إنجيل يوحنا

إنجيل يوحنا | 02 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح إنجيل يوحنا

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح الثاني

معجزة المسيح في قانا ع ١ إلى ١١

١ «وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ كَانَ عُرْسٌ فِي قَانَا ٱلْجَلِيلِ، وَكَانَتْ أُمُّ يَسُوعَ هُنَاكَ».

يشوع ١٩: ٢٨ وص ٤: ٤٦

ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ أي بعد دعوة فيلبس (ص ١: ٤٣ – ٥١) وهو اليوم السادس من تأدية يوحنا شهادته أمام اللجنة اليهودية (ص ١: ١٩).

قَانَا ٱلْجَلِيلِ أضافها إلى الجليل تمييزاً لها عن قانا التي في سهم أشير التي هي شرقي صور بميلة إلى الجنوب. وقانا الجليل كانت قرية في الشمال الشرقي من الناصرة وعلى أمد نحو ساعتين منها وآثارها واسمها باقية إلى هذا اليوم. وأخطأ من حسبها كفركنة وقانا على مسافة يومين أو ثلاثة من المكان الذي كان يوحنا المعمدان يكرز ويعمد فيه. وكان نثنائيل من هذه القرية (ص ٢١: ٢).

أُمُّ يَسُوعَ لم يذكر يوحنا اسمها في إنجيله كما أنه لم يذكر اسمه ولا اسم أخيه يعقوب. ولعله لم يذكر اسمها لكونه معروفاً أو لأنه كانت قد دخلت في أهل بيته (ص ١٩: ٢٦). ولنا من عدم ذكر اسم يوسف هنا أنه كان قد مات ولم نر من إشارة إلى بقائه حياً إلا منذ نحو ١٨ سنة قبل هذا (لوقا ٣: ٤١). وكانت مريم حينئذ لم تزل ساكنة في الناصرة (مرقس ٦: ٣) ويحتمل أنه كانت قرابة بينها وبين أهل العرس في قانا لأنها أظهرت اهتمامها في بعض أمور العرس وأطلعت على ما لم يطلع عليه غريب من أمور ذلك البيت.

٢ «وَدُعِيَ أَيْضاً يَسُوعُ وَتَلاَمِيذُهُ إِلَى ٱلْعُرْسِ».

متّى ١١: ١٨ و١٩

وَتَلاَمِيذُهُ الأرجح أن هؤلاء التلاميذ كانوا وقتئذ ستة وهم أندراوس وبطرس وفيلبس ونثنائيل ويوحنا كاتب هذه البشارة وأخوه يعقوب. أما سائر الاثني عشر فدعوا بعد ذلك وأجاب المسيح الدعوة ليُري مجده ويقوّي إيمان تلاميذه ويُظهر الصداقة لأهل العرس. وبحضوره ذلك العرص وإتيانه المعجزة فيه أباح لنا المسرات التي ليس فيها خطية وكرّم الزواج واعتبر النظام العائلي. فيجب على أهل كل عرس أن يجعلوه في أحوال تليق بأن يكون يسوع أحد المحتفلين به.

٣ «وَلَمَّا فَرَغَتِ ٱلْخَمْرُ قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ: لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ».

وَلَمَّا فَرَغَتِ ٱلْخَمْرُ يحتمل أن الضيوف كانوا أكثر ممن توقعوا حضورهم أو أنهم أقاموا أكثر من المدة المنتظرة حتى نفذت الخمر المعدة للعرس. وكانت أيام العرس أحياناً نحو أسبوع (قضاة ١٤: ١٥). والظاهر أن أهل العرس لم يكونوا من الأغنياء.

قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ الخ هذا براعة طلب وهي أن يلوّح السائل عما في نفسه دون أن يُصرح بالطلب كقول أختي لعازر «الذي تحبه مريض» (يوحنا ١١: ٣). وعلى ذلك يكون الكلام طلباً بصورة الخبر. وما أتته أم يسوع دليل على أن لها يداً في مهام ذلك العرس وأنها كانت خائفة من أن يُلام أهل العرس ويتكدرون بنقص القيام بالواجبات للمدعوين.

ولا ريب في أن مريم حفظت في قلبها كل علامات عظمة ابنها منذ الحبل به والمواعيد في شأنه وقتئذ (لوقا ٢: ١٩ و٥١) واعتقدت أن له قوة يستطيع أن يظهرها في أوقاتها. ولعلها استنتجت أن الوقت منذ معموديته وجمع تلاميذه وشروعه في خدمته هو الوقت المناسب لإظهار تلك القوة. ويحتمل أن تلاميذه أخبروها بحوادث المعمودية وشهادة يوحنا المعمدان له ووعده لنثنائيل (ص ١: ٥٠ و٥١) فتوقعت أنه لا بد من أن يفعل على أثر ذلك شيئاً من المعجزات. ولا ريب في أنها كانت قد قرأت كيف أن إيليا صنع معجزة تكثير الدقيق والزيت في وقت الضيق (١ملوك ١٧: ١٤) واعتقدت أن ابنها قادر على أن يفعل مثله.

٤ «قَالَ لَهَا يَسُوعُ: مَا لِي وَلَكِ يَا ٱمْرَأَةُ! لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ».

٢صموئيل ١٦: ١٠ و١٩: ٢٢ ص ١٩: ٢٦ ص ٧: ٦

مَا لِي وَلَكِ يَا ٱمْرَأَةُ! لا يخلو هذا الجواب من التوبيخ لها على ما أظهرت من التعرض لما لا يعنيها والجسارة على ادعاء أن لها حقاً أن تأمره بإجراء عمل مما لا يعمله إلا بإرادة أبيه السماوي. ولكن لا شيء من التوبيخ بدعوته إياها «امرأة» لأنه دعاها كذلك حين أراد إظهار الحب لها ورقة قلبه عليها (يوحنا ١٩: ٢٦). لكن قوله «ما لي ولك» يشف عن عدم الرضى أن يتعرض الإنسان لما يعنيه ويؤيده ما جاء في (قضاة ١١: ١٢ و٢صموئيل ١٦: ١٠ و١٩: ٢٢ و١ملوك ١٧: ١٨ و٢ملوك ٣: ١٣ و٢أيام ٣٥: ٢١ ومتّى ٨: ٢٩ ومرقس ١: ٢٤ و٥: ٧ ولوقا ٤: ٣٤ و٨: ٢٨) فكأن المسيح قال لأمه ليس لك أن تشيري عليّ ما يجب أن أعمله فهذا بيني وبين أبي السماوي.

فعلى الذين ينسبون إلى أم يسوع قوة الشفاعة مع ابنها في السماء أن يروا أي باب ترك المسيح لرجاء ذلك بعد أنه لم يسمح لها أن تتعرض أدنى تعرض لعمله على الأرض فكيف يسمح لها الآن أن تتعرض لشفاعته في السماء التي استعد لها بموته ولم تتم إلا به.

لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ أي لم يئن أن أظهر مجدي علانية بفعل المعجزة. ووردت هذه العبارة بهذا المعنى في (ص ٧: ٣٠ و٨: ٢٠ و١٢: ٢٣ و٢٧). ووردت في أماكن أُخر بمعنى موته ورجوعه إلى الآب (ص ١٣: ١ و١٧: ١) وهي في كل المواضع وقت عيّنه الله الآب منذ الأزل لا يمكن أن يتقدم دقيقة ولا أن يتأخر كذلك. ولعل المعنى هنا أن الخمر لم تنفد كل النفاد فإن صنعت المعجزة الآن شك الناس في صحتها لتوهمهم أنه مزج ما بقي من الخمر بالماء. وفي هذا الجواب إشارة إلى أن تلك الساعة ستأتي بعد.

وذهب البعض إلى أن معنى المسيح هنا أنه لم يأت الوقت المناسب ليعلن لأمة اليهود أنه هو المسيح إذ لا يليق ذلك الإعلان في قرية حقيرة كقانا وبين أصدقائه وأقربائه فلم تكن تلك الساعة إلا حين حضوره في قاعدة اليهودية أورشليم وفي هيكلها عينه على وفق النبوءة القائلة «وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ ٱلسَّيِّدُ ٱلَّذِي تَطْلُبُونَهُ» (ملاخي ٣: ١) فعلى ذلك لا تكون معجزة المسيح في قانا إعلان نفسه للأمة أنه المسيح بل إظهار بعض أشعة مجده لتوطيد إيمان تلاميذه.

٥ «قَالَتْ أُمُّهُ لِلْخُدَّامِ: مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَٱفْعَلُوهُ».

قَالَتْ أُمُّهُ لِلْخُدَّامِ يدل كلامها هذا على أنها توقعت من جواب المسيح أنه يصنع المعجزة في الوقت المناسب ولذلك أمرت الخدام بالاستعداد لطاعة أمره وأمرها للخدام يؤيد القول بأنها من أقرباء أهل العرس.

٦ «وَكَانَتْ سِتَّةُ أَجْرَانٍ مِنْ حِجَارَةٍ مَوْضُوعَةً هُنَاكَ، حَسَبَ تَطْهِيرِ ٱلْيَهُودِ، يَسَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِطْرَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً».

مرقس ٧: ٣ و٤

وَكَانَتْ سِتَّةُ أَجْرَانٍ مَوْضُوعَةً هُنَاكَ الظاهر أن تلك الأجران كانت موضوعة في مدخل الدار أو في الدهليز حيث لا يراها العريس ولا المدعوون في مجالسهم ع ٩.

حَسَبَ تَطْهِيرِ ٱلْيَهُودِ على مقتضى تقاليد الشيوخ وعادة الفريسيين في غسل أيديهم قبل الأكل (متّى ١٥: ٢ ومرقس ٧: ١ – ٤ ولوقا ١١: ٣٨). وكتب يوحنا هذه العبارة التفسيرية لأنه كان حينئذ ساكناً في أفسس كما هو المرجح.

يَسَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِطْرَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً أي يسع أكثر من مطرين وأقل من ثلاثة ومعدل كل واحد نحو عشرين رطلاً فبلغ موسوع الكل نحو مئة وعشرين رطلاً.

وبما أن تلك الأجران معينة للماء لم يكن فيها من دردي أو أثر للخمر. والذين ملأوها ماء صاروا بذلك شهوداً بصحة المعجزة. وكان مقدار ما صنعه المسيح من الخمر كبيراً فكل عطايا المسيح بسخاء من فيض غناه (مزمور ٦٥: ٩ – ١٣ ولوقا ٥: ٦ و٧). وليس لنا أن نظن أن المتكئين شربوا كل ذلك. ولعل المسيح قصد بذلك تقديم هدية لأهل العرس إكراماً ومساعدة لهم.

٧، ٨ «٧ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: ٱمْلأُوا ٱلأَجْرَانَ مَاءً. فَمَلأُوهَا إِلَى فَوْقُ. ٨ ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: ٱسْتَقُوا ٱلآنَ وَقَدِّمُوا إِلَى رَئِيسِ ٱلْمُتَّكَإِ. فَقَدَّمُوا».

الظاهر أن الأجران كانت فارغة أو ناقصة باستعمال المدعوين.

إِلَى فَوْقُ يظهر هذا رغبة الخدم ومسرتهم في العمل وبيان أنه لم يبق من موضع للحيلة بوضع خمر في الأجران بعد ذلك.

ٱسْتَقُوا ٱلآنَ هذا يدل على أن الماء استحال خمراً بين وقت ملء الأجران وأمر المسيح بالاستقاء فكان التحويل بمجرد إرادته بلا توسط شيء آخر.

رَئِيسِ ٱلْمُتَّكَإِ وهو ليس العريس بل أحد الأقرباء أو المدعوين المعيّن للاعتناء بالضيوف والآمر بتقديم ما يحتاجون إليه من الطعام والشراب ومن وظيفته أو يذوق ذلك قبل تقديمه لهم. وكيفية مخاطبة رئيس المتكإ للعريس تدل على أنه ليس بخادم بل من أمثال العريس في المقام.

٩ «فَلَمَّا ذَاقَ رَئِيسُ ٱلْمُتَّكَإِ ٱلْمَاءَ ٱلْمُتَحَوِّلَ خَمْراً، وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هِيَ لٰكِنَّ ٱلْخُدَّامَ ٱلَّذِينَ كَانُوا قَدِ ٱسْتَقَوُا ٱلْمَاءَ عَلِمُوا دَعَا رَئِيسُ ٱلْمُتَّكَإِ ٱلْعَرِيس».

ص ٤: ٤٦

ٱلْمَاءَ ٱلْمُتَحَوِّلَ خَمْراً بفعل إلهي.

وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هِيَ أي لم يعلم أنها من أجران الماء وهذا دليل على أنه لم يشاهد فعل الخدام لما ملأوا الأجران ماء واستقوا منها خمراً.

دَعَا رَئِيسُ ٱلْمُتَّكَإِ ٱلْعَرِيسَ أي دعاه إليه من متكأ العرس.

١٠ «وَقَالَ لَهُ: كُلُّ إِنْسَانٍ إِنَّمَا يَضَعُ ٱلْخَمْرَ ٱلْجَيِّدَةَ أَوَّلاً، وَمَتَى سَكِرُوا فَحِينَئِذٍ ٱلدُّونَ. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ ٱلْخَمْرَ ٱلْجَيِّدَةَ إِلَى ٱلآنَ».

يَضَعُ ٱلْخَمْرَ ٱلْجَيِّدَةَ أَوَّلاً، وَمَتَى سَكِرُوا تكلم على عادة الناس في الولائم فلا يلزم من ذلك أنه حدث مثله في هذا العرس إذ ليس من دليل على أن المدعوين إليه خرجوا عن دائرة الاعتدال بشربهم. والقانون الذي ذكره مأخوذ من اختبار الناس أن الذوق يعجز عن التمييز بين الخمرة الجيدة والدون بعد استمرار الشرب خلافاً لما في أوله. وكان الرئيس يحافظ على صحوه لئلا يخل بالواجبات.

أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ ٱلْخَمْرَ ٱلْجَيِّدَةَ الخ يظهر من هذا أن المسيح لم يكتف أن يصنع الماء خمراً عادية بل صنعه من أفضل الخمر. كذلك كل مواهب المسيح تليق به. وبمقابلة عطاياه بعطايا الناس تظهر أنها خير من جميعها في الوفرة والجودة. ومما يستحق الملاحظة هنا أن المسيح لم يكلف رئيس المتكإ تصديق استحالة لم تتبين له صحتها بشهادة ذوقه. وشهادة الرئيس بينت حقيقة المعجزة. وهو شهد بدون سبق مؤامرة بينه وبين الخدام إن ما قُدم له خمر من أفضل صنوف الخمر.

١١ «هٰذِهِ بِدَايَةُ ٱلآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا ٱلْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُه».

ص ١: ١٤

هٰذِهِ بِدَايَةُ ٱلآيَاتِ استحسن يوحنا أن يسمي أفعال المسيح الإلهية آيات بالنظر إلى غايتها لتكون برهاناً على صحة مرسليته وعلامة لصدق لاهوته.

وسُميت أحياناً عجائب إشارة إلى تأثيرها في المشاهدين وسميت أحياناً معجزات وقوات إشارة إلى أنها فوق قوة البشر. ولم يذكر يوحنا من آيات المسيح سوى سبع المذكورة هنا أولها. والثانية شفاء المحموم. والثالثة إشباعه الألوف. والرابعة مشيه على الماء. والخامسة شفاء المقعد. والسادسة فتح عيني الأعمى. والسابعة إقامة لعازر. وقوله «بداءة الآيات» تنفي زعم بعضهم أنه صنع في صبوته معجزات فضلاً عن أن المعجزات التي نُسبت إليه في الصبوة لا تليق بشأنه. وسُمي تحويله الماء آية مع أنه ليس بخلق لأنه يحتاج إلى قوة إلهية لإنشائه حالاً. وكانت بداءة الآيات العشر التي أجراها الله على يد موسى في مصر تحويل الماء إلى دم للانتقام وأما بداءة آيات المسيح فكانت تحويل الماء إلى خمر للبركة.

فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا ٱلْجَلِيلِ على وفق نبوءة إشعياء بما يتعلق بتلك البلاد قبل ذلك بنحو مئة سنة وهي قوله «جَلِيلَ ٱلأُمَمِ. اَلشَّعْبُ ٱلسَّالِكُ فِي ٱلظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُوراً عَظِيماً. ٱلْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ ٱلْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ» (إشعياء ٩: ١ و٢ ومتّى ٤: ١٤ – ١٦).

أَظْهَرَ مَجْدَهُ أي مجد الكلمة المذكورة في ص ١: ١٤ فآيات موسى وإيليا وسائر الأنبياء أظهرت مجد الله وآيات المسيح أظهرت مجد نفسه. وهذا كان غايته الأولى. والمجد الذي أظهره في قانا كان محجوباً عن أعين الناس مدة ثلاثين سنة تقضّت عليه وهو ساكن بينهم يظهر لهم في الهيئة كسائر الناس. وفعله هذه المعجزة لإظهار مجده لا ينفي أنه فعلها أيضاً ليظهر لطفه وحنوه لبيت العرس ويدفع عنهم الخجل من التقصير في الواجبات.

فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُهُ أي صدقوا أنه المسيح بيقين فثبّتت إيمانهم السابق. ولم يذكر البشير تأثير المعجزة في سائر الحاضرين فالأرجح أنهم تعجبوا منها وتحدثوا بها ثم نسوها. وما فعله المسيح وقتئذ رمز إلى كل فعله بمجيئه إلى العالم فإنه رفع شأن كل شيء في العالم بحضوره وبركته لأنه رفع طبيعة الإنسان باشتراكه فيها وحوّل قلوب الناس الحجرية إلى قلوب لحمية وجعل خرب سقوط آدم هياكل حية وحول أحزاننا إلى مسرات والخطأة إلى الأبرار والموت إلى باب الحياة وجعل القفار مجرى مياه وبدل عتق الناموس بجدة الروح.

انحدار يسوع إلى كفرناحون وصعوده إلى أورشليم وإخراجه الباعة من الهيكل ع ١٢ إلى ١٧

١٢ «وَبَعْدَ هٰذَا ٱنْحَدَرَ إِلَى كَفْرَنَاحُومَ، هُوَ وَأُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ وَتَلاَمِيذُهُ، وَأَقَامُوا هُنَاكَ أَيَّاماً لَيْسَتْ كَثِيرَةً».

متّى ١٢: ٤٦

ٱنْحَدَرَ إِلَى كَفْرَنَاحُومَ كانت كفرناحوم على شاطئ بحر الجليل فلذلك كانت أوطأ من قانا. وقد سبق الكلام على كفرناحوم في الشرح (متّى ٤: ١٣). وانحداره من قانا إلى كفرناحوم لا يمنع أنه مال إلى الناصرة في الطريق وبقي فيها مع أمه أياماً. ولم يتبين من الكلام هنا علة زيارته كفرناحوم هذه الزيارة القصيرة. والأرجح أنه صنع معجزات هناك وهي التي أشار إليها أهل الناصرة في ما نُقل عنهم في بشارة لوقا (لوقا ٤: ٢٣).

وَأُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ المرجح أن علة ذهابهم معه الرغبة في مشاهدتهم الآيات التي توقعوا أن يصنعها. ولعل إخوته انتظروا أنه يعلن كونه ملكاً أرضياً فلما أبى ذلك انثنوا عن تصديق أنه المسيح لأن البشير صرح بعد ذلك «لأَنَّ إِخْوَتَهُ أَيْضاً لَمْ يَكُونُوا يُؤْمِنُونَ بِهِ» (يوحنا ٧: ٥) وذكر تلاميذه هنا منفصلاً عن إخوته من الأدلة على أنهم لم يكونوا قد آمنوا به. وذكر أمه دون ذكر يوسف ما دل على أنه كان قد مات.

وَتَلاَمِيذُهُ وَأَقَامُوا هُنَاكَ أَيَّاماً الخ فكان بذلك للتلاميذ فرصة لأن يزوروا بيوتهم قبل أن دعاهم المسيح رسلاً يبقون معه دائماً.

١٣ «وَكَانَ فِصْحُ ٱلْيَهُودِ قَرِيباً، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ».

خروج ١٢: ١٤ وتثنية ١٦: ١ و١٦ وع ٢٣ وص ٥: ١ و٦: ٤ و١١: ٥٥

وَكَانَ فِصْحُ ٱلْيَهُودِ إضافة الفصح هنا إلى اليهود دليل على أن يوحنا لم يكتب إنجيله لهم فقط وأنه لم يكتبه في اليهودية. وسبق الكلام على الفصح في الشرح (متّى ٢٦: ٢).

لم يذكر أحد من البشيرين سوى يوحنا عدد أعياد الفصح التي تقضت على يسوع مدة خدمته والتي ذكرها أربعة. الفصح الأول في (ص ٢: ١٢) والثاني في (ص ٥: ١) والثالث في (ص ٦: ٤) وبقي وقته في الجليل والرابع في (ص ١١: ٥). والأرجح أن الفصح المذكور هنا كان بعد ستة أشهر من بداءة خدمته.

فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ لم يذكر هذا الصعود والحوادث التي حدثت حينئذ سوى يوحنا. وبقي النظام اليهودي مدة حياة المسيح على الأرض وأكرمه يسوع كل الإكرام بعدم تركه شيئاً من فرائضه فذهب إلى الفصح طوعاً للأمر في (خروج ٢٣: ١٧) واجتماع اليهود العظيم في العيد جعل له فرصة مناسبة لإعلان دعواه لهم أنه المسيح.

١٤ «وَوَجَدَ فِي ٱلْهَيْكَلِ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ بَقَراً وَغَنَماً وَحَمَاماً، وَٱلصَّيَارِفَ جُلُوسا».

متّى ٢١: ١٢ ومرقس ١١: ١٥ ولوقا ١٩: ٤٥

فِي ٱلْهَيْكَلِ أي إحدى الأدور الأربع التي للهيكل والأرجح أنها هي الدار التي كانت تسمى دار الأمم وهي نحو ثلثي المساحة المحيطة بجدران الهيكل. وكان رواق سليمان في شرقي هذه الدار حيث اعتاد يسوع أن يتمشى ويعلم (يوحنا ١٠: ٢٣) وكان دخول يسوع إلى الهيكل وقتئذ إتماماً لنبوءة ملاخي ٣: ١ – ٣ وبموجب تلك النبوءة كان أول عمل المسيح في الهيكل التطهير لا صنع المعجزة.

ٱلَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ بَقَراً وَغَنَماً وَحَمَاماً كانت هذه للذبائح تُباع لليهود الآتين من خارج أورشليم. ولم يسمح الكهنة للباعة بهذه التجارة إلا لمشاركتهم إياهم في الربح. فجعل ذلك الاتجار الهيكل مثل سوق ومُنع من أن يكون محلاً مناسباً للعبادة الدينية والتأملات والمحادثات الروحية.

وَٱلصَّيَارِفَ جُلُوساً كان المطلوب من كل يهودي أن يؤدي جزية الهيكل السنوية نصف شاقل (انظر الشرح متّى ١٧: ٢٤ – ٢٦) وهو وفق ما في خروج ٣٠: ١٣. ولا ريب في أن اليهود الآتين من الخارج لا يكون معهم إلا النقود الرائجة في البلاد التي أتوا منها فاحتاجوا أن يبدلوها بالنقود اليهودية المطلوبة وهذا هو الذي اتخذه الصيارفة حجة على جلوسهم هناك ولا بد من أنه كان في ذلك ربح لهم وقسم من ذلك الربح للكهنة.

نعم إنّ بيع حيوانات الذبيحة جائز وكذا تبديل النقود ولكن ذلك يحرم في دار الهيكل التي هي أرض مقدسة أي موقوفة لعبادة الله.

١٥ «فَصَنَعَ سَوْطاً مِنْ حِبَالٍ وَطَرَدَ ٱلْجَمِيعَ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ، اَلْغَنَمَ وَٱلْبَقَرَ، وَكَبَّ دَرَاهِمَ ٱلصَّيَارِفِ وَقَلَّبَ مَوَائِدَهُمْ».

سَوْطاً مِنْ حِبَالٍ لكي يطرد به البقر والغنم. ولكن الرجال طردهم بالكلام وبظواهر هيبته التي ألقت في قلوبهم الرعب كما في ص ١٨: ٦ ولا بد من أن ضمائرهم وبختهم حتى لم يستطيعوا المقاومة.

وَقَلَّبَ مَوَائِدَهُمْ التي كان عليها النقود وفعل ذلك منعاً لهم من مداومة العمل.

١٦ «وَقَالَ لِبَاعَةِ ٱلْحَمَامِ: ٱرْفَعُوا هٰذِهِ مِنْ هٰهُنَا. لاَ تَجْعَلُوا بَيْتَ أَبِي بَيْتَ تِجَارَةٍ».

لوقا ٢: ٤٩

وَقَالَ لِبَاعَةِ ٱلْحَمَامِ لم يقصد المسيح بهذا إكرام باعة الحمام خلافاً لما فعل بباعة الغنم والبقر بل لأنه ما كان يمكنه أن يطرد الحمام كما طرد تلك الحيوانات إلا بخسران أربابها ألزمهم أن يخرجوا بها بأقفاصها بأمر لم يستطيعوا عصيانه.

بَيْتَ أَبِي كلامه هنا مثل كلامه في لوقا ٢: ٤٩. وقال هذا للباعة على مسامع كل الذين كانوا في الهيكل فحامى به عن حق الله لأنه رفع من هيكله التدنيس وأظهر محبته للآب وغيرته لمجده وعلم الشعب الاعتبار الذي يجب لبيت الله وعبادة الله وأظهر لهم أيضاً أنه أتى المصلح الممحص الذي أنبأ به ملاخي ٣: ١ – ٣ وفي ذلك كله إعلان أنه ابن الله لأنه دعا الله أباه. وأنه المسيح الذي أنبأ به الأنبياء. وقدم نفسه باعتبار هاتين الصفتين لإسرائيل. وهذا الإعلان مع شهادة يوحنا المعمدان له كاف لإيضاح كل دعواه.

ومن الضروري أن نميز بين تطهير الهيكل الأول الذي ذكره يوحنا هنا والثاني الذي ذكره سائر الإنجيليين (متّى ٢١: ١٢ ومرقس ١١: ١٥ و١٦ ولوقا ١٩: ٤٥) لأن هذا كان في أول خدمته وذاك قبل موته بأربعة أيام. والفرق بينهما أيضاً أن المسيح صنع هنا سوطاً من الحبال وقلب موائد الصيارفة وطرد باعة الحمام بمجرد الكلام ولا شيء من ذلك في المرة الثانية. وكلمات التوبيخ مختلفة بينهما فوبخهم هنا على مجرد التجارة في بيت الله ووبخهم في ذلك على الزور والخطف. ومحادثة المسيح في هذه تختلف عن محادثته إياهم في تلك. ولا دليل على أن تعرضه لهم في هذا الوقت ألغى تلك التجارة. وكان لائقاً بشأنه عندما انتهت خدمته أن يشهد لقداسة الهكيل ويوبخ المدنسين كما لاق به في أولها.

١٧ «فَتَذَكَّرَ تَلاَمِيذُهُ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ: غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي».

مزمور ٦٩: ٩

الكلام هنا مقتبس من مزمور ٦٩: ٩ وهو كتب أولاً بياناً لحال داود النبي فإنه كان في أمور كثيرة رمزاً إلى المسيح وما قاله على نفسه في هذا المزمور نُسب في سبع مواضع من البشائر والرسائل إلى المسيح.

(١) هنا. (٢) في ص ١٥: ٢٥. (٣) في رومية ١٥: ٣ (٤) في ص ١٩: ٢٨. (٥) في أعمال ١: ٢٠. (٦) في رومية ١١: ٩. (٧) في مرقس ١١: ١٧. ومعناه أن غيظ المسيح على الذين أهانوا بيت أبيه واجتهاده في تطهيره وتمجيد اسم الآب وحزنه على شر المعتدين كانت كنار تتوقد في قلبه وظهرت إمارات وجهه وكلامه وفعله كما يظهر اللهب في الحطب فتلك الغيرة شغلت كل قواه وأفكاره.

إنباء يسوع بموته وقيامته وهزء اليهود به وإيمان بعضهم ع ١٨ إلى ٢٥

١٨ «فَسَأَلَهُ ٱلْيَهُودُ: أَيَّةَ آيَةٍ تُرِينَا حَتَّى تَفْعَلَ هٰذَا؟».

تثنية ١٣: ١ إلى ٣ و١٨: ٢١ و٢٢ ومتّى ١٢: ٣٨ وص ٦: ٣

فَسَأَلَهُ ٱلْيَهُودُ ذُكر آنفاً تأثير عمل المسيح وكلامه في الباعة وفي التلاميذ وظهر هنا تأثيره في حراس الهيكل وسائر اليهود من الكهنة والفريسيين ولكن لم يظهر أدنى تأثير في جمهور الشعب بإعلانه بواسطة عمله أنه ابن الله المسيح الموعود به فصحّ قول الإنجيلي «إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ» (ص ١: ١١).

أَيَّةَ آيَةٍ تُرِينَا أي ما المعجزة التي تفعلها إثباتاً لدعواك. وفي سؤالهم هذا أن ليس ليسوع حق الادعاء أنه مصلح إلا بإتيانه إياهم بآية من السماء كما فعل موسى أمام فرعون. فكأنهم قالوا له أنت ليس بكاهن ولا لاوي فإن كنت نبياً فأين آية نبوءتك. فأظهر أنهم لم ينتبهوا لدعواه أنه ابن الله ولو سلموا بذلك ما سألوه آية.

١٩ «أَجَابَ يَسُوعُ: ٱنْقُضُوا هٰذَا ٱلْهَيْكَلَ وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ».

متّى ٢٦: ٦١ و٢٧: ٤٠ ومرقس ١٤: ٥٨ و٥: ٢٩

ٱنْقُضُوا هٰذَا ٱلْهَيْكَلَ هذا خبر ونبوءة بصورة الأمر. قصد المسيح أن يجعل كلامه لليهود لغزاً والذي جعله كذلك اتخاذ الهيكل بمعنيين.

الأول: البناء المعروف أي القدس لا الدار.

الثاني: جسد المسيح.

والمعنى المراد لم يظهر لأحد إلا بعد ذلك. فمعنى قوله «انقضوا الهيكل» أي بعد أن تقتلوا جسدي أقيمه. وصحّ أن يسمّى جسده هيكلاً لأنه كان فيه كل «ملء اللاهوت» فهو مسكن الله الحي المقدس الحقيقي. وكان هيكل أورشليم رمزاً إلى المسيح لأنه مسكن الله بين الناس ولكن بما أن يسوع المرموز إليه قد أتى زالت الحاجة إلى ذلك الرمز. ولم يكن المسيح الهيكل فقط بل أعظم من الهكيل أيضاً (متّى ١٢: ٦).

ولا دليل على أن المسيح أشار بإصبعه إلى نفسه حين قال «هذا الهيكل» ولو فعل ذلك لفهم التلاميذ وسائر اليهود مراده وكونهم لم يفهموا يظهر من ع ٢٠ و٢٢.

وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ اشار بذلك إلى قيامته فأوقف صحة دعواه على صدق قيامته. فكأنه قال إن قمت فصدقوني وإلا فلا. ولكن إن قمت ولم تصدقوا لم يبق لكم عذر. والكلام هنا كالكلام في متّى ١٢: ٣٩. وقوله أنه يقيم نفسه لا ينفي ما قيل في مواضع أُخر ينسب فيها إقامته إلى الآب وبيان موافقة القولين في ص ١: ١٧ و١٨ وهو أنه أخذ ذلك السلطان من الآب.

نقض جسد المسيح كان علة نقض هيكل أورشليم ولما قام المسيح قام معه الهيكل الروحي الحقيقي الذي فيه يقدم كل المؤمنين العبادة الروحية المقبولة (١بطرس ٢: ٥ – ٧).

٢٠ «فَقَالَ ٱلْيَهُودُ: فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هٰذَا ٱلْهَيْكَلُ، أَفَأَنْتَ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ؟».

هذا ليس استخباراً عن الممكن بل استهزاء به بناء على أنه ادعى المحال.

فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ الهيكل المذكور هنا ليس هو الهيكل الأول الذي بناه سليمان ولا الثاني الذي بناه زربابل لكن الذي جدده وأصلحه هيرودس الكبير حتى صح أن يسمّى الهيكل الثالث (انظر الشرح متّى ٢١: ١٢). فابتدأ هيرودس الكبير يُصلح الهيكل قبل ميلاد المسيح بنحو ست عشرة سنة وكان المسيح عندما قال ذلك الكلام في سن الثلاثين فيكون قد مر على الهيكل وهو يصلح ستة وأربعون سنة ولم يكمل. واستخدم هيرودس لما أصلحه فيه ثمانية عشر ألف فاعل وأكمل المقدس عينه في سنة ونصف سنة والأبنية حوله في ثمانية سنين بعد ذلك. وظل الترميم والتجديد على قول يوسيفوس المؤرخ جارياً إلى سنة ٦٤ ب. م وتممه حينئذ هيرودس أغريباس الثاني.

أَفَأَنْتَ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ هذا استهزاء وتنبيه على الباطل ومعناه «أيقدر الجليلي الفقير أن يصنع في ثلاثة أيام ما لم يستطع الملوك الأغنياء القادرون أن يكملوه في ست وأربعين سنة». والنتيجة أن دعوة يسوع عندهم باطلة مضحكة.

٢١ «وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ».

١كورنثوس ٣: ١٦ و٦: ١٩ و٢كورنثوس ٦: ١٦ وكولوسي ٢: ٩ وعبرانيين ٨: ٢

هذا تفسير يوحنا لقول المسيح في العدد التاسع عشر وقد سبق الكلام عليه.

٢٢ «فَلَمَّا قَامَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، تَذَكَّرَ تَلاَمِيذُهُ أَنَّهُ قَالَ هٰذَا، فَآمَنُوا بِٱلْكِتَابِ وَٱلْكَلاَمِ ٱلَّذِي قَالَهُ يَسُوعُ».

لوقا ٢٤: ٨

تَذَكَّرَ تَلاَمِيذُهُ لم يقل يوحنا أن التلاميذ فهموا مراد المسيح حين قال ما سبق لكنه أشار إلى أنهم حفظوا الكلام في قلوبهم وتأملوا فيه ثم فهموا معناه عند تمام النبوءة التي تضمنها ذلك الكلام. وذكر ذلك اليهود أيضاً واتخذوه جزءاً من شكايتهم عليه في مجلس السبعين (متّى ٢٦: ٦١) وكان موضوع هزئهم به وهو معلق على الصليب (متّى ٢٧: ٤٠).

وكثيراً ما يحدث أن التعليم الديني لا يظهر نفعه في الحال لكنه يكون بعد سنين ذا نفع عظيم. ومثل ذلك أن الصغار يحفظون كثيراً من آيات الكتاب المقدس التي تنفعهم في البلوغ والشبيبة.

فَآمَنُوا بِٱلْكِتَابِ وَٱلْكَلاَمِ الخ أي أنهم تقووا في الإيمان. ولعل المراد «بالكتاب» هنا ليس آية مخصوصة في العهد القديم تنبئ بقيامة المسيح أو قولاً من أقواله المختصة بذلك بل كل ما ذُكر في ذلك العهد في أمر موته وقيامته. ومنه المزمور ١٦ و١٧: ١٥ و٧٣: ٢٣ و٢٤ وإشعياء ٥٣ و٢٦: ١٩ وهوشع ٦: ٢ وقوله في متّى ٢٦: ٢١ و١٧: ٢٢ و٢٠: ١٧ و١٩.

٢٣ «وَلَمَّا كَانَ فِي أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ ٱلْفِصْحِ، آمَنَ كَثِيرُونَ بِٱسْمِهِ، إِذْ رَأَوُا ٱلآيَاتِ ٱلَّتِي صَنَعَ».

آمَنَ كَثِيرُونَ مع أن الرؤساء وأكثر الشعب رفضوه لكن بعضهم قبلوا أنه المسيح واثقين بصحة معجزاته وصدق كلامه ولكن لم يكن إيمانهم روحياً كاملاً كما يتضح مما بعده.

بِٱسْمِهِ أي كما أعلن باعتبار كونه ابن الله والمسيح.

إِذْ رَأَوُا ٱلآيَاتِ لم يذكر يوحنا ما هي تلك الآيات ولا كم هي. وكانت عظيمة مشهورة حتى أن نيقوديموس شهد بها بقوله «لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هٰذِهِ ٱلآيَاتِ ٱلَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ ٱللّٰهُ مَعَهُ» (ص ٣: ٢). وشهد الجليليون كذلك (ص ٤: ٤٥). وأما قوله «هذه آية ثانية صنعها يسوع» فلا ينفي أنه صنع آيات كثيرة في اليهودية لأن تلك الآية قُيدت بكونها صُنعت في الجليل.

ما يحدث للإنسان من الإيمان بمشاهدة المعجزات وبحمله على الحيرة والتعجب والاعتقاد أنها كانت بقوة فوق الطبيعة ليس سوى مقدمة للإيمان الحق الذي ينشئه الروح القدس.

٢٤، ٢٥ «٢٤ لٰكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، لأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ ٱلْجَمِيعَ. ٢٥ وَلأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجاً أَنْ يَشْهَدَ أَحَدٌ عَنِ ٱلإِنْسَانِ، لأَنَّهُ عَلِمَ مَا كَانَ فِي ٱلإِنْسَانِ».

١صموئيل ١٦: ٧ و١أيام ٢٨: ٩ ومتّى ٩: ٤ ومرقس ٢: ٨ وص ٦: ٦٤ و١٦: ٣٠ وأعمال ١: ٢٤ ورؤيا ٢: ٢٣

لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ أي لم يصدق صحة إيمانهم ولم يحسبهم تلاميذ ثابتين نعم إنّ عقولهم اقتنعت بمشاهدتهم الآيات بأنه نبي الله لكنهم لم يقبلوا تعاليمه في قلوبهم ويتجددوا.

لأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ ٱلْجَمِيعَ بمعرفته الإلهية التي استطاع بها أن يعرف نثنائيل (ص ١: ٤٧). وتذمرات الفريسيين بقلوبهم ونية يهوذا الاسخريوطي. والمضمون هنا أن المسيح عرف أنهم سيتغيرون وأنهم مستعدون أن يتركوه وقت الخوف واستهزاء اليهود به.

لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجاً أَنْ يَشْهَدَ أَحَدٌ هذا تكرير لمعنى العدد السابق بتغيير اللفظ. والمعنى أن معرفته غنية عن الوسائل التي يتخذها الناس ليعرف بعضهم بعضاً فهو يعلم كل شيء لأنه الله (ص ١: ١) وفحص القلوب من الصفات المختصة بالله (إرميا ١٧: ١٠).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى