سفر الرؤيا

رؤيا يوحنا | 11 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح سفر رؤيا يوحنا

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي عَشَرَ

في هذا الأصحاح الرؤيا الثانية المعترضة بين البوق السادس والبوق السابع وهي تشغل ١٤ آية منه.

١ «ثُمَّ أُعْطِيتُ قَصَبَةً شِبْهَ عَصاً، وَوَقَفَ ٱلْمَلاَكُ قَائِلاً لِي: قُمْ وَقِسْ هَيْكَلَ ٱللهِ وَٱلْمَذْبَحَ وَٱلسَّاجِدِينَ فِيهِ».

ص ٢٠: ١٥ وحزقيال ٤٠: ٣ – ٤٢: ٢٠ زكريا ٢: ١

ثُمَّ أُعْطِيتُ قَصَبَةً إن أساس هذه الرؤيا من العهد القديم وبعضها من نبوءة (زكريا ٢: ١ و٢). وبعضها من (حزقيال ٤٠: ٢ – ٧). فغاية هذا القياس كغاية إحصاء المختارين وختمهم في (ص ٧) وقياس المدينة السماوية في (ص ٢١: ١٥ و١٦) وهي الإشارة إلى حفظ المقيس ووقايته ليكون مسكناً لمجد الله لا للدينونة كما يتضح من قوله تعالي «تَرَنَّمِي وَٱفْرَحِي يَا بِنْتَ صِهْيَوْنَ، لأَنِّي هَئَنَذَا آتِي وَأَسْكُنُ فِي وَسَطِكِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ» (زكريا ٢: ١٠). والقصبة للقياس ولم يقل من أعطاه إياها ولا بد من أن يكون أحد الجنود السماوية.

قِسْ هَيْكَلَ ٱللهِ وَٱلْمَذْبَحَ وَٱلسَّاجِدِينَ فِيهِ فأوجب عليه أن يقيس الثلاثة وهي «الهيكل» وهو القدس وقدس الأقداس كما تبين القرينة. و «المذبح» وهو «مذبح البخور» الذي وضُعت عليه صلوات القديسين لله (ص ٨: ٣). و «الساجدون» وقياس الساجدين يدل على أن القياس هنا كله مجاز لا حقيقة. وأشار «بالمقيس» إلى إسرائيل الله الحقيقي وعبيده الأمناء الذين يعبدونه بالروح والحق ويسكن الله تعالى بينهم فيقصد أن يكونوا محفوظين في أثناء المصائب التي تصيب الكنيسة والعالم. وهم «المدعوون والمختارون والمؤمنون» المذكورون في (ص ١٧: ١٤) وهم «المختومون» المذكورون في (ص ٧: ٤). وهم الذين «في ظل القدير يبيتون» (مزمور ٩١: ١).

٢ «وَأَمَّا ٱلدَّارُ ٱلَّتِي هِيَ خَارِجَ ٱلْهَيْكَلِ فَٱطْرَحْهَا خَارِجاً وَلاَ تَقِسْهَا، لأَنَّهَا قَدْ أُعْطِيَتْ لِلأُمَمِ، وَسَيَدُوسُونَ ٱلْمَدِينَةَ ٱلْمُقَدَّسَةَ ٱثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَهْراً».

حزقيال ٤٠: ١٧ و٢٠ ولوقا ٢١: ٢٤ إشعياء ٥٢: ١ ومتّى ٢٧: ٥٣ ص ٢١: ٢ و١٠ و٢٢: ١٩ ص ١٢: ٦ و١٣: ٥ دانيال ٧: ٢٥ و١٢: ٧

وَأَمَّا ٱلدَّارُ ٱلَّتِي هِيَ خَارِجَ ٱلْهَيْكَلِ فَٱطْرَحْهَا خَارِجاً وَلاَ تَقِسْهَا أي احسبها دنسة. وهذا مبني على إخراج المقطوع من المجمع اليهودي. وأولئك المقطوعون ليسوا من الأمم لأنهم امتازوا عنهم بقوله «أعطيت للأمم الخ» وهذه الدار تشير إلى جزء الكنيسة الخائن غير الأمين فهو كالزوان الذي ينبت مع القمح في الحقل الذي شبّه به المسيح ملكوته فإن القمح والزوان ينموان معاً في هذه الأرض ولا يقدر أحد من الناس أن يفرق بينهما ولكن الله في الوقت المعيّن للتمييز يرسل ملائكته فيفصلون أحدهما عن الآخر. وهم المدعوون في قول المسيح «كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ» (متّى ٢٢: ١٤). وهم أغصان الكرمة التي لا تأتي بثمر (يوحنا ١٥: ٢ و٦). ويظهرون مثل غيرهم في العبادة ولكنهم بلا نعمة وبلا حياة روحية.

لأَنَّهَا قَدْ أُعْطِيَتْ لِلأُمَمِ، وَسَيَدُوسُونَ ٱلْمَدِينَةَ ٱلْمُقَدَّسَة كانت المدينة المقدسة قديماً أورشليم وهي الآن رمز إلى الكنيسة المسيحية التي دخلها ما أفسد أحوالها وجعلها تشبه العالم. ولم تُقس لأنها تركت الله والله تركها والعالم استولى عليها. وكأنها داسها الأمم لكونها مختلطة بالعالم ومدنسة به. وهذا القول مبني على قول المسيح لرسله «تَكُونُ أُورُشَلِيمُ مَدُوسَةً مِنَ ٱلأُمَمِ، حَتَّى تُكَمَّلَ أَزْمِنَةُ ٱلأُمَمِ» (لوقا ٢١: ٢٤).

ٱثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَهْراً هذا الوقت المعيّن لفتور إيمانها وهو عبارة عن وقت محدود لأنه ثلاث سنين ونصف سنة وذلك نصف السبعة التي هي عدد كامل. ومدة تسلط العالم على الكنيسة أو سبيه إياها وزمن ألمها ولبسها المسوح (ع ٣). وقد عُبّر عن ذلك الوقت بطرق مختلفة فعبر عنه «بزمان وزمانين ونصف زمان (أي ٣٦٠+٧٢٠+١٨٠=١٢٦٠) (ع ٣ وص ١٢: ٦). وباثنين وأربعين شهراً» (٤٢×٣٠=١٢٦٠) (ع ٢ وص ١٣: ٥). إننا لا نعلم النسبة بين اليوم الحقيقي واليوم النبوي فظن بعضهم إن كل يوم نبوي يساوي سنة حقيقية بناء على قوله تعالى لحزقيال «فَقَدْ جَعَلْتُ لَكَ كُلَّ يَوْمٍ عِوَضاً عَنْ سَنَةٍ» (حزقيال ٤: ٦). ولعل ذلك مختص بتلك النبوءة لا قانون كل رؤيا على أننا لو عرفنا مقدار اليوم النبوي والشهر النبوي والسنة النبوية لا نعلم بدء مدة كل منها فيكون كل ما بُني على ذلك عبثاً.

٣ «وَسَأُعْطِي لِشَاهِدَيَّ فَيَتَنَبَّآنِ أَلْفاً وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْماً، لاَبِسَيْنِ مُسُوحاً».

ص ٢: ١٣ و١: ٥ و١٣: ٦ و١٣: ٥ دانيال ٧: ٢٥ و١٢: ٧ تكوين ٣٧: ٣٤ و٢صموئيل ٣: ٣١ و١ملوك ٢١: ٢٧ و٢ملوك ٩: ١١ ونحميا ٩: ١ وأستير ٤: ١ ومزمور ٦٩: ١١ ويوئيل ١: ١٣ ويونان ٣: ٥ – ٨).

سَأُعْطِي لِشَاهِدَيَّ لا نعلم إلى من أشار بهذين الشاهدين والأرجح أنه لم يُرد بهما شخصين معينين بل أراد بهما المبادئ الإنجيلية والصفات المطلوبة ممن هم في المسيح. وهما شاهدا الوحي وحق الله والمسيح في كل عصر وبلاد. وهما اللذان شهدا في أيام مزج الأمانة بالخيانة وزمان الهيكل المقيس المصوّن والدار المدوسة. ولما كانت هذه الرؤيا تأكيد إن كنيسة المسيح الحقيقية الروحية تُحفظ سالمة في يدي سيدها في أوقات التعاليم الكاذبة وحب العالم المستولي على الكنيسة المنظورة أعلن أنه لا تخلو الكنيسة من شهود للبر وللإيمان الحق وإن كانوا قليلي العدد. وتتضح غاية هذه الرؤيا بمقابلتها برؤيا زكريا التي هي أساس رؤيا يوحنا. إن المسبيين الذين رجعوا من بابل إلى أورشليم كانوا ضعفاء آيسين ولكن الله وهب لهم قوة من مصدر خفي كمجرى الزيت إلى المنارة الذي رآه النبي دون سائر الناس فتشجعوا حتى قدروا أن ينتصروا على كل الموانع ويتمموا بناء الهيكل ويخرجوا الحجر الأخير هاتفين «كرامة كرامة له» (زكريا ٤: ٦ و٧). فقال الله إنه هكذا يكون في الوقت المشار إليه في هذه الرؤيا فإن شاهدَي الله يقفان ثابتين بقدرة غير عادية «لا بالقدرة (المعتادة) ولا بالقوة «البشرية بل بنعمة الله» فيشهدان للمسيح ولإنجيله على كل ظلم وكذب في وسط عالم مضطهد وكنيسة ظاهرة مفسدة بالعالم وبالضلال وقوله «سأعطي لشاهدي» قول الله نفسه» وقال «شاهدي» لأن شريعة موسى تطلب على الأقل شاهدَين لإثبات الدعوى بدليل قول موسى «لاَ يَقُومُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى إِنْسَانٍ فِي ذَنْبٍ مَا أَوْ خَطِيَّةٍ مَا مِنْ جَمِيعِ ٱلْخَطَايَا ٱلَّتِي يُخْطِئُ بِهَا. عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ عَلَى فَمِ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ يَقُومُ ٱلأَمْرُ» (تثنية ١٩: ١٥). وكثيراً ما ذُكر في الكتاب المقدس إن اثنين عملا معاً في خدمة الله. ومن أمثال ذلك موسى وهارون ويشوع وكالب وإيليا وأليشع ويهوشع الكاهن العظيم في أيام زكريا وزربابل ومن إرسال المسيح للتبشير من تلاميذه اثنين اثنين وبولس وبرنابا وبولس وسيلا. وكان من يثبّت حق الله هنا شاهدَين جرياً على سنن الشريعة لكن شعب الله الحقيقيين في كل عصرهم شهوده (أعمال ١: ٨).

فَيَتَنَبَّآنِ أَلْفاً وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْماً يظهر إن هذه المدة كالمدة التي هي اثنان وأربعون شهراً في الآية السابقة. وهذا موافق للثلاث السنين والنصف التي فيها منع إيليا المطر عن أرض إسرائيل عقاباً لهم على عبادتهم للأوثان (لوقا ٤: ٢٥). والوقت الذي شهد فيه المسيح للحق على الكتبة والفريسيين وسوء تعاليمهم. والتنبوء المذكور هنا دعوة الناس إلى التوبة كما دعاهم يونان ويوحنا المعمدان والمسيح والإنباء بالدينونة وإعلان الأمور المستقبلة.

لاَبِسَيْنِ مُسُوحاً هذا علامة الحزن (٢ملوك ٦: ٣٠ ويونان ٣: ٥). وامتاز شاهد الله عن المترفهين المحبين لأنفسهم بآيات إنكار النفس والحزن. وأشار بها إلى احتياج الذين خاطبهم إلى التوبة والاتضاع بالنظر إلى النوازل المتوقع أن تقع عليهم (إشعياء ٢٢: ١٢ وإرميا ٤: ٨ و٦: ٢٦ ويونان ٣: ٥). فإنهم مع كونهم مُذلين ومهانين يحسبون مسوح الحزن مطارف الشرف ممتلئين بروح المسيح. ويكونون كربهم نوراً في العالم حتى لا يكون الله بلا شاهد.

٤ «هٰذَانِ هُمَا ٱلزَّيْتُونَتَانِ وَٱلْمَنَارَتَانِ ٱلْقَائِمَتَانِ أَمَامِ رَبِّ ٱلأَرْضِ».

زكريا ٤: ٣ و١١ و١٤ مزمور ٥: ٨ وإرميا ١١: ١٦

هٰذَانِ هُمَا ٱلزَّيْتُونَتَانِ وَٱلْمَنَارَتَانِ الخ هذا يوضح أن رؤيا زكريا أساس رؤيا يوحنا في الشاهدَين. والمراد «بالزيتونتين» في رؤيا زكريا زربابل وحجي النبي أو زربابل ويهوشع الكاهن العظيم. ولكن في رؤيا زكريا منارة واحدة ذات سبعة فروع وفي رؤيا يوحنا منارتان لموافقة الشاهدَين فكل من الشاهدَين كان كيوحنا المعمدان «السراج الموقد المنير» (يوحنا ٥: ٣٥). ومعنى الرؤيا لا يكمل بشاهد واحد أو شاهدَين بل بالذين يحل عليهم روح الرب في كل عصر وبلاد ويشهدون لله وللحق ويوبخون العالم والكنيسة على الشرور. وكان من هؤلاء يوحنا فم الذهب وأيناسيوس ولوثيروس وأمثالهم فإنه انتشر بهم نور الإنجيل في العالم فبرهنوا إن نعمة الله لم تفارق كنيسته وإنه كأيام الكنيسة قوتها.

٥ «وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يُرِيدُ أَنْ يُؤْذِيَهُمَا، تَخْرُجُ نَارٌ مِنْ فَمِهِمَا وَتَأْكُلُ أَعْدَاءَهُمَا. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يُرِيدُ أَنْ يُؤْذِيَهُمَا فَهٰكَذَا لاَ بُدَّ أَنَّهُ يُقْتَلُ».

ص ٩: ١٧ و٢ملوك ١: ١٠ – ١٢ وإرميا ٥: ١٤ عدد ١٦: ٢٩ و٣٥

َإِنْ كَانَ أَحَدٌ يُرِيدُ أَنْ يُؤْذِيَهُمَا، تَخْرُجُ نَارٌ مِنْ فَمِهِمَا وَتَأْكُلُ أَعْدَاءَهُمَا هذا يشير إلى ما يحدث على توالي الأيام. ومن ذلك ما حدث في أيام إيليا لأعدائه الذين أتوا إليه بدليل قول الكتاب «فَنَزَلَتْ نَارُ ٱللهِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ وَأَكَلَتْهُ هُوَ وَٱلْخَمْسِينَ ٱلَّذِينَ لَهُ» (٢ملوك ١: ١٠ – ١٢). وهو على وفق وعد الله لإرميا «هَئَنَذَا جَاعِلٌ كَلاَمِي فِي فَمِكَ نَاراً، وَهٰذَا ٱلشَّعْبَ حَطَباً، فَتَأْكُلُهُمْ» (إرميا ٥: ١٤). ومنه اللهيب الذي أحرق الجبابرة الذين ألقوا رفقاء دانيال في الأتون الموقد (دانيال ٣: ٢٢) والسيف ذو الحدين الذي خرج من فم ابن الإنسان (ص ١: ١٦).

وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ الخ لم يظهر معنى هذا ولكن نعلم إن الله مستعد أن يكرر لشعبه النجاة التي منحه إياها في الماضي. إن إله موسى وإيليا ودانيال إله منزه عن التغير فإنه قطع مع كنيسته عهداً أبدياً ثابتاً.

٦ «هٰذَانِ لَـهُمَا ٱلسُّلْطَانُ أَنْ يُغْلِقَا ٱلسَّمَاءَ حَتَّى لاَ تُمْطِرَ مَطَراً فِي أَيَّامِ نُبُوَّتِهِمَا، وَلَهُمَا سُلْطَانٌ عَلَى ٱلْمِيَاهِ أَنْ يُحَوِّلاَهَا إِلَى دَمٍ، وَأَنْ يَضْرِبَا ٱلأَرْضَ بِكُلِّ ضَرْبَةٍ كُلَّمَا أَرَادَا».

لوقا ٤: ٢٥ ع ٣ ص ٨: ٨

هٰذَانِ لَـهُمَا ٱلسُّلْطَانُ أَنْ يُغْلِقَا ٱلسَّمَاءَ حَتَّى لاَ تُمْطِرَ كما فعل إيليا (١ملوك ١٧: ١).

عَلَى ٱلْمِيَاهِ أَنْ يُحَوِّلاَهَا إِلَى دَمٍ كما فعل موسى في مصر (خروج ٧: ٢٠).

وَأَنْ يَضْرِبَا ٱلأَرْضَ الخ كما فعل موسى هذا يبين إن الشاهدين يأتيان بروح موسى وإيليا وسلطانهما فأحدهما نائب الناموس والآخر نائب الأنبياء بدليل قوله تعالى «اُذْكُرُوا شَرِيعَةَ مُوسَى عَبْدِي ٱلَّتِي أَمَرْتُهُ بِهَا فِي حُورِيبَ… هَئَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا ٱلنَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ ٱلرَّبِّ ٱلْيَوْمِ ٱلْعَظِيمِ وَٱلْمَخُوفِ» (ملاخي ٤: ٤ و٥). فهذان الشاهدان إن أصغى الناس إليهما كانا بركة لهم وإذا رفضوا كلامهما كانا «رائحة موت للموت» وكما إن نسمة الله تُعطي الأرض والبشر حياة وجمالاً (مزمور ١٠٤: ٣٠ ويوحنا ٢٠: ٢٢) نفخة شفتيه تميت المنافق (إشعياء ١١: ٤).

٧ «وَمَتَى تَمَّمَا شَهَادَتَهُمَا فَٱلْوَحْشُ ٱلصَّاعِدُ مِنَ ٱلْهَاوِيَةِ سَيَصْنَعُ مَعَهُمَا حَرْباً وَيَغْلِبُهُمَا وَيَقْتُلُهُمَا».

ص ١٣: ١ و٧ و٩: ١ دانيال ٧: ٢١

وَمَتَى تَمَّمَا شَهَادَتَهُمَا أي متى انتهى وقت تأديتهما الشهادة. فإنه قبل ذلك لم تكن للوحش سلطة عليهما فأمرهما كأمر المسيح إذ قال «أَلَيْسَتْ سَاعَاتُ ٱلنَّهَارِ ٱثْنَتَيْ عَشَرَةَ؟ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي ٱلنَّهَارِ لاَ يَعْثُرُ لأَنَّهُ يَنْظُرُ نُورَ هٰذَا ٱلْعَالَمِ» (يوحنا ١١: ٩). فمتى انتهت الثلاثة الأيام والنصف المعينة لشهادتهما ماتا وقام غيرهما وأدبا شهادتهما وهكذا على التوالي.

فَٱلْوَحْشُ ٱلصَّاعِدُ مِنَ ٱلْهَاوِيَةِ هذا أول أنباء هذا الوحش والمحل الذي صعد منه يدل على طبيعته فمصدره مصدر الجراد الضار (ص ٩: ١ و٢). والأرجح إنه الوحش المذكور في (ص ١٣: ١) وهو ذو «سبعة رؤوس وعشرة قرون». وهو عدو المسيح وذُكر في (دانيال ٧: ١٩ – ٢٥).

يَغْلِبُهُمَا وَيَقْتُلُهُمَا هذا بعد تأديتهما الشهادة فلا منافاة بينه وبين ما قيل في الآية الخامسة.

٨ «وَتَكُونُ جُثَّتَاهُمَا عَلَى شَارِعِ ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ ٱلَّتِي تُدْعَى رُوحِيّاً سَدُومَ وَمِصْرَ، حَيْثُ صُلِبَ رَبُّنَا أَيْضاً».

ص ١٤: ٨ و١٦: ١٩ و١٧: ١٨ و١٨: ٢ و١٠ و١٦ و١٨ و١٩ و٢١ إشعياء ١: ٩ و١٠ و٣: ٩ وإرميا ٢٣: ١٤ وحزقيال ٢٣: ٣ و٨ و١٩ و٢٧

ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ ٱلَّتِي تُدْعَى رُوحِيّاً (أي مجازاً) سَدُومَ وَمِصْرَ تدل القرينة إن القصد بهذه المدينة أورشليم ولكنها ليست المدينة المقدسة صهيون التي اختارها الرب لتكون راحته بل التي تشبه سدوم في إثمها ومصر في استعبادها لشعب الله. فالأرجح إن أورشليم الحقيقية كانت خراباً يومئذ فما أشار إليها هنا. وأورشليم الرمزية التي كانت أورشليم الحقيقية جزءاً منها يُطلب دم كل الأنبياء الذين قُتلوا إذا اعتُبرت إنها قاتلة الجميع.

حَيْثُ صُلِبَ رَبُّنَا أَيْضاً هذا يصدق على أورشليم الحقيقية وعلى أورشليم الرمزية التي هي أعظم من الحقيقية وهي موضوع هذه الرؤيا فهي عرضة لأحكام الله وينزل عليها عقابه.

٩ «وَيَنْظُرُ أُنَاسٌ مِنَ ٱلشُّعُوبِ وَٱلْقَبَائِلِ وَٱلأَلْسِنَةِ وَٱلأُمَمِ جُثَّتَيْهِمَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَنِصْفاً، وَلاَ يَدَعُونَ جُثَّتَيْهِمَا تُوضَعَانِ فِي قُبُورٍ».

ص ١٠: ١١ وص ٥: ٩ ومزمور ٧٩: ٢ و١ملوك ١٣: ٢٢

وَيَنْظُرُ بلا شفقة عليهما في تلك الحال التي يُرثى لها.

أُنَاسٌ من الأشرار منهم.

ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَنِصْفاً هذه الأيام ليست بأيام حقيقية بل عبارة عن وقت قصير لأنها نصف السبعة التي هي عدد كامل.

وَلاَ يَدَعُونَ جُثَّتَيْهِمَا تُوضَعَانِ فِي قُبُورٍ هذا يدل على فرط إهانتهم لهما وقساوتهم عليهما (تكوين ٢٣: ٤ وإشعياء ١٤: ١٩ و٢٠).

١٠ «وَيَشْمَتُ بِهِمَا ٱلسَّاكِنُونَ عَلَى ٱلأَرْضِ وَيَتَهَلَّلُونَ، وَيُرْسِلُونَ هَدَايَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لأَنَّ هٰذَيْنِ ٱلنَّبِيَّيْنِ كَانَا قَدْ عَذَّبَا ٱلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ».

ص ٣: ١٠ ع ٨: ١٠ و١٢ وأستير ٩: ١٩ و٢٢

وَيَتَهَلَّلُونَ، وَيُرْسِلُونَ هَدَايَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فرحوا بقتلهما لأنهم قد تألموا من توبيخاتهما بكلامهما وسيرتهما وشهادتهما للمسيح وشهادتهما عليهم بخطاياهم. وإرسال الهدايا علامة المسرّة كما يكون في الاحتفالات (نحميا ٨: ١٠ و١٢ وأستير ٩: ١٩ و٢٢). كذا تصالح هيرودس وبيلاطس بمحاكمة المسيح (لوقا ٢٣: ١٢).

لأَنَّ هٰذَيْنِ ٱلنَّبِيَّيْنِ كَانَا قَدْ عَذَّبَا ٱلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ أي تعذّب الناس من توبيخهما لهم على خطاياهم فكان يوقظ ضمائرهم فتحكم بصحة توبيخهما وعذابهم بالضربات المذكورة في (ع ٥ و٦).

١١ «ثُمَّ بَعْدَ ٱلثَّلاَثَةِ ٱلأَيَّامِ وَٱلنِّصْفِ دَخَلَ فِيهِمَا رُوحُ حَيَاةٍ مِنَ ٱللهِ، فَوَقَفَا عَلَى أَرْجُلِهِمَا. وَوَقَعَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى ٱلَّذِينَ كَانُوا يَنْظُرُونَهُمَا».

حزقيال ٢٧: ٥ و٩ و١٠ و١٤

بَعْدَ ٱلثَّلاَثَةِ ٱلأَيَّامِ وَٱلنِّصْفِ إن انتصار الأشرار وفرحهم قصيران.

دَخَلَ فِيهِمَا رُوحُ حَيَاةٍ مِنَ ٱللهِ كما رأى حزقيال النبي في بقعة العظام (حزقيال ٣٧: ٩ و١٠). وكثيراً ما حدث إن المصلحين في الكنيسة طلبوا طهارتها ونشاطها وتعليمها وقُتلوا وصار موتهم موضوع فرح قصير للجهالة والأوهام والقساوة على وفق قول المرنم «عِنْدَ ٱلْمَسَاءِ يَبِيتُ ٱلْبُكَاءُ، وَفِي ٱلصَّبَاحِ تَرَنُّمٌ» (مزمور ٣٠: ٥).

فَوَقَفَا عَلَى أَرْجُلِهِمَا كما في (حزقيال ٣٧: ١٠) فتم بهما قول الرسول «إِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَهُ فَسَنَحْيَا أَيْضاً مَعَهُ. إِنْ كُنَّا نَصْبِرُ فَسَنَمْلِكُ أَيْضاً مَعَهُ» (٢تيموثاوس ٢: ١١ و١٢).

وَوَقَعَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى ٱلَّذِينَ كَانُوا يَنْظُرُونَهُمَا لأنهم عرفوا من ذلك إن الله معهما وإن أقوالهما وإنذاراتهما تصدقان عليهم.

١٢ «وَسَمِعُوا صَوْتاً عَظِيماً مِنَ ٱلسَّمَاءِ قَائِلاً لَـهُمَا: ٱصْعَدَا إِلَى هٰهُنَا. فَصَعِدَا إِلَى ٱلسَّمَاءِ فِي ٱلسَّحَابَةِ، وَنَظَرَهُمَا أَعْدَاؤُهُمَا».

ص ٤: ١ و٢ملوك ٢: ١٩ وأعمال ١: ٩

وَسَمِعُوا صَوْتاً عَظِيماً… ٱصْعَدَا إِلَى هٰهُنَا هذا إما صوت الله وإما صوت غيره بأمره.

فَصَعِدَا إِلَى ٱلسَّمَاءِ على مرأى من قاتليهما بدليل قوله «ونظرهما أعداؤهما».

فِي ٱلسَّحَابَةِ كما صعد المسيح (أعمال ١: ٩). وكان صعودهما انتصارهما وبداءة سرورهما الأبدي.

١٣ «وَفِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ حَدَثَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ، فَسَقَطَ عُشْرُ ٱلْمَدِينَةِ، وَقُتِلَ بِٱلزَّلْزَلَةِ أَسْمَاءٌ مِنَ ٱلنَّاسِ: سَبْعَةُ آلاَفٍ. وَصَارَ ٱلْبَاقُونَ فِي رُعْبَةٍ، وَأَعْطُوا مَجْداً لإِلٰهِ ٱلسَّمَاءِ».

ص ٦: ١٢ و٨: ٥ و١٦: ١٨ و١٩ ص ١٤: ٧ و١٦: ٩ و١٩: ٧ يوحنا ٩: ٢٤ ص ١٦: ١١

فِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ أي ساعة صعودهما وقع حكم الله على الأشرار.

زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ الزلزلة في سفر الرؤيا علامة نقمة الله.

فَسَقَطَ عُشْرُ ٱلْمَدِينَةِ أي مدينة أورشليم الرمزية (ع ٨). وقال «عُشر المدينة» لأن الدينونة ليست عامة ومعلوم إن الزلزلة مجازية والمدينة وعدد القتلى كذلك.

وَصَارَ ٱلْبَاقُونَ فِي رُعْبَةٍ، وَأَعْطُوا مَجْداً لإِلٰهِ ٱلسَّمَاءِ ليس معنى ذلك كما زعم بعضهم إن اليهود رجعوا إلى الله بالتوبة لأنه لا ذكر في الآية لليهود ولا للتوبة ولكن المراد إن المشاهدين تحققوا مما رأوا عظمة قوة الله وارتعدوا من هول أحكامه ولكنهم لم يتوبوا كما في (ص ١٦: ١١). ولعل هذا يشمل أعضاء الكنيسة الأمناء الذين ذُكر أنهم مصونون في قدس الأقداس (ع ١ و٢).

وهذا نهاية ما قيل في الشاهدَين اللذين نبوءتهما انتشرت في كل الأرض وكذا الضربات التي حدثت على أيديهما. فلا يمكن أن يكونا شخصين حقيقيين لسعة تأثيرهما وكون الوقت الذي تنبأ فيه هو ١٢٦٠ يوماً أطول من عمر الإنسان إذا حسبنا كل يوم منه سنة. والمرجح إن أساس كونهما شاهدَين طلب الشريعة الموسوية المتعلقة بعدد الشهود وإرسال المسيح تلاميذه اثنين اثنين ووعده لتلاميذه بقوله «إِنِ ٱتَّفَقَ ٱثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى ٱلأَرْضِ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَـهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (متّى ١٨: ١٩). فإذاً هذان الشاهدان كناية عن المؤمنين في كل عصر وبلاد الذين لا يزالون أمناء لربهم ويشهدون للحق بكلامهم وسيرتهم فهم الكنيسة الحقيقية غير المنظورة ضمن الكنيسة الظاهرة. وهم القطيع الصغير الذين يسمعون صوت الراعي الصالح ويتبعونه إلى حيث يذهب ولا يتبعون العالم ولا الإجراء من الرعاة (يوحنا ١٠: ٥ و١٢). وأصحاب المذهب الحرفي من المفسرين يقولون إن الشاهدَين هما «موسى وإيليا» بأنهما ينزلان من السماء إلى أورشليم الحقيقية التي رجع اليهود إليها وجعلاها قصبة مملكتهم. وضد المسيح الذي بمساعدته رجع اليهود إلى أورشليم يثير الاضطهاد على موسى وإيليا ويقتلهما ثم يقومان وعلى أثر ذلك يعترف اليهود بالمسيح ويؤمنون به ويرجعون إلى الرب. وهو قول بلا دليل.

١٤ «ٱلْوَيْلُ ٱلثَّانِي مَضَى وَهُوَذَا ٱلْوَيْلُ ٱلثَّالِثُ يَأْتِي سَرِيعاً».

ص ٨: ١٣ و٩: ١٢

ٱلْوَيْلُ ٱلثَّانِي مَضَى هذا الويل الثاني من ويلات الأبواق الثلاثة الأخيرة (ص ٨: ١٣). والويل الأول ضربة الجراد (ص ٩: ١ – ١١). والثاني جيوش الفرسان (ص ٩: ١٢ – ٢١) والضربات التي كانت على أيدي النبيين (ص ١١: ٥ و٦ و١٣).

هُوَذَا ٱلْوَيْلُ ٱلثَّالِثُ يَأْتِي سَرِيعاً ما يحدث على أثر الويل الثاني ليس من أسباب الويل فإنه بيان انتصار الكنيسة. ولكن ما يدل على انتصار الكنيسة يدل أيضاً على انكسار أعدائها فعلى قدر ما يكون الأول مجيداً ساراً يكون الآخر هائلاً محزناً.

١٥ «ثُمَّ بَوَّقَ ٱلْمَلاَكُ ٱلسَّابِعُ، فَحَدَثَتْ أَصْوَاتٌ عَظِيمَةٌ فِي ٱلسَّمَاءِ قَائِلَةً: قَدْ صَارَتْ مَمَالِكُ ٱلْعَالَمِ لِرَبِّنَا وَمَسِيحِهِ، فَسَيَمْلِكُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ».

ص ١٠: ٧ ص ٨: ٢ ص ١٦: ١٧ و١٩: ١ ص ١٢: ١٠ أعمال ٤: ٢٦ مزمور ٢: ٢ دانيال ١٢: ٤٤ و٧: ١٤ و٢٧ ولوقا ١: ٣٣

هذه الآية متعلقة بآخر الأصحاح التاسع وما بينهما كلام معترض. وما بقي من هذا الأصحاح من متعلقات البوق السابع.

فَحَدَثَتْ أَصْوَاتٌ عَظِيمَةٌ فِي ٱلسَّمَاءِ كانت هذه الأصوات أدلة على انتهاء سلسلة رؤى حدث مثلها عند فتح الختم السابع وتصويت البوق السابع وسكب الجام السابع (ص ٨: ٥ و١١: ١٩ و١٦: ١٨). ولم يبين أصوات من هذه الأصوات فهي إما أصوات الملائكة أو أصوات الأربعة الحيوانات أو أصوات الجنود السماوية الذين يفرحون بإعلان ما كُتم من قضاء الله وأنه على وشك أن يكمل. وما ذُكر يدل على أن تلك الرؤى ليست تواريخ متوالية بل حادثة متكررة تتضح على التوالي بمقتضى العناية الإلهية.

قَدْ صَارَتْ مَمَالِكُ ٱلْعَالَمِ لِرَبِّنَا وَمَسِيحِهِ أي إن رئاسة العالم كله صارت في يد الرب والمسيح واعتُبر ملكاً واحداً وإن كل أعداء المسيح وُضعوا تحت قدميه. وهذا تصريح بانتصار الحق والعدل وانكسار الشر. وذُكرت هذه العاقبة المفرحة ولكن لم تُذكر الوسائل لذلك. أتوبة العالم وإيمانه أم غير ذلك وهذا التصريح كالترنم (ص ٧: ٩ – ١١). من جمهور المفديين العظيم والملائكة. وهو تمهيد لترنيمة النصر الأخيرة (ص ١٩: ٦) وهذا ما يتوقع من قول الملاك العظيم «فِي أَيَّامِ صَوْتِ ٱلْمَلاَكِ ٱلسَّابِعِ مَتَى أَزْمَعَ أَنْ يُبَوِّقَ يَتِمُّ أَيْضاً سِرُّ ٱللهِ، كَمَا بَشَّرَ عَبِيدَهُ ٱلأَنْبِيَاءَ» (ص ١٠: ٧).

١٦ «وَٱلأَرْبَعَةُ وَٱلْعِشْرُونَ شَيْخاً ٱلْجَالِسُونَ أَمَامَ ٱللهِ عَلَى عُرُوشِهِمْ خَرُّوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَسَجَدُوا لِلّٰهِ».

ص ٤: ٤ و١٠ متّى ١٩: ٢٨

ٱلأَرْبَعَةُ وَٱلْعِشْرُونَ شَيْخاً هم نواب المفديين في كل عصر وقد فرحوا بتحققهم بتأسيس ملكوت المسيح إنهم تألموا مع المسيح على الأرض وملكوا حينئذ معه في السماء بدليل قوله «إنهم جلسوا أمام الله على عروشهم كما جلس المسيح على عرشه فشاركوه في المجد والإكرام والسلطان» (ص ٣: ٢١).

١٧ «قَائِلِينَ: نَشْكُرُكَ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، ٱلْكَائِنُ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَأْتِي، لأَنَّكَ أَخَذْتَ قُدْرَتَكَ ٱلْعَظِيمَةَ وَمَلَكْتَ».

ص ١: ٨ ص ١٩: ٦

في هذه الآية القسم الأول من ترنيمة التسبيح والشكر. وموضوع الشكر هو إن الله أظهر قوته التي كانت له على الدوام. فإنه كان قد سمح لأعدائه أن يقاوموها ولكنه أبى أن يسمح لهم بعده فشكره المفديون على أنه أجاب صلوات قديسيه الذين تحت المذبح (ص ٦: ٩ و١٠) وإن تلك الإجابة كانت بواسطة الأبواق والأحكام المقترنة بها.

١٨ «وَغَضِبَتِ ٱلأُمَمُ فَأَتَى غَضَبُكَ وَزَمَانُ ٱلأَمْوَاتِ لِيُدَانُوا، وَلِتُعْطَى ٱلأُجْرَةُ لِعَبِيدِكَ ٱلأَنْبِيَاءِ وَٱلْقِدِّيسِينَ وَٱلْخَائِفِينَ ٱسْمَكَ، ٱلصِّغَارِ وَٱلْكِبَارِ، وَلِيُهْلَكَ ٱلَّذِينَ كَانُوا يُهْلِكُونَ ٱلأَرْضَ».

مزمور ٢: ١ ص ٢٠: ١٢ دانيال ٧: ١٠ ص ١٠: ٧ و١٦: ٦ ص ١٣: ١٦ و١٩: ٥ ومزمور ١٥: ١٣

هذه الآية الجزء الثاني من موضوع ترنيمة الشكر. ذُكر فيه ثلاثة أمور تُوُقع أن تأتي لأن ساعتها قد أتت. وذلك أنباء بسلسلة رؤيا ستأتي.

غَضِبَتِ ٱلأُمَمُ كما في قول المرنم «لِمَاذَا ٱرْتَجَّتِ ٱلأُمَمُ وَتَفَكَّرَ ٱلشُّعُوبُ فِي ٱلْبَاطِلِ الخ» (مزمور ٢: ١ – ٣ انظر أيضاً مزمور ٩٨: ١ ورؤيا ١٢: ١٧ و٢٧: ٣ و٩). فإنهم أغضبوا الله قبل ذلك لكنهم زادوا إغضاباً بالله على قدر نجاح ملكوت المسيح. وأشار إلى هذا «الإغضاب» في (ص ٢٠: ٧ – ٩).

فَأَتَى غَضَبُكَ إن غضب الله أشد من غضب الأمم. وهذا الجزء الأول من موضوع الترنم.

وَزَمَانُ ٱلأَمْوَاتِ لِيُدَانُوا أي زمان دينونة الأشرار من الموتى. وهذا الجزء الثاني من موضوع الترنم.

وَلِتُعْطَى ٱلأُجْرَةُ لِعَبِيدِكَ ٱلأَنْبِيَاءِ على حسب وعد المسيح في (متّى ١٠: ٤١).

وَٱلْقِدِّيسِينَ وَٱلْخَائِفِينَ ٱسْمَكَ شمل بهذه العبارة كل الكنيسة لأن كل شعب الله أنبياء ينادون بإنجيله في العالم الخاطئ وهم أيضاً قديسون لأنهم موقفون لخدمة الله كالإسرائيليين الحقيقيين وهم أيضاً الخائفون اسمه. وغلب أن يشير الإنجيل بهذا الوصف إلى مؤمني الأمم بالنظر إلى أصلهم ولكن المؤمنين من اليهود والأمم هم واحد بيسوع المسيح.

ٱلصِّغَارِ وَٱلْكِبَارِ هم الذين ذُكروا قبلاً لكن ذكرهم هنا باعتبار آخر وهؤلاء عبيد الله المؤمنون الذين يُعطون الأجرة ولكن الأشرار الذين يموتون في خطاياهم يُدانون.

وَلِيُهْلَكَ ٱلَّذِينَ كَانُوا يُهْلِكُونَ ٱلأَرْضَ أشار بهذا إلى أحكام الله المتوقع أن تقع عليهم كما في الرؤيا الآتية. هذا الجزء الثالث من مواضيع الترنّم.

١٩ «وَٱنْفَتَحَ هَيْكَلُ ٱللهِ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَظَهَرَ تَابُوتُ عَهْدِهِ فِي هَيْكَلِهِ، وَحَدَثَتْ بُرُوقٌ وَأَصْوَاتٌ وَرُعُودٌ وَزَلْزَلَةٌ وَبَرَدٌ عَظِيمٌ».

ص ١٥: ٥ و٤: ١ عبرانيين ٩: ٤ ص ٤: ٥ و١٦: ٢١

وَٱنْفَتَحَ هَيْكَلُ ٱللهِ فِي ٱلسَّمَاءِ أي قدس الأقداس الذي لم يدخل مثاله في الأرض إلا الحبر الأعظم وكان لا يدخله سوى مرة في السنة. فكأنه انشق حجاب الهيكل ثانية وانفتخ ليبين ماذا كان ملجأ مختاري الله الخفي (ع ١ و٢).

وَظَهَرَ تَابُوتُ عَهْدِهِ فِي هَيْكَلِهِ هذا آية محبة الله لشعبه وعلامة حفظه عهده لهم بمقتضى وعده الذي لا يتغير ولا يزول بدليل قوله «فَإِنَّ ٱلْجِبَالَ تَزُولُ وَٱلآكَامَ تَتَزَعْزَعُ، أَمَّا إِحْسَانِي فَلاَ يَزُولُ عَنْكِ وَعَهْدُ سَلاَمِي لاَ يَتَزَعْزَعُ» (إشعياء ٥٤: ١٠). إن تابوت العهد اختفى منذ سبي بابل وكان رمزاً إلى الرب يسوع المسيح الذي هو «كفارة لنا بالإيمان بدمه» (رومية ٣: ٢٥). وانفتاح الهيكل إشارة إلى كون الطريق لقدوم شعب الله إليه تعالى قد مهدت وإنه لم يبق من مانع من الدخول إلى أقداسه. وأعلن الله بذلك ماذا كانت المساعدة الخفية لشعبه في أيام الضيق لأنه كان في تابوت العهد قسط المن الذي كان رمزاً إلى خبز السماء الذي اقتاتوا به ولوحا الشهادة التي كانت قانون حياتهم وطبعها الروح القدس على قلوبهم (٢كورنثوس ٣: ٢ وعبرانيين ١٠: ١٦). وكان غطاء التابوت إشارة إلى عرش النعمة الذي أتى إليه شعب الله المتعب الثقيل الحمل «فوجد نعمة عوناً له في حينه» (عبرانيين ٤: ١٦). ومعنى العبارة كمعنى قوله «هُوَذَا مَسْكَنُ ٱللهِ مَعَ ٱلنَّاسِ الخ» (ص ٢١: ٣).

وَحَدَثَتْ بُرُوقٌ وَأَصْوَاتٌ الخ قيل مثل هذا في نهاية كل سلسلة من سلاسل الرؤى (ص ٨: ٥ و١١: ١٩ و١٦: ١٨). وهي إشارات إلى الأحكام الآتية وبيان إن هيكل الله الذي هو ملجأ لقديسيه هو أيضاً مصدر الهلاك لأعدائه.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى