إنجيل يوحنا | 15 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح إنجيل يوحنا
للدكتور . وليم إدي
الأصحاح الخامس عشر
الخطاب الوداعي: مثَل الكرمة والأغصان (ع ١ – ١٧)
١ «أَنَا الكَرْمَةُ الحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي الكَرَّامُ».
كانت غاية المسيح في أصحاح ١٤ تعزية تلاميذه، وغايته في هذا الأصحاح أن يعلمهم، فضرب لهم مثل الكرمة والأغصان ليبيّن أن العلاقة بينه وبينهم تبقى ثابتة بعد ذهابه عنهم لأنها روحية لا مادية، وأنه هو المصدر الوحيد لحياتهم وقوتهم ونفعهم لغيرهم، بشرط أن يتمسكوا به دائماً.
أَنَا الكَرْمَةُ الحَقِيقِيَّةُ هذا كقوله إنه النور الحقيقي (يوحنا ١: ٩) والخبز الحقيقي (يوحنا ٦: ٣٢) فارجع إلى الشرح هناك. والمعنى أن الكرمة رمز والمسيح هو المرموز إليه الحقيقي. فلم يتكلم على نفسه كإنسان على وشك أن يموت، بل باعتباره المسيح الحي إلى الأبد، الذي يحضر مع تلاميذه دائماً بروحه. وشبَّه نفسه بالكرمة ليبيّن كمال الاتحاد بينه وبين تلاميذه الاتحاد الضروري لحياتهم الروحية ونموهم وتقواهم. وقد شُبِّه هذا الاتحاد أيضاً بمثل الرأس والأعضاء ( ١كورنثوس ١٢: ١٢ وأفسس ٥: ٢٣، ٣٠ وكولوسي ٢: ١٩). فكما أن العُصارة تجري من الكرمة إلى الأغصان لتغذيها وتجعلها نامية ناضرة، كذلك المسيح مصدر حياة التلاميذ والقوة والنعمة والخصب الروحي. وكثيراً ما شبهت في العهد القديم العلاقة بين الله والناس بالعلاقة بين الكرم والكرّام (مزمور ٨٠: ٨ – ١٩ وإشعياء ٥: ١ – ٧ وإرميا ٢: ٢١ وحزقيال ١٩: ١٠ – ١٤ وهوشع ١٠: ١ ويوئيل ١: ٧). وربما قال المسيح إنه هو الكرمة الحقيقية للتمييز بينه وبين بني إسرائيل الذين سماهم الله كرمته قديماً، وكان على جميع الناس أن يكونوا أغصاناً في تلك الكرمة ليُحسبوا من شعبه، ولكن الله رفض أن يكونوا كرمته لعدم استحقاقهم، وعيّن يسوع الكرمة الحقيقية وأوجب على الكل الاتحاد به بالإيمان.
وَأَبِي الكَرَّامُ هذا يشير إلى أن الكرمة ملكه، وأنه مهتمٌّ بنموها وصيانتها وخصبها. فإن الله اختار يسوع أصل البركة للناس، وأن تجري النعمة منه إلى قلوب المؤمنين، ويسأل الله عن خيرهم ونفعهم لغيرهم وتمجيده بهم. وقد شُبّه الله بالكرام في متّى ٢١: ٣٣ ومرقس ١٢: ١ ولوقا ٢٠: ٩).
٢ «كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لا يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ، وَكُلُّ مَا يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ».
متّى ١٥: ١٣
كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ أي كل من يعترف بأنه مسيحي.
لا يَأْتِي بِثَمَرٍ أي لا يظهر بأعماله حقيقة إيمانه.
يَنْزِعُهُ للكرّام الأرضي عملان: قطع العقيم من الأغصان، والتهذيب. ولله في كنيسته عملان يشبهانهما، الأول النزع: وهو أن يفصل عن شعبه الذين لا يفعلون ما يبرهن أنهم متحدون بالمسيح، ومثال هؤلاء يهوذا الإسخريوطي، وحنانيا وسفيرة، وديماس، وسيمون الساحر. وذكر العُقم أو عدم الإثمار علة للقطع، لأنه يبرهن عدل الله في ذلك القطع. نعم إن الله يعرف القلوب بغير حاجة إلى شهادة الأعمال، لكن ذكر ذلك يبين لنا أن عقابه عادل. ولم يذكر هنا كيف يفصل الله العقيم عن كرمته الروحية، لكنه يفعل ذلك بأحد خمس طُرق: (١) أن تُصدر الكنيسة حُكم القطع بإرشاد الروح القدس ( ١كورنثوس ٥: ٤، ٥، ١٢). (٢) أن يمتحن الله الإنسان بتركه للشهوات الجسدية وغرور هذا العالم. (٣) أن يمتحنه بالاضطهادات والضيقات. (٤) أن يعاقبه بضربات خاصة كما عاقب حنانيا سفيرة. (٥) أن يميته، وهو أعظم طرق النزع، ولو أن موت المؤمن ليس انفصالاً عن كرمة الله.
وَكُلُّ مَا يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ كما يفعل الكرام الأرضي بالكرمة المثمرة ليزيدها إثماراً. وهذه التنقية هي العمل الثاني. وينقي الله شعبه غالباً بالمصائب والأمراض لتقوية نموهم الروحي وزيادة تقواهم ونفعهم لغيرهم (١كورنثوس ١١: ٣٠ – ٣٢). فإذا رأى الله أن المال يمنع المؤمن من الرغبة في الغنى الحقيقي حرمه ماله، وإن رأى أنه يحب أولاده أو غيرهم من الأقرباء والأصدقاء أكثر منه أخذهم منه، وإذا رآه متكلاً على نفسه لقوته سمح بمرضه. وفي هذا السبيل ينقي شعبه من الضلال والكبرياء ومحبة العالم وسرعة الغضب وشدة التعصب وأمثال ذلك مما يمنعهم من الإتيان بالثمار الروحية. وعلاوة على ما ذُكر ينقي عبيده بتأثيرات روحه القدوس في قلوبهم، وبإنذارات كتابه المقدس.
لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ وتُعرف ماهية هذا الثمر من شرح متّى ٧: ١٦ – ٢٠ ومما في غلاطية ٥: ٢٢، ٢٣. وذلك الثمر هو الأعمال الصالحة، ولا سيما الأعمال التي يقود بها الناس إلى الإيمان بالمسيح وإلى القداسة والسعادة. ولنا من هذه الآية ست فوائد: (١) إمكان أن يظهر الإنسان مؤمناً أمام الناس وهو ليس كذلك عند الله. (٢) لا بد أن الله يقطع مثل هذا الإنسان ويدفعه إلى الهلاك الأبدي. (٣) استحالة أن يكون الإنسان مؤمناً حقيقياً ولا يُظهر ذلك بأعمال تمجِّد الله وتنفع الناس. (٤) ليست بلايا الصديقين دليلاً على أنهم أشرّ من غيرهم وأن الله قد غضب عليهم، بل هي علامة محبته لهم إذ أصابهم بها لينقيهم. (٥) لا يمكن أن ينفصل المؤمن الحقيقي عن الله إلى الأبد ولو حرمه كل البشر. (٦) يراقب الله كنيسته دوماً لينزع المرائين وينقّي الصالحين.
٣ «أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الكلامِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ».
يوحنا ١٣: ١٩ و١٧: ١٧ وأفسس ٥: ٢٦ و١بطرس ١: ٢
أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ أبان المسيح بذلك أن تلاميذه هم من الذين أخذ الله ينقيهم، لا من الذين قصد أن ينزعهم. وقوله إنهم أنقياء لا يعني أنهم بلغوا الكمال، بل يعني أنهم يتقدمون في الطهارة يوماً فيوماً تحت إرشاده (انظر شرح يوحنا ١٣: ١٠).
لِسَبَبِ الكلامِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ كانت تعاليم يسوع لهم واسطة تنقية فيها أصلح كثيراً من آرائهم الفاسدة في شأن المسيح الموعود به وفي أمر ملكوته. وبيّن لهم سوء الخصام على المراتب العالية. ورغَّبهم في ترك كل شيء لأجل اسمه. وأمرهم أن يأتـوا بعد موته بثمر لتمجيد اسمه بتبشيرهم اليهود والأمم باسمه. وهو لا يزال ينقي تلاميذه بكلامه حتى يكونوا كاملين في السماء (يوحنا ٥: ٢٤ و٨: ٣١، ٣٢ و١٢: ٤٨ و١٧: ١٠، ١٧ وأفسس ٥: ٢٦ ويعقوب ١: ١٨ و١بطرس ١: ٢٣). وقال لهم: أنتم أنقياء لسبب الكلام، فهو آلة الروح القدس لتنقية من يسمعه ويؤمن به. ولعل المسيح أشار إلى أن يهوذا الإسخريوطي نُزع منهم فتنقّوا بذلك.
٤ «اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ. كَمَا أَنَّ الغُصْنَ لا يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ ذَاتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الكَرْمَةِ، كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضاً إِنْ لَمْ تَثْبُتُوا فِيَّ».
كولوسي ١: ٢٣ و١يوحنا ٢: ٦
اُثْبُتُوا فِيَّ شرط حياة الغصن ثبوته في كرمته، وكذلك شرط حياة المسيحي ثبوته في المسيح. وفي هذا ثلاثة أمور: (١) ترك الإنسان الاتكال على نفسه أو على قوة أحد المخلوقات من الملائكة أو البشر لأجل الحكمة والقوة والفضيلة والخلاص. (٢) اختياره المسيح نصيباً وتمسكه به بالإيمان للحياة الروحية. (٣) المواظبة على ذلك التمسك لأن احتياجه إلى المسيح دائم.
ذُكر في ما مرّ من هذا الأصحاح ثلاثة أعمال تتعلَّق بالكرمة: وهي نزع العقيم، وتنقية المثمر، وثبوت الغصن في كرمته. فالأول والثاني من أعمال الكرّام، والثالث من أعمال الغصن. لكن ليس للغصن في الكرمة الطبيعية قوة اختيارية للثبوت في الكرمة أو لعدمه. أما الإنسان المرموز إليه بالغصن فله تلك القوة، ولذلك قال المسيح لتلاميذه: اثبتوا أنتم، فجعل بذلك على المؤمن مسؤولية إن لم يقم بها لم ينفعه المسيح شيئاً. وسبق الكلام على الثبوت في شرح يوحنا ٦: ٥٦، وهو الاتحاد بالمسيح في الشعور والقصد والعمل (١يوحنا ٢: ٦ و٢٤ – ٢٨). والأمر الجوهري في الثبوت هو الإيمان الذي به نصير أغصاناً في الكرمة، وبه نثبت فيها، وبه نأتي بالأثمار.
وَأَنَا فِيكُمْ علاقة هذا الكلام بما قبله كعلاقة السبب بالنتيجة، لأنه إن لم يكن المسيح فيهم لا يثبتون فيه. على أن ثبوت المسيح فيهم يتوقف على إرادتهم، ولذلك جعل ثبوتهم فيه شرطاً لكونه فيهم. وهذا مثل قوله «إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ البَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤيا ٣: ٢٠). وكون المسيح في التلاميذ يؤكد لهم تأثيرات الروح القدس لإنارتهم وتقديسهم وتعزيتهم، وحفظهم من السقوط، ووفرة نعمته (رومية ٨: ٩ و١يوحنا ٣: ٢٤ و٤: ١٣).
كَمَا أَنَّ الغُصْنَ لا يَقْدِرُ هذا تعليل وإيضاح لما ذُكر. فما قيل هنا في شأن الغصن الطبيعي بديهي، فالغصن لا يستقل بحياته، وهو يحيا وينمو ويثمر ما دام متصلاً بكرمته، وإن قُطع يذبل ويموت. والمسيح أكد لهم أن حياتهم الروحية كذلك بالنسبة إليه، فإن بدءها منه ونهايتها بالانفصال عنه. وجاء بهذا المعنى في صورة النفي، أي بقوله «إن لم تثبتوا» إنذاراً لهم من خطر الانفصال بالاتكال على النفس. وخلاصة ما في هذه الآية وجوب الاتصال التام الدائم بين المسيح وتلاميذه.
٥ «أَنَا الكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هَذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأنَّكُمْ بِدُونِي لا تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً».
هوشع ١٤: ٨ وفيلبي ١: ١١ و٤: ١٣ أعمال ٤: ١٢
أَنَا الكَرْمَةُ هذا مثل قوله في العدد الأول كرره للتوكيد والتأثير.
وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ الكلمة المهمة في هذه الجملة «أنتم» فما قاله المسيح سابقاً في الأغصان عموماً خصصه هنا بالتلاميذ، ومعناه أنه يجب عليكم أن تبقوا بعد مفارقتي إيّاكم بالجسد متصلين بي اتصال الأغصان بالكرمة.
الَّذِي يَثْبُتُ.. يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ هذا كقوله في الآية السابقة، إلا أن ذلك في صورة النفي وهذا في صورة الإيجاب، وفيه زيادة قوله «كثير». ونستنتج من هذه الزيادة أنه لا يجوز للمسيحي أن يكتفي بالإتيان بأثمار قليلة، وأنه يجب عليه الاجتهاد ليأتي بثمر وافر، تعبيراً عن شكره للمسيح على خلاصه العظيم، وتمجيداً للإله العظيم، ورغبة في إنقاذ الناس من الخطر العظيم. ويتوقف مقدار الإثمار على مقدار الاتحاد بالمسيح بالإيمان والمحبة، والتقرب منه بالصلاة، وطلب الإرشاد من كتابه كل يوم.
بِدُونِي لا تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً يحسبه الله ثمراً أي خدمة مقبولة. ولا حجة بذلك للمسيحي على الكسل، كأن يقول: أنا عاجز، والمسيح هو الذي يفعل كل ما يجب. لكن فيه داعياً إلى الاجتهاد بالاتكال على يسوع. وفي هذا خمسة أمور هامة: (١) التحذير من الاتكال على الذات، لأن المسيح لم يقل «بدوني لا تقدرون أن تفعلوا إلا قليلاً»، بل: «لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً» (٢كورنثوس ٣: ٥). (٢) توضيح احتياج المسيحي إلى المسيح مصدر الحياة (يوحنا ١: ٤) فيهبها لنا باعتباره خبز الحياة وماء الحياة. (٣) إظهار السبب في أن مسيحيين كثيرين لا يفيدون غيرهم لأنهم لم يطلبوا النعمة والقوة من المسيح. (٤) وجوب أن يعطي المسيحيون كل مجد للمسيح على ما لهم من صلاح، لأن أفكارهم الروحية وعواطفهم الحسنة وكلماتهم المفيدة وأعمالهم النافعة نتيجة لثبوته فيهم. (٥) المسيحي يستطيع كل شيء بالمسيح فيقول «أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي المَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي» (فيلبي ٤: ١٣).
٦ «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لا يَثْبُتُ فِيَّ يُطْرَحُ خَارِجاً كَالغُصْنِ، فَيَجِفُّ وَيَجْمَعُونَهُ وَيَطْرَحُونَهُ فِي النَّارِ، فَيَحْتَرِقُ».
متّى ٣: ١٠ و٧: ١٩
تكلم المسيح في ع ٥ عن الأغصان المثمرة، وشرع يتكلم هنا عن غير المثمرة، فذكر ما يفعله الناس بالأغصان اليابسة مثالاً للعقاب الهائل المعد لكل تلميذ عقيم لم يثبت في المسيح. ويشتمل ذلك على خمسة أمور: العزل، والجفاف، والجمع، والطرح في النار، والاحتراق. وأمثلتها في الروحيات (١) إخراج العبد البطال بأمر الله من شعبه (متّى ٨: ١٢ و٢٢: ١٣). (٢) حال المسيحي حين يفارقه الروح القدس (١تسالونيكي ٥: ١٩). (٣) عمل الملائكة في اليوم الأخير، كما ذُكر في تفسير مثل الزوان والحنطة متّى ١٣: ٤١ ولوقا ١٢: ٢٠. (٤، ٥) دينونة اليوم الأخير والعقاب الذي يليها (متّى ١٣: ٤٣).
وهذا العقاب ليس مقصوراً على الفجار الذين يعصون الله ويكفرون به، بل يعم الذين يعترفون بأنهم مسيحيون ولا يثبتون في المسيح ولا يأتون بأثمار. فإذاً مجرد عدم الثبوت في المسيح يؤكد هلاك الإنسان، لأن الله عيّن لكل غصن في الكرمة إما الإثمار أو الإحراق (حزقيال ١٥: ٥). وقد قصد المسيح بهذه الآية التلميذ العقيم، ولكنّ كلامه صدق على الكنيسة اليهودية جملة، لأنه قطعها لعدم إثمارها.
٧ «إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كلامِي فِيكُمْ تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ».
يوحنا ١٤: ١٣، ١٤ وع ١٦ ويوحنا ١٦: ٢٣
إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كلامِي فِيكُمْ ربط ثبوته فيهم بثبوت كلامه كذلك، فالثبوت لا يكون بدون الكلام الذي هو تعاليمه التي أعلنها لهم. ولم يُرد بثبوت كلامه فيهم مجرد بقائه في ذاكرتهم، بل تأثيره في قلوبهم وسلوكهم، وأنه موضوع تأملاتهم وأشواقهم الروحية، فينشئ فيهم غايات سماوية ويشجعهم على الصلاة.
تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ مما هو ضروري لإثمارهم. هذا الوعد مثل الوعد الذي سبق في يوحنا ١٤: ١٣ ومتّى ٢١: ٢١، وهو للرسل خاصة، لكنه يصح لغيرهم من المسيحيين إن كانت أحوالهم وغاياتهم كأحوال الرسل وغاياتهم. وهذا موافق لقول الرسول «طِلبَةُ البَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيراً فِي فِعْلِهَا» (يعقوب ٥: ١٦). ويتضح من هذه الآية أنه لا حقَّ لأحد أن يتوقع إجابة طلباته إن لم يحي في طاعة المسيح، وإن لم يتحد به بالإيمان (مزمور ٦٦: ١٨). ولا تُستجاب طلبات كثيرة بسبب عدم ثبوت المصلّين في المسيح، وعدم ثبوت كلامه فيهم.
٨ «بِهَذَا يَتَمَجَّدُ أَبِي أَنْ تَأْتُوا بِثَمَرٍ كَثِيرٍ فَتَكُونُونَ تلامِيذِي».
متّى ٥: ١٦ وفيلبي ١: ١١ ويوحنا ٨: ٣١ و١٣: ٣٥
في هذه الآية بيان غايتين من ثبوت الرسل في المسيح وإتيانهم بأثمار البرّ.
يَتَمَجَّدُ أَبِي أولاهما تمجيد الآب، فكما أن وفرة ثمر الكرم الأرضي دليل على اجتهاد الكرام واعتنائه، كذلك تقوى المسيحيين وأمانتهم يمجِّدان الكرام السماوي. ويلزم عن ذلك ثلاثة أمور: (١) صلاح شريعة الله، لأنها سبب تلك التقوى والأمانة. (٢) قوة نعمته، لأنها جعلتهم يغلبون فساد طبيعتهم ويقدرون أن يفعلوا الصلاح. (٣) أن المسيحي التقي الأمين قد تجدد، فصار في صورة الله، وأظهر للناس بحُسن سيرته صفات الله الحسنة وفضله العظيم (متّى ٧: ٢٠ وفيلبي ٤: ٨).
أَنْ تَأْتُوا بِثَمَرٍ كَثِيرٍ أي أن تمارسوا الأعمال الصالحة بالأمانة والتواضع والاجتهاد «مكثرين في عمل الرب» (١كورنثوس ١٥: ٥٨).
فَتَكُونُونَ تلامِيذِي هذه هي الغاية الثانية، أي تُعرفون أنكم تلاميذي، فإتيان التلاميذ بالأثمار الوافرة يبرهن أنهم تلاميذ المسيح، فالثمر هو العلامة الوحيدة للتلميذ الحقيقي، ولا يكفي مجرد الاعتراف باللسان. ولا يلزم من قوله «فتكونون تلاميذي» أنهم لم يكونوا تلاميذه حينئذ، إنما أراد أنهم تلاميذه في الساعة نفسها، وأنهم سيبقون كذلك، وأنهم كلما زادوا أعمالاً صالحة زادت محبته ومجازاته لهم، فكأنه قال: إن كنتم كذلك فأنا أعترف بأنكم خاصتي، وأنتم تتحققون أنكم لي، والعالم يعرف أنكم كذلك لمشابهتكم لي.
قبل الرسل هذا الشرط على أنفسهم، وأتوا بثمر كثير بعد ذلك، إذ جالوا في كل العالم يبشرون بالإنجيل، واحتملوا الاضطهادات الشديدة، ومات أكثرهم شهداء في سبيله طاعةً لأمره، وتمجيداً له، ورغبة في خلاص النفوس.
٩ «كَمَا أَحَبَّنِي الآبُ كَذَلِكَ أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا. اُثْبُتُوا فِي مَحَبَّتِي».
كَمَا أَحَبَّنِي الآبُ محبة الآب للابن أعظم صنوف المحبة، وهي مبنية على كمال الاتحاد بينهما في القصد والعمل (متّى ٣: ١٧ و١٧: ٥ ويوحنا ١٧: ٢٤).
كَذَلِكَ أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا اتخذ الابن محبة الآب له مثالاً لمحبته تلاميذه، فكلتاهما غير محدودتين. ومحبة المسيح لتلاميذه كمحبة الآب له في النوع لا في المقدار. ووجه الشبه: الرّقة، والدوام، وتقديم ما يقوم بالحاجات، والوقاية من الخطر.
اُثْبُتُوا فِي مَحَبَّتِي أي محبتي لكم. وهذا الثبوت لا يكون إلا بطاعة كلامه (ع ٨). ويتضمن هذا الثبوت أمرين: (١) أن المسيحي يشتاق إلى محبة المسيح له ويقبلها ويُسر بها ويجتهد في أن يكون مستحقاً لها. (٢) أنه يعتزل كل مانع من دوام محبة المسيح له كعدم الأمانة والطاعة.
١٠ «إِنْ حَفِظْتُمْ وَصَايَايَ تَثْبُتُونَ فِي مَحَبَّتِي، كَمَا أَنِّي أَنَا قَدْ حَفِظْتُ وَصَايَا أَبِي وَأَثْبُتُ فِي مَحَبَّتِهِ».
يوحنا ١٤: ٩، ٢١، ٢٣
انظر شرح يوحنا ١٤: ٢٣، ٢٤. جعل المسيح طاعته للآب وثبوته بها في محبته قاعدة لتلاميذه يسلكون بموجبها في طاعتهم له وثبوتهم في محبته.
إِنْ حَفِظْتُمْ وَصَايَايَ جعل المسيح السيرة المقدسة شرطاً لحبه لهم وتيقنهم من ذلك الحب، ولنوال ما يتضمن ذلك من السعادة (١يوحنا ٢: ٣).
كَمَا أَنِّي أَنَا لم يطلب المسيح من تلاميذه شرطاً لثبوتهم في محبته لهم سوى الشرط الذي قبله على نفسه لثبوته في محبة الآب له (يوحنا ٨: ٢٩ و١٠: ١٧).
١١ «كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا لِكَيْ يَثْبُتَ فَرَحِي فِيكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ».
يوحنا ١٦: ٢٤ و١٧: ١٣ و١يوحنا ١: ٤
بِهَذَا أي ما ذُكر من أمر الطاعة في الآية السابقة، وربما أشار إلى كل ما ذكره في هذا الخطاب. وقصد من هذه الآية أن يبين أن طريق الطاعة هو طريق المسرة الكاملة الدائمة، لا طريق المشقة والعبودية، وأنه سُرّ بها وسيُسرون هم كذلك.
يَثْبُتَ فَرَحِي فِيكُمْ يحتمل قوله «فرحي» ثلاثة معانٍ: (١) فرح المسيح بتلاميذه حين يشاهد إيمانهم ومحبتهم وطاعتهم وثبوتهم. (٢) فرح التلاميذ فرحاً كفرح المسيح، لصدور الفرحين من مصدر واحد هو الطاعة للآب والثبوت في محبته (ع ٩، ١٠) وتيقن ذلك (يوحنا ١٧: ١٣ وعبرانيين ١٢: ٢). (٣) فرح التلاميذ الذي يهبه هو لهم، فقد أعطاهم سلامه (يوحنا ١٤: ٢٧) وزاد على ذلك فرحه، وهو أحد أثمار الروح القدس (رومية ١٤: ١٧ وغلاطية ٥: ٢٢).
وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ يكون كمال فرحهم من تيقنهم أنهم يحبون الله، وأنه يحبهم. وهذا التأكيد يشفي غليل النفس، ويقيهم من الحزن على مفارقته إياهم. وينتج كمال الفرح عن كمال الطاعة كما اختبره الرسل بعد صعود المسيح (أعمال ٥: ٤١ و١٣: ٥٢ ورومية ١٤: ١٧ و٢كورنثوس ٢: ٢، ٣ و٧: ٤ وغلاطية ٥: ٢٢ وفيلبي ٢: ١٧، ١٨ و٤: ٤ و١تسالونيكي ١: ٦ و٢: ١٩، ٢٠ و٣: ٩ و١بطرس ١: ٨).
١٢ «هَذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ».
يوحنا ١٣: ٣٤ و١تسالونيكي ٤: ٩ و١بطرس ٤: ٨ و١يوحنا ٣: ١١ و٤: ٢١
ذكر المسيح في هذه الآية إحدى الوصايا التي ذكرها في ع ١٠، وجعل حفظها شرطاً للثبوت في محبته. ونبَّر على هذه الوصية لأنه فضلها على سائر الوصايا.
وَصِيَّتِي سماها وصية جديدة (يوحنا ١٣: ٣٤) لأسباب ذكرناها في شرح تلك الآية، وسمّاها وصيته لنفس تلك الأسباب. ويدل تكراره على أهميتها عنده.
كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ هذا بيان لدرجة المحبة المطلوبة، وترغيب لهم في الاقتداء به في تلك المحبة. فيجب أن تكون محبة بعضهم لبعض مثل محبته في الشدة والرأفة والحمل على نفع الغير في كل طريق ممكن، حتى إنكار الذات والموت إذا اقتضى الحال (١كورنثوس ١٣: ١ و١يوحنا ٣: ١٦).
١٣ «لَيْسَ لأحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأجْلِ أَحِبَّائِهِ».
يوحنا ١٠: ١١، ١٥ ورومية ٥: ٧، ٨ وأفسس ٥: ٢ و١يوحنا ٣: ١٦
لا شك أن ذلك أعظم أنواع المحبة، وقد جعله مقياساً لحب بعض التلاميذ لبعض بناءً على مثاله.
أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأجْلِ أَحِبَّائِهِ أغلى ما يبذله الإنسان في سبيل الوطن والقريب هو حياته. وقد أظهر المسيح محبته لتلاميذه ببذل حياته (يوحنا ١٠: ١١، ١٧)، وليس لأجل أحبائه فقط بل لأجل أعدائه أيضاً (رومية ٥: ٦، ١٠ و١يوحنا ٤: ١٠). وأراد أن يكون تلاميذه مستعدين للتمثل به في ذلك إذا اقتضى الحال (١يوحنا ٣: ١٦).
١٤ «أَنْتُمْ أَحِبَّائِي إِنْ فَعَلتُمْ مَا أُوصِيكُمْ بِهِ».
متّى ١٢: ٥٠ ويوحنا ١٤: ١٥، ٢٣
معنى هذه الآية كمعنى ع ١٠ فارجع إلى شرحها. وذكرها هنا بياناً أنهم هم الأحباء الذين عزم على أن يقيم لهم ذلك البرهان القاطع على محبته لهم. وإيضاحاً أن شرط دوام الصداقة هو الطاعة. فالذي لا يطيع المسيح لا يحبه، وليس له أن يدَّعي صداقته.
١٥ «لا أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيداً، لأنَّ العَبْدَ لا يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ، لَكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ لأنِّي أَعْلَمْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي».
تكوين ١٨: ١٧ ويوحنا ١٧: ٢٦ وأعمال ٢٠: ٢٧
لا أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيداً أي لا أتخذكم مجرد عبيدٍ. وقد سماهم كذلك في يوحنا ١٢: ٢٦ و١٣: ١٨. وكان يحق له ذلك لأنه معلمهم، ولأنه الله. وهم ما زالوا بعد ذلك يسمون أنفسهم عبيداً (رومية ١: ١ ويعقوب ١: ١ و٢بطرس ١: ١ ورؤيا ١: ١) ويطيعون المسيح كما يطيع العبيد سادتهم، ولكن العبيد يطيعون إما خوفاً من العقاب أو طمعاً في الثواب، لكن تلاميذ المسيح يطيعونه من محبتهم له.
لأنَّ العَبْدَ لا يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ يعرف أوامره، لا الأسباب الموجبة لها.
سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ هذا يشير إلى محبته لهم، وتقريبه لهم، ونقلهم من منزلة العبيد إلى منزلة الأصدقاء. وسمى الله إبراهيم خليله مجازاة له على إيمانه وأمانته. وقد سمى المسيح تلاميذه بذلك الاسم (لوقا ١٢: ٤) ولقّب لعازر بالحبيب (يوحنا ١١: ١١). ولكنه حقق لهم هنا تلك العلاقة وبقاءها، وأشار بذلك إلى أنهم يكونون من ذلك الحين فصاعداً شركاءه في الأفراح والأحزان، وفي الأتعاب ونتائجها.
أَعْلَمْتُكُمْ بِكُلِّ مَا عاملهم معاملة الأحباء بإظهاره لهم أفكاره ومقاصده وكل ما يتعلق بعمل الفداء الذي هم قادرون على قبوله. وهذا لا ينافي ما قاله المسيح في يوحنا ١٦: ١٢، لأن المانع الوحيد من تعليمه إيّاهم كل شيء هو عدم استطاعتهم أن يدركوا منه أكثر مما علَّمهم.
سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي قصده أن يرسله إلى العالم، ومن جهة حقيقة الملكوت الذي سيقيمه على الأرض، وأن إقامة ذلك بموته وقيامته وشفاعته ومُلكه في السماء.
١٦ «لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَل أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ، لِكَيْ يُعْطِيَكُمُ الآبُ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ بِاسْمِي».
يوحنا ٦: ٧٠ و١يوحنا ٤: ١٠، ١٩ ومتّى ٢٨: ١٩ ومرقس ١٦: ٥ وكولوسي ١: ٦ ويوحنا ١٤: ١٣ وع ٧
لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي هذا من الأدلة على حبه إيّاهم (١يوحنا ٤: ١٠، ١٩ قارن بما في لوقا ٦: ١٣ – ١٦ ويوحنا ٦: ٧٠ و١٣: ١٨ وأفسس ٢: ٤، ٥). وذكر ذلك برهاناً على محبته لهم وجعله سبباً لحب بعضهم بعضاً (ع ١٧). واختارهم المسيح من الخطاة الهالكين ليكونوا ورثة الحياة الأبدية، ومن صيادي السمك ليكونوا رسلاً له، ومن العبيد ليكونوا أحباءه. وكل هذا لمجرد اختياره لهم، لا لاستحقاقهم.
أَقَمْتُكُمْ بواسطة الصلاة (لوقا ١٢: ١١)، والتعيين (لوقا ١٢: ١٣)، وتعليمه لهم نحو ثلاث سنين، وبهذا الخطاب الوداعي.
لِتَذْهَبُوا للتبشير بإنجيلي، وللشهادة بصحة دعواي. وكثيراً ما قُرن الذهاب بسرعة العمل والاجتهاد فيه كالقول «اذهبوا وافحصوا» (متّى ٢: ٨). والقول «اذهبوا وتعلموا» (متّى ٩: ١٣ و١٢: ٤٥ و٢٢: ٩، ١٥ و٢٥: ٩، ١٦).
وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ قصد بالثمر هنا قداسة السيرة، والرغبة في بث بشرى الخلاص لينجو الهالكون من الخطية والشيطان والموت، فيكونوا شركاء الحياة الأبدية. فكل من يختاره المسيح تلميذاً إنما يختاره ليأتي بثمر القداسة. فليس لأحد أن يقول: إن اختارني الله خلصتُ مهما فعلت، لأن الاختيار مشروط بإتيان الشخص المختار بالثمر.
وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ أي نتيجة أعمالكم الروحية التي صُنعت بأمر المسيح ومساعدة الروح القدس، بخلاف الأعمال الأرضية التي غايتها نفع الأجساد. ومن ذلك الثمر تأسيس الكنيسة، وما كتبوه في الإنجيل لإرشاد الكنيسة إلى نهاية الزمان (يوحنا ٤: ٣٦ ورومية ١٤: ١٣) وما قيل في شأن الرسل يقال في شأن سائر المسيحيين، فالذين اختارهم الله للخلاص اختارهم لخدمة المسيح وكنيسته ليأتوا بثمر لمجده، ولنفع العالم، ولتدوم نتائج أعمالهم إلى الأبد.
لِكَيْ يُعْطِيَكُمُ الآبُ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ بِاسْمِي اختارهم المسيح لثلاثة أمور: (١) إتيانهم بثمر. (٢) نوال ما يسألونه في الصلاة وهو متوقف على الأول. فالمقتدر في الصلاة مقتدر في العمل (راجع شرح ع ٧، ٨). ويُستنتج من هذه الآية أن فوائد الاختيار لا تكون إلا بالصلاة، كما أنها لا تكون إلا بالعمل. (٣) سيأتي في الآية ١٩.
١٧ «بِهَذَا أُوصِيكُمْ حَتَّى تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً».
ع ١٢ ورومية ١٣: ٩، ١٠
هذه الآية نتيجة ما سبق. فقد أكد محبة الآب لهم، ومحبته هو لهم، وبتسميتهم أحباءه، وباختيارهم رُسلاً. وبنى على كل ذلك وجوب حب بعضهم بعضاً. وهذا تكرار ثالث لوصية المحبة في هذا الخطاب (رومية ١٣: ٨ – ١٠ وغلاطية ٥: ١٤ و١تيموثاوس ١: ٥).
سبب بغض العالم ليسوع وتلاميذه وشهادة الروح القدس (ع ١٨ – ٢٧)
١٨ «إِنْ كَانَ العَالَمُ يُبْغِضُكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ أَبْغَضَنِي قَبْلَكُمْ».
١بطرس ٤: ١٢، ١٣ و١يوحنا ٣: ١، ١٣
غاية المسيح من هذه الآية وما يليها تعزية تلاميذه وتشجيعهم على احتمال الاضطهاد الذي كان لا بد أن يأتي عليهم، فسبق وأعلمهم بحدوثه لكي لا يتعجبوا من وقوعه، وييأسوا به، ولا يتخذوه دليلاً على أنه أصابهم لأنهم يستحقونه، وعلى أن الله تركهم، وأن المسيح نسيهم.
إِنْ كَانَ العَالَمُ يُبْغِضُكُمْ أي متى أبغضكم العالم.
قَدْ أَبْغَضَنِي قَبْلَكُمْ هذه التعزية الأولى من تعزيات المسيح لهم في وقت الضيق، وخلاصتها أنه هو قد أصابه قبلهم ما سيصيبهم بعده. والشركة في الآلام توجب الشركة في المسرات (١بطرس ٤: ١٢، ١٣). واختبار المسيح للضيقات يؤكد لهم أنه يشعر معهم في آلامهم، وينقذهم منها، فيشتركون مع المسيح في الشدائد، بسبب علاقتهم الجديدة به. وقد كان المسيح مقدساً فكراً وقولاً وعملاً، وكان يجول يصنع خيراً، وأبغضه العالم أشد البغض. فمن المحال أن العالم يحب أتباعه.
١٩ «لَوْ كُنْتُمْ مِنَ العَالَمِ لَكَانَ العَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلَكِنْ لأنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ العَالَمِ، بَل أَنَا اخْتَرْتُكُمْ مِنَ العَالَمِ، لِذَلِكَ يُبْغِضُكُمُ العَالَمُ».
يوحنا ١٧: ١٤ و١يوحنا ٤: ٥
في هذه الآية تعزية ثانية لهم في احتمالهم بغض العالم، لأن هذا البغض برهان على أن الله أحبهم واختارهم من العالم وفصلهم عنه. والقول هنا كالقول في متّى ٥: ١٢.
لَوْ كُنْتُمْ مِنَ العَالَمِ أي دنيويين يحبون لذّات العالم ومجده ويطلبون رضاه، ويشابهونه في مبادئه.
لَكَانَ العَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ أي المشابهين له في الصفات والأعمال. وعلة حبه لهم أن أقوالهم وأعمالهم لا تبكته على أقواله وأعماله، إنما تمدحه على ذلك وتريح ضميره.
لأنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ العَالَمِ أي لا تستحسنون مبادئه وغاياته، وتبغضون ما يحبه وتحبون ما يبغضه، ولا شركة لكم معه في لذّاته ومقاصده، ولذلك يعتبركم أجنبيين وأعداء.
اخْتَرْتُكُمْ مِنَ العَالَمِ لكي تكونوا خراف رعيتي، تتبعون خطواتي وتطلبون تعليمي، وتكونون رعية مملكتي، وحَمَلة صليبي واسمي، مبشرين بإنجيلي (١يوحنا ٣: ١٣). وهنا ثالث الأمور التي اختارهم لأجلها (ع ١٦) وهو فصلهم عن العالم.
لِذَلِكَ يُبْغِضُكُمُ العَالَمُ لأن أقوالكم وأفعالكم تبكته على أقواله وأفعاله، ولأن الشيطان يحمله على أن يبغضكم.
٢٠ «اُذْكُرُوا الكلامَ الَّذِي قُلتُهُ لَكُمْ: لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدِ اضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ حَفِظُوا كلامِي فَسَيَحْفَظُونَ كلامَكُمْ».
متّى ١٠: ٢٤ و لوقا ٦: ٤٠ ويوحنا ١٣: ١٦ حزقيال ٣: ٧
اُذْكُرُوا الكلامَ الَّذِي قُلتُهُ (يوحنا ١٣: ١٦ ومتّى ١٠: ٢٤ ولوقا ٦: ٤٠). وذكَّرهم المسيح بمعاداة العالم لهم لأنه رآهم يميلون إلى توقع مصادقته، وأنهم عُرضة للعثرة واليأس عند وقوع خلاف ما توقعوا.
وَإِنْ كَانُوا قَدْ حَفِظُوا كلامِي فَسَيَحْفَظُونَ كلامَكُمْ لكنهم لم يحفظوه. وصدق هذا على أمة اليهود إجمالاً لأنها رفضت تعليم المسيح ورسله. أما الأفراد الذين حفظوا كلام المسيح فكثيرون، متحدون بالمسيح ويشابهونه في الصفات والتعليم، وينتسبون إليه كمسيحيين.
٢١ «لَكِنَّهُمْ إِنَّمَا يَفْعَلُونَ بِكُمْ هَذَا كُلَّهُ مِنْ أَجْلِ اسْمِي، لأنَّهُمْ لا يَعْرِفُونَ الَّذِي أَرْسَلَنِي».
متّى ١٠: ٢٢ و٢٤: ٩ ويوحنا ١٦: ٣
هذا تعزية ثالثة للرسل في مقاساتهم الشدائد.
هَذَا كُلَّهُ أي من بغض العالم واضطهاده لكم، ورفضه كلامكم.
مِنْ أَجْلِ اسْمِي أي بسببي، ولأنكم تعترفون باسمي وتشهدون بحقي وصحة دعواي. وقد تعزّى التلاميذ بذلك في أزمنة الاضطهاد (انظر أعمال ٥: ٤١ و٢كورنثوس ١٢: ١٠ وغلاطية ٦: ١٧ وكولوسي ١: ٢٤ وعبرانيين ١١: ٢٦).
لأنَّهُمْ لا يَعْرِفُونَ الَّذِي أَرْسَلَنِي جهل اليهود أن الله أرسل يسوع، وأنه هو المسيح الموعود به، ولهذا كفروا به وقاوموه هو ورسله بعد ذلك. فكما أنهم لم يعلموا أن الله أرسل يسوع، لم يعرفوا أن المسيح أرسل التلاميذ. وجهل اليهود أمر المسيح ورسله كان إثماً عظيماً لأنهم لم يريدوا أن يعرفوا الحق، وأغمضوا عيونهم عن الأدلة على صحة دعوى المسيح (أعمال ٣: ١٧ و١٣: ٢٧ و٢٨: ٢٠ و٢٥ – ٢٧ و ١كورنثوس ٢: ٨ و٢كورنثوس ٣: ١٤)
٢٢ «لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ جِئْتُ وَكَلَّمْتُهُمْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ خَطِيَّةٌ، وَأَمَّا الآنَ فَلَيْسَ لَهُمْ عُذْرٌ فِي خَطِيَّتِهِمْ».
يوحنا ٩: ٤١ رومية ١: ٢٠ ويعقوب ٤: ١٧
هذا يبيّن أن جهل اليهود كان خطية عليهم لا عذراً لهم.
لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ جِئْتُ وَكَلَّمْتُهُمْ أشار بذلك إلى تصريحه بأنه «مرسَلٌ من الله» وأنه «ابن الله» فهو المسيح. وثبت هذا بمعجزاته الكثيرة الواضحة، وبصلاح تعليمه وقداسة سيرته.
لَمْ تَكُنْ لَهُمْ خَطِيَّةٌ أي لم يرتكبوا تلك الخطية وهي رفض أن يسوع هو المسيح. وهذه الخطية كانت أعظم كل خطايا اليهود، وحسبها الله عصياناً له، وكانت سبب رفض الله أن يكونوا له شعباً وانتقامه منهم بإخراب مدينتهم وهيكلهم وتشتيتهم في العالم، علاوة على عقابهم في العالم الآتي (يوحنا ٩: ٤١ ومتّى ٢٣: ٣٤ – ٣٩ و٢٧: ٢٥). ولم يقصد المسيح أنه لو لم يأت لكان اليهود إبراراً، بل قصد أنهم كانوا أقل إثماً، لأن إثم الإنسان يزيد جرماً بزيادة معرفته (متّى ١١: ٢٠ – ٢٤ ولوقا ١٢: ٤٧، ٤٨).
فَلَيْسَ لَهُمْ عُذْرٌ فِي خَطِيَّتِهِمْ هذا مثل قوله سابقاً «هَذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى العَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ.. لأنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ السَّيِّآتِ يُبْغِضُ النُّورَ، ولا يَأْتِي إِلَى النُّورِ لِئلا تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ» (يوحنا ٣: ١٩، ٢٠).
٢٣ «اَلَّذِي يُبْغِضُنِي يُبْغِضُ أَبِي أَيْضاً».
مزمور ٦٩: ٩ ورومية ١٥: ٣ و١يوحنا ٢: ٢٣
(انظر شرح يوحنا ٥: ١٩ – ٢٦ و١٤: ٧، ٨). أظهر رفض اليهود للمسيح بغضهم إيّاه لا جهلهم فقط، وأظهر أيضاً بغضهم لأبيه الذي أرسله وتكلم بفمه. ومن المحال نظراً للاتحاد الكلي بين الآب والابن أن نحب الواحد ونكرمه دون الآخر، وأن نبغض الواحد ونستهين به دون الآخر.
٢٤ «لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ عَمِلتُ بَيْنَهُمْ أَعْمَالاً لَمْ يَعْمَلهَا أَحَدٌ غَيْرِي لَمْ تَكُنْ لَهُمْ خَطِيَّةٌ، وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ رَأَوْا وَأَبْغَضُونِي أَنَا وَأَبِي».
يوحنا ٣: ٢ و٧: ٣١ و٩: ٣٢
لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ عَمِلتُ بَيْنَهُمْ أَعْمَالاً كان على اليهود أن يقتنعوا بكلام المسيح فلم يقتنعوا (ع ٢٢). وقد أجرى المسيح المعجزات بينهم ليقنعهم بصحة دعواه فلم يقتنعوا، فارتكبوا إثماً فوق إثم. وقد قال المسيح إن معجزاته تشهد له (يوحنا ٥: ٣٦ و٩: ٣، ٤، ٢٤ و١٠: ٢١، ٣٧ و١٤: ١٠) لكنهم رفضوها بدعوى أنه صنعها بقوة رئيس الشياطين (متّى ١٢: ٢٥) وأنه «خاطئ» (يوحنا ٩: ٢٤).
لَمْ يَعْمَلهَا أَحَدٌ غَيْرِي أي لم يأت نبي أو رسول بمثلها في الكثرة، وبالقوة الذاتية، وتوقفها على مجرد أمره بها، وفي أنها أحياناً على البُعد كما فعل المسيح. فليس معناه أن كل معجزة صنعها أعظم من كل معجزة صنعها موسى أو إيليا أو غيرهما من الأنبياء، فالفرق العظيم، وهو أن أولئك صنعوا المعجزات بقوة الله بينما صنعها المسيح بقوة نفسه.
رَأَوْا وَأَبْغَضُونِي أَنَا وَأَبِي في ع ٢٢، ٢٣ أظهر اليهود بغضهم للمسيح وللآب برفضهم كلامه. وأبان المسيح أنهم أظهروا مثل ذلك برفضهم شهادة أعماله.
٢٥ «لَكِنْ لِكَيْ تَتِمَّ الكَلِمَةُ المَكْتُوبَةُ فِي نَامُوسِهِمْ: إِنَّهُمْ أَبْغَضُونِي بِلا سَبَبٍ».
مزمور ٣٥: ١٩ و٦٩: ٤
قصد المسيح في هذه الآية أن لا عجب من رفض اليهود إيّاه لسبق الإنباء بذلك في الكتاب.
لِكَيْ تَتِمَّ الكَلِمَةُ ما قيل في المزامير عن داود الذي هو رمز إلى المسيح، تمَّ بالمسيح المرموز إليه. ولم يتضح المراد من هذا الاقتباس. فهل أراد به مضمون كل أقوال المزامير على داود والمسيح؟ أو هل أراد بذلك آيات بعينها مثل ما في مزمور ٣٥: ١٩ و٦٩: ٤؟
المَكْتُوبَةُ فِي نَامُوسِهِمْ أي العهد القديم. ونسب المسيح الناموس إلى اليهود لأنهم افتخروا به، وهو يشهد عليهم ويدينهم.
أَبْغَضُونِي بِلا سَبَبٍ لأنه لم يخالف الناموس قط، ولم يعتدِ على أحد من الناس، ولم يعصَ الحكومة، لكنه جال يفعل خيراً، وعلَّم الناس الأمور السماوية، واجتهد في أن ينفع الكل ويخلّص الكل، وفعل ما لا يُحصى مما يجعل الناس يحبونه ويكرمونه، ولم يفعل ما يبرر بغضته وإهانته. فالذين لا يكترثون اليوم بالمسيح الذي مات من أجلهم ويهملون دعواه ودعوته يشبهون اليهود الذين أبغضوه بلا سبب.
٢٦ «وَمَتَى جَاءَ المُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ، رُوحُ الحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي».
لوقا ٢٤: ٤٩ ويوحنا ١٤: ١٧، ٢٦ و١٦: ٧، ١٣ وأعمال ٢: ٣٣ ١يوحنا ٥: ٦
ما سبق من كلام المسيح عن عمى اليهود برفضهم شهادة كلامه وأعماله، جعل التلاميذ يحزنون وييأسون، فعزّاهم وأحيا رجاءهم بتبشيره بمجيء شاهد آخر يُبكم بعض المقاومين، ويقنع البعض (انظر شرح يوحنا ١٤: ١٦).
الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا لا أحد ينال موهبة الروح القدس إلا بواسطة المسيح (يوحنا ١٤: ١٦).
رُوحُ الحَقِّ (انظر شرح يوحنا ١٤: ١٧).
الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ أي يخرج، لأن الآب هو الأصل في عمل الفداء. وليس هذا بياناً لجوهر الروح القدس، بل بيان لوظيفته، وهي أنه خرج من الآب ليشهد للابن. فإذاً شهادته كشهادة الآب تستحق كل الثقة.
فَهُوَ يَشْهَدُ لِي هذا كما في ١يوحنا ٥: ٦. جرى ذلك أولاً في يوم الخمسين إذ شهد بصحة دعوى المسيح حتى آمن به ألوف. وكانت كل انتصارات الإنجيل بواسطة هذا الروح، منذ ذلك الوقت إلى الآن، وسيكون كذلك إلى أن تجثو باسم يسوع كل ركبة، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب. ويشهد الروح القدس للمسيح في قلب الإنسان ليجهزه لقبول شهادة المسيح (أعمال ٢: ٣٧) وكانت شهادته أيضاً بالمعجزات التي صنعها الرسل، وبالمواهب التي أعطاها لهم (أعمال ٢: ٤، ٤٣ و٤: ٣١ و٥: ١٢).
٢٧ «وَتَشْهَدُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً لأنَّكُمْ مَعِي مِنَ الابْتِدَاءِ».
لوقا ٢٤: ٤٨ وأعمال ١: ٨، ٢١، ٢٢ و٢: ٣٢ و٣: ١٥ و٤: ٢٠، ٣٣ و٥: ٣٢ و١٠: ٣٩ و١٣: ٣١ و١بطرس ٥: ١ و٢بطرس ١: ١٦ لوقا ١: ٢ و١يوحنا ١: ١، ٢
وَتَشْهَدُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً بأني أنا المسيح (لوقا ٢٤: ٤٨ ، ٤٩ وأعمال ١: ٨). وشهادتهم ليست غير شهادة الروح القدس، فالشهادتان واحدة، والاختلاف باعتبار الشاهد فقط. فالروح شاهد إلهي والرسل شهود بشريون. وبعض شهادتهم في أعمال ١ – ٧، ومنها القول «وَلَمَّا صَلَّوْا تَزَعْزَعَ المَكَانُ الَّذِي كَانُوا مُجْتَمِعِينَ فِيهِ، وَامْتلأ الجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ، وَكَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِكلامِ اللَّهِ بِمُجَاهَرَةٍ. وَبِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ كَانَ الرُّسُلُ يُؤَدُّونَ الشَّهَادَةَ بِقِيَامَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ» (أعمال ٤: ٣١، ٣٣). وقول الرسل «وَنَحْنُ شُهُودٌ لَهُ (أي للمسيح) بِهَذِهِ الأُمُورِ، وَالرُّوحُ القُدُسُ أَيْضاً» (أعمال ٥: ٣٢). وبعضها في سائر مواعظهم وكتاباتهم في البشائر والرسائل.
لأنَّكُمْ مَعِي مِنَ الابْتِدَاءِ أي من بدء خدمته (متّى ٤: ١٧ – ٢٢ وأعمال ١: ٢١، ٢٢). فإنه قضى معهم ما يزيد على ثلاث سنين يشاهدون سيرته الطاهرة ومعجزاته، ويسمعون تعليمه، ويستعدون للشهادة له بعد حلول الروح القدس عليهم. لكن رغم كل ما سمعوه من أحاديثه النفيسة وشاهدوه من أعماله العجيبة سكتوا وقت محاكمته، وكان يجب عليهم وقتئذ أن يشهدوا له. بل إن واحداً منهم أنكره. ولكن لما حل الروح القدس عليهم في يوم الخمسين وما بعده شهدوا له بأمانة وشجاعة.
وفي هذا الأصحاح بيان علاقة التلاميذ بالمسيح، وهي اتحادهم به كاتحاد الأغصان بالكرمة، وأنهم أحباؤه وشهود له. وفيه علاقة بعضهم ببعض، وهي أنهم يحبون بعضهم بعضاً. وعلاقتهم بالعالم وهي أنه يبغضهم.
السابق |
التالي |