سفر الرؤيا

رؤيا يوحنا | 12 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح سفر رؤيا يوحنا

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي عَشَرَ

هذا بداءة القسم الرابع من هذا السفر إذا اعتبرنا الرسائل إلى الكنائس السبع القسم الأول. والسبعة الختوم القسم الثاني. والسبعة الأبواق القسم الثالث. وكنا نتوقع أن يكون القسم الرابع هو السبعة الجامات لكنها لم تُذكر إلا في (ص ١٥) فقد ذُكرت فيه «ٱلسَّبْعُ ٱلضَّرَبَاتُ ٱلأَخِيرَةُ، لأَنْ بِهَا أُكْمِلَ غَضَبُ ٱللهِ» (ص ١٥: ١). والثلاثة الأصحاحات (أي هذا الأصحاح والاثنان اللذان يليانه) وصف حال الكنيسة وأعدائها الثلاثة العظمى ومحاربتهم إياها ونتيجة ذلك.

١ «وَظَهَرَتْ آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي ٱلسَّمَاءِ: ٱمْرَأَةٌ مُتَسَرْبِلَةٌ بِٱلشَّمْسِ، وَٱلْقَمَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهَا، وَعَلَى رَأْسِهَا إِكْلِيلٌ مِنِ ٱثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَباً».

ع ٣ متّى ٢٤: ٣٠ ص ١١: ١٩ غلاطية ٤: ٢٦ مزمور ١٠٤: ٢ ونشيد الأنشاد ٦: ١٠

وَظَهَرَتْ آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي ٱلسَّمَاءِ استدعت الالتفات إليها وهي بيان إن محل الرؤيا في السماء لا على الأرض.

ٱمْرَأَةٌ مُتَسَرْبِلَةٌ بِٱلشَّمْسِ، وَٱلْقَمَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهَا هذه رمز إلى الكنيسة المكتسية المجد فهي محاطة بالنور من كل جهة تشرق ببهاء ربها. وما قيل هنا موافق لوصف الكنيسة في قوله «مَنْ هِيَ ٱلْمُشْرِفَةُ مِثْلَ ٱلصَّبَاحِ، جَمِيلَةٌ كَٱلْقَمَرِ، طَاهِرَةٌ كَٱلشَّمْسِ، مُرْهِبَةٌ كَجَيْشٍ بِأَلْوِيَةٍ» (نشيد الأنشاد ٦: ١٠).

وَعَلَى رَأْسِهَا إِكْلِيلٌ مِنِ ٱثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَباً «الاثنا عشر» عدد الكنيسة في العهدين القديم والجديد فإنه عدد أسباط إسرائيل وعدد تلاميذ المسيح. و «الإكليل» هنا إكليل النصر. والمراد «بالمرأة» الكنيسة وُصفت بما يناسب طبيعتها وعملها فيجب أن تكون طاهرة هادئة كالنور بدليل قول المسيح «أنتم نور العالم» فهي لم تشر إلى الكنيسة اليهودية وحدها بل تشير إلى الإنجيلية أيضاً لأن الكنيسة ليست سوى واحدة منذ البدء وصفها «بالنور» أنبياء العهد القديم كما وصفها به كتبة العهد الجديد (إشعياء ٤٢: ٦ و٤٩: ٦ و٦٠: ١ و١٩ و٢٠ ومتّى ٥: ١٤ وأفسس ٥: ٨ و١تسالونيكي ٥: ٥ وفيلبي ٢: ١٥).

٢ «وَهِيَ حُبْلَى تَصْرُخُ مُتَمَخِّضَةً وَمُتَوَجِّعَةً لِتَلِدَ».

إشعياء ٢٦: ١٧ و٦٦: ٦ – ٩ وميخا ٤: ٩ و١٠

وُصفت الكنيسة هنا في بعض أحوالها بما يوافق ميلاد المسيح (تكوين ٣: ١٦ وميخا ٤: ١٠ ويوحنا ١٦: ٢١). فإن الكنيسة أتت بنجاة للعالم بآلامها فإن محبة المسيح حصرت رسلها أن يبشروا (٢كورنثوس ٥: ١٤). وهم شبهوا أنفسهم بمن تتمخض لتلد قال الرسول «يَا أَوْلاَدِي ٱلَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضاً إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ» (غلاطية ٤: ١٩). وعمل الكنيسة هو أن تأتي بالمسيح للناس ولا تكتفي إلا بأنه هو يتصور فيهم فيدركون تعليمه ويحصلون على روحه ويقتفونه ويتمثلون به ويحبونه ويطيعونه حتى يصيروا إلى شبه صورته وهذا لا يكون إلا بآلام الكينسة وإنكارها لنفسها وشدة غيرتها.

٣ «وَظَهَرَتْ آيَةٌ أُخْرَى فِي ٱلسَّمَاءِ: هُوَذَا تِنِّينٌ عَظِيمٌ أَحْمَرُ لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِ سَبْعَةُ تِيجَانٍ».

ع ١ وص ١٥: ١ ع ٤ و٧ و٩ و١٣ و١٦ وص ١٣: ٢ و٤ و١١ و١٦: ١٣ و٢٠: ٢ إشعياء ٢٧: ١ ص ١٣: ١ و١٧: ٣ و٧ و٩ الخ ص ١٣: ١ و١٧: ١٢ و١٦ ودانيال ٧: ٧ و٢٠ و٢٤ ص ٣: ١ و١٩: ١٢

ظَهَرَتْ آيَةٌ أُخْرَى فِي ٱلسَّمَاءِ هُوَذَا تِنِّينٌ عَظِيمٌ هذا يشير إلى قوة عظيمة معادية للكنيسة.

أَحْمَرُ وُصف التنين بلون الدم لأنه قاس سفك دم كثير وسكر من دم القديسين والشهداء (ص ١٧: ٣ و٦ ويوحنا ٨: ٤٤).

لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ يشير العدد السابع إلى كمال الحكمة في إجراء مقاصد التنين الشريرة فهو الحية العتيقة إبليس والشيطان والروح النجس المضطهد للكنيسة في كل العصور وعدو كل بر وكان من «ٱلْمَلاَئِكَةُ ٱلَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ» (يهوذا ٦).

وَعَشَرَةُ قُرُونٍ هذا يشير إلى سلطته على كل أمم الأرض.

وَعَلَى رُؤُوسِهِ سَبْعَةُ تِيجَانٍ هذه التيجان ليست كأكاليل النصر على رأس المرأة بل هي آية الرئاسة قابل هذا بوصف الوحش في (ص ١٧: ٧ – ١٢). وهذا يشبه قول دانيال النبي فإنه شبّه القوات المحاربة لله بالقوة المجموعة في الأربعة الممالك (دانيال ٧: ٣ – ٨) التي تسلطت على الأرض كأنها واحدة. والذي عبّر عنه دانيال «بالأربع الممالك» عبّر عنه يوحنا «بالشيطان» عدو الله العظيم. و «له سبعة رؤوس وعشرة قرون» لكونه رئيس هذا العالم فقد تسلط على تلك الممالك وخلفائها بالنظر إلى ما أظهرت من الجور والخداع والظلم والإثم. والذي يدل على أنه رئيس تلك الممالك ونائبها أن فيه صفات النمر والدب والأسد والحيوان الهائل والقوي التي هي في سفر نبوءة دانيال رموز إلى تلك الممالك. والخلاصة إن التنين كناية عن قوى العالم المجتمعة مدة طويلة لمقاومة شعب الله ومضايقته ومنعه من الاجتهاد في سبيل الصلاح على توالي العصور.

٤ «وَذَنَبُهُ يَجُرُّ ثُلُثَ نُجُومِ ٱلسَّمَاءِ فَطَرَحَهَا إِلَى ٱلأَرْضِ. وَٱلتِّنِّينُ وَقَفَ أَمَامَ ٱلْمَرْأَةِ ٱلْعَتِيدَةِ أَنْ تَلِدَ حَتَّى يَبْتَلِعَ وَلَدَهَا مَتَى وَلَدَتْ».

ص ٨: ٧ و١٢ دانيال ٨: ١٠ متّى ٢: ١٦

ذَنَبُهُ يَجُرُّ ثُلُثَ نُجُومِ ٱلسَّمَاءِ الخ كثيراً ما ذُكرت «النجوم» في سفر الرؤيا إشارة إلى مشاهير الأرض الذين أعطوا محلاً سامياً ليكونوا إما أنواراً في العالم لتمجيد الله ونفع الناس وإما من قادهم الشيطان إلى الضلال فطُرحوا من مقامهم السامي وصاروا عبيداً للشر (ص ٨: ١٠ – ١٢ ودانيال ٨: ١٠). وجرُّه «ثلث النجوم وطرحها إلى الأرض» علامة قوته الضارة وإن قوته على الشر ليست غير محدودة بل تُحددها قوة أعظم منها. وهذه مبني على ما في (دانيال ٨: ١٠).

وَٱلتِّنِّينُ وَقَفَ أَمَامَ ٱلْمَرْأَةِ الخ كفعل فرعون بالإسرائيليين في مصر (خروج ١: ١٥ – ٢٢). وكثيراً ما عبّر عن فرعون بالتنين (مزمور ٧٤: ١٣ وإشعياء ٢٧: ١ و٥١: ٩) وبالتمساح (حزقيال ٢٩: ٣) وكفعل هيرودس بغية أن يقتل المسيح على أثر ولادته (متّى ٢: ١٣). والشيطان يترقب الفرصة أبداً لكي يزيل كل بداءة خير وصلاح. والقول في التنين هنا مبني على النبوءة الأولى لآدم في شأن العداوة بين نسل المرأة والحية وعلى اجتهاد هيرودس في أن يقتل الطفل يسوع وبغض إبليس للمسيح الذي أظهره في تجربته إياه في البرية ومقاومة الذين هاجموا عليه وخيانة يهوذا الاسخريوطي مسلمه. وانتهى بغضه بتعليقه إياه على الصليب. وغاية الكنيسة إنشاء حياة المسيح في قلوب البشر وغاية الشيطان أن يتلف هذه الحياة حيث نشأت.

٥ «فَوَلَدَتِ ٱبْناً ذَكَراً عَتِيداً أَنْ يَرْعَى جَمِيعَ ٱلأُمَمِ بِعَصاً مِنْ حَدِيدٍ. وَٱخْتُطِفَ وَلَدُهَا إِلَى ٱللهِ وَإِلَى عَرْشِهِ».

ص ٢: ٢٧ و٢كورنثوس ١٢: ٢

ٱبْناً ذَكَراً قال هذا إيماء إلى قدرته. والقرينة تدل على أن المراد به المسيح. وفي هذا إشارة إلى قول النبي «قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا ٱلطَّلْقُ وَلَدَتْ. قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهَا ٱلْمَخَاضُ وَلَدَتْ ذَكَراً» (إشعياء ٦٦: ٧).

عَتِيداً أَنْ يَرْعَى جَمِيعَ ٱلأُمَمِ بِعَصاً مِنْ حَدِيدٍ هذا من قول إشعياء «كراع يرعى قطيعه» (إشعياء ٤٠: ١١). وقول الله بلسان المرنم «أُعْطِيَكَ ٱلأُمَمَ مِيرَاثاً لَكَ… تُحَطِّمُهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ» (مزمور ٢: ٨ و٩). وقال «يرعاهم بعصاً من حديد» لا بصولجان من ذهب كعادة الملوك إشارة إلى أن سلطانه لا يُقاوم وإنذاراً للأمم التي لا تتوب بهلاك تام. وهذا القول يصدق على المسيح وعلى كل من تظهر فيه حياة المسيح ممن سكن المسيح قلبهم بالإيمان.

وَٱخْتُطِفَ وَلَدُهَا إِلَى ٱللهِ وكثيراً ما ذهبت مساعي الشيطان عبثاً. أغرى رئيس هذا العالم اليهود أن يرفضوا المسيح ويصلبوه لكنه لم يكن له سلطان على حياته الإلهية فالمسيح بعد موته وقيامته صعد إلى حيث كان سابقاً. والرؤيا لم تذكر ما حدث له بين ولادته وصعوده. وفائدة هذه الرؤيا إن كل حياة متحدة بحياة المسيح آمنة من غضب الشرير فكل مساعيه في إتلاف الحياة المستترة بالله عبث.

٦ «وَٱلْمَرْأَةُ هَرَبَتْ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ حَيْثُ لَـهَا مَوْضِعٌ مُعَدٌّ مِنَ ٱللهِ لِكَيْ يَعُولُوهَا هُنَاكَ أَلْفاً وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْماً».

ص ١١: ٣ و١٣: ٥

ٱلْمَرْأَةُ هَرَبَتْ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ اقتصرت الرؤيا هنا على ذكر هرب المرأة وتفصيل نبإها في الآية الرابعة عشرة. والمعنى هنا أنها نجت من مضطهدها. والمراد «بالبرية» المكان الذي يعولها الله فيه وحيث ليس لها من وسائل بشرية إلى ما به قوامها. وهذا يذكرنا هرب إيليا إلى البرية من أمام إيزابل (١ملوك ١٧: ٦ و١٩: ٥) وتجربة المسيح أربعين يوماً في البرية. ولعل في العبارة إشارة إلى هرب إسرائيل من فرعون وتيهه أربعين سنة في البرية يأكل المن الذي من السماء ويشرب الماء الذي من الصخرة (١كورنثوس ١٠: ٣ و٤). ولعل في هربان الكنيسة إلى البرية إشارة إلى مهرب أم المسيح حقيقة إلى مصر من وجه هيرودس. وفحوى هذه الرؤيا إن الكنيسة تكون في البرية كل أيام تأدية شهادتها للمسيح حتى تبلغ كنعان السماوية وإن المسيحيين ليسوا سوى غرباء ونزلاء (عبرانيين ١١: ١٣).

لِكَيْ يَعُولُوهَا هُنَاكَ كما عال الغربان إيليا عند نهر كريت (١ملوك ١٧: ٦) والملائكة على طريق حوريب (١ملوك ١٩: ١٥). وهذا على وفق عمل الله لإسرائيل في البرية كما يتبين من قوله «أَطْعَمَكَ ٱلْمَنَّ ٱلَّذِي لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُهُ وَلاَ عَرَفَهُ آبَاؤُكَ، لِيُعَلِّمَكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِٱلْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا ٱلإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِ ٱلرَّبِّ يَحْيَا ٱلإِنْسَانُ. ثِيَابُكَ لَمْ تَبْلَ عَلَيْكَ، وَرِجْلُكَ لَمْ تَتَوَرَّمْ هٰذِهِ ٱلأَرْبَعِينَ سَنَةً» (تثنية ٨: ٣ و٤ انظر إرميا ٣١: ١ و٢ وحزقيال ٢٠: ٣٥ وهوشع ٢: ١٤).

أَلْفاً وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْماً هذه مدة نبوءة الشاهدَين وهما لابسان مسوحاً (ص ١١: ٣) ومدة درس الأمم دار الهيكل. وهي اثنان وأربعون شهراً (ص ١١: ٢) ومدة إعالة المرأة في البرية وهي «زمان وزمانين ونصف زمان» (ع ١٤) وهي مدة غلبة العالم ظاهراً للكنيسة. وذلك يفيدنا إن وقت الاضطهاد محدود. وتكون الكنيسة في تلك المدة محفوظة وإن كانت مضطهدة وهي في شديد الخطر. وجل الغاية من هذه الآية بيان المحاربة بين ملكوت النور الذي المسيح رئيسه ومملكة الظلمة التي الشيطان رئيسها وبقاء الكنيسة في البرية تمهيد لذكر المحاربة الآتية.

٧ «وَحَدَثَتْ حَرْبٌ فِي ٱلسَّمَاءِ: مِيخَائِيلُ وَمَلاَئِكَتُهُ حَارَبُوا ٱلتِّنِّينَ. وَحَارَبَ ٱلتِّنِّينُ وَمَلاَئِكَتُهُ».

ع ٩ ع ٣ متّى ٢٥: ٢

ذُكرت هذه الحروب في كتاب العهد القديم وذُكر فيه إن «مِيخَائِيلُ وَاحِدٌ مِنَ ٱلرُّؤَسَاءِ ٱلأَوَّلِينَ» (دانيال ١٠: ١٣) وإنه «رئيس شعب اليهود» (دانيال ١٠: ٢١) وذُكر في العهد الجديد أنه «رئيس الملائكة» (يهوذا ٩). وذُكر في العهد القديم إن الشيطان «مشتك ومجرب» (أيوب ص ١ و٢). وإنه مقاوم ومشتك ليهوشع الكاهن العظيم (زكريا ٣: ١). وفي هذه المحاربة ما لا نفهمه لكن نعلم إن النصر هنا للمسيح. ويدل عليه انتصاره في بيت لحم وأكمة الجلجثة وجبل الزيتون. والغاية من ذكر ميخائيل هنا ليست واضحة. ودُعي «رئيس الملائكة» ولكن لا دليل كاف على أن المراد به المسيح كما ظن كثيرون. فإن لم يكن المراد به المسيح فهو نائبه في محاربة جيوش الشر.

٨ «وَلَمْ يَقْوَوْا، فَلَمْ يُوجَدْ مَكَانُهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِي ٱلسَّمَاءِ».

لَمْ يَقْوَوْا أي التنين وملائكته. وهذا نتيجة عمل المسيح الفدائي إن التنين وملائكته طرحوا إلى الأرض ولا يستطيعون بعد ذلك أن يشتكوا على شعب الله في السماء فهو لا يقدر أن يحارب الله إلا بتجربة شعبه على الأرض إلى أن يجيء المسيح ثانية وحينئذ يُقيد إلى الأبد. وأُشير في الإنجيل إلى انتصار المسيح على الشيطان في قول المسيح نفسه «رَأَيْتُ ٱلشَّيْطَانَ سَاقِطاً مِثْلَ ٱلْبَرْقِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ» (لوقا ١٠: ١٨). وقوله «حِينَمَا يَحْفَظُ ٱلْقَوِيُّ دَارَهُ مُتَسَلِّحاً، تَكُونُ أَمْوَالُهُ فِي أَمَانٍ. وَلٰكِنْ مَتَى جَاءَ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فَإِنَّهُ يَغْلِبُهُ وَيَنْزِعُ سِلاَحَهُ ٱلْكَامِلَ ٱلَّذِي ٱتَّكَلَ عَلَيْهِ وَيُوَزِّعُ غَنَائِمَهُ» وقال المسيح ذلك حين أخرج الشياطين من بعض الناس وأظهر سلطانه عليهم (لوقا ١١: ٢١ و٢٢). وقوله «اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هٰذَا ٱلْعَالَمِ خَارِجاً» (يوحنا ١٢: ٣١). ومثل ذلك قول الرسول إن المسيح اشترك «فِي ٱللَّحْمِ وَٱلدَّمِ ٱشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذٰلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِٱلْمَوْتِ ذَاكَ ٱلَّذِي لَهُ سُلْطَانُ ٱلْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ الخ» (عبرانيين ٢: ١٤ و١٥). والخلاصة إن رئيس الحياة بموته كسر ذاك الذي كان له سلطان الموت.

٩ «فَطُرِحَ ٱلتِّنِّينُ ٱلْعَظِيمُ، ٱلْحَيَّةُ ٱلْقَدِيمَةُ ٱلْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَٱلشَّيْطَانَ، ٱلَّذِي يُضِلُّ ٱلْعَالَمَ كُلَّهُ طُرِحَ إِلَى ٱلأَرْضِ، وَطُرِحَتْ مَعَهُ مَلاَئِكَتُهُ».

ع ١٥ وص ٢٠: ٢ تكوين ٣: ١ و٢كورنثوس ١١: ٣ متّى ٤: ١٠ و٢٥: ٤١ ص ٢٠: ٣ و٨ و١٠ ص ١٣: ١٤ لوقا ١٠: ١٨ ويوحنا ١٢: ٣١

فَطُرِحَ اقتضى انتصار المسيح انكسار الشيطان إذ لم تستطع قوات الظلمة والشر أن تقف أمام النور والخير. وذُكر عدو المسيح بأربعة أسماء.

  • الأول: «التنين العظيم».
  • الثاني: الحية التي دخلت جنة عدن بحيلة وجربت أبوينا الأولين (تكوين ص ٣: ١ و٢كورنثوس ١١: ٣) ودُعي بذلك لأنه «يَجُولُ مُلْتَمِساً مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ» (١بطرس ٥: ٨).
  • الثالث: إبليس وهو معرب ذيافُلُس في اليونانية ومعناه مشتك ومنهم ومغوٍ.
  • الرابع: الشيطان وهو معرّب من العبرانية ومعناه الخصم (١أيام ٢١: ١ وزكريا ٣: ١).

ٱلَّذِي يُضِلُّ ٱلْعَالَمَ لأنه «لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو ٱلْكَذَّابِ» (يوحنا ٨: ٤٤ و١يوحنا ٣: ٨).

طُرِحَ إِلَى ٱلأَرْضِ هنا إشارة إلى أن قوته انكسرت. وهذا مثل قول المسيح «فَلأَنَّ رَئِيسَ هٰذَا ٱلْعَالَمِ قَدْ دِينَ» (يوحنا ١٦: ١١) وصرّح هنا بطرح الشيطان تعزية للمؤمنين إذ لم يبق له بعد ذلك قوة على أن يسبيهم لإرادته.

١٠ «وَسَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً قَائِلاً فِي ٱلسَّمَاءِ: ٱلآنَ صَارَ خَلاَصُ إِلٰهِنَا وَقُدْرَتُهُ وَمُلْكُهُ وَسُلْطَانُ مَسِيحِهِ، لأَنَّهُ قَدْ طُرِحَ ٱلْمُشْتَكِي عَلَى إِخْوَتِنَا ٱلَّذِي كَانَ يَشْتَكِي عَلَيْهِمْ أَمَامَ إِلٰهِنَا نَهَاراً وَلَيْلاً».

ص ١١: ١٥ و٧: ١٠ أيوب ١: ١١ و٢: ٥ وزكريا ٣: ١ لوقا ٢٢: ٣١ و١بطرس ٥: ٨

وَسَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً هذا إما صوت الأربعة والعشرين شيخاً الذين هم نواب الكنيسة بدليل قولهم في المؤمنين إنهم «إخوتهم» أو صوت المفديين الذين وصلوا إلى السماء ونالوا الراحة ويفرحون بمن ينتصرون على أثرهم.

ٱلآنَ صَارَ خَلاَصُ إِلٰهِنَا أي خلاص المؤمنين ونُسب إلى الله لأنه هو مصدره (لوقا ٣: ٦). وقيل هذا على سبيل الرجاء والنبوءة لأنهم تحققوا خلاصهم بعد المحاربة.

وَقُدْرَتُهُ التي بها كسر قوة العدو.

وَمُلْكُهُ وَسُلْطَانُ مَسِيحِهِ أي مظاهر جلاله ومجده.

لأَنَّهُ قَدْ طُرِحَ ٱلْمُشْتَكِي عَلَى إِخْوَتِنَا ٱلَّذِي كَانَ يَشْتَكِي عَلَيْهِمْ أَمَامَ إِلٰهِنَا نَهَاراً وَلَيْلاً أي دائماً. والمراد «باشتكائه» ذكر خطاياهم التي هو وجنوده قادوهم إليها.

١١ «وَهُمْ غَلَبُوهُ بِدَمِ ٱلْحَمَلِ وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ، وَلَمْ يُحِبُّوا حَيَاتَهُمْ حَتَّى ٱلْمَوْتِ».

ص ١٥: ٢ يوحنا ١٦: ٣٣ و١يوحنا ٢: ١٣ ص ٧: ١٤ و٦: ٩ و٢: ١٠ ويوحنا ١٤: ٢٦

وَهُمْ غَلَبُوهُ بِدَمِ ٱلْحَمَلِ علة انتصارهم على الشيطان سفك المسيح دمه الكريم من أجلهم (ص ١: ٥ و٥: ٩ انظر أيضاً ١يوحنا ١: ٧ و٩ و٢: ٢) فهم نالوا المغفرة بواسطة ذلك الدم وبه نُزع من الشيطان سلاح اشتكائه. ولولا الدم ثبت الشكاية عليهم. فقد طُرح الشيطان من السماء «مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي ٱللهِ» (رومية ٨: ٣٣).

وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ التي قبلوها وصدقوها وشهدوا بها وتألموا من أجلها (٢كورنثوس ٤: ١٣). وبذلك عملوا ما عليهم فانتفعوا بدم الحمل فانتصارهم مبني على شيئين الدم والشهادة فدم المسيح الذي طهّرهم من خطاياهم وهب لهم قوة للجهاد إلى الموت (متّى ١٠: ٣٢ – ٣٤).

وَلَمْ يُحِبُّوا حَيَاتَهُمْ حَتَّى ٱلْمَوْت كانت محبتهم للمسيح أقوى من محبتهم لحياتهم فإنه أطاع حتى الموت لأجلهم فسلموا حياتهم من أجله وغلبوا الشيطان بإنكار الذات حتى الموت. والوسائل الثلاث التي غلبوا بها التنين عدو البشر هي الكفارة بدم المسيح وكلمة الله التي آمنوا بها وشهدوا لها وإنكار الذات حتى بذلوا الحياة نفسها من أجل المسيح.

١٢ «مِنْ أَجْلِ هٰذَا ٱفْرَحِي أَيَّتُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلسَّاكِنُونَ فِيهَا. وَيْلٌ لِسَاكِنِي ٱلأَرْضِ وَٱلْبَحْرِ، لأَنَّ إِبْلِيسَ نَزَلَ إِلَيْكُمْ وَبِهِ غَضَبٌ عَظِيمٌ، عَالِماً أَنَّ لَهُ زَمَاناً قَلِيلاً».

مزمور ٦٦: ١١ وإشعياء ٤٤: ١٢ ص ١٣: ٦ و٨: ١٣ ع ٩ ص ١٠: ٦

مِنْ أَجْلِ هٰذَا أي من أجل أن طُرح التنين من السماء.

ٱفْرَحِي أَيَّتُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلسَّاكِنُونَ فِيهَا إن أعضاء الكنيسة في السماء يفرحون مع إخوتهم الذين على الأرض لأن كنيسة واحدة وبحسب أعضاء الكنيسة على الأرض إن السماء وطنهم وإنهم قد قاموا مع المسيح وجلسوا معه في السماويات (أفسس ٢: ٦). فأتوا «إِلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَإِلَى مَدِينَةِ ٱللهِ ٱلْحَيِّ: أُورُشَلِيمَ ٱلسَّمَاوِيَّةِ، وَإِلَى رَبَوَاتٍ هُمْ مَحْفِلُ مَلاَئِكَةٍ، وَكَنِيسَةِ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، وَإِلَى ٱللهِ دَيَّانِ ٱلْجَمِيعِ، وَإِلَى أَرْوَاحِ أَبْرَارٍ مُكَمَّلِينَ» (عبرانيين ١٢: ٢٢ و٢٣). «فالفرح» هنا فرح أهل بيت الله جميعاً. و «الساكنون» هنا ترجمة كلمة يونانية معناها «مخيمون» كما خيمت قديماً كنيسة الله مع الله في البرية. فاعتُبرت الخيمة محل اجتماع الله والإنسان (ص ٧: ١٥ و١٣: ٦ و٢١: ٣).

وَيْلٌ لِسَاكِنِي ٱلأَرْضِ وَٱلْبَحْرِ أي كل الذين ليسوا من ملكوت الله السماوي.

لأَنَّ إِبْلِيسَ نَزَلَ إِلَيْكُمْ وَبِهِ غَضَبٌ عَظِيمٌ لأنه طُرح من السماء وغلب بقيامة المسيح من الموت وصعوده وانسكاب روحه وعلمه إن ما وقع عليه من الخسارة عربون ما يصيبه من الهلاك فغضبه غضب اليأس.

عَالِماً أَنَّ لَهُ زَمَاناً قَلِيلاً لأن المسيح آتٍ سريعاً بدليل قوله «ثُمَّ بَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً تَرَوْنَنِي» (يوحنا ١٦: ١٦).

١٣، ١٤ «١٣ وَلَمَّا رَأَى ٱلتِّنِّينُ أَنَّهُ طُرِحَ إِلَى ٱلأَرْضِ، ٱضْطَهَدَ ٱلْمَرْأَةَ ٱلَّتِي وَلَدَتْ ٱلابْنَ ٱلذَّكَرَ، ١٤ فَأُعْطِيَتِ ٱلْمَرْأَةُ جَنَاحَيِ ٱلنَّسْرِ ٱلْعَظِيمِ لِكَيْ تَطِيرَ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ إِلَى مَوْضِعِهَا، حَيْثُ تُعَالُ زَمَاناً وَزَمَانَيْنِ وَنِصْفَ زَمَانٍ مِنْ وَجْهِ ٱلْحَيَّةِ».

ع ٥ خروج ١٩: ٤ ع ٦ تثنية ٣٢: ١١ وإشعياء ٤٠: ٣١ دانيال ٧: ٢٥ و١٢: ٧

رجع الرسول إلى خبر ما أصاب المرأة الذي ابتدأه في الآية السادسة.

ٱضْطَهَدَ ٱلْمَرْأَةَ ٱلَّتِي وَلَدَتْ ٱلابْنَ ٱلذَّكَرَ كرّر ذكر الولد لتعيين المرأة. قال في الآية السادسة «إن المرأة هربت إلى البرية» وذُكر هنا إن التنين علّة هربها وأبان طريق ذلك الهرب.

فَأُعْطِيَتِ ٱلْمَرْأَةُ جَنَاحَيِ ٱلنَّسْرِ ٱلْعَظِيمِ أي أعطاها الله ذلك والعبارة مبنية على ما قيل في العهد القديم في هرَب الإسرائيليين من مصر وهو قوله تعالى «أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ مَا صَنَعْتُ بِٱلْمِصْرِيِّينَ. وَأَنَا حَمَلْتُكُمْ عَلَى أَجْنِحَةِ ٱلنُّسُورِ وَجِئْتُ بِكُمْ إِلَيَّ» (خروج ١٩: ٤). وقول موسى في نشيده «كَمَا يُحَرِّكُ ٱلنَّسْرُ عُشَّهُ وَعَلَى فِرَاخِهِ يَرِفُّ، وَيَبْسُطُ جَنَاحَيْهِ وَيَأْخُذُهَا وَيَحْمِلُهَا عَلَى مَنَاكِبِهِ، هٰكَذَا ٱلرَّبُّ وَحْدَهُ ٱقْتَادَهُ (أي اقتاد شعبه) وَلَيْسَ مَعَهُ إِلٰهٌ أَجْنَبِيٌّ» (تثنية ٣٢: ١١ و١٢). وقول داود «مَا أَكْرَمَ رَحْمَتَكَ يَا اَللّٰهُ، فَبَنُو ٱلْبَشَرِ فِي ظِلِّ جَنَاحَيْكَ يَحْتَمُونَ» (مزمور ٣٦: ٧ انظر أيضاً إشعياء ٤٠: ٣١). ولا إشارة في هذا إلى القوة الرومانية التي شعارها النسر. و «المرأة» هي نور ومنيرة (ع ١) ومبغضة ومضطهدة من ملكوت الظلمة مضطهدة لكنها غير متروكة ومطروحة ولكنها غير هالكة (٢كورنثوس ٤: ٩).

لِكَيْ تَطِيرَ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ إِلَى مَوْضِعِهَا، حَيْثُ تُعَالُ كما هرب الإسرائيليون من مصر حيث عالهم الله بخبز من السماء (تثنية ٨: ٣ و١٦). فاضطهاد التنين للكنيسة وسيلة نيلها بركات لم تنلها لولاه من جناحي النسر والعَول السماوي.

زَمَاناً وَزَمَانَيْنِ وَنِصْفَ زَمَانٍ مِنْ وَجْهِ ٱلْحَيَّةِ هذا «اثنان وأربعون شهراً» وألف ومئتان وستون يوماً (ص ١١: ٢ و٣). وقوله «من وجه الحية» متعلق «بتطير». ولا نعلم طول المدة المشار إليها ههنا ولا بداءتها ولكن نعلم إن وقت جهاد الكنيسة على الأرض زمان ضيق وكرب. وهي تكون تلك المدة محفوظة معولة بعناية الله حتى يحق لها أن تقول على الدوام «تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ مُضَايِقِيَّ» (مزمور ٢٣: ٥). وكون العدد المعيّن نصف السبعة العدد الكامل يدل على أن الوقت التي تتضايق فيه الكنيسة في البرية محدود.

١٥ « فَأَلْقَتِ ٱلْحَيَّةُ مِنْ فَمِهَا وَرَاءَ ٱلْمَرْأَةِ مَاءً كَنَهْرٍ لِتَجْعَلَهَا تُحْمَلُ بِٱلنَّهْرِ».

هوشع ٥: ١٠ وإشعياء ٥٩: ١٩

فَأَلْقَتِ ٱلْحَيَّةُ مِنْ فَمِهَا وَرَاءَ ٱلْمَرْأَةِ مَاءً كَنَهْرٍ يُكنى بالسيول والأنهار والأمواج في الكتاب المقدس عن هيجان الشعوب دون رؤسائهم. فاتضح إن ما في هذه الرؤيا من أمور المرأة يوافق أحوال بني إسرائيل المذكورة في سفر الخروج. فإن كلا منهما سكن البرية والاثنتان والأربعون منزلة المذكورة في سفر العدد (عدد ص ٣٣) لسفر بني إسرائيل على وفق أشهر الثلاث السنين والنصف التي سكنت فيها المرأة في البرية. وما قيل هنا من أن الماء الذي ألقته الحية كنهر موافق لعبور الإسرائيليين إلى الأرض المقدسة ماء البحر الأحمر ونهر الأردن.

فعلينا أن نذكر إن بني إسرائيل في البرية ليسوا هم كنيسة الله الطاهرة بل إن عبيد الله الحقيقيين مخفون فيها كما أن كنيسة المسيح الحقيقية ضمن الكنيسة المنظورة.

فكان للكنيسة أن تقول دائماً «لَوْلاَ الرَّبُّ الَّذِي كَانَ لَنَا… لَوْلاَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي كَانَ لَنَا عِنْدَ مَا قَامَ ٱلنَّاسُ عَلَيْنَا، إِذاً لاَبْتَلَعُونَا أَحْيَاءً عِنْدَ ٱحْتِمَاءِ غَضَبِهِمْ عَلَيْنَا، إِذاً لَجَرَفَتْنَا ٱلْمِيَاهُ، لَعَبَرَ ٱلسَّيْلُ عَلَى أَنْفُسِنَا. إِذاً لَعَبَرَتْ عَلَى أَنْفُسِنَا ٱلْمِيَاهُ ٱلطَّامِيَةُ» (مزمور ١٢٤: ١ – ٥). «اِكْتَنَفَتْنِي حِبَالُ ٱلْمَوْتِ، وَسُيُولُ ٱلْهَلاَكِ أَفْزَعَتْنِي. حِبَالُ ٱلْهَاوِيَةِ حَاقَتْ بِي. أَشْرَاكُ ٱلْمَوْتِ ٱنْتَشَبَتْ بِي. فِي ضِيقِي دَعَوْتُ ٱلرَّبَّ وَإِلَى إِلٰهِي صَرَخْتُ، فَسَمِعَ مِنْ هَيْكَلِهِ صَوْتِي، وَصُرَاخِي قُدَّامَهُ دَخَلَ أُذُنَيْهِ الخ» (مزمور ١٨: ٤ – ١٦).

١٦ «فَأَعَانَتِ ٱلأَرْضُ ٱلْمَرْأَةَ وَفَتَحَتِ ٱلأَرْضُ فَمَهَا وَٱبْتَلَعَتِ ٱلنَّهْرَ ٱلَّذِي أَلْقَاهُ ٱلتِّنِّينُ مِنْ فَمِهِ».

فَأَعَانَتِ ٱلأَرْضُ ٱلْمَرْأَةَ وَفَتَحَتِ ٱلأَرْضُ فَمَهَا الخ لا نعلم ما الأرض التي أعانت المرأة. ذهب بعضهم إن القصد بها قوة مادي وفارس التي أنقذت الإسرائيليين من سبي بابل. وذهب بعضهم أنها القوة الرومانية في أول أيام الكنيسة التي أنقذت المسيحيين من اضطهاد اليهود كما ذُكر في (أعمال ١٨: ١٤ – ١٧ و٢١: ٣١ و٢٣: ٢٣ و٢٥: ١٢) أو نجاة المسيحيين بهربهم إلى عبر الأردن أيام خراب أورشليم. أو نجاتهم من الخطر الذي عُرضوا له من الرومانيين يومئذ. أو نجاة الكنيسة في أيام اضطهاد الملوك الرومانيين إياها. أو نجاتها مما أصابها من الأخطار التي نشأت عن المعلمين المفسدين التي كادت تطفئ نورها. أو مما حدث في أثناء الاضطهادات والبدع في الأيام الأخيرة ولكن يكفي أن نعلم أنه في الحرب العظيمة التي سوف تقع بين ابن الله والشيطان لا بد من انتصار المسيح وإن حياة الكنيسة سالمة. ورأى بعضهم أن المراد «بإعانة الأرض للمرأة» هو الحرية في العالم والتقدم في العلم والإنسانية فإن ذلك منع الاضطهادات القاسية التي كانت كثيرة في ما مضى.

١٧ «فَغَضِبَ ٱلتِّنِّينُ عَلَى ٱلْمَرْأَةِ، وَذَهَبَ لِيَصْنَعَ حَرْباً مَعَ بَاقِي نَسْلِهَا ٱلَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا ٱللهِ، وَعِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».

ص ١١: ٧ و١٣: ٧ تكوين ٣: ١٥

فَغَضِبَ ٱلتِّنِّينُ هذه الآية تبين ما فعله التنين شفاء لغضبه.

مَعَ بَاقِي نَسْلِهَا أي الأمناء الذين لم يموتوا في الاضطهادات التي جربت عليهم. وهم «القديسون» المذكورون في (ص ١٣: ٧) «والبقية» التي ذكر بولس أنها «إسرائيل الحقيقي» (رومية ٩: ٢٧ و١١: ٥) وهم من في قوله «عِنْدَكَ أَسْمَاءٌ قَلِيلَةٌ فِي سَارْدِسَ لَمْ يُنَجِّسُوا ثِيَابَهُمْ» (ص ٣: ٤) وهم «نسل باركه الرب» (إشعياء ٦١: ٩).

غاية هذا الأصحاح إظهار الكنيسة في مجدها بالنظر إلى كونها نوراً ومنيرة ومضطهدة ووصف عدوها الأول أي الشيطان.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى