إنجيل يوحنا | 19 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح إنجيل يوحنا
للدكتور . وليم إدي
الأصحاح التاسع عشر
محاكمة يسوع أمام بيلاطس ع ١ – ١٦
١ – ٣ «١ فَحِينَئِذٍ أَخَذَ بِيلاطُسُ يَسُوعَ وَجَلَدَهُ. ٢ وَضَفَرَ العَسْكَرُ إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَأَلبَسُوهُ ثَوْبَ أُرْجُوانٍ، ٣ وَكَانُوا يَقُولُونَ: السّلامُ يَا مَلِكَ اليَهُود. وَكَانُوا يَلطِمُونَهُ».
متّى ٢٠: ١٩ و٢٧: ٢٦ ومرقس ١٥: ١٥ ولو ١٨: ٣٣
هذه وسيلة ثالثة اتخذها بيلاطس لإطلاق يسوع، وهي أن يجلده بشدة ويسلمه إلى جنود الرومان ليهزأوا به، أملاً أن يشفي بذلك بغض الرؤساء، ويحرك شفقة الشعب ليطلبوا إطلاقه. ودليل ذلك قوله «فأنا أؤدبه وأطلقه» (لوقا ٢٣: ١٦). فواضح أنه جبان قاس وظالم محتال. وقد سبق الكلام على الجلد والاستهزاء في شرح متّى ٢٧: ٢٧ ومرقس ١٥: ١٦. وذكر متّى ومرقس الجلد والحكم بالصلب معاً لأنهما كانا مقترنين، وأحدهما يستلزم الآخر. ولنا من رواية يوحنا أن الجلد سبق الصلب، ويظن بعض المفسرين أن يسوع جُلد مرتين، ولكن الموافقة بين البشيرين لا تقتضي ذلك. وقد جاءت النبوة في العهد القديم بذلك الجلد (إشعياء ٥٣: ٣) وأنبأ يسوع به (لوقا ١٨: ٣٣) وذكره بطرس في رسالته الأولى (١بطرس ٢: ٢٤).
٤ «فَخَرَجَ بِيلاطُسُ أَيْضاً خَارِجاً وَقَالَ لَهُمْ: هَا أَنَا أُخْرِجُهُ إِلَيْكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً».
يوحنا ١٨: ٣٨ وع ٦
لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً ذكر يوحنا أن بيلاطس شهد بهذا ليسوع ثلاث مرات (يوحنا ١٨: ٣٨ و١٩: ٤، ٦) وفي هذه الشهادة تصريح بأن يسوع لم يهيّج فتنة، وليس ملكاً يقاوم قيصر.
٥ «فَخَرَجَ يَسُوعُ خَارِجاً وَهُوَ حَامِلٌ إِكْلِيلَ الشَّوْكِ وَثَوْبَ الأُرْجُوَانِ. فَقَالَ لَهُمْ بِيلاطُسُ: هُوَذَا الإِنْسَانُ».
فَخَرَجَ يَسُوعُ خَارِجاً كان داخل القصر وسبقه بيلاطس إلى الساحة حيث كان اليهود مجتمعين وكلمهم بما في ع ٤ ثم أخرج يسوع وأراه لهم.
وَهُوَ حَامِلٌ إِكْلِيلَ الشَّوْكِ وَثَوْبَ الأُرْجُوَانِ هذا مثل قول الرسول «أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ» (٢كورنثوس ٨: ٩) لأن رب المجد كلمة الله المتجسد الذي كان معبود الملائكة وقف عُرضة لهزء الناس وتعييرهم، لابساً ثوباً بالياً بدلاً من ثوب المجد والجلال، مجروحاً دامي الجبين، وعلى رأسه إكليل من الشوك بدلاً من تيجان العرش الأسمى.
هُوَذَا الإِنْسَانُ أي الرجل الذي تبغضونه واتهمتموه بالخيانة وسألتموني قتله، وقد علمت أنه بريءٌ وأخبرتكم بذلك، ولكني جلدته وأهنته إرضاءً لكم، فانظروه الآن واشفقوا عليه واكتفوا بما كان، وسلِّموا بإطلاقه. وجدير بالمسيح أن يُقال فيه «هوذا الإنسان» إذ لا نظير له في الكون كله، وهو ابن الإنسان، وابن الله، وسيطنا الوحيد، رافع خطايانا. وهو الرب برنا، ومخلصنا، وشفيعنا، وحبيبنا. طوبى لكل مؤمن يسجد له بالإيمان والطاعة والمحبة، وويل لمن يرفضه ويهمله.
٦ «فَلَمَّا رَآهُ رُؤَسَاءُ الكَهَنَةِ وَالخُدَّامُ صَرَخُوا: اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ! قَالَ لَهُمْ بِيلاطُسُ: خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاصْلِبُوهُ، لأنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً».
أعمال ٣: ١٣
لم تنجح وسيلة بيلاطس الثالثة، كما لم تنجح الاثنتان السابقتان، فإن منظر يسوع لم يحرك شفقتهم بل كان وقيداً جديداً لنار غضب الرؤساء، وأوجب صراخهم على يسوع صراخ الجميع عليه.
الخُدَّامُ أي أتباع الكهنة وحراس الهيكل.
خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاصْلِبُوهُ هذا كلام يدل على غيظ وخيبة، فكأنه قال: اقتلوه أنتم إذا أردتم، ولا تسألوني أن أشارككم في إثم قتله. ولتكن عليكم المسؤولية والعاقبة، لأنه ليس من شريعة ولا حق ولا عدل في الحكم عليه.
لأنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً هذه مرة ثالثة قال هذا القول عينه. وذهبت الوسائل الثلاث التي اتخذها لإطلاقه سدىً. (١) إرساله يسوع إلى هيرودس. (٢) تخيير الشعب بينه ويبن باراباس. (٣) جلده والهزء به.
٧ «أَجَابَهُ اليَهُودُ: لَنَا نَامُوسٌ، وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ، لأنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ابْنَ اللَّهِ».
لاويين ٢٤: ١٦ متّى ٢٦: ٦٥ ويوحنا ٥: ١٨ و١٠: ٣٣
هذا هو الأمر الثالث مما اتفق اليهود عليه في طلبهم إلى بيلاطس قتل يسوع. وكان الأول الحكم عليه بالموت بلا فحص، فلم ينجحوا. والثاني أنه خائن للدولة الرومانية، ولم ينجحوا بهذا أيضاً، فأخذوا في الثالث، وهو أنه جدّف.
وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ هذا جوابهم على قول بيلاطس «لستُ أجد فيه علة» عدلوا عن اتهامهم إيّاه بجناية سياسية لأن بيلاطس قال إنه بريءٌ، واتهموه بالتجديف الذي حكم مجلس السبعين على يسوع به. وخلاصة شكواهم أنه إن لم يستحق الموت بتعديه على الدولة فهو يستحقه بتعديه على الدين والشريعة. والناموس الذي أشاروا إليه هو قوله «وَمَنْ جَدَّفَ عَلَى اسْمِ الرَّبِّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ» (لاويين ٢٤: ١٦). فسألوا بيلاطس أن يُجري الحكم الذي يوجبه ناموسهم ودينهم.
جَعَلَ نَفْسَهُ ابْنَ اللَّهِ أي صرح بأنه إله. وفهم اليهود من قوله أنه ابن الله معادلته لله (يوحنا ٥: ١٨ و١٠: ٣٣).
٨ «َلَمَّا سَمِعَ بِيلاطُسُ هَذَا القَوْلَ ازْدَادَ خَوْفاً».
هَذَا القَوْلَ أي أن يسوع قال إنه ابن الله.
ازْدَادَ خَوْفاً من أن يحكم على المسيح لئلا يكون أعظم من سائر الناس، أي أن يكون أحد الآلهة ظهر في هيئة إنسان وسكن بين الناس على وفق ما كان اليونانيون والرومانيون يعتقدون (أعمال ١٤: ١١ و٢٨: ٦). ويشير قوله «ازداد» إلى أن ضميره كان يوبخه قبل ذلك على ظلمه لإنسان بارّ. وذُكر أن امرأته قد أرسلت إليه تحذره من الإساءة إلى يسوع (متّى ٢٧: ١٩). ولعله سمع بأعمال يسوع الغريبة وأقواله العجيبة، فلما سمع أنه ادعى الألوهية رأى أن ذلك ربما كان حقاً، وخشي الانتقام الإلهي إن لم يطلق يسوع.
٩ «فَدَخَلَ أَيْضاً إِلَى دَارِ الوِلايَةِ وَقَالَ لِيَسُوعَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يُعْطِهِ جَوَاباً».
إشعياء ٥٣: ٧ ومتّى ٧: ٦ و٢٧: ١٢، ١٤ ويوحنا ١٨: ٣٧
فَدَخَلَ أَيْضاً إِلَى دَارِ الوِلايَةِ آخذاً يسوع معه ليخاطبه على انفراد.
مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ أي: هل أنت من السماء؟ هل أنت أحد الآلهة؟ ولم يقصد بيلاطس معرفة وطن يسوع الأرضي أو عائلته، فقد كان يعلم أنه الجليل (لوقا ٢٣: ٦، ٧) وسؤاله هذا لا يفيده في شيء.
وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يُعْطِهِ جَوَاباً لا نعلم علة سكوت المسيح عن ذلك، والأرجح أنه لم يجاوبه لأنه لا يستحق، فقد فسر له حقيقة مملكته، وأن غاية مجيئه ليشهد للحق. وعرف بيلاطس أنه بريء، وصرّح بذلك. ومع ذلك أمر بجلده والهزء به بدلاً من أن يطلقه، فدان يسوع بسكوته الرجل الذي دانه. على أن يسوع كان قد أجابه على هذا السؤال بقوله «أتيت إلى العالم» وهذا يلزم أنه ليس من العالم (يوحنا ١٨: ٣٧). قال المسيح «كل من هو من الحق يسمع صوتي» وواضح أن بيلاطس ليس من الذين يسمعون صوت المسيح، فليس من الحق أن يخاطبه المسيح بعد ذلك. وعلم يسوع أنه لا فائدة من الجواب، لأنه لم يسأل عن العدل ولا الحق، ولأنه لن يفهم ولن يؤمن لو صرّح له بأنه ابن الله.
١٠ «فَقَالَ لَهُ بِيلاطُسُ: أَمَا تُكَلِّمُنِي؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلطَاناً أَنْ أَصْلِبَكَ وَسُلطَاناً أَنْ أُطْلِقَكَ؟».
غضب بيلاطس على يسوع لسكوته عن جوابه وحسب ذلك توبيخاً له، فرأى أن يخيفه ليجاوبه، فتباهى بسلطانه. نعم أنه كان قادراً أن يحكم على يسوع، لكن لم يكن له حق في ذلك الحكم. وكان بيلاطس عند افتخاره بسلطانه عبداً لليهود، لا يجسر ان يغيظهم بإطلاق يسوع. وكان سكوت يسوع تحقيقاً لنبوة إشعياء ٥٣: ٧.
١١ «أَجَابَ يَسُوعُ: لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلطَانٌ البَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ. لِذَلِكَ الَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ».
لوقا ٢٢: ٥٣ ويوحنا ٧: ٣٠
هذا جواب المسيح على قول بيلاطس مرتين «لي سلطان». فقال له يسوع: لا سلطان لك كما ادعيت، لأن كل سلطانك من الله، وهو عيّنك لهذه الوظيفة ووهب لك هذه السلطة (رومية ١٣: ١ ومزمور ٧٥: ٦ و٧ ودانيال ٢: ٢١).
عَلَيَّ لم يكن لبيلاطس سلطان على المسيح لو لم يُسلمه الآب لأجل خطايانا، ولو لم يسلم هو نفسه للموت (رومية ٩: ٣٢ وإشعياء ٥٣: ١٢). فكأنه قال: إني واقف هنا موثقاً لا طوعاً لمشيئة وسلطان إنسان، بل طوعاً لقصد الله ومشيئته. فإذاً لا أخاف شيئاً من سلطانك، ولا أرجو منه شيئاً.
لِذَلِكَ الَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لم يقصد بذلك يهوذا لأنه سلم يسوع إلى اليهود لا إلى بيلاطس، إنما قصد به أعضاء مجلس السبعين الذين رئيسهم قيافا، واليهود الذين تبعوهم.
لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ تكلم عن الجميع كأنهم واحد لاتفاقهم على قتله. والمعنى أن خطية اليهود أعظم من خطية بيلاطس. فلم يبرر بيلاطس من الخطية، بل صرح بأن خطيته أصغر من خطية اليهود، لأنهم هيجوه ليستعمل السلطان الذي أعطاه الله له ليحكم بالحق باعتباره قاضياً ووالياً في عقاب البريء. فهم كانوا الجناة، وكان بيلاطس آلة في يدهم. وفضلاً عن ذلك كان بيلاطس وثنياً يجهل النبوات المتعلقة بالمسيح وتعاليم العهد القديم، وعرف قليلاً من أمر معجزات المسيح وتعليمه، ولم يُرد أن يسلم يسوع إلى الموت. إنما فعل ذلك إرضاءً لليهود. فكانت خطيته الجبن والضعف والجهل. وأما هم فكانوا يعرفون تلك النبوات وبراهين كثيرة على أنه أجرى المعجزات، ومع ذلك طلبوا قتله حسداً وبغضاً، فزاد إثمهم على قدر زيادة معرفتهم عن معرفة بيلاطس. والتماس المسيح العذر لبيلاطس يشبه صلاته من أجل قاتليه: «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لوقا ٢٣: ٣٤).
١٢ «مِنْ هَذَا الوَقْتِ كَانَ بِيلاطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ، وَلَكِنَّ اليَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ: إِنْ أَطْلَقْتَ هَذَا فَلَسْتَ مُحِبّاً لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكاً يُقَاوِمُ قَيْصَرَ».
لوقا ٢٣: ٢ أعمال ١٧: ٧
يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ كان قد طلب ذلك من تلك الساعة باجتهاد زائد بسبب تأثره من هيئة المسيح وكلامه. ولم يتضح هنا ماذا فعل ليُظهر اجتهاده. ونستنتج من قول اليهود أنه ترك يسوع داخلاً وخرج إليهم وأخبرهم أنه لم يحكم عليه بالموت لاتهامهم إياه بالتجديف، وأنه عزم على إطلاقه.
وَلَكِنَّ اليَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ ترك اليهود اتهامهم يسوع بالتجديف ورجعوا إلى اتهامهم له بالخيانة، وقالوا لبيلاطس ما مضمونه: إن أطلقته نشكوك إلى قيصر بأنك خائن لدولتك لأنك لم تعترض إنساناً صرّح بأنه ملك اليهود. وكان طيباريوس قيصر إمبراطور الرومان وقتئذ كثير الوساوس سريع الغضب ظالماً، كما يشهد المؤرخان الرومانيان تاسيتوس وسويتونيوس، فيصدِّق حالاً كل شكاوى كهذه تُرفع إليه. فخاف بيلاطس لمعرفته أن طيباريوس يصدقها.
وما أظهره اليهود هنا من الرغبة في المحاماة عن حقوق قيصر غاية في الرياء والمكر والدجل.
١٣ «فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاطُسُ هَذَا القَوْلَ أَخْرَجَ يَسُوعَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ الوِلايَةِ فِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ «البلاطُ» وَبِالعِبْرَانِيَّةِ «جَبَّاثَا».
هَذَا أي قول اليهود في ع ١٢ وهو أنهم يشكونه إلى قيصر. فانتُزع من قلبه كل شفقة وكل احترام للعدل وللمسيح، ففضَّل أن يسلم يسوع البار إلى الموت على أن يخاطر بنفسه بتعريضها لشكاوى اليهود.
أَخْرَجَ يَسُوعَ لأنه كان داخل دار الولاية. والشريعة الرومانية تلزم الحاكم بأن لا يحكم على المتهم إلا وهو أمامه.
جَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ الوِلايَةِ لعل هذا الكرسي كان كمنبر من المرمر قليل الارتفاع، يجلس عليه الحاكم عند المحاكمة في الساحة أمام دار الولاية.
يُقَالُ لَهُ البلاطُ لعله سمي بذلك لأنه كان مبلطاً بمرمر مختلف الألوان.
وَبِالعِبْرَانِيَّةِ «جَبَّاثَا»أي رابية أو مكاناً مرتفعاً. والمراد بالعبرانية هنا السريانية أي اللغة التي تكلم بها اليهود بعد رجوعهم من بابل، وكانت عبرانية ممزوجة بالكلدانية.
١٤ «وَكَانَ اسْتِعْدَادُ الفِصْحِ وَنَحْوُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. فَقَالَ لِليَهُودِ: هُوَذَا مَلِكُكُمْ».
متّى ٢٧: ٦٢ مرقس ١٥: ٢٥
وَكَانَ اسْتِعْدَادُ الفِصْحِ أي يوم الجمعة حسب اصطلاح اليهود لأنهم كانوا يطبخون فيه ما يحتاجون إليه من طعام يوم السبت (انظر شرح متّى ٢٧: ٦٢ وانظر أيضاً لوقا ٢٣: ٥٤) وقوله في مرقس ١٥: ٤١ «وَلَمَّا كَانَ المَسَاءُ، إِذْ كَانَ الاسْتِعْدَادُ – أَيْ مَا قَبْلَ السَّبْتِ» وكان ذلك اليوم استعداداً لأقدس سبوت السنة عندهم، لأنه السبت الذي في أسبوع الفصح.
وَنَحْوُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ أي قرب الظهر (بعد الشروق بست ساعات) حسب اصطلاح اليهود وقتئذ (انظر شرح مرقس ١٥: ٢٥، وانظر متّى ٢٧: ٤٥ ولوقا ٢٣: ٤٤). وجاء في بعض النسخ «الثالثة» بدل السادسة. ومما يستحق الاعتبار فضلاً عما ذُكر أربعة أشياء: (١) أن متّى ومرقس ولوقا اتفقوا على أن الظلمة كانت من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة. وكان المسيح حينئذ على الصليب، وهذا موافق لقول يوحنا. (٢) أن يوحنا ميّز بين وقت جلد بيلاطس ليسوع ووقت صلبه بأن ذكر كليهما كحادثة معيّنة. أما متّى ومرقس فذكرا الحادثتين كأنهما واحدة، ولذلك حسبا وقت الجلد مع وقت الصلب. فإذا كان الجلد في الساعة الثالثة كما قال مرقس، فيحتمل أن يكون الصلب قد بقي إلى نحو الساعة التاسعة. (٣) أن يوحنا لم يعيّن وقت الصلب أنه كان الساعة السادسة بل قال إنه نحوها، ولم يكن يومئذ للناس وسائط لتعيين الساعة بالتدقيق كما في هذه الأيام، ولم يكونوا يبالون بذلك. (٤) أن اليهود قسموا اليوم إلى «هُزُع» كل هزيع ثلاث ساعات وندر أن يذكروا سوى الساعة الثالثة والسادسة والتاسعة (متّى ٢٠: ٣، ٥) وحسبوا ما بين كل من تلك الساعات إما مع ما قبلها أو مع ما بعدها. والصلب حدث ما بين الساعة الثالثة والساعة السادسة، فنسبه متّى ومرقس إلى الوقت الأول منهما، ونسبه يوحنا إلى الثاني.
هُوَذَا مَلِكُكُمْ قصد بيلاطس بهذا تعيير اليهود والتهكم عليهم، كما قصد ذلك بالعنوان (متّى ٢٧: ٣٧). وكان حينئذ مغتاظاً منهم، فكأنه قال: هذا الأسير الضعيف الجريح المهان هو الذي خفتم منه وطلبتم قتله بحجة أنه ملك يقاوم قيصر.
١٥ «فَصَرَخُوا: خُذْهُ! خُذْهُ اصْلِبْهُ! قَالَ لَهُمْ بِيلاطُسُ: أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟ أَجَابَ رُؤَسَاءُ الكَهَنَةِ: لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ الا قَيْصَرُ».
تكوين ٤٩: ١٠ و١صموئيل ١٢: ١٢
خُذْهُ اصْلِبْهُ لم يكتفوا بشيء سوى قتله. وكانوا كلما رأوه أو سمعوا ذكره زادوا حنقاً ورغبة في إماتته، فتمت بذلك نبوتان هما إشعياء ٤٧: ٧ و٥٣: ٢.
قَالَ لَهُمْ بِيلاطُسُ: أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟ أي: هل تريدون مني أنا الروماني أن أقتل ملككم أيها اليهود؟ وسبق مثل هذه القول من بيلاطس في ع ٥ وقصد وقتئذ تحريك شفقتهم عليه. وأما قصده هنا فتهييج غيرتهم الطائفية وكبرياءهم باعتبارهم أمة مستعبَدة.
لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إلا قَيْصَرُ في هذا إنكار لمبادئ ديانتهم أن الله وحده هو ملكهم (١صموئيل ١٢: ١٢) وإنكار لاعتقاد آبائهم، وآمالهم بتصريحهم أن قيصر هو ملكهم الوحيد، وارتكبوا ذلك من شدة بغضهم ليسوع، ومن رغبتهم في أن يجعلوا بيلاطس يحكم حسب مرامهم، فشهد بذلك للعالم أنه قد تمت النبوة بمجيء المسيح القائلة «لا يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ» (تكوين ٤٩: ١٠). والأرجح أنه كان حينئذ ما ذكره متّى من نبإ غسل بيلاطس يديه أمام الشعب (متّى ٢٧: ٢٤).
الصلب (ع ١٦ – ٣٧)
١٦، ١٧ «١٦ فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ. فَأَخَذُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ. ١٧ فَخَرَجَ وَهُوَ حَامِلٌ صَلِيبَهُ إِلَى المَوْضِعِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «مَوْضِعُ الجُمْجُمَةِ» وَيُقَالُ لَهُ بِالعِبْرَانِيَّةِ «جُلجُثَةُ».
متّى ٢٧: ٢٦، ٣١، ٣٢ ومرقس ١٥: ١٥، ٢١، ٢٢ ولوقا ٢٣: ٢٤، ٢٦، ٣٣ وعدد ١٥: ٣٦ وعبرانيين ١٣: ١٢.
(انظر شرح متّى ٢٧: ٣١ – ٣٤ ومرقس ١٥: ٢٠ – ٢٣ ولوقا ٢٣: ٢٦ – ٣٣).
ظن البعض أن بيلاطس جلد يسوع ثانية حسب العادة الجارية في أمر الصلب (أي أنه يكون مقترناً بالجلد) للموافقة بين ما قاله يوحنا وما قاله متّى ومرقس، بناءً على أن جلده إيّاه أولاً كان لتحريك شفقة اليهود عليه ووسيلة إلى إطلاقه.
أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ أي إلى رؤساء الكهنة، وأعطاهم أيضاً فرقة من جنود الرومان لتنفيذ الحكم (لوقا ٢٣: ٢٤، ٢٥). والمسيح أُسلم لأجل خطايانا بإرادته وإرادة أبيه، فضلاً عن أنه أُسلم بأمر بيلاطس ظلماً لأن الرب «لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَل بَذَلَهُ لأجْلِنَا أَجْمَعِينَ» (رومية ٤: ٢٥ و٨: ٣٢). فأُسلم ذلك للموت الوقتي لننجو من الموت الأبدي وننال الحياة الأبدية.
١٨ «حَيْثُ صَلَبُوهُ، وَصَلَبُوا اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مَعَهُ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا، وَيَسُوعُ فِي الوَسَطِ».
انظر شرح متّى ٢٧: ٣٨ ومرقس ١٥: ٢٧ ولوقا ٢٣: ٣٣، ٣٤. وكان ذلك تحقيقاً لنبوة إشعياء ٥٣: ١٢.
١٩ «وَكَتَبَ بِيلاطُسُ عُنْوَاناً وَوَضَعَهُ عَلَى الصَّلِيبِ. وَكَانَ مَكْتُوباً: يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ اليَهُودِ».
عُنْوَاناً انظر شرح متّى ٢٧: ٣٧ ومرقس ١٥: ٢٦ ولوقا ٢٣: ٣٨. قصد بيلاطس بذلك إهانة اليهود وتذكيرهم أنهم أجبروه على صلب ملكهم، كما قصد تبرئة نفسه من تهمتهم أنه ليس محباً لقيصر.
٢٠ «فَقَرَأَ هَذَا العُنْوَانَ كَثِيرُونَ مِنَ اليَهُودِ، لأنَّ المَكَانَ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ يَسُوعُ كَانَ قَرِيباً مِنَ المَدِينَةِ. وَكَانَ مَكْتُوباً بِالعِبْرَانِيَّةِ وَاليُونَانِيَّةِ وَاللاتِينِيَّةِ».
كَانَ قَرِيباً مِنَ المَدِينَةِ ذكر يوحنا ذلك بياناً لكثرة المشاهدين، فلو صُلب بعيداً عن المدينة لما كان كذلك.
بِالعِبْرَانِيَّةِ أي لغة اليهود وهي عبرانية ممزوجة بالكلدانية.
وَاليُونَانِيَّةِ وكانت لغة الأمم الساكنة في الأرض المقدسة وما جاورها من البلاد وسكان بلاد اليونان ومصر ولغة علماء اليهود.
وَاللاتِينِيَّةِ أي لغة الرومان وهي الدولة الحاكمة، وكانت اللغات الثلاث أشهر لغات الأرض في ذلك العصر. ولعل ما جاء من الفرق في لفظ العنوان في البشائر نتج عن أن الواحد ترجم ما كُتب في لغة، والآخر ترجم ما كُتب في لغة أخرى، أو لعل بعضهم نقل المعنى دون الحرف. وكان بيلاطس بما كتبه عنواناً شاهد حقٍ على غير قصد.
٢١ «فَقَالَ رُؤَسَاءُ كَهَنَةِ اليَهُودِ لِبِيلاطُسَ: لا تَكْتُبْ: مَلِكُ اليَهُودِ، بَل: إِنَّ ذَاكَ قَالَ أَنَا مَلِكُ اليَهُودِ».
لا شك أن رؤساء اليهود شعروا بأن بيلاطس قصد بذلك العنوان الهزء بهم، فأرادوا تغييره لأنهم لم يرضوا أن يُدعى رجل مصلوب ملكهم.
٢٢ «أَجَابَ بِيلاطُسُ: مَا كَتَبْتُ قَدْ كَتَبْتُ».
رفض بيلاطس طلب اليهود بهذا الجواب فلم يعد يخشى من أن يشكوه إلى قيصر. ورجع إلى عناده وكبريائه. ولم يخلُ جوابه من إظهار غيظه أنه خضع لهم في ما أرادوا.
٢٣، ٢٤ «٢٣ ثُمَّ إِنَّ العَسْكَرَ لَمَّا كَانُوا قَدْ صَلَبُوا يَسُوعَ، أَخَذُوا ثِيَابَهُ وَجَعَلُوهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ، لِكُلِّ عَسْكَرِيٍّ قِسْماً. وَأَخَذُوا القَمِيصَ أَيْضاً. وَكَانَ القَمِيصُ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ، مَنْسُوجاً كُلُّهُ مِنْ فَوْقُ. ٢٤ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لا نَشُقُّهُ، بَل نَقْتَرِعُ عَلَيْهِ لِمَنْ يَكُونُ. لِيَتِمَّ الكِتَابُ القَائِلُ: اقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي أَلقَوْا قُرْعَةً. هَذَا فَعَلَهُ العَسْكَرُ».
متّى ٢٧: ٣٥ ومرقس ١٥: ٢٤ ولوقا ٢٣: ٣٤ مزمور ٢٢: ١٨
انظر شرح قسمة ثياب يسوع في شرح متّى ٢٧: ٣٥. ونبأ يوحنا بذلك أوضح من غيره إذ ظهر منه أن الذين صلبوه كانوا أربعة، وأن الثياب كانت أربع قطع بالإضافة إلى القميص، فأخذ كل واحد قطعة، ولم يقسموا القميص بل اقترعوا عليه. وذلك تحقيقاً للنبوة «يَقْسِمُونَ ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي يَقْتَرِعُونَ» (مزمور ٢٢: ١٨). وكانت ثياب المصلوب عند الرومان من نصيب الصالبين.
٢٥ – ٢٧ «٢٥ وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ، أُمُّهُ، وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا، وَمَرْيَمُ المَجْدَلِيَّةُ. ٢٦ فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ، وَالتِّلمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفاً، قَالَ لأُمِّهِ: يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ. ٢٧ ثُمَّ قَالَ لِلتِّلمِيذِ: هُوَذَا أُمُّكَ. وَمِنْ تِلكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ».
لوقا ٢٤: ١٨ متّى ٢٧: ٥٦ مرقس ١٥: ٤٠ ولوقا ٢٣: ٤٠ ويوحنا ١٣: ٢٣ و٢٠: ٢ و٢١: ٧، ٢٤ ويوحنا ٢: ٤ ويوحنا ١: ١١ و١٦: ٣٢
لم يذكر أحد من كتبة البشائر ما قيل في هذا الفصل سوى يوحنا.
أُمُّهُ أي مريم وكانت حينئذ في نحو الثامنة والأربعين.
وَأُخْتُ أُمِّهِ الأرجح أنها سالومي أم يوحنا الإنجيلي، لكنه لم يذكر اسمها كما امتنع عن ذكر اسمه في بشارته. والذي يقوي أرجحية أنها سالومي ذكر متّى أنها أم ابني زبدي (متّى ٢٧: ٥٦).
مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا ويسمى حلفى أيضاً (متّى ١٠: ٣) وهي أم يعقوب الصغير ويوسي. أظهرت النساء الأربع محبتهن ليسوع وأمانتهن وشجاعتهن، لأنهن عرضن أنفسهن بحضورهن لإهانة اليهود وقساوة الرومان. وأظهروا ما لم يظهره سوى واحد من التلاميذ وهو يوحنا.
التِّلمِيذَ الَّذِي أي يوحنا (يوحنا ١٣: ٢٤).
هُوَذَا ابْنُكِ الإشارة إلى يوحنا وقصد أنه بمنزلة ابنها يعتني بها ويقوم بكل ما تحتاج إليه بناء على محبة يوحنا له. ونستنتج من ذلك أن يوسف خطيبها كان قد تُوفي منذ سنين. وعمل المسيح هذا نموذجٌ لكل الأبناء، يعلّمهم القيام بما يجب عليهم لوالديهم، لأنه لم يغفل مستقبل أمه، في وقت يحتمل فيه أشد الآلام، ويكفر عن خطايا العالم.
هُوَذَا أُمُّكَ أوصى أمه أن تعتبر يوحنا ابناً لها كما أوصى يوحنا أن يعتبرها أماً له، يعتني بها. وأظهر بذلك ثقته بيوحنا.
مِنْ تِلكَ السَّاعَةِ أي من ذلك الوقت إلى يوم وفاتها.
٢٨ – ٣٠ «٢٨ بَعْدَ هَذَا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ، فَلِكَيْ يَتِمَّ الكِتَابُ قَالَ: أَنَا عَطْشَانُ. ٢٩ وَكَانَ إِنَاءٌ مَوْضُوعاً مَمْلُوّاً خَلا، فَمَلأوا إِسْفِنْجَةً مِنَ الخَلِّ، وَوَضَعُوهَا عَلَى زُوفَا وَقَدَّمُوهَا إِلَى فَمِهِ. ٣٠ فَلَمَّا أَخَذَ يَسُوعُ الخَلَّ قَالَ: قَدْ أُكْمِلَ. وَنَكَّسَ رَأْسَهُ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ».
مزمور ١٩: ٢١ خروج ١٢: ٢٢ ولاويين ١٤: ٤ ومزمور ٥١: ٧ متّى ٢٧: ٤٨ ويوحنا ١٧: ٤ ويوحنا ١٠: ١٨
انظر شرح متّى ٢٧: ٤٨.
بَعْدَ هَذَا أي بعد ثلاث ساعات الظلمة وسكوت المسيح، إذ لم يتكلم إلا بقوله لأبيه «إلهي إلهي، لماذا تركتني؟» (انظر متّى ٢٧: ٤٥ – ٥٠ ومرقس ١٥: ٣٣ – ٥١ ولوقا ٢٣: ٤٤ – ٥١). ثم نحو الساعة التاسعة زالت الظلمة وحدث ما ذكر في هذا الفصل.
رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ أشار بهذا إلى كل حوادث حياته التي اقتضتها الكفارة عن خطايا العالم. وذكر البشير هذا مقدمةً لذكر موته. وكان موت المسيح باختياره وسلطانه حسب قوله «لي سلطان أن أضعها» (أي حياته) (يوحنا ١٠: ١٨) فلم يمت إلا بعد أن أكمل كل ما هو ضروري للفداء.
لِكَيْ يَتِمَّ الكِتَابُ أي كان ذلك على وفق ما قاله الكتاب.
قَالَ أَنَا عَطْشَانُ لم يقل ذلك على قصد أن يتم الكتاب، بل لأنه كان عطشان حقاً، لأن جسده كان كسائر أجساد البشر يتألم كغيره من المصلوبين. والمصلوب يعاني من حمى شديدة وعطش شديد. وبإظهاره عطشه وبشربه فعلاً تم الكتاب.
إِنَاءٌ مَوْضُوعاً مَمْلُوّاً خَلاً (ع ٢٩) الأرجح أن ذلك الإناء كان للعسكر، فيه شيء مما اعتادوا شربه وهو خمر حامض، ولذلك كانوا يسمونه «خلاً». ويجب التمييز بين هذا الخل والخل الذي أعطوه إيّاه في أول الصلب ممزوجاً بمرارة لتسكين الألم، وأبى أن يشربه (متّى ٢٧: ٣٤).
فَمَلأوا إِسْفِنْجَةً مِنَ الخَلِّ هذه أسهل طريقة إلى سقيه في تلك الحال.
قَالَ قَدْ أُكْمِلَ (ع ٣٠) انظر شرح متّى ٢٧: ٥٠. هذا قول المسيح السادس وهو معلق على الصليب. قارنه بقوله في (ع ٢٨) «رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ» وبقوله للآب في (يوحنا ١٧: ٤) «العَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأعْمَلَ قَدْ أَكْمَلتُهُ».
والذي أُكمل سبعة أمور: (١) حياته الجسدية فإنه تجسد وقضى على الأرض نحو ٣٣ سنة، وكان حينئذ على وشك أن يترك العالم. (٢) عمل الفداء العظيم. وإلى هذا أشار النبي بقوله «سَبْعُونَ أُسْبُوعاً قُضِيَتْ.. لِتَكْمِيلِ المَعْصِيَةِ وَتَتْمِيمِ الخَطَايَا، وَلِكَفَّارَةِ الإِثْمِ، وَلِيُؤْتَى بِالبِرِّ الأَبَدِيِّ، وَلِخَتْمِ الرُّؤْيَا وَالنُّبُوَّةِ، وَلِمَسْحِ قُدُّوسِ القُدُّوسِينَ» (دانيال ٩: ٢٤). (٣) قصد الله الأزلي. (٤) إتمامه الشريعة نائباً عن الإنسان وطاعته إيّاها طاعة كاملة. وبذلك تم قول الكتاب أنه «يُعَظِّمُ الشَّرِيعَةَ وَيُكْرِمُهَا» (إشعياء ٤٢: ٢١) وبموته أمكن أن يظهر بر الآب، ويتبرر الخاطئ. (٥) كل رموز وشعائر النظام الموسوي. (٦) كل نبوات العهد القديم المتعلقة بالفداء من التكوين بخصوص نسل المرأة الذي يسحق رأس الحية (تكوين ٣: ١٥)، ومجيء ملاك العهد القديم الذي تنبأ به ملاخي (ملاخي ٣: ١). (٧) كل آلام المسيح وعاره وتعبه.
نَكَّسَ رَأْسَهُ (ع ٣٠) هذه شهادة شاهد عيان أثر فيه ما شاهده، وبقي في ذاكرته فشهد به. وتنكيس الرأس من نتائج الموت الطبيعية للمصلوب، لأن الرأس يُنصب بالاختيار. ولكن متّى انتهت سلطة الإرادة على عضلات الجسد تتنكس رأس المصلوب.
أَسْلَمَ الرُّوحَ عبّر بهذا عن الموت لأنه انفصال الروح عن الجسد، ولأنه مات باختياره (يوحنا ١٠: ١٨). وأسلم روحه إلى يدي أبيه (لوقا ٢٣: ٤٦). وذكر لوقا حينئذ قول المسيح السابع والأخير على الصليب وهو «يا أبتاه، في يديك أستودع روحي».
فإن سُئل: إلى أين ذهبت نفس المسيح؟ قلنا: الفردوس (لوقا ٢٣: ٤٣). ولم يذكر يوحنا في بشارته الظلمة التي كانت من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة، ولا الزلزلة، ولا انشقاق حجاب الهيكل، لأسباب لا نعلمها.
طعن جنب المسيح (ع ٣١ – ٣٧)
٣١ «ثُمَّ إِذْ كَانَ اسْتِعْدَادٌ، فَلِكَيْ لا تَبْقَى الأَجْسَادُ عَلَى الصَّلِيبِ فِي السَّبْتِ، لأنَّ يَوْمَ ذَلِكَ السَّبْتِ كَانَ عَظِيماً، سَأَلَ اليَهُودُ بِيلاطُسَ أَنْ تُكْسَرَ سِيقَانُهُمْ وَيُرْفَعُوا».
مرقس ١٥: ٤٢ وع ٤٢ تثنية ٢١: ٢٣
اسْتِعْدَادٌ هو يوم الجمعة الذي كان اليهود يستعدون فيه للسبت.
فَلِكَيْ لا تَبْقَى الأَجْسَادُ عَلَى الصَّلِيبِ فِي السَّبْتِ كان الرومان يتركون المصلوبين على الصلبان حتى يموتوا ويفسدوا مهما استغرق هذا من وقت. وأما اليهود فحسبوا بقاء أجساد المصلوبين على صلبانهم بعد غروب الشمس تنجيساً لأرضهم، بحسب ما جاء في تثنية ٢١: ٢٢، ٢٣. فمنعاً لذلك سألوا بيلاطس أن يتخذ وسيلة لإماتة المصلوبين سريعاً حتى يمكن تنزيل أجسادهم قبل غروب الشمس.
لأنَّ يَوْمَ ذَلِكَ السَّبْتِ كَانَ عَظِيماً لأنه السبت الذي في أسبوع عيد الفصح وهو عندهم أقدس السبوت.
تُكْسَرَ سِيقَانُهُمْ ليموتوا سريعاً. وكان الرومان قد اعتادوا مثل هذه الوسيلة لتلك الغاية. وكانت أداة ذلك الكسر غالباً عصا ثقيلة. وكان سؤال اليهود ذلك واسطة لما لم يقصدوه، وهو إنجاز النبوة القائلة إن المسيح لا يرى فساداً (مزمور ١٦: ١٠).
٣٢ «فَأَتَى العَسْكَرُ وَكَسَرُوا سَاقَيِ الأَوَّلِ وَالآخَرِ المَصْلُوبَيْنِ مَعَهُ».
فَأَتَى العَسْكَرُ أي المعيّنون لهذه الخدمة فهم غير الحراس.
سَاقَيِ الأَوَّلِ وَالآخَرِ هذا يحتمل أن العسكر كانوا فرقتين أخذت إحداهما تكسر ساقي من على أحد جانبي المسيح وأخذت الأخرى تكسر ساقي من على الجانب الآخر حتى أتتا إلى يسوع أخيراً. وتم بذلك وعد المسيح لأحد اللصين بقوله «اليَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الفِرْدَوْسِ» (لوقا ٢٣: ٤٣).
٣٣ «وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ لَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ، لأنَّهُمْ رَأَوْهُ قَدْ مَاتَ».
عرفوا ذلك من اصفرار لونه، وتنكيس رأسه، ولعلهم لمسوه أيضاً. ووثقوا بشهادة قائد الحراس أنه مات (متّى ٢٧: ٥٤). ولنا مما قيل هنا البرهان الأول على أن المسيح مات يقيناً.
٣٤ «لَكِنَّ وَاحِداً مِنَ العَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ، وَلِلوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ».
يوحنا ٢٠: ٢٦ و١يوحنا ٥: ٦، ٨
في هذه الآية البرهان الثاني على موت المسيح يقيناً. كانت غاية الجندي الذي طعن جنب المسيح أن يتأكد من موته، وأن ما شاهده ليس إغماءً ولا خداعاً، فكأنه قال في نفسه: إن لم يكن قد مات فطعن جنبه كافٍ أن يذهب بباقي حياته. ونستنتج مما قيل في يوحنا ٢٠: ٢٧ أن الجرح كان واسعاً وعميقاً. ونستدل من خروج الدم والماء من جنبه أن الحربة بلغت شغاف قلبه. وانحلال الدم إلى ما ذُكر دليل قاطع على وقوع الموت، وأن علته انهيار القوة الجسدية. وكان ما فعله العسكر دفعاً لكل شك في حقيقة موت المسيح، ثم في حقيقة قيامته.
إن المؤمن بالله يرى للرب يداً في تحريك حربة ذلك الجندي الروماني، كما يرى له يداً في تحريك قلم يوحنا البشير في تسجيل خبر هذه الحادثة.
٣٥ «وَالَّذِي عَايَنَ شَهِدَ، وَشَهَادَتُهُ حَقٌّ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ الحَقَّ لِتُؤْمِنُوا أَنْتُمْ».
عبّر يوحنا هنا عن نفسه بضمير الغائب، وقد اعتاد في هذه البشارة أن لا يذكر اسمه. وقال هنا ثلاثة أمور شاهدها بعينه. (١) إن ساقَي المسيح لم تُكسرا. (٢) إن أحد جنود الرومان طعن جنبه. (٣) إنه خرج من جنبه دمٌ وماءٌ. وغايته من تقديم هذه الشهادة إثبات أن المسيح مات يقيناً، لأن عمل الفداء متوقِّف على موته، فقد مات كفارة عن الخطاة، وعليه تتوقف حقيقة القيامة وأكثر عقائد المسيحية. وغايته أيضاً إثبات أن يسوع هو المسيح، لأن النبوات تمّت بحوادث موته، فهو الموعود به فيها كما أوضح في ع ٣٦، ٣٧.
٣٦، ٣٧ «٣٦ لأنَّ هَذَا كَانَ لِيَتِمَّ الكِتَابُ القَائِلُ: عَظْمٌ لا يُكْسَرُ مِنْهُ. ٣٧ وَأَيْضاً يَقُولُ كِتَابٌ آخَرُ: سَيَنْظُرُونَ إِلَى الَّذِي طَعَنُوهُ».
خروج ١٢: ٤٦ وعدد ٩: ١٢ ومزمور ٢٢: ١٦، ١٧ و٣٤: ٢٠ و١كورنثوس ٥: ٧ وزكريا ١٢: ١٠ ورؤيا ١: ٧
سجل يوحنا هنا الأمور الثلاثة التي حققت ما يتعلق بالمسيح من رمز ونبوة.
عَظْمٌ لا يُكْسَرُ مِنْهُ هذا ما أمرت به الشريعة في شأن حمل الفصح (خروج ١٢: ٤٦ وعدد ٩: ١٢). وكان ذلك الحمل رمزاً ليسوع كما يظهر من قول يوحنا المعمدان (يوحنا ١: ٢٩) ومن قول بولس الرسول في (١كورنثوس ٥: ٧). وما صدق على الرمز صدق على المرموز إليه وتم ذلك بالعناية الإلهية.
سَيَنْظُرُونَ إِلَى الَّذِي طَعَنُوهُ هذا من نبوة زكريا (يوحنا ١٢: ١٠) والمقصود منه أن الذين ينظرونه ليسوا هم العسكر ويوحنا والذين كانوا وقوفاً حول الصليب فقط، بل اليهود كلهم الذين سيذكرون بعد ذلك أنهم كانوا العلة الحقيقية لطعنه (وإن كان الطاعن غيرهم) ويتوبون عن خطيتهم، أو ينوحون لذلك يأساً في يوم الدين (رؤيا ١: ٧).
والمقصود أيضاً من تلك النبوة أن المؤمنين في كل عصر ينظرون بالإيمان إلى جنب المسيح المجروح لأجلهم، برهاناً على محبته لهم محبة تفوق الوصف، وعلى كمال الفداء الذي أتى به لأجلهم.
الدفن (ع ٣٨ – ٤٢)
٣٨ «ثُمَّ إِنَّ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ، وَهُوَ تِلمِيذُ يَسُوعَ، وَلَكِنْ خُفْيَةً لِسَبَبِ الخَوْفِ مِنَ اليَهُودِ، سَأَلَ بِيلاطُسَ أَنْ يَأْخُذَ جَسَدَ يَسُوعَ، فَأَذِنَ بِيلاطُسُ. فَجَاءَ وَأَخَذَ جَسَدَ يَسُوعَ».
متّى ٢٧: ٥٧ ومرقس ١٥: ٤٣ ولوقا ٢٣: ٥٠ ويوحنا ٩: ٢٢ و١٢: ٤٢
سبق الكلام على دفن يسوع في شرح متّى ٢٧: ٥٧ – ٦١ ومرقس ١٥: ٤٢ – ٤٧.
يُوسُفَ كان رجلاً غنياً وتلميذاً للمسيح (متّى ٢٧: ٥٧) ومشيراً شريفاً ينتظر ملكوت الله (مرقس ١٥: ٤٣) وصالحاً باراً لم يوافق اليهود في رأيهم وعملهم (لوقا ٢٣: ٥٠، ٥١). وزاد يوحنا على ما قاله سائر البشيرين أنه كان تلميذ يسوع خفية.
سَأَلَ بِيلاطُسَ أظهر شجاعة ومحبة بهذا الفعل.
فَأَذِنَ بِيلاطُسُ بعد أن تحقق موت يسوع من القائد (مرقس ١٥: ٤٤، ٤٥).
٣٩ «وَجَاءَ أَيْضاً نِيقُودِيمُوسُ، الَّذِي أَتَى أَوّلا إِلَى يَسُوعَ لَيْلا، وَهُوَ حَامِلٌ مَزِيجَ مُرٍّ وَعُودٍ نَحْوَ مِئَةِ مَناً».
يوحنا ٣: ١ و٢ و٧: ٥٠ خروج ٣٠: ٢٣ وأستير ٢: ١٢ وأمثال ٧: ١٧ ونشيد الأنشاد ٣: ٦
نِيقُودِيمُوسُ انظر شرح يوحنا ٣: ١ و٧: ١٠. ولم يذكره ويذكر مشاركته ليوسف في دفن المسيح سوى يوحنا.
الَّذِي أَتَى أَوَّلاً أي في بدء خدمة المسيح (يوحنا ٣: ١).
مُرٍّ وَعُودٍ الأول راتينج والثاني خشب، وكلاهما طيّب الرائحة، غالي الثمن، يحنط بهما لمنع الفساد (مزمور ٤٥: ٨). وكانت طريقة استعمالهما في التحنيط أنهم يسحقونهما ويضعون مسحوقهما على جثة الميت ويلفونها بلفائف تحيط بالجسد كله (٢أيام ١٦: ١٤).
مِئَةِ مَناً أي لتراً (يوحنا ١٢: ٣) وهو وزن يوناني روماني يعدل نحو ١١٥ درهماً، فمبلغ المئة نحو تسع وعشرين أقّة.
٤٠ «فَأَخَذَا جَسَدَ يَسُوعَ، وَلَفَّاهُ بِأَكْفَانٍ مَعَ الأَطْيَابِ، كَمَا لِليَهُودِ عَادَةٌ أَنْ يُكَفِّنُوا».
أعمال ٥: ٦
لَفَّاهُ بِأَكْفَانٍ من كتّان اشتراه يوسف (مرقس ١٥: ٤٦ ولوقا ٢٣: ٥٣).
كَمَا لِليَهُودِ عَادَةٌ أَنْ يُكَفِّنُوا (يوحنا ١١: ٤٤). هذا من الأدلة على أن يوحنا كتب بشارته لكل أمة، وكثيرون منهم يجهلون عوائد اليهود.
قدم المجوس الهدايا من الذهب والأطياب الثمينة للمسيح ليكرموه عند ميلاده. وقدم له غني ومشير الكتان والأطياب والخدمة والقبر ليكرماه عند دفنه.
٤١ «وَكَانَ فِي المَوْضِعِ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ بُسْتَانٌ، وَفِي البُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ».
انظر شرح متّى ٢٧: ٦٠. اقتضت الحال أن يكون القبر قريباً لينتهوا من دفنه قبل المغرب، واقتضت أن يكون القبر لأحد المهتمين بدفنه ليحق لهم أن يدفنوه فيه. وبيّنت لنا بشارة يوحنا قرب القبر، وبيّن غيره من كاتبي البشائر أن القبر كان ليوسف. وزاد بعضهم أن القبر كان منحوتاً في صخرة (متّى ٢٨: ٦٠). فلم يكن له إلا مدخل واحد هو الباب الذي كان في حراسة الحراس.
قَبْرٌ جَدِيدٌ هذا يوافق قول لوقا «وَضَعَهُ فِي قَبْرٍ مَنْحُوتٍ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ وُضِعَ قَطُّ» (لوقا ٢٣: ٥٣). وهذا يمنع توهّم أن الذي قام غير يسوع. وهو يليق بمقام يسوع الملكي.
٤٢ «فَهُنَاكَ وَضَعَا يَسُوعَ لِسَبَبِ اسْتِعْدَادِ اليَهُودِ، لأنَّ القَبْرَ كَانَ قَرِيباً».
إشعياء ٥٣: ٩ ع ٣١
اسْتِعْدَادِ اليَهُودِ أي يوم الجمعة (انظر شرح ع ١٤، ٣١). ويلزم من هذا القول أن الدفن كان بسرعة، وأنه كان مقدمة لعمل آخر بعد مرور السبت (كما يتبيّن من مرقس ١٦: ١ ولوقا ٢٣: ٥٦). والدافع على تلك السرعة يتبيّن من اعتبارنا أن المسيح مات الساعة التاسعة، فاضطروا أن يكملوا دفنه قبل الساعة الثانية عشرة (السادسة مساءً بتوقيتنا) التي هي أول يوم السبت. فإذا عرفنا أن يوسف يحتاج أن يذهب إلى بيلاطس ويستأذنه في دفن يسوع، وأن يهيئ الكتان والأطياب مع نيقوديموس، ثم يُنزل الجسد ويلفه بالأكفان ويحمله إلى القبر، ويدحرج الحجر على بابه. وإذا رأينا أن الوقت كان قصيراً بالنظر إلى إتمام ذلك، فاقتضت الحال أن يسرعوا. كان دفن يسوع في القبر نهاية تواضعه الذي احتمله لأجلنا، وهذا تنازل عظيم ممن هو رب الحياة.
نزع مكث يسوع في القبر ظلمة القبر وهوله، لأنه وإن دخله أسيراً للموت فقد قام منه منتصراً على الموت انتصاراً ليس لنفسه فقط، بل لكل شعبه أيضاً (١كورنثوس ١٥: ٥٦).
السابق |
التالي |