إنجيل مرقس | 15 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح إنجيل مرقس
للدكتور . وليم إدي
الأصحاح الخامس عشر
اجتماع المجلس ثانية ع ١
١ «وَلِلْوَقْتِ فِي ٱلصَّبَاحِ تَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلشُّيُوخُ وَٱلْكَتَبَةُ وَٱلْمَجْمَعُ كُلُّهُ، فَأَوْثَقُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ وَأَسْلَمُوهُ إِلَى بِيلاَطُسَ».
مزمور ٢: ٢ ومتّى ٢٧: ١ ولوقا ٢٢: ٦٦ و٢٣: ١ ويوحنا ١٨: ٢٨ وأعمال ٣: ١٣ و٤: ٢٦
اجتمع المجلس ثانية لجعل حكمهم موافقاً للشريعة اليهودية لأنها منعت الحكم على أحد بالموت ليلاً ولتثبيت ما حكموا به سابقاً. واقتصر مرقس على ذكر مجرد ذلك الاجتماع ولم يلتفت إلى بيان حوادثه. وسلك متّى هذا المسلك أيضاً (متّى ٢٧: ١). ولكن لوقا بيّن ذلك تفصيلاً (لوقا ٢٢: ٦٦ – ٧١). وعند ذلك صرح المسيح بأنه ابن الله كما صرّح قبلاً. وكذلك كرر المجلس حكمهم عليه بأنه مجدف.
محاكمة يسوع أمام بيلاطس ع ٢ إلى ٥
٢ – ٥ «٢ فَسَأَلَهُ بِيلاَطُسُ: أَأَنْتَ مَلِكُ ٱلْيَهُودِ؟ فَأَجَابَ: أَنْتَ تَقُولُ. ٣ وَكَانَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ كَثِيراً. ٤ فَسَأَلَهُ بِيلاَطُسُ أَيْضاً: أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ اُنْظُرْ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ! ٥ فَلَمْ يُجِبْ يَسُوعُ أَيْضاً بِشَيْءٍ حَتَّى تَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ».
متّى ٢٧: ١١، إشعياء ٥٣: ٧ ويوحنا ١٩: ٩
راجع الشرح متّى ٢٧: ١١ – ١٤.
كلام مرقس على ذلك أقصر من كلام متّى. ولم يذكر موت يهوذا الاسخريوطي. ولا تعرُّض امرأة بيلاطس لأمر المسيح. ولا غسل بيلاطس يديه. ولا قول اليهود «دمه علينا وعلى أولادنا». ولا تكرار بيلاطس مراراً قوله تبرئة المسيح. ولا ما ذكره لوقا من إرسال بيلاطس يسوع إلى هيرودس. واقتصر على أنه كان رؤساء الكهنة يشتكون عليه كثيراً. وذكر غيره من المبشرين تلك الشكايات بالتفصيل. ولم يذكر مرقس أن الرؤساء اجتهدوا في أن يحملوا بيلاطس على أن يحكم على يسوع بالموت بدون أن يبينوا ذنبه فذهب ذلك الاجتهاد عبثاً (يوحنا ١٨: ٢٩ و٣١). وسؤال بيلاطس يسوع وهو قوله «أنت ملك اليهود» أظهر ماذا كانت شكاية رؤساء اليهود عليه. وقول مرقس «فلم يجب يسوع أحداً بشيء» (ع ٥) لا ينافي قول يوحنا في شأن المحادثة بين المسيح وبيلاطس (يوحنا ١٨: ٣٤ – ٣٨). لأن ماذ ذكره مرقس من سكوته كان أمام الجموع. وأما محادثته لبيلاطس فكانت عند انفراده به داخل القصر.
