رؤيا يوحنا | 09 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح سفر رؤيا يوحنا
للدكتور . وليم إدي
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ
١ «ثُمَّ بَوَّقَ ٱلْمَلاَكُ ٱلْخَامِسُ، فَرَأَيْتُ كَوْكَباً قَدْ سَقَطَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ إِلَى ٱلأَرْضِ، وَأُعْطِيَ مِفْتَاحَ بِئْرِ ٱلْهَاوِيَةِ».
ص ٨: ١٠ و١: ١٨ لوقا ٨: ٣١ وع ٢ و١١
فَرَأَيْتُ كَوْكَباً قَدْ سَقَطَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ لم يرَ سقوط الكوكب بل رأى الكوكب بعد ما سقط وهذا ليس بضربة على الكوكب بل وصف حال الكوكب إذ صار ضرراً للناس. والأرجح إن هذا الكوكب كناية عن الشيطان الذي قال المسيح فيه «رَأَيْتُ ٱلشَّيْطَانَ سَاقِطاً مِثْلَ ٱلْبَرْقِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ» (لوقا ١٠: ١٨ ورؤيا ١٢: ٧ – ٩). والشيطان يضاد المسيح أبداً فإن المسيح هو «كوكب الصبح المنير» (ص ٢٢: ١٦) والشيطان هو كوكب قد سقط. والقول بأن الشيطان كوكب قد سقط يشير إلى عظمة سقوطه فإنه سقط من السماء مسكن الطهارة والنور وكان هنالك سعيداً مرافقاً للسعداء وقد سقط إلى الأرض محل الخطيئة والشقاء.
وَأُعْطِيَ مِفْتَاحَ بِئْرِ ٱلْهَاوِيَةِ أشار بقوله «أعطي» إلى اقتدار الشيطان على العمل المنسوب إليه. وهذا من مصطلحات الكتاب. و «الهاوية» هنا هوة عميقة في جوف الأرض لها ثغرة وباب يمكن إغلاقه وفتحه. وهذه الهاوية حسب ذلك المصطلح مسكن الشيطان وملائكته (ع ١١). فعند فتحه خرج منه دخان أتون عظيم ومن الدخان خرج جراد وهذا الجراد مع كونه صغير الجسم كبير الضر حتى اعتُبر نازلة هائلة. كذا اعتُبرت ضربة الجراد في مصر بدليل قوله «فَصَعِدَ ٱلْجَرَادُ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ، وَحَلَّ فِي جَمِيعِ تُخُومِ مِصْرَ. شَيْءٌ ثَقِيلٌ جِدّاً لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ جَرَادٌ هٰكَذَا مِثْلَهُ وَلاَ يَكُونُ بَعْدَهُ كَذٰلِكَ، وَغَطَّى وَجْهَ كُلِّ ٱلأَرْضِ حَتَّى أَظْلَمَتِ ٱلأَرْضُ. وَأَكَلَ جَمِيعَ عُشْبِ ٱلأَرْضِ وَجَمِيعَ ثَمَرِ ٱلشَّجَرِ ٱلَّذِي تَرَكَهُ ٱلْبَرَدُ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ أَخْضَرُ فِي ٱلشَّجَرِ وَلاَ فِي عُشْبِ ٱلْحَقْلِ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ» (خروج ١٠: ١٤ و١٥). وقول يوئيل فيه «شَعْبٌ كَثِيرٌ وَقَوِيٌّ لَمْ يَكُنْ نَظِيرُهُ مُنْذُ ٱلأَزَلِ، وَلاَ يَكُونُ أَيْضاً بَعْدَهُ إِلَى سِنِي دَوْرٍ فَدَوْرٍ. قُدَّامَهُ نَارٌ تَأْكُلُ وَخَلْفَهُ لَهِيبٌ يُحْرِقُ. ٱلأَرْضُ قُدَّامَهُ كَجَنَّةِ عَدَنٍ وَخَلْفَهُ قَفْرٌ خَرِبٌ، وَلاَ تَكُونُ مِنْهُ نَجَاةٌ. كَمَنْظَرِ ٱلْخَيْلِ مَنْظَرُهُ، وَمِثْلَ ٱلأَفْرَاسِ يَرْكُضُونَ. كَصَرِيفِ ٱلْمَرْكَبَاتِ عَلَى رُؤُوسِ ٱلْجِبَالِ يَثِبُونَ. كَزَفِيرِ لَهِيبِ نَارٍ تَأْكُلُ قَشّاً. كَقَوْمٍ أَقْوِيَاءَ مُصْطَفِّينَ لِلْقِتَالِ… يَجْرُونَ كَأَبْطَالٍ. يَصْعَدُونَ ٱلسُّورَ كَرِجَالِ ٱلْحَرْبِ… قُدَّامَهُ تَرْتَعِدُ ٱلأَرْضُ وَتَرْجُفُ ٱلسَّمَاءُ. اَلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ يُظْلِمَانِ وَٱلنُّجُومُ تَحْجِزُ لَمَعَانَهَا» (يوئيل ٢: ٢ – ١٠).
٢ «فَفَتَحَ بِئْرَ ٱلْهَاوِيَةِ، فَصَعِدَ دُخَانٌ مِنَ ٱلْبِئْرِ كَدُخَانِ أَتُونٍ عَظِيمٍ، فَأَظْلَمَتِ ٱلشَّمْسُ وَٱلْجَوُّ مِنْ دُخَانِ ٱلْبِئْرِ».
تكوين ١٩: ٢٨ وخروج ١٩: ١٨ يوئيل ٢: ٢ و١٠
فَأَظْلَمَتِ ٱلشَّمْسُ وَٱلْجَوُّ مِنْ دُخَانِ ٱلْبِئْرِ إن ملكوت الشيطان ملكوت الظلمة وملكوت المسيح نور (ص ٢١: ٢٣ وأفسس ٦: ١٢).
٣ «وَمِنَ ٱلدُّخَانِ خَرَجَ جَرَادٌ عَلَى ٱلأَرْضِ، فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً كَمَا لِعَقَارِبِ ٱلأَرْضِ سُلْطَانٌ».
ع ٧ خروج ١٠: ١٢ – ١٥ ع ٥ و١٠ و٢أيام ١٠: ١١ و١٤ وحزقيال ٢: ٦
كنى «بالجراد» عن وفرة الجنود وبكونها في صفات «العقارب» إلى شدة إيذائها وإيلامها. ومن المعلوم إن الجراد هنا ليس بحقيقي لأن ليس للجراد الحقيقي صفات العقارب.
٤ «وَقِيلَ لَهُ أَنْ لاَ يَضُرَّ عُشْبَ ٱلأَرْضِ وَلاَ شَيْئاً أَخْضَرَ وَلاَ شَجَرَةً مَا، إِلاَّ ٱلنَّاسَ فَقَطِ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ خَتْمُ ٱللهِ عَلَى جِبَاهِهِمْ».
ص ٦: ٦ و٧: ٢ و٣ ص ٨: ٧
من الطبع إن الجراد يأكل الذي نُهي هنا عن أكله وليس من عادته أن يؤذي الناس. لكن هذا الجراد مُنع على خلاف العادة من طعام الجراد الطبيعي وكان طعامه غير طبيعي. وهذا يبين إن ما يشير إليه هذا البوق يحدث بعد الختم المذكور في (ص ٧) ويدل على ما يقع على سكان الأرض بعد ختم عبيد الله وفصلهم عن سائر الناس فلا يقع على أولئك العبيد بدليل قول المسيح «هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَاناً لِتَدُوسُوا ٱلْحَيَّاتِ وَٱلْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ ٱلْعَدُوِّ، وَلاَ يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ» (لوقا ١٠: ١٩) فإذن هذه الضربة روحية لا جسدية أو إنها تحدث والعالم ليس في الحال التي هو فيها الآن لأنه ينبت الآن القمح والزوان معاً.
٥ «وَأُعْطِيَ أَنْ لاَ يَقْتُلَهُمْ بَلْ أَنْ يَتَعَذَّبُوا خَمْسَةَ أَشْهُرٍ. وَعَذَابُهُ كَعَذَابِ عَقْرَبٍ إِذَا لَدَغَ إِنْسَاناً».
ع ١٠
لم نعلم علّة أن يكون للجراد أن يعذب خمسة أشهر إلا بيان إن أضراره محدودة. وهذه المدة مدة بقاء مياه الطوفان (تكوين ٨: ٢٤ و٨: ٣). ونُسب إلى الجراد قوة العقارب وأضرارها إلى شدة الضربة وهولها.
٦ «وَفِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ سَيَطْلُبُ ٱلنَّاسُ ٱلْمَوْتَ وَلاَ يَجِدُونَهُ، وَيَرْغَبُونَ أَنْ يَمُوتُوا فَيَهْرُبُ ٱلْمَوْتُ مِنْهُمْ».
أيوب ٣: ٢١ و٧: ١٥ وإرميا ٨: ٣ وص ٦: ١٦
يرغب الناس في الموت لينجوا من الألم الشديد الناشئ عن لسع العقارب على قول أيوب «لِـمَ يُعْطَى لِشَقِيٍّ نُورٌ، وَحَيَاةٌ لِمُرِّي ٱلنَّفْسِ؟ ٱلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ ٱلْمَوْتَ وَلَيْسَ هُوَ وَيَحْفُرُونَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنَ ٱلْكُنُوزِ» (أيوب ٣: ٢٠ و٢١ انظر أيضاً إرميا ٨: ٣). فانتقل يوحنا بهذا من المجاز إلى الحقيقة النبوية.
٧ – ١٠ «٧ وَشَكْلُ ٱلْجَرَادِ شِبْهُ خَيْلٍ مُهَيَّأَةٍ لِلْحَرْبِ، وَعَلَى رُؤُوسِهَا كَأَكَالِيلَ شِبْهِ ٱلذَّهَبِ، وَوُجُوهُهَا كَوُجُوهِ ٱلنَّاسِ. ٨ وَكَانَ لَهَا شَعْرٌ كَشَعْرِ ٱلنِّسَاءِ، وَكَانَتْ أَسْنَانُهَا كَأَسْنَانِ ٱلأُسُودِ، ٩ وَكَانَ لَهَا دُرُوعٌ كَدُرُوعٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَصَوْتُ أَجْنِحَتِهَا كَصَوْتِ مَرْكَبَاتِ خَيْلٍ كَثِيرَةٍ تَجْرِي إِلَى قِتَالٍ. ١٠ وَلَهَا أَذْنَابٌ شِبْهُ ٱلْعَقَارِبِ، وَكَانَتْ فِي أَذْنَابِهَا حُمَاتٌ، وَسُلْطَانُهَا أَنْ تُؤْذِيَ ٱلنَّاسَ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ».
يوئيل ٢: ٤ و١: ٦ و٢: ٥ إرميا ٤٧: ٣ وع ١٩ و٥
رجع الرسول إلى وصف الجراد بعد أن تكلم في أضراره فذكر إن شكله كشكل الخيل ليزيده رهبة (يوئيل ٢: ٤) ثم ذكر له سبع صفات يمتاز بها:
- الأولى: إن له «كأكاليل شبه الذهب».
- الثانية: إن له «وجوهاً كوجوه البشر» وأشار بذلك إلى جراءته وقوته وقساوته.
- الثالثة: إن «شعره كشعر النساء» أي طويل مسدول (انظر ١كورنثوس ١١: ١٤).
- الرابعة: إن «أسنانه كأسنان الأسود» كما قيل في الجراد في (يوئيل ١: ٦).
- الخامسة: إنه «كان له دروع كدروع من حديد».
- السادسة: إن «صوت أجنحته كصوت مركبات خيل كثيرة».
- السابعة: إن «له أذناباً شبه العقارب وفي الأذناب حمات» أي شوكات.
ولم يستطع المفسرون أن يتفقوا على المراد بهذا «الجراد». والمرجّح إنه أراد بصفات هذا الجراد أنواع الشرور المختلفة. والذي نعلمه أنه أراد بتلك الضربة جيشاً وافر العدد كالجراد وجنوده مؤذية كالعقارب ومحبون للاستيلاء كالملوك وعاقلون كالناس ومحتالون كالنساء وشجعان كالأسود وإنهم لا يُقهرون.
١١ «وَلَـهَا مَلاَكُ ٱلْهَاوِيَةِ مَلِكاً عَلَيْهَا ٱسْمُهُ بِٱلْعِبْرَانِيَّةِ «أَبَدُّونَ» وَلَهُ بِٱلْيُونَانِيَّةِ ٱسْمُ «أَبُولِّيُّونَ».
ص ١٦: ١٦ يوحنا ٥: ٢ أيوب ٢٦: ٦ و٢٨: ٢٢ و٣١: ١٢ ومزمور ٨٨: ١١ وأمثال ١٥: ١١
وَلَـهَا مَلاَكُ ٱلْهَاوِيَةِ مَلِكاً هذا أوضح تمييز بين الجراد الحقيقي والجراد المجازي لأن الجراد الحقيقي لا ملك له بدليل قول الحكيم «ٱلْجَرَادُ لَيْسَ لَهُ مَلِكٌ وَلٰكِنَّهُ يَخْرُجُ كُلُّهُ فِرَقاً فِرَقاً» (أمثال ٣٠: ٢٧).
ٱسْمُهُ بِٱلْعِبْرَانِيَّةِ أَبَدُّونَ اسمه دليل على صفاته وأعماله. ومعنى «أبدون» هلاك. والأرجح أنه أحد رؤساء الملائكة الأشرار غير رئيسهم إبليس (ص ١٢: ٣ و٩). وهذه الرؤيا تشير إلى بعض وجوه المقاومة بين روح الخلاص وروح الهلاك. بين المسيح رئيس ملوك كل الأرض والشيطان رئيس هذا العالم ولا تشير إلى ملك واحد أرضي أو قوة واحدة بل إلى قوة الخطيئة المشخصة وظهور القوات الجهنمية التي كانت مستترة. وزمانها زمان جهاد بين الحق والضلال وبين ما يسلم به العقل وما يرفضه. ونتيجتها استعباد عقول الناس وتعذيبهم ووقع حروب ومظالم أعظم أضرارها ليس قتل الجسد بل تعذيب الضمير وتوبيخ النفس.
وهذه النازلة مهما كان تفسيرها تقع على كل عالم الأشرار لا على جزء منه ولا تنزل بالكنيسة. والبرهان على أن معظمها روحي إن الناس يرغبون في الموت ولا يموتون. فغايتها أن تعلم الناس ثقل عبودية الشيطان التي هي أثقل من الموت.
١٢ «ٱلْوَيْلُ ٱلْوَاحِدُ مَضَى هُوَذَا يَأْتِي وَيْلاَنِ أَيْضاً بَعْدَ هٰذَا».
ص ٨: ١٣ و١١: ١٤
هذه الآية إنذار بهول ما سيحدث في سائر الأبواق فإنه في الأبواق الأربعة الأولى انتقل من بوق إلى بوق بلا تنبيه لكنه في هذه نبّه وحذّر.
١٣ «ثُمَّ بَوَّقَ ٱلْمَلاَكُ ٱلسَّادِسُ، فَسَمِعْتُ صَوْتاً وَاحِداً مِنْ أَرْبَعَةِ قُرُونِ مَذْبَحِ ٱلذَّهَبِ ٱلَّذِي أَمَامَ ٱللهِ».
خروج ٢٣: ٢ و١٠ خروج ٨: ٣
ثُمَّ بَوَّقَ ٱلْمَلاَكُ ٱلسَّادِسُ هذا السادس من الأبواق السبعة والثاني من أبواق الويل الثلاثة. وضربة هذه البوق تشبه ضربة البوق الخامس لكنها أشد منها ذُكر فيها جنود وافرة لها بعض صفات الخيل وبعض صفات الأسد وبعض صفات الأفعى. وقواتها في الرؤيا تزيد على قواتها الطبيعية لأنه يخرج من أفواه الخيل لهيب نار ولها أذناب شبه الحيّات وهي تقتل كثيرين من الناس. ولكي تستعين على قتل الناس فك الأربعة الملائكة المقيدون عند نهر الفرات. وكان هجوم جيشها العظيم على عالم الخطأة الغافل عن الله المبغض له وللقداسة المنهمك في الآراء الباطلة والطريق الكفرية الخصال القبيحة. والغاية من هذه الضربة بيان قوة الشر من العقائد الكاذبة والعادات الشريرة. ونهي الناس عن العبادة الباطلة وعن حب العالم والشهوات كما يتضح من (ع ١٠ و٢١).
فَسَمِعْتُ صَوْتاً وَاحِداً مِنْ أَرْبَعَةِ قُرُونِ مَذْبَحِ ٱلذَّهَبِ ٱلَّذِي أَمَامَ ٱللهِ هذا هو المذبح الذهبي الذي صعد منه البخور مع صلوات القديسين التي كانت الأبواق جواباً لها (ص ٨: ٣). أجاب الله هذه الصلوات بالطريق وفي الوقت اللذين اختارهما. وأراد «بالقرون الأربعة» المذبح كله ودليل ذلك إن دم الكفارة رُشّ على القرون وإن القاتل الذي يهرب من وليّ الدم يتمسك بتلك القرون فيكون الصوت من القرون الصوت من المذبح عينه وهو محل صلاة القديسين الطالبين الانتقام من قاتليهم. وفك الملائكة الأربعة جواب لطلبهم.
١٤ «قَائِلاً لِلْمَلاَكِ ٱلسَّادِسِ ٱلَّذِي مَعَهُ ٱلْبُوقُ: فُكَّ ٱلأَرْبَعَةَ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلْمُقَيَّدِينَ عِنْدَ ٱلنَّهْرِ ٱلْعَظِيمِ ٱلْفُرَاتِ».
ص ٧: ١ تكوين ١٥: ١٨ وتثنية ١: ٧ ويشوع ١: ٤ وص ١٦: ١٢
فُكَّ ٱلأَرْبَعَةَ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلْمُقَيَّدِينَ عِنْدَ ٱلنَّهْرِ ٱلْعَظِيمِ ٱلْفُرَاتِ إن نهر الفرات في التخم الشمالي من أرض إسرائيل بدليل قوله تعالى لإبراهيم «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هٰذِهِ ٱلأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى ٱلنَّهْرِ ٱلْكَبِيرِ نَهْرِ ٱلْفُرَاتِ» (تكوين ١٥: ١٨). وملك إسرائيل تلك الأرض في أيام سليمان بدليل قول الكتاب «كَانَ سُلَيْمَانُ مُتَسَلِّطاً عَلَى جَمِيعِ ٱلْمَمَالِكِ مِنَ ٱلنَّهْرِ إِلَى أَرْضِ فِلِسْطِينَ وَإِلَى تُخُومِ مِصْرَ» (١ملوك ٤: ٢١). وكان النهر فاصلاً بين إسرائيل والأشوريين أعداء إسرائيل الأقوياء الطامعين. وكان رمزاً إلى قوة أشور وسائر القوى التي تقاوم الله وشعبه كما يتضح من قول إشعياء «لأَنَّ هٰذَا ٱلشَّعْبَ رَذَلَ مِيَاهَ شِيلُوهَ ٱلْجَارِيَةَ بِسُكُوتٍ، وَسُرَّ بِرَصِينَ وَٱبْنِ رَمَلْيَا. لِذٰلِكَ هُوَذَا ٱلسَّيِّدُ يُصْعِدُ عَلَيْهِمْ مِيَاهَ ٱلنَّهْرِ ٱلْقَوِيَّةَ وَٱلْكَثِيرَةَ، مَلِكَ أَشُّورَ وَكُلَّ مَجْدِهِ، فَيَصْعَدُ فَوْقَ جَمِيعِ مَجَارِيهِ وَيَجْرِي فَوْقَ جَمِيعِ شُطُوطِهِ وَيَنْدَفِقُ إِلَى يَهُوذَا. يَفِيضُ وَيَعْبُرُ. يَبْلُغُ ٱلْعُنُقَ. وَيَكُونُ بَسْطُ جَنَاحَيْهِ مِلْءَ عَرْضِ بِلاَدِكَ يَا عِمَّانُوئِيلُ» (إشعياء ٨: ٦ – ٨). إن المملكة الأشورية والمملكة الإسرائيلية كانتا متضادتين فرُمز بالمملكة الأشورية إلى قوة الأرض وبالمملكة الإسرائيلية إلى القوة الروحية أي قوة الكنيسة. وأُشير «بالفرات» إلى الحاجز بين القوتين. ففك الملائكة المقيدين عند الفرات يشير إلى حل القوات العالمية المضادة للكنيسة. ونشف ذلك النهر يشير إلى إزالة الحاجز بين العالم والكنيسة. وفك الملائكة الأربعة المقيدين عند الفرات ليس سوى رمز إلى دينونة العالم لأن الأربعة هو عدد العالم. فيذهبون إلى كل جهات العالم ليضرّوها وقيودهم ليست سوى أوامر الله.
١٥ «فَٱنْفَكَّ ٱلأَرْبَعَةُ ٱلْمَلاَئِكَةُ ٱلْمُعَدُّونَ لِلسَّاعَةِ وَٱلْيَوْمِ وَٱلشَّهْرِ وَٱلسَّنَةِ، لِكَيْ يَقْتُلُوا ثُلُثَ ٱلنَّاسِ».
ص ٢٠: ٧ ع ١٨ ص ٨: ٧
ٱلْمُعَدُّونَ لِلسَّاعَةِ وَٱلْيَوْمِ وَٱلشَّهْرِ وَٱلسَّنَةِ، لِكَيْ يَقْتُلُوا ثُلُثَ ٱلنَّاسِ الذي أعدهم هو الله ليجري مقاصده الانتقامية. وذلك تعزية للكنيسة المضطهدة لعلمها إن الله عيّن الوقت الذي فيه يُعز المضطهَدون ويُذل المضطهِدون. وهذا يدل على أن تلك الأحكام تقع على الناس في الوقت الذي عيّنه عينهِ لا تسبقه ولا تتأخر عنه. وإن الضربة المذكورة تميت بعض الناس لا كلهم. إن أولئك الملائكة الأربعة قواد الجيوش العظيمة التي تجتمع بأمر الله وراء الفرات الذي هو رمز إلى مركز جيوش الله المعدة للنقمة. وكونهم من الأمم الذين لا يعرفون الله لا يضاد القول إنهم جيوش الله لأنهم أجروا مقاصده وإن كان ذلك دون علمهم ودون إرادتهم كما كان أشور قضيب أدب بيد الرب وبه أدّب شعبه (إشعياء ١٠: ٥). وقال في العهد القديم إن الله أدّب شعبه بواسطة الأشوريين أما هنا فإنه يخلصه من مضطهديه بواسطة جيوشه.
١٦ «وَعَدَدُ جُيُوشِ ٱلْفُرْسَانِ مِئَتَا مِلْيُونٍ. وَأَنَا سَمِعْتُ عَدَدَهُمْ».
ص ٥: ١١ و٧: ٤
اعتبر الإسرائيليون قديماً الخيل من مواضيع المخافة بدليل قول حبقوق النبي «فَهٰئَنَذَا مُقِيمٌ ٱلْكِلْدَانِيِّينَ ٱلأُمَّةَ ٱلْمُرَّةَ ٱلْقَاحِمَةَ ٱلسَّالِكَةَ فِي رِحَابِ ٱلأَرْضِ لِتَمْلِكَ مَسَاكِنَ لَيْسَتْ لَهَا. هِيَ هَائِلَةٌ وَمَخُوفَةٌ. مِنْ قِبَلِ نَفْسِهَا يَخْرُجُ حُكْمُهَا وَجَلاَلُهَا. وَخَيْلُهَا أَسْرَعُ مِنَ ٱلنُّمُورِ وَأَحَدُّ مِنْ ذِئَابِ ٱلْمَسَاءِ، وَفُرْسَانُهَا يَنْتَشِرُونَ وَيَأْتُونَ مِنْ بَعِيدٍ، وَيَطِيرُونَ كَٱلنَّسْرِ ٱلْمُسْرِعِ إِلَى ٱلأَكْلِ» (حبقوق ١: ٦ – ٨). ونُسب إلى خيل هذه الرؤيا قوات غير طبيعية كما نُسب إلى جراد الرؤيا السابقة. فالخيل العادية لا تكون مخيفة حتى تنوب عن القضاء الهائل الآتي.
عَدَدُ جُيُوشِ ٱلْفُرْسَانِ مِئَتَا مِلْيُونٍ أي مئتا مليون حسب اصطلاح الإفرنج.
وَأَنَا سَمِعْتُ عَدَدَهُمْ ذكر أنه سمع عددهم لأنه لم يستطع أن يحصيهم. وهو لم يقصد عدداً حقيقياً وجنوداً حقيقيين. وبنى كلامه على قول المرنم «مَرْكَبَاتُ ٱللهِ رَبَوَاتٌ، أُلُوفٌ مُكَرَّرَةٌ» (مزمور ٦٨: ١٧). ومركبات المرنم سماوية وفرسان الرؤيا أرضيون وكلاهما تحت أمر الله.
١٧ «وَهٰكَذَا رَأَيْتُ ٱلْخَيْلَ فِي ٱلرُّؤْيَا وَٱلْجَالِسِينَ عَلَيْهَا، لَهُمْ دُرُوعٌ نَارِيَّةٌ وَأَسْمَانْجُونِيَّةٌ وَكِبْرِيتِيَّةٌ، وَرُؤُوسُ ٱلْخَيْلِ كَرُؤُوسِ ٱلأُسُودِ، وَمِنْ أَفْوَاهِهَا يَخْرُجُ نَارٌ وَدُخَانٌ وَكِبْرِيتٌ».
دانيال ٨: ٢ و٩: ٢١ ع ١٨ وص ١٤: ١٠ و١٩: ٢٠ و٢٠: ١٠ و٢١: ٨ ص ١١: ١٥
هذه الآية وصف الفرسان بأنهم كانوا لابسين «دروعاً نارية» (أي لونها لون النار) و «اسمانجونية» (أي زرقاء ضاربة إلى السواد) و «كبريتية». فالنار علامة غضب الله (مزمور ١٨: ٨) وكونها كبريتية تدل على أنها جهنمية (ص ١٤: ١٠ و١٩: ٢٠ و٢١: ٨) فهي ضارة.
١٨، ١٩ «١٨ مِنْ هٰذِهِ ٱلثَّلاَثَةِ قُتِلَ ثُلُثُ ٱلنَّاسِ مِنَ ٱلنَّارِ وَٱلدُّخَانِ وَٱلْكِبْرِيتِ ٱلْخَارِجَةِ مِنْ أَفْوَاهِهَا، ١٩ فَإِنَّ سُلْطَانَهَا هُوَ فِي أَفْوَاهِهَا وَفِي أَذْنَابِهَا، لأَنَّ أَذْنَابَهَا شِبْهُ ٱلْحَيَّاتِ وَلَهَا رُؤُوسٌ وَبِهَا تَضُرُّ.
ع ١٧
مِنْ هٰذِهِ ٱلثَّلاَثَةِ أي «النار والدخان والكبريت» المذكورة في الآية السابقة.
فَإِنَّ سُلْطَانَهَا هُوَ فِي أَفْوَاهِهَا وَفِي أَذْنَابِهَا وفي بعض النسخ القديمة «سلطان الخيل في أذنابها» أي سلطانها على أن تميت الناس. كانت قوة الجراد على الإضرار في أذنابها (ع ١٠). وقوة الفرسان على ذلك في أفواهها وأذنابها فقوتهم على الإضرار أعظم من قوة الجراد والجراد أجرامها صغيرة لا كالخيل والفرسان. وكان أولئك الفرسان شجعاناً كالأسود وساميّن كالحيّات وأنفاسهم تُعمي أبصار أعدائهم وتحرق أجسادهم. فهم رمز إلى قوات مقتدرة ضارة جداً بلا شفقة فأتوا ليعاقبوا الناس على حبهم للعالم وعبادتهم الباطلة. وكثيراً ما حدث في العالم إن خطايا الناس وعدم لجمهم أنفسهم عن الشهوات المحظورة علّة إصابتهم بكل أنواع الجور والجنون فكأن كل خطيئة يرتكبها الإنسان تصير عدواً يتبعه ويضر به وإنه بفعل الخطية كأن يزرع بزوراً يكون حصادها وفرة الإثم والشقاء.
٢٠، ٢١ «٢٠ وَأَمَّا بَقِيَّةُ ٱلنَّاسِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقْتَلُوا بِهٰذِهِ ٱلضَّرَبَاتِ فَلَمْ يَتُوبُوا عَنْ أَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ، حَتَّى لاَ يَسْجُدُوا لِلشَّيَاطِينِ وَأَصْنَامِ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلنُّحَاسِ وَٱلْحَجَرِ وَٱلْخَشَبِ ٱلَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُبْصِرَ وَلاَ تَسْمَعَ وَلاَ تَمْشِيَ، ٢١ وَلاَ تَابُوا عَنْ قَتْلِهِمْ وَلاَ عَنْ سِحْرِهِمْ وَلاَ عَنْ زِنَاهُمْ وَلاَ عَنْ سِرْقَتِهِمْ».
ص ٢: ٢١ تثنية ٤: ٢٨ وإرميا ١: ١٦ وميخا ٥: ١٣ وأعمال ٧: ٣١ و١كورنثوس ١٠: ٢٠ مزمور ١١٥: ٤ – ٧ و١٣٥: ١٥ – ١٧ ودانيال ٥: ٢٣ إشعياء ٤٧: ٩ و١٢ وص ١٨: ٢٣ و١٧: ٢ و٥
تؤكد هاتان الآيتان إن هذه الضربات مهما كان معناها فغايتها حث الناس على التوبة وإيقاظهم من سبات الخطيئة العميق الطويل. وتدل أيضاً على أن الذين نجوا من الموت بها لا يخافون ولا توبخهم ضمائرهم ولا يتوبون عن آثامهم. وفي هذا إظهار أنواع الخطايا التي هيّجت غضب الله على الناس فأرسل تلك الضربات عليهم. وهي الخطايا التي حذّر الله شعبه منها قديماً وسقطوا فيها وهي عبادة الأوثان (مزمور ١٠٦: ٣٤ – ٤٠ و١٣٥: ١٥ وأعمال ٧: ٤١).
أَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ تدلّ القرينة على أن المراد «بأعمال أيديهم» صنع الأوثان خصوصاً وهذا مثل قول موسى «آلِهَةً صَنْعَةَ أَيْدِي ٱلنَّاسِ مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ مِمَّا لاَ يُبْصِرُ وَلاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَأْكُلُ وَلاَ يَشُمُّ» (تثنية ٤: ٢٨ انظر أيضاً مزمور ١١٥: ٤ – ٧ ودانيال ٥: ٢٣).
لِلشَّيَاطِينِ هذا لا يستلزم أنهم عبدوا الشياطين عمداً فالمعنى إن الذين يعبدون الأوثان ظاهراً يعبدون الشياطين حقيقة بدليل قول بولس «بَلْ إِنَّ مَا يَذْبَحُهُ ٱلأُمَمُ فَإِنَّمَا يَذْبَحُونَهُ لِلشَّيَاطِينِ، لاَ لِلّٰهِ» (١كورنثوس ١٠: ٢٠).
وَلاَ عَنْ قَتْلِهِمْ (غلاطية ٥: ٢٠) هذه الخطيئة ليست مختصة بالوثنيين حتى نستنتج أن تلك الضربات لا تقع إلا على البلاد الوثنية. فعبادة الأوثان تشتمل أيضاً على محبة العالم ومحبة المال لأنه قيل في الإنجيل مرتين إن «الطمع عبادة أوثان» (أفسس ٥: ٥ وكولوسي ٣: ٥). وهذه الخطيئة لا تختص بزمان ولا بمكان فهي كانت وتكون في كل أرض وعصر ليس فيهما خوف الله ولا إصغاء إلى صوت الضمير ولا شفقة على الناس. فقد حدث في البلاد المسيحية اختلاس فظيع وخدع لا يأتيها إلا جبابرة الإثم.
عَنْ سِحْرِهِمْ المراد «بالسحر» هنا ما يأتيه الناس من الأفعال السرّية بغية أن يضروا حياة الناس. ذُكر في (ع ٢٠) الخطايا المتعلقة بحقوق الله مما كُتب في اللوح الأول من لوحي الشريعة. وفي (ع ٢١) الخطايا المتعلقة بحقوق الناس مما كُتب في اللوح الثاني. وأعظم علامات توغلاتهم في الخطيئة رفضهم نصح الضمير وخوف الله وفقدهم القدرة على التوبة لأنهم فقدوا الميل إلى كره الخطيئة (مزمور ٣٦: ٤).
السابق |
التالي |