سفر الرؤيا

رؤيا يوحنا | 16 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح سفر رؤيا يوحنا

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ عَشَرَ

في هذا الأصحاح ذكر سكب السبع جامات.

١ «وَسَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً مِنَ ٱلْهَيْكَلِ قَائِلاً لِلسَّبْعَةِ ٱلْمَلاَئِكَةِ: ٱمْضُوا وَٱسْكُبُوا جَامَاتِ غَضَبِ ٱللهِ عَلَى ٱلأَرْضِ».

ع ٢ الخ ومزمور ٧٩: ٦ وإرميا ١: ٢٥ وحزقيال ٢٢: ٣١ وصفنيا ٣: ٨

هذا صوت الله يأمر بسكب الجامات.

٢ «فَمَضَى ٱلأَوَّلُ وَسَكَبَ جَامَهُ عَلَى ٱلأَرْضِ فَحَدَثَتْ دَمَامِلُ خَبِيثَةٌ وَرَدِيَّةٌ عَلَى ٱلنَّاسِ ٱلَّذِينَ بِهِمْ سِمَةُ ٱلْوَحْشِ وَٱلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لِصُورَتِهِ».

ص ٨: ٧ خروج ٩ إلى ١١ وتثنية ٢٨: ٣٥ ص ٣: ١٧ و١٤: ٩

فَمَضَى ٱلأَوَّلُ وَسَكَبَ جَامَهُ عَلَى ٱلأَرْضِ سُكبت كل الجامات على الأرض كما قيل في (ع ١) فمعنى «الأرض» هنا اليابسة فلا أحد يعرف ما المقصود بكل من «الأرض» و «البحر» و «الأنهر» و «الينابيع» و «الشمس» فعلينا أن نكتفي بالنظر إلى تأثير الضربات العام.

فَحَدَثَتْ دَمَامِلُ خَبِيثَةٌ الخ هذه الضربة كالضربة السادسة من ضربات مصر (خروج ٩: ٨ – ١١) وكانت مصر رمزاً إلى قوة العالم الدنيوية المضطهدة وضرباتها رموزاً إلى النوازل التي أنزلها الله على الناس انتقاماً منهم على خطاياهم. وتشير هذه الضربة إلى اضطراب روحي وعقلي معاً مما يقلق راحة الناس ويطرد السلام من مساكنهم وهي تشبه نتيجة «البوق الأول» (ص ٨: ٧) في أنها وقعت على الأرض فقط ولكنها أشد منها لأن تلك أصابت ثلث الأرض فقط وهذه عمّت الأرض كلها وتلك أصابت الشجر والعشب وهذه أصابت الناس.

٣ «ثُمَّ سَكَبَ ٱلْمَلاَكُ ٱلثَّانِي جَامَهُ عَلَى ٱلْبَحْرِ، فَصَارَ دَماً كَدَمِ مَيِّتٍ. وَكُلُّ نَفْسٍ حَيَّةٍ مَاتَتْ فِي ٱلْبَحْرِ».

ص ٨: ٨ خروج ٧: ١٧ – ٢١ ص ١١: ٦

هذه الضربة تشبه ضربة مصر الأولى (خروج ٧: ٢٠ انظر أيضاً رؤيا ٨: ٨ و٩). وعبر «بالبحر» هنا عن الهيئة الاجتماعية فمنه خرج الوحش (ص ١٣: ١). ومصير «البحر كدم ميت» يدل على تأثير في سلوك الناس يفسد أعمالهم ويكون ذلك التأثير مكروهاً ومميتاً. وتأثير الجام الثاني يشبه تأثير البوق الثاني (ص ٨: ٨ و٩) إلا أن ذلك وقع على «ثلث البحر» فقط وهذا على «البحر كله» وهو أشد مكروهية على قدر ما يزيد كره دم الميت على دم غيره.

٤ «ثُمَّ سَكَبَ ٱلْمَلاَكُ ٱلثَّالِثُ جَامَهُ عَلَى ٱلأَنْهَارِ وَعَلَى يَنَابِيعِ ٱلْمِيَاهِ، فَصَارَتْ دَماً».

ص ٨: ١٠ خروج ٧: ١٧ – ٢٠ ص ١١: ٦

سَكَبَ ٱلْمَلاَكُ ٱلثَّالِثُ الخ تأثير هذه الضربة في الأنهار والينابيع الجارية إلى البحر كالتأثير في البحر نفسه فكانت مفسدة ومكروهة. ولعل هذه «الأنهار» و «الينابيع» تشير إلى آراء الناس وأميالهم وإنها تفسد فيُفسد الناس فيصيرون كالمجانين في طلب الغنى واللذّات والخيرات الجسدية وتصير مبادئ العلم والأشعار والتخيلات والصناعات الجميلة دنيئة مضرة بآداب الناس وسعاداتهم. فنتيجة الجام الثالث شر من نتيجة البوق الثالث فإن تلك الضربة وقعت على الأنهر وينابيع الماء فجعلتها أفسنتيناً وهذه جعلتها دماً.

٥ «وَسَمِعْتُ مَلاَكَ ٱلْمِيَاهِ يَقُولُ: عَادِلٌ أَنْتَ أَيُّهَا ٱلْكَائِنُ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَكُونُ، لأَنَّكَ حَكَمْتَ هٰكَذَا».

يوحنا ١٧: ٢٥ ص ١١: ١٧ و١٥: ٤ و٦: ١٠

سَمِعْتُ مَلاَكَ ٱلْمِيَاهِ أي الملاك الذي له سلطان على المياه وهو مرسل سماوي.

عَادِلٌ أَنْتَ قوله شهادة بأن ما حدث للناس من الألم كان عقاباً على خطاياهم بمقتضى العدل لأنهم رفضوا الله فرفضهم وأبوا قبول الحياة حين عُرضت عليهم فأتى الموت باختلاف طرقه.

٦ «لأَنَّهُمْ سَفَكُوا دَمَ قِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَاءَ، فَأَعْطَيْتَهُمْ دَماً لِيَشْرَبُوا. لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ!».

ص ١٨: ٢٤ و١٧: ٦ إشعياء ٤٩: ٢٦ ولوقا ١١: ٤٩ – ٥١

سَفَكُوا دَمَ قِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَاءَ أي قتلوا الأنبياء الذين هم ملح الأرض ورفضوا المسيح الذي هو حياة الناس (يوحنا ١: ٤) فعاقبهم من جنس خطيتهم.

لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ أي استحقوا العقاب الذي وقع عليهم. وهذا مثل قول إشعياء «وَيْلٌ لِلشِّرِّيرِ. شَرٌّ! لأَنَّ مُجَازَاةَ يَدَيْهِ تُعْمَلُ بِهِ» (إشعياء ٣: ١١).

٧ «وَسَمِعْتُ آخَرَ مِنَ ٱلْمَذْبَحِ قَائِلاً: نَعَمْ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ! حَقٌّ وَعَادِلَةٌ هِيَ أَحْكَامُكَ».

ص ٦: ٩ و١٤: ١٨ ص ١: ٨ و١٩: ٢ و١٥: ٣

في بعض النسخ وسمعت المذبح قائلاً هذا بمنزلة جواب من الشهداء الذين صرخوا من تحت المذبح (ص ٦: ٩ و١٠) إنهم اضطُهدوا حتى الموت وصرّحوا حينئذ بأن ما أصاب مضطهديهم من أحكام الله هو بمقتضى الحق والعدل لأنهم استحقوه.

٨، ٩ «٨ ثُمَّ سَكَبَ ٱلْمَلاَكُ ٱلرَّابِعُ جَامَهُ عَلَى ٱلشَّمْسِ فَأُعْطِيَتْ أَنْ تُحْرِقَ ٱلنَّاسَ بِنَارٍ، ٩ فَٱحْتَرَقَ ٱلنَّاسُ ٱحْتِرَاقاً عَظِيماً، وَجَدَّفُوا عَلَى ٱسْمِ ٱللهِ ٱلَّذِي لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى هٰذِهِ ٱلضَّرَبَاتِ، وَلَمْ يَتُوبُوا لِيُعْطُوهُ مَجْداً».

ص ٦: ١٢ و١٤: ١٨ ع ١١ و٢١ ص ٢: ٢١ و١١: ١٣

سَكَبَ… جَامَهُ عَلَى ٱلشَّمْسِ الشمس مصدر النور والدفء وهي البركة للناس فصارت بهذه الضربة علة آلامهم وأذاهم ولعنتهم. ومعنى ذلك إن مصادر الفرح والبركة للناس تصير علّة حزن ولعنة فالذين رفضوا «شمس البر التي الشفاء في أجنحتها» تصير لهم الشمس الطبيعية علّة مرض وشقاء.

جَدَّفُوا عَلَى ٱسْمِ ٱللهِ لأن هذه الضربات لم تستطع أن تأتي بهم إلى التوبة والتواضع والرجوع إلى الله ولكن تأثيرها زاد قلوبهم قساوة وجسارتهم على الإثم كما أن النار التي تذيب الشمع تصيّر الصلصال حجراً.

١٠ «ثُمَّ سَكَبَ ٱلْمَلاَكُ ٱلْخَامِسُ جَامَهُ عَلَى عَرْشِ ٱلْوَحْشِ، فَصَارَتْ مَمْلَكَتُهُ مُظْلِمَةً. وَكَانُوا يَعَضُّونَ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنَ ٱلْوَجَعِ».

ص ١٣: ٢ ص ٨: ١٢ و٩: ٢ وخروج ١٠: ٢١ وإشعياء ٨: ٢٢

عَلَى عَرْشِ ٱلْوَحْشِ أي على مركز قوة العالم السياسية (انظر ص ٤: ١٠ و١٣: ٢) لأن هذه الضربة وقعت على مركز سلطان الوحش فانحلت أركان مملكته.

فَصَارَتْ مَمْلَكَتُهُ مُظْلِمَةً هذه الظلمة كالظلمة التي وقعت على مصر (خروج ١٠: ٢١ – ٢٣). إن الناس يفتخرون بنور عقولهم ويظنون أنهم يسيرون به دون نور كتابه تعالى ولكنهم يجدون بعد قليل إن نور العقل ناقص خادع فيعثرون ويهلكون. قال المسيح «اُنْظُرْ إِذاً لِئَلاَّ يَكُونَ ٱلنُّورُ ٱلَّذِي فِيكَ ظُلْمَةً» (لوقا ١١: ٣٥).

١١ « وَجَدَّفُوا عَلَى إِلٰهِ ٱلسَّمَاءِ مِنْ أَوْجَاعِهِمْ وَمِنْ قُرُوحِهِمْ، وَلَمْ يَتُوبُوا عَنْ أَعْمَالِهِمْ».

ص ١١: ١٣ ع ٢

جَدَّفُوا عَلَى إِلٰهِ ٱلسَّمَاءِ إن إطفاء نورهم لم يأت بهم إلى التوبة فالندامة والألم ليسا بعلة القداسة.

لَمْ يَتُوبُوا عَنْ أَعْمَالِهِمْ أي لم يزالوا يحبون ما يبغضه الله ويبغضون ما يحبه. وهذا آخر نتائج الخطيئة فإنها تؤدي بهم أولاً إلى الظلمة والشقاء ثم إلى اليأس وينشأ من هذا البغض لله وللناس فيشتكون على رفقائهم ويجدفون على خالقهم.

١٢ «ثُمَّ سَكَبَ ٱلْمَلاَكُ ٱلسَّادِسُ جَامَهُ عَلَى ٱلنَّهْرِ ٱلْكَبِيرِ ٱلْفُرَاتِ، فَنَشِفَ مَاؤُهُ لِكَيْ يُعَدَّ طَرِيقُ ٱلْمُلُوكِ ٱلَّذِينَ مِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ».

ص ٩: ١٤ إشعياء ١١: ١٥ و٢٤: ٢٧ وإرميا ٥١: ٣٢ و٣٦ إشعياء ٤١: ٢ و٢٥ و٤٦: ١١ ص ٧: ٢

سَكَبَ ٱلْمَلاَكُ ٱلسَّادِسُ جَامَهُ عَلَى ٱلنَّهْرِ ٱلْكَبِيرِ ٱلْفُرَاتِ سبق الكلام على «نهر الفرات» والمرموز إليه به (ص ٩: ١٤). وكان «الفرات» التخم الطبيعي الحاجز بين مملكة اليهود والممالك المعادية لها في الشمال والشرق. فهو رمز إلى الحاجز بين ملكوت المسيح وملكوت الشيطان وبين النور والظلمة والحق الباطل و «الأرض المقدسة» وأورشليم في الرؤيا رمز إلى الكنيسة. والأرض ما وراء الفرات والبرية المجاورة له رمز إلى أعدائها.

وكان الفرات فخر بابل الحقيقية وعماد قوتها فجعلها حصينة. وحوّل كورش وجنوده ذلك النهر من مجراه الذي في وسط بابل إلى مجرى آخر فنشف ماء مجراه فيها فمرّ فيها هو وجيشه وأخذ المدينة والمملكة. فنشف «ماء الفرات» هنا يشير إلى زوال الحاجز بين الكنيسة وبابل الرمزية أي العالم أو ضد المسيح وإلى استيلاء أعداء المسيح على ملكه. وغاية الرؤيا بيان امتداد المبادئ الفاسدة والعادات الرديئة وإزالة الموانع الدينية والأدبية لامتداد الشر فيخطأ الناس بلا حياء ويرتكبون الآثام مسرورين ولا يبالون بإرشاد العقل والضمير ويمدحون الذين يدوسون قانون الإيمان والطهارة.

لِكَيْ يُعَدَّ طَرِيقُ ٱلْمُلُوكِ ٱلَّذِينَ مِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ «ملوك الشرق» هنا رموز إلى الأفعال البربرية التي كانت محجورة بحصون الدين والآداب وهم حينئذ يغلبون الحق والبر والعدل كما غلب الملوك الأربعة البربرية أرض الميعاد في أيام إبراهيم (تكوين ١٤: ١) واستعبدوا أهلها. ويأذن الله في قدوم الأعداء إلى أورشليم وكنيسته لكي يبيد هؤلاء الأعداء بعدما يجتمعون. ويقول البعض إن الملوك الذين من المشرق هم مؤمنون مشتتون في أطراف المسكونة يجمعهم الرب ويأتي بهم إلى أورشليم ليجتمعوا مع إخوتهم المؤمنين ويخلصون ونشّف الرب ماء النهر ليسهل العبور لشعبه.

١٣ «وَرَأَيْتُ مِنْ فَمِ ٱلتِّنِّينِ، وَمِنْ فَمِ ٱلْوَحْشِ، وَمِنْ فَمِ ٱلنَّبِيِّ ٱلْكَذَّابِ، ثَلاَثَةَ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ شِبْهَ ضَفَادِعَ».

ص ١٢: ٣ و١٣: ١ و١٩: ٢٠ و٢٠: ١٠ و١٣: ١١ و١٤ ص ١٨: ٢ خروج ٨: ٦

وَرَأَيْتُ… ثَلاَثَةَ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ شِبْهَ ضَفَادِعَ أظهر الله قوته في تنشيف الفرات وإزالة الموانع من تقدم الأعداء فيفعل الأعداء كل ما في طاقتهم لمقاومة الكنيسة لأنهم يرسلون الأرواح النجسة المذكورة هنا. وأولئك الأعداء هم الأعداء العظام المذكورن في (ص ١٣: ٢ و١١) إلا أن ما سمي هنالك «بالوحش الثاني» (ص ١٣: ١١ – ١٥) سُمي هنا «بالنبي الكذاب» كما سيُذكر أيضاً في (ص ١٩: ٢٠ و٢٠: ١٠). وذُكرت ضربة الضفادع من جملة ضربات مصر (خروج ٨: ١ – ١٤). وأُشير بها هنا إلى أرواح دنيئة ضاجة مفتخرة مكروهة وهي كناية عن روح الكفر والشك في الدين وعن الحكمة الدنيوية الباطلة. وكل من هذه الثلاثة يفعل الشر. ومصدرها الجهنمي يدل على صفاتها المضرة فعلها فعل الشيطان في تجربة حواء في الفردوس الذي كان علّة طردها منه.

١٤ «فَإِنَّهُمْ أَرْوَاحُ شَيَاطِينَ صَانِعَةٌ آيَاتٍ، تَخْرُجُ عَلَى مُلُوكِ ٱلْعَالَمِ وَكُلِّ ٱلْمَسْكُونَةِ لِتَجْمَعَهُمْ لِقِتَالِ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ ٱلْعَظِيمِ، يَوْمِ ٱللهِ ٱلْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ».

١تيموثاوس ٤: ١ ص ١٣: ١٣ و٣: ١٠ و٢٠: ٨ ص ١٧: ١٤ و١٩: ١٩ و١ملوك ٢٢: ٢١ – ٢٣ ص ٦: ١٧

فَإِنَّهُمْ أَرْوَاحُ شَيَاطِينَ صَانِعَةٌ آيَاتٍ قال هذا بياناً لأصلهم الجهنمي وقدرته على فعل الشر وإغواء الناس. وأنبأ بهم المسيح في قوله «سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ ٱلْمُخْتَارِينَ أَيْضاً» (متّى ٢٤: ٢٤). وبولس في قوله «ٱلَّذِي مَجِيئُهُ بِعَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ، بِكُلِّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ، وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ ٱلإِثْمِ، فِي ٱلْهَالِكِينَ» (٢تسالونيكي ٢: ٩ و١٠). فيليق أن يشبهوا «بالضفادع» في القبح والمكروهية.

تَخْرُجُ عَلَى مُلُوكِ ٱلْعَالَمِ وَكُلِّ ٱلْمَسْكُونَةِ الذين يقبلونها اختياراً. فغاية تلك الضفادع أن تجمع أعداء الله من كل أقطار المسكونة ليحاربوا شعب الله فيبادوا بتلك الحرب. ولعل المعنى أنها تخدع الناس وتغريهم في أن يعبدوا الأوثان ويضطهدوا الكنيسة لكي يهيج عليهم غضب الله.

لِتَجْمَعَهُمْ لِقِتَالِ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ ٱلْعَظِيمِ الخ كما يبان في (ص ١٩: ١٧). فهي تخدعهم بآيات كاذبة لكي يتوقعوا الانتصار ويتقدموا إلى هلاكهم غافلين. وقيل مثل هذا في الروح النجس الذي خرج ووقف أمام الرب وقال «أَنَا أُغْوِيهِ. وَسَأَلَهُ ٱلرَّبُّ: بِمَاذَا؟ فَقَالَ: أَخْرُجُ وَأَكُونُ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ» فإطفاء هذا الروح لآخاب كان علّة صعوده إلى القتال في راموت جلعاد فخسر حياته (١ملوك ٢٢: ٢٠ – ٢٢).

١٥ «هَا أَنَا آتِي كَلِصٍّ. طُوبَى لِمَنْ يَسْهَرُ وَيَحْفَظُ ثِيَابَهُ لِئَلاَّ يَمْشِيَ عُرْيَاناً فَيَرَوْا عُرْيَتَهُ».

ص ٣: ٣ و١١ و١٨ لوقا ١٢: ٣٧

هَا أَنَا آتِي كَلِصٍّ (جملة معترضة بين ع ١٤ و١٩) هذا قول المسيح وهو مثل قوله في (متّى ٢٥: ١ – ١٣ ومرقس ١٣: ٣٥ ولوقا ١٢: ٣٥ – ٤٠). ويدل على إتيان المسيح بغتة إذ لا ينتظره العالم الشرير لأن اللص يأتي في الليل حين يكون الناس نياماً فينهب وذلك لا يستطيعه إذا كانوا ساهرين (انظر ص ٣: ٣ و١تسالونيكي ٥: ٢ و٣ و٢بطرس ٣: ١٠).

اتخذ المسيح هذا الاجتماع العظيم اجتماع الوحش وملوك الأرض على المسيح والكنيسة آية مجيئه سريعاً وأهمية ذلك اليوم العظيم ومتعلقاته حمل المسيح على هذا الأنباء.

طُوبَى لِمَنْ يَسْهَرُ وَيَحْفَظُ ثِيَابَهُ لِئَلاَّ يَمْشِيَ عُرْيَاناً الخ هذا ما يجب على من فهم كلام المسيح في أمر مجيئه. فالرسول يصدق أقوال المسيح ويبني عليها ويصرّح بغبطة الإنسان الذي يتوقع مجيء اللص ويبقى لابساً ساهراً. ومعنى كون الإنسان «لابساً» هنا هو كونه مكتسياً ببر المسيح بالإيمان ومعنى «مشيه عرياناً» كونه عرضة للخجل أمام الناس والملائكة المجتمعين لأنه ليس عليه ذلك الثوب. وأشار بولس إلى ذلك اللبس بقوله «وَلَيْسَ لِي بِرِّي ٱلَّذِي مِنَ ٱلنَّامُوسِ، بَلِ ٱلَّذِي بِإِيمَانِ ٱلْمَسِيحِ، ٱلْبِرُّ ٱلَّذِي مِنَ ٱللهِ بِٱلإِيمَانِ» (فيلبي ٣: ٩). وهذا يوجب الحذر من عدم الاكتراث للأمور الرومية والتوغل في اللذات والنوم في الإثم ويوجب الانتباه «لعلامات الأزمنة» واغتنام فرص فعل الخير واكتساب الصلاح ودرس كتاب الله والسهر بالصلاة وطلب مساعدة الروح القدس.

١٦ «فَجَمَعَهُمْ إِلَى ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي يُدْعَى بِٱلْعِبْرَانِيَّةِ «هَرْمَجَدُّونَ».

ص ١٩: ١٩ و٩: ١١ قضاة ٥: ١٩ و٢ملوك ٢٣: ٢٩ و٢أيام ٣٥: ٣٢ زكريا ١٢: ١١

فَجَمَعَهُمْ أي الأرواح النجسة التي تشبه الضفادع (ع ١٣) فإنهم ذهبوا ليجمعوا جنود التنين والوحش والنبي الكذاب. وذكر هنا موضع الحرب لا الحرب نفسها وآخر ذكرها إلى (ص ١٩: ١٩ – ٢١).

هَرْمَجَدُّونَ أي جبل مجدون وهو جبل مجاور يزرعيل المعروف اليوم بمرج ابن عامر والجبل هو طابور الواقع عند طرف مرج ابن عامر (قضاة ٤: ١٢ و١٤). واشتهر في تاريخ الإسرائيليين وبالوقائع العظيمة وأشهرها ما كان في أيام قيادة دبورة وباراق بدليل ما جاء في سفر القضاة وهو قوله «حِينَئِذٍ حَارَبَ مُلُوكُ كَنْعَانَ فِي تَعْنَكَ عَلَى مِيَاهِ مَجِدُّو» (قضاة ٥: ١٩). وأشار إلى ذلك المرنم بقوله «اِفْعَلْ بِهِمْ كَمَا بِمِدْيَانَ، كَمَا بِسِيسَرَا، كَمَا بِيَابِينَ فِي وَادِي قِيشُونَ» (مزمور ٨٣: ٩). وواقعة مجدّو التي قُتل فيها يوشيا (٢ملوك ٢٣: ٢٩). وكان قتله علّة مناحة عظيمة في إسرائيل (٢أيام ٣٥: ٢٥ وزكريا ١٢: ١١) ولا نعلم أي حرب سُمي بها إنما نعلم أنه يشير إلى وقائع قوية وهلاك بغتي سريع للمحاربين. ومثلما اتخذ «هرمجدون» هذا رمزاً إلى الوقائع العظيمة اتخذ «وادي يهوشافاط» كذلك (يوئيل ٣: ٢).

١٧ « ثُمَّ سَكَبَ ٱلْمَلاَكُ ٱلسَّابِعُ جَامَهُ عَلَى ٱلْهَوَاءِ، فَخَرَجَ صَوْتٌ عَظِيمٌ مِنْ هَيْكَلِ ٱلسَّمَاءِ مِنَ ٱلْعَرْشِ قَائِلاً: قَدْ تَمَّ!».

أفسس ٣: ٢ ص ١١: ١٥ و١٤: ١٥ ص ٢١: ٦ و١٠: ٦

ثُمَّ سَكَبَ ٱلْمَلاَكُ ٱلسَّابِعُ جَامَهُ عَلَى ٱلْهَوَاءِ يعد الهواء مسكن أرواح الظلمة الذين رئيسهم رئيس سلطان الهواء. ولم يبق محل للضربات إلا الهواء لأنه ضرب سابقاً اليابسة والبحر وينابيع المياه والشمس وعرش الوحش.

فَخَرَجَ صَوْتٌ عَظِيمٌ مِنْ هَيْكَلِ ٱلسَّمَاءِ مِنَ ٱلْعَرْشِ أي من الله نفسه.

قَائِلاً: قَدْ تَمَّ أي تم ما أمر الله به وأُنجزت كل مقاصد الله من سكب الجامات فإنه انسكب الجام الآخير منها لكن لم تتم نتائجه وذُكرت في ما بعد.

١٨ «فَحَدَثَتْ أَصْوَاتٌ وَرُعُودٌ وَبُرُوقٌ. وَحَدَثَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ لَمْ يَحْدُثْ مِثْلُهَا مُنْذُ صَارَ ٱلنَّاسُ عَلَى ٱلأَرْضِ، زَلْزَلَةٌ بِمِقْدَارِهَا عَظِيمَةٌ هٰكَذَا».

ص ٤: ٥ و٦: ١٣ دانيال ١٢: ١ ومتّى ٢٤: ٢١

فَحَدَثَتْ أَصْوَاتٌ وَرُعُودٌ وَبُرُوقٌ وهذا تابع لكل من سلاسل الرؤيا (انظر ص ٨: ٥ و١١: ١٩). وقبل هذا انتهى الكلام. في بقية الرؤيا لكن هنا ذكر تأثير الجام الأخير ولا ينتهي إلا بذكر خراب بابل وانكسار جيش أعداء المسيح والكنيسة.

وَحَدَثَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ لَمْ يَحْدُثْ مِثْلُهَا الخ غلب إن يظلم الجو ويحمر وقت حدوث الزلازل. وكانت هذه الزلزلة أعظم كل ما عهد من الزلازل (انظر دانيال ١٩: ١ ومتّى ٢٤: ٢١). وأشار بها إلى انحلال قوات ملكوت الشيطان تمهيداً لسقوطه. ويُذكر بعض تأثيرات هذه الزلزلة في ما يأتي.

١٩ «وَصَارَتِ ٱلْمَدِينَةُ ٱلْعَظِيمَةُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ، وَمُدُنُ ٱلأُمَمِ سَقَطَتْ، وَبَابِلُ ٱلْعَظِيمَةُ ذُكِرَتْ أَمَامَ ٱللهِ لِيُعْطِيَهَا كَأْسَ خَمْرِ سَخَطِ غَضَبِهِ».

ص ١٧: ١٨ و١٨: ١٠ و١٨: ٢١ و١١: ٨ و١٤: ٨ و١٨: ٥ و١٤: ١٠

وَصَارَتِ ٱلْمَدِينَةُ ٱلْعَظِيمَةُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ هذا يدل على أنها انهدمت على حدّ قول دانيال في تفسير الكتابة على حائط بلشاصر «فَرْسِ قُسِمَتْ مَمْلَكَتُكَ وَأُعْطِيَتْ لِمَادِي وَفَارِسَ» (دانيال ٥: ٢٨) وذكرت «المدينة العظيمة» في (ص ١١: ٨ و١٤: ٨ و١٧: ١٨ و١٨: ١٠ و١٦ و١٨ و٢١). ذهب بعضهم إلى أن المقصود بها «أورشليم» وآخرون إلى أن المقصود بها «بابل». وقيل أنها تشبه «سدوم وعمورة» في (ص ١١: ٨). ولعلها تشبه كلاً من تلك المدن في بعض صفاتها.

وَمُدُنُ ٱلأُمَمِ سَقَطَتْ أي المدن التي هي أصغر من المدينة العظيمة وهي قصبات الممالك. فتشير إلى حصون الإثم في مملكة الشيطان وكراسي الكفر ودوس الشرايع والاستخفاف بالله. وهذا على سنن قول المسيح «كُلُّ غَرْسٍ لَمْ يَغْرِسْهُ أَبِي ٱلسَّمَاوِيُّ يُقْلَعُ» (متّى ١٥: ١٣).

وَبَابِلُ ٱلْعَظِيمَةُ كانت هذه المدينة أعظم كل المدن ولعلها كناية عنها جميعاً وأشار إليها الرسول كثيراً في ما سبق لكنه صرّح باسمها هنا وفي (ص ١٤: ١).

ذُكِرَتْ أَمَامَ ٱللهِ لِيُعْطِيَهَا كَأْسَ خَمْرِ سَخَطِ غَضَبِهِ أبان هنا قصد الله من جهة عقابها ولكن أُخّر تفصيل إجراء هذا العقاب إلى (ص ١٩). وكانت بابل رمزاً إلى قوات العالم الشريرة المضطهدة وهي رمز أيضاً إلى الكنيسة الضالة الفاسدة التي تشبه العالم. فسقوط رومية مركز المملكة الرومانية الوثنية كان بعض أمثلة المقصود من سقوط بابل.

٢٠ «وَكُلُّ جَزِيرَةٍ هَرَبَتْ وَجِبَالٌ لَمْ تُوجَدْ».

ص ٦: ١٤ و٢٠: ١١

هذا تأثير آخر للزلزلة وإثبات لقوله «لم يحدث مثلها منذ صار الناس على الأرض» ذكر قبلاً أنه تزحزحت الجزائر (ص ٦: ١٤) وكان ذلك تأثراً وقتياً لكن التأثير هنا أزال الجزائر كل الإزالة. وفي هذا إشارة إلى أنه لم يبق سوى مملكة واحدة لا تتزعزع (دانيال ٢: ٤٤ وعبرانيين ١٢: ٢٨).

٢١ «وَبَرَدٌ عَظِيمٌ، نَحْوُ ثِقَلِ وَزْنَةٍ، نَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ عَلَى ٱلنَّاسِ. فَجَدَّفَ ٱلنَّاسُ عَلَى ٱللهِ مِنْ ضَرْبَةِ ٱلْبَرَدِ، لأَنَّ ضَرْبَتَهُ عَظِيمَةٌ جِدّاً».

ص ١١: ١٩ و٨: ٧ ع ٩ و١١ خروج ٩: ١٨ – ٢٥

وَبَرَدٌ عَظِيمٌ، نَحْوُ ثِقَلِ وَزْنَةٍ كما حدث في ضربات مصر (خروج ٩: ٢٢ – ٢٥) وفي إبادة أعداء إسرائيل في بيت محورون (يشوع ١٠: ١١). و «الوزنة» هنا نحو عشرة أرطال. وسكب الله ضرباته بالكيل (أي الجامات) وبرَده بالميزان يشير إلى أنه يعدل في إجراء النقمة.

فَجَدَّفَ ٱلنَّاسُ عَلَى ٱللهِ مِنْ ضَرْبَةِ ٱلْبَرَدِ وهم الذين سلموا من الموت بهذا البرد. فنتيجة سكب الجام السابع كنتيجة سكب الجام الرابع والجام الخامس في أنها لم تنشئ توبة بل تجديفاً وهذا يدل على أن قلوبهم قست بالخطيئة كل القسوة وإنهم معدّون للهلاك.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى