إنجيل مرقس | 11 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح إنجيل مرقس
للدكتور . وليم إدي
دخول المسيح كملك إلى أورشليم ع ١ إلى ١١
١ – ١١ «١ وَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَيْتِ فَاجِي وَبَيْتِ عَنْيَا، عِنْدَ جَبَلِ ٱلّزَيْتُونِ، أَرْسَلَ ٱثْنَيْنِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ ٢ وَقَالَ لَهُمَا: ٱذْهَبَا إِلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي أَمَامَكُمَا، فَلِلْوَقْتِ وَأَنْتُمَا دَاخِلاَنِ إِلَيْهَا تَجِدَانِ جَحْشاً مَرْبُوطاً لَمْ يَجْلِسْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ ٱلنَّاسِ. فَحُلاَّهُ وَأْتِيَا بِهِ. ٣ وَإِنْ قَالَ لَكُمَا أَحَدٌ: لِمَاذَا تَفْعَلاَنِ هٰذَا؟ فَقُولاَ: ٱلرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ. فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُهُ إِلَى هُنَا. ٤ فَمَضَيَا وَوَجَدَا ٱلْجَحْشَ مَرْبُوطاً عِنْدَ ٱلْبَابِ خَارِجاً عَلَى ٱلطَّرِيقِ، فَحَلاَّهُ. ٥ فَقَالَ لَهُمَا قَوْمٌ مِنَ ٱلْقِيَامِ هُنَاكَ: مَاذَا تَفْعَلاَنِ، تَحُلاَّنِ ٱلْجَحْشَ؟ ٦ فَقَالاَ لَهُمْ كَمَا أَوْصَى يَسُوعُ. فَتَرَكُوهُمَا. ٧ فَأَتَيَا بِٱلْجَحْشِ إِلَى يَسُوعَ، وَأَلْقَيَا عَلَيْهِ ثِيَابَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِ. ٨ وَكَثِيرُونَ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي ٱلطَّرِيقِ، وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَاناً مِنَ ٱلشَّجَرِ وَفَرَشُوهَا فِي ٱلطَّرِيقِ. ٩ وَٱلَّذِينَ تَقَدَّمُوا وَٱلَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ: أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ ٱلآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ! ١٠ مُبَارَكَةٌ مَمْلَكَةُ أَبِينَا دَاوُدَ ٱلآتِيَةُ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي ٱلأَعَالِي!». ١١ فَدَخَلَ يَسُوعُ أُورُشَلِيمَ وَٱلْهَيْكَلَ، وَلَمَّا نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ إِذْ كَانَ ٱلْوَقْتُ قَدْ أَمْسَى، خَرَجَ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا مَعَ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ».
متّى ٢١: ١ ولوقا ٩: ٢٩ ويوحنا ١٢: ١٤، متّى ٢١: ٨، مزمور ١١٨: ٢٦، مزمور ١٤٨: ١، متّى ٢١: ١٢
تقدم الكلام على دخول يسوع بالاحتفال إلى أورشليم في شرح إنجيل متّى (متّى ٢١: ١ – ١٧). والأرجح أنه حدث ذلك يوم الأحد الذي هو اليوم العاشر من نيسان. والمسيح لم يظهر قبل ذاك دعواه أنه ملك ومنع تلاميذه عن التفوه بها ولكنه أذن لهم حينئذ في أن ينادوا جهاراً بأنه ملك لأنه أتت الساعة لإعلان ذلك.
بَيْتِ فَاجِي وَبَيْتِ عَنْيَا هما قريتان شرقي أوشليم على سفح جبل الزيتون الشرقي والأرجح أن إحداهما قريبة من الأخرى ونستنتج من كلام متّى أن بيت فاجي أقرب إلى أورشليم من بيت عنيا وكانت المسافة بين أورشليم وبيت عنيا خمس عشرة غلوة.
جَحْشاً مَرْبُوطاً (ع ٢) قال متّى أن أم هذا الجحش أتت معه.
لَمْ يَجْلِسْ عَلَيْهِ أَحَدٌ جرت العادة كثيراً أنهم يستخدمون من البهائم للأمور الدينية ما لم يسبق له استخدام لغيرها (عدد ١٩: ٢ وتثنية ٢١: ٣ و١صموئيل ٦: ٧).
عِنْدَ ٱلْبَابِ خَارِجاً عَلَى ٱلطَّرِيقِ (ع ٤) هذا زيادة على ما قاله متّى والظاهر أن الجحش كان مربوطاً خارج بيت صاحبه عند الباب تجاه الطريق. ونستدل من هذا التدقيق أن بطرس كان أحد الاثنين اللذين أتيا بالحمار وأنه أخبر مرقس بذلك.
قَوْمٌ مِنَ ٱلْقِيَامِ (ع ٥) هم أصحاب الجحش (لوقا ١٩: ٢٣) وسؤالهم كان لا بد منه طبعاً وهو ما توقعه يسوع. وأجابهما التلميذان بما أمرهما المسيح به.
فَجَلَسَ عَلَيْهِ (ع ٦) ندر ركوب الخيل يومئذ إلا في أيام الحرب. واعتاد الناس على ركوب الحمير في وقت السلم وكان يركبها أحسن الشرفاء. وركوب المسيح على ذلك الجحش كان علامة على أنه أتى باعتبار أنه ملك السلام. وأبان متّى أنه تم بذاك نبوءة زكريا (زكريا ٩: ٩).
مَمْلَكَةُ أَبِينَا دَاوُدَ أي مملكة المسيح الذي كانوا يتوقعون مجيئه وكان داود أوصل تلك المملكة إلى أعظم مجدها السابق فرجا أن المسيح يردّ إليها ذلك المجد. فبارك المحتفلون الملك والمملكة. وكان داود رمزاً إلى المسيح ومملكته رمزاً إلى ملكوته.
نَظَرَ حَوْلَهُ (ع ١١) لم يذكر شيئاً مما في هذا العدد إلا مرقس وقد علمنا منه أن المسيح لم يعمل شيئاً في يوم الأحد سوى أنه دخل المدينة والهيكل وشاهد كل مدنسات ذلك الموضع المقدس التي طرحها في الغد. وأنه رجع بعدئذ إلى بيت عنيا وبات هناك للأمن ولانتهاز فرص الصلاة وتعليم تلاميذه.
التينة التي لم تثمرّ ع ١٢ إلى ١٤
١٢ – ١٤ «١٢ وَفِي ٱلْغَدِ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ بَيْتِ عَنْيَا جَاعَ، ١٣ فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ مِنْ بَعِيدٍ عَلَيْهَا وَرَقٌ، وَجَاءَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا شَيْئاً. فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ شَيْئاً إِلاَّ وَرَقاً، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ ٱلتِّينِ. ١٤ فَقَالَ يَسُوعُ لَهَا: لاَ يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْكِ ثَمَراً بَعْدُ إِلَى ٱلأَبَدِ. وَكَانَ تَلاَمِيذُهُ يَسْمَعُونَ».
متّى ٢١: ١٨ الخ
مرّ الكلام على تلك التينة في شرح إنجيل متّى ٢١: ١٨ – ٢٠. وكانت تلك الحادثة صباح الاثنين في ذهابهم إلى أورشليم قبل تطهير الهيكل. وجمع متّى نبأ لعن التينة ونبأ مشاهدتهم إياها يابسة في خبر واحد مع أن لعنها كان يوم الاثنين ومشاهدتها يابسة يوم الثلاثاء. وذكر نبأ الأمرين بعد تطهير الهيكل وهذا ما عهد من عادة متّى فإنه اعتاد أن يجمع أنباء الحوادث المتشابهة أو التي بينها علاقة بقطع النظر عن أوقاتها. وزاد مرقس على ما ذكره متّى أن المسيح نظر شجرة التين من بعيد وهم مقبلون إليها.
واعترض بعضهم في أمر التينة ثلاثة اعتراضات:
- الأول: كيف لم يعلم يسوع قبل وصوله إلى تلك التينة أن ليس عليها من ثمر. والجواب أنه لم يذكر أحد من البشيرين أن يسوع جهل ذلك. لكنه قصد أن يعلم تلاميذه ما يفيدهم بواسطة تلك الشجرة فتصرف كسائر الناس في مثل تلك الحال. وكان فعله هنا كما فعله في عمواس فإنه تظاهر هنالك كأنه منطلق إلى مكان أبعد (لوقا ٢٤: ٢٨).
- الثاني: أنه كيف حق له أن ينتظر الثمر من تلك التينة «إذ لم يكن وقت التين». والجواب أنه لم يكن الوقت الذي يتوقع فيه الثمر على كل تينة كأمر معلوم لكن ذلك الوقت كان مما ينتظر فيه باكورة الثمرّ السابقة كما هو المعهود في التين ولا سيما في تينة أخرجت كل أوراقها لأن العادة أن التينة التي سبق إيراقها يسبق إثمارها.
- الثالث: كيف حسن عند المسيح أن يغضب على تلك الشجرة ويلعنها. والجواب أنه ليس من دليل على أن المسيح غضب عليها. نعم أن الناس يغضبون ويلعنون ولكن المسيح حكم على التينة بالإيباس بلا غضب ولم يأت في ذلك ظلماً لأن الشجرة لا تشعر بالألم ولم تكن لمعيَّن من الناس لأنها كانت مباحة لابناء السبيل ولم يُضرّ أحد من إيباسها لأنها كانت عقيماً ويسوع باعتبار كونه إلهاً له الحق أن يميت ما خلقه من الأحياء. وأتى كل ذلك لتعليم تلاميذه بمثال محسوس ونبؤءة بما يأتي من الأمة اليهودية التي أشبهت شجرة كثيرة الأوراق خالية من الثمرّ ورمز إلى ذلك. وكان مما فعله في تلك التينة تعليم عام للناس أنه من كان بلا ثمر لله فهو قريب من الهلاك.
تطهير الهكيل الثاني ع ١٥ إلى ١٩
١٥ – ١٨ «١٥ وَجَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ ٱلْهَيْكَلَ ٱبْتَدَأَ يُخْرِجُ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي ٱلْهَيْكَلِ، وَقَلَّبَ مَوَائِدَ ٱلصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ ٱلْحَمَامِ. ١٦ وَلَمْ يَدَعْ أَحَداً يَجْتَازُ ٱلْهَيْكَلَ بِمَتَاعٍ. ١٧ وَكَانَ يُعَلِّمُ قَائِلاً لَهُمْ: أَلَيْسَ مَكْتُوباً: بَيْتِي بَيْتَ صَلاَةٍ يُدْعَى لِجَمِيعِ ٱلأُمَمِ؟ وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ. ١٨ وَسَمِعَ ٱلْكَتَبَةُ وَرُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ فَطَلَبُوا كَيْفَ يُهْلِكُونَهُ، لأَنَّهُمْ خَافُوهُ، إِذْ بُهِتَ ٱلْجَمْعُ كُلُّهُ مِنْ تَعْلِيمِهِ».
متّى ٢١: ١٢ ولوقا ١٩: ٤٥ ويوحنا ٢: ١٤، إشعياء ٥٦: ٧، إرميا ٧: ١١، متّى ٢١: ٤٥ و٤٦ ولوقا ١٩: ٤٧، متّى ٧: ٢٨ وص ١: ٢٢ ولوقا ٤: ٣٢
شرح هذا في متّى ٢١: ١٢ و١٣. وكان ذلك التطهير يوم الاثنين وهو التطهير الثاني الذي اعتنى به. وأتى التطهير الأول في بداءة خدمته قبل ذاك بثلاث سنين (يوحنا ٢: ١٣ – ١٧).
وكانت غايته من ذلك التطهير إظهار سلطانه باعتبار أنه هو المسيح وأن يوبخ اليهود على تدنيس ذلك المكان المقدس وأن يشير إلى فعله الأعظم وهو تطهير النفوس التي هي هياكل حية.
يَجْتَازُ ٱلْهَيْكَلَ بِمَتَاعٍ لم يذكر هذا إلا مرقس وليس معناه أنه لم يأذن للكهنة أن يحملوا الآنية المقدسة في أدور الهيكل لكنه لم يسمح للناس أن يجعلوا تلك الأدور المقدسة مثل سوق تُحمل فيه الأواني العادية مما يستخدمونها بيوتهم. ولعلهم اتخذوا أدور الهيكل طرقاً مختصرة للمرور من جانب المدينة إلى الآخر.
لِجَمِيعِ ٱلأُمَمِ (ع ١٧) زاد مرقس ذلك لأنه كتب لنفع الأمم. وقول المسيح هنا وفق نبوءة إشعياء (إشعياء ٥٦: ٧) ونبوءة إرميا (إرميا ٧: ١١). وهو يشير إلى عموم الديانة المسيحية. وإتمام ذلك لا يكون مقيداً بهكيل أورشليم بل يكون في كل أرض عليها من يعبد الله بالروح والحق (يوحنا ٤: ٢١).
خَافُوهُ (ع ١٨) كان خوفهم من الناس الذين رافقوه وحسبوه نبياً. ولعله كان ظاهراً على هيئته من الهيبة والوقار ما لم يعهده الناس من غيره. وبكتتهم ضمائرهم على تدنيسهم الهيكل ولذلك خافوا أن يقاوموه علانية مع أنهم قصدوا قتله لئلا تزول بتعليمه سلطتهم على الشعب.
١٩ «وَلَمَّا صَارَ ٱلْمَسَاءُ خَرَجَ إِلَى خَارِجِ ٱلْمَدِينَةِ».
خَارِجِ ٱلْمَدِينَةِ الأرجح أن المسيح ذهب إلى بيت عنيا إلى بيت لعازر ومريم ومرثا (لوقا ٢١: ٣٧ و٣٨).
إيباس التينة ع ٢٠ إلى ٢٦
٢٠ «وَفِي ٱلصَّبَاحِ إِذْ كَانُوا مُجْتَازِينَ رَأَوُا ٱلتِّينَةَ قَدْ يَبِسَتْ مِنَ ٱلأُصُولِ».
متّى ٢١: ١٩
وَفِي ٱلصَّبَاحِ أي صباح الثلاثاء الثاني عشر من نيسان. وذهب باكراً إلى أروشليم لأنه «كَانَ كُلُّ ٱلشَّعْبِ يُبَكِّرُونَ إِلَيْهِ فِي ٱلْهَيْكَلِ لِيَسْمَعُوهُ» (لوقا ٢١: ٣٨).
مُجْتَازِينَ في سيرهم من بيت عنيا إلى أورشليم.
يَبِسَتْ مِنَ ٱلأُصُولِ لعله يبست الأوراق في يوم الاثنين حين أمر المسيح بإيباسها ولعلّ التلاميذ شاهدوا هذا في وقته (متّى ٢١: ١٩). وفي يوم الثلاثاء ظهر جلياً يبسها من الأوراق إلى العروق.
٢١ «فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: يَا سَيِّدِي ٱنْظُرْ، اَلتِّينَةُ ٱلَّتِي لَعَنْتَهَا قَدْ يَبِسَتْ!».
تكلم بطرس عن نفسه وعن سائر التلاميذ. والظاهر أن لا أحد من التلاميذ فطن للمعنى الرمزي من تلك الحادثة بل عجب الجميع من سلطان المسيح على حياة الشجرة كأنه أعظم مما توقعوا.
وتعجبهم الذي ذكره متّى (في متّى ٢١: ٢٠) علامة واضحة على عدم إيمانهم بقوة كلمات المسيح ولذلك خاطبهم المسيح في وجوب الإيمان.
٢٢ – ٢٤ «٢٢ فَأَجَابَ يَسُوعُ: لِيَكُنْ لَكُمْ إِيمَانٌ بِٱللّٰهِ. ٢٣ لأَنِّي ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ قَالَ لِهٰذَا ٱلْجَبَلِ، ٱنْتَقِلْ وَٱنْطَرِحْ فِي ٱلْبَحْرِ، وَلاَ يَشُكُّ فِي قَلْبِهِ، بَلْ يُؤْمِنُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ يَكُونُ، فَمَهْمَا قَالَ يَكُونُ لَهُ. ٢٤ لِذٰلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ، فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ، فَيَكُونَ لَكُمْ».
متّى ١٧: ٢٠ و٢١: ٢١ ولوقا ١٧: ٦، متّى ٧: ٧ ولوقا ١١: ٩ ويوحنا ١٤: ١٣ و١٥: ٧ و١٦: ٢٤ ويعقوب ١: ٥ و٦
انظر الشرح متّى ٢١: ٢٢.
لِيَكُنْ لَكُمْ إِيمَانٌ بِٱللّٰهِ أي تصديق بأنه مصدر كل قوة وأنه قادر على فعل ما يظهر للناس أنه خارج عن الطاقة البشرية كإيباس الشجرة بكلمة. وتدلنا القرينة أن الوعد في الآية الرابعة والعشرين ليس لكل المسيحيين في كل حين بل للرسل ليعملوا المعجزات إثباتاً للدين المسيحي.
٢٥، ٢٦ «٢٥ وَمَتَى وَقَفْتُمْ تُصَلُّونَ فَٱغْفِرُوا إِنْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ، لِكَيْ يَغْفِرَ لَكُمْ أَيْضاً أَبُوكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ زَلاَّتِكُمْ. ٢٦ وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا أَنْتُمْ لاَ يَغْفِرْ أَبُوكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ أَيْضاً زَلاَّتِكُمْ».
متّى ٦: ١٤ وكولوسي ٣: ١٣، متّى ١٨: ٣٥
لم يذكر متّى هاتين الآيتين في خبر التينة. والأرجح أن علة ذلك ذكره معناهما في موضع آخر فانظر شرحهما هناك (متّى ٦: ١٢ و١٥).
وَقَفْتُمْ تُصَلُّونَ كان الوقوف مما اعتاده الناس يومئذ في الصلاة كما هو المعتاد اليوم في الشرق (١صموئيل ١: ٢٦ ولوقا ١٨: ١١ و١٣). والله يعتبر حال القلب أكثر مما يعتبر هيئة الجسد في عبادته ولكن يليق أن تكون تلك الهيئة موافقة لأحوال قلوبنا وأن نظهر الاعتبار اللائق بالله بالعلامات المعتادة. وذلك لنفعنا ولنفع الذين يشاهدون عبادتنا.
وجاء في الكتاب المقدس أن بعضهم صلى راكعاً إظهاراً لزيادة التواضع أمام الله والوقار له (١ملوك ٨: ٥٤ ودانيال ٦: ١٠). وإظهاراً لشدة ضيق النفس (لوقا ٢٢: ٤١). وبعضهم صلى ساقطاً على وجهه (يشوع ٧: ٦ و١ملوك ١٨: ٤٢).
فَٱغْفِرُوا المغفرة شرط إجابة الصلاة مطلقاً سواء كانت طلب إجراء المعجزات أم طلب غيره لأنه من المحال أن يهب الله عمل المعجزات لمن يطلبه للتشفي من الغضب أو للانتقام أو للتعصب الجهلي فمن ضروريات الصلاة الفعالة اقترانها بروح الإيمان والمغفرة. وأقوى الإيمان بلا روح المحبة والمغفرة لا تأثير له. فمن لا يرى إجابة لصلاته فليفحص قلبه لعلّ المانع منه. وقول المسيح هنا دليل على أنه لم ييبس التينة غضباً.
سؤال رؤساء اليهود عن سلطان يسوع ع ٢٧ إلى ٣٣
٢٧ – ٣٣ «٢٧ وَجَاءُوا أَيْضاً إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَفِيمَا هُوَ يَمْشِي فِي ٱلْهَيْكَلِ أَقْبَلَ إِلَيْهِ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةُ وَٱلشُّيُوخُ، ٢٨ وَقَالُوا لَهُ: بِأَيِّ سُلْطَانٍ تَفْعَلُ هٰذَا، وَمَنْ أَعْطَاكَ هٰذَا ٱلسُّلْطَانَ حَتَّى تَفْعَلَ هٰذَا؟ ٢٩ فَأَجَابَ يَسُوعُ: وَأَنَا أَيْضاً أَسْأَلُكُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً. أَجِيبُونِي، فَأَقُولَ لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَانٍ أَفْعَلُ هٰذَا: ٣٠ مَعْمُودِيَّةُ يُوحَنَّا: مِنَ ٱلسَّمَاءِ كَانَتْ أَمْ مِنَ ٱلنَّاسِ؟ أَجِيبُونِي. ٣١ فَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ قَائِلِينَ: إِنْ قُلْنَا مِنَ ٱلسَّمَاءِ، يَقُولُ: فَلِمَاذَا لَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ؟ ٣٢ وَإِنْ قُلْنَا مِنَ ٱلنَّاسِ. فَخَافُوا ٱلشَّعْبَ. لأَنَّ يُوحَنَّا كَانَ عِنْدَ ٱلْجَمِيعِ أَنَّهُ بِٱلْحَقِيقَةِ نَبِيٌّ. ٣٣ فَأَجَابُوا: لاَ نَعْلَمُ. فَقَالَ يَسُوعُ: وَلاَ أَنَا أَقُولُ لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَانٍ أَفْعَلُ هٰذَا»
متّى ٢١: ٢٣ ولوقا ٢٠: ١، متّى ٣: ٥ و١٤: ٥ وص ٦: ٢٠
الكلام هنا يفرق قليلاً عما سبق في بشارة متّى (متّى ٢١: ٢٣ – ٢٧) فراجع الشرح.
أَجِيبُونِي (ع ٢٩) لو أجابوا يسوع عن ذلك لوجدوا جواب سؤالهم إياه ضمن جواب سؤاله إياهم. فكأنه قال لهم شهادة يوحنا المعمدان لي هي جواب على سؤالكم. فإن أبيتم أن تقبلوا شهادة ذلك النبي المرسل من الله فأنا آبي أن أجيب بغيرها على سؤالكم. وكان جوابه لهم مثل جواب إبراهيم للغني بقوله «إِنْ كَانُوا لاَ يَسْمَعُونَ مِنْ مُوسَى وَٱلأَنْبِيَاءِ، وَلاَ إِنْ قَامَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ يُصَدِّقُونَ» (لوقا ١٦: ٣١). وكشف المسيح بذلك السؤال رياء الفريسيين في تظاهرهم بأنهم لم يعلموا على أي شيء بنى المسيح دعواه السلطان وأنهم لم يروا ما فعله من المعجزات إثباتاً لصحة دعواه.
السابق |
التالي |