سفر الرؤيا

رؤيا يوحنا | 21 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح سفر رؤيا يوحنا

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرُونَ

في هذا الأصحاح بيان سعادة المفديين ومجدهم في وطنهم الأبدي.

١ «ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، لأَنَّ ٱلسَّمَاءَ ٱلأُولَى وَٱلأَرْضَ ٱلأُولَى مَضَتَا، وَٱلْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ».

إشعياء ٦٥: ١٧ و٦٦: ٢٢ و٢بطرس ٣: ١٣ ص ٢٠: ١١ و٢بطرس ٣: ١٠

رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً أنبأ الأنبياء القدماء بهذا «التجديد» وانتظرته الكنيسة منذ زمن بعيد. وكان نظرهم إلى ما هو أبعد وأكمل من الألف السنة المذكورة في (ص ٢٠) ومن ذلك ما في (إشعياء ٦٥: ٧١ و٦٦: ٢٢). وختم حزقيال سفر نبوءته برؤيا سامية أبان فيها إن الأرض المقدسة متجددة (حزقيال ص ٤٠ – ص ٤٨) وأنبأ المسيح تلاميذه بذلك وصدقوا إن الإنجيل قادر على التجديد الروحي (٢كورنثوس ٥: ١٧) وكانوا ينتظرون ذلك دائماً كما أبان بطرس في (٢بطرس ٣: ١٣). و «للجدَّة» في الإنجيل معنيان الأول الحدوث المادي والثاني السمو الوصفي. و «القبر الجديد» الذي وُضع جسد المسيح فيه لم يكن جديداً بأن الناس نحتوه حديثاً بل إنه لم يوضع فيه جسد قبل جسده (متى ٢٧: ٦٠ ويوحنا ١٩: ٤١). و «الزقاق الجديدة» التي أمر المسيح أن يوضع فيها خمر ملكوته الجديد أراد بها ما بقيت قوتها ومرونتها. و «الجدَّة» هنا يراد بها الخلو من الضعف والفساد والفناء وتشير إلى وجود الجمال والمحبوبية. ولا تستلزم أن تصير الأرض والسماء خليقة جديدة بل إن منظرهما يكون جديداً وتكونان موافقتين لأحوال وغايات جديدة. ووصف بطرس «الأرض الجديدة» بأنها «يسكن فيها البر» (٢بطرس ٣: ١٣).

وَٱلْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ جزء عظيم من الخليقة الأولى لكن لا محل له في الخليقة الجديدة فلا يفصل بعض السكان عن بعض. والبحر كثيراً ما يكون شديد الاضطراب خالياً من الشفقة تغطيه القواصف والسحب. والبحر رمز إلى الأشرار وأمم الأرض المضطربة الموصوفة بالقلق والخطيئة على وفق قول إشعياء «أَمَّا ٱلأَشْرَارُ فَكَٱلْبَحْرِ ٱلْمُضْطَرِبِ لأَنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَهْدَأَ، وَتَقْذِفُ مِيَاهُهُ حَمْأَةً وَطِيناً» (إشعياء ٥٧: ٢٠). فمنه صعد «التنين». و «بابل المكتسية بالأرجوان كانت جالسة على مياه كثيرة» (ص ١٧: ١). ومعنى العبارة إن السماء موضع راحة لا يشوبها قلق وموضع سعادة لا يخامرها شقاء وموضع سرور دائم.

٢ «وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ ٱلْمَدِينَةَ ٱلْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ ٱلْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ ٱللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا».

ع ١٠ وص ٢٢: ١٩ ص ١١: ٢ و٣: ١٢ عبرانيين ١١: ١٠ و١٦ ع ٩ وص ٢٢: ١٧ ص ١٩: ٧ إشعياء ٦١: ١٠

رَأَيْتُ ٱلْمَدِينَةَ ٱلْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ ٱلْجَدِيدَةَ لأن أورشليم العتيقة مضت مع الأرض الأولى. «فأورشليم الجديدة» هي المرموز إليها «بأورشليم الأرضية» بعض الرمز وهي «أورشليم العليا أم شعب الله» (غلاطية ٤: ٢٦). وواسطة الإتيان إليها مذكورة في (عبرانيين ١٢: ٢٢ – ٢٤). وذُكرت صفاتها في (ع ١). ومن الواضح إنها ليست مدينة حقيقية بل عبارة عن حال الأبرار في السماء. والتعبير عن السماء «بمدينة» متمم للأشواق السامية فكان إبراهيم «يَنْتَظِرُ ٱلْمَدِينَةَ ٱلَّتِي لَهَا ٱلأَسَاسَاتُ، ٱلَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا ٱللهُ» (عبرانيين ١١: ١٠). وهذا اشتياق الجنس البشري فهي عبارة عن غاية ما يستطيع الإنسان أن يدركه من درجات الكمال. وفيها كل ما يحتاج إليه الإنسان من الحاجات الشخصية وأعظم المصنوعات الجميلة الفاخرة وما تقوم به الألفة وأفضل وسائل المعرفة وتزيد فيها وسائل السعادة والعلم وخدمة بعض الناس لبعض وتكمل العبادة وكل ما يشتاق إليه الناس من وسائل السعادة والعلم وخدمة بعض الناس لبعض وتكمل العبادة وكل ما يشتاق إليه الناس من وسائل اللذّات العقلية والألفة الإنسانية والعبادة الجمهورية معد في «أورشليم الجديدة». ولهذا قيل «لاَ يَسْتَحِي بِهِمِ ٱللهُ أَنْ يُدْعَى إِلٰهَهُمْ، لأَنَّهُ أَعَدَّ لَهُمْ مَدِينَةً» (عبرانيين ١١: ١٦).

نَازِلَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ ٱللهِ فمصدرها يحقق مجدها. ولعل في هذه العبارة إشارة إلى قول المسيح «أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَاناً» (يوحنا ١٤: ٢). فلم تصعد من الأرض أو البحر كأعداء الله (ص ١٣: ١ و١١) بل نزلت من عنده ومثالها في جبل الله (أعمال ٧: ٤٤).

مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا شبهت الكنيسة «بعروس مزينة لرجلها» علاوة على تشبيهها «بمدينة جميلة» (مزمور ٤٥: ١٣ و١٤ وإشعياء ٤٩: ١٨ و٦١: ١٠ و٦٢: ٤ و٥ وأفسس ٥: ٢٥ – ٢٧). و «زينتها» التي بها تُقدم الكنيسة للمسيح «عروساً مجيدة» هي الفضائل من حلم ووداعة وطاعة ومحبة. وتمثلت الكنيسة هنا بأنها «مغسلة من خطاياها» ولابسة «الأثواب البيض» أي الطهارة فهي تُعطي المسيح قلبها باعتبار كونه محبها وسيّدها وملكها.

٣ «وَسَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً مِنَ ٱلسَّمَاءِ قَائِلاً: هُوَذَا مَسْكَنُ ٱللهِ مَعَ ٱلنَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْباً. وَٱللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلٰهاً لَهُمْ».

لاويين ٢٦: ١١ وحزقيال ٣٧: ٢٧ و٤٨: ٣٥ ص ٧: ١٥ عبرانيين ٨: ٢ يوحنا ١٤: ٢٣ و٢كورنثوس ٦: ١٦

سَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً مِنَ ٱلسَّمَاءِ وفي أفضل النسخ القديمة «من العرش» المرجّح إن هذا الصوت صوت ملاك.

هُوَذَا مَسْكَنُ ٱللهِ مَعَ ٱلنَّاسِ (ص ٧: ١٥). وهذا دليل على تنازل الله ومحبته لشعبه وقربه إليهم وحمايته لهم. والوصف مبني على «خيمة الاجتماع» التي سكنها الله بين بني إسرائيل وقيل هنا إنه يسكن مع المفديين مطلقاً كما سكن قديماً مع بني إسرائيل «خاصة» فإنهم صاروا جميعاً قبيلة واحدة إذ نُفيت الخطيئة عنهم.

وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ في مسكن حضرته على وفق قوله «وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا» (يوحنا ١: ١٤).

وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْباً وفي أفضل النسخ «شعوباً» فالشعوب يكونون إسرائيلاً جديداً في أورشليم جديدة (لاويين ٢٦: ١٢ وزكريا ٨: ٨ و٢كورنثوس ٦: ١١ – ١٨).

وَٱللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلٰهاً لَهُمْ هذا على وفق اسمه «عمانوئيل» أي «الله معنا» (إشعياء ٧: ١٤ انظر أيضاً خروج ٢٩: ٤٥ ولاويين ٢٦: ١١ وحزقيال ٣٧: ٢٧). فالناس المذكورون هنا تبقى لهم سجاياهم الخاصة التي كانت لهم وهم على الأرض لكنهم يكونون خالين من كل نقص. فإبراهيم يبقى «أبا المؤمنين» كما كان ويبقى موسى «مشترعاً» ويبقى داود «المرنم الحلو» ويبقى الرسل «تابعين الرب» ويكون الشهداء والقديسون في كل عصر وأصدقاؤنا «الذين ماتوا في الرب» جزءاً من ذلك الجمهور العظيم حول العرش.

٤ «وَسَيَمْسَحُ ٱللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَٱلْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ ٱلأُمُورَ ٱلأُولَى قَدْ مَضَتْ».

ص ٧: ١٧ و٢٠: ١٤و١كورنثوس ١٥: ٢٦ إشعياء ٢٥: ٨ و٣٥: ١٠ و٥١: ١١ و٦٥: ١٩ و٢كورنثوس ٥: ١٧ عبرانيين ١٢: ٢٧

في هذه الآية بيان بعض نتائج تلك الألفة الإلهية.

سَيَمْسَحُ ٱللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ لمضيّ كل أسباب البكاء (ص ٧: ١٧ وإشعياء ٢٥: ٨).

وَٱلْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ فلا يرهب الإنسان ولا يخشى فرقة لأن الذي «كان ميتاً وعاش وهو حي إلى الأبد» أبطل الموت (ص ١: ١٨ و٢٠: ١٤).

وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ (إشعياء ٦٥: ١٩).

وَلاَ صُرَاخٌ وهو الصوت العالي الناشئ عن شدة الألم.

وَلاَ وَجَعٌ من مشقة أو تعب (إشعياء ٣٥: ١٠ و٥١: ١١ و٦٥: ١٩).

فالسلبيات المذكورة هنا أي «لا بحر» «ولا دموع» «ولا حزن» «ولا صراخ» «ولا وجع» هي من الأمور الأولى المختصة «بالأرض الأولى» وهي سوابق الراحة الأبدية. وهذه الستة الظلال زالت بزوال الأمور الأولى. وذكر الرسول قليلاً من أفراح السماء على وجه الإيجاب لكنه جمع كل مشقات الأرض ومصائبها التي كانت نتائج الخطيئة وأدوات تأديب الله ومكانه بعد ما ذكرها جميعاً أبطل كل بنائها ومحاها إلى الأبد.

٥ «وَقَالَ ٱلْجَالِسُ عَلَى ٱلْعَرْشِ: هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيداً. وَقَالَ لِيَ: ٱكْتُبْ، فَإِنَّ هٰذِهِ ٱلأَقْوَالَ صَادِقَةٌ وَأَمِينَةٌ».

ص ٢٠: ١١ و٤: ٩ و٢٢: ٦ و١٩: ٩

قَالَ ٱلْجَالِسُ عَلَى ٱلْعَرْشِ هذا قول الله نفسه السائس كل الأمور منذ بدء الخليقة وهو الذي أجرى كل حوادث تاريخ العالم وجعل «غضب الناس يحمده» و «كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَه» (رومية ٨: ٢٨).

هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيداً (إشعياء ٤٣: ١٩ وإرميا ٣١: ٢٢ و٢كورنثوس ٥: ١٧). ووعد الله بأنه يصنع «خليقة جديدة» من هذه الأرض المشوشة. ومن وجع الناس وأحزانهم والظلمة وأهوالها. فمن هذه كلها تنشأ «أرض جديدة يسكن فيها البر» و «مدينة جديدة صانعها وبارئها الله».

قَالَ لِيَ ٱكْتُبْ الخ هذا الكلام من قول الملاك المتكلم مع يوحنا. أمره الملاك «بالكتابة» هنا كما أمره بها في (ص ١٤: ٣١ و١٩: ٩). والأقوال كالأقوال في (ص ٣: ١٤ و١٩: ١١ و٢٢: ٦) وخلاصتها إنها موافقة لكل مواعيد الله وكل آمال الناس المبنيّة عليها.

٦ «ثُمَّ قَالَ لِي: قَدْ تَمَّ! أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ، ٱلْبِدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ. أَنَا أُعْطِي ٱلْعَطْشَانَ مِنْ يَنْبُوعِ مَاءِ ٱلْحَيَاةِ مَجَّاناً».

ص ١٦: ١٧ و١٠: ٦ ص ١: ٨ و٢٢: ١٣ و١٧ إشعياء ٥٥: ١ ويوحنا ٤: ١٠ ص ٧: ١٧

قَدْ تَمَّ هذا قول الجالس على العرش ومعناه أنه أنجز ما وعد إذ «جعل كل شيء جديداً» وقيل هذا مرتين الأولى حين أفرغ غضبه على الأشرار (ص ١٦: ١٧) والثانية حين جدد كل شيء.

أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ، ٱلْبِدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ أي الأزلي الذي لا يتغير وهو علة الجديد كما أنه علة القديم وهو «قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ ٱلْكُلُّ» (كولوسي ١: ١٧ ويوحنا ١: ١) وهو الذي يكمل كل ما ابتدأه بدليل قول الرسول لشعبه «إِنَّ ٱلَّذِي ٱبْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلاً صَالِحاً يُكَمِّلُ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (فيلبي ١: ٦ انظر أيضاً كولوسي ١: ٢٠). ومنه تصدر كل نعمة وترجع إليه كل محبة لأنه «محبة» ومصدر المحبة وغايتها. وهو بدأ الإنسان فلا يجد الإنسان راحة إلا فيه وكل أشواق النفس تكتفي به ولذلك وعد الوعد الآتي.

أَنَا أُعْطِي ٱلْعَطْشَانَ مِنْ يَنْبُوعِ مَاءِ ٱلْحَيَاةِ مَجَّاناً لأن ينابيع الحياة فيه (ص ٧: ١٧ و٢٢: ١ وإشعياء ٥٥: ١ ومتّى ٥: ٦ ويوحنا ٤: ١٠ – ١٤ و٧: ٣٧ و٣٨). و «ماء الحياة» ثمين جداً وهو كان لنا بلا ثمن ولا بدل. وهذه البشارة السماوية هي إن «الحياة الأبدية» هبة مجانية.

٧ «مَنْ يَغْلِبْ يَرِثْ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَكُونُ لَهُ إِلٰهاً وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ٱبْناً».

ص ٢: ٧ ع ٣ و٢صموئيل ٧: ١٤ و٢كورنثوس ٦: ١٦ و١٨

مَنْ يَغْلِبْ يَرِثْ كُلَّ شَيْءٍ (انظر تفسير ص ٢: ٧). كرر هنا الآب السماوي كلمات ابنه ومعناه موافق لما قيل في (يوحنا ١٦: ٣٣ و١يوحنا ٢: ١٣ و١٤ و٥: ٤ و٥). وأبان إن وسائل الغلبة دم الخروف وكلمة الشهادة (ص ١٢: ١١). وذكر إن الغلبة هي «الإيمان» (١يوحنا ٥: ٤). وأراد بقوله «كل شيء» السماء الجديدة والأرض الجديدة وكل أمجاد أورشليم الجديدة المتعلقة بهما.

وَأَكُونُ لَهُ إِلٰهاً وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ٱبْناً هذا يشتمل على كل مواعيد الله فقيل أولاً في سليمان (٢صموئيل ٧: ١٤) ثم قيل في المسيح. ثم في كل المؤمنين به وهو ما قيل هنا. «فالغالبون» يشتركون في كل بركات شعب الله ويشتركون فوق ذلك في ما لابنه الحبيب (ص ٣: ٢١).

٨ «وَأَمَّا ٱلْخَائِفُونَ وَغَيْرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلرَّجِسُونَ وَٱلْقَاتِلُونَ وَٱلزُّنَاةُ وَٱلسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ ٱلأَوْثَانِ وَجَمِيعُ ٱلْكَذَبَةِ فَنَصِيبُهُمْ فِي ٱلْبُحَيْرَةِ ٱلْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، ٱلَّذِي هُوَ ٱلْمَوْتُ ٱلثَّانِي».

ع ٢٧ وص ٢٢: ١٥ و١كورنثوس ٦: ٩ وغلاطية ٥: ١٩ – ٢١ وص ١٩: ٢١ و٢٠ ص ٢: ١١

ذكر في هذه الآية الذين لا محل لهم في المدينة السماوية.

وَأَمَّا ٱلْخَائِفُونَ الذين يخافون من القيام بما يجب عليهم ويستحون بالمسيح. ولم يعن الذين «يعملون إرادة الرب بخوف ورعدة» لضعف طبيعتهم (١كورنثوس ٢: ٣ وعبرانيين ١٢: ٢١).

إن خوف الناس الذي يصير فخاً لهم يمنع من دخول المدينة السماوية ولكن من له إيمان يدخلها بمحاربة الشيطان والخطيئة والعالم ويتبع الخروف حيث يذهب وبالإيمان يغلب.

غَيْرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ الذين لا يصدقون كلمة الله والذين ليسوا بأمناء له.

ٱلرَّجِسُونَ المرتكبون الخطايا النجسة (ص ١٧: ٤) لأنه لا يدخل السماء نجس.

ٱلسَّحَرَةُ (تثنية ١٨: ١١ ودانيال ٢: ٢ وملاخي ٢: ٥) كسيمون (أعمال ٨: ٩) وعليم (أعمال ١٣: ٦). و «السحر» من جملة أعمال الجسد (غلاطية ٥: ٢٠).

جَمِيعُ ٱلْكَذَبَةِ أي غير الأمناء للحق ولا لضمائرهم ولا بألسنتهم فهم الذين «استبدلوا حق الله بالكذب» (رومية ١: ٢٥) والذين صفاتهم خلاف صفات هؤلاء هم الذين يدخلون المدينة السماوية. فالأمر الوحيد الذي يمنع من دخول تلك المدينة التي «أبوابها مفتوحة أبداً» (ص ٢٠: ٢٥) هو الخطيئة باعتبار كونها محبوبة لا يراد تركها والرجوع عنها.

٩ «ثُمَّ جَاءَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ ٱلسَّبْعَةِ ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلَّذِينَ مَعَهُمُ ٱلسَّبْعَةُ ٱلْجَامَاتُ ٱلْمَمْلُوَّةُ مِنَ ٱلسَّبْعِ ٱلضَّرَبَاتِ ٱلأَخِيرَةِ، وَتَكَلَّمَ مَعِي قَائِلاً: هَلُمَّ فَأُرِيَكَ ٱلْعَرُوسَ ٱمْرَأَةَ ٱلْحَمَلِ».

ص ١٧: ١ و١٥: ١ و٧ ع ٢ وص ١٩: ٧

في هذه الآية وما يليها إلى (ص ٢٢: ٥) وصف المدينة أورشليم السماوية وخلاصته تسعة أمور:

  • الأول: إن كل مجد سكانها من الله (ع ١١ و٢٣ و٢٢: ٥).
  • الثاني: إن بركاتها مباحة للجميع لأن أبوابها مفتوحة للكل من كل الجهات (ع ١٢ و١٣).
  • الثالث: إن كل سكانها من السماويين والأرضيين جماعة واحدة من الملائكة والآباء والرسول والمؤمنين (ع ١٢ و١٤).
  • الرابع: إن سكانها أتوا من أمكنة مختلفة بسجايا مختلفة لأن على أبوابها أسماء الاثني عشر سبطاً (ع ٢١).
  • الخامس: إن فيها كل ما هو جميل ولذيذ فمنع من دخولها كل ما يشين بهاءها (ع ١٧ و١٨).
  • السادس: إن الحقائق التي تكلم بها الأنبياء القدماء هي مثل الجواهر الثمينة تتبين إنها مبادئ أبدية مملوءة جمالاً ومجداً (ع ١٩ و٢٠).
  • السابع: إن سكان السماء يمكنهم أن يستغنوا عن الفرائض والمساعدات التي كانوا يحتاجون إليها وهم على الأرض (ع ٢٢ و٢٣).
  • الثامن: إن عبيد الله ينالون في السماء كل ما كانوا يشتاقون إليه من البرّ هنا (ص ٢٢: ١ و٢).
  • التاسع: إن بركات السماء متنوعة عظيمة أبدية وللمفديين وسائل جديدة ليخدموا الله (ص ٢٢: ٣ و٤).

وَاحِدٌ مِنَ ٱلسَّبْعَةِ ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلَّذِينَ مَعَهُمُ ٱلسَّبْعَةُ ٱلْجَامَاتُ (ص ١٥: ٦ و٧) وهو الذي أرى الرسول الزانية القرمزية (ص ١٧: ٤) وأتى ليريه عروس الخروف الطاهرة.

هَلُمَّ فَأُرِيَكَ ٱلْعَرُوسَ ٱمْرَأَةَ ٱلْحَمَلِ أي كنيسة المسيح الحقيقية وهي تمتاز عن الكنيسة الفاسدة بأنها «نزلت من عند الله» فأراه إياها باعتبار كونها مدينة لا عروساً لأنه قد «تم العرس» وسُرّت العروس بالمسيح وسرّ المسيح بها.

١٠ «وَذَهَبَ بِي بِٱلرُّوحِ إِلَى جَبَلٍ عَظِيمٍ عَالٍ، وَأَرَانِي ٱلْمَدِينَةَ ٱلْعَظِيمَةَ أُورُشَلِيمَ ٱلْمُقَدَّسَةَ نَازِلَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ ٱللهِ».

ص ١: ١٠ و١٧: ٣ وحزقيال ٤٠: ٢ ع ٢

وَذَهَبَ بِي بِٱلرُّوحِ (حزقيال ٣: ١٤).

إِلَى جَبَلٍ عَظِيمٍ عَالٍ يصعد الناس إلى قنن الجبال ليمتد نظرهم إلى مشاهد واسعة جميلة. وهذا «الجبل» الرمزي مركز تُرى منه المدينة أورشليم السماوية وهي على سهل أو جبل آخر. كذلك نظر موسى من جبل نبو من رأس الفسجة الأرض المقدسة التي لم يسمح له الله أن يدخلها. وكذا نظر الرسل على طور التجلي مجد ذلك الذي هو رب المجد (متى ١٧: ١ – ٤). وأخذ المجرب المسيح إلى «جَبَلٍ عَالٍ جِدّاً، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ ٱلْعَالَمِ وَمَجْدَهَا» (متّى ٤: ٨). وعلى مثل ذلك «الجبل» رأى حزقيال وهو منفي في بابل أورشليم الرمزية حين كانت أورشليم الحقيقية ركاماً (حزقيال ٤٠: ٢).

نَازِلَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ ٱللهِ كما قيل في الآية الثانية. رآها يوحنا أولاً من بعد وشغل باله بما قيل له في (ع ٣ – ١٠). والملاك وجه نظره ثانية إلى المدينة فوجدها كما عهدها. و «نزولها من عند الله» يستلزم إن الله سبحانه هو صانعها وبارئها.

١١ «لَـهَا مَجْدُ ٱللهِ، وَلَمَعَانُهَا شِبْهُ أَكْرَمِ حَجَرٍ كَحَجَرِ يَشْبٍ بَلُّورِيٍّ».

ص ١٥: ٨ وع ٢٣ إشعياء ٦: ١ وحزقيال ٤٣: ٢ وص ٢٢: ٥ ع ١٨ و١٩ وص ٤: ٣ و٦

لَـهَا مَجْدُ ٱللهِ أي السحابة المنيرة التي كانت تحل على خيمة الاجتماع في البرية (ع ٢٣ وص ١٥: ٨).

لَمَعَانُهَا شِبْهُ أَكْرَمِ حَجَرٍ كَحَجَرِ يَشْبٍ بَلُّورِيٍّ (ص ٤: ٣) والمعنى إن المدينة شفافة كالألماس ولكنها ملونة قليلاً بخضرة كالقوس التي كانت حول العرش (ص ٤: ٣). وهذا على وفق معنى قول المسيح إن الكنيسة نور العالم (متّى ٥: ١٤).

١٢ «وَكَانَ لَـهَا سُورٌ عَظِيمٌ وَعَالٍ، وَكَانَ لَـهَا ٱثْنَا عَشَرَ بَاباً، وَعَلَى ٱلأَبْوَابِ ٱثْنَا عَشَرَ مَلاَكاً، وَأَسْمَاءٌ مَكْتُوبَةٌ هِيَ أَسْمَاءُ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ».

حزقيال ٤٨: ٣١ إلى ٣٤ ع ١٥ و٢١ و٢٥ وص ٢٢: ١٤

كَانَ لَهَا سُورٌ عَظِيمٌ وَعَالٍ هذا مثل قول إشعياء «لَنَا مَدِينَةٌ قَوِيَّةٌ. يَجْعَلُ ٱلْخَلاَصَ أَسْوَاراً وَمِتْرَسَةً» (إشعياء ٢٦: ١ انظر أيضاً مزمور ٣١: ٢١).

وَكَانَ لَـهَا ٱثْنَا عَشَرَ بَاباً كما قيل في (حزقيال ٤٨: ٣١ – ٣٤) بُنيت «الأبواب» للحماية «والسور العظيم العالي» يحقق أمن المدينة السماوية وسلامها (زكريا ٢: ٥).

وَعَلَى ٱلأَبْوَابِ ٱثْنَا عَشَرَ مَلاَكاً هذا إشارة إلى إن الله يوصي ملائكته بشعبه ليحفظوهم في كل طرقهم (مزمور ٩١: ١١). فهي كحراس وزينة للمدينة باعتبار كونها حصناً حصيناً لأن ليس حولها أعداء.

وَأَسْمَاءٌ مَكْتُوبَةٌ هِيَ أَسْمَاءُ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ أي إن الأبواب على ترتيب أسباط إسرائيل في البرية (عدد ٢: ٢ – ٣١ وحزقيال ص ٤٨ ورؤيا ص ٧). وكان هذا الترتيب على وفق الترتيب الذي في سفر العدد فعلى الشرق يهوذا ويساكر وزبولون. وعلى الجنوب رأوبين وشمعون وجاد. وعلى الغرب أفرايم ومنسى وبنيامين. وعلى الشمال دان وأشير ونفتالي. والترتيب في رؤيا حزقيال يختلف عن ذلك (حزقيال ٤٨: ٣٠ – ٣٥). وكان «أسماء الأسباط» عليها دلالة على أن للأسباط حقوقاً ممتازة في دخولها.

١٣ «مِنَ ٱلشَّرْقِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ، وَمِنَ ٱلشِّمَالِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ، وَمِنَ ٱلْجَنُوبِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ وَمِنَ ٱلْغَرْبِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ».

هذا يشير إلى أن المدينة مفتوحة لكل داخل من كل ناحية وأن سكانها يأتون من كل قطر.

١٤ «وَسُورُ ٱلْمَدِينَةِ كَانَ لَهُ ٱثْنَا عَشَرَ أَسَاساً، وَعَلَيْهَا أَسْمَاءُ رُسُلِ ٱلْحَمَلِ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ».

وعبرانيين ١١: ١٠ أعمال ١: ٢٦

وَعَلَيْهَا أَسْمَاءُ رُسُلِ ٱلْحَمَلِ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ كان البناؤون القدماء يكتبون أسماءهم على ما يبنونه (تكوين ٤: ١٧). إن الأسس لم تكن تحت الأرض مدفونة بل كانت ظاهرة. والمراد بها الأعراق السفلى من السور وهي تحيط بكل المدينة وأحدها فوق الآخر. فأسماء الاثني عشر سبطاً على الأسوار تدل على خدمة أتقياء العهد القديم وأنبيائه في بناء المدينة «وأسماء الرسل» تدل على تعليمهم وشهادتهم التي بُنيت عليها أورشليم الروحية. وهذا موافق لقول بولس «مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ ٱلرُّسُلِ وَٱلأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ ٱلزَّاوِيَةِ، ٱلَّذِي فِيهِ كُلُّ ٱلْبِنَاءِ مُرَكَّباً مَعاً يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّساً فِي ٱلرَّبِّ» (أفسس ٢: ٢٠ و٢١). وقول بطرس «إِنْ كُنْتُمْ قَدْ ذُقْتُمْ أَنَّ ٱلرَّبَّ صَالِحٌ. ٱلَّذِي إِذْ تَأْتُونَ إِلَيْهِ، حَجَراً حَيّاً مَرْفُوضاً مِنَ ٱلنَّاسِ، وَلٰكِنْ مُخْتَارٌ مِنَ ٱللهِ كَرِيمٌ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيِّينَ كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ، بَيْتاً رُوحِيّاً، كَهَنُوتاً مُقَدَّساً، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ ٱللهِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (١بطرس ٢: ٣ – ٦). فالذي كان يعرف يسوع في مدة خدمته الأرضية صار يعرفه «ابن الله» على جبل صهيون السماوي (ص ١٤: ١) وهو «الخروف» بالنسبة إلى الرسل (يوحنا ١: ٢٩ و٣٦)، وكان الرسل يأخذون تعليمهم كل يوم من الرب فنالوا عنايته ومحبته لهم وأخذوا منه الروح القدس ومواهبه. ووزعوا تعليمه إلى أقاصي الأرض فحق أن يُقال إن «الكنيسة مَبْنِيّة عَلَى أَسَاسِ ٱلرُّسُلِ وَٱلأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ ٱلزَّاوِيَةِ» (أفسس ٢: ٢٠ انظر أيضاً متّى ١٦: ١٨).

١٥ «وَٱلَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعِي كَانَ مَعَهُ قَصَبَةٌ مِنْ ذَهَبٍ لِكَيْ يَقِيسَ ٱلْمَدِينَةَ وَأَبْوَابَهَا وَسُورَهَا».

ص ١١: ١ ع ٢١ و٢٥ و١٢

هذه المدينة كالمدينة التي رآها حزقيال في الرؤيا يجب أن تُقاس (حزقيال ٤٠: ٢ – ٥ وزكريا ٢: ١ و٢). وكان قياس مدينة حزقيال وزكريا لصونها من الخطر ولكن قياس هذه المدينة كان بياناً لمجدها وجمالها وحسن هندستها.

١٦ «وَٱلْمَدِينَةُ كَانَتْ مَوْضُوعَةً مُرَبَّعَةً، طُولُـهَا بِقَدْرِ ٱلْعَرْضِ. فَقَاسَ ٱلْمَدِينَةَ بِٱلْقَصَبَةِ مَسَافَةَ ٱثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ غَلْوَةٍ. ٱلطُّولُ وَٱلْعَرْضُ وَٱلارْتِفَاعُ مُتَسَاوِيَةٌ».

وَٱلْمَدِينَةُ كَانَتْ مَوْضُوعَةً مُرَبَّعَةً، طُولُـهَا بِقَدْرِ ٱلْعَرْضِ ولعلها كانت على وضع قدس الأقداس في خيمة الاجتماع.

مَسَافَةَ ٱثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ غَلْوَةٍ بين كل بابين ألف غلوة فمحيط المدينة ينيف على ثلاث مئة ميل انكليزي ويصعب علينا أن نتصور مثل هذه المدينة ولعل المقصود أن نعرف أنها عظيمة جداً لا إن نرسم صورتها في الخيال.

ٱلطُّولُ وَٱلْعَرْضُ وَٱلارْتِفَاعُ مُتَسَاوِيَةٌ هذا يدل على أن ارتفاعها على قدر طولها وهو مناف لما يأتي في (ع ١٧). فالأرجح أن المراد بهذا التساوي أن علوها واحد في كل محيطها.

١٧ «وَقَاسَ سُورَهَا: مِئَةً وَأَرْبَعاً وَأَرْبَعِينَ ذِرَاعاً، ذِرَاعَ إِنْسَانٍ (أَيِ ٱلْمَلاَكُ)».

تثنية ٣: ١١ وص ١٣: ١٨ ع ٩

وَقَاسَ سُورَهَا: مِئَةً وَأَرْبَعاً وَأَرْبَعِينَ ذِرَاعاً كان أعلى سور سليمان مئة وعشرين ذراعاً (٢أيام ٣: ٤). وعلو بعض سور بابل ثلاث مئة قدم وبعضه مئتي قدم.

ذِرَاعَ إِنْسَانٍ أي ذراع الملاك. فالمعنى أن ذراع الملاك كذراع الإنسان.

١٨ «وَكَانَ بِنَاءُ سُورِهَا مِنْ يَشْبٍ، وَٱلْمَدِينَةُ ذَهَبٌ نَقِيٌّ شِبْهُ زُجَاجٍ نَقِيٍّ».

ع ١١ و٢١ ص ٤: ٦

وَكَانَ بِنَاءُ سُورِهَا أي جزء سورها الذي فوق الأسس.

مِنْ يَشْبٍ كما قيل في لمعانها (ع ١١ انظر ص ٤: ٣).

وَٱلْمَدِينَةُ ذَهَبٌ نَقِيٌّ الذهب أثمن المنطرقات وهو يشير إلى فضيلة المحبة التي هي أعظم الفضائل فإن الله رب المدينة هو محبة وغنى المدينة قائم بالمحبة وكذا كل نشاطها وخدمتها. فكل سكانها ساكنون في المحبة ومحاطون بها.

شِبْهُ زُجَاجٍ نَقِيٍّ هذا يدل على أن المحبة في تلك المدينة خالية من الرياء وحب الذات.

١٩، ٢٠ «١٩ وَأَسَاسَاتُ سُورِ ٱلْمَدِينَةِ مُزَيَّنَةٌ بِكُلِّ حَجَرٍ كَرِيمٍ. ٱلأَسَاسُ ٱلأَوَّلُ يَشْبٌ. ٱلثَّانِي يَاقُوتٌ أَزْرَقُ. ٱلثَّالِثُ عَقِيقٌ أَبْيَضُ. ٱلرَّابِعُ زُمُرُّدٌ ذُبَابِيٌّ ٢٠ ٱلْخَامِسُ جَزَعٌ عَقِيقِيٌّ. ٱلسَّادِسُ عَقِيقٌ أَحْمَرُ. ٱلسَّابِعُ زَبَرْجَدٌ. ٱلثَّامِنُ زُمُرُّدٌ سِلْقِيٌّ. ٱلتَّاسِعُ يَاقُوتٌ أَصْفَرُ. ٱلْعَاشِرُ عَقِيقٌ أَخْضَرُ. ٱلْحَادِي عَشَرَ أَسْمَانْجُونِيٌّ. ٱلثَّانِي عَشَرَ جَمَشْتٌ».

إشعياء ٥٤: ١١ وع ١٩ و٢٠ خروج ٢٨: ١٧ – ٢٠ وحزقيال ٢٨: ١٣ ص ٤: ٣

في هذه الآية والتي تليها بيان مواد الأسس في كل محيط المدينة. كانت «الزانية» متحلية «بأرجوان وقرمز وذهب» (ص ١٧: ٤). و «المرأة» عروس المسيح كانت متحلية «بجواهر» أجمل من تلك وأثمن. قال المسيح «لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ بَيْتاً أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَباً أَوْ أُمّاً أَوِ ٱمْرَأَةً أَوْ أَوْلاَداً أَوْ حُقُولاً، لأَجْلِي وَلأَجْلِ ٱلإِنْجِيلِ، إِلاَّ وَيَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ ٱلآنَ فِي هٰذَا ٱلّزَمَانِ، بُيُوتاً وَإِخْوَةً وَأَخَوَاتٍ الخ» (مرقس ١٠: ٢٨ – ٣١) قابل هذا بما في (إشعياء ٥٤: ١٢). كون الأسس متنوعة الأشكال يدل على تنوع المواهب والخدم والوحدة في الذات إذ لها رب واحد وروح واحد. وتلك «الأسس» غير مرتبة كترتيب الحجارة في صدرة الحبر الأعظم بل مرتبة بالنظر إلى نسبة بعض الألوان إلى بعض. وكون عددها «اثني عشر» يشير إلى الكمال. والمقصود بها بيان اتحادها وقوتها وجمالها والنور السماوي يقع على حجارة أرضية إظهاراً لعظمتها. وهذا لبيان ألوان الأسس.

ٱلأَوَّلُ يَشْبٌ وهو حجر كريم أخضر لامع (ع ١١ و١٨).

ٱلثَّانِي يَاقُوتٌ أَزْرَقُ (خروج ٣٩: ١١ وحزقيال ٢٨: ١٣).

ٱلثَّالِثُ عَقِيقٌ أَبْيَضُ يضرب قليلاً إلى الزرقة (خروج ٢٨: ١٩ و٣٩: ١٢).

ٱلرَّابِعُ زُمُرُّدٌ ذُبَابِيٌّ (خروج ٢٨: ١٧ و٣٩: ١٠ وحزقيال ٢٨: ١٣).

ٱلْخَامِسُ جَزَعٌ عَقِيقِيٌّ أبيض يضرب إلى الحمرة (خروج ٣٩: ١١ وحزقيال ٢٨: ١٣).

ٱلسَّادِسُ عَقِيقٌ أَحْمَرُ (ص ٤: ٣).

ٱلسَّابِعُ زَبَرْجَدٌ وهو أصفر ذهبي.

ٱلثَّامِنُ زُمُرُّدٌ سِلْقِيٌّ أخضر يضرب إلى الزرقة.

ٱلتَّاسِعُ يَاقُوتٌ أَصْفَرُ وهو ظاهر.

ٱلْعَاشِرُ عَقِيقٌ أَخْضَرُ وهو ظاهر.

ٱلْحَادِي عَشَرَ أَسْمَانْجُونِيٌّ أي أزرق سماوي (خروج ٢٨: ١٩ و٣٩: ١٢).

ٱلثَّانِي عَشَرَ جَمَشْتٌ وهو بنفسجي اللون. وكل هذه الحجارة ثمينة تليق بالمدينة السماوية فهي مختلفة الألوان متفقة في الجمال.

٢١ «وَٱلاثْنَا عَشَرَ بَاباً ٱثْنَتَا عَشَرَةَ لُؤْلُؤَةً، كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ ٱلأَبْوَابِ كَانَ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ. وَسُوقُ ٱلْمَدِينَةِ ذَهَبٌ نَقِيٌّ كَزُجَاجٍ شَفَّافٍ».

ع ١٥ و٢٥ و١٢ ص ١٧: ٤ وإشعياء ٥٤: ١٢ ع ٢١ وص ٤: ٣

وَٱلاثْنَا عَشَرَ بَاباً ٱثْنَتَا عَشَرَةَ لُؤْلُؤَةً (إشعياء ٥٤: ١٢). كانت «الأسس» متنوعة لكن «الأبواب» متماثلة وهذا يشير إلى أن كل الذين يدخلون المدينة من طرق مختلفة يدخلون بباب واحد وهو المسيح (إشعياء ١٤: ٦ وأعمال ٤: ١١ و١٢ و١كورنثوس ٣: ١١ وعبرانيين ١٠: ٢٠). و «اللؤلؤة» رمز إلى الحق وهو الجوهر الذي لا يحتاج إلى آلة الجوهري. وكذا حال الحق الذي يحرر الإنسان.

٢٢ «وَلَمْ أَرَ فِيهَا هَيْكَلاً، لأَنَّ ٱلرَّبَّ ٱللهَ ٱلْقَادِرَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ هُوَ وَٱلْحَمَلُ هَيْكَلُهَا».

يوحنا ٤: ٢٢ متّى ٢٤: ٢ ص ١: ٨ و٥: ٦ و٧: ١٧ و١٤: ٤

لَمْ أَرَ فِيهَا هَيْكَلاً إن في رؤيا حزقيال هيكلاً عظيماً (حزقيال ص ٤١ و٤٢) فليس من احتياج إلى المعونات والفرائض والذبائح في العبادة المسيحية كالعادة اليهودية وليس من احتياج إليها في العبادة السماوية فهي كالعبادة المسيحية على الأرض «وَأَمَّا ٱلنُّبُوَّاتُ فَسَتُبْطَلُ، وَٱلأَلْسِنَةُ فَسَتَنْتَهِي، وَٱلْعِلْمُ فَسَيُبْطَلُ» (١كورنثوس ١٣: ٨ وأفسس ٤: ١١ – ١٣). والكنائس تهدم والجمعيات القائمة بنشر الإنجيل لا يبقى من حاجة إليها وتزول كل خدمة وسياسة في الكنيسة ويبقى «الله الكل في الكل» فيكون هو «الهيكل» و «المقدس» والمجتمع لشعبه (حزقيال ٤٨: ٣٥ ويوحنا ١٤: ٢ – ٢٤). ولا محل في السماء أقدس من غيره فكلها مقدسة فالله والخروف قدّسا كل مواضعها بحضورهما الدائم لأنهما موضوع العبادة. والذبيحة العظيمة أي الخروف هناك.

٢٣ «وَٱلْمَدِينَةُ لاَ تَحْتَاجُ إِلَى ٱلشَّمْسِ وَلاَ إِلَى ٱلْقَمَرِ لِيُضِيئَا فِيهَا، لأَنَّ مَجْدَ ٱللهِ قَدْ أَنَارَهَا، وَٱلْحَمَلُ سِرَاجُهَا».

إشعياء ٢٤: ٢٣ و٦٠: ١٩ و٢٠ وع ٢٥ وص ٢٢: ٤ ع ١١

وَٱلْمَدِينَةُ لاَ تَحْتَاجُ إِلَى ٱلشَّمْسِ وَلاَ إِلَى ٱلْقَمَرِ لأن الله نور ومسكنه النور والقداسة فلا ظلمة لديه. والمسيح هو «نور العالم» والنور في أورشليم الجديدة يضيء فيها كما ضاء في خيمة الاجتماع وقدس الأقداس في هيكل سليمان. والقول هنا مبني على ما في (إشعياء ٦٠: ١٩). فالله يجعل كل عبيده «كالكواكب المضيئة» (دانيال ١٢: ٣). والكنائس المسيحية هي نور العالم.

وَٱلْحَمَلُ سِرَاجُهَا بالنظر إلى عمله على الأرض فادياً ووسيطاً فلا ننسى أبداً إن المسيح كان «كنعجة تُساق إلى الذبح» فهو الذي يمنح المدينة مجداً وسروراً. وكون «الخروف سراجها» يذكّرنا بالمنارة الذهبية في الخيمة والهيكل (متّى ٥: ١٤).

٢٤ «وَتَمْشِي شُعُوبُ ٱلْمُخَلَّصِينَ بِنُورِهَا، وَمُلُوكُ ٱلأَرْضِ يَجِيئُونَ بِمَجْدِهِمْ وَكَرَامَتِهِمْ إِلَيْهَا».

إشعياء ٦٠: ٣ و٥ ص ٢٢: ٢ مزمور ٧٢: ١٠ وإشعياء ٤٩: ٢٣ و٦٠: ١٦ وع ٢٦

تَمْشِي شُعُوبُ ٱلْمُخَلَّصِينَ بِنُورِهَا أي تكون الكنيسة للأمم بمنزلة الشمس والقمر. وهذا يدل على أنه يبقى في «الأرض الجديدة» سكان لكنهم لا يكونون أعداء لله كما كان الناس قبلهم بل يكونون عبيداً له (ص ٢٢: ٣).

مُلُوكُ ٱلأَرْضِ يَجِيئُونَ بِمَجْدِهِمْ وَكَرَامَتِهِمْ إِلَيْهَا رأى يوحنا على الأرض في عصره كنائس المسيح مهانة مضطهدة صغيرة ولكنه رأى في رؤياه أنها في المستقبل واسعة مكرمة تزدحم إليها الجماهير وإن النبوءات المتعلقة بها قد تمت مثل قوله «يَكُونُ ٱسْمُهُ إِلَى ٱلدَّهْرِ. قُدَّامَ ٱلشَّمْسِ يَمْتَدُّ ٱسْمُهُ. وَيَتَبَارَكُونَ بِهِ. كُلُّ أُمَمِ ٱلأَرْضِ يُطَوِّبُونَهُ» (مزمور ٧٢: ١١ و١٧).

٢٥ «وَأَبْوَابُهَا لَنْ تُغْلَقَ نَهَاراً، لأَنَّ لَيْلاً لاَ يَكُونُ هُنَاكَ».

إشعياء ٦٠: ١١ إشعياء ٦٠: ٢٠ وزكريا ١٤: ١٧ وص ٢٢: ٥ ع ٢٣

أَبْوَابُهَاّ لَنْ تُغْلَقَ نَهَاراً للسلام والأمن وزوال الخطر وانتفاء الأعداء.

لأَنَّ لَيْلاً لاَ يَكُونُ هُنَاكَ لأن الله شمسها. فالخطيئة تجعل العالم مظلماً والحزن ينفي النور من بيوت الناس ومن قلوبهم وكذا المرض والموت وكل هذه الأسباب تكون قد زالت إلى الأبد (إشعياء ٦٠: ١١ وحزقيال ٣٨: ١١) ولعل يوحنا ذكر هنا «الليل الذي خرج فيه يهوذا» للخيانة وتسليم المسيح (يوحنا ١٣: ٣٠).

٢٦ «وَيَجِيئُونَ بِمَجْدِ ٱلأُمَمِ وَكَرَامَتِهِمْ إِلَيْهَا».

إن تقدماتهم تشهد لهم بالشكر لله والمحبة والعبادة. فنسب هنا إلى «أورشليم السماوية» ما كان «لأورشليم الأرضية» من إكرام ملوك الأمم (إشعياء ٤٥: ١٤ و٩: ٢٣ و٦٠: ١٠ و١١).

٢٧ «وَلَنْ يَدْخُلَهَا شَيْءٌ دَنِسٌ وَلاَ مَا يَصْنَعُ رَجِساً وَكَذِباً، إِلاَّ ٱلْمَكْتُوبِينَ فِي سِفْرِ حَيَاةِ ٱلْحَمَلِ».

ص ٢٢: ١٤ إشعياء ٥٢: ١ وحزقيال ٤٤: ٩ وزكريا ١٤: ٢١ ص ٣: ٥

لَنْ يَدْخُلَهَا شَيْءٌ دَنِسٌ مع أن أبوابها مفتوحة أبداً. وهذا تأكيد للوعد الذي في الآية الثامنة وهو أن لا يدخل السماء خطية. كان اليهود يجتهدون في منع كل رجس من مقدسهم وكانت غاية الله من التمييز بين الطاهر والنجس من الأطعمة تعليم وجوب القداسة وأن لا يدخل في حضرة الله شيء من الإثم. ومثل هذا الاعتناء بالاحتراس من النجاسة الأدبية في الهيكل السماوي (٢كورنثوس ٦: ١٧ و١٨ و٧: ١). فإنه من أعظم بركات السماء أن لا يدخلها شيء مما يدنس فمن دخل بابها ترك الخطيئة خارج ذلك الباب (ص ١٨: ٤).

ٱلْمَكْتُوبِينَ فِي سِفْرِ حَيَاةِ ٱلْحَمَلِ (ص ١٣: ٨ و٢٠: ١٢) انظر تفسير ذلك. فإن كان شعوب الأرض وملوكها «يجيئون بمجدهم وكرامتهم إليها» و «لا يدخلها إلا الذين مكتوبة أسماؤهم في سفر الحياة» فيلزم من ذلك إن أسماء أولئك مما كُتب في ذلك السفر وهذا من أعظم انتصارات الفداء.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى