إنجيل يوحنا

إنجيل يوحنا | 11 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح إنجيل يوحنا

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح الحادي عشر

إقامة لعازر وتأثيرها في الرؤساء وفي الشعب (ع١–٥٧)

١ «وَكَانَ إِنْسَانٌ مَرِيضاً وَهُوَ لِعَازَرُ، مِنْ بَيْتِ عَنْيَا مِنْ قَرْيَةِ مَرْيَمَ وَمَرْثَا أُخْتِهَا».

لوقا ١٠: ٣٨، ٣٩

لا نعرف لماذا لم يذكر أحد من البشيرين هذه المعجزة سوى يوحنا، لكننا نعلم أن الروح القدس ألهم كل بشير أن يكتب ما كتبه، ونعلم أن البشيرين متّى ومرقس ولوقا سجلوا بالأكثر خدمة المسيح في الجليل وتركوا ما حدث في اليهودية، ويوحنا سجَّل ما حدث في اليهودية. وظن بعضهم أنهم لم يذكروا إقامة لعازر خوفاً من اضطهاد اليهود لبيت لعازر (ص ١٢: ١٠، ١١). وأما يوحنا فكتب بعد خراب أورشليم وقد زال كل خوف من وقوع مثل ذلك الاضطهاد. والأرجح أن ما ذُكر في هذا الأصحاح كان في آخر خدمة يسوع في بيرية.

لِعَازَرُ هو في اليونانية كذلك، ولكنه في العبرانية «ألعازر» ومعناه «الرب عون» ولا نعرف من أمره إلا أنه كان من بيت غني، ونستنتج ذلك من الوليمة التي أُعدت في بيته ليسوع (ص ١٢) ومن الطيب الذي أتت به أخته إلى المسيح فإنه لا يقدر على تقديم مثله سوى الأغنياء، ومن كثرة الأصحاب الذين أتوا ليعزوهم عن وفاة لعازر، وأن لعازر دُفن في قبر منحوت في الصخر.

مِنْ بَيْتِ عَنْيَا انظر شرح متّى ٢٦: ٢. وتسمى اليوم اللعازرية.

قَرْيَةِ مَرْيَمَ وَمَرْثَا أُخْتِهَا أي القرية التي كانتا تسكنان فيها (لوقا ١٠: ٢٨). والأرجح أن مرثا هي الكبرى (لوقا ١٠: ٣٨). وذُكرت مريم أولاً لأنها اشتهرت أكثر من مرثا لسبب دهنها جسد يسوع بالطيب.

٢ «وَكَانَتْ مَرْيَمُ، الَّتِي كَانَ لِعَازَرُ أَخُوهَا مَرِيضاً، هِيَ الَّتِي دَهَنَتِ الرَّبَّ بِطِيبٍ، وَمَسَحَتْ رِجْلَيْهِ بِشَعْرِهَا».

متّى ٢٦: ٧ ومرقس ١٤: ٣ ويوحنا ١٢: ٣

انظر شرح متّى ٢٦: ٦ – ١٣.

هِيَ الَّتِي دَهَنَتِ الرَّبَّ قيل ذلك لتمييزها عن غيرها من المريمات، إذ ذُكر أربع منهن في البشائر، وهن مريم أم يسوع، ومريم امرأة كلوبا، ومريم المجدلية، ومريم هذه. وميّزها يوحنا بدهنها جسد الرب لأنه كان أمراً مشهوراً، ذُكر أيضاً في يوحنا ١٢: ٣. ويجب أن نميّز بينها وبين المرأة المذكورة في لوقا ٧: ٣٧، لأن أخت لعازر دهنته في بيت عنيا، وتلك دهنته في الجليل، وأن أخت لعازر كانت تقية وشهد لها المسيح بأنها «اختارت النصيب الصالح» وأما تلك فكانت خاطئة.

٣ «فَأَرْسَلَتِ الأُخْتَانِ إِلَيْهِ قَائِلَتَيْنِ: يَا سَيِّدُ، هُوَذَا الَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ».

فَأَرْسَلَتِ الأُخْتَانِ إِلَيْهِ كان يسوع حينئذٍ في عبر الأردن على نحو سفر يوم أو أكثر من بيت عنيا، وأرسلتا إليه بسبب ما كان بينهم من الصداقة، ولأن المسيح كان يتردد إلى بيتهما حين كان يأتي إلى أورشليم (لوقا ١٠: ٣٨ ويوحنا ١٢: ١، ٢).

هُوَذَا الَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ لا بد من أن غايتها من ذلك مجيء المسيح ليشفي أخاهما، أو أن يشفيه بكلمة من على بُعد، كما شفى غيره. ولم تسألاه الشفاء بل اكتفتا بإخباره بالمرض، فأظهرتا بذلك التواضع والإيمان بقوته ومحبته. وما فعلته الأختان بواسطة إرسال الرسول يمكننا أن نفعله الآن بالصلاة عند مرض أحد أقربائنا أو أصحابنا، مع اتخاذ الوسائل البشرية النافعة. ولا يجوز أن نغفل عن أحد الأمرين.

٤ «فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ، قَالَ: هَذَا المَرَضُ لَيْسَ لِلمَوْتِ، بَل لأجْلِ مَجْدِ اللَّهِ، لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ اللَّهِ بِهِ».

يوحنا ٩: ٣ ،٤٠

فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ، قَالَ الأرجح أن الرسول حمل الخبر إلى المسيح شفاهاً لا كتابة، وأجابه المسيح شفاهاً على مسمع من التلاميذ. ولم يوضح المسيح مراده تمام الإيضاح، بل قصد بجوابه تعزية الأختين وإنشاء الرجاء في قلبيهما.

هَذَا المَرَضُ لَيْسَ لِلمَوْتِ قال المسيح هذا بناءً على معرفته العاقبة، وعلى قصده أن يقيمه. فلم يقل إن لعازر لا يموت، بل إن عاقبة هذا المرض ليست للموت المعتاد المستمر. فكأنه قال: هذا المرض لموت وقتي، لا للموت العادي. فهو كقوله في بنت يايرس إنها لم تمت بل هي نائمة لأنه قصد أن يحييها.

بَل لأجْلِ مَجْدِ اللَّهِ أي لإظهار مجده. وتم ذلك الإظهار بإقامة لعازر. فإكرام يسوع بسبب ذلك، وإيمان الناس به، وزيادة إيمان لعازر وسائر بيته من وسائط إظهار مجد الله، لأنها حملت الناس على تمجيده بألسنتهم وقلوبهم. ويجب أن يكون موت كل مسيحي لمجد الله بالإيمان الذي يُظهره عند احتضاره، وبإيمان أقربائه وأصحابه وصبرهم على وفاته.

٥ «وَكَانَ يَسُوعُ يُحِبُّ مَرْثَا وَأُخْتَهَا وَلِعَازَرَ».

الحب هنا بمعنى الحنو وإرادة الخير على ما يفيد الأصل اليوناني، وهو ترجمة الكلمة التي تُرجم عنها حب الله العالم. وأما الحب في ع ٣ فهو ترجمة لفظة تفيد المحبة الشخصية الطاهرة. ويحسُن أن ننتبه لأن محبة يسوع للعازر لم تمنع عنه المرض والموت، ولم تمنع أختيه من الحزن على ذلك. فالمرض والموت ليسا دليلاً على غضب الله أو بغضه أو إهماله. وذكر يوحنا محبة المسيح لهؤلاء الأشخاص لئلا يتوهم القارئ أن إبطاء المسيح المذكور في الآية الآتية نتج عن عدم اكتراثه بهم.

٦ «فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ مَرِيضٌ مَكَثَ حِينَئِذٍ فِي المَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ يَوْمَيْنِ».

يوحنا ١٠: ٤٠

مَكَثَ حِينَئِذٍ فِي المَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ أي في بيت عبرة في بيرية يوحنا ١: ٢٨ و١٠: ٤٠

يَوْمَيْنِ قصد المسيح أن يمكث هذين اليومين بدلاً من أن يسرع إلى بيت عنيا لأسباب اقتضتها حكمته. ولولا ذلك لشفاه بكلمة أو أدركه قبل أن يموت، ودفع عنه ألم الموت وعن أختيه مرارة الحزن، كما فعل بابن خادم الملك (يوحنا ٤: ٥٠). ومن تلك الأسباب أنه كان عليه عملٌ في بيرية لم يكن قد أجراه. وأنه لو أتى وشفاه ما حدثت تلك المعجزة التي هي أعظم معجزاته (ما عدا قيامته هو)، وما سمعنا منه هذا التعليم الذي ألقاه بمناسبة إحياء لعازر. فخسارة أهل ذلك البيت كانت ربحاً عظيماً لكل مسيحي. ولنا من خبر موت لعازر أن الله يسمح بالمصائب الجسدية للخيرات الروحية، وأن إبطاءه عن إجابة الصلاة ليس دليلاً على أنه يرفضها أو أنه لا يحب السائلين.

٧ «ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ لِتلامِيذِهِ: لِنَذْهَبْ إِلَى اليَهُودِيَّةِ أَيْضاً».

ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أي بعد يومين من وصول الرسول إليه ورده الجواب. والمسافة بين بيت عنيا وبيت عبرة سفر يوم. فإذا فرضنا أن لعازر مات يوم مجيء الرسول إلى يسوع، فذلك اليوم مع اليومين اللذين مكث فيهما يسوع في بيت عبرة، واليوم الذي سار فيه مع تلاميذه إلى بيت عنيا أربعة أيام (ع ٣٩).

لِنَذْهَبْ إِلَى اليَهُودِيَّةِ قال هذا لأنه كان في بيرية (يوحنا ١٠: ٤٠) وبيت عنيا في اليهودية.

٨ «قَالَ لَهُ التّلامِيذُ: يَا مُعَلِّمُ، الآنَ كَانَ اليَهُودُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَرْجُمُوكَ، وَتَذْهَبُ أَيْضاً إِلَى هُنَاكَ».

يوحنا ١٠: ٣١

كَانَ اليَهُودُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَرْجُمُوكَ أشار التلاميذ بذلك إلى ما حدث في أورشليم يوم عيد التجديد منذ بضعة أسابيع حين طلب الكتبة والفريسيون أن يقتلوه (يوحنا ١٠: ٣١، ٣٩).

وَتَذْهَبُ أَيْضاً إِلَى هُنَاكَ أظهر التلاميذ بذلك تعجبهم من ذهاب المسيح إلى اليهودية وخوفهم على حياته وحياتهم، ورغبتهم في عدوله عن قصده.

٩، ١٠ «٩ أَجَابَ يَسُوعُ: أَلَيْسَتْ سَاعَاتُ النَّهَارِ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ؟ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي النَّهَارِ لا يَعْثُرُ لأنَّهُ يَنْظُرُ نُورَ هَذَا العَالَمِ. ١٠ وَلَكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي اللَّيْلِ يَعْثُرُ، لأنَّ النُّورَ لَيْسَ فِيه».

يوحنا ٩: ٤ يوحنا ١٢: ٣٥

لم يشجع المسيح تلاميذه الخائفين بقوله: لا تخافوا، بل ضرب لهم مثلاً مناسباً لكل مسافر يستطيعون أن يستنتجوا منه ما يطمئن قلوبهم.

أَلَيْسَتْ سَاعَاتُ النَّهَارِ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ أخذ اليهود قسمة النهار اثني عشر جزءاً عن البابليين أيام سبيهم إلى بابل، وظلوا على ذلك إلى يومنا هذا. والكلام هنا خبر بصورة الاستفهام، ومعناه أنتم تعلمون أن ساعات النهار إلخ.

لا يَعْثُرُ لأنَّهُ يَنْظُرُ نُورَ هَذَا العَالَمِ لأن النهار مدة إضاءة الشمس، فيكون فيه ما يكفي المسافر من الضوء ليرى طريقه ويتجنب العثرات، فيكون آمناً فيه. ولذلك لا داعي لخوفه. وسمى الشمس «بنور هذا العالم» لأنه يضيء بها.

ِإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي اللَّيْل حال المسافر في الليل خلاف حاله في النهار، إذ لا نور في سبيله، فيكون عرضة للتعثر والسقوط، فلا بد من أن يخاف لأسباب وجيهة. وقد أشار المسيح «بساعات النهار الاثنتي عشرة» إلى كل زمن خدمته على الأرض الذي عيّنه الله (يوحنا ٩: ٤، ٥). وأن ذلك الوقت لم ينته بعد، ولذلك لا يخشى أن يؤذيه أحد حتى ينتهي نهاره وتأتي ساعة موته (يوحنا ٧: ٦، ٨ ،٣٠ و٨: ٢٠). وصرّح بأنه مثل مسافر في ضوء الشمس لا يخشى خطراً من عثرة أو سقوط، فطمأنهم بحفظه إياهم من الخطر. فحفظهم منه وهم معه وأنه يجب أن يُجري عمله حتى وسط الأعداء الذين يطلبون قتله. وفي ما ذُكر تلميح إلى أن زمن الأمن الذي عبر عنه «باثنتي عشرة ساعة» على وشك النهاية، وأن ليلة موته قريبة.

١١ «قَالَ هَذَا وَبَعْدَ ذَلِكَ قَالَ لَهُمْ: لِعَازَرُ حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ. لَكِنِّي أَذْهَبُ لأُوقِظَهُ».

تثنية ٣١: ١٦ ودانيال ١٢: ٢ ومتّى ٩: ٢٤ وأعمال ٧: ٦٠ و١كورنثوس ١٥: ١٨، ٥١

هَذَا أي ما ذُكر من كلام على نهار الأمن وليل الخطر.

حَبِيبُنَا أشار بذلك إلى أن التلاميذ كانوا يحبون لعازر، كما كان هو يحبه. فكان يجب أن يُسروا بالذهاب إليه. وتسمية يسوع لعازر «حبيبه» يدل على محبته لكل مؤمن، إذ لم يكتف بتسميته تلميذاً أو عبداً. فخيرٌ للمؤمن أن يكون حبيباً للمسيح من أن يكون حبيباً لكل ملوك الأرض، لأنه يحبنا في الحياة والموت وبعد الموت وإلى الأبد.

نَامَ أشار بذلك إلى موت لعازر بأسلوب لطيف جداً. ومن صدَّق أن يسوع إله كما أنه إنسان لا يتعجب من معرفته وهو في بيت عبرة ما حدث في بيت عنيا. وكثيراً ما عبّر الكتاب المقدس عن الموت بالنوم أو الرقاد، ومن ذلك ما في تثنية ٣١: ١٦ ودانيال ١٢: ٢ ومتّى ٩: ٢٤ و٢٧: ٥٢ وأعمال ٧: ٦٠ و١٣: ٣٦ و ١كورنثوس ٧: ٣٩ و١١: ٣٠ و١٥: ٦ – ١٨، ٥١ و١تسالونيكي ٤: ١٣، ١٤ و٥: ١٠.

وأوجه الشبه بين الموت والنوم ثلاثة: (١) المنظر. (٢) رجاء قيام كل من الميت والنائم، فالموت ليس نهاية الإنسان لأنه لا بد من أن يستيقظ يوم القيامة. (٣) الراحة لأن في النوم راحة من أتعاب النهار، وفي الموت راحة من أتعاب الحياة.

أَذْهَبُ لأُوقِظَهُ لم يذكر غايته من الذهاب أولاً (ع ٧) إنما أعلنها هنا، وهي إقامة إنسان ميت. فالمخادع لا يعلن غايته لئلا ينتبه المشاهدون لكشف خداعه.

إن إيقاظ النائم العادي من أسهل الأمور، وأما إيقاظ الميت فيحتاج إلى قوة إلهية. وأظهر المسيح بهذه العبارة ثقته بسلطانه على تلك القوة الخارقة الطبيعة.

١٢ «فَقَالَ تلامِيذُهُ: يَا سَيِّدُ، إِنْ كَانَ قَدْ نَامَ فَهُوَ يُشْفَى».

لعل علة جهلهم ما قصده المسيح بكلامه في آية ٤ أنهم فهموا أن مرض لعازر ليس مميتاً، فاتخذوا المجاز حقيقة، وحكموا أن نوم لعازر عادي، وأنه علامة النقاهة بعد المرض. ولا عجب من خطئهم فإنه سبق لهم مثل ذلك في أمر الخميرة (متّى ١٦: ٦) وفي أمر السيف (لوقا ٢٢: ٣٨) وفي أمر الطعام (يوحنا ٤: ٣٢). ونتيجة زعمهم أنه لم تبق هناك حاجة للذهاب إلى بيت عنيا.

١٣ «وَكَانَ يَسُوعُ يَقُولُ عَنْ مَوْتِهِ، وَهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَقُولُ عَنْ رُقَادِ النَّوْمِ».

هذا تفسير يوحنا لكلام المسيح. كان يجب على التلاميذ أن يذكروا قول يسوع في بنت يايرس (وقد ماتت) «إنها نائمة» (متّى ٩: ٢٤).

١٤ «فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ حِينَئِذٍ علانِيَةً: لِعَازَرُ مَاتَ».

أعدّ قلوبهم بما قال من المجاز إلى الخبر الحقيقي. ولو لم يكن المسيح إلهاً يعلم كل شيء ما استطاع معرفة موت لعازر.

١٥ «وَأَنَا أَفْرَحُ لأجْلِكُمْ إِنِّي لَمْ أَكُنْ هُنَاكَ، لِتُؤْمِنُوا. وَلَكِنْ لِنَذْهَبْ إِلَيْهِ».

وَأَنَا أَفْرَحُ لأجْلِكُمْ إِنِّي لَمْ أَكُنْ هُنَاكَ، لِتُؤْمِنُوا في هذا تلميح إلى أنه لو كان في بيت عنيا عندما مرض لعازر لشفاه لا محالة. ولا شك أن التلاميذ استغربوا كلامه هذا إذ لم يتوقعوا إقامة لعازر، فكانوا يعتقدون أنه كان عليه أن يفرح لو كان هناك لينقذه من مرضه الشديد. ومعنى كلام المسيح هنا أن موت لعازر كان نتيجة غيابه من بيت عنيا، وأن المسيح سيقيمه لأنه مات، وأن تقوية إيمان تلاميذه بأنه المسيح من جملة فوائد تلك الإقامة.

ولم يقل المسيح إنه فرح بموت لعازر، بل قال إنه فرح بفوائد الإحياء الناتجة عن موته. فموت أصحابنا وإن كان محزناً في ذاته، ربما كان علة فرح لمن استفادوا منه استفادة روحية وآل إلى تمجيد الله.

ولنا من ذلك أن تقوية إيمان التلاميذ كانت من أعظم الأمور ذات الشأن عند المسيح، وإلا لما سمح بكل ذلك المصاب العظيم لأجلها.

لِنَذْهَبْ إِلَيْهِ لم يقل: لنذهب إلى حيث كان أو إلى قبره، بل «إليه». وهذا دليل على قصده إقامته، وإلا لم صحَّ ذهابهم إليه أو اجتماعهم به.

١٦ «فَقَالَ تُومَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ لِلتّلامِيذِ رُفَقَائِهِ: لِنَذْهَبْ نَحْنُ أَيْضاً لِكَيْ نَمُوتَ مَعَهُ».

تُومَا ذُكر أيضاً في يوحنا ١٤: ٥ و٢٠: ٢٤ – ٢٧ وما ذُكر من أمره يدل على أنه كان يميل إلى التساؤل والشك.

لِنَذْهَبْ نَحْنُ أَيْضاً لِكَيْ نَمُوتَ مَعَهُ أي مع المسيح لأنه لم يسمع لنصحنا أو توسلاتنا أن لا يذهب إلى اليهودية محل الخطر. فالظاهر من كلامه أن قول المسيح إنه يذهب ليوقظه لم يؤثر فيه شيئاً، ولم يتوقع أن المسيح سيقيم لعازر، وأنه ينتظر أن يقتل اليهود يسوع ويقتلوهم معه. ومع كل ذلك قصد لحبه إياه أن لا يتركوه، بل أن يُقْدم على الخطر معه. والأرجح أن كل التلاميذ شاركوا توما في أفكاره وعزمه.

١٧ «فَلَمَّا أَتَى يَسُوعُ وَجَدَ أَنَّهُ قَدْ صَارَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فِي القَبْرِ».

فَلَمَّا أَتَى يَسُوعُ من بيت عبرة في بيرية (وهي في عبر الأردن) إلى بيت عنيا نحو مسيرة يوم. ولعل المسيح قضى في ذلك السفر أكثر من يوم، فبلغ بيت عنيا في غد اليوم التالي ليكون له وقت من النهار كافٍ لإقامة لعازر وما تعلق بها. ولم يدخل يسوع القرية عند وصوله إليها بل بقي خارجها (ع ٢٠، ٣٠). ولعل سبب ذلك أن اليهود الذين كانوا في بيت لعازر لم يكونوا من أصدقاء يسوع، وأنه لم يحب أن يشاهد مظاهر الحزن ويسمع الضجيج (مرقس ٥: ٤٠)، وأنه رغب في أن يرى أصحابه الحزانى بمعزل عن الجمع. والأرجح أنه أرسل إليهم نبأ وصوله.

لَهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فِي القَبْرِ لو عرفنا الوقت الذي شغله الرسول بذهابه من بيت لعازر إلى حيث كان يسوع، وعرفنا الوقت الذي شغله يسوع بذهابه من بيت عبرة إلى بيت عنيا، لعرفنا الوقت الذي بقي فيه لعازر حياً بعد ذهاب الرسول من بيته إلى يسوع. فإن الرسول قد صرف يوماً بذلك الذهاب، وصرف يسوع يوماً بالمجيء، وكان موت لعازر في يوم انطلاق الرسول إلى يسوع، وجملة ذلك مع اليومين اللذين مكث فيهما يسوع أربعة أيام. والأرجح أن المسيح صرف ما يزيد على اليوم، وإلا ما بقي وقتٌ من النهار لإقامته، فيكون موت لعازر بعد يوم من انطلاق الرسول. ومرور أربعة أيام على لعازر في القبر يدفع توهّم أنه كان قد أُغمي عليه ولم يمت حقيقة. وقوله في هذه الآية «وجد أنه قد صار له الخ» لا ينفي معرفته ذلك قبلاً، فإنه كان قد أخبر تلاميذه بذلك قبل أن يجيء (ع ١٤). فالمعنى أن الناس هناك شهدوا له بذلك.

١٨ «وَكَانَتْ بَيْتُ عَنْيَا قَرِيبَةً مِنْ أُورُشَلِيمَ نَحْوَ خَمْسَ عَشَرَةَ غَلوَةً».

وَكَانَتْ قال «كانت» لأنه حين كتب إنجيله كانت أورشليم وكل القرى التي حولها خرباً.

قَرِيبَةً مِنْ أُورُشَلِيمَ وذكر ذلك دليل على أنه لم يكتب إنجيله لسكان الأرض المقدسة. وذكر هنا قرب بيت عنيا من أورشليم بياناً لمجيء المعزين من أورشليم إليها.

خَمْسَ عَشَرَةَ غَلوَةً أي نحو ميلين أو ثلثي ساعة (انظر شرح متّى ٢١: ١).

١٩ «وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ اليَهُودِ قَدْ جَاءُوا إِلَى مَرْثَا وَمَرْيَمَ لِيُعَزُّوهُمَا عَنْ أَخِيهِمَا».

كان من عوائد اليهود أن يعزوا أهل الميت سبعة أيام بعد موته. واعتاد يوحنا أن يعني باليهود رؤساء الشعب الذين كان أكثرهم من أعداء يسوع. ولا دليل أنه لم يقصد ذلك هنا. وأتوا لتعزية ذلك البيت إما لأنهم من أقربائه، أو لأن وظيفتهم اقتضت ذلك.

٢٠ «فَلَمَّا سَمِعَتْ مَرْثَا أَنَّ يَسُوعَ آتٍ لاقَتْهُ، وَأَمَّا مَرْيَمُ فَاسْتَمَرَّتْ جَالِسَةً فِي البَيْتِ».

لَمَّا سَمِعَتْ مَرْثَا الأرجح أن مرثا كانت أكبر من مريم، ومن المعلوم أنها كانت مدبرة البيت (لوقا ١٠: ٤٠) عرفت بقدوم المسيح إما من رسول أرسله يسوع، أو لأنها رأته من بعيد، فأسرعت إليه إلى خارج القرية. ولم تخبر أختها بما كان، وإلا لم تقل لأختها بعد ذلك «المعلم قد حضر» (ع ٢٨).

وَأَمَّا مَرْيَمُ فَاسْتَمَرَّتْ جَالِسَةً كأنها قد غرقت في الحزن (أيوب ٢: ٨ وحزقيال ٨: ١٤). وظهرت من الأختين الصفات التي ظهرت منهما يوم الوليمة التي ذُكرت في لوقا ١٠: ٣٩ – ٤٢، إذ كانت مريم جالسة عند قدميه، ومرثا مهتمة بأمور البيت.

٢١ «فَقَالَتْ مَرْثَا لِيَسُوعَ: يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ هَهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي».

لم تقصد مرثا أن تلوم المسيح على غيابه بل أن تظهر أسفها على ذلك. ولم تتعجب من أنه لم يشفِه بكلمة وإن كان غائباً، كما تعجب غيرها من المعزين. ويفيد كلامها أنها كانت تعتقد أن المسيح لو كان حاضراً عند مرض أخيها لشفاه، لأن محبته له كانت تمنعه من أن يسمح بموته، وأن رئيس الحياة لا يسمح للموت أن يفترس أحداً أمام عينيه. ويفيد أيضاً اعتقادها أنه قد مضت الفرصة النافعة للعازر، وأنه انقطع الأمل بانتهاء حياته. وأن حضور المسيح بشخصه كان ضرورياً لشفاء المريض ودفع الموت. وفي كلام مرثا دليل على ثقتها بمحبة المسيح وقوته الفائقة الطبيعة على شفاء المريض، بشرط حضوره قبل موته، وتمنيها عدم غيابه فكأنها قالت: يا ليتك كنت هنا!

٢٢ «لَكِنِّي الآنَ أَيْضاً أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا تَطْلُبُ مِنَ اللَّهِ يُعْطِيكَ اللَّهُ إِيَّاهُ».

يوحنا ٩: ٣١

كلامها هنا مبهم، لكنه أظهر أن مجيء المسيح نبَّه إيمانها وبشرها بالمعونة والبركة بطريق لم تعرفه، ومع ذلك لم تتوقع أن يُحيي أخاها كما يُستدل من أقوالها وأعمالها بعد ذلك. وقولها: «ما تطلب من الله يعطيك الله إياه» يدل على أنها لم تعتبر يسوع سوى نبي، لا قوة له من ذاته على المعجزات، إنما ينال القوة على ذلك من الله بصلواته كما نالها إيليا وأليشع، وأنها نسيت كيف فعل المسيح المعجزات سابقاً.

٢٣ «قَالَ لَهَا يَسُوعُ: سَيَقُومُ أَخُوكِ».

سَيَقُومُ أَخُوكِ لم يقل لها متّى ولا كيف يقوم، وكان هذا امتحاناً لقدر إيمانها به ليزيدها إيماناً. وهي لم تحسب كلامه وعداً بإقامته في الحال.

٢٤ «قَالَتْ لَهُ مَرْثَا: أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي القِيَامَةِ، فِي اليَوْمِ الأَخِيرِ».

لوقا ١٤: ١٤ ويوحنا ٥: ٢٩

كانت مرثا تعتقد بالقيامة العامة بناءً على أقوال التوراة إن الصالحين يقومون في يوم الدين، ففهمت من كلام المسيح تلك القيامة ولم تتوقع غيرها. وكان ذلك الانتظار في المستقبل البعيد تعزية قليلة في مثل ذلك الحزن الوافر.

٢٥ «قَالَ لَهَا يَسُوعُ: أَنَا هُوَ القِيَامَةُ وَالحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا».

يوحنا ٥: ٢١ و٦: ٣٩، ٤٠، ٤٤ ويوحنا ١: ٤ و٦: ٣٥ و١٤: ٦ وكولوسي ٣: ٤ و١يوحنا ١: ١، ٢ و٥: ١١ ويوحنا ٣: ٣٦ و١يوحنا ٥: ١٠ الخ

علَّمها يسوع هنا ما لم تعلم من أمر عظمته وقوته، وهو أنه غير مفتقر إلى غيره، وليس محتاجاً أن يصلي للآب لينال قوة ليفعل ما يريد.

أَنَا هُوَ القِيَامَةُ أي أنا علة القيامة الجسدية والقيامة الروحية ومصدرهما، علاوة على أني مُعلنهما، فأنا غالب موت وكل نتائجه. والمسيح هو القيامة الآن، وليس فقط في اليوم الأخير، لأنه هو القيامة، فهي ممكنة حيث كان. فلا يلزم أن تتوقع مرثا قيام أخيها في اليوم الأخير فقط. ومثل وصف يسوع نفسه بكونه القيامة وصف الرسول إياه بأنه «صَارَ لَنَا حِكْمَةً مِنَ اللَّهِ وَبِرّاً وَقَدَاسَةً وَفِدَاءً» ( ١كورنثوس ١: ٣٠).

وَالحَيَاةُ انظر شرح يوحنا ١: ٤. أي هو ينبوع كل حياة جسدية وروحية، وهذا يتضمن أنه القيامة أيضاً لأن مُبدئ الحياة الذي يقدر أن يعيدها، فقد أبدع حياة المخلوقات الحية من العدم. وأن كل من نال الحياة الروحية من البشر إنما نالها منه. وهو يحفظها دائماً، وأن كل الذين يقومون من الموت إنما يقومون به، وأنه لا حياة لأحد من الناس بدونه. فالمسيح صرح هنا بأنه «القيامة والحياة» وأثبت ذلك بالمعجزة وهي إقامته لعازر، وفتح لنا سبيلاً إلى ذلك بموته وقيامته. وحياته عربون قيامتنا وحياتنا، وهو يُجري كل ذلك بقوته.

مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ كما مات لعازر. فالموت هنا موت جسدي فقط لأن إيمان المؤمن دليل على أنه حي بالحياة الروحية، فلا يمكن أن يكون الإنسان ميتاً بالروح ومؤمناً معاً. ولنا من ذلك أن انفصال الروح عن الجسد لا يؤثر شيئاً في حياة الروح، وأن المؤمنين لا بد من أن يقوموا من الموت ويحيوا فيشاركونه في تلك الحياة إلى الأبد. نعم إن المؤمن يموت كما مات لعازر ويُدفن جسده في القبر، لكن ذلك تسلط الموت على الجسد وقتياً. وأما نفسه فهي متحدة بالمسيح دائماً، فلن يتسلط الموت عليها. وما صحَّ على المسيح الذي هو الرأس يصح على جميع المؤمنين الذين هم أعضاء جسده، فإن الموت استولى عليه وقتياً وقام غالباً للموت، وكذلك كل المؤمنين به يقومون بواسطته. وفي كلامه هنا تسليم بأن الإيمان لا يقي الإنسان من الموت الجسدي، وفيه استخفافٌ بذلك الموت لأنه إلى حين وتليه حياة أبدية.

فَسَيَحْيَا أي تعود إليه الحياة الجسدية يوم القيامة. والموت للمؤمن باب للحياة الأبدية، ويوافق ما قيل في أعمال ٧: ٥٩ ورومية ١٤: ٨ و١تسالونيكي ٥: ١٠ و٢تيموثاوس ٤: ٨ و٢بطرس ١: ١١.

٢٦ «وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟».

وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً بالجسد كما كانت مرثا حينئذ. فما أثبته المسيح للمؤمنين الموتى أثبته للمؤمنين الأحياء (يوحنا ٦: ٥٠، ٥١، ٥٤، ٥٨).

فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ موتاً روحياً، فالموت الثاني لا سلطة له على المؤمن، والموت الجسدي لا يأتيه كعدو بل كصاحب لينقله من هذا العالم إلى عالم أفضل منه، لأن المسيح نزع شوكة الموت التي هي الخطية، وأنه يقيمه بعد قليل من القبر ويدخله إلى المجد، فلن يموت أيضاً لأنه يكون مثل المسيح «فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ المَسِيحِ، نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضاً مَعَهُ. عَالِمِينَ أَنَّ المَسِيحَ بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لا يَمُوتُ أَيْضاً. لا يَسُودُ عَلَيْهِ المَوْتُ بَعْدُ» (رومية ٦: ٨، ٩). وهنا دليل قاطع على قوة الإيمان لأنه ينتصر على الموت.

أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا علاوة على إيمانك بأن أخاك يقوم في اليوم الأخير. فهل تصدقين أني علة القيامة وينبوع الحياة، وأن لي مفاتيح الموت والهاوية؟ فإن اقتصرتِ على تصديق أني نبي فذلك لا يكفي. فعلى كل مسيحي أن يسأل نفسه عن إيمانه بالمسيح، ليرى هل هو موافق لما قيل هنا؟ وإلا فليجتهد في إكماله بما شهد به المسيح لنفسه.

٢٧ «قَالَتْ لَهُ: نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، الآتِي إِلَى العَالَمِ».

متّى ١٦: ١٦ ويوحنا ٤: ٤٢ و٦: ١٤، ٦٩

سلمت بمعنى قول المسيح على قدر إدراكها إياه. والنتيجة تدل على أنها لم تفهم كل مضمون قوله إنه هو القيامة والحياة. والظاهر أنها حسبت اعتقادها أنه المسيح فصدقت كل ما قاله.

آمَنْتُ قال الأعمى الذي شُفي «أومن يا سيد» (يوحنا ٩: ٣٨) لأن إيمانه كان في الحاضر. وقالت مرثا «آمنت» لإيمانها في الماضي وفي الحاضر أيضاً.

المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، الآتِي إِلَى العَالَمِ في هذا الإقرار ثلاثة أمور: (١) أن يسوع هو المسيح أي الممسوح من الله ملكاً وكاهناً ونبياً. (٢) أنه ابن الله أي إله. (٣) أنه الفادي الموعود بمجيئه إلى العالم. فهذا مثل إقرار بطرس (متّى ١٦: ١٦) وأكمل منه.

٢٨ «وَلَمَّا قَالَتْ هَذَا مَضَتْ وَدَعَتْ مَرْيَمَ أُخْتَهَا سِرّاً، قَائِلَةً: المُعَلِّمُ قَدْ حَضَرَ، وَهُوَ يَدْعُوكِ».

مَضَتْ وَدَعَتْ مَرْيَمَ الأرجح أن يسوع أمرها بذلك بدليل قولها «وهو يدعوك». ولا بد من أن حبها لأختها حملها أيضاً على دعوتها إلى يسوع لتتعزى به كما تعزت هي بمشاهدته وبكلامه.

سِرّاً أي بدون أن تُعلم أحداً غيرها من اليهود الذين في بيتها. وعلة ذلك أنهم لم يكونوا من أصحابه، وأن اجتماع الناس يمنعهما من الحديث المفيد معه، وأن الحزانى يكرهون أن يشاهد الناس علامات حزنهم إذا كان حقيقياً.

المُعَلِّمُ اصطلح التلاميذ ومعارف يسوع أن يشيروا إليه بهذه اللفظة (متّى ٢٦: ١٨ ويوحنا ١٣: ١٣).

وَهُوَ يَدْعُوكِ هذا يدل على أن المسيح أمر مرثا بأن تدعو أختها وإن لم يُذكر ذلك.

٢٩ «أَمَّا تِلكَ فَلَمَّا سَمِعَتْ قَامَتْ سَرِيعاً وَجَاءَتْ إِلَيْهِ».

تركت المعزّين الكثيرين لتذهب إلى المعزي الحقيقي. كانت جالسة حزينة يائسة، فقيامها بسرعة يدل على نشوء الأمل في قلبها.

٣٠ «وَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ قَدْ جَاءَ إِلَى القَرْيَةِ، بَل كَانَ فِي المَكَانِ الَّذِي لاقَتْهُ فِيهِ مَرْثَا».

هذا كما استُدل عليه في آية ٢٠ بقوله «لاقته». وعلة بقائه خارج القرية أنه أتى ليقيم لعازر لا ليزور بيته (والأرجح أن القبور كانت خارج القرية) وأن اليهود الذين كانوا ينوحون معهما كانوا من أعدائه كما يُستدل من عمل بعضهم (ع ٤٦).

٣١ «ثُمَّ إِنَّ اليَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهَا فِي البَيْتِ يُعَزُّونَهَا، لَمَّا رَأَوْا مَرْيَمَ قَامَتْ عَاجِلاً وَخَرَجَتْ، تَبِعُوهَا قَائِلِينَ: إِنَّهَا تَذْهَبُ إِلَى القَبْرِ لِتَبْكِيَ هُنَاكَ».

ع ١٩

تَبِعُوهَا المرجح أنهم كانوا كثيرين، ولم يسمعوا دعوة مرثا لها، وخرجوا وراءها احتراماً لها ولأختها، وبياناً لمشاركتهم لهما في الحزن. ولم يتبعوا مرثا عند ذهابها لأن مريم كانت باقية، ولكن لما ذهبت الاثنتان تبعوهما كما أوجبت العادة.

إِنَّهَا تَذْهَبُ إِلَى القَبْرِ لِتَبْكِيَ هُنَاكَ جرياً على العادة اليهودية وغيرها ليمنعوها من الحزن الشديد المضر لجسمها، لأن مشاهدة القبر تهيج أسفها. وكانت نتيجة ذلك كثرة شهود المعجزة. ولعلهم لو عرفوا أن يسوع هناك ما خرجوا.

٣٢ «فَمَرْيَمُ لَمَّا أَتَتْ إِلَى حَيْثُ كَانَ يَسُوعُ وَرَأَتْهُ، خَرَّتْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَائِلَةً لَهُ: يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ هَهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي».

ع ٢١

كان كلام مريم حين وصلت إلى يسوع مثل كلام مرثا (ع ٢١) مما يدل على أنهما كررتاه كثيراً بينهما في غيبة يسوع، وأن أمل مريم كان مثل أمل أختها، وهو أن المسيح لو كان حاضراً قبل موت أخيهما لشفاه، وأنه انقطع ذلك الأمر عند موته. وقيل فيها ما لم يُقل في مرثا وهو أنها «خرّت عند رجليه». وهذا دليل على أن الحزن قد اشتد عليها أكثر مما اشتد على مرثا، وأنه سحق روحها. وليس في كلامها مثل ما كان في كلام مرثا مما دل على نشوء الرجاء في قلبها بقدوم المسيح.

٣٣ «فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي، وَاليَهُودُ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ، انْزَعَجَ بِالرُّوحِ وَاضْطَرَبَ».

يحقق لنا ما في هذه الآية ناسوت المسيح التام، كما حققت لنا معجزته لاهوته التام، وأنه يشارك المؤمنين به في أحزانهم. فمعلومٌ أن الإنسان إذا رأى كثيرين يبكون حوله مال إلى البكاء، وكذلك كان أمر يسوع. ولا سبب لبكائه سوى بكاء أولئك الناس، لأنه علم أن لعازر سيقوم. والمسيح لم يزل إلهاً وإنساناً في السماء، يشعر مع شعبه وهو على يمين الله في كل أحزانهم، وهو كرئيس كهنة شفوق يشفع عند الله فينا.

لم يكن على الأرض إنسان قلبه أرق من قلب المسيح، ولن يكون كذلك. فلا داعي لأن نلجأ إلى غيره بناءً على أنه لا يستطيع أن يشعر معنا. فيوحنا أثبت في الأصحاح الأول من إنجيله أزلية الكلمة، وأثبت في هذا الأصحاح حقيقة قوله «الكلمة صار جسداً».

انْزَعَجَ بِالرُّوحِ هذا يدل على انفعال شديد في قلبه عرفه البشير من دموعه وسائر إمارات الحزن على وجهه. وعلة هذا الانزعاج شعوره بحزنهم وحزنه، الذي لم يخلُ من الغيظ (كما تدل عليه الكلمة الأصلية في اليونانية). أما حزنه فللخطية التي هي العلة الأصلية لكل الحزن في العالم وللموت. ومثال ذلك هنا واحد من كثير لا يُحصى. وأما غيظه فلرياء بعض الحاضرين الذين تظاهروا بالحزن على وفاة لعازر وطلبوا بعد قليل أن يقتلوه (يوحنا ١٢: ١٠).

وَاضْطَرَبَ كحاله يوم أنبأ بخيانة يهوذا (يوحنا ١٣: ٢١) وربما هنالك أسباب أخرى لم نعرفها.

٣٤ «وَقَالَ: أَيْنَ وَضَعْتُمُوهُ؟ قَالُوا لَهُ: يَا سَيِّدُ، تَعَالَ وَانْظُرْ».

أيْنَ وَضَعْتُمُوهُ؟ تكلم بهذا باعتبار أنه إنسان، لأن الذي يستطيع أن يقيم الميت لا يحتاج إلى أن يدله أحد على قبره. فاختار أن يدله الحاضرون على القبر ليذهبوا معه ويشاهدوا المعجزة.

٣٥ «بَكَى يَسُوعُ».

لوقا ١٩: ٤١

هذه أقصر آية في الإنجيل لكنها ليست أقل أهمية من غيرها، لأنها دلت على ناسوت المسيح مع كونه إلهاً، وبيّنت رقة قلبه وفرط صداقته للمؤمنين. وفيها برهان على أنه يجوز للمسيحيين أن ينوحوا على موت أقربائهم وأصحابهم، وأن يُظهروا علامات الحزن التي لا تصل إلى درجة حزن الذين لا رجاء لهم، وأنه يجوز لنا أن نشارك غيرنا في حزنه.

٣٦ «فَقَالَ اليَهُودُ: انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ يُحِبُّهُ».

هذا يدل على تعجب بعض اليهود، ولا يخلو من الإشارة إلى استحسانهم. وهو أول ذِكْر لشيء قاله رؤساء اليهود غير المقاومة ليسوع. وكان استحسانهم استعداداً لإيمان بعضهم بعد ذلك (ع ٤٥).

٣٧ «وَقَالَ بَعْضٌ مِنْهُمْ: أَلَمْ يَقْدِرْ هَذَا الَّذِي فَتَحَ عَيْنَيِ الأَعْمَى أَنْ يَجْعَلَ هَذَا أَيْضاً لا يَمُوتُ؟».

يوحنا ٩: ٦

هذا كلام من يميل إلى التشكيك والقدح منهم، فكأنهم قالوا: إن صحَّ أنه فتح عيني الأعمى منذ أربعة أشهر (ص ٩) فلماذا لم يقدر أن ينقذ صديقه هذا من الموت؟ إن كان هو المسيح حقاً فلماذا لم يمنع ذلك المصاب عن لعازر وأختيه؟ أليس هذا برهاناً على أن قوته محدودة وأن الموت حدث رغماً عنه؟ وفي قولهم تلميح أنه لم يفتح عيني الأعمى حقيقة إنما فعله احتيالاً.

٣٨ «فَانْزَعَجَ يَسُوعُ أَيْضاً فِي نَفْسِهِ وَجَاءَ إِلَى القَبْرِ، وَكَانَ مَغَارَةً وَقَدْ وُضِعَ عَلَيْهِ حَجَرٌ».

فَانْزَعَجَ كما ذُكر في ع ٣٣ والعلل هي هي، وزيد عليها ما قالوه فيما بينهم (ع ٣٧). وعرفه هو بقوته الإلهية.

مَغَارَةً في الصخر، وهي إما طبيعية وإما صناعية. وكان الناس قد اعتادوا اتخاذ المغائر قبوراً (متّى ٨: ٢٨ ومرقس ١٦: ٢ – ٤ وتكوين ٢٣: ٩ وإشعياء ٢٢: ١٦ ومتّى ٢٧: ٦). ودُفن لعازر في مغارة لا في التراب من الأدلة على أنه من بيت ذي ثروة.

عَلَيْهِ حَجَرٌ أي على مدخله (انظر شرح متّى ٢٧: ٦٠).

٣٩ «قَالَ يَسُوعُ: ارْفَعُوا الحَجَرَ. قَالَتْ لَهُ مَرْثَا، أُخْتُ المَيْتِ: يَا سَيِّدُ، قَدْ أَنْتَنَ لأنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ».

قَالَ يَسُوعُ ارْفَعُوا الحَجَرَ لم يرد يسوع أن يفعل بقوته الإلهية ما يستطيع الناس فعله، كما أمر الخدام أن يملأوا الأجران ماء في قانا، فكان الذين ملأوا تلك الأجران شهوداً بتحويله الماء خمراً. وهكذا كان الذين رفعوا الحجر عن القبر شهوداً بصحة إقامة لعازر.

قَالَتْ لَهُ مَرْثَا، أُخْتُ المَيْتِ ذكر البشير هنا نسبتها إلى لعازر بياناً لاعتراضها على فتح القبر دون غيرها.

قَدْ أَنْتَنَ يظهر من كلامها أن لا أمل لها ولا انتظار أن يقيم يسوع أخاها، لأنها حسبت ما سمعته من يسوع في شأن قيامته مجازاً يتحقق في المستقبل البعيد. وعلة اعتراضها على فتح القبر أنها لم ترد عرض جسد أخيها لأعين الناس بعد ابتداء الفساد فيه، وتعريض المسيح والحاضرين من الأصحاب لمنظر مقبِض ورائحة كريهة، ومعرفتها أن اقترابهم من الميت يدنسهم، وأن كل ذلك بلا نفع للميت.

ولنا من كلام مرثا هنا ثلاثة أمور: (١) ظنها أن قصد المسيح الوحيد في طلب رفع الحجر أن يرى وجه صديقه الميت، أو أنه لم يعرف كم مرّ على موته، أو أنه نسي ذلك. (٢) أن ما حدث للعازر ليس إغماءً بل هو موت حقيقي، لأن أخته التي حضرت موته شهدت أمام الجميع بذلك، وأن الوقت الذي مر عليه وهو في القبر كافٍ لبدء الفساد في جسده. (٣) أنه لا يوجد اتفاق بين المسيح وبين عائلة لعازر على خداع الشعب، لأنه لو كان هناك خداع بينهما ما اعترضت مرثا على فتح القبر.

أما الكلام على الأربعة الأيام فقد مر في شرح ع ١٧.

٤٠ «قَالَ لَهَا يَسُوعُ: أَلَمْ أَقُل لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ اللَّهِ؟».

ع ٤ ،٢٣

في كلام المسيح هنا توبيخ لطيف لمرثا على عدم إيمانها، كأنه نتج عن نسيانها كلامه. وفيه تشجيع لها، وتقوية لإيمانها الضعيف.

أَلَمْ أَقُل لَكِ؟ لم يتضح إلى أي أقواله أشار، والأرجح أنه للكلام الذي أرسله إليها وإلى أختها مع الرسول، وهو قوله «هَذَا المَرَضُ لَيْسَ لِلمَوْتِ، بَل لأجْلِ مَجْدِ اللَّهِ» (ع ٤). وظن بعضهم أنه أشار إلى ما قاله في حديثه معها عند وصوله (ع ٢١ – ٢٧).

إِنْ آمَنْتِ تكلم هنا كعادته في بيان ضرورة الإيمان لمن يريدون أن يشاهدوا أعماله المجيدة. ومن ذلك قوله «كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لِلمُؤْمِنِ» (مرقس ٩: ٢٣). ومثله قول البشير «وَلَمْ يَصْنَعْ هُنَاكَ (أي في الناصرة) قُوَّاتٍ كَثِيرَةً لِعَدَمِ إِيمَانِهِمْ» (متّى ١٣: ٥٨).

تَرَيْنَ مَجْدَ اللَّهِ بانتصاري على الموت وشفقتي على الحزانى. وهو بهذا يطلب منها أن تُظهر إيمانها بتسليمها بأمره بفتح القبر، وتعدل عن الاعتراض. ولا شك أنها سلمت بذلك.

وما يستحق النظر هنا أن طريق المسيح في الإيمان خلاف طريق الإنسان، لأن الإنسان يريد أن يرى ليؤمن، وأما المسيح فيريد أن نؤمن لنرى.

٤١ «فَرَفَعُوا الحَجَرَ حَيْثُ كَانَ المَيْتُ مَوْضُوعاً، وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَقَالَ: أَيُّهَا الآبُ، أَشْكُرُكَ لأنَّكَ سَمِعْتَ لِي».

فَرَفَعُوا الحَجَرَ توقفوا عن رفعه قبلاً لاعتراض مرثا صاحبة الحق في ذلك لأنها أخت الميت الكبرى، ولأنها قامت بكل أمور الدفن. ولما عدلت عن الاعتراض أطاعوا المسيح.

وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ أي نظر إلى السماء، لمخاطبة الله. ووفقاً لاعتقاد الناس أن السماء موضع إظهار مجد الله الخاص. وقد فعل يسوع مثل ذلك في يوحنا ١٧: ١.

وَقَالَ ما قاله هنا ليس صلاة لله ليعينه على عمل المعجزة، إنما هو تقديم الحمد والشكر له، وبيان الاتحاد التام بينه وبين الآب في الفكر والقول.

أَشْكُرُكَ لأنَّكَ سَمِعْتَ لِي الآن وقبل الآن. ويُظهِر كلامه هذا أنه اعتبر كل ما يتعلق بلعازر من موته وأحوال ذلك الموت وإقامته إياه إجابةً لصلاة صلاها سابقاً، وشكر الله عليها. فكأن المسيح اعتبر لعازر قد قام. والمسيح كان يصلي دائماً لأبيه، ولا شك أنه جعل كل حادثة جرت له موضوعاً للصلاة.

٤٢ «وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلَكِنْ لأجْلِ هَذَا الجَمْعِ الوَاقِفِ قُلتُ، لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلتَنِي».

يوحنا ١٢: ٣٠

وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي فشكري لك ليس لأنك سمعت لي الآن، بل لأنك تسمع لي دوماً.

وَلَكِنْ لأجْلِ هَذَا الجَمْعِ وهو جمع من يهود أورشليم، وتلاميذه، وكثيرين من أهل القرية.

لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلتَنِي قال بعضهم «أنه ببعلزبول» يفعل معجزاته، وأما هو فقال «إن الله أرسله ليفعلها» فأراد أن تكون تلك المعجزة فاصلة بين الأمرين. وبرهن أنه صنع كل ما سبق له من المعجزات برضى الله والاتحاد به. وسمى الله «أباه» في هذه الصلاة فاستشهده بذلك لإثبات دعواه أنه هو ابنه وأنه هو المسيح.

وبين صلاة المسيح وصلاة إيليا عندما أقام الميت (١ملوك ١٧: ٢٠، ٢١) فرق بعيد، فصلاة إيليا فيها لجاجة وعلامات خوف من أن الله لا يستجيبه.

٤٣ «وَلَمَّا قَالَ هَذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجاً».

يوحنا ٥: ٢٥، ٢٨

صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ ليسمع الجميع وينتبهوا أنه هو الذي أقام لعازر.

هَلُمَّ خَارِجاً أمره بالخروج بسلطان نفسه، ولم يأمره به باسم أبيه.

٤٤ «فَخَرَجَ المَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلاهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلفُوفٌ بِمِنْدِيلٍ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: حُلُّوهُ وَدَعَوْهُ يَذْهَبْ».

يوحنا ٢٠: ٧

هذا رمز إلى ما يحدث في اليوم الأخير وفقاً لقوله «إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي القُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ الخ» (يوحنا ٥: ٢٨، ٢٩ انظر ١تسالونيكي ٤: ١٦). وهذا أعظم معجزات المسيح ما عدا قيامته. ولا شك في أن إقامة لعازر معجزة لا يمكن إنكارها لأنها جرت أمام شهود كثيرين من الأصحاب والأعداء. ومعلوم أن لا قوة طبيعية أو بشرية تستطيع أن تجعل الميت يسمع الصوت ويقوم من الموت ويخرج من القبر.

أقام المسيح ثلاثة موتى، وكان برهان سلطانه على الموت يزيد قوة على التوالي، فأول ميت أقامه ابنة يايرس، وأقامها على أثر خروج روحها. والثاني ابن أرملة نايين وأقامه والناس يحملونه إلى القبر. والثالث لعازر وأقامه بعد دفنه بأربعة أيام.

فَخَرَجَ المَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلاهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ الأرجح أن تلك الأقمطة لم تكن مشدودة لدرجةٍ تمنعه من تحريك أعضائه. وكانت الغاية منها أن تحفظ أطياب التحنيط على جسده. ولما أُعيدت الحياة إليه لم تمنعه من المشي، إنما صعَّبته عليه وألجأته إلى المشي ببطء. فلا داعي لأن نحسب خروجه كما ذُكر معجزة، ولا مانع من أن ننسبه إلى قوته بعد إقامته.

وَوَجْهُهُ مَلفُوفٌ بِمِنْدِيلٍ كعادتهم يومئذ في تدبير الموتى (يوحنا ٢٠: ٧).

حُلُّوهُ وَدَعَوْهُ يَذْهَبْ ليتحقق الجميع أنه لعازر نفسه، وأنه حي، وليمكنه السير بسهولة إلى بيته. وأمرهم بحله كما أمرهم برفع الحجر، لأنه لم يكن يريد فعل المعجزة في ما يستطيعه البشر. ولم يزد البشير شيئاً على ما ذُكر من هذه القصة في ذلك الوقت لأن غايته لم تكن سوى إظهار مجد المسيح بإعلانه أنه القيامة والحياة.

إن إقامة لعازر كانت إثباتاً للتعليم أن يسوع يقيم الموتى في اليوم الأخير (دانيال ١٢: ٢ ويوحنا ٥: ٢١ – ٢٩ و٦: ٣٩ و١كورنثوس ١٥: ٢٦ و٥٤ و٢كورنثوس ٤: ١٤ وكولوسي ٣: ٤ و١تسالونيكي ٤: ١٤ – ١٧ ورؤيا ١: ١٨ و٢٠: ١٤). وهي أيضاً رمز إلى عمل يفعله أعظم من إقامة أجساد الموتى، وهو إحياؤه النفوس الميتة بالإثم ومنحها الحياة الأبدية.

٤٥ «فَكَثِيرُونَ مِنَ اليَهُودِ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى مَرْيَمَ، وَنَظَرُوا مَا فَعَلَ يَسُوعُ، آمَنُوا بِهِ».

يوحنا ٢: ٢٣ و١٠: ٤٢ و١٢: ١١، ١٨

لم يذكر البشير تأثير المعجزة في نفس لعازر وأختيه، وذكر تأثيرها في نفوس المشاهدين، وهو ما طلبه المسيح في صلاته (ع ٤٢).

الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى مَرْيَمَ وبقوا معها وجاءوا كذلك إلى القبر، ولم يذكر أنهم جاءوا إلى مرثا أيضاً كما هو الواقع، لأن مريم كانت سبب مجيئهم إلى القبر ومشاهدتهم المعجزة.

٤٦ «وَأَمَّا قَوْمٌ مِنْهُمْ فَمَضَوْا إِلَى الفَرِّيسِيِّينَ وَقَالُوا لَهُمْ عَمَّا فَعَلَ يَسُوعُ».

وَأَمَّا قَوْمٌ مِنْهُمْ فَمَضَوْا الذي أنشأ إيمان بعض الجمع وقوى إيمان بعضهم زاد عداوة الآخرين من أعداء يسوع وجواسيس الرؤساء والكهنة. وغاية إبلاغهم الرؤساء هو إرضاؤهم، وإثارة غضبهم على يسوع، وحثهم إياهم على إتمام قصدهم بقتله.

إِلَى الفَرِّيسِيِّينَ أصحاب معظم القوة السياسية في الشعب، ولأنهم كانوا أشد عداوة ليسوع.

٤٧ «فَجَمَعَ رُؤَسَاءُ الكَهَنَةِ وَالفَرِّيسِيُّونَ مَجْمَعاً وَقَالُوا: مَاذَا نَصْنَعُ؟ فَإِنَّ هَذَا الإِنْسَانَ يَعْمَلُ آيَاتٍ كَثِيرَةً».

مزمور ٢: ٢ ومتّى ٢٦: ٣ ومرقس ١٤: ١ ولوقا ٢٢: ٢ ويوحنا ١٢: ١٩ وأعمال ٤: ١٦

مَجْمَعاً أي مجمع السبعين القانوني (انظر شرح يوحنا ١: ١٩).

وَقَالُوا بالنظر إلى الشهادة بإقامة لعازر. وكان يجب أن يؤمنوا أن يسوع هو المسيح، ولكن تلك الشهادة كانت سبباً للإسراع في قتله بدلاً من أن تكون سبباً لإيمانهم به. وفي ذلك إثبات لقوله «إِنْ كَانُوا لا يَسْمَعُونَ مِنْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ، ولا إِنْ قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يُصَدِّقُونَ» (لوقا ١٦: ٣١).

مَاذَا نَصْنَعُ؟ لنمنع تعليم يسوع، ونوقف إيمان الشعب به؟ وفي قولهم هذا توبيخ لأنفسهم على تقصيرهم في اتخاذ الوسائل إلى منعه، وبيان ضرورة اتخاذ وسائط أكثر فعالية لمقاومته.

هَذَا الإِنْسَانَ قالوا ذلك استخفافاً به لأنهم كانوا يعرفون اسمه.

يَعْمَلُ آيَاتٍ كَثِيرَةً هذا تسليم غريب منهم أن ما فعلوه أظهر عجزهم عن إنكار معجزاته. وكان عليهم بعد هذا التسليم أن يسلموا بصحة دعواه، ولكن كبرياءهم وقسوتهم وحسدهم منعتهم من ذلك.

٤٨ «إِنْ تَرَكْنَاهُ هَكَذَا يُؤْمِنُ الجَمِيعُ بِهِ، فَيَأْتِي الرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا وَأُمَّتَنَا».

إِنْ تَرَكْنَاهُ هَكَذَا حسبوا كل ما قاوموه به سابقاً ليس شيئاً لأنهم لم يقبضوا عليه، فإنهم حكموا عليه بالموت (يوحنا ٧: ٣٠) وأرسلوا العسكر ليمسكوه (يوحنا ٧: ٣٠) وحرموا تابعيه (يوحنا ٩: ٢٢).

يُؤْمِنُ الجَمِيعُ بِهِ أي شعب اليهود. ويكون موضوع إيمانهم أن يسوع هو المسيح، وأن تعليمه حق. وهذا معظم سبب خوفهم، لأن نتيجته زوال قوتهم وتأثير تعليمهم في الشعب. ويظهر من قولهم أن تأثير إقامته لعازر في الناس كان أعظم من تأثير سائر معجزاته. ويدل على هذا أيضاً ما قيل في يوحنا ١٢: ١٠، ١١ من تآمر الكهنة في قتل لعازر ولإزالة شهادته، وما قيل في يوحنا ١٢: ١٧، ١٨ من دخول المسيح بعدئذ باحتفال ومجد إلى أورشليم.

فَيَأْتِي الرُّومَانِيُّونَ لم يذكروا السبب الحقيقي لخوفهم من نجاح يسوع وهو زوال سلطانهم، بل ادّعوا أن ذلك النجاح يغيظ الرومان. وهذا ادعاء باطل، لأنه لو آمن به جميع اليهود لبقي هيكلهم ومدينتهم بعظمتها إلى اليوم. ولكنهم ادّعوا هنا أن يسوع مزمع أن ينادي بأنه ملك ثائر على الرومان لينشئ مملكة زمنية. وشكوا عليه بذلك لبيلاطس وقت محاكمته (لوقا ٢٣: ٣٢).

وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا موضعهم هو مدينتهم أو هيكلهم، أو مقامهم بين الناس. نعم إن الرومان كانوا وقتئذٍ قد استولوا على أرضهم، لكنهم تركوا لهم كل حقوقهم الدينية وبعض الحقوق السياسية، فخافوا أن يخسروا هذا أيضاً.

وَأُمَّتَنَا أي الأمة اليهودية.

٤٩ «فَقَالَ لَهُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ قَيَافَا، كَانَ رَئِيساً لِلكَهَنَةِ فِي تِلكَ السَّنَةِ: أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئاً».

لوقا ٣: ٢ ويوحنا ١٨: ١٤ وأعمال ٤: ٦

قَيَافَا انظر شرح متّى ٢٦: ٣. كان قيافا قد تولى رئاسة الكهنة ١١ سنة، وصاهر حنّان، وبقيت تلك الرئاسة في بيت حنّان ٥٠ سنة. والرؤساء هو وأربعة أولاد له وصهر. وقد حكم قيافا بواسطتهم بعد أن عُزل. وكثيراً ما ذُكر في الإنجيل أن حنّان كان رئيس الكهنة في الوقت الذي كان غيره متولياً فيه الرئاسة.

أمر الله بأن يكون رئيس الكهنة من بيت هارون، وأن يبقى الرئيس رئيساً كل حياته. ولكن منذ أيام هيرودس الكبير زالت الرئاسة من ذلك البيت، وكان من أيام هيرودس هذا إلى خراب أورشليم ٢٥ رئيس كهنة في نحو ١٠٧ سنين.

لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئاً في الأمر الذي تنظرون فيه. وقال هذا إما للقليلين الذين مالوا إلى يسوع (يوحنا ٣: ١ و٧: ٥٠، ٥١ و١١: ٤٥ و١٢: ٤٢) توبيخاً لهم على عدم تسليمهم بعقابه، أو للفريسيين الذين قالوا في ع ٤٨ ما معناه «هذا الإنسان يُهلكنا إذا تركناه» تسفيهاً لرأيهم، لأنه كان يجب عليهم أن يُهلكوه بدلاً من أن يتركوه يُهلكهم.

٥٠ «ولا تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ ولا تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا».

يوحنا ١٨: ١٤

خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ الخ أراد قيافا أن يصرف النظر عن أن يسوع مذنب أو بار، يستحق الموت أو لا. وأراد أن يركز على أن منفعة الأمة تقتضي قتله لأنه إذا قُتل فلا خوف من ثورة الشعب، ولا من انتقام الرومان على تلك الثورة. وخلاصة كلامه أن يسوع أقلق الراحة فيجب أن نقتله ونستريح منه.

ولا دلالة على أن قيافا قصد بما قال النبوة، ولا على أنه كان له قوة التنبؤ. نعم إن الحبر الأعظم كان قديماً قادراً على ذلك بواسطة «الأوريم والتميم» (خروج ٢٨: ٣٠ وتثنية ٢٧: ٢١ و١صموئيل ٣٠: ٧، ٨ وهوشع ٣: ٤) لكن ذلك زال عنه منذ قرون. ولم يقصد قيافا أن يتكلم على موت يسوع ذبيحة عن خطايا الشعب، لكن الله جعل لكلماته معنى غير الذي قصده وهو أن موت المسيح فداءٌ للعالم. وكذلك تنبأ بلعام على غير إرادته وقصده (عدد ٢٣).

٥١ «وَلَمْ يَقُل هَذَا مِنْ نَفْسِهِ، بَل إِذْ كَانَ رَئِيساً لِلكَهَنَةِ فِي تِلكَ السَّنَةِ، تَنَبَّأَ أَنَّ يَسُوعَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الأُمَّةِ».

وَلَمْ يَقُل هَذَا مِنْ نَفْسِهِ أي أنه لم يقصد النبوة بنتائج موت يسوع العظيمة، إنما قصد قتله لحفظ سلطة الكهنة ورؤساء الشعب. ولكن الله جعل كلامه كنبوة بتلك النتائج، واستخدمه كما استخدم بلعام قديماً.

رَئِيساً لِلكَهَنَةِ قال يوسيفوس المؤرخ إن مدة رئاسته كانت ١١ سنة، وهي كل مدة تولي بيلاطس.

فِي تِلكَ السَّنَةِ أي سنة موت المسيح.

تَنَبَّأَ لم يكن قيافا نبياً حقيقياً، ولم يلهمه الله أن يتنبأ حينئذ، وهو نفسه لم يعرف أن ما قاله نبوة. ولكن سماه البشير نبوة لأنه تم بقصد الله وتعيينه.

أَنَّ يَسُوعَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الأُمَّةِ لم يتم ذلك بحسب فكر قيافا، لأن فكره كان أن موت يسوع يكون واسطة لبقاء سلطة رؤساء الأمة، وبقاء الهيكل والمدينة. أما موت يسوع فكان سبب عكس ذلك، فإنه هيج غضب الله على تلك الأمة، فأرسل عليها الرومان ليهدموا مدينتها وهيكلها ويشتتها بين شعوب الأرض. أما الله فقصد أن يكون ذلك الموت واسطة لخلاص نفوس الأمة، وكان كذلك لبعضهم وللجميع لو تابوا وآمنوا به.

٥٢ «وَلَيْسَ عَنِ الأُمَّةِ فَقَطْ، بَل لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللَّهِ المُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ».

إشعياء ٤٩: ٦ و١يوحنا ٢: ٢ ويوحنا ١٠: ١٦ وأفسس ٢: ١٤ – ١٧

لَيْسَ عَنِ الأُمَّةِ فَقَطْ رأى أن موت يسوع يكون نفعاً زمنياً فقط وإنما لله قصد أن يكون ذلك الموت واسطة الحياة الأبدية للعالم كله، إن آمن به (يوحنا ٣: ١٦ ورومية ٥: ٦ – ٨).

لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللَّهِ الخ قصد «بأبناء الله» هنا المؤمنين به من اليهود والأمم (يوحنا ١٠: ١٦). وبيّن أن الإيمان بيسوع مصلوباً والخضوع له ملكاً يضمان كل شعبه إلى ملكوت واحد روحي (متّى ٨: ١١ ويوحنا ١٠: ١٦ و١٧: ٢٠ و٢١ وأفسس ٢: ١٦ – ١٨ وكولوسي ٣: ١١ ورؤيا ٥: ٩).

٥٣ «فَمِنْ ذَلِكَ اليَوْمِ تَشَاوَرُوا لِيَقْتُلُوهُ».

نفهم من هذا أن أكثر أعضاء المجلس وافق قيافا، وحكم بوجوب قتل يسوع. ومن ثمَّ بذل الفريسيون والصدوقيون معاً غاية الجهد في إجراء ذلك. ونرى نتيجة ذلك في متّى ٢٢: ١٥، ١٦، ٢٣ و٢٦: ٥ و٢٧: ١، ٢.

٥٤ «فَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ أَيْضاً يَمْشِي بَيْنَ اليَهُودِ علانِيَةً، بَل مَضَى مِنْ هُنَاكَ إِلَى الكُورَةِ القَرِيبَةِ مِنَ البَرِّيَّةِ، إِلَى مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا أَفْرَايِمُ، وَمَكَثَ هُنَاكَ مَعَ تلامِيذِهِ».

يوحنا ٤: ١، ٣ و٧: ١ و٢أيام ١٣: ١٩

لَمْ يَكُنْ يَسُوعُ أَيْضاً يَمْشِي بَيْنَ اليَهُودِ أعلن أعضاء المجلس قصدهم( ع ٥٧) ولم يرد يسوع أن يسمح لليهود بالقبض عليه قبل أن تأتي ساعته في الفصح الآتي، وكان قد اقترب.

علانِيَةً في أورشليم أو غيرها من مدن اليهودية.

الكُورَةِ القَرِيبَةِ مِنَ البَرِّيَّةِ تلك البرية غرب نهر الأردن وبحر لوط، وشرق أورشليم.

أَفْرَايِمُ موقع هذه المدينة مجهول اليوم، وظن أكثر المفسرين أنها التي سُميت عفرة (يشوع ١٨: ٢٣ و١صموئيل ١٣: ١٧ و٢أيام ١٣: ١٩) وتقع على بُعد عشرين ميلاً شمال شرق أورشليم. ولا نعرف كم بقي هناك، والمرجح أنه بقي قليلاً. ونعرف من بشارة لوقا أنه سار في القافلة التي أتت إلى أورشليم في عيد الفصح على طريق أريحا.

٥٥ «وَكَانَ فِصْحُ اليَهُودِ قَرِيباً. فَصَعِدَ كَثِيرُونَ مِنَ الكُوَرِ إِلَى أُورُشَلِيمَ قَبْلَ الفِصْحِ لِيُطَهِّرُوا أَنْفُسَهُم».

يوحنا ٢: ١٣ و٥: ١ و٦: ٤ عدد ٩: ١٠ و٢أيام ٣٠: ١٧ وأعمال ٢١: ٢٤

وَكَانَ فِصْحُ اليَهُودِ قَرِيباً (انظر شرح متّى ٢٦: ٢ ويوحنا ٢: ١٣ و٦: ٤). والمرجح أن هذا الفصح هو الفصح الرابع في مدة خدمة يسوع.

مِنَ الكُوَرِ كل أرض اليهود ما عدا أورشليم.

قَبْلَ الفِصْحِ لِيُطَهِّرُوا أَنْفُسَهُمْ لم يفرض في الشريعة الموسوية على جميع اليهود أن يأتوا إلى أورشليم قبل العيد للتطهير. لكن كثيرين منهم استحسنوا أن يأتوها مبكرين لزيادة التطهير وتقديم الذبائح المعينة، ولا سيما الذين تدنسوا بلمس ميت أو قبر أو غير ذلك من المدنسات. وكان وقت التطهير يوماً فأكثر إلى ستة أيام (تكوين ٣٥: ٢ وخروج ١٩: ١٠، ١١ ولاويين ٢٢: ١ – ٦ وعدد ٩: ١٠ و٢أيام ٣٠: ١٧، ١٨ وأعمال ٢١: ٢٤، ٢٦ و٢٤: ١٨).

٥٦ «فَكَانُوا يَطْلُبُونَ يَسُوعَ وَيَقُولُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَهُمْ وَاقِفُونَ فِي الهَيْكَلِ: مَاذَا تَظُنُّونَ؟ هَل هُوَ لا يَأْتِي إِلَى العِيدِ؟».

يوحنا ٧: ١١

المذكورون هنا ليسوا أعداء يسوع إنما هم من عامة الشعب، سمعوا خبره أو رأوه في الأعياد الماضية، ورغبوا في أن يشاهدوه ويسمعوه. وكانوا في شك من حضوره للعيد وفقاً للشريعة بسبب تهديدات الرؤساء. والكلام هنا يدل على أن الناس كانوا يفتشون دائماً عن يسوع ويتحدثون بأمره على توالي الأيام.

٥٧ «وَكَانَ أَيْضاً رُؤَسَاءُ الكَهَنَةِ وَالفَرِّيسِيُّونَ قَدْ أَصْدَرُوا أَمْراً أَنَّهُ إِنْ عَرَفَ أَحَدٌ أَيْنَ هُوَ فَليَدُلَّ عَلَيْهِ، لِكَيْ يُمْسِكُوهُ».

ذُكر هذا بياناً لسبب شكهم في مجيء يسوع إلى العيد. ولولا الخطر كان لا بد من مجيئه طوعاً لأمر الشريعة بحضور كل الذكور للعيد. وأمر الرؤساء هنا مبنيٌ على ما حكموا به في ع ٥٣.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى