إنجيل لوقا

إنجيل لوقا | المقدمة | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح إنجيل لوقا

للدكتور . وليم إدي

كاتب هذه البشارة لوقا واسمه هذا مختصر لوقانوس أو لوسليوس. ذُكر في الرسائل ثلاث مرات (كولوسي ٤: ١٤ و٢تيموثاوس ٤: ١١ وفليمون ٢٤). وهو كاتب سفر أعمال الرسل. قال بعضهم أنه لم يكن يهودياً أصيلاً بل ممن هادوا من الأمم وسُموا دخلاء لأن بولس عندما ذكر أصحابه في رومية الذين من الختان أصلاً والذين ليسوا من الختان كذلك لم يذكر لوقا مع الأولين بل ذكره مع الآخرين (قابل كولوسي ٤: ١١ مع كولوسي ٤: ١٤). ولنا عدة أدلة على أنه كان دخيلاً. منها أنه كان عالماً بكل عوائد اليهود وطقوسهم. ومنها أن اليهود عندما هيجوا الشعب على بولس في أورشليم إنما أتوا ذلك لأنه أدخل معه واحداً من الأمم وهو تروفيموس الأفسسي (أعمال ٢١: ٢٧). ولكن لوقا كان معه ولم يعترض أحد عليه بشيء من شأنه ولو لم يكن دخيلاً مختتناً لم يسكتوا عنه. وكان طبيباً كما ظهر من قول بولس لأهل كولوسي (كولوسي ٤: ١٤) ولم يكن شاهد عين بما ذكره في إنجيله ولا خادماً للإنجيل من أول انتشاره بدليل ما جاء في كلامه (لوقا ١: ٢) وإلا كان قد بنى ما ذكره على مشاهدته.

تفتقر خزانة الأدب المسيحي إلى مجموعة كاملة من التفاسير لكتب العهدين القديم والجديد. ومن المؤسف حقاً أنه لا توجد حالياً في أية مكتبة مسيحية في شرقنا العربي مجموعة تفسير كاملة لأجزاء الكتاب المقدس. وبالرغم من أن دور النشر المسيحية المختلفة قد أضافت لخزانة الأدب المسيحي عدداً لا بأس به من المؤلفات الدينية التي تمتاز بعمق البحث والاستقصاء والدراسة، إلا أن أياً من هذه الدور لم تقدم مجموعة كاملة من التفاسير، الأمر الذي دفع مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بالإسراع لإعادة طبع كتب المجموعة المعروفة باسم: «كتاب السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم» للقس وليم مارش، والمجموعة المعروفة باسم «الكنز الجليل في تفسير الإنجيل» وهي مجموعة تفاسير كتب العهد الجديد للعلامة الدكتور وليم إدي.

ورغم اقتناعنا بأن هاتين المجموعتين كتبتا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلا أن جودة المادة ودقة البحث واتساع الفكر والآراء السديدة المتضمنة فيهما كانت من أكبر الدوافع المقنعة لإعادة طبعهما.

هذا وقد تكرّم سينودس سوريا ولبنان الإنجيلي مشكوراً – وهو صاحب حقوق الطبع – بالسماح لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى بإعادة طبع هاتين المجموعتين حتى يكون تفسير الكتاب في متناول يد كل باحث ودارس.

ورب الكنيسة نسأل أن يجعل من هاتين المجموعتين نوراً ونبراساً يهدي الطريق إلى معرفة ذاك الذي قال: «أنا هو الطريق والحق والحياة».

القس ألبرت استيرو        

الأمين العام

لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى

المقدمة وفيها ستة فصول

الفصل الأول: في الكاتب

كاتب هذه البشارة لوقا واسمه هذا مختصر لوقانوس أو لوسليوس. ذُكر في الرسائل ثلاث مرات (كولوسي ٤: ١٤ و٢تيموثاوس ٤: ١١ وفليمون ٢٤). وهو كاتب سفر أعمال الرسل. قال بعضهم أنه لم يكن يهودياً أصيلاً بل ممن هادوا من الأمم وسُموا دخلاء لأن بولس عندما ذكر أصحابه في رومية الذين من الختان أصلاً والذين ليسوا من الختان كذلك لم يذكر لوقا مع الأولين بل ذكره مع الآخرين (قابل كولوسي ٤: ١١ مع كولوسي ٤: ١٤). ولنا عدة أدلة على أنه كان دخيلاً. منها أنه كان عالماً بكل عوائد اليهود وطقوسهم. ومنها أن اليهود عندما هيّجوا الشعب على بولس في أورشليم إنما أتوا ذلك لأنه أدخل معه واحداً من الأمم وهو تروفيموس الأفسسي (أعمال ٢١: ٢٧). ولكن لوقا كان معه ولم يعترض أحد عليه بشيء من شأنه ولو لم يكن دخيلاً مختتناً لم يسكتوا عنه.

وكان طبيباً كما ظهر من قول بولس لأهل كولوسي (كولوسي ٤: ١٤) ولم يكن شاهد عين بما ذكره في إنجيله ولا خادماً للإنجيل من أول انتشاره بدليل ما جاء في كلامه (لوقا ١: ٢) وإلا كان قد بنى ما ذكره على مشاهدته.

ولم يُعلم متى تنصّر ولا على يد من تنصّر. وأول ذكره في الكتاب كان عند اجتماعه ببولس في ترواس (أعمال ١٦: ١٠). ومن ثم رافقه إلى مكدونية. ولم يُصرّح هنالك باسمه بل بضمير المتكلم خلافاً لما في إنبائه قبلاً كقوله «طلبنا أن نخرج إلى مكدونية». وظن بعضهم أن بولس أرسله قبلاً إلى ترواس للتبشير لأنه لم يذكر نبأ تنصره هنالك ولأنه كان يعتمده كسائر رفقائه المؤمنين. بقي لوقا مع بولس كل مدة إقامته بفيلبي ولم يزل باقياً في فيلبي مدة سفر بولس عنها بدليل أنه عدل في كلامه على ذلك السفر عن صيغة التكلم إلى صيغة الغيبة خلافاً لما سبق من كلامه في ترواس إلى بلوغه فيلبي (أعمال ١٧: ١).

ثم رافق بولس عند خروجه من فيلبي بعد رجوع بولس إليها في سفره الثالث (أعمال ٢٠: ٥). فالظاهر أن لوقا بقي مبشراً في فيلبي من سفر بولس الثاني إلى سفره الثالث وذلك نحو سبع سنين أي من ٥١ – ٥٨ م.

ورافق بولس إلى ميليتس وصور وقيصرية وأورشليم (أعمال ٢٠: ٥ و٢١: ١٧ و١٨).

قال بولس في ما كتبه إلى أهل كورنثوس «أَرْسَلْنَا مَعَهُ ٱلأَخَ ٱلَّذِي مَدْحُهُ فِي ٱلإِنْجِيلِ فِي جَمِيعِ ٱلْكَنَائِسِ. وَلَيْسَ ذٰلِكَ فَقَطْ، بَلْ هُوَ مُنْتَخَبٌ أَيْضاً مِنَ ٱلْكَنَائِسِ رَفِيقاً لَنَا فِي ٱلسَّفَرِ» (٢كورنثوس ٨: ١٦ – ١٩). وفي ملحق هذه الرسالة في اليونانية ما ترجمته «أرسلت من فيلبي على يد تيطس ولوقا» فيكون لوقا هو الأخ المشار إليه. وكان مع بولس مدة سجنه في قيصرية وهي نحو سنتين (أعمال ٢٤: ٢٣). ورافق بولس وهو منطلق أسيراً إلى رومية (أعمال ٢٧: ١ و٢٨: ١٦). وبقي معه كل مدة سجنه الأول (كولوسي ٤: ١٤ وفليمون ٢٤). وإذا حسبنا أن بولس كتب رسالته الثانية إلى تيموثاوس في مدة سجنه الثاني في رومية كما هو المرجح نتج أن لوقا بقي مع بولس إلى نهاية جهاده (٢تيموثاوس ٤: ١١). وليس لنا اليقين من خبره بعد موت بولس.

وخلاصة معرفتنا من جهته أنه هو «الطبيب الحبيب» (كولوسي ٤: ١١). وأنه الصديق المخلص لبولس وشريكه في أتعابه وآلامه. وكاتب البشارة الثالثة وسفر أعمال الرسل. وأما قول بعضهم أنه وُلد في أنطاكية وأنه أحد السبعين الذين أرسلهم المسيح للتبشير وأنه كان أحد التلميذين اللذين رافقهما يسوع بعد قيامته إلى عمواس وأنه كان مصوراً علاوة على ما ذُكر وأنه مات شهيداً في بلاد اليونان فلا دليل عليه.

الفصل الثاني: في زمن كتابتها

كُتبت هذه البشارة قبل خراب أورشليم لأن الأصحاح الحادي والعشرين منها كُتب نبوءة بخراب أورشليم لا تاريخ أمر مضى. وكُتبت قبل سفر أعمال الرسل (أعمال ١: ١). والأرجح أن سفر الأعمال كُتب مدة سجن بولس في رومية لأن تاريخ بولس ينتهي بذكر نهاية ذلك السجن (أعمال ٢٨: ٣٠ و٣١) وكان ذلك سنة ٦٣ م. والنتجية أن هذه البشارة كُتبت بين سنة ٥٨ و٦٠ م.

الفصل الثالث: في موضع كتابتها

لنا مما قيل في زمن كتابتها أن موضع تلك الكتابة هو قيصرية حيث سجن بولس. ويتضح من كلام البشير أنه كان له عند كتابته كل الوسائط للبحث عن كل ما يتعلق بحياة المسيح الأرضية ولمواجهة الناس الذين شاهدوا واختبروا.

 

الفصل الرابع: في مصادر علم لوقا بما كتبه في بشارته

قال لوقا في مقدمة بشارته ما خلاصته أنه كان مؤلفات كثيرة في سيرة المسيح ويظهر من كلامه أن تلك المؤلفات كانت ناقصة غير موثوق بها وأنه استفرغ المجهود في الوقوف على حقيقة الأمر وكمال الحوادث. وهذا يدلنا على أنه لم يقف على بشارتي متّى ومرقس وإلا كان أدخل في بشارته الحوادث التي ذكراها لأن ذلك وفق قصده الذي أعلنه. ولا يمكنه أن يكون قد أخذ عما كتبه يوحنا لأن يوحنا كتب بعده. ولم يدّع أنه شاهد عين بما أنبأ به من الحوادث لكنه صرّح بأنه بحث عن ذلك ممن كانوا شهود عين ووقفوا على اليقين.

واتفق المؤرخون المسيحيون الأولون أن لوقا كتب بإرشاد بولس الرسول وتعليمه ولا ريب في أنه استفاد كثيراً من تعاليم بولس لأنه كان رفيقاً له وأن في بشارته خلاصة تعاليم ذلك الرسول فإذاً هي مبنيّة على أساس رسولي. ولكن لا سبيل إلى الحكم بأن معرفته كانت مقصورة على ما أخذه عن بولس وحده. ومقدمة بشارته تحقق لنا أنه أخذ عن شهود كثيرين. ولا عجب من أنه أخذ ما أنبأ به في الأصحاحات الثلاثة الأولى عن مريم أم يسوع نفسها أو عن الذين سمعوه منها والأرجح أنه كتب هذه البشارة في قيصرية كما ذكرناه. والمسافة بين هذه المدينة وأورشليم قريبة فلم تكن مما يمنعه من أنه يذهب إلى أورشليم ويخاطب مريم في أثناء السنتين اللتين كان يقيم فيهما بقيصرية.

وأكثر ما تظهر المشابهة بين تعليم لوقا وتعليم بولس في الكلام على العشاء الرباني (قابل لوقا ٢٢: ١٩ و٢٠ مع ١كورنثوس ١١: ٢٣ – ٢٥ وقابل أيضاً لوقا ٢٤: ٢٦ و٢٧ مع ١كورنثوس ١٥: ٣).

وكل ما ذكرناه من مصادر بشارته لا يقدح في أنه كان ملهماً بالروح القدس ولا يغنيه عن الإلهام.

الفصل الخامس: في غاية لوقا من هذه البشارة

يظهر من مقدمة هذه البشارة أنها كُتبت لإفادة رجل اسمه ثاوفيلس. وظن بعضهم أن ثاوفيلس اسم عام لكل مسيحي لأن معناه في اليونانية محب الله ولكن ينافي هذا الظن نعته بالعزيز فإن هذا النعت كان يختص بأرباب الرتب السياسية كما يظهر من سفر الأعمال (أعمال ٢٤: ٣). فإذاً ثاوفيلس شخص بعينه ويتبين أنه لم يكن من أهل اليهودية لما فسره له لوقا من الأماكن المذكورة في بشارته ولو كان من أهل تلك الأرض ما احتاج إلى ذلك. وأمثال ما ذُكر ما أبانه له من أمر الناصرة (ص ١: ٢٦) وكفرناحوم (ص ٤: ٣١) والرامة (ص ٢٣: ٥١) وكورة الجدريين (ص ٨: ٢٦) والمسافة بين عمواس وأورشليم وبين جبل الزيتون وأورشليم (ص ٢٤: ١٣ وأعمال ١: ١٢).

واسم ثاوفيلس يوناني وهو من الأمم لا من اليهود. وذكر لوقا بعض الأماكن في إيطاليا كأنها معلومة حمل البعض على الظن أنه من سكان تلك البلاد. والمرجح أنه كان ممن آمنوا بالمسيح من الأمم وأن لوقا كتب إنجيله أولاً لمنفعة غيره من أمثاله لا له وحده. وهذه البشارة موافقة جداً للأمم وهي تتضمن تعليم بولس الذي هو رسول الأمم وتعاليم غيره ممن بشروهم. ومما يبين أنها كُتبت للأمم خاصة أن لوقا لم يبتدئ نسب المسيح بذكر إبراهيم أبي العبرانيين كما فعل متّى بل ابتدأ بآدم ليظهر أن يسوع مخلص لكل البشر لا لليهود وحدهم. وعبّر في كل بشارته عن ملكوت المسيح أنه يعم كل أولاد آدم. ومما يقوي الظن أنه كتب لليونانيين تعبيره عن صفات المسيح وتعليمه بالأسلوب الذي يرغب اليونانيون فيه. وهو قد بين كمال ناسوت المسيح بأنه بلغ كل ما هو سام وعزيز عند اليونانيين مما دلوا عليه بتماثيلهم وصورهم وفلسفتهم من جودة العقل وقوة الاستدلال وصفات القلب من البرّ والحق والرحمة.

ومع أن لوقا لم يهمل بيان لاهوت المسيح كان أكثر كلامه على ناسوته إذ ذكر كل ما يتعلق به من الحبل به وطفولته وصبوته وشبيبته. فكانت غاية متّى أن يظهر لليهود كون يسوع هو المسيح الموعود به لآبائهم وغاية مرقس أن يظهر للرومانيين أن يسوع ابن الله وأنه ملك مقتدر ومنتصر وغاية لوقا أن يبين لليونانيين أن يسوع ابن الإنسان وأنه كامل الصفات ومخلص لكل البشر.

الفصل السادس: في خواص بشارة لوقا

ذكرنا أن متّى امتاز بذكر مواعظ المسيح ومرقس امتاز بذكر أعمال المسيح وامتاز لوقا بذكر مخاطبات المسيح لأفراد الناس وأجوبته لهم. ومما امتاز به عن سائر البشيرين ذكره صلوات يسوع ومنها ما ذكره وقت معموديته (ص ٣: ٢١) وفي وقت تجليه (ص ٩: ٢٩). ولما سأله تلاميذه أن يعلّمهم الصلاة (ص ١١: ١) وما ذكره من أنه صلّى من أجل بطرس لكي لا يتلاشى إيمانه (ص ٢٢: ٣٢). ومما يمتاز به عن سائرهم فصاحته وبلاغته في اللغة اليونانية وهذا دليل على أنه كان من العلماء.

ومن الحوادث التي لم يذكرها غير لوقا من البشيرين رؤيا زكريا. وبشارة مريم العذراء. وولادة يسوع وتقديمه في الهيكل. وصيد السمك الكثير. وإقامة ابن الأرملة في نايين من الموت. وإرسال السبعين مبشرين. والمغفرة للمرأة الخاطئة. ودعوة زكا العشار. والعشاء في بيت عنيا الذي خدمت فيه مرثا وكانت مريم جالسة عند قدمي يسوع تصغي إلى كلماته. ومسير التلميذين إلى عمواس. والكلام على الصعود. ومما يستحق الذكر خاصة أنه وحده ذكر خدمة المسيح في بيرية بالتفصيل. وبيرية بلاد سكانها من الوثنيين واليهود أقام بها المسيح نحو ستة أشهر. ومن الأمثال التي لم يذكرها غير لوقا مثل التينة العقيم. ومثل الأرملة الملحة. ومثل الفريسي والعشار في الهيكل. ومثل الغني الجاهل ولعازر. ومثل الخروف الضال. ومثل الدرهم المفقود. ومثل الابن الشاطر. ومثل الوكيل الظالم. ومثل السامري المتحنن. ومثل العشرة الأمناء. ومثل عرس ابن الملك.

التالي
زر الذهاب إلى الأعلى