تفضيل اليهود باراباس على يسوع وتسليم بيلاطس يسوع ع ٦ إلى ١٥
٦ – ١٥ «٦ وَكَانَ يُطْلِقُ لَهُمْ فِي كُلِّ عِيدٍ أَسِيراً وَاحِداً مَنْ طَلَبُوهُ. ٧ وَكَانَ ٱلْمُسَمَّى بَارَابَاسَ مُوثَقاً مَعَ رُفَقَائِهِ فِي ٱلْفِتْنَةِ، ٱلَّذِينَ فِي ٱلْفِتْنَةِ فَعَلُوا قَتْلاً. ٨ فَصَرَخَ ٱلْجَمْعُ وَٱبْتَدَأُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا كَانَ دَائِماً يَفْعَلُ لَهُمْ. ٩ فَأَجَابَهُمْ بِيلاَطُسُ: أَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ ٱلْيَهُودِ؟. ١٠ لأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ رُؤَسَاءَ ٱلْكَهَنَةِ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوهُ حَسَداً. ١١ فَهَيَّجَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ ٱلْجَمْعَ لِكَيْ يُطْلِقَ لَهُمْ بِٱلْحَرِيِّ بَارَابَاسَ. ١٢ فَسَأَلَ بِيلاَطُسُ: فَمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ أَفْعَلَ بِٱلَّذِي تَدْعُونَهُ مَلِكَ ٱلْيَهُودِ؟ ١٣ فَصَرَخُوا أَيْضاً: ٱصْلِبْهُ! ١٤ فَسَأَلَهُمْ بِيلاَطُسُ: وَأَيَّ شَرٍّ عَمِلَ؟ فَٱزْدَادُوا جِدّاً صُرَاخاً: ٱصْلِبْهُ! ١٥ فَبِيلاَطُسُ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْجَمْعِ مَا يُرْضِيهِمْ، أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ بَعْدَمَا جَلَدَهُ لِيُصْلَبَ».
متّى ٢٧: ١٥ ولوقا ٢٣: ١٧ ويوحنا ١٨: ٣٩، متّى ٢٧: ٢٠ وأعمال ٣: ١٤، متّى ٢٧: ٢٦ ويوحنا ١٩: ١ و١٦
انظر الشرح متّى ٢٧: ١٥ – ٢٦.
لو لم يكن لنا سوى بشارة مرقس لظننا أن بيلاطس استغنم فرصة طلب اليهود إطلاق أسير وسيلة إلى إنقاذ يسوع بلا شغب عندما تحقق أنه بار. ولكن نفهم مما أنبأ متّى به أن بيلاطس عرض على الجمع أن يختاروا أي الاثنين يسوع وباراباس يطلقه لهم. وكان يظن أنهم يختارون إطلاق يسوع ويفضلونه على إنسان اشتهر شره. لكنه لم يفكر في شدة بغض الرؤساء للمسيح وحسدهم إياه. ولم يحسب أن الشعب لا يعتبر باراباس شريراً لمجرد مقاومته للحكم الروماني فالذي رآه بيلاطس رذيلة رآه اليهود فضيلة.
لأَنَّهُ عَرَف الخ (ع ١٠) ومعرفته المذكورة هنا كانت علّة أن شكايات اليهود لم تؤثّر فيه كثيراً وأنّه حوّل أمر يسوع إلى الشعب ليتخلّص من الرؤساء الحساد.
ٱصْلِبْهُ لم يكن الصلب عقاباً يهودياً بل هو روماني. فإن قيل لماذا طلب اليهود صلب المسيح ولم يسألوا رجمه وهو عقاب التجديف عندهم وقد حكم مجلسهم على يسوع بالتجديف. فجواب ذلك أن باراباس حكم عليه بالصلب بمقتضى الشريعة الرومانية وجعل بيلاطس يسوع بمنزلة باراباس رجاء ان يختار الشعب إطلاق يسوع ومعاقبة باراباس. لكنهم اختاروا خلاف رجائه فوقع على يسوع ما كان قد استحقه باراباس وحُكم به عليه. فصار يسوع بصلبه «لعنة من أجلنا» (غلاطية ٣: ١٣ وتثنية ٢١: ٢٣). وحُفظت عظامه من الكسر إتماماً للمشابهة بينه وبين خروف الفصح (خروج ١٢: ٤٦ ويوحنا ١٩: ٣٦).
يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْجَمْعِ مَا يُرْضِيهِمْ (ع ١٥) خاف بيلاطس أن يشتكيه اليهود إلى قيصر فآثر أن يسلم يسوع المسيح إرضاء لهم على أن يحكم بالعدل ويغيظهم. فإن قيل كيف أمكن أن تتغير أفكار الشعب في المسيح ذلك التغيّر العظيم في نحو خمسة أيام فإنهم كانوا يهتفون يوم الأحد قائلين «أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ ٱلآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ» (مرقس ١١: ٩ و١٠). وصرخوا يوم الجمعة قائلين «اصلبه اصلبه». فالجواب على ذلك أنه من المحتمل أن الجمع الذي طلب صلبه ليس هو الجمع الذي احتفل بدخوله أورشليم وذلك من الممكنات في مدينة كبيرة كأورشليم وقد قصدها جموع كثيرة من الأقطار للاحتفال بالعيد. وعلى فرض أن الجمع الأول هو عين الجمع الثاني لا بدع من أن تتغير أفكاره بسهولة في وقت شغب وهيجان كالذي كان عند محاكمة يسوع. وقد حدث مثل ذلك في لسترة فإن الذين أرادوا أن يعبدوا بولس كإله من السماء رجموه بعد قليل كشر إنسان على الأرض يجب أن يُنزع منها. وأرجح الظن أنهم احتفلوا به يوم الأحد رجاء انه ملك أرضي انتظروا إنقاذه إياهم من حكم الرومانيين. فلما يئسوا من ذلك لما شاهدوه لم يقاوم من قبضوا عليه ومن الحكم عليه كخادع مجدف من أعظم مجلس أمتهم تغيرت أفكارهم ولاموا أنفسهم على ترحيبهم به وسلموا بما أمرهم به الرؤساء وصرخوا قائلين اصلبه.
جَلَدَهُ ذلك حسب عادة الرومانيين فإنهم كانوا يجلدون المحكوم عليه بالصلب قبل صلبه. وكان بيلاطس قد عرض في أول الأمر على اليهود أن يجلده بدلاً من الصلب ويطلقه (لوقا ٢٣: ١٦) بناء على أن ذلك عقاب كاف ولكنه زاد أخيراً الجلد على الصلب.
هزءُ العسكر بيسوع ع ١٦ إلى ١٩
١٦ – ١٩ «١٦ فَمَضَى بِهِ ٱلْعَسْكَرُ إِلَى دَاخِلِ ٱلدَّارِ ٱلَّتِي هِيَ دَارُ ٱلْوِلاَيَةِ، وَجَمَعُوا كُلَّ ٱلْكَتِيبَةِ.١٧ وَأَلْبَسُوهُ أُرْجُواناً، وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَيْهِ، ١٨ وَٱبْتَدَأُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ: ٱلسَّلاَمُ يَا مَلِكَ ٱلْيَهُودِ! ١٩ وَكَانُوا يَضْرِبُونَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِقَصَبَةٍ، وَيَبْصُقُونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسْجُدُونَ لَهُ جَاثِينَ عَلَى رُكَبِهِم».
متّى ٢٧: ٢٧
قد مرّ الكلام على ذلك في الشرح (متّى ٢٧: ٢٧ – ٣١).
أُرْجُواناً سمى متّى ذلك رداء قرمزياً والمعنى واحد. والأرجوان والقرمز مما اعتاد الملوك لبسه فألبسه العسكر يسوع هزءاً بأنه ملك اليهود.
ٱلدَّارِ كانت هذه الدار مسكن الوالي الروماني حين يأتي أورشليم وهي قصر بناه هيرودس الكبير على الطرف الشمالي من جبل صهيون فكان مشرفاً على كل دار الهيكل ومتصلاً به بجسر. وكان اليهود يهزأون قبلاً بالمسيح لدعواه أنه نبي (ص ١٤: ٦٥) وهزئ العسكر به هنا لدعواه أنه ملك.
صلب يسوع ع ٢٠ إلى ٢٦
٢٠ – ٢٦ «٢٠ وَبَعْدَمَا ٱسْتَهْزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ ٱلأُرْجُوانَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، ثُمَّ خَرَجُوا بِهِ لِيَصْلِبُوهُ. ٢١ فَسَخَّرُوا رَجُلاً مُجْتَازاً كَانَ آتِياً مِنَ ٱلْحَقْلِ، وَهُوَ سِمْعَانُ ٱلْقَيْرَوَانِيُّ أَبُو أَلَكْسَنْدَرُسَ وَرُوفُسَ لِيَحْمِلَ صَلِيبَهُ. ٢٢ وَجَاءُوا بِهِ إِلَى مَوْضِعِ «جُلْجُثَةَ» ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ مَوْضِعُ «جُمْجُمَةٍ». ٢٣ وَأَعْطَوْهُ خَمْراً مَمْزُوجَةً بِمُرٍّ لِيَشْرَبَ فَلَمْ يَقْبَلْ. ٢٤ وَلَمَّا صَلَبُوهُ ٱقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا: مَاذَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ؟ ٢٥ وَكَانَتِ ٱلسَّاعَةُ ٱلثَّالِثَةُ فَصَلَبُوهُ. ٢٦ وَكَانَ عُنْوَانُ عِلَّتِهِ مَكْتُوباً «مَلِكُ ٱلْيَهُودِ».
متّى ٢٧: ٣٢ ولوقا ٢٣: ٢٦، متّى ٢٧: ٢٣ ولوقا ٢٣: ٣٣ ويوحنا ١٩: ١٧، متّى ٢٧: ٣٤، مزمور ٢٢: ١٨ ولوقا ٢٣: ٣٤ ويوحنا ١٩: ٢٣، متّى ٢٧: ٤٥ ولوقا ٢٣: ٤٤ ويوحنا ١٩: ١٤، متّى ٢٧: ٣٧ ويوحنا ١٩: ١٩
انظر الشرح متّى ٢٧: ٣٢ – ٣٧.
خَرَجُوا من أورشليم.
سِمْعَانُ (ع ٢١) وصفه مرقس بأنه أبو اسكندروس وروفس كأن هذين الشخصين معروفان عند من كتب إليهم بشارته.
أَعْطَوْهُ خَمْراً مَمْزُوجَةً بِمُرٍّ (ع ٢٣) أي عرضوا عليه ذلك. وقال متّى بدلاً من ذلك «خلاً ممزوجاً بمرارة» ولا منافاة بين البشيرين لأن العسكر كان يشرب خمراً حامضة يصحّ أن تُسمى خلاً كما صحّ أن تُسمى خمراً مع حموضتها. والمرّ عقار مخدر أو مسكن مرّ الطعم ولذلك صحّ أن يُعبر عنه بالمرارة.
ٱلسَّاعَةُ ٱلثَّالِثَةُ بعد شروق الشمس وقبل الظهر بثلاث ساعات. وذلك وفق قول متّى ولكنه غير حساب يوحنا كما سبق الكلام في الشرح (متّى ٢٧: ٤٥) والأرجح أن متّى ومرقس حسبا النهار حسب الاصطلاح اليهودي يومئذ وهو الحساب الشرقي اليوم. وهو أن اليوم من المغرب إلى المغرب وأن يوحنا جرى على الحساب الروماني يومئذ وهو الحساب الغربي اليوم وهو أن اليوم من نصف الليل إلى نصف الليل. أو أن ناسخ إنجيل يوحنا غلط ببدل الحرف الدال على الثلاثة بالحرف الدال على الستة لأن صورة كل من الحرفين تقرب من صورة الآخر كثيراً.
عُنْوَانُ عِلَّتِهِ اقتصر متّى على قوله «علته» وقال «هذا هو يسوع ملك اليهود». والذي كتبه مرقس أخصر وهو قوله «ملك اليهود». ولكن العنوان كُتب بثلاث لغات فلعلّ أحدهما ترجم أو نقل من أحدها والآخر عن أخرى.
٢٧، ٢٨ «٢٧ وَصَلَبُوا مَعَهُ لِصَّيْنِ، وَاحِداً عَنْ يَمِينِهِ وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ. ٢٨ فَتَمَّ ٱلْكِتَابُ ٱلْقَائِلُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ».
متّى ٢٧: ٣٨، إشعياء ٥٣: ١٢ ولوقا ٢٢: ٣٧
راجع الشرح متّى ٢٧: ٣٨.
لِصَّيْنِ الأرجح أنهما من رفقاء باراباس في الفتنة وأنه حُكم على ثلاثة أحدهم باراباس بالصلب وبما أنه أخذ يسوع بدلاً من باراباس فصُلب مكانه لو عُوقب.
فَتَمَّ ٱلْكِتَابُ أي تمت نبوءة إشعياء (إشعياء ٥٢: ١٢) وهي قوله «أحصي مع أثمة». وهذه النبوءة لم يستشهد بها متّى واستشهد بها لوقا أيضاً (لوقا ٢٢: ٣٧). وليس المراد أن الله حسبه أثيماً لكنه عامله كذلك في كل ما هو ضروري للتكفير عن خطايا البشر. وأن الناس اعتبروه أثيماً لأن الرؤساء شكوه بدعوى أنه أثيم وحكموا عليه بذلك في مجلسهم وعوقب بالموت مع أشرار الخطأة. وفي كل ذلك كان سر الفداء وهو «أن البار من أجل الأثمة» وبهذا فتحت السماء للمؤمنين لأنه أحصي مع الأثمة لكي تُحصَى مع الأبرار والقديسين.
٢٩ – ٤١ «٢٩ وَكَانَ ٱلْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ، وَهُمْ يَهُّزُونَ رُؤُوسَهُمْ قَائِلِينَ: آهِ يَا نَاقِضَ ٱلْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ! ٣٠ خَلِّصْ نَفْسَكَ وَٱنْزِلْ عَنِ ٱلصَّلِيبِ! ٣١ وَكَذٰلِكَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَهُمْ مُسْتَهْزِئُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَعَ ٱلْكَتَبَةِ قَالُوا: خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا. ٣٢ لِيَنْزِلِ ٱلآنَ ٱلْمَسِيحُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ عَنِ ٱلصَّلِيبِ، لِنَرَى وَنُؤْمِنَ. وَٱللَّذَانِ صُلِبَا مَعَهُ كَانَا يُعَيِّرَانِهِ. ٣٣ وَلَمَّا كَانَتِ ٱلسَّاعَةُ ٱلسَّادِسَةُ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى ٱلأَرْضِ كُلِّهَا إِلَى ٱلسَّاعَةِ ٱلتَّاسِعَةِ. ٣٤ وَفِي ٱلسَّاعَةِ ٱلتَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: إِلُوِي إِلُوِي لَمَا شَبَقْتَنِي؟ (اَلَّذِي تَفْسِيرُهُ: إِلٰهِي إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟) ٣٥ فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ ٱلْحَاضِرِينَ لَمَّا سَمِعُوا: هُوَذَا يُنَادِي إِيلِيَّا. ٣٦ فَرَكَضَ وَاحِدٌ وَمَلَأَ إِسْفِنْجَةً خَلاًّ وَجَعَلَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَسَقَاهُ قَائِلاً: ٱتْرُكُوا. لِنَرَ هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا لِيُنْزِلَهُ! ٣٧ فَصَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَأَسْلَمَ ٱلرُّوحَ. ٣٨ وَٱنْشَقَّ حِجَابُ ٱلْهَيْكَلِ إِلَى ٱثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ. ٣٩ وَلَمَّا رَأَى قَائِدُ ٱلْمِئَةِ ٱلْوَاقِفُ مُقَابِلَهُ أَنَّهُ صَرَخَ هٰكَذَا وَأَسْلَمَ ٱلرُّوحَ، قَالَ: حَقّاً كَانَ هٰذَا ٱلإِنْسَانُ ٱبْنَ ٱللّٰهِ! ٤٠ وَكَانَتْ أَيْضاً نِسَاءٌ يَنْظُرْنَ مِنْ بَعِيدٍ، بَيْنَهُنَّ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ، وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ ٱلصَّغِيرِ وَيُوسِي، وَسَالُومَةُ، ٤١ ٱللَّوَاتِي أَيْضاً تَبِعْنَهُ وَخَدَمْنَهُ حِينَ كَانَ فِي ٱلْجَلِيلِ. وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ ٱللَّوَاتِي صَعِدْنَ مَعَهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ».
مزمور ٢٢: ٧ ص ٤: ٥٨ ويوحنا ٢: ١٩، متّى ٢٧: ٤٤ ولوقا ٢٣: ٣٩، متّى ٢٧: ٤٥ ولوقا ٢٣: ٤٤، مزمور ٢٢: ١ ومتّى ٢٧: ٤٦، مزمور ٦٩: ٢١ ومتّى ٢٧: ٤٨ ويوحنا ١٩: ٢٩، متّى ٢٧: ٥١ ولوقا ٢٣: ٤٦ ويوحنا ١٩: ٣٠، متّى ٢٧: ٥١ ولوقا ٢٣: ٤٥، مزمور ٣٨: ١١ ومتّى ٢٧: ٥٤ و٥٥ ولوقا ٢٣: ٤٧ – ٤٩، يوحنا ١٩: ٢٥، متّى ١٣: ٥٥، متّى ٢٠: ٢٠، لوقا ٨: ٢ و٣
راجع الشرح متّى ٣٩ – ٥٦.
إِلُوِي إِلُوِي (ع ٣٤) هذا لفظ سرياني مقتبس من مزمور ٢٢: ١ ولم يذكر مرقس غيره من أقوال المسيح السبعة على الصليب.
ٱتْرُكُوا (ع ٣٦) وفي إنجيل متّى «اترك» وفي إنجيل مرقس بعد هذا «لينزله» وفي إنجيل متّى «يخلصه». ولعلّ علة هذا الفرق أن أحد البشيرين نقل كلام بعض المشاهدين والآخر كلام آخر. لأنه لا يقرب من العقل أنه لم يتكلم سوى إنسان واحد من كل ذلك الجمع.
فَصَرَخَ (ع ٣٧) الأرجح أن ما قاله في ذلك الصراخ هو «قد أكمل» (يوحنا ١٩: ٣٠).
وَٱنْشَقَّ حِجَابُ ٱلْهَيْكَلِ (ع ٣٨) كان ذلك الحجاب جميلاً نفيساً مطرزاً بصور الكاروبيم طوله ٣٠ قدماً وعرضه ٢٠ قدماً يفصل بين القدس وقدس الأقداس. وفُسر المقصود من انشقاقه في الرسالة إلى العبرانيين (عبرانيين ٩: ٣ و١٠: ١٩). ولعلّ ذلك الانشقاق علة قول لوقا كان «جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ ٱلْكَهَنَةِ يُطِيعُونَ ٱلإِيمَانَ» (أعمال ٦: ٧).
حَقّاً كَانَ هٰذَا ٱلإِنْسَانُ ٱبْنَ ٱللّٰهِ (ع ٣٩) أي كان كما ادعى (يوحنا ١٩: ٧). لم يحكم بيلاطس على المسيح بالموت على دعواه أنه ابن الله بل على دعوى أنه ملك مختلس حقوق قيصر كما أوضحه بالعنوان على الصليب فوق رأس المسيح. ولعلّ القائد سمع من اليهود السبب الحقيقي لتسليمهم إياه إلى الموت. فإن كان القائد الوثني اقتنع بصحة دعوى المسيح أنه ابن الله بما شاهده من معجزاته فكم يجب علينا أن نسلم بصحة تلك الدعوة لعلمنا فوق معرفة تلك المعجزات أن الله رفض اليهود ما يزيد على ثمانية عشر قرناً لرفضهم تلك الدعوى وقتلهم إياه من أجلها. وكل ذلك حدث إتماماً لنبوءة المسيح.
مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ (ع ٤٠) هذه اول مرة ذكر مرقس اسمها.
يَعْقُوبَ ٱلصَّغِيرِ هو ابن حلفي أو كلوبا وهو كاتب الرسالة المنسوبة إليه ولُقب بالصغير تمييزاً له عن يعقوب بن زبدي (متّى ١٠: ٩).
سَالُومَةُ لم يذكر متّى اسمها بل قال أنها أم ابني زبدي.
وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ ٱللَّوَاتِي صَعِدْنَ مَعَهُ (ع ٤١) لم تُعرف إحدى أولئك النساء وربما كان بينهن أرملة نايين التي أقام المسيح ابنها من الموت والمرأة التي كانت مصابة بنزف الدم في كفرناحوم. ومريم ومرثا أختي لعازر من بيت عنيا.
دفن يسوع ع ٤٢ إلى ٤٧
٤٢ – ٤٧ «٤٢ وَلَمَّا كَانَ ٱلْمَسَاءُ، إِذْ كَانَ ٱلاسْتِعْدَادُ – أَيْ مَا قَبْلَ ٱلسَّبْتِ – ٤٣ جَاءَ يُوسُفُ ٱلَّذِي مِنَ ٱلرَّامَةِ، مُشِيرٌ شَرِيفٌ، وَكَانَ هُوَ أَيْضاً مُنْتَظِراً مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ، فَتَجَاسَرَ وَدَخَلَ إِلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. ٤٤ فَتَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ أَنَّهُ مَاتَ كَذَا سَرِيعاً. فَدَعَا قَائِدَ ٱلْمِئَةِ وَسَأَلَهُ: هَلْ لَهُ زَمَانٌ قَدْ مَاتَ؟ ٤٥ وَلَمَّا عَرَفَ مِنْ قَائِدِ ٱلْمِئَةِ، وَهَبَ ٱلْجَسَدَ لِيُوسُفَ. ٤٦ فَٱشْتَرَى كَتَّاناً، فَأَنْزَلَهُ وَكَفَّنَهُ بِٱلْكَتَّانِ، وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ كَانَ مَنْحُوتاً فِي صَخْرَةٍ، وَدَحْرَجَ حَجَراً عَلَى بَابِ ٱلْقَبْرِ. ٤٧ وَكَانَتْ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يُوسِي تَنْظُرَانِ أَيْنَ وُضِعَ».
متّى ٢٧: ٥٧ ولوقا ٢٣: ٥٠ ويوحنا ١٩: ٣٨، لوقا ٢: ٢٥ و٣٨، متّى ٢٧: ٥٩ و٦٠ ولوقا ٢٣: ٥٣ ويوحنا ١٩: ٤٠
انظر الشرح متّى ٢٧: ٥٧ – ٦١.
ٱلْمَسَاءُ هو الوقت بين الساعة التاسعة والمغرب والمراد هنا أول هذا الوقت.
ٱلاسْتِعْدَادُ عَلَمٌ لكل يوم جمعة عند اليهود (كما فسر مرقس معناه للرومانيين ولو كتب اليهود ما فسره) لأنهم يستعدون فيه لكل ما يحتاج إليه يوم السبت. ولأن السبت في أسبوع عيد الفصح أعظم أيام ذلك الأسبوع اقتضى استعداداً غير عادي. وعدم الانتباه لكون الاستعداد علَماً ليوم الجمعة غلط البعض بظنه الاستعداد هنا وفي إنجيل يوحنا ١٩: ٣١ هو الاستعداد لأكل خروف الفصح وبأن يسوع أكل الفصح قبل وقته بيوم أي في الرابع عشر من نيسان بدلاً من الخامس عشر منه. وهذا القول يناقض ما قاله متّى ومرقس ولوقا صريحاً في شأن الوقت الذي أكل يسوع فيه الفصح. ولنا علاوة على ذلك علمنا أن يسوع كان يحفظ الناموس الموسوي حفظاً كاملاً. فلو أكل الفصح قبل وقته لنقض الناموس وجعل تلاميذه ينقضونه أيضاً وأن الكهنة لا يذبحون خروف الفصح في غير وقته ويرشون دمه حول المذبح ويسلمونه إلى التلاميذ ليأكلوه حينئذ.
يُوسُفُ (ع ٤٣) نعرف من أمر هذا الرجل أنه كان من الرامة وأنه غني وأنه تلميذ ليسوع (متّى ٢٧: ٥٧) وأنه مشير شريف. وأنه كان منتظراً ملكوت الله ع ٤٣ وأنه رجل صالح بارٌ. وأنه لم يكن موافقاً لرأي الرؤساء وعملهم (لوقا ٢٣: ٥٠ و٥١).
مُنْتَظِراً مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ فهو مثل سمعان (لوقا ٢: ٢٥ ومثل حنّة (لوقا ٢: ٣٦).
فَتَجَاسَرَ هذا يدل على أنه عرّض نفسه للإهانة والخطر لأن الرومانيين يحسبونه بذلك شريكاً للمسيح في الخيانة لقيصر كدعواهم واليهود يبغضونه لبغضهم يسوع. وقال يوحنا فيه أنه كان في أول أمره تلميذاً للمسيح خفية خلافاً لبطرس الذي تجاسر في أول الأمر وسل سيفه وضرب أحد خدم رئيس الكهنة ولم نسمع من أمره شيئاً عند صلب يسوع ودفنه. والظاهر أن يوسف الآن طرح الخوف جانباً وأعلن ما لم يعلنه أحد من الرسل. وعلاوة على تعريضه نفسه لما ذكر تنجس شرعاً بتنزيله جسد يسوع عن الصليب وحرم نفسه من احتفالات أسبوع العيد. ولم يذكر مرقس ما ذكره يوحنا أن نيقوديموس شاركه في ذلك العمل الممدوح. فلولاهما طُرح جسد يسوع في وادي هنوم مع جسدي اللصين.
تَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ (ع ٤٤) لأنه لم يسمع إلا منه أن يسوع مات ولأن الوقت الذي مرّ من صلبه إلى موته أقل من الوقت المعتاد لأن بعض المصلوبين كان يبقى حياً نحو ثلاثة أيام. وندر أن مات أحد المصلوبين بعد الصلب بأقل من ست وثلاثين ساعة.
فَدَعَا قَائِدَ ٱلْمِئَةِ لم يذكر غير مرقس من البشيرين سؤال بيلاطس للقائد. وكان هذا القائد هو الذي وكله بيلاطس بصلب يسوع.
وَلَمَّا عَرَفَ (ع ٤٥) هذا القائد شاهد آخر بحقيقة موت يسوع.
وَهَبَ ٱلْجَسَدَ لِيُوسُفَ كان أهل المصلوبين أو أصحابهم يبذلون مالاً كثيراً أحياناً ليحصلوا على الإذن في أخذ أجسادهم للدفن. ولكن بيلاطس وهب ليوسف جسد المسيح بلا شيء. ولعلّ بيلاطس أتى ذلك تخفيفاً لتوبيخ ضميره إياه على ما فعله بيسوع.
كَتَّاناً لم يكن أحد يكفن بالكتان سوى الأغنياء. وزاد يوحنا على ذلك أنه جاء نيقوديموس أيضاً «وَهُوَ حَامِلٌ مَزِيجَ مُرٍّ وَعُودٍ نَحْوَ مِئَةِ مَناً» (يوحنا ١٩: ٣٩). والأرجح أنهما وضعا الأطياب على جسد يسوع داخل الكتان ولفوه به وذلك بغية السرعة لأن السبت كان قريباً. وعلى هذا الأسلوب حنطوا آسا الملك «وَأَضْجَعُوهُ فِي سَرِيرٍ كَانَ مَمْلُوّاً أَطْيَاباً وَأَصْنَافاً عَطِرَةً حَسَبَ صِنَاعَةِ ٱلْعِطَارَةِ» (٢أيام ١٦: ١٤).
إن الله يقيم أناساً لإنفاذ مقاصده حيث لا نتوقع وجودهم. فمن كان يظن أن أحد أعضاء ذلك المجلس الذي حكم على يسوع بالموت يسبق الجميع إلى اجتهاده في إعداد مدفن للمسيح بكل مقتضياته ويُظهر كل جسارة لذلك مع أنّه كان قبلاً خائفاً.
فِي قَبْرٍ كَانَ مَنْحُوتاً فِي صَخْرَةٍ زاد لوقا ويوحنا على ذلك «لم يوضع فيه أحد قط». وذلك لكي لا يبقى ريب في أنه من هو الذي قام منه عند القيامة.
حَجَراً عَلَى بَابِ ٱلْقَبْرِ قال متّى أن ذلك الحجر كان كبيراً (متّى ٢٧: ٦٠).
تَنْظُرَانِ (ع ٤٧) ذكر مرقس امرأتين فقط كانتا تراقبان الدفن ووضع الحجر. وذكر لوقا أنه كان هناك نساء أُخر (لوقا ٢٣: ٥٥).
السابق |
التالي |