رؤيا يوحنا | 19 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح سفر رؤيا يوحنا
للدكتور . وليم إدي
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ عَشَرَ
في هذا الأصحاح ترنم الجند السماوي فرحاً بسقوط بابل. ذُكر في الأصحاح السابق رثاء أهل العالم لبابل حزناً على سقوطها وذُكر هنا ترنم الجنود السماوية وتسبيحهم وكل عبيد الله فرحاً بانتقام الله منها لأنها كانت عدو الله والكنيسة.
١ – ٤ «١ وَبَعْدَ هٰذَا سَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ فِي ٱلسَّمَاءِ قَائِلاً: هَلِّلُويَا! ٱلْخَلاَصُ وَٱلْمَجْدُ وَٱلْكَرَامَةُ وَٱلْقُدْرَةُ لِلرَّبِّ إِلٰهِنَا، ٢ لأَنَّ أَحْكَامَهُ حَقٌّ وَعَادِلَةٌ، إِذْ قَدْ دَانَ ٱلزَّانِيَةَ ٱلْعَظِيمَةَ ٱلَّتِي أَفْسَدَتِ ٱلأَرْضَ بِزِنَاهَا، وَٱنْتَقَمَ لِدَمِ عَبِيدِهِ مِنْ يَدِهَا. ٣ وَقَالُوا ثَانِيَةً: هَلِّلُويَا! وَدُخَانُهَا يَصْعَدُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. ٣ وَخَرَّ ٱلأَرْبَعَةُ وَٱلْعِشْرُونَ شَيْخاً وَٱلأَرْبَعَةُ ٱلْحَيَوَانَاتُ، وَسَجَدُوا لِلّٰهِ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ قَائِلِينَ: آمِينَ. هَلِّلُويَا».
ع ٦ ص ١١: ١٥ إرميا ٥١: ٤٨ ع ٣ و٤ و٦ ومزمور ١٠٤: ٣٥ ص ٧: ١٠ و٤: ١١ و ٦: ١٠ و١٦: ٧ و١٧: ١ و١٨: ٢٠ و١٦: ٦ وتثنية ٣٢: ٤٣ و٢ملوك ٩: ٧ ص ١٤: ١١ و٤: ٤ و١٠ و٦ ص ٥: ١٤ مزمور ١٠٦: ٤٨
سَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ فِي ٱلسَّمَاءِ هؤلاء هم الذين دُعوا إلى الفرح في (ص ١٨: ٢٠).و هذا «الجمع» هو الجمع المذكور في (ص ٧: ٩) وهو «المئة والأربع والأربعون ألفاً» في (ص ١٤: ١) وهو الذين «وقفوا على البحر الزجاجي» في (ص ١٥: ٢).
قَائِلاً هَلِّلُويَا الخ أي احمدوا الرب. وهذه الكلمة لم تُذكر في سوى سفر الرؤيا من كل أسفار العهد الجديد وذُكرت أربع مرات في هذا الأصحاح. وذُكرت في (مزمور ١٤٦: ١ و٢٠) وفي المزامير التي تليه. وكان موضوع ترنمهم أعمال الله وصفاته وأظهرها بإنقاذ شعبه من شر الزانية العظيمة وانتقامه منها لدم عبيده. وهذا التسبيح يشبه خاتمة الصلاة الربية.
وَدُخَانُهَا يَصْعَدُ (ع ٣) (ص ١٨: ٩ و١٨).
وَخَرَّ ٱلأَرْبَعَةُ وَٱلْعِشْرُونَ شَيْخاً (ع ٤) وهم نواب الكنيسة (ص ٤: ٤).
وَٱلأَرْبَعَةُ ٱلْحَيَوَانَاتُ وهي نواب الخليقة المفدية (ص ٤: ٦ – ٨) وقد صدقت ترنيمة الجمع الكثير.
٥ – ٧ «٥ وَخَرَجَ مِنَ ٱلْعَرْشِ صَوْتٌ قَائِلاً: سَبِّحُوا لإِلٰهِنَا يَا جَمِيعَ عَبِيدِهِ، ٱلْخَائِفِيهِ، ٱلصِّغَارِ وَٱلْكِبَارِ. ٦ وَسَمِعْتُ كَصَوْتِ جَمْعٍ كَثِيرٍ، وَكَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، وَكَصَوْتِ رُعُودٍ شَدِيدَةٍ قَائِلَةً: هَلِّلُويَا! فَإِنَّهُ قَدْ مَلَكَ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. ٧ لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ ٱلْمَجْدَ، لأَنَّ عُرْسَ ٱلْحَمَلِ قَدْ جَاءَ، وَٱمْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا».
مزمور ١٣٤: ١ و١٣٥: ١ ص ١١: ١٨ وص ١: ١٥ و٦: ١ و١: ٨ و١١: ١٣ ومتى ٢٢: ٢ و٢٥: ١٠ ولوقا ١٢: ٣٦ ويوحنا ٣: ٢٩ وأفسس ٥: ٢٣ و٣٢ ص ٢١: ٢ و٩ متّى ١: ٢٠
صَوْتٌ قَائِلاً سَبِّحُوا هذا أمر لكل عبيد الله بالاشتراك في الترنم. ولم يقل صوت من هذا الصوت فاقتصر على الأنباء بأنه خرج من العرش. والكلمات هنا تشبه كلمات (مزمور ١١٣: ١ – ٤ ومزمور ١٣٤).
وَسَمِعْتُ كَصَوْتِ جَمْعٍ كَثِيرٍ (ع ٦) هذا كما قيل في (ص ١٤: ٢). وكان تأثير هذا الصوت كتأثير صوت البحر وكان شديد كهزيم الرعد.
قَائِلَةً الخ إن موضوع هذا التسبيح هو إن الله أظهر رئاسته باعتبار كونه ملكاً على رغم الذين أنكروا رئاسته وأبغضوه. وهذا كقول المرنم «اَلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ فَلْتَبْتَهِجِ ٱلأَرْضُ» (مزمور ٩٧: ١).
لأَنَّ عُرْسَ ٱلْحَمَلِ قَدْ جَاءَ (ع ٧) هذا موضوع ثان للفرح والمعنى أنه حان وقت اتحاد الخروف بالكنيسة كما يتحد العروس بعرسه. وكان هذا النبأ منذ زمن مديد وذُكر في (مزمور ٤٥) ونشيد الأنشاد. وذكره الأنبياء (إشعياء ٥٤: ١ – ٨ وحزقيال ١٦: ٨ هوشع ٢: ١٩) وذكره المسيح في أمثاله (متّى ٩: ١٥ و٢٢: ٢ – ١٠ و٢٥: ١ – ١٠). وذكره يوحنا الرسول في بشارته (يوحنا ٣: ٢٩) وبولس في (٢كورنثوس ١١: ٢ وأفسس ٥: ٢٣ – ٣٠). وهذا التسبيح يبين الاتحاد الكامل بين المسيح وكنيسته وإنه يجعلها شريكته في قداسته وسروره ومجده وملكوته. فأفراد المسيحيين «إخوته» و «ضيوفه» وجملتهم «عروسه».
وَٱمْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا أي تممت زينتها. ووصفت هذه الزينة في الآية التالية.
٨ «وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزّاً نَقِيّاً بَهِيّاً، لأَنَّ ٱلْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ ٱلْقِدِّيسِينَ».
ع ١٤ ص ١٥: ٤ و٦
وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ هذا كلام يوحنا لا جزء من كلمات الترنم.
بَزّاً نَقِيّاً بَهِيّاً خلافاً للمرأة الزانية (ص ١٧: ٤).
لأَنَّ ٱلْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ ٱلْقِدِّيسِينَ هذا وصف لحالها الطاهرة المقدسة التي قال أحد الشيوخ في أصحابها إنهم «غسلوا ثيابهم وبيضوها بدم الخروف» (انظر تفسير ص ٧: ١٤) وهذا تبرير المسيح إياهم بالإيمان. ونُسب «التبرر» إليهم حين آمنوا بالمسيح وحصل لهم ذلك البر بروحه القدوس. فإنه مع أنه قيل أنه «هيأت نفسها» قيل أيضاً «أعطيت أن تلبس» فإن المسيح «َأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّراً إِيَّاهَا بِغَسْلِ ٱلْمَاءِ بِٱلْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذٰلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ» (أفسس ٥: ٢٦ و٢٧). وهذا استعداد القلب والحياة لنيل السعادة الأبدية (فيلبي ٣: ٩ و١كورنثوس ٦: ١١) وهذه الوليمة الروحية تذكرنا العشاء الذي تناوله المسيح مع تلاميذه «فِي ٱللَّيْلَةِ ٱلَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا، أَخَذَ خُبْزاً وَشَكَرَ فَكَسَّرَ، وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا هٰذَا هُوَ جَسَدِي ٱلْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. ٱصْنَعُوا هٰذَا لِذِكْرِي. كَذٰلِكَ ٱلْكَأْسَ أَيْضاً بَعْدَمَا تَعَشَّوْا، قَائِلاً: هٰذِهِ ٱلْكَأْسُ هِيَ ٱلْعَهْدُ ٱلْجَدِيدُ بِدَمِي» (١كورنثوس ١١: ٢٣ – ٢٥). فبذل نفسه ليكون قوتاً للكنيسة وكان في هذه الوليمة الخروف الذي مات وهو «الحي الآن وإلى الأبد» هو العريس وجوهر الوليمة. فيه حيي شعبه على الأرض وسيحيا به في السماء إلى الأبد.
والكلام على إتمام هذا العرس سيأتي في (ص ٢١: ٢ – ٩) وذُكر قبله «تقييد الشيطان» وتملك القديسين «ألف سنة» ثم «حل الشيطان مدة قصيرة» ثم «تقييده الأخير والدينونة الأخيرة».
٩، ١٠ «٩ وَقَالَ لِيَ: ٱكْتُبْ: طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ ٱلْحَمَلِ. وَقَالَ: هٰذِهِ هِيَ أَقْوَالُ ٱللهِ ٱلصَّادِقَةُ. ١٠ فَخَرَرْتُ أَمَامَ رِجْلَيْهِ لأَسْجُدَ لَهُ، فَقَالَ لِيَ: ٱنْظُرْ لاَ تَفْعَلْ! أَنَا عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إِخْوَتِكَ ٱلَّذِينَ عِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ. ٱسْجُدْ لِلّٰهِ. فَإِنَّ شَهَادَةَ يَسُوعَ هِيَ رُوحُ ٱلنُّبُوَّةِ».
ع ١٠ وص ١٧: ١ و١: ١٩ لوقا ١٤: ١٥ و٢٢: ١٦ ص ٢١: ٥ و٢٢: ٦ و٨ و٩ وص ١٧: ٧ أعمال ١٠: ٢٦ ص ١: ١ و١٢: ١٧
وَقَالَ لِيَ أي الملاك (ص ١٧: ١).
طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ ٱلْحَمَلِ حسب جملة المؤمنين المدعوين إلى العرس وصرّح بغبطتهم وبتأكيد إتمام كل ما كان لهم من المواعيد. وهؤلاء هم الذين قبلوا تعليم ربنا في (متّى ٢٢: ١: ١٤ و٢٥: ١ – ١٣) وتفسير المعنى الروحي في (ص ٣: ٢٠).
هٰذِهِ هِيَ أَقْوَالُ ٱللهِ ٱلصَّادِقَةُ كما هي مذكورة في هذا السفر. وهذا التثبيت جاء مثله في (ص ٢١: ٥ و٢٢: ٦) وسيعرف ذلك قراء هذا السفر ولا سيما ما قيل في غبطة المدعوين. وهذا وعد بأن كنيسة المسيح تستريح مع ربها وتُولم وتملك وإن كل عبيد الله يشتركون مع المسيح في السرور والسلام والنصر.
فَخَرَرْتُ أَمَامَ رِجْلَيْهِ لأَسْجُدَ لَهُ (١٠) حدث مثل هذا في (ص ٢٢: ٦ – ٩). فتأثر يوحنا بعظمة البركات الموعود بها في هذا الكلام حتى جُرب بأن سجد للملاك السجود الذي لا يجوز لغير الله فمنعه الملاك من ارتكاب تلك الخطيئة ومنعه عن مثل هذه العبادة في (ص ٢٢: ٩).
أَنَا عَبْدٌ مَعَكَ الخ هذا بيان إن الملائكة عبيد الله كمؤمني الناس فلا مجد لهم ولنا أعظم من أن نكون «عبيداً لله». فكأنه قال كل المؤمنين شهود ليسوع وأنا شاهد ليسوع مثلهم لأن الشهادة ليسوع هي روح النبوءة. وشهادة الرسل كانت خدمة كشهادة الأنبياء القدماء وكذا شهادة الملاك وقتئذ كما ظهر من (ص ١: ٢ و٩ و٢بطرس ١: ٢١). إن الرسل سجدوا ليسوع ولم يمنعهم من ذلك (متّى ٢٨: ٩ و١٧) وأمر كل الملائكة أن يسجدوا له (مزمور ٩٧: ٧ وعبرانيين ١: ٦). وتم بيسوع تعاليم العهدين فهو جوهر كل النبوءة وغايتها وخلاصتها. فاشترك الآباء والأنبياء والملوك والملائكة والشعراء والرسول في إعطاء المسيح الرئاسة.
١١ «ثُمَّ رَأَيْتُ ٱلسَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ وَٱلْجَالِسُ عَلَيْهِ يُدْعَى أَمِيناً وَصَادِقاً، وَبِٱلْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ».
ص ٤: ١ يوحنا ١: ٥١ ع ١٩ و٢١ ص ٦: ٢ و٣: ١٤ إشعياء ١١: ٤
في هذه الآية وما بعدها إلى ع ١٦ ورؤيا المسيح آتياً منتصراً على أعدائه يتبعه جنوده.
رَأَيْتُ ٱلسَّمَاءَ مَفْتُوحَةً كما في (ص ٤: ١) فظهر الرب نفسه بخلاص شعبه وإهلاك أعدائه.
وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ وَٱلْجَالِسُ عَلَيْهِ هذه كالرؤيا في فتح الختم الأول (ص ٦: ٢). وبياض فرسه رمز إلى طهارة راكبه. والوعد بأنه «يجيء منتصراً» كان للكنيسة في أول تاريخها. وقُبل هذا الوعد منذ زمن قديم وبُين هنا أنه سيتم سريعاً. وهذا كقول النبي «لأَنَّ ٱلرُّؤْيَا بَعْدُ إِلَى ٱلْمِيعَادِ، وَفِي ٱلنِّهَايَةِ تَتَكَلَّمُ وَلاَ تَكْذِبُ. إِنْ تَوَانَتْ فَٱنْتَظِرْهَا لأَنَّهَا سَتَأْتِي إِتْيَاناً وَلاَ تَتَأَخَّرُ» (حبقوق ٢: ٣).
يُدْعَى أَمِيناً وَصَادِقاً لأنه يتمم كل ما وعد به (عبرانيين ١٠: ٢٣ و٣٦ – ٣٨) فيظهر كعريس ومنتظر كما تنبئ في (مزمور ٤٥: ١) الخ.
وَبِٱلْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ انتصار المسيح يستلزم الأمرين.
١٢ «وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ تِيجَانٌ كَثِيرَةٌ، وَلَهُ ٱسْمٌ مَكْتُوبٌ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ إِلاَّ هُوَ».
ص ١: ١٤ و٦: ٢ و١٢: ٣ ع ١٦ ص ٢: ١٧
عَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ لأن كل شيء عريان ومكشوف لذلك الذي معه أمرنا (ص ١: ١٤ و٢: ١٨ وعبرانيين ٤: ١٣ وإشعياء ١١: ٤ و٥).
وَعَلَى رَأْسِهِ تِيجَانٌ كَثِيرَةٌ هذا يبين أنه كان ملك كل أمم الأرض وأنه ملك الملوك (ع ١٦).
وَلَهُ ٱسْمٌ مَكْتُوبٌ لم يقل أين مكتوب ولعله كان على عصابة جبهته كالحبر الأعظم.
لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ إِلاَّ هُوَ يُعرف المسيح بأسماء كثيرة تدل على صفاته وأعماله المتنوعة منها «الرائي» و «الفادي» و «المخلص» و «رئيس الحياة» ولكن ذلك الاسم ليس منها ولا الاسم المذكور في (ع ١٣). لأن عمق حكمته ومعرفته ومحبته لا يعرفه أحد على الأرض بدليل قول المسيح نفسه «لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ ٱلابْنَ إِلاَّ ٱلآبُ» (متّى ١١: ٢٧) لكنه سيعلمه الذين يرونه في السماء. والمرجّح إن ذلك الاسم يشير إلى إعلان جديد يُظهر كمال اتحاده وكمال نصره. فالحمد لله على أن المسيح يعرف أسماء كل مختاريه.
١٣ «وَهُوَ مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ، وَيُدْعَى ٱسْمُهُ «كَلِمَةَ ٱللهِ».
إشعياء ٦٣: ٣ يوحنا ١: ١
وَهُوَ مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ أي بدم أعدائه. وهذا مبني على قول إشعياء «مَنْ ذَا ٱلآتِي مِنْ أَدُومَ، بِثِيَابٍ حُمْرٍ مِنْ بُصْرَةَ؟ هٰذَا ٱلْبَهِيُّ بِمَلاَبِسِهِ. ٱلْمُتَعَظِّمُ بِكَثْرَةِ قُوَّتِهِ. أَنَا ٱلْمُتَكَلِّمُ بِٱلْبِرِّ، ٱلْعَظِيمُ لِلْخَلاَصِ. مَا بَالُ لِبَاسِكَ مُحَمَّرٌ، وَثِيَابُكَ كَدَائِسِ ٱلْمِعْصَرَةِ؟ قَدْ دُسْتُ ٱلْمِعْصَرَةَ وَحْدِي، وَمِنَ ٱلشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ» (إشعياء ٦٣: ١ – ٣ انظر أيضاً ع ١٥). فأتى ليُهلك الذين كانوا يُهلكون الأرض (ص ١١: ١٨) «ويدوس معصرة غضب الله» (ص ١٤: ١٩). فعلينا أن نذكر أنه أتى أولاً ليسفك دمه لفداء البشر فكل من قبله خلص.
وَيُدْعَى ٱسْمُهُ كَلِمَةَ ٱللهِ لأنه «َٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللهِ» وكان الله وهو يعلن الله للناس (يوحنا ١: ١ – ٤ و٣: ١٣ و١٤: ٩).
١٤ «وَٱلأَجْنَادُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلسَّمَاءِ كَانُوا يَتْبَعُونَهُ عَلَى خَيْلٍ بِيضٍ، لاَبِسِينَ بَزّاً أَبْيَضَ وَنَقِيّاً».
ع ٨ ص ٣: ٤
وَٱلأَجْنَادُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلسَّمَاءِ كَانُوا يَتْبَعُونَهُ من الملائكة الأبرار والقديسين وهم المشار إليهم بقوله «ٱلَّذِينَ مَعَهُ مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ» (ص ١٧: ١٤).
عَلَى خَيْلٍ بِيضٍ الخ هذا إشارة إلى طهارتهم فليس على ثيابهم دم فالمسيح يجعل الذين تألموا معه شركاء مجده وانتصاره (ع ٨ وص ٣: ٤ و٧: ١٤).
١٥ «وَمِنْ فَمِهِ يَخْرُجُ سَيْفٌ مَاضٍ لِكَيْ يَضْرِبَ بِهِ ٱلأُمَمَ. وَهُوَ سَيَرْعَاهُمْ بِعَصاً مِنْ حَدِيدٍ، وَهُوَ يَدُوسُ مَعْصَرَةَ خَمْرِ سَخَطِ وَغَضَبِ ٱللهِ ٱلْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ».
ص ١: ١٦ وع ٢١ إشعياء ١١: ٤ و٢تسالونيكي ٢: ٨ ص ٢: ٢٧ ص ١٤: ١٩ و٢٠
مِنْ فَمِهِ يَخْرُجُ سَيْفٌ مَاضٍ كما ذُكر في (ص ١: ١٦) إلا أنه قيل هناك إن هذا السيف «ذو حدّين». فالمراد بهذا «السيف» كلمته وتتبين قوتها من قوله «مَنْ رَذَلَنِي وَلَمْ يَقْبَلْ كَلاَمِي فَلَهُ مَنْ يَدِينُهُ. اَلْكَلاَمُ ٱلَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ هُوَ يَدِينُهُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلأَخِيرِ» (يوحنا ١٢: ٤٨). وقوتها ظاهرة بأن سقط على الأرض الذين أتوا ليمسكوه في أيام اتضاعه (يوحنا ١٨: ٥). وسيبين قوتها أعظم تبيين حين «يُمِيتُ ٱلْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ» (إشعياء ١١: ٤ وإرميا ٢٣: ٢٩ و٢تسالونيكي ٢: ٨).
وَهُوَ سَيَرْعَاهُمْ بِعَصاً مِنْ حَدِيدٍ كما قيل في الآية السابعة من المزمور الثاني (انظر أيضاً ص ٢: ٢٧ و١٢: ٥) وتفسير ذلك.
أتى المسيح ليملك بالبر فالذين قاوموه وقاوموا ملكوته ملكوت النعمة تتحول عصا الرعاية في يده إلى عصا حديد فيكسرهم بها. ويقع «الحجر الذي رفضه البناؤون» عليهم ويسحقهم.
وَهُوَ يَدُوسُ مَعْصَرَةَ خَمْرِ سَخَطِ الخ كما قيل في (ص ١٤: ٢٠ و١٦: ١٩ وإشعياء ٦٣: ١ – ٣). وهذا هو حصاد النقمة والأشرار يأكلون من ثمر أعمال أيديهم وهو أيضاً عمل الله الملك العادل.
١٦ «وَلَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَعَلَى فَخْذِهِ ٱسْمٌ مَكْتُوبٌ: مَلِكُ ٱلْمُلُوكِ وَرَبُّ ٱلأَرْبَابِ».
ع ١٦ وص ٢: ١٧ وص ١٧: ١٤
وَلَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَعَلَى فَخْذِهِ ٱسْمٌ مَكْتُوبٌ الأرجح إن الاسم الذي ذُكر في (ع ١٢) مكتوب على عصابة جبهته. وهذا بعضه مكتوب على ثوبه المغطّى جسده وبعضه على هدب ثوبه الواقع على فخذيه وهو راكب.
مَلِكُ ٱلْمُلُوكِ وَرَبُّ ٱلأَرْبَابِ (انظر تفسير ص ١٧: ١٤). وهذا مثل قول المرنم «َيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ ٱلْمُلُوكِ. كُلُّ ٱلأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ» (مزمور ٧٢: ١١ انظر أيضاً دانيال ٢: ٤٧ و٧: ١٤ و١تيموثاوس ٦: ١٥). ووصفه هنا ولقبه يظهران عظمة طبيعته ومجدها ومجد العمل الذي تممه لخلاص شعبه وعظمة الانتقام من أعدائه.
١٧ «وَرَأَيْتُ مَلاَكاً وَاحِداً وَاقِفاً فِي ٱلشَّمْسِ، فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً لِجَمِيعِ ٱلطُّيُورِ ٱلطَّائِرَةِ فِي وَسَطِ ٱلسَّمَاءِ: هَلُمَّ ٱجْتَمِعِي إِلَى عَشَاءِ ٱلإِلٰهِ ٱلْعَظِيمِ».
ع ٢١ وص ٨: ١٣ إرميا ١٢: ٩ وحزقيال ٣٩: ١٧ و١صموئيل ١٧: ٤٤ إشعياء ٣٤: ٦ وإرميا ٤٦: ١٠
في هذه الآية والتي تليها بيان انكسار الوحش والنبي الكذاب وملوك الأرض وهلاكهم.
رَأَيْتُ مَلاَكاً وَاحِداً وَاقِفاً فِي ٱلشَّمْسِ يليق بالمنادي بمثل هذا النصر العظيم أن يقف في محل البهاء والمجد لأنه أحد ملائكة الحضرة الإلهية (ص ١: ١٦ و١٠: ١ و١٢: ١). ولأن محله في قبة السماء يقّدره على إنباء كل أهل الأرض بمناداته.
هَلُمَّ ٱجْتَمِعِي إِلَى عَشَاءِ ٱلإِلٰهِ ٱلْعَظِيمِ «العظيم» هنا نعت «للعشاء» ووُصف «العشاء» بالعظمة لأنه لا نظير له ولأنه نتيجة أحكام الله الهائلة.
١٨ «لِكَيْ تَأْكُلِي لُحُومَ مُلُوكٍ، وَلُحُومَ قُوَّادٍ، وَلُحُومَ أَقْوِيَاءَ، وَلُحُومَ خَيْلٍ وَٱلْجَالِسِينَ عَلَيْهَا، وَلُحُومَ ٱلْكُلِّ حُرّاً وَعَبْداً صَغِيراً وَكَبِيراً».
حزقيال ٣٩: ١٨ – ٢٠ ص ٦: ١٥ و١١: ١٨ و١٣: ١٦
لِكَيْ تَأْكُلِي لُحُومَ مُلُوكٍ الخ جرى (بدلاً من أن يذكر حوادث الحرب وعدد القتلى) على أسمى أساليب الشعراء فدعا «طيور السماء» الجوارح المعتادة أن تأكل لحم القتلى أن تجتمع إلى وليمة عظيمة. وهذه الدعوة مبنية على ما في (حزقيال ٣٩: ١٧ – ٢٠ ومتّى ٢٤: ٢٨). ووليمة الجوارح هنا مقابلة «لوليمة العرس» في (ع ٩) ومقابلة «للعشاء العظيم» الذي أبى المدعوون أن يحضروه (لوقا ١٤: ١٦ – ٢٤).
حُرّاً وَعَبْداً صَغِيراً وَكَبِيراً إن أهل ملكوت العالم وأعداء الملك الحق من كل صنوف الناس (لا صنف واحد) لأن الحرب بين البر والإثم والحق والكذب وجنود المسيح وجنود ضد المسيح.
١٩ «وَرَأَيْتُ ٱلْوَحْشَ وَمُلُوكَ ٱلأَرْضِ وَأَجْنَادَهُمْ مُجْتَمِعِينَ لِيَصْنَعُوا حَرْباً مَعَ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْفَرَسِ وَمَعَ جُنْدِهِ».
ص ١١: ٧ و١٣: ١ ص ١٦: ١٤ و١٦ وع ١١ و٢١
ٱلْوَحْشَ (ص ١٣: ١).
وَمُلُوكَ ٱلأَرْضِ وَأَجْنَادَهُمْ مُجْتَمِعِينَ كما اجتمعوا في وقت سكب الجام السادس في هرمجدون (ص ١٦: ١٢).
لِيَصْنَعُوا حَرْباً وهي الحرب التي أنبأ بها قبلاً (ص ١٦: ١٤ و١٧: ١٤).
مَعَ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْفَرَسِ وَمَعَ جُنْدِهِ ذُكرت جنود المسيح باعتبار كونهم جيشاً واحداً يقوده رئيس واحد ولكن أعداءه ذُكروا باعتبار كونهم جيوشاً كثيرة الأفراد والقواد اتفقوا على محاربة المسيح.
٢٠ «فَقُبِضَ عَلَى ٱلْوَحْشِ وَٱلنَّبِيِّ ٱلْكَذَّابِ مَعَهُ، ٱلصَّانِعُ قُدَّامَهُ ٱلآيَاتِ ٱلَّتِي بِهَا أَضَلَّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوا سِمَةَ ٱلْوَحْشِ وَٱلَّذِينَ سَجَدُوا لِصُورَتِهِ. وَطُرِحَ ٱلاثْنَانِ حَيَّيْنِ إِلَى بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ ٱلْمُتَّقِدَةِ بِٱلْكِبْرِيتِ».
ص ١٦: ١٣ وص ١٣: ١٢ – ١٦ دانيال ٧: ١١ وص ٢٠: ١٠ ص ١٤: ١٠ و٢١: ٨ إشعياء ٣٠: ٣٣
فَقُبِضَ عَلَى ٱلْوَحْشِ وَٱلنَّبِيِّ ٱلْكَذَّابِ هما العدوان العظيمان من أعداء المسيح الثلاثة ويُذكران معاً دائماً (ص ١٣: ١).
ٱلصَّانِعُ قُدَّامَهُ ٱلآيَاتِ كما قيل في (ص ١٣: ١١ – ١٧) إلا أنه سُمي هنالك «وحش آخر».
ٱلَّذِينَ قَبِلُوا سِمَةَ ٱلْوَحْشِ وَٱلَّذِينَ سَجَدُوا لِصُورَتِه هم الرؤساء الروحية رؤساء قوات العالم الشرير وهم نواب المبادئ الشريرة السائدة في العالم وفي الكنيسة الفاسدة.
وَطُرِحَ ٱلاثْنَانِ حَيَّيْنِ إِلَى بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ الخ عبّر عن هذا «بجهنم» في (متّى ٥: ٢٢ ولوقا ١٢: ٥). وطرح الشيطان نفسه إلى تلك البحيرة بعد ذلك (ص ٢٠: ١٠). وكذلك «الموت والهاوية» بعد ما أكملا عملهما. وسُميت أيضاً «بالموت الثاني» (ص ٢٠: ١٤ و٢١: ٨). وقيل هذا بياناً أنهما هلكا إلى الأبد. والتشبيه هنا مبني على ما في العهد القديم مما اقترن بخراب سدوم وعمورة والنار والكبريت اللذَين ذُكرا هناك. و «البحيرة» تشبه البحر الميت (تكوين ١٩: ٢٤ و٢٥) والهاوية (عدد ١٦: ٣٢ – ٣٤ وإشعياء ٥: ١٤). وذُكرت هذه «البحيرة» أيضاً في (ص ٢٠: ١٠ و١٤ و٢١: ٨).
٢١ « وَٱلْبَاقُونَ قُتِلُوا بِسَيْفِ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْفَرَسِ ٱلْخَارِجِ مِنْ فَمِهِ، وَجَمِيعُ ٱلطُّيُورِ شَبِعَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ».
ع ١٥ ع ١٧
وَٱلْبَاقُونَ أي من ملوك الأرض وأجنادهم البشر الذين قبلوا تعليم الوحش والنبي الكذاب.
قُتِلُوا بِسَيْفِ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْفَرَسِ ٱلْخَارِجِ مِنْ فَمِهِ (إشعياء ١١: ٤ و٢تسالونيكي ٢: ٨). هذا هو «السيف» المذكور في (ع ١٥ وص ١: ٦) وهو ليس من الفولاذ أو الحديد بل هو كلمة الله «لأَنَّ كَلِمَةَ ٱللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ ٱلنَّفْسِ وَٱلرُّوحِ وَٱلْمَفَاصِلِ وَٱلْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ ٱلْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ» (عبرانيين ٤: ١٢). فما كان محيياً للبعض (يعقوب ١: ١٨) كان مهلكاً للآخر.
جَمِيعُ ٱلطُّيُورِ شَبِعَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ هذا إشارة إلى إن أحكام الله العادلة قد تمت.
السابق |
التالي |