إنجيل يوحنا

إنجيل يوحنا | 16 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح إنجيل يوحنا

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح السادس عشر

الخطاب الوداعي: إنباء يسوع تلاميذه بالاضطهاد وبإرساله الروح القدس وبقيامته وصعوده وإجابة طلباتهم

١ «قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا لِكَيْ لا تَعْثُرُوا».

يوحنا ١٥: ١٨ – ٢٨ متّى ١١: ٦ و٢٤: ١٠ و٢٦: ٣١

بِهَذَا أي بُغض العالم لكم، ومجيء المعزي. وكرر ذلك هنا للتقرير والإيضاح.

لِكَيْ لا تَعْثُرُوا أي لئلا يضعف إيمانكم وتجزعوا عند حلول المصائب بكم. ويتبين من لوقا ٢٤: ٢١ أن النوازل تعرضهم للعثرات، فأنبأهم بوقوعها لكي لا تقع عليهم بغتة فتغلبهم. وتعريفه لهم بها يمنعهم من الشك فيه، ويؤكد لهم أنه إله يعرف الغيب. وأنبأهم بحلول الروح القدس لأنه أعظم واسطة لوقايتهم من السقوط.

٢ «سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ المَجَامِعِ، بَل تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً لِلَّهِ».

يوحنا ٩: ٢٢، ٣٤ و١٢: ٤٢ أعمال ٨: ١ و٩: ١ و٢٦: ٩

سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ المَجَامِعِ خص ذلك بالذكر لأنه أعظم المصائب وقتئذ، وقد ذكرنا تلك الأهوال والنوازل في شرح يوحنا ٩: ٢٢. وذكر وقوعه في أعمال ٦: ١٣، ١٤ و٩: ٢٣، ٢٤ و١٧: ٥ و٢١: ٢٧ – ٣١. ومما زاد ذلك هولاً وشدة أنه لا يأتي عليهم من الوثنيين أو الكفرة، بل من رؤساء ديانتهم، وقد جرى هذا لمعلمهم، فلا عجب إن جرى معهم.

سَاعَةٌ أي وقت. ويعبّر في الكتاب بالساعة عن وقت قصير عينه الله أو أنبأ به.

يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ لا بُغض كالبغض المبين على اختلاف الدين، ولا اضطهاد كالاضطهاد الذي يأتيه المضطهِد ظناً أنه من فروض الدين فيقسو قلبه حتى لا يشفق على المضطهَد، ويحسب نفسه نائب الله في الانتقام والمحاماة عن الحق. وعلى هذا اضطهد شاول الطرسوسي كنيسة المسيح بدليل قوله «فَأَنَا ارْتَأَيْتُ فِي نَفْسِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَصْنَعَ أُمُوراً كَثِيرَةً مُضَادَّةً لِاسْمِ يَسُوعَ النَّاصِرِيّ» (أعمال ٢٦: ٩ – ١١). وعليه اضطهد اليهود المسيحيين إذ حسبوا قولهم إن المسيح ابن الله تجديفاً وتعليمه منافياً لتعليم موسى ومهيناً للهيكل والعبادة فيه (أعمال ٦: ١٣، ١٤ و٢١: ٢٨ – ٣١). وما جاء في يوحنا ١٥ في هذا الشأن بيّن شدة بُغض المضطهِدين، وأظهر شدة آلام المضطهَدين.

٣ «وَسَيَفْعَلُونَ هَذَا بِكُمْ لأنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا الآبَ ولا عَرَفُونِي».

لوقا ٢٣: ٣٤ ويوحنا ١٥: ٢١ وأعمال ٣: ١٧ ورومية ١٠: ٢ و١كورنثوس ٢: ٨ و١تيموثاوس ١: ١٣

ذلك علة ما ارتكبوه من الاضطهاد، وقد سبق مثل ذلك في يوحنا ١٥: ٢١، فراجع الشرح هناك وانظر أيضاً لوقا ٢٣: ٣٤ وأعمال ٣: ١٧. وقال بولس عن نفسه إنه اضطهد المسيحيين لجهالته (١تيموثاوس ١: ١٣).

لأنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا الآبَ ولا عَرَفُونِي فلو عرفوا الآب حق المعرفة لعرفوا الابن أيضاً. وأن يسوع مرسَل منه، وأن تعليمه حق. ولو عرفوهما لعرفوا أن ما ارتكبوه من الاضطهاد كان مقاومة لكليهما، وأنه لا يُرضي الآب ولا الابن، وأنه مضاد لإرادتهما (لوقا ٩: ٥٤ – ٥٦).

٤ «لَكِنِّي قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا حَتَّى إِذَا جَاءَتِ السَّاعَةُ تَذْكُرُونَ أَنِّي أَنَا قُلتُهُ لَكُمْ. وَلَمْ أَقُل لَكُمْ مِنَ البِدَايَةِ لأنِّي كُنْتُ مَعَكُمْ».

يوحنا ١٣: ١٩ و١٤: ٢٩ متّى ٩: ١٥ ويوحنا ١٨: ٨

غاية هذه الآية كغاية الآية الأولى، وهي وقاية التلاميذ من العثرات.

بِهَذَا أي وقوع الاضطهاد ومجيء المعزي.

تَذْكُرُونَ أَنِّي أَنَا قُلتُهُ لَكُمْ لأنهم لو خرجوا للتبشير بالمسيحية وانتظروا أن العالم يرحب بهم ويكرمهم لشكوا في صدق دعوى المسيح عند وقوع الاضطهاد. ولكن بذكرهم أن المسيح سبق وأنبأهم بذلك الاضطهاد يتقوى إيمانهم لأنه يعرف الغيب، ويذكرون بذلك مواعيد التعزية لهم (يوحنا ١٣: ١٩ و١٤: ٢٩).

وَلَمْ أَقُل لَكُمْ مِنَ البِدَايَةِ أي من بدء خدمته. نعم إنّه أخبرهم بشيء من تلك الاضطهادات في متّى ٥: ١٠ و٩: ١٥ و١٠: ١٦. ولكن لم يوضحه كما أوضحه هنا، ولم ينبئهم بها مع إنبائه بذهابه عنهم. وهذا مما زاد الاضطهاد هولاً. ولم يخبرهم من البدء بمجيء الروح القدس ليقويهم ويعزيهم.

لأنِّي كُنْتُ مَعَكُمْ المعنى أن المسيح لم يشغل وقته قبلاً بأن ينبئ الرسل بالاضطهادات وذهابه عنهم ومجيء الروح القدس، لأنهم كانوا محتاجين إلى ما هو أهم منه حينئذٍ، ولم يكونوا مستعدين لهذا، ولم تكن أحوالهم تقتضيه. فما دام معلمهم معهم يكونون غير محتاجين إلى أن يسمعوا نبأ مجيء معلم آخر، فهو معهم يعزيهم ويقويهم فلا يحتاجون إلى معزٍّ آخر.

٥ «وَأَمَّا الآنَ فَأَنَا مَاضٍ إِلَى الَّذِي أَرْسَلَنِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَسْأَلُنِي أَيْنَ تَمْضِي».

يوحنا ٧: ٣٣ و١٣: ٣ و١٤: ٢٨ وع ١٠، ١٦

قال له بطرس في أول الخطاب «يَا سَيِّدُ، إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ؟» (يوحنا ١٣: ٣٦). لكن المسيح لم يهتم بالإجابة، لأن بطرس أراد بسؤاله أن يقنعه بالعدول عن المضي، أو أن يأذن له في الذهاب معه. فلم يقصد معرفة المكان الذي قصد الذهاب إليه ليشارك المسيح في فرحه برجوعه إلى مجده. أو أنه قصد أنه لم يسأله أحد ذلك في الوقت الذي تكلم فيه بهذا.

٦ «لَكِنْ لأنِّي قُلتُ لَكُمْ هَذَا قَدْ ملَأ الحُزْنُ قُلُوبَكُمْ».

يوحنا ١٤: ١، ٢٢

انتبهوا لإنبائه بالذهاب عنهم وما يصيبهم من الخسارة بذلك، فاشتد عليهم الحزن ولم يلتفتوا إلى التعزية التي يستطيعون نوالها من معرفة المكان الذي هو ذاهب إليه، ومعرفة غايته من ذلك الذهاب. ولم يظنوا أنه ذاهب إلى حضرة أبيه في السماء ليتمجد بمجده الأصلي، وليرسل إليهم الروح القدس.

٧ «لَكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الحَقَّ، إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لا يَأْتِيكُمُ المُعَزِّي، وَلَكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ».

يوحنا ٧: ٣٩ و١٤: ١٦، ٢٦ و١٥: ٢٦ أعمال ٢: ٣٣ وأفسس ٤: ٨

لَكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الحَقَّ هذا كقوله «الحق الحق أقول لكم» ليزيل الشكوك من قلوبهم ويجعل كلامه مؤثراً فيهم، وذلك ليبدِّل حزنهم على مفارقته إيّاهم بالفرح. وذكر وسيلة ذلك أمرين: (١) في آية ٧، و(٢) في آيات ٨ – ١١. وقد رأينا تأثيرهما بما نالوه بعد صعود المسيح إلى السماء، في القول أنهم «رَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ» (لوقا ٢٤: ٥٢).

خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ وذلك لأمرين: (١) أن ذهابه ضروري لإتيان الروح القدس. (٢) أنه بواسطة ذهابه أي موته وتعليم الروح القدس في شأن ذلك يفهم التلاميذ ما لم يفهموه قبلاً من المقصود من مجيء المسيح وغاية ملكوته. والانطلاق المذكور هنا هو ذهابه إلى أبيه بموته وصعوده ليتمجد هناك (يوحنا ١٤: ٢، ٣، ١٢، ٢٨ ويوحنا ١٦: ٢٨).

لأنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لا يَأْتِيكُمُ المُعَزِّي فما قاله هنا في علاقة تمجيده بمجيء الروح القدس مثل ما ذُكر في يوحنا ٧: ٣٩. فلا يلزم منه أن الروح القدس لم يأت الكنيسة قبلاً، فمراده أن ذلك الروح لم يكن قد وُهب بمقدار ما وُهب بعد موت المسيح وصعوده. فحلول الروح القدس بعد ذلك جعل للكنيسة عصراً جديداً. ووقت ذلك الحلول بدء «الأيام الأخيرة» التي أنبأ بها يوئيل النبي (يوئيل ٢: ٢٨ – ٣٠).

لم يبين المسيح أن ذهابه ضروري لإتيان المعزي، ولعلها مجرد إرادة الله الآب، أو لعلها أن العالم لا يكون مستعداً لقبول المعزي إلا بعد إتمام المسيح لعمل الفداء من تجسده وتعليمه وموته وصعوده. وأنه كان صعباً أن يرجع اليهود عن توقعهم أن المسيح يكون ملكاً أرضياً ما لم يمُت فييأسوا من ذلك. وكان حلول الروح القدس جزءاً عظيماً من تمجيد المسيح، وهذا لا يتم إلا بعد نهاية تواضعه وموته. وكان خيراً للتلاميذ أن يذهب المسيح عنهم، لأنه لو بقي معهم لظلوا متكلين على حضوره الظاهر وناسوته، فلا يتقدَّمون في سبيل الإيمان.

وخيرٌ لكل المسيحيين أن ينطلق المسيح لأنه لو لم ينطلق لم يكن حبرهم العظيم في السماء يشفع فيهم كما يشفع الآن.

وخيرٌ للكنيسة، لأنه لو بقي على الأرض إلى أن تتسع الكنيسة وتمتد إلى أقاصي الأرض لاحتاجت إلى حضوره بالجسد في كل من تلك الأقاصي في وقت واحد، وذلك محال. وأما الروح القدس فيمكنه ذلك لأنه ليس بمادة. والخلاصة أنه خير للكنيسة أن تنال حضور الروح القدس الذي هو في كل مكان غير منظور من أن يدوم المسيح معها متجسداً منظوراً، وأنه لا بد من إكمال عمل المسيح قبل أن يبدأ الروح القدس عمله المبني على ذلك.

٨ «وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ العَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ».

في هذا العدد شرح لعمل الروح، وأن ذهاب المسيح خير من بقائه لأنه وسيلة لمجيء الروح.

مَتَى جَاءَ ذَاكَ لا يلزم من ذلك أنه لم يكن في العالم قبلاً، لأنه لا يتوب خاطئ ويؤمن إلا بواسطة تأثيره. لكنه حل بعد صعود المسيح بقوة أعظم من ذي قبل، وبعلامات ظاهرة كما كان في يوم الخمسين.

يُبَكِّتُ العَالَمَ أي أهل العالم المقاومين للمسيح (يوحنا ١: ١٠ و١٢: ٣١). وأشار بالعالم هنا إلى اليهود خاصة، لكنه صدق بعد ذلك على أكثر الأمم. ولم يُشر المسيح هنا إلى فعل الروح القدس في أفراد الناس، لأن ذلك فعله على الدوام. إنما أشار إلى تأثيره العظيم في الجماعات التي رفضت المسيح وقاومته. وهذا التأثير حجز مقاومة الأعداء والتخويف من عاقبة تلك المقاومة وتغيير آرائهم في أمر دعواه. وكان هذا التأثير علة نجاح الإنجيل بين اليهود أولاً، ثم بين الأمم، ويسجل لنا سفر أعمال الرسل تاريخ ذلك. ومعنى «يبكت» يوبخ أو يلوم، والمقصود منه أنه ينبه ضمائر الناس ويقنعهم بخطئهم في حكمهم على يسوع، ويحثهم على تغيير ذلك الحكم. وتكون نتيجة ذلك إيمان بعض الناس وخلاصهم، وقسوة قلوب بعضهم وكفرهم وهلاكهم (٢كورنثوس ٢: ١٥، ١٦).

عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ هذه ثلاثة أمور يبكت الروح القدس الناس عليها. ولا يستطيع أحد أن يحكم في هذه الأمور بالصواب إلا بواسطة فعل الروح القدس فيه. وأساس تبكيت الروح الناس عليها ما جرى في عمل الفداء.

٩ «أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلأنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بِي».

أعمال ٢: ٢٢ – ٢٧ و١كورنثوس ١٢: ٣ و١يوحنا ٥: ١٠

أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلأنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بِي أي أن الروح القدس يقنع الناس بأنهم ارتكبوا أعظم الخطايا برفضهم أن يسوع هو ابن الله. وهذه الخطية تتضمن سائر الخطايا لأنها رفض الآب الذي أرسله، ولأنها بيَّنت شر قلوبهم فإن رفضهم ليسوع رفضٌ لنور العالم وتفضيلٌ للظلمة على النور (مرقس ١٦: ١٦ ويوحنا ٣: ١٩، ٣٦ و١٢: ٤٤ و١يوحنا ٥: ١٠ – ١٢). وهذه الخطية أدت بهم إلى قتلهم مسيحهم، ووضعهم دم ابن الله على نفوسهم. وجعل الرسل هذه الخطية موضوع تعليمهم وتوبيخهم اليهود. واتخذها الروح القدس منخساً ينخس به قلوبهم، ووسيلة إلى توبة كثيرين منهم وفق القول «فَلَمَّا سَمِعُوا نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ، وَسَأَلُوا بُطْرُسَ وَسَائِرَ الرُّسُلِ: «مَاذَا نَصْنَعُ» (أعمال ٢: ٣٧ انظر أيضاً أعمال ٣: ١٣ – ١٥ و٤: ١٠، ٢٦ – ٢٨). وفي ذلك تحقيق النبوة في قوله «وَأُفِيضُ عَلَى بَيْتِ دَاوُدَ وَعَلَى سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ رُوحَ النِّعْمَةِ وَالتَّضَرُّعَاتِ، فَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ، الَّذِي طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ» (زكريا ١٢: ١٠).

ولم يزل رفض المسيح أعظم الآثام على كل إنسان لأنه يمنعه من نوال مغفرة خطاياه، فالإيمان بالمسيح شرطُ كل مغفرة. ورفض المسيح كفر بالنعمة، يبطل كل ما فعله الآب والابن والروح القدس لأجل خلاص من يرفض.

وتبكيت الروح القدس للناس ضروري لإقناعهم بأن عدم إيمانهم بالمسيح خطية عظيمة لأنهم يحسبون تعدي إحدى الوصايا العشر إثماً فظيعاً يوجب الدينونة، وأما ذلك فيعدونه خطأ زهيداً لا يُعبأ به.

١٠ «وَأَمَّا عَلَى بِرٍّ فَلأنِّي ذَاهِبٌ إِلَى أَبِي ولا تَرَوْنَنِي أَيْضاً».

يوحنا ٣: ١٤ و٥: ٣٢ وأعمال ٢: ٣٢ ورومية ٣: ٢٥، ٢٦

وَأَمَّا عَلَى بِرٍّ أي سبب برّ يسوع المسيح. فإن اليهود اتهموه بأنه مخادع (يوحنا ٩: ٢٤). وحكموا عليه بأنه مجدف (مرقس ١٤: ٦٤). وشكوه إلى بيلاطس مدعين أنه مستوجب الموت (يوحنا ١٨: ٣٠، ٣١) فالروح القدس بكّتهم بعد صعود المسيح على برّه، كما بكتهم على خطيتهم. ولا شك أن الروح القدس كان يقنع اليهود أن البرّ الذي اتكلوا عليه (أي بر الناموس) غير كافٍ للخلاص، وهو يقنع جميع الناس أن تبريرهم بالأعمال الصالحة محال، وأن الجميع يهوداً وأُمماً يحتاجون إلى الإيمان ببرّ المسيح. ولكن هذا غير المقصود في هذه الآية. وقد أوضحه بولس الرسول في رومية ٣: ٢٠ – ٢٦ و٤: ١ – ٢٥.

فَلأنِّي ذَاهِبٌ إِلَى أَبِي قال المسيح إن الروح القدس يقنع اليهود ببره بعد ذهابه إلى أبيه في السماء. ونجد ذلك في المعجزات التي حدثت عند موته فجعلت القائد الروماني يقول «بِالحَقِيقَةِ كَانَ هَذَا الإِنْسَانُ بَارّاً!» (لوقا ٢٣: ٤٧). كما نجده في قيامته التي هي أعظم المعجزات، ونجده في المعجزات التي صنعها رسله إثباتاً لبره. ونجده في تأثيره في قلوب الذين سمعوا وعظ الرسل وهم يتكلمون عن بره وخطيتهم (أعمال ٢: ٢٢ – ٢٤ و٣: ١٤ و٧: ٥٢ و١٧: ٣١ ورومية ١: ٤ و١بطرس ٣: ١٨).

ولا تَرَوْنَنِي أَيْضاً لا يرونه ثانية على الأرض إلا يوم الدين عند مجيئه ثانيةً. وأما حضور الروح القدس فيقنع الناس بخطيتهم وبره أكثر مما يقنعهم المسيح بحضوره في الجسد وبتعليمه اللفظي.

١١ «وَأَمَّا عَلَى دَيْنُونَةٍ فَلأنَّ رَئِيسَ هَذَا العَالَمِ قَدْ دِينَ».

لوقا ١٠: ١٨ ويوحنا ١٢: ٣١ وأعمال ٢٦: ١٨ وأفسس ٢: ٢ وكولوسي ٢: ١٥ وعبرانيين ٢: ١٤.

الذي يوضح معنى هذا الكلام قول المسيح سابقاً «اَلآنَ دَيْنُونَةُ هَذَا العَالَمِ. اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هَذَا العَالَمِ خَارِجاً» (يوحنا ١٢: ٣١ انظر شرحها). كان الشيطان هو الذي يحث العالم على رفض المسيح وقتله (يوحنا ٨: ٤٠، ٤١) فتبرير المسيح دينونة الشيطان.

كان موت المسيح على الصليب واسطة فداء العالم وانقلاب مملكة الشيطان وإقامة ملكوت المسيح الروحي، لأن الروح القدس جعل التبشير بذلك الموت وسيلة إلى تلك الأعمال العظيمة. ونجاح الإنجيل منذ يوم الخمسين إلى الآن كان دينونة للشيطان وإبطالاً لقوته، وهو دينونة لكل من يشاركه في مقاومته للمسيح، وهو مقدمة الدينونة الأخيرة حين يُغلب الغلبة التامة.

وكل خاطئ يتوب ويؤمن بالمسيح يدين الشيطان بتركه خدمته. وكل صنم مكسور وكل هيكل وثني مهدوم شاهد بأن رئيس العالم قد دين.

١٢ «إِنَّ لِي أُمُوراً كَثِيرَةً أَيْضاً لأقُولَ لَكُمْ، وَلَكِنْ لا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الآنَ».

مرقس ٤: ٣٣ و١كورنثوس ٣: ٢ وعبرانيين ٥: ١٢

أُمُوراً كَثِيرَةً هي ما أشار إليه في الآية بقوله «جميع الحق». وكُتبت في أعمال الرسل وفي رسائلهم لأنها نتيجة تعليم الروح القدس إيّاهم المبني على أقوال المسيح نفسه، ولا سيما موعظته على الجبل. وأمثلة تلك الأمور التي لم يستطع الرسل أن يحتملوها في وقتها بإيقاف الذبائح الموسوية والكهنوت اللاوي، وإبدال السبت بالأحد، ورفض الله أمة اليهود أن تكون شعبه الخاص، وإدخال الأمم إلى المشاركة في حقوق الإنجيل. والأرجح أن المسيح جعل تلك الأمور وأمثالها موضوع تعليمه لرسله في الأربعين يوماً التي صرفها معهم بين صعوده وقيامته وهو «يتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله».

لا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الآنَ معظم علة ذلك آراؤهم اليهودية في شأن المسيح وملكوته التي لا يمكن استئصالها إلا بموته وصعوده عنهم، وسكبه الروح القدس عليهم. ويتضمن قوله «لا تستطيعون الآن» وعداً بأنهم يستطيعون ذلك بعد حلول الروح القدس الذي سيعلمهم كل ما هو ضروري للكنيسة في كل حين، فلا تبقى حاجة إلى تعليم جديد في عصورها الآتية ولا يُنتظر.

١٣ «وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الحَقِّ، لأنَّهُ لا يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَل كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ».

يوحنا ١٤: ١٧ و١٥: ٢٦ ويوحنا ١٤: ٢٦ و١يوحنا ٢: ٢٠، ٢٧ رؤيا ١: ١ – ١٠ و٢٢: ١٦، ١٧

رُوحُ الحَقِّ (انظر شرح يوحنا ١٤: ١٧). المسيح هو «الحق» (يوحنا ١٤: ٦) فالروح القدس يأخذ مما للمسيح ويخبر الناس به (ع ١٤).

يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الحَقِّ المختص بدين المسيح مما يجب أن تقبلوه وتعلّموه لغيركم. وفي ذلك وعد لهم بأن يكونوا مُلهَمين ليؤسسوا كنيسته ويضعوا لها القوانين الضرورية لعقيدتها وأعمالها مما علمهم هو، فالروح القدس يقدرهم على أن يذكروها ويفهموها ويعلّموها. فإذاً لا حقَّ للكنيسة أن تتوقع تعليماً جديداً بعد الرسل لأنهم وُعدوا «بجميع الحق».

لأنَّهُ لا يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ أي لا يأتي بتعليم ليس من تعليم الآب والابن، فإنه موافق لهما في الرأي والكلام. وكلام المسيح عن الروح ككلامه عن نفسه، أي لم يعلّم إلا ما علّمه الآب (يوحنا ٧: ١٦ و١٢: ٤٩ و١٤: ٢٤).

كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ السمع هنا كناية عن نقل الحديث، فالمعنى أن الروح يأخذ تعليمه من الآب والابن في ما يختص بعمل الفداء (انظر شرح يوحنا ٥: ٣٠).

وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ أي بما يحدث في الكنيسة بعد تعليمه لهم. ومن أمثلة ذلك أن الروح يبيِّن لهم الغاية من موت المسيح، وسبب التغييرات في الكنيسة اليهودية من إلغاء الذبائح وغيرها من الطقوس، ومن دعوة الأمم، وتشتّت اليهود (انظر أفسس ٤: ٧ – ١٦). وألهم الروح القدس الرسل علاوة على ذلك أن يتنبأوا بأمور مستقبليَّة تتعلق بالكنيسة والعالم (أعمال ١١: ٢٨ و٢٠: ٢٩ و٢١: ١١ و١تيموثاوس ٤: ١ – ٣ و٢تيموثاوس ٣: ١ – ١٣ وسفر الرؤيا كله).

١٤ «ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ».

٢كورنثوس ٣: ١٧، ١٨

ذَاكَ يُمَجِّدُنِي هذا وعد بعمل ثالث من أعمال الروح (الأول والثاني في ع ١٣). والتمجيد المقصود هنا هو تمجيد المسيح أمام عيون الناس على الأرض، لأن مجده في السماء ظاهر لا يحتاج إلى إظهار الروح إيّاه. والمعنى أن الروح القدس يبرئ اسم المسيح مما وقع عليه من العار والتهم الباطلة، ويرفع شأنه وصيته، وشأن تعليمه وعمله. فكل تعليم ديني لا يعظم يسوع بأنه مخلّص إلهي ووسيط وحيد ورئيس أحبار ليس من الروح القدس.

يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ هذا وعد بعمل رابع من أعمال الروح القدس. ومعنى قوله «مما لي» كلامي وعملي لفداء العالم. فكما أن الرسول يأخذ التعليم عن مرسِله، كذلك يأخذ الروح عن المسيح لإجراء مقاصد المسيح في سبيل الخلاص. وينتج من ذلك أن موضوع تعليم الروح القدس الخاص هو يسوع المسيح. فيجب على الواعظين أن يكون هو موضوع تعليمهم.

وَيُخْبِرُكُمْ أي يفهمكم معنى ما يأخذه عني ويجعله يؤثر فيكم، إذ يأخذ الروح القدس ما في إنجيل المسيح من مواعيد وإنذارات وتعاليم ويجعلها مؤثرة في قلوب الناس، تأتي بهم إلى الإيمان والتوبة والقداسة ( ١كورنثوس ١٢: ٣). وكان هذا الوعد للرسل وتحقق في يوم الخمسين، إذ اتسعت معرفتهم الروحية كثيراً. وهذا الوعد هو للمسيحيين في كل عصر، لأن الروح ينير عقولهم، ويقيهم من الضلال، ويقدِّرهم على معرفة الحق والتبشير به.

١٥ «كُلُّ مَا لِلآبِ هُوَ لِي. لِهَذَا قُلتُ إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ».

متّى ١١: ٢٧ ويوحنا ٣: ٣٥ و١٣: ٣ و١٧: ١٠

قال هذا تفسيراً لقوله «مما لي» في الآية السابقة وبياناً لاتفاقهما في التعليم، وأن كل ما للواحد هو للآخر، فكلاهما يأخذ من كنز الحق الواحد. ويصح أن يعني أن مجد الابن هو مجد الآب ومجد الآب هو مجد الابن، بحسب القول «لِمَعْرِفَةِ سِرِّ اللَّهِ الآبِ وَالمَسِيحِ، المُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الحِكْمَةِ وَالعِلمِ» (كولوسي ٢: ٢، ٣ وأيضاً كولوسي ١: ١٢ ومتّى ١١: ٢٧). ولنا في هذه الآية ما يُثبت سر التثليث، وفيها أن الآب معلَنٌ بالابن، وأن الروح القدس يقدِّر الناس أن يفهموا ويقبلوا هذا الإعلان.

١٦ «بَعْدَ قَلِيلٍ لا تُبْصِرُونَنِي، ثُمَّ بَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً تَرَوْنَنِي، لأنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الآبِ».

يوحنا ٧: ٣٣ و١٣: ٣٣ و١٤: ١٩ وع ١٠، ٢٨ ويوحنا ١٣: ٣

بَعْدَ قَلِيلٍ أي بعد ساعات من يومٍ واحدٍ قبل موته (يوحنا ١٤: ١٩).

لا تُبْصِرُونَنِي لا بالعيون الجسدية ولا بعين الإيمان، لأني أُحجب عنكم في القبر ثلاثة أيام. وهذه المدة أشد ظلاماً من كل مدة في تاريخ العالم. وسبب عدم رؤيته بعين الإيمان وقتئذ أن إيمانهم ضعف حتى كان يفنى.

بَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً تَرَوْنَنِي بدأت تلك الرؤية يوم قيامته وتدوم إلى الأبد، لأنه قام وظهر لعيونهم الجسدية أربعين يوماً. وبعد إتيان المعزي رأوه بعين الإيمان إذ كان حاضراً بالروح مع كنيسته، وسوف يرونه في مجيئه الثاني، ثم يرونه إلى الأبد في السماء (يوحنا ١٤: ١٩).

لأنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الآبِ لكي أرسل إليكم المعزي كما قلت في الآية السابقة. وهذا يوضح كل الكلام عن ذهابه ورجوعه ونظرهم إيّاه واحتجابه عنهم. والأمر ذو الشأن هو ليس مطلق الذهاب، بل الذهاب إلى الآب.

١٧، ١٨ «١٧ فَقَالَ قَوْمٌ مِنْ تلامِيذِهِ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا هُوَ هَذَا الَّذِي يَقُولُهُ لَنَا: بَعْدَ قَلِيلٍ لا تُبْصِرُونَنِي، ثُمَّ بَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً تَرَوْنَنِي، وَلأنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الآبِ؟. ١٨ فَتَسَاءَلُوا: مَا هُوَ هَذَا القَلِيلُ الَّذِي يَقُولُ عَنْهُ؟ لَسْنَا نَعْلَمُ بِمَاذَا يَتَكَلَّمُ».

كان صعباً على الرسل أن يفهموا ما قصده يسوع بسبب آرائهم اليهودية في أن المسيح يحيا إلى الأبد ويملك على الأرض. فمنعتهم هذه الآراء من فهم كلام المسيح، فظنوه لغزاً، وصعُب عليهم التوفيق بين قوله في ع ١٠ وع ١٦.

١٩ «فَعَلِمَ يَسُوعُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَسْأَلُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ: أَعَنْ هَذَا تَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، لأنِّي قُلتُ: بَعْدَ قَلِيلٍ لا تُبْصِرُونَنِي، ثُمَّ بَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً تَرَوْنَنِي».

عَلِمَ يَسُوعُ باعتباره الله، وأفكار الناس مكشوفة لديه (يوحنا ٢: ٢٥ و٦: ٦).

٢٠ «اَلحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ سَتَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ وَالعَالَمُ يَفْرَحُ. أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ، وَلَكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ».

الكلام من هذه الآية إلى آية ٢٧ تفسير لقوله «بعد قليل تبصرونني» وقوله «ثم بعد قليل ترونني». وفي آية ٢٢ فسَّر قوله «إني ذاهب إلى الآب».

سَتَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ حزنوا قبلاً حين أنبأهم بخيانة بعضهم وإنكار الآخرين إيّاه وبآلامه وموته والخطر الذي ينتظرهم، فقال إن ذلك الحزن سيزيد حين يرون ويختبرون ما أنبأهم به (يوحنا ١٠: ١١ ولوقا ٢٣: ٣٧). حزن عالي الكاهن ووقع ميتاً حين سمع أن الفلسطينيين أخذوا تابوت الرب، وأما الحزن الذي أصاب الرسل فأعظم من حزنه، لأن التابوت كان رمزاً للمسيح حين أهانه أعداؤه (وقد كللوه بالشوك وصلبوه بين لصيّن) إهانة أشد من إهانة الفلسطينيين للتابوت. وناحوا لأنهم لم ينتظروا أن يروه أيضاً بعد الموت.

وَالعَالَمُ يَفْرَحُ أي أهل العالم أعداؤه ولا سيما اليهود الذين طلبوا قتله وأظهروا فرحهم بالهزء به والتهكم عليه وهو على الصليب.

حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ حين ترونني قائماً ممجداً. بل أنكم تفرحون بموتي أيضاً حين تتحققون نتائجه، وهي تمهيد السبيل لخلاص العالم ونوال النفوس الميتة الحياة الأبدية، وأن المسيح سبى سبياً واستولى على مفاتيح الموت والجحيم.

٢١، ٢٢ «٢١ اَلمَرْأَةُ وَهِيَ تَلِدُ تَحْزَنُ لأنَّ سَاعَتَهَا قَدْ جَاءَتْ، وَلَكِنْ مَتَى وَلَدَتِ الطِّفْلَ لا تَعُودُ تَذْكُرُ الشِّدَّةَ لِسَبَبِ الفَرَحِ، لأنَّهُ قَدْ وُلِدَ إِنْسَانٌ فِي العَالَمِ. ٢٢ فَأَنْتُمْ كَذَلِكَ، عِنْدَكُمُ الآنَ حُزْنٌ. وَلَكِنِّي سَأَرَاكُمْ أَيْضاً فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ، ولا يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ».

إشعياء ٢٦: ١٧ وع ٦ لوقا ٢٤: ٤١، ٥٢ ويوحنا ١٤: ١، ٢٧ و٢٠: ٢٠ وأعمال ٢: ٤٦ و١٣: ٥٢ و١بطرس ١: ٨

كثيراً ما استعمل أنبياء العهد القديم هذا المثل (إشعياء ٢١: ٣ و٢٦: ١٧، ١٨ و٦٦: ٧، ٨ وإرميا ٤: ٣١ و٢٢: ٢٣ و٣٠: ٦ وهوشع ١٢: ١٣، ١٤ وميخا ٤: ٩، ١٠). ووجه الشبه بين فرح المرأة بعد حزنها وفرح التلاميذ بعد حزنهم أن حزن كل منهما وقتي، يليه فرح دائم، وأن عظمة الفرح تنسيهم شدة الحزن الماضي. وفي ذلك تلميح إلى أنه كما أن حزن التلاميذ يتحول إلى فرح كذلك فرح أعداء المسيح يتحول إلى حزن.

عِنْدَكُمُ الآنَ حُزْنٌ لتوقعكم ذهابي.

سَأَرَاكُمْ أَيْضاً وهذا يستلزم أنهم سيرونه (ع ١٩). والمعنى أنهم سيجتمعون أيضاً حتى يراهم ويروه. وكان ذلك يوم قيامته جسدياً، وبعد صعوده إلى الأبد روحياً.

فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ على قدر حزنكم قبل ذلك، فيتجدد رجاؤكم، وتنالون قوة جديدة وشجاعة، وتدركون حقيقة طبيعتي وخدمتي وتحقيق النبوات فيّ.

ولا يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ فرح الرسل بحضور المسيح معهم، ونزع موته ذلك الفرح منهم. ولكن فرحهم الجديد لم يكن ليُنزع منهم، لتحققهم أن يسوع هو المسيح، وأنه حي إلى الأبد وباق معهم إلى انقضاء الدهر، وكل سلطان في يده حتى أن لا يسمح أن تسلب الشكوك فرحهم الداخلي، ولا التهديدات والاضطهادات الخارجية من الأعداء.

يمكن الناس أن يأخذوا منا المال الأرضي والصحة والحرية والأصحاب الأرضيين، لكنهم لا يستطيعون أن يأخذوا منا المسيح، ولا يقدرون أن ينزعوا فرحنا.

٢٣ «وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ لا تَسْأَلُونَنِي شَيْئاً. اَلحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ مِنَ الآبِ بِاسْمِي يُعْطِيكُمْ».

متّى ٧: ٧ ويوحنا ١٤: ١٣ و١٥: ١٦

فِي ذَلِكَ اليَوْمِ أي حين إتيان الروح القدس وتعليمه إيّاهم كل شيء.

لا تَسْأَلُونَنِي شَيْئاً أي لا تحتاجون إلى أن تطلبوا مني تفسير كلامي كما احتجتم إلى ذلك سابقاً، وأن تطلبوا تكراره لنسيانكم إيّاه، لأن الروح القدس يوضح لكم كل ما غمض عليكم من كلامي، ويذكركم كل ما نسيتموه. وقول المسيح هنا مبني على قول البشير في ع ١٩ «كَانُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَسْأَلُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ: أَعَنْ هَذَا تَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَكُمْ؟» وهو توطئة لقوله في ع ٢٥ وهما بمعنى واحد، إذ فيهما وعد بالإدراك التام لكل الحقائق التي كانت سابقاً كأمثال وألغاز. ونرى كيف تحقق هذا الوعد في خطاب بطرس وسائر الرسل يوم الخمسين بعد حلول الروح القدس، إذ أوضحوا الأمور المختصة بالمسيح وموته أحسن إيضاح.

كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ هذا الوعد كالوعد في يوحنا ١٤: ١٣ و١٥: ١٦، فراجع شرحهما. وظاهر هذا الوعد أنه بلا قيد، والحق أنه مقيّد بأنه لا يتحقق إلا بعد حلول الروح القدس عليهم، ولا يطلبون بعد ذلك إلا ما يحتاجون إليه لنموهم الروحي ونفعهم لغيرهم، وبأن سؤالهم الشيء يكون باسم المسيح، وبالإيمان المستند على المواعيد التي تكلم هو بها.

٢٤ «إِلَى الآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئاً بِاسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً».

يوحنا ١٥: ١١ وأفسس ٢: ١٨

إِلَى الآنَ أي مدة خدمتي وأنا معكم.

لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئاً بِاسْمِي اعتبر التلاميذ يسوع نبياً وسيداً ومعلماً وصديقاً، فسألوه الإرشاد والمعونة. لكنهم لم يكونوا قد تعودوا أن يصلّوا لله الآب باسمه، ولم يعتبروه الوسيط الوحيد بين الله والناس الذي به وحده يصلي الناس صلاة مقبولة، فينال الخطاة رحمة والصديقون نعمة (أفسس ٢: ١٨). نعم إن الله وهب كل مراحمه للناس إكراماً للمسيح، ولكن الرسل لم يعرفوا إلى ذلك الحين أنهم مديونون للمسيح بكل ما نالوه بالصلاة.

اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا أي اطلبوا باسمي تُجابوا. فكأنه اعتبر الرسل شركاءه في كل حقوقه عند الآب. قال المسيح لتلاميذه في بدء خدمته «اطلبوا تجدوا» (متّى ٧: ٧). وهنا زاد على ذلك أن يكون الطلب باسمه. ولم يقل ذلك من أول الأمر لأن شرط الإجابة باسمه أن يموت عن العالم، وكانوا لا يستطيعون إدراك ذلك. وقوله «اطلبوا تأخذوا» أمر إلزامي علاوة على كونه شرطاً ووعداً، وهو عام لكل المسيحيين. وبناءً على ذلك أخذ المسيحيون جميعاً يختمون صلاتهم بقولهم «نسأل، أو هبْ لنا اللهم ذلك إكراماً للمسيح».

لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً المقصود بالفرح هنا الفرح الروحي. وشرط نوال هذا الفرح كاملاً أن نسأل الآب ما نريده باسم يسوع.

٢٥ «قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا بِأَمْثَالٍ، وَلَكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ حِينَ لا أُكَلِّمُكُمْ أَيْضاً بِأَمْثَالٍ، بَل أُخْبِرُكُمْ عَنِ الآبِ علانِيَةً».

بِأَمْثَالٍ ذكر المسيح كثيراً من تعاليمه بطريق المجاز، فغمض على التلاميذ وعسر عليهم فهم بعض تعاليمه بسبب آرائهم اليهودية. وكان بعضها إنباء بالمستقبل، ومثل هذا صعب الفهم قبل تحقيقه. وكل تعليم لا يُدرك معناه يصلح أن يُسمى مثلاً، فالذبائح الموسوية والطقوس اليهودية والنبوات كانت كألغاز إلى ما بعد موت المسيح.

وَلَكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ بعد إرسالي الروح القدس.

لا أُكَلِّمُكُمْ أَيْضاً بِأَمْثَالٍ، بَل أُخْبِرُكُمْ اعتبر المسيح تعليم الروح القدس تعليمه لأنه هو أرسله ع ٧. فأنار هذا التعليم عقول الناس ليفهموا أقوال المسيح، وعمل على تجديد قلوبهم ليحبوا الأمور الروحية.

عَنِ الآبِ أي عن صفاته ومقاصده في إجراء عمل الفداء، ولا سيما تنظيم الكنيسة المسيحية، وانتشارها بين قبائل الأرض. أتى المسيح ليعلن الآب للعالم، لكن العالم لم يدرك إلا قليلاً من إعلانه، حتى رُفع يسوع على الصليب وحل عليهم الروح القدس. فأظهر المسيح بصلبه، مع إظهار الروح عدل الله وقداسته وحقه ورحمته ومحبته.

٢٦ «فِي ذَلِكَ اليَوْمِ تَطْلُبُونَ بِاسْمِي. وَلَسْتُ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي أَنَا أَسْأَلُ الآبَ مِنْ أَجْلِكُمْ».

ع ٢٣

لَسْتُ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي أَنَا أَسْأَلُ الآبَ مِنْ أَجْلِكُمْ أي لا داعي لأن أقول لكم ذلك إذ قلته سابقاً، وقد عرفتموه (يوحنا ١٤: ١٦). ولئلا تتوهموا أن ما قلته سابقاً أن الآب غير مكترث بهم، أو أنه لا يريد أن يستجيبهم، وهو ليس صحيحاً. وهذا لا يعني أن المسيح لا يسأل الآب من أجلهم، فأصحاح ١٧ كله صلاة للآب من أجلهم، ومضمون كل الإنجيل أن المسيح يشفع فينا في السماء، وننال بشفاعته المغفرة والسلام والقوة والمعونة والخلاص. وقد أوضح الرسول ذلك بقوله «هو حي في كل حين ليشفع» (عبرانيين ٧: ٢٥).

٢٧ «لأنَّ الآبَ نَفْسَهُ يُحِبُّكُمْ، لأنَّكُمْ قَدْ أَحْبَبْتُمُونِي، وَآمَنْتُمْ أَنِّي مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَرَجْتُ».

يوحنا ١٤: ٢١، ٢٣ ويوحنا ٣: ١٣ وع ٣٠ ويوحنا ١٧: ٨

لأنَّ الآبَ نَفْسَهُ يُحِبُّكُمْ ذكر المسيح في هذه الآية سبباً آخر لقوله «لستُ أقول لكم إني أسأل الآب من أجلكم» وهذا يؤكد لهم أن طريق اقترابهم إلى الآب ممهدة مفتوحة.

لأنَّكُمْ قَدْ أَحْبَبْتُمُونِي، وَآمَنْتُمْ هذا مثل قوله قبلاً «الذي يحبني يحبه أبي» (يوحنا ١٤: ٢١، ٢٣) يعتبر الآب أصدقاء ابنه أصدقاءه، ويميل إلى إجابة طلباتهم. وذلك بفضل المسيح لأنهم أحبوه وآمنوا به، فالذين لا يحبون المسيح ولا يؤمنون به لا يحبهم الآب. وقرن المسيح المحبة بالإيمان لأنها تمهيد له، فإن الثقة بالمحبة سهلة.

٢٨ «خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ الآبِ، وَقَدْ أَتَيْتُ إِلَى العَالَمِ، وَأَيْضاً أَتْرُكُ العَالَمَ وَأَذْهَبُ إِلَى الآبِ».

يوحنا ١٣: ٣

هذا تصديق لما في ع ٢٧ مما آمنوا به، فكأنه قال إن ما آمنتم به حق.

خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ الآبِ أي أرسلني الآب لأفدي العالم (يوحنا ٥: ٣٦ و٧: ٢٩). ولم يقصد بهذا بيان أنه ابن الله، بل بيان ما عمل لخلاص البشر. وقيل مثل هذا في الروح القدس (يوحنا ١٥: ٢٦). آمن التلاميذ أن ذلك الرجل الفقير المهان من الناس هو ابن الله الذي نزل من السماء ليخلّص العالم. وقوله «خرجت» يشير إلى أن المسيح تنازل من تلقاء إرادته من المجد الأسنى فهو «إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللَّهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ» (فيلبي ٢: ٦، ٧).

وَقَدْ أَتَيْتُ إِلَى العَالَمِ أي أتيت إلى الأرض متجسداً (يوحنا ١: ١٤ و٣: ١٩ و٦: ١٤، ٦٢ و٩: ٣٩). وهذا لا يمنع أنه كان على هذه الأرض بالروح قبل ذلك (يوحنا ١: ١٠).

أَتْرُكُ العَالَمَ بالموت والصعود.

وَأَذْهَبُ إِلَى الآبِ راجعاً إلى مجدي الأصلي بالطبيعة البشرية التي أخذتها هنا. في هذه الآية أربع جمل تلخص ما عمله المسيح للفداء. الأولى: تبيّن تنازله من المجد الأسنى. والثانية: تبين تجسده. والثالثة: تبين موته. والرابعة: تبين رجوعه إلى مجده.

٢٩ «قَالَ لَهُ تلامِيذُهُ: هُوَذَا الآنَ تَتَكَلَّمُ علانِيَةً وَلَسْتَ تَقُولُ مَثَلاً وَاحِداً!».

أشاروا بذلك إلى حيرتهم السابقة بقوله في ع ١٦ «بعد قليل لا تبصرونني، ثم بعد قليل ترونني» وإرادتهم أن يسألوه عن معنى ذلك (ع ١٩) ولكنهم فهموا ذلك لتفسيره إياه في ع ٢٨ بقوله «أترك العالم واذهب إلى الآب». وفيه إشارة أيضاً إلى إيمانهم القوي بالمسيح وأنه ثابت لا يتزعزع. ولا شك أنهم قالوا ذلك عن إخلاص ولم ينتبهوا لضعف قلوبهم.

٣٠ «اَلآنَ نَعْلَمُ أَنَّكَ عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَحْتَاجُ أَنْ يَسْأَلَكَ أَحَدٌ. لِهَذَا نُؤْمِنُ أَنَّكَ مِنَ اللَّهِ خَرَجْتَ».

يوحنا ٢١: ١٧ ع ٩، ١٧ ويوحنا ١٧: ٨

اَلآنَ نَعْلَمُ أَنَّكَ عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ تحققوا أن علمه فائق الطبيعة لأنه عرف أفكارهم ومحاوراتهم الانفرادية، واقتنعوا من ذلك بصحة كل دعاويه، فكانت علة إيمانهم كعلة إيمان نثنائيل (يوحنا ١: ٤٨، ٤٩).

وَلَسْتَ تَحْتَاجُ أَنْ يَسْأَلَكَ أَحَدٌ لأنك تعرف أفكار الجميع وما وقعوا فيه من المشاكل، وأنت مستعد أن تحل المشاكل بدون سؤال.

أَنَّكَ مِنَ اللَّهِ خَرَجْتَ جمعوا كل عقائد إيمانهم به بهذه الجملة، لأنه إذا كان خرج من الله فهو ابنه، وهو المسيح مخلّص العالم. وهذا أصرح إقرار بالإيمان أجمع عليه الرسل.

٣١ «أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: أَلآنَ تُؤْمِنُونَ؟»

هذا استفهام لا يلزم منه شك المسيح في إيمانهم، لكن فيه تلميحاً إلى أنه غير ثابت كما ظنوا، وهو دعوة لهم إلى امتحان قلوبهم ليعرفوا هل إيمانهم وطيد حتى لا يعثروا من الاضطهاد والضيق.

٣٢ «هُوَذَا تَأْتِي سَاعَةٌ، وَقَدْ أَتَتِ الآنَ، تَتَفَرَّقُونَ فِيهَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَاصَّتِهِ، وَتَتْرُكُونَنِي وَحْدِي. وَأَنَا لَسْتُ وَحْدِي لأنَّ الآبَ مَعِي».

متّى ٢٦: ٣١ ومرقس ١٤: ٢٧ ويوحنا ٢٠: ١٠ ويوحنا ٨: ٢٩ و١٤: ١٠، ١١

هُوَذَا تَأْتِي سَاعَةٌ هي قبل شروق شمس الغد.

وَقَدْ أَتَتِ الآنَ أي اقتربت كثيراً.

تَتَفَرَّقُونَ فِيهَا كغنم بدّدتها الذئاب. تحقق هذا في متّى ٢٦: ٣١، ٥٦.

كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَاصَّتِهِ أي مبيته وأصحابه، أو إلى حيث يلجأ.

وَتَتْرُكُونَنِي وَحْدِي في هذا إشارة إلى الأسف والعتاب لتركهم إيّاه حين يؤخذ أسيراً إلى رؤساء الكهنة وبيلاطس، ولا يقف أحد منهم معه ليعضده. ترك التلاميذ من لم يتركه الآب، ومن ترك مجده في السماء رغبة في خلاصهم، وهو أعز أصدقائهم. فالذي في يمينه كل القدرة والحكمة والجودة والسعادة، الذي تجثو أمامه الملائكة ويترنمون بتمجيده تركوه خوفاً وخجلاً. وهذا الترك زاده حزناً في وقت ضيقته، لأنه احتاج باعتباره إنساناً أن يشعر معه الأصدقاء بأحزانه (متّى ٢٦: ٣٨) وتألم من حرمانه من ذلك (متّى ٢٦: ٤٠).

وَأَنَا لَسْتُ وَحْدِي تركه الناس لكن الله لم يتركه، وكان متيقناً من أن الآب معه ومن محبته له، وأنه زاد الحب له لبذله نفسه عن الخطاة، وأنه يسمع صلواته (متّى ٣: ١٧ و١٧: ٥ ويوحنا ٣: ٥٣ و٥: ٢٠ و٨: ٢٩ و١٠: ١٧ و١١: ٤٢).

نعم إن الله حجب وجهه عنه قليلاً وهو يكفر عن الإثم حتى صرخ «لماذا تركتني؟» (متّى ٢٧: ٤٦) لكنه ظل يناديه «إلهي إلهي» وسلم نفسه إليه بكل ثقة قائلاً «يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي» (لوقا ٢٣: ٤٦). ولكل مسيحي مثل تلك التعزية في وقت الاضطهاد والموت، لأنه وإن تركه الناس لا يتركه الله. ومعونة الله أفضل من كل معونة المخلوقات.

٣٣ «قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سلامٌ. فِي العَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلَكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ العَالَمَ».

إشعياء ٩: ٦ ويوحنا ١٤: ٢٧ ورومية ٥: ١ وأفسس ٢: ١٤ وكولوسي ١: ٢٠ ويوحنا ١٥: ١٩ و٢تيموثاوس ٣: ١٢ ويوحنا ١٤: ١ رومية ٨: ٣٧ و١يوحنا ٤: ٤ و٥: ٤

قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا أي بما مر من خطابه في يوحنا ١٣ – ١٦، ولا سيما في ما قاله في مجيء الروح القدس المعزي (يوحنا ١٦: ٧) وفي إجابة صلواتهم.

فِيَّ سلامٌ كما وعدهم في يوحنا ١٤: ٢٧. والذي يهب لهم هذا السلام إيمانهم في المسيح، وثقتهم بحضوره معهم، ومعونته لهم بواسطة الروح القدس. وهذا يتضمن أنهم يتشجعون زمان مقاومة الأعداء لهم، لتيقنهم من عنايته ومحبته. وهذا الوعد لم يتحقق إلا بعد اجتماعهم بعد تشتتهم.

فِي العَالَمِ أي بين أهل العالم.

سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ أي اضطهاد واضطراب وبلايا، فكان عليهم أن يتوقعوا ذلك من أهل العالم ما داموا في العالم. وذلك ليس نصيب الرسل فقط، بل نصيب كل المسيحيين في كل زمان ومكان على هذه الأرض.

وَلَكِنْ ثِقُوا لو نظروا إلى الضيق وحده ما أمكنهم الثقة، ولكنهم وثقوا لما نظروا إلى المسيح بالإيمان. شعب الله احتمل الضيق في كل عصر ووثق بالمسيح، ففرح في أشدّ الضيقات، ومات كثيرون منه شهداء واستشهدوا بسرور.

أَنَا قَدْ غَلَبْتُ العَالَمَ أي أهل العالم لأن أكثرهم خضع للشيطان رئيس هذا العالم وقاوم يسوع. وغلب المسيح العالم بموته (يوحنا ١٢: ٣١). وبانتصاره عليه انتصر كل المؤمنين به حتى لم يستطع العالم أن يغلبهم بشيء من التملّقات والاضطهادات. وغلبه بانتصاره على الشيطان الذي هو أعظم أعداء شعب المسيح (متّى ٤: ١ – ١١). وتعاليم المسيح من مواعيده وإنذاراته ومؤازرات روحه القدوس تقدِّر المؤمنين على هزيمة التجارب الداخلية من الشهوات والانفعالات الرديئة والميل إلى الشك. وقد عرَّف المسيح تلاميذه بعظمة أفراح السماء حتى تبدو أفراح العالم بالنسبة لها لا شيء، وأوضح لهم شدة أهوال جهنم حتى تبدو أهوال العالم بالنسبة لها لا شيء.

ومعظم انتصار المسيح على العالم كان بموته، فقد قال «غلبت العالم» قبل أن يموت فحسب أنه مات لفرط قرب موته وقتئذ (يوحنا ١٤: ١٩) ويوافق قوله هنا ما جاء في رومية ٨: ٣٤ – ٣٧ و ١كورنثوس ١٥: ٥٧ و٢كورنثوس ٢: ١٤ و١يوحنا ٤: ٤ و٥: ٤، ٥.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى