سفر الرؤيا

رؤيا يوحنا | 15 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح سفر رؤيا يوحنا

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ عَشَرَ

في هذا الأصحاح ذكر الضربات السبع في الآية الأولى وتفصيلها في الأصحاح التالي أي السادس عشر. وذكرت أولاً تمهيداً لسكب الجامات وترنيمة القديسين النصرية للانتصار على الوحش وإتيان السبعة الملائكة وإعطائهم السبعة الجامات. وعدد السبعة هنا يشير إلى الكمال كما في الرؤيا السابقة. وسلسلة الجامات ليست تابعة لسلسلة الختوم السبعة والأبواق السبعة بل هي معاصرة لها ومعناها كمعنى ما سبق في الختوم والأبواق لكن تخالفه في الأسلوب. وفي رؤيا الجامات رؤييان استعداديتان لها الأولى من (ع ٢ – ٤) والأخرى من (ع ٥ – ٨).

١ «ثُمَّ رَأَيْتُ آيَةً أُخْرَى فِي ٱلسَّمَاءِ عَظِيمَةً وَعَجِيبَةً: سَبْعَةَ مَلاَئِكَةٍ مَعَهُمُ ٱلسَّبْعُ ٱلضَّرَبَاتُ ٱلأَخِيرَةُ، لأَنْ بِهَا أُكْمِلَ غَضَبُ ٱللهِ».

ص ١٢: ١ و٣ ص ١٦: ١ و٢١: ٩ ص ١٤: ١٠

رَأَيْتُ آيَةً أُخْرَى فِي ٱلسَّمَاءِ غير الختوم السبعة والأبواق السبعة. وفي هذه الآية مختصر الرؤيا المفصلة في الأصحاح التالي.

سَبْعَةَ مَلاَئِكَةٍ مَعَهُمُ ٱلسَّبْعُ ٱلضَّرَبَاتُ ظهر الملائكة أولاً ثم ذُكر أنهم أخذوا الجامات المشتملة على تلك الضربات (ع ٦). وهذه «الضربات» تذكرنا العشر الضربات التي وقعت على مصر وأُعلن بها عجز سحرة مصر وآلانهم. وهذه الضربات لم تُرسل لتقود الناس إلى التوبة بل لقصاص الذين أبو التوبة والرجوع إلى الله.

ٱلأَخِيرَةُ، لأَنْ بِهَا أُكْمِلَ غَضَبُ ٱللهِ أي قبل الدينونة الأخيرة فكل الضربات انتهت بخراب بابل ثم ذُكر على أثر ذلك إتيان الرب (ص ١٩: ١١).

٢ « وَرَأَيْتُ كَبَحْرٍ مِنْ زُجَاجٍ مُخْتَلِطٍ بِنَارٍ، وَٱلْغَالِبِينَ عَلَى ٱلْوَحْشِ وَصُورَتِهِ وَعَلَى سِمَتِهِ وَعَدَدِ ٱسْمِهِ وَاقِفِينَ عَلَى ٱلْبَحْرِ ٱلزُّجَاجِيِّ، مَعَهُمْ قِيثَارَاتُ ٱللهِ».

ص ٤: ٦ و٢١: ١٨ متّى ٣: ١١ ص ١٣: ١٥ – ١٧ ص ٥: ٨ و١٤: ٢

وَرَأَيْتُ كَبَحْرٍ مِنْ زُجَاجٍ مُخْتَلِطٍ بِنَارٍ إن قضاء الله البار الحبي صاف ونقي كالبلور وغضبه على الخطيئة كلهيب نار. وهذا «البحر» هو الذي ذُكر في (ص ٤: ٤) فانظر تفسير ذلك. والدليل على كونه إياه حضور «الأربعة الحيوانات» في كليهما. والاختلاف الوحيد إنه قيل إن هذا «مختلط بنار» وهذا إشارة إلى كون الرؤيا رؤيا دينونة الأشرار وهي «النار» التي ذُكرت في (ص ١٤: ١٨).

وَٱلْغَالِبِينَ عَلَى ٱلْوَحْشِ وَصُورَتِهِ وَعَلَى سِمَتِه هم المنتصرون في محاربتهم للوحش فقد غلبوا التجربة أن يسجدوا لصورته ويتخذوا سمته التي هي عدد اسمه (ص ١٣: ١٧ و١٨).

وَاقِفِينَ عَلَى ٱلْبَحْرِ ٱلزُّجَاجِيِّ أو على شاطئه كما وقف بنو إسرائيل على شاطئ البحر الأحمر وترنموا بترنيمة النصر ونجاتهم من فرعون وجيشه (خروج ١٥: ١).

مَعَهُمْ قِيثَارَاتُ ٱلله أدوات الحمد المعيّنة لعبادة الله السماوية (ص ٥: ٨ و١٤: ٢).

٣ «وَهُمْ يُرَتِّلُونَ تَرْنِيمَةَ مُوسَى عَبْدِ ٱللهِ وَتَرْنِيمَةَ ٱلْحَمَلِ قَائِلِينَ: عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. عَادِلَةٌ وَحَقٌّ هِيَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ ٱلْقِدِّيسِينَ».

خروج ١٥: ١ يشوع ٢٣: ٥ عبرانيين ٣: ٥ ص ٥: ٩ – ١٢ تثنية ٣٢: ٣ ومزمور ١١١: ٢ و١٣٩: ١٤ وهوشع ١٤: ٩ ص ١: ٨ أيوب ١: ٧

وَهُمْ يُرَتِّلُونَ تَرْنِيمَةَ مُوسَى عَبْدِ ٱللهِ فرتلوا علاوة على ضربهم بالقيثارات. وترنيمهم كترنيمة موسى وبني إسرائيل لما نجوا من فرعون ومياه البحر الأحمر (خروج ١٥: ١ – ١٩). وكان فرعون وجيشه رمزاً لأعداء الكنيسة كلها. ودُعي موسى «عبد الله» في (خروج ١٤: ٣١ وعدد ١٢: ٧ ويشوع ٢٢: ٥ وعبرانيين ٣: ٥).

وَتَرْنِيمَةَ ٱلْحَمَلِ «ترنيمة موسى» و «ترنيمة الخروف» ليستا ترنيمتين إنما هي ترنيمة واحدة فهي تدل على تمام الاتحاد بين كنيسة العهد القديم وكنيسة العهد الجديد. فترنيمة الانتصار التي ترنم بها الإسرائيليون ترنم بها المسيحيون لأنهم كلهم أعضاء كنيسة واحدة جامعة. و «ترنيمة موسى» هي «ترنيمة الخروف» لأن موسى كان نائب النظام القديم والخروف هو شمس النظام الجديد ومركزه. فترنيمة الانتصار المذكورة هنا جمعت كل ترانيم الانتصار بين شعب الله في كل العصور. ففيها حمد الله على كسر قوات العالم المضادة له تعالى. وحمد الخروف هو موضوع إنجيله ولا سيما موضوع هذا السفر والخروف هو محور تاريخ العالم ونصرته نصرة كل شعبه (ص ١٢: ١١). وهم يترنمون لأنه وضع ترنيمة جديدة في أفواههم (أفسس ١: ١٠ وفيلبي ٢: ١٠ و١١).

قَائِلِينَ: عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ هذا مثل قول داود في (مزمور ١١٠: ٢ و١٣٨: ٤) والأعمال المذكورة هنا أعمال بر الله وحقه وقداسته وعدله في إجراء النقمة على أعدائه.

أَيُّهَا ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ الخ وهذا مثل ما في (مزمور ١١٩: ١٤٢ و١٤٠: ١٧ وتثنية ٣٢: ٤).

٤ «مَنْ لاَ يَخَافُكَ يَا رَبُّ وَيُمَجِّدُ ٱسْمَكَ، لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ، لأَنَّ جَمِيعَ ٱلأُمَمِ سَيَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَكَ، لأَنَّ أَحْكَامَكَ قَدْ أُظْهِرَتْ».

ص ١٤: ٧ وإرميا ١: ٧ مزمور ٨٦: ٩ إشعياء ٦٦: ٢٣ ص ١٩: ٨

هذا مثل ما في (إرميا ١٠: ٧). وذكر الله متسلطاً على الأمم موافق لهذه الترنيمة لأن موضوعها انتقام الله من الأمم وإخضاعه إياهم تحت قدميه. و «سجود الأمم» المذكور هنا سجود الخوف والرهبة لا سجود الإيمان والمحبة. و «الأحكام» هنا نشر البشارة الأبدية وإهلاك أعداء الله.

٥ «ثُمَّ بَعْدَ هٰذَا نَظَرْتُ وَإِذَا قَدِ ٱنْفَتَحَ هَيْكَلُ خَيْمَةِ ٱلشَّهَادَةِ فِي ٱلسَّمَاءِ».

عدد ١: ٥٠ وص ١١: ١٩ وخروج ٣٥: ٢١ عبرانيين ٨: ٥ وص ١٣: ٦

ٱنْفَتَحَ هَيْكَلُ خَيْمَةِ ٱلشَّهَادَةِ ذكر هذه الخيمة استفانوس في خطابه يوم استشهاده فقال «خَيْمَةُ ٱلشَّهَادَةِ كَانَتْ مَعَ آبَائِنَا فِي ٱلْبَرِّيَّةِ» (أعمال ٧: ٤٤). وسُميّت كذلك لأنه كان فيها التابوت ولوحا الشريعة وكان التابوت شهادة دائمة بحضور الله في شعبه وكان لوحا الشريعة شهادة بقداسة الله وعدله. وذُكر قبلاً انفتاح الهيكل ومشاهدة ما فيه (ص ١١: ١٩) ورؤيا يوحنا حينئذ تابوت عهد الله الذي هو إشارة إلى نعمة الله ورحمته. والفرق بين الرؤيين إن الأولى كانت لبيان رحمة الله وحفظه لعهده وهذه لبيان عدل الله في انتقامه.

٦ «وَخَرَجَتِ ٱلسَّبْعَةُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَمَعَهُمُ ٱلسَّبْعُ ٱلضَّرَبَاتُ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ، وَهُمْ مُتَسَرْبِلُونَ بِكَتَّانٍ نَقِيٍّ وَبَهِيٍّ، وَمُتَمَنْطِقُونَ عِنْدَ صُدُورِهِمْ بِمَنَاطِقَ مِنْ ذَهَبٍ».

ص ١٤: ١٥ ع ١ حزقيال ٢٨: ١٣ ص ١: ١٣

مِنَ ٱلْهَيْكَلِ أي من حضرة الله.

وَهُمْ مُتَسَرْبِلُونَ بِكَتَّانٍ نَقِيٍّ وَبَهِيٍّ الخ لباسهم لباس الكهنة وهم يخدمون في الهيكل أو في الخيمة. فكانت أثوابهم كأثواب المسيح باعتبار كونه رئيس كهنة لشعبه (ص ١: ١٣). وهذا يذكرنا قول إشعياء «كَسَانِي رِدَاءَ ٱلْبِرِّ، مِثْلَ عَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ بِعِمَامَةٍ، وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا» (إشعياء ٦١: ١٠). والضربات المذكورة هنا ليست مثل ضربات السبعة الأبواق التي كانت تدعو الناس إلى التوبة لأن التي هنا تأتي على الذين كفروا بالنعمة ورفضوا الحجر الذي عيّنه الله رأساً لزاوية كنيسته فأرسل عليهم بدل البركات التي رفضوها الضربات المذكورة هنا. فهؤلاء الملائكة يجرون عمل المسيح لأنهم لابسون ثيابه (ص ١: ١٣) وخرجوا ليفعلوا ما أمر هو به (ص ١٩: ٨).

٧ «وَوَاحِدٌ مِنَ ٱلأَرْبَعَةِ ٱلْحَيَوَانَاتِ أَعْطَى ٱلسَّبْعَةَ ٱلْمَلاَئِكَةَ سَبْعَةَ جَامَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ، مَمْلُوَّةٍ مِنْ غَضَبِ ٱللهِ ٱلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ».

ص ٤: ٨ و٤: ٩ و٥: ٨ و١٤: ١٠

وَاحِدٌ مِنَ ٱلأَرْبَعَةِ ٱلْحَيَوَانَاتِ أَعْطَى هؤلاء وكلاء الخليقة المفديّة وما أتاه هذا الحيوان يدل على أن الخليقة تقر بأن ما يأتي من الأحكام هو على مقتضى العدل.

سَبْعَةَ جَامَاتٍ هذه الجامات كالجامات التي كانت تُستعمل للبخور في الخيمة والهيكل (٢أيام ٥: ٢٢) وقد امتلأت بآيات غضب الله.

٨ «وَٱمْتَلأَ ٱلْهَيْكَلُ دُخَاناً مِنْ مَجْدِ ٱللهِ وَمِنْ قُدْرَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ ٱلْهَيْكَلَ حَتَّى كَمَلَتْ سَبْعُ ضَرَبَاتِ ٱلسَّبْعَةِ ٱلْمَلاَئِكَةِ».

خروج ١٩: ١٨ وإشعياء ٦: ٤ خروج ٤٠: ٣٤ ولاويين ١٦: ٢ و١ملوك ٨: ١ و٢ و٢أيام ٥: ١٣

وَٱمْتَلأَ ٱلْهَيْكَلُ دُخَاناً مِنْ مَجْدِ ٱللهِ وَمِنْ قُدْرَتِهِ قال إشعياء وهو يشاهد في الرؤيا مجد الله في الهيكل «ٱهْتَزَّتْ أَسَاسَاتُ ٱلْعَتَبِ مِنْ صَوْتِ ٱلصَّارِخِ، وَٱمْتَلأَ ٱلْبَيْتُ دُخَاناً» (إشعياء ٦: ٤). وحين أعطى الله الشريعة على طور سينا «كَانَ جَبَلُ سِينَاءَ كُلُّهُ يُدَخِّنُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ٱلرَّبَّ نَزَلَ عَلَيْهِ بِٱلنَّارِ، وَصَعِدَ دُخَانُهُ كَدُخَانِ ٱلأَتُونِ» (خروج ١٩: ١٨).

وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ ٱلْهَيْكَلَ كما كان من شأن خيمة الاجتماع في البرية على ما في قوله «ثُمَّ غَطَّتِ السَّحَابَةُ خَيْمَةَ الاجْتِمَاعِ وَمَلأَ بَهَاءُ الرَّبِّ الْمَسْكَنَ. فَلَمْ يَقْدِرْ مُوسَى أَنْ يَدْخُلَ خَيْمَةَ ٱلاجْتِمَاعِ» (خروج ٤٠: ٣٤ و٣٥). وكذا كان في وقت تدشين هيكل سليمان فلم يستطع الكهنة أن يقفوا للخدمة بسبب السحاب «لأَنَّ مَجْدَ ٱلرَّبِّ مَلأَ بَيْتَ ٱلرَّبِّ» (١ملوك ٨: ١١). ومنع الدخول إلى الهيكل منَعَ من تقديم الشفاعة عن المذنبين ومن الالتجاء إليه. وكل أسلوب هذه الرؤيا مخيف فآياتها آيات الانتقام بلا رحمة لأنه قد مضى وقت إنذار الذين رفضوا الإنذار وتم قول الله «دَعَوْتُ فَأَبَيْتُمْ، وَمَدَدْتُ يَدِي وَلَيْسَ مَنْ يُبَالِي، بَلْ رَفَضْتُمْ كُلَّ مَشُورَتِي، وَلَمْ تَرْضَوْا تَوْبِيخِي. فَأَنَا أَيْضاً أَضْحَكُ عِنْدَ بَلِيَّتِكُمْ. أَشْمَتُ عِنْدَ مَجِيءِ خَوْفِكُمْ. إِذَا جَاءَ خَوْفُكُمْ كَعَاصِفَةٍ، وَأَتَتْ بَلِيَّتُكُمْ كَٱلزَّوْبَعَةِ، إِذَا جَاءَتْ عَلَيْكُمْ شِدَّةٌ وَضِيقٌ» (أمثال ١: ٢٤ – ٢٧).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى