رؤيا يوحنا | 05 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح سفر رؤيا يوحنا
للدكتور . وليم إدي
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ
ذُكر في هذا الأصحاح سفر مختوم بسبعة ختوم كُتب فيه ما لا بد أن يصير بعد هذا وهو الذي دُعي يوحنا لأن يراه وعدم وجود أحد «من المخلوقات» يستحق أن يفتح الختوم وحزن الرسول على ذلك وخطاب الشيخ وتعزيته إياه بأن الخروف يفتحها (ع ١ – ٧). وترنم الجنود السماوية بترنيمة المجد عندما أخذ الخروف السفر ومشاركة نوّاب الكنيسة لنوّاب الخليقة في ذلك (ع ٨ – ١٠). وتصديق الملائكة لتلك الترنيمة (ع ١١ و١٢). واشتراك كل خليقة في السماء وعلى الأرض وما تحت الأرض في تصديق تلك الترنيمة (ع ١٣). وآمين الأربعة الحيوانات والشيوخ (ع ١٣).
١ «وَرَأَيْتُ عَلَى يَمِينِ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ سِفْراً مَكْتُوباً مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ وَرَاءٍ، مَخْتُوماً بِسَبْعَةِ خُتُومٍ».
ع ٧ و١٣ ص ٤: ٩ حزقيال ٢: ٩ و١٠ إشعياء ٢٩: ١١ ودانيال ٢: ٤
وَرَأَيْتُ غير ما رأى في الأصحاح السابق من حضرة الله في السماء والساجدين له.
عَلَى يَمِينِ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ سِفْراً كانت يمينه مفتوحة وعليها درج كما في (حزقيال ٢: ٩ انظر أيضاً إرميا ٣٦: ٢ و٢٣ وزكريا ٥: ٢). وكون ذلك الدرج موضوعاً في يمين الله دليل على أنه يريد أن يُؤخذ ويُقرأ ولا مانع من ذلك إلا ما ذُكر في الآية التالية.
مَكْتُوباً مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ وَرَاءٍ أي على ظاهره وباطنه وهذا على خلاف المعتاد وهو أن يُكتب في الباطن. والغاية من ذلك إظهار القضاء الإلهي المسطور في ذلك السفر وكماله حتى لا يكون فيه محل للزيادة. وكان يشبه ذلك الدرج الذي رآه حزقيال «وَهُوَ مَكْتُوبٌ مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ قَفَاهُ، وَكُتِبَ فِيهِ مَرَاثٍ وَنَحِيبٌ وَوَيْلٌ» (حزقيال ٢: ١٠). دلالة على أنه مشتمل على كل الأحزان.
مَخْتُوماً بِسَبْعَةِ خُتُومٍ ظاهرة لعيني الرسول. «والسبعة» عدد كامل يشير إلى الكمال. اختلف المفسرون في حقيقة هذا السفر فظنه بعضهم العهد القديم وآخرون أنه كل كتاب الوحي وذهب آخرون إلى أنه كتاب دينونة أعداء الكنيسة وآخرون أنه سفر الرؤيا عينه وآخرون أنه جزء وآخرون أنه كتاب مقاصد الله وعنايته وأنه كتاب الخلاص. والأرجح إن في هذا السفر مقاصد الله السريّة المتعلقة بكنيسته ولم يُعلن بعد. فما أُعلن هنا ليس سوى أحوال الكنيسة التي هي استعداد لهذا الكمال حتى تستحق الكنيسة أن تقرأه.
٢ «وَرَأَيْتُ مَلاَكاً قَوِيّاً يُنَادِي بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: مَنْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ أَنْ يَفْتَحَ ٱلسِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ؟».
ص ١٠: ١ و١٨: ٢١
وَرَأَيْتُ مَلاَكاً قَوِيّاً اقتضت الحال أن يكون قوياً لكي يبلغ صوته سكان السماء والأرض ومحل الموتى (ع ٣).
مَنْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ أَنْ يَفْتَحَ ٱلسِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ ليقرأ ما فيه. والاستحقاق هنا أدبي مبني على الجهاد والانتصار واحتمال التجربة (يوحنا ١٤: ٣٠ وعبرانيين ٢: ٩ و٤: ١٥).
٣ «فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ فِي ٱلسَّمَاءِ وَلاَ عَلَى ٱلأَرْضِ وَلاَ تَحْتَ ٱلأَرْضِ أَنْ يَفْتَحَ ٱلسِّفْرَ وَلاَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ».
ع ١٣ وفيلبي ٢: ١٠
فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ من المخلوقات لأنه غير مستحق.
وَلاَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ لكي يقرأه بعد أن يُفتح.
٤ «فَصِرْتُ أَنَا أَبْكِي كَثِيراً، لأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مُسْتَحِقّاً أَنْ يَفْتَحَ ٱلسِّفْرَ وَيَقْرَأَهُ وَلاَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ».
فَصِرْتُ أَنَا أَبْكِي كَثِيراً بكى لشدة شوقه إلى ما وُعد أن يراه (ص ٤: ١) وخوفه من اليأس بأن لا يوجد من يستحق أن يفتح السفر. قال بعضهم سفر الرؤيا لم يُكتب بلا دموع ولا يُدرك معناه بلا دموع.
٥ «فَقَالَ لِي وَاحِدٌ مِنَ ٱلشُّيُوخِ: لاَ تَبْكِ. هُوَذَا قَدْ غَلَبَ ٱلأَسَدُ ٱلَّذِي مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا، أَصْلُ دَاوُدَ، لِيَفْتَحَ ٱلسِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ ٱلسَّبْعَةَ».
تكوين ٤٩: ٩ وعبرانيين ٧: ١٤ إشعياء ١١: ١ و١٠ ورومية ١٥: ١٢ وص ٢٢: ١٦
قَالَ لِي وَاحِدٌ مِنَ ٱلشُّيُوخ لاَ تَبْكِ كان الشيوخ أقرب إلى العرش من يوحنا الذي له وصف الطبيعة البشرية ويعرفون أكثر منه بانتصار المسيح ومجده.
إن من أسلوب هذا السفر أن تتكلم الأرواح السماوية مع يوحنا (ص ٦: ١ و٧: ١٣ و١٠: ٤ و٨ و١٧: ١ و١٩: ٩ و٢١: ٩ و٢٢: ٦). فإنباء الشيخ حوّل بكاء الرسول إلى فرح.
هُوَذَا قَدْ غَلَبَ ٱلأَسَدُ كان الأسد رمزاً إلى سبط يهوذا الذي قال فيه يعقوب بالبركة الوداعية «يَهُوذَا جَرْوُ أَسَدٍ. مِنْ فَرِيسَةٍ صَعِدْتَ يَا ٱبْنِي. جَثَا وَرَبَضَ كَأَسَدٍ وَكَلَبْوَةٍ. مَنْ يُنْهِضُهُ» (تكوين ٤٩: ٩). وأشار «بالأسد» إلى القوة والشجاعة والرئاسة. وتُنبئ أن يكون المسيح من سبط يهوذا (تكوين ٤٩: ١٠). وأشار بقوله «غلب» إلى جهاد يسوع العظيم وانتصاره اللذين بهما استحق أن يفتح السفر (عبرانيين ٢: ٩). وهذا الحق لم يكن له بالنظر إلى كونه ابن الله ممجداً بل لكونه ابن الإنسان متواضعاً كقول بولس إنه «أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ ٱلنَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي ٱلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى ٱلْمَوْتَ مَوْتَ ٱلصَّلِيبِ. لِذٰلِكَ رَفَّعَهُ ٱللهُ أَيْضاً الخ» (فيلبي ٢: ٧ – ١١).
أَصْلُ دَاوُدَ أي فرع من ذلك الأصل كما أوضحت النبوءة (إشعياء ١١: ١ و١٠).
لِيَفْتَحَ ٱلسِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ ٱلسَّبْعَةَ الفك تمهيد للفتح.
٦ «وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ ٱلْعَرْشِ وَٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ ٱلشُّيُوخِ حَمَلٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ، لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ ٱللهِ ٱلْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ ٱلأَرْضِ».
ع ٨ و٩ و١١ و١٢ و١٤ ص ٤: ٤ و٦ وص ١٣: ٨ يوحنا ١: ٢٩ دانيال ٨: ٣ و٤ زكريا ٣: ٩ و٤: ١٠ ص ١: ٤
رَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ ٱلْعَرْشِ وَٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ ٱلشُّيُوخِ الأرجح إن الذي رآه كان قدام العرش ضمن دائرة الأربعة والعشرين شيخاً لأنه قيل إنه «أَتَى وَأَخَذَ ٱلسِّفْرَ مِنْ يَمِينِ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ» (ع ٧).
حَمَلٌ في الأصل اليوناني «صغير من الخراف». كان النبي قد وُعد بحضور الأسد الذي من سبط يهوذا فرأى خروفاً صغيراً وهو رمز إلى الطهارة والبر والحلم والتواضع. لكن هذا الخروف أقوى من الأسد الزائر الذي يجول ملتمساً أن يبتلع شعب الله (١بطرس ٥: ٨).
قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ لو كان على العرش لكان جالساً فإذا كان واقفاً بين العرش والشيوخ بمنزلة وسيط بين الله والناس. كان على هذ الخروف علامات تدل على أنه كان قد جُرح جرحاً مميتاً وقيل إنه «قائم» لا مطروح لأنه مع كونه قد مات كان حينئذ حياً ويحيا إلى الأبد. وقال «كأنه مذبوح» دلالة على أنه كان قُدّم ذبيحة لا إنه قُتل لغير ذلك. فعُلم من ذلك إن المسيح في حال ارتفاعه لا يزال عليه علامات آلامه وموته ذبيحة فشهادة سفر الرؤيا وشهادة الإنجيل واحدة وهي إننا مفديون بالمسيح لكونه قد مات ذبيحة عنا ولأنه قام لحياة جديدة ومجيدة.
لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ له فوق علامات تواضعه وحلمه علامات القوة لأن القرن علامة القدرة كما عُلم من العهد القديم (تثنية ٣٣: ١٧ ولوقا ١: ٦٩). ونُسب إليه «سبعة قرون» ليدل على كمال قدرته.
وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ ٱللهِ كالمصابيح السبعة المذكورة في (ص ٤: ٥) وهي تعني الروح القدس بمواهبه الكاملة المتنوعة وتشير أيضاً إلى حكمة المسيح العظمى وعلمه كل شيء.
ٱلْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ ٱلأَرْضِ نُسب إرسال الروح القدس إلى الابن كما نُسب إلى الآب (يوحنا ١٤: ٢٦). فإن المسيح في السماء يرسل الروح القدس ليمنح نعمة لشعبه كما أرسل الرسل وهو على الأرض قائلاً «ٱذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلأُمَمِ» (متّى ٢٨: ١٩).
٧ «فَأَتَى وَأَخَذَ ٱلسِّفْرَ مِنْ يَمِينِ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ».
ع ١
فَأَتَى وَأَخَذَ ٱلسِّفْرَ الخ القرينة تدل على أنه بقي في يده فإذاً «غلب الخروف» فلا داعي للرسول إلى أن يبكي بعد لأن المسيح للكنيسة «حكمة وبر وقداسة ووفداء» (١كورنثوس ١: ٣٠). فله حق أن يملك السفر لأنه هو الغالب وهو عمانوئيل أي الله معنا فله سفر أسرار الله لكي يعلنه للكنيسة متى رأى ذلك ملائماً (١كورنثوس ١: ٢٤ وأفسس ١: ٩ و١٠ وكولوسي ١: ١٨).
٨ «وَلَمَّا أَخَذَ ٱلسِّفْرَ خَرَّتِ ٱلأَرْبَعَةُ ٱلْحَيَوَانَاتُ وَٱلأَرْبَعَةُ وَٱلْعِشْرُونَ شَيْخاً أَمَامَ ٱلْحَمَلِ، وَلَـهُمْ كُلِّ وَاحِدٍ قِيثَارَاتٌ وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُوراً هِيَ صَلَوَاتُ ٱلْقِدِّيسِينَ».
ص ٤: ١٠ ع ٦ و١١ و١٤ ص ٤: ٦ ع ٦ و١٤ ص ٤: ٤ ع ٦ و٢ ص ١٣: ٨ ص ١٤: ٢ و١٥: ٢ و ٧ ص ٨: ٣ و٤ ومزمور ١٤١: ٢
وَلَمَّا أَخَذَ ٱلسِّفْرَ خَرَّتِ ٱلأَرْبَعَةُ ٱلْحَيَوَانَاتُ وَٱلأَرْبَعَةُ وَٱلْعِشْرُونَ شَيْخاً أي سجدت للخروف. فليس الكنيسة وحدها مهتمة بكشف الأسرار الإلهية والموانع من إتيان ملكوت المسيح فإن الخليقة كلها تئن متوقعة تملُّك البر ولذلك اتفقت الحيوانات الأربعة النائبة عن الخليقة مع الشيوخ النائبين عن الكنيسة في تقديم العبادة والتسبيح للخروف الذي استحق أن يأخذ بيده السفر. ونُسب الترنيم إلى الحيوانات الأربعة كما نُسب إلى الشيوخ.
أَمَامَ ٱلْحَمَلِ فتكون العبادة للجالس على العرش وللخروف معاً.
وَلَهُمْ كُلِّ وَاحِدٍ قِيثَارَاتٌ وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُوراً هِيَ صَلَوَاتُ ٱلْقِدِّيسِينَ هذا مأخوذ من رسوم الخيمة والهيكل «فالقيثارات» للتسبيح و «الجامات» للبخور وهي ما يستعملها الحبر الأعظم بدخوله إلى قدس الأقداس. والظاهر إن هذه الخدمة تليق بالشيوخ أكثر مما تليق بالحيوانات إذ لا نرى من داع إلى أن تُقدم نواب الخليقة صلوات القديسين. والقيثارات والجامات تشير إلى نوعين من العبادة وهما التسبيح والصلاة. فإن القيثارات للتسبيح والجامات الذهبية للتبخير. وقيل هنا أنه قُدمت فيها صلوات شعب الله المتألم في الأرض. فهذه الصلوات بعدما جُمعت في جامات الشيوخ وُضعت في يدي المسيح الوسيط العظيم فهو قدمها لله ببخور استحقاقه كما اتضح مما يأتي (رؤيا ٨: ٣). ولا ذكر هنا لتوسط القديسين في السماء من أجل الكنيسة على الأرض. فعلى الكنيسة على الأرض أن تصلي لأنها متألمة مضطهدة أما نواب الكنيسة المنصورة في السماء فيسّبحون. فلا يحتاج البشر إلا إلى شفاعة المسيح وهو الخروف المذبوح القائم أمام العرش.
٩ «وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ: مُسْتَحِقٌّ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ ٱلسِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَٱشْتَرَيْتَنَا لِلّٰهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ».
ص ١٤: ٣ و١٥: ٣ ومزمور ٤٠: ٣ و٩٨: ١ و١٤٩: ١ إشعياء ٤٢: ١٠وص ٤: ١١ ع ٦ و١٢ وص ١٣: ٨ ص ١٤: ٣ و١كورنثوس ٦: ٢٠ ص ٧: ٩ و١١: ٩ و١٣: ٧ و١٤: ٦ ص ١٠: ١١ و١٧: ١٥ ودانيال ٣: ٤ و٥: ١٩
وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً أي يترنم الشيوخ. وكانت الترنيمة جديدة على أن الحامل على الترنم بها جديد وهو بيان استحقاق المسيح. والترنيمة هي ترنيمة الفداء التام ولذلك كانت جديدة. وموضوع الشكر فيها استحقاق المسيح وأُثبت بثلاثة أمور:
- الأول: إن الخروف ذُبح وهذا يشتمل على كل تواضعه وإنكاره لنفسه كل مدة حياته على الأرض.
- الثاني: اشتراؤه المختارين لله بدمه وهذا يشتمل على كل نجاتهم من الخطيئة والحزن والاضطهاد والموت ونيلهم قداسة السماء وسعادتها.
- الثالث: جعله إياهم ملوكاً وكهنة لله (انظر تفسير ص ١: ٦).
بِدَمِكَ هذا الدم هو ثمن المفديين وهو ذبيحة المسيح الكفارية.
قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ هذه أربعة أقسام للبشر وعدد الأربعة يشير في الأمور الأرضية إلى الشمول التام. ولذلك قُسمت الخليقة في الآية الثالثة عشرة إلى أربعة أقسام.
١٠ «وَجَعَلْتَنَا لإِلٰهِنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى ٱلأَرْضِ».
ص ١: ٦ و٢٠: ٤ و٣: ٢١
وَجَعَلْتَنَا لإِلٰهِنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً الخ في هذا ثلاثة أسباب للشكر الأول إن المفديين تألفوا مملكة (أي مملكة الله). الثاني إنهم جُعلوا كهنة. الثالث إنه وُهب لهم قوة الملوك. وقوله «فسنملك على الأرض» يصدق في الحاضر كما يصدق في المستقبل لأن المسيح رأس الكنيسة وقد ملك فملكت الكنيسة معه ووضع كل شيء تحت قدميها لأنه تحت قدميه. وهذا حق للكنيسة مع كونها مضطهدة ومهانة والعالم لم يعترف بحقها.
١١، ١٢ «١١ وَنَظَرْتُ وَسَمِعْتُ صَوْتَ مَلاَئِكَةٍ كَثِيرِينَ حَوْلَ ٱلْعَرْشِ وَٱلْحَيَوَانَاتِ وَٱلشُّيُوخِ، وَكَانَ عَدَدُهُمْ رَبَوَاتِ رَبَوَاتٍ وَأُلُوفَ أُلُوفٍ، ١٢ قَائِلِينَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: مُسْتَحِقٌّ هُوَ ٱلْحَمَلُ ٱلْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ ٱلْقُدْرَةَ وَٱلْغِنَى وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلْقُوَّةَ وَٱلْكَرَامَةَ وَٱلْمَجْدَ وَٱلْبَرَكَةَ».
ص ٤: ٤ وع ٦ و١١ و١٤ وص ٤: ٦ وع ٦ و١٤ دانيال ٧: ١٠ ص ٩: ١٦ ع ٦ و١٢ وص ١٣: ٨
وَنَظَرْتُ وَسَمِعْتُ صَوْتَ مَلاَئِكَةٍ كَثِيرِينَ ما سبق من الترنّم هو ترنّم نواب الخليقة ونواب المفديين وهم عُتقوا على الرجاء من عبودية الخطيئة والموت. لكن أولئك النواب لم يكونوا سوى جزء من جنود السماء وهم ليسوا بنواب عن أولئك الجنود. وجمهور الملائكة الأبرار العظيم لم يشتركوا في ذلك الترنم إلى الوقت المذكور هنا. ثم سمع الرسول بعد قليل ترنم تسبيح الفداء العظيم مرتفعاً من كل جنود السماء. فسمع علاوة على أصوات نواب الخليقة والكنيسة أصوات الملائكة على اختلاف رتبهم من «رئاسات وسلاطين وقوات وسيادة» (أفسس ١: ٢١). فهم في كل دوائرهم يقدمون للخروف المذبوح تقدمة التسبيح والسجود والتعظيم فاختفت كل السماء بذلك التسبيح.
حَوْلَ ٱلْعَرْشِ وَٱلْحَيَوَانَاتِ وَٱلشُّيُوخِ كانت الكنيسة أقرب من سواها إلى العرش والخروف لأنها تُعلن أحسن إعلان قوة الخروف ومحبته وحكمته. وكان حول الكنيسة الجنود السماوية مسبحين ومترنمين ومجتهدين في أن يبحثوا ويطلعوا على أسرار الله وأعماله الحبية للكنيسة (أفسس ٣: ١٠ و١بطرس ١: ١٢).
وَكَانَ عَدَدُهُمْ رَبَوَاتِ رَبَوَاتٍ وَأُلُوفَ أُلُوفٍ المراد بذلك أنهم لا يُحصون لكثرتهم. وذكر الأقل بعد الأكثر خلافاً للعادة ولعل السبب إن الألوف أعظم رتبة من الربوات.
أَنْ يَأْخُذَ ٱلْقُدْرَةَ وَٱلْغِنَى وَٱلْحِكْمَةَ الخ الصفات التي نُسبت إلى المسيح في هذه الآية سبع دلالة على كمال صفاته.
١٣ «وَكُلُّ خَلِيقَةٍ مِمَّا فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ وَتَحْتَ ٱلأَرْضِ، وَمَا عَلَى ٱلْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا، سَمِعْتُهَا قَائِلَةً: لِلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ ٱلْبَرَكَةُ وَٱلْكَرَامَةُ وَٱلْمَجْدُ وَٱلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ».
فيلبي ٢: ١٠ ع ٣ و١ رومية ١١: ٣٦ وص ١: ٦
في هذه الآية تسبيح عام. والمراد «بالخليقة» فيها كل الأحياء.
مِمَّا فِي ٱلسَّمَاءِ هذا يشمل الملائكة وقديسي المفديين.
وَعَلَى ٱلأَرْضِ أي كل الأحياء على الأرض وهم الذين قد رآهم الرسول قد اشتركوا في ذلك الترنم.
وَتَحْتَ ٱلأَرْضِ أي سكان الهاوية والمراد بها هنا مكان الأموات.
وَمَا عَلَى ٱلْبَحْرِ أي حيوانات البحر التي تظهر على وجهه.
كُلُّ مَا فِيهَا الضمير هنا يرجع إلى المواضع المذكورة والعبارة زيدت لتأكيد الشمول.
لِلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ (انظر تفسير ص ٤: ٢).
وَلِلْحَمَلِ أي يعبدون الابن كما يعبدون الآب. شاركت الكنيسة بواسطة شيوخها الخليقة التي نابت عنها الحيوانات الأربعة في ترنم الفداء. سبح الملائكة لابن الله على تنازله غير المحدود. وكل هؤلاء عظّموا مجد الله الآب والخروف ونسبوا إليهما البركة والكرامة والمجد والسلطان وهي أربعة دلالة على الشمول في الأمور الأرضية.
١٤ «وَكَانَتِ ٱلْحَيَوَانَاتُ ٱلأَرْبَعَةُ تَقُولُ: آمِينَ. وَٱلشُّيُوخُ ٱلأَرْبَعَةُ وَٱلْعِشْرُونَ خَرُّوا وَسَجَدُوا لِلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ».
١كورنثوس ١٤: ١٦ وص ٧: ١٢ و١٩: ٤
وَكَانَتِ ٱلْحَيَوَانَاتُ ٱلأَرْبَعَةُ تَقُولُ آمِينَ أظهرت بذلك الموافقة لغيرها في الترنم وصدقته.
وَٱلشُّيُوخُ ٱلأَرْبَعَةُ وَٱلْعِشْرُونَ خَرُّوا الخ بدون صوت وهذا السكوت كان أبلغ من النطق فإنه كان ناتجاً عن الهيبة والشكر والمحبة. ولنا مما في هذه الرؤيا إن سفر العناية الإلهية الآن في يد المسيح وفيه أحوال ممالك العالم المستقبلة علاوة على مستقبل الكنيسة. والرب هو الملك الجالس على الكروبيم. وفي ذلك نرى سبب تشبيه المسيح بصورتين في هذه الرؤيا أي «الأسد» و «الخروف» فهو باعتبار كونه «الأسد الذي من سبط يهوذا» قادر أن يحمي شعبه من أعدائه وباعتبار كونه «الخروف المذبوح» فهو مستعد أن يؤاسيه ويشفق عليه ويشفع فيه.
ورؤيا «الخروف المذبوح في وسط العرش» علة ترنّم المجد العام من ربوات الملائكة التي لا تحصى وهم الذين لم يخطأوا ولم يحتاجوا إلى الفدى علاوة على المفديين. وفي هذا بيان إن صليب المسيح الذي هو آية محبة الآب الأزلية ومحبة الابن غير المحدودة هو ما يشغل أهل السماوات والأرض بالتسبيح إلى أبد الآبدين.
السابق |
التالي